تجِبُ صلاةُ الجُمُعة على الرِّجالِ، الأحرارِ، المُكلَّفِينَ، المقيمينَ، الَّذين لا عُذرَ لهم يُعذَرُ العمَّال في تَرْكِ صلاة الجُمُعة إذا كان ذَهابُهم إليها يحصُلُ به خَسارةٌ كبيرةٌ أو ضرر، ويُصَلُّون بدَلَها ظهرًا؛ قال ابن عثيمين: (إذا كان ذَهابُهم إلى الجُمُعة يحصل به خسارةٌ كبيرةٌ؛ فإنَّ المباشرينَ للعَمَلِ يُعذرونَ بِتَرْك صلاة الجُمُعة، ويُصَلُّون بَدَلَها ظهرًا؛ لكن ينبغي أن يُقْتَصَر على أقلِّ عددٍ يحصُلُ به المطلوبُ، وأن يعمَلَ العمَّال بالتناوُبِ؛ هذا جُمُعة وهذا جمعة. أمَّا إذا كان لا يحصُلُ به خَسارة، ولكن يفوتُ به ربحٌ، فالواجِبُ أن يصلُّوا الجُمُعة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/37). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عنْ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يَستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يَعقِلَ)) رواه أبو داود (4403)، والترمذي (1423)، وابن ماجه (2042)، وأحمد (940) حسَّنه البخاريُّ كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (225)، وصححه النووي في ((المجموع)) (3/6)، وصحح إسناده العيني في ((نخب الأفكار)) (8/393)، وأحمد شاكر في ((تحقيق مسند أحمد)) (2/197)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). .2- عن طارق بن شهاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ، إلَّا أربعةً: عبْدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صَبيٌّ، أو مَرِيضٌ)) رواه أبو داود (1067)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5679)، والبيهقي (3/172) (5787). قال أبو داود: طارقُ بن شِهاب رأى النبيَّ ولم يسمعْ منه شيئًا. وقال البيهقيُّ: رُوي موصولًا وليس بمحفوظ. وصحَّح إسنادَه- على شرط الشيخين- النوويُّ في ((المجموع)) (4/483)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/190)، وصحح إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) (5/327)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/636)، وقال ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/581): صحَّحه غيرُ واحد، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1067)، وصحَّحه مرسلًا الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (515). والحديث رُوي من طرق عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ الجمعة واجبةٌ على الأحرار، البالغين، المقيمين، الذين لا عُذرَ لهم) ((الإجماع)) (ص: 40). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأجمَع علماء الأمَّة أنَّ الجمعة فريضةٌ على كلِّ حرٍّ، بالغٍ، ذَكَر، يدركه زوالُ الشمس في مِصرٍ من الأمصار وهو من أهل المصرِ غير مسافر) ((الاستذكار)) (2/56). . انظر أيضا: المطلب الثاني: الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ. المطلب الثالث: مَن لَزِمَتْه الجُمُعةُ فصَلَّى الظُّهرَ قبلَ فَواتِ صَلاةِ الجُمُعةِ . المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ. المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا .

تجِبُ الجُمُعة على الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ وأمَّا إذا لم يكن له قائدٌ؛ فقد قال الكاسانيُّ: (وأمَّا الأعمى؛ فهل تجب عليه؟ أجمَعوا على أنه إذا لم يجِد قائدًا لا تجِبُ عليه) ((بدائع الصنائع)) (1/259). ، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ويُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 560)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/379) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/631). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/486) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/277). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/495) ((الإنصاف)) للمرداوي (2/211). ، وأبي يوسف ومُحمَّد من الحَنَفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/259). ، وهو قولُ داودَ قال النوويُّ: (وممَّن قال بوجوب الجُمُعة على الأعمى الذي يجد قائدًا: مالكٌ، وأحمدُ، وأبو يوسف ومحمد، وداود) ((المجموع)) (4/486) .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعة: 9].وَجْهُ الدَّلالَةِ: عمومُ الآية؛ فيَدخُل فيه الأعمى إذا كان له قائدٌ يقودُه للصَّلاةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/253). .ثانيًا: من السُّنَّةعن طارق بن شهاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ إلَّا أربعةً: عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ)) رواه أبو داود (1067)، والبيهقي (3/172) (5787). قال أبو داود: طارقُ بن شِهاب رأى النبيَّ ولم يسمعْ منه شيئًا. وقال البيهقيُّ: رُوي موصولًا وليس بمحفوظ. وصحَّح إسنادَه- على شرط الشيخين- النوويُّ في ((المجموع)) (4/483)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/190)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/636)، وقال ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/581): صحَّحه غيرُ واحد. وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1067)، وصحَّحه مرسلًا الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (515). والحديثُ رُوي من طُرقٍ عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. . ثالثًا: ولأنَّه يَخافُ الضررَ مع عدمِ القائدِ، ولا يخافُ مع القائدِ ((المجموع)) للنووي (4/485). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: مَن تجِبُ عليهم صلاةُ الجُمُعة. المطلب الثالث: مَن لَزِمَتْه الجُمُعةُ فصَلَّى الظُّهرَ قبلَ فَواتِ صَلاةِ الجُمُعةِ . المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ. المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا .

لا تَصِحُّ صلاةُ الظُّهرِ ممَّنْ لزمتْه الجُمُعةُ قبلَ صلاةِ الجُمُعةِ، ويَلزمُه السَّعيُ إليها، فإنْ أدرَكَها وإلَّا صلَّى ظُهرًا، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 56). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/497). ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (2/254). ، وهو قولُ داود قال النوويُّ: (الصحيح عندنا أنه لا تصحُّ صلاتُه، وبه قال الثوريُّ، ومالكٌ، وزفر، وأحمدُ، وإسحاق، وداود) ((المجموع)) (4/497). . وذلك للآتي:أولًا: أنَّ صلاةَ الجُمُعةِ هي المفروضةُ عليه ((المغني)) لابن قدامة (2/254). .ثانيًا: أنَّه صلَّى ما لم يُخاطَبْ به، وترَك ما خُوطِبَ به؛ لأنَّه لا يُخاطَبُ في الوقتِ بصَلاتينِ؛ فلمْ تصحَّ، كما لو صَلَّى العصرَ مكانَ الظُّهرِ، ولا نِزاعَ في أنَّه مخاطَبٌ بالجُمُعةِ، فسقطَتْ عنه الظهرُ، كما لو كان بعيدًا، وقد دلَّ عليه النصُّ والإجماعُ ((المغني)) لابن قدامة (2/254). .ثالثًا: أنَّه لا خِلافَ في أنَّه يأثمُ بتَرْكِ الجُمُعةِ وترْكِ السَّعيِ إليها، ويَلزَمُ من ذلك أنْ لا يُخاطَبَ بالظهرِ؛ لأنَّه لا يُخاطَبُ في الوقتِ بصَلاتينِ ((المغني)) لابن قدامة (2/254). .رابعًا: لأنَّه يأثمُ بترْكِ الجُمُعةِ وإنْ صلَّى الظهرَ، ولا يأثمُ بفِعلِ الجُمُعةِ وترْك الظهرِ بالإجماعِ، والواجبُ فِعْلُ ما يأثم بتَرْكه دون ما لم يأثمْ به ((المغني)) لابن قدامة (2/254). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: مَن تجِبُ عليهم صلاةُ الجُمُعة. المطلب الثاني: الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ. المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ. المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا .

الفرع الأول: حُكمُ الجُمُعةِ لِمَنْ لمْ يَسمَعِ النِّداءَ تجِبُ الجُمُعةُ على جميعِ مَن في البلدِ، وإنْ كان في طَرَفِها لا يَسمَعُ النِّداءَ قال ابنُ قُدامَة: (قال: "وتجب الجمعةُ على مَن بينه وبين الجامعِ فرسخٌ" هذا في حقِّ غير أهل المصر، أمَّا أهل المصر فيلزمهم كلَّهم الجمعةُ، بَعُدوا أو قَرُبوا؛ قال أحمد: أمَّا أهلُ المصر فلا بدَّ لهم من شهودها، سمِعوا النداءَ أو لم يَسمعوا؛ وذلك لأنَّ البلدَ الواحد بُني للجمعة، فلا فَرْقَ بين القريب والبعيد، ولأنَّ المصر لا يكادُ يكونُ أكثرَ من فرسخ؛ فهو في مظِنَّة القُرب، فاعتُبر ذلك. وهذا قولُ أصحاب الرأي، ونحوُه قولُ الشافعي) ((المغني)) (2/266). . الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ قد أمَرَ بالسَّعيِ بمُجرَّدِ النِّداءِ لا السَّماعِ له ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (3/384). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (... الإتيان إلى صلاة الجمعة واجبٌ على كلِّ مَن كان في المصر، وإنْ لم يسمعِ النداءَ، ولا أعرف في ذلك خلافًا) ((بداية المجتهد)) (1/142). ، وابنُ بَطَّال قال ابنُ بَطَّال: (وفى إجماع العلماء على أنَّ مَن كان فى طرَف المصر العظيم، وإنْ لم يسمع النداءَ يلزمه السعيُ) ((شرح صحيح البخاري)) (2/495). ، وابنُ رجب قال ابنُ رجب: (هذا الذي في القرية، إنْ كان من أهلها المستوطنين بها، فلا خلافَ في لزوم السعي إلى الجمعة له، وسواء سمِع النداءَ أو لم يسمعْ، وقد نصَّ على ذلك الشافعيُّ، وأحمدُ، ونقَل بعضُهم الاتفاقَ عليه) ((فتح الباري)) (5/403). ، وسندٌ من المالِكيَّة قال سندٌ: (أجمعتِ الأمَّة على الوجوب على مَن حواه المصر، سواء سمِع أو لم يَسمعْ) ((الذخيرة)) للقرافي (2/341). . ثالثًا: أنَّه بلدٌ واحدٌ؛ فلا فَرْقَ فيه بين البَعيدِ والقريبِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/22). .الفرع الثاني: حُكمُ الجُمُعةِ على مَن كان خارجَ البَلدِتجِبُ الجُمُعةُ على مَن يَسمَعُ النِّداءَ ولو كان خارجَ البَلدِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال ابنُ حجر: «والذي ذهَب إليه الجمهورُ أنَّها تجِب على مَن سمِع النداء، أو كان في قوَّة السامع، سواء كان داخلَ البلد أو خارجَه، ومحله- كما صرَّح به الشافعي- ما إذا كان المنادِي صيِّتًا والأصواتُ هادئة، والرجل سميعًا» ((فتح الباري)) (2/385). من المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/248)، ويُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/220). إلَّا أنَّهم حدُّوه بمسافةِ فرسخ؛ لأنَّ ذلك هو منتهى صوتِ المؤذِّن غالبًا. ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/488). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/22)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/266). إلَّا أنَّهم حدُّوه بمسافة فرسخ؛ لأنَّ هذه هي المسافةُ التي يُسمع خلالها صوتُ المؤذِّن غالبًا. ، وهو قولُ داودَ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقال الشافعي: تجِب الجمعةُ على كلِّ مَن كان بالمصر، وكذلك كلُّ مَن سمِع النداءَ ممَّن يسكُن خارجَ المصر، وهو قولُ داودَ) ((التمهيد)) (10/280). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال ابنُ قُدامَة: (رُوي عن عبد الله بن عمرو، قال: الجمعةُ على مَن سمِع النداء. وهذا قول الشافعيِّ، وإسحاق؛ لِمَا رَوى عبد الله بن عمرو، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «الجمعةُ على مَن سمِع النداءَ» رواه أبو داود. والأشبهُ أنه من كلام عبد الله بن عمرو، ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للأعْمى الذي قال: ليس لي قائدٌ يقودني: «أَتسمَعُ النِّداءَ؟ قال: نعم. قال: فأجِبْ». ولأنَّ مَن سمِع النداء داخلٌ في عموم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه **الجمعة: 9**) ((المغني)) (2/266، 267). وقال النوويُّ: (قد ذكرنا أنَّ مذهبنا وجوبُها على مَن بلغه نداءُ البلد دون غيرِه، وبه قال ابنُ عمرو بن العاص، وسعيدُ بن المسيَّب، وأحمدُ، وإسحاق) ((المجموع)) (4/488). .الدَّليلُ مِنَ الكتاب:قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعة: 9].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ ظاهرَ الآيةِ وجوبُ الجُمُعةِ على مَن سمِعَ النِّداءَ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/404). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: مَن تجِبُ عليهم صلاةُ الجُمُعة. المطلب الثاني: الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ. المطلب الثالث: مَن لَزِمَتْه الجُمُعةُ فصَلَّى الظُّهرَ قبلَ فَواتِ صَلاةِ الجُمُعةِ . المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا .

تجِبُ الجُمُعةُ والسعيُ إليها، سواءٌ كان مَن يُقيمها سُنيًّا، أو مبتدعًا، أو عدْلًا، أو فاسقًا قال الشافعيُّ: (الجُمُعةُ خَلْفَ كلِّ إمامٍ صلَّاها من أميرٍ ومأمور، ومتغلِّب على بلدةٍ وغيرِ أميرٍ، مجزئةٌ) ((الأم)) (1/221). وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/584)، ((المغني)) لابن قدامة (2/223). . الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعة: 9].وَجْهُ الدَّلالَةِ: عمومُ الآيةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/223). .ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي العَاليةِ البَرَّاءِ، قال: ((أخَّرَ زيادٌ الصلاةَ فأتاني ابنُ صامتٍ فألقيتُ له كرسيًّا فجَلس عليه فذكرتُ له صُنْعَ زيادٍ، فعضَّ على شَفتيهِ وضرَب على فخِذي، وقال: إنِّي سألتُ أبا ذرٍّ كما سألتَني، فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، وقال: إنِّي سألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما سألتَني فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَ معهم فصلِّ ولا تقُل: إنِّي صليتُ فلا أُصلِّي)) رواه مسلم (648). . وَجْهُ الدَّلالَةِ:دلَّ الحديثُ على جوازِ الصَّلاةِ مع أئمَّةِ الجَورِ ((حاشية السندي على سنن النسائي)) (2/76). . ثالثًا: مِن الآثارعن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ خِيارٍ، أنَّه دخَلَ على عُثمانَ بنِ عَفَّانَ وهو محصورٌ، فقال: (إنَّك إمامُ عامَّةٍ، ونزَلَ بكَ ما ترَى، ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنةٍ، ونَتحرَّجُ؟ فقال: الصلاةُ أحسن ما يَعمَلُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأَحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم) [5570] رواه البخاري (695). .رابعًا: مِنَ الِإِجْماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (تجِب الجمعةُ والسعيُ إليها، سواء كان مَن يُقيمها سنيًّا، أو مبتدعًا، أو عدلًا، أو فاسقًا.... ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خِلافًا) ((المغني)) (2/223). وقال أيضًا: (الأصلُ في هذا عمومُ قول الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ **الجمعة: 9**... وإجماعُ الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنَّ عبد الله بن عُمرَ وغيره من أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَشهدونها مع الحَجَّاجِ ونُظرائِه، ولم يُسمَع عن أحدٍ منهم التخلُّف عنها. وقال عبدُ الله بن أبي الهُذيل: تذاكَرْنا الجمعةَ أيَّامَ المختار، فأجمع رأيُهم على أن يأتوه، فإنَّما عليه كذبُه) ((المغني)) (2/223). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (لم يزلِ السَّلفُ والخلفُ يرَونَ الصلاةَ وراءَ المعتزلةِ ونحوِهم، ومناكحتَهم وموارثتَهم، وإجراءَ سائرِ الأحكام عليهم) ((المجموع)) (4/254). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (قد ثبَت إجماعُ أهل العصر الأوَّل من بقيَّة الصحابة ومَن معهم من التابعين إجماعًا فعليًّا، ولا يبعُد أن يكون قوليًّا، على الصلاة خلفَ الجائرين؛ لأنَّ الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمَّةَ الصلوات الخمس، فكان الناس لا يَؤمُّهم إلا أمراؤهم في كلِّ بلدة فيها أمير، وكانتِ الدولةُ إذ ذاك لبني أميَّة، وحالهم وحال أمرائِهم لا يَخفَى) ((نيل الأوطار)) (3/195). ، وحكاه ابنُ تيميَّة عن عامَّةِ السَّلَفِ والخَلَفِ قال ابنُ تيميَّة: (لو عَلِم المأمومُ أنَّ الإمام مبتدعٌ يدْعو إلى بِدعته، أو فاسقٌ ظاهرُ الفِسق، وهو الإمامُ الرَّاتب الذي لا تُمكِن الصلاةُ إلَّا خَلْفَه، كإمامِ الجُمعة والعيدين، والإمامُ في صلاة الحجِّ بعرفةَ، ونحو ذلك. فإنَّ المأمومَ يُصلِّي خلفَه عند عامَّة السلف والخلف، وهو مذهبُ أحمد، والشافعيِّ، وأبي حنيفة، وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنَّه يُصلِّي الجمعةَ والعيدَ خلفَ كلِّ إمام؛ برًّا كان أو فاجرًا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنَّها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإنَّ الصلاة في جماعةٍ خيرٌ من صلاة الرجل وحده، وإنْ كان الإمام فاسقًا. هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما، بل الجماعة واجبةٌ على الأعيانِ، في ظاهر مذهب أحمد. ومَن ترَك الجمعةَ والجماعة خلفَ الإمام الفاجر، فهو مبتدعٌ عند الإمام أحمد، وغيرِه مِن أئمَّة السنة، كما ذكره في رسالة عبدوس، وابن مالك، والعطَّار) ((الفتاوى الكبرى)) (2/307، 308). وقال أيضًا: (والصَّحيح أنَّه يُصلِّيها، ولا يعيدها؛ فإنَّ الصحابة كانوا يصلون الجُمعة والجماعة خلف الأئمَّة الفجَّار ولا يُعيدون، كما كان ابنُ عمر يُصلِّي خلف الحجَّاج، وابنُ مسعود وغيرُه يُصلُّون خلف الوليدِ بن عُقبة، وكان يشرب الخَمرَ حتى إنَّه صلَّى بهم مرة الصبحَ أربعًا، ثم قال: أَزيدكم؟ فقال ابنُ مسعود: ما زِلنا معك منذ اليومِ في زيادة! ولهذا رفعوه إلى عثمان، وأمَّا إذا كان تركُ الصلاة يُفوِّت المأمومَ الجمعةَ والجماعة، فهنا لا يَترُك الصلاةَ خلفَهم إلَّا مبتدعٌ مخالف للصحابة رضي الله عنهم) ((الفتاوى الكبرى)) (2/308). .خامسًا: أنَّ الجُمُعةَ من أعلامِ الدِّينِ الظَّاهرةِ، ويتولَّاها الأئمَّةُ ومَن وَلَّوْه، فترْكُها خَلْفَ مَن هذه صِفتُه يُؤدِّي إلى سُقوطِها ((المغني)) لابن قدامة (2/223). .سادسًا: أنَّ الظاهِرَ من حالِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم لم يكونوا يُعيدونَ الجُمُعةَ، إذا صلَّوا مع الأئمَّةِ الفُسَّاقِ؛ فإنَّه لم يُنقَلْ عنهم ذلِك ((المغني)) لابن قدامة (2/224). .سابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ اشتراطِ العدالةِ، وأنَّ كلَّ مَن صَحَّتْ صَلاتُه لنَفْسِه صحَّتْ لغيرِه ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/195). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: مَن تجِبُ عليهم صلاةُ الجُمُعة. المطلب الثاني: الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ. المطلب الثالث: مَن لَزِمَتْه الجُمُعةُ فصَلَّى الظُّهرَ قبلَ فَواتِ صَلاةِ الجُمُعةِ . المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ.