يجوزُ أن تُصلَّى صلاةُ الخوفِ عندَ كلِّ خوفٍ يَلحَقُ الإنسانَ كالهربِ من السَّيل، أو حريق، أو سبُع نصَّ المالكيَّة على أنَّ من أسباب صلاة الخوف- غير ما سبق- الخوفَ من السِّباع، قال العدويُّ: (ومثلهم أهلُ البغي، أو أراد بالمحاربين ما يَشمل أهلَ البغي، وكذا اللصوص خوفًا على أخْذ المال، أو السِّباع خوفًا على النفس منها). ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/384). وينظر: ((جامع الأمهات)) لابن الحاجب (1/126)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/561). أو حيَّةٍ عظيمة؛ نصَّ على هذا الجمهور: الحَنَفيَّة  ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 363)، ويُنظر: ((الجوهرة النيِّرة)) للحدادي (1/100). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/62)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/19)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/310). . وهو قول ابن حزم [5459] قال ابنُ حزم: (مَن حضَره خوف من عدوِّ ظالم كافر, أو باغٍ من المسلمين, أو من سيلٍ, أو من نار, أو من حنش, أو سَبُع, أو غير ذلك وهُم في ثلاثة فصاعدًا: فأميرُهم مخيَّر بين أربعة عَشرَ وجهًا, كلُّها صحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((المحلى)) (3/232). .الدَّليل: من الكِتابقال الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ عامٌّ يَشمَلُ أيَّ خوف، ولم يخصَّ خوفًا من خوف ((تفسير ابن جرير)) (5/244)، ((المحلى)) لابن حزم (2/116). . انظر أيضا: المطلب الثاني: طلَبُ العدوِّ والخوفُ من فواتِه. المطلب الثَّالث: صَلاة الخوفِ لفوتِ يومِ عَرفةَ .

اختَلف أهلُ العِلم في مَن طَلَب عدوًّا وخاف فواتَه؛ هل له أن يُصلِّي صلاةَ شدَّةِ الخوفِ؟ على قولين:القول الأوّل: لا يُصلِّي مَن خاف فوتَ العدوِّ هذا إذا كان يأمن رُجوعَهم عليه إنْ تشاغل بالصَّلاة، ويأمن على أصحابه، فأمَّا الخائف من رُجوعهم، أو مِن كمينٍ، فحُكمه حُكم المطلوب. ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/314)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305). صلاةَ شدَّةِ الخوفِ، وهذا مذهب الحَنَفيَّة ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/128)، ((الدر المختار)) للحصكفي (2/188). ، والشافعيَّة استثنى الشافعيَّة ما لو خشِي كرَّتهم عليه، أو كمينًا، أو انقطاعه عن رُفقته، فإنَّ له أن يصلي صلاةَ الخوف؛ لأنه خائف. يُنظر: ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/649)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305). ، ورِواية عن أحمد ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/141). ، وبه قال أكثرُ أهل العِلم قال ابنُ المنذر: (كلُّ مَن أحفظ عنه من أهلِ العِلم يقول: إنَّ المطلوب يُصلِّي على دابَّته، كذلك قال عطاءُ بن أبي رباح، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثور. وإذا كان طالبًا نزَل فصلَّى بالأرض، وقال الشافعيُّ كذلك إلَّا في حالٍ واحد؛ وذلك أنَّ يقلَّ الطالبون عن المطلوبين، وينقطع الطالِبون عن أصحابِهم فيخافون عودةَ المطلوبين عليهم، فإذا كان هكذا كان لهم أن يُصلُّوا يُومِئون إيماءً) ((الأوسط)) (5/23-24). وقال شمسُ الدِّين ابنُ قُدامة: (والثانية ليس له أن يُصلِّيَ إلَّا صلاة آمِن، وهذا قولُ أكثر أهل العِلم؛ لأنَّ الله تعالى قال: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا **البقرة: 239**، فشرَط الخوف، وهذا غيرُ خائف، ولأنَّه آمنٌ؛ فلزمته صلاة الآمِن، كما لو لم يخشَ فواتهم، وهذا الخلاف فيمَن يأمن رجوعَهم عليه إنْ تشاغلَ بالصَّلاة ويأمن على أصحابه) ((الشرح الكبير)) (2/141). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب قول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 239].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه شُرِط الخوفُ، وهذا غيرُ خائفٍ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/141). .ثانيًا: أنَّه آمِنٌ؛ فلزمتْه صلاةُ الآمنِ، كما لو لم يَخشَ فواتَهم ((المغني)) لابن قدامة (1/314). . ثالثًا: أنَّه لم يَخَفْ، والرُّخَص لا تُجاوِزُ مَحلَّها ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305)، ((فتح العزيز)) للرافعي (4/649). .القول الثاني: إنْ خاف فوتَ العدوِّ، فإنَّ له أن يُصلِّي صلاةَ الخوف، وهو مذهبُ المالِكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/95)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/640). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/131)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/253). ، وقولُ بعضِ السَّلف قال ابنُ حجر: (عن الأوزاعيِّ قال: إذا خاف الطالبون إنْ نزَلوا بالأرض فوتَ العدوِّ، صلَّوا حيثُ وَجَّهوا على كلِّ حال؛ لأنَّ الحديثَ جاء: إنَّ النَّصر لا يُرفع ما دام الطَّلَب) ((فتح الباري)) (2/437). ، واختاره ابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (يُصلِّي الهارب من سيل، أو سبُع، أو عدوٍّ اتِّفاقًا، أو الطالبُ لعدوِّ يخشى فواتَه على أصحِّ القولين، وهذا أقيس الأقوال وأقربها إلى قواعِد الشَّرع ومقاصده) ((مفتاح دار السعادة)) (2/19). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّ فوتَ عدوِّه ضررٌ عليه؛ فأُبيحتْ له صلاةُ الخوفِ كحالِ لقائِه ((الإحكام شرح أصول الأحكام)) لابن قاسم (1/432). .ثانيًا: أنَّ أمْرَهم إلى الآن مع عدوِّهم لم يَنقَضِ، ولا يَأمنوا رُجوعَهم- أي: فهم خائفونَ فوتَ العدوِّ- ولحُصولِ الخوفِ في المستقبَل ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/95) . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: صلاةُ الخوفِ عندَ الخوفِ على النَّفس. المطلب الثَّالث: صَلاة الخوفِ لفوتِ يومِ عَرفةَ .

مَن خاف فوتَ عَرفةَ فله أن يُصلِّي صلاةَ الخوف؛ نصَّ على ذلك الحَنابِلَةُ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/254)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/20). ، وهو وجهٌ عند الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/430). قال ابن رجب: (وممَّا يتفرَّع على جواز صلاة الطالِب صلاةَ شِدَّة الخوف: أنَّ مَن كان ليلة النحر قاصدًا لعرَفةَ، وخشي أن تفوته عرفةُ قبل طلوع الفجر، فإنَّه يُصلِّي صلاةَ شِدَّة الخوف، وهو ذاهب إلى عَرفَة، وهو أحد الوجهين لأصحابنا، ولأصحاب الشافعي، أيضًا، وضعَّفه بعضُ أصحابهم، بأنَّه ليس بخائفٍ، بل طالب) ((فتح الباري)) (6/60). وقال ابنُ تَيميَّة: (وقيل: بل يأتي بهما جميعًا، فيُصَلِّي بحسب الإمكان صلاةً لا تُفَوِّته الوقوفَ. وهذا أَعْدَلُ الأقوال، وهو قولُ طائفةٍ من أصحاب أحمدَ والشافعيِّ وغيرهما) ((جامع المسائل)) (5/355). ، واختاره العزُّ ابنُ عبد السَّلام قال الشربينيُّ: (الثاني: يجوز له أن يُصلِّيَها؛ لأنَّ الضَّرر الذي يلحقه بفواتِ الحجِّ لا ينقص عن ضرر الحبْس أيامًا في حقِّ المديون المعسِر، وصحَّح هذا الشيخُ عِزُّ الدين في قواعده). ((مغني المحتاج)) (1/305). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (ويُصلِّي صلاةَ الخوف في الطريق إذا فات الوقوف بعرفة، وهو أحدُ الوجوه الثلاثة في مذهب أحمد). ((الفتاوى الكبرى)) (5/351). وقال المَرداويُّ: (يجوز للخائِف فوتَ وقتِ الوقوف بعرفة صلاةُ الخوف على الصَّحيح من المذهب، قدَّمه في الفروع، واختاره الشيخ تقيُّ الدِّين، وهو الصَّواب، وهو احتمالُ وجه في الرِّعاية، قال ابنُ أبي المجد في مُصنَّفه: صلى ماشيًا في الأصحِّ) ((الإنصاف)) (2/254). ، وابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (يَقضي الصلاة وهو سائرٌ إلى عرفة، فيكون في طريقه مصلِّيًا، كما يُصلِّي الهاربُ من سيل أو سَبُع اتِّفاقًا، أو الطالبُ لعَدوٍّ يخشى فواته، على أصحِّ القولين، وهو أقيسُ الأقوال وأقربها إلى قواعد الشَّرع ومقاصده) ((مفتاح دار السعادة)) (2/19)، وينظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/416). .وذلك قياسًا على الهاربِ من سيلٍ أو سَبُعٍ، أو الطالبُ لعَدوٍّ يخشى فواتَه، وهو أقيسُ الأقوالِ وأقْرَبُها إلى قواعِدِ الشَّرع ومقاصِدِه ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/19)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/416). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: صلاةُ الخوفِ عندَ الخوفِ على النَّفس. المطلب الثاني: طلَبُ العدوِّ والخوفُ من فواتِه.