يُسنُّ جمْعُ صلاتيِ الظُّهرِ والعصرِ بعَرفةَ جَمْعَ تقديمٍ، وجمْعُ صلاتيِ المغربِ والعِشاءِ بالمزدلفةِ جمْعَ تأخيرٍ. الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه- في صِفة حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((ثمَّ أذَّن، ثمَّ أقام فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا... حتى أتى المزدلفةَ، فصلَّى بها المغربَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولم يُسبِّحْ بينهما شيئًا)) رواه مسلم (1218). .2- عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخبرني سالمٌ، أنَّ الحَجَّاجَ بنَ يوسفَ، عامَ نزَل بابنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما، سألَ عبدَ اللهِ بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما، كيف تَصنَعُ في الموقف يومَ عرفة؟ فقال سالمٌ: «إنْ كُنتَ تُريدُ السُّنَّة فهَجِّرْ بالصلاةِ فَهجِّر بِالصَّلَاةِ: أَي صلِّ بالهاجرةِ، وهي شِدَّة الحرِّ. والتهجير: المبادَرةُ إلى أوَّلِ وَقْتِ الصَّلاةِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/246)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/514). يومَ عَرفةَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: صدَق؛ إنَّهم كانوا يَجمعون بين الظُّهرِ والعصرِ في السُّنَّة، فقلتُ لسالمٍ: أَفعَلَ ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال سالمٌ: وهلْ تَتَّبعون في ذلِكَ إلَّا سُنَّتَه؟!» رواه البخاري (1662). .3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جمَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المغربِ والعِشاءِ بجَمْعٍ جَمْع- بفتح الجيم، وسكون الميم-: أي المزدلفة، وسميت بـ(جَمْع)؛ قيل: لأنَّ آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها، أي: دنا منها، وقيل: لأنَّها يُجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وُصِفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله، أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها، وسميت بـ(المزدلفة) إمَّا لاجتماع الناس بها، أو لاقترابِهم إلى مِنًى أو لازدلاف الناس منها جميعًا، أو للنزول بها في كلِّ زلفة من الليل، أو لأنها منزلة وقربة إلى الله، أو لازدلاف آدم إلى حواء. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/523). ، كلَّ واحدةٍ منهما بإقامةٍ، ولم يُسبِّحْ بينهما، ولا على إثرِ كلِّ واحدةٍ منهما)) رواه البخاري (1673)، ومسلم (1288) باختلاف يسير. .4- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَع في حَجَّةِ الوداعِ المغربَ والعِشاءَ بالمزدلفةِ)) رواه البخاري (1674)، ومسلم (1287). .5- عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه- وكان رَديفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عرفةَ إلى المزدلفة- قال: ((فنَزَلَ الشِّعب، فبال ثم توضَّأ ولم يُسبِغِ الوضوءَ، فقلت له: الصَّلاةُ؟ فقال: الصَّلاةُ أمامَك، فركِب فلمَّا جاءَ المزدلفةَ نزَلَ فتوضَّأ، فأسبغَ الوضوءَ، ثم أُقيمتِ الصَّلاةُ فصلَّى المغربَ، ثم أناخَ كلُّ إنسانٍ بعيرَه في منزلِه، ثم أُقيمتِ العِشاءُ فصلَّاها، ولم يصلِّ بينهما شيئًا)) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَلَ الإجماعَ على سُنيَّةِ الجَمْعِ بعرفةَ والمزدلفةِ: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البر: (أجمَعوا أنَّ الجمع بين الظهر والعصر يومَ عَرفةَ مع الإمام سُنَّةٌ مجتمَع عليها) ((الاستذكار)) (4/325). وقال أيضًا: (أجمع العلماء أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دفَع من عرفة في حجَّته بعدما غربت الشمس يومَ عرفة أخَّرَ صلاة المغرب ذلك الوقت، فلم يُصلِّها حتى أتى المزدلفةَ فصلَّى بها المغرب والعشاء، جمَع بينهما بعدما غاب الشفق، وأجمعوا أنَّ ذلك من سُنَّة الحاجِّ كلِّهم في ذلك الموضع) ((الاستذكار)) (4/330). ، وابنُ رُشدٍ قال ابن رشد: (أجمعوا على أنَّ الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سُنَّةٌ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضًا في وقتِ العشاء سُنَّةٌ أيضًا) ((بداية المجتهد)) (1/170). . انظر أيضا: المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ . المطلب الخامس: الجَمْعُ لِلمَطَرِ.

الفرعُ الأولُ: حُكمُ الجمْعِ في السَّفَريَجوزُ الجمعُ في السَّفرِ مع اختلافِهم في شروطِ السَّفر المبيح للجمع. تقديمًا وتأخيرًا وذهب المالكية الشافعية والحنابلة إلى أن ترك الجمع أفضل. ينظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (1/368)، ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (1/443)، ((المجموع)) للنووي (4/336، 378)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/234). ، وهو المشهورُ من مذهبِ المالِكيَّة إلَّا أنَّ بعضهم اشترط جدَّ السير في السفر، والبعض الآخر لم يشترطْه؛ قال الدردير: ("وإن قصر"عن مسافة القصر إن جد سيره بل "و" إن "لم يجد بلا كره" أي كراهة متعلق برخص أي بلا خلاف الأولى "وفيها شرط الجد" في السير "لإدراك أمر" لا لمجرد قطع المسافة والمشهور الأول) ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/368)، وقال ابن عليش: (والمشهور الأوَّل، وهو جواز الجمع مطلقًا، سواء جدَّ به السير أم لا، وسواء كان جدُّه لإدراك أمْر خشِي فواتَه أم لأجْل قطع المسافة، والذي حكَى تشهيرَه الإمامُ ابن رشد) ((منح الجليل)) (1/416)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (12/196)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/57)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (5/118). ، ومذهب الشافعيَّة ((تحفة المحتاج للهيتمي، مع حواشي الشرواني والعبادي)) (2/393)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/272). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/5)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/731). ، وبه قال جمهورُ العلماءِ مِن السَّلفِ والخَلَفِ قال ابنُ قُدامة: (جملة ذلك أنَّ الجمع بين الصلاتين في السَّفر، في وقت إحداهما، جائزٌ في قول أكثر أهل العِلم، وممَّن رُوي عنه ذلك: سعيدُ بن زيد، وسعد، وأسامة، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى، وابن عباس، وابن عمر. وبه قال: طاوس، ومجاهد، وعكرمة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر) ((المغني)) (2/200). وقال النوويُّ: (مذهبنا: جوازه «أي: الجمع» في وقت الأولى وفي وقت الثانية، وبه قال جمهورُ العلماء من السَّلف والخلف، حكاه ابنُ المنذر عن سعْد بن أبي وقَّاص، وأسامةَ بن زيد، وابن عمر، وابن عبَّاس، وأبي موسى الأشعريِّ، وطاوس، ومجاهد، وعِكرمة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وحكاه البيهقيُّ عن عُمرَ بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، ورواه عن زيد بن أسلم، وربيعة، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزِّناد وأمثالهم؛ قال: وهو مِن الأمورِ المشهورةِ المستعمَلَة فيما بين الصَّحابة والتابعين) ((المجموع)) (4/371). وقال الشوكانيُّ: (وفي الحديث دليلٌ على جواز جمْع التأخير في السفر، سواء كان السير مجدًّا أم لا، وقد وقَع الخلاف في الجمع في السفر، فذهب إلى جوازه مطلقًا تقديمًا وتأخيرًا كثيرٌ من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوريُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وأشهب) ((نيل الأوطار)) (3/253). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَجمَعُ بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السَّيرُ [5177] جدَّ به السَّير: أي: إذا اهتمَّ به وأسرعَ فيه؛ يُقال: جدَّ به الأمرُ وأجَدَّ، وجدَّ فيه وأجدَّ: إذا اجتهَد. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/244). )) رواه البخاري (1106)، ومسلم (703). .2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ارتحَلَ قبلَ أن تَزيغَ الشَّمس، أخَّرَ الظهرَ إلى وقتِ العَصرِ، ثم نزَلَ فجَمَعَ بينهما، فإنْ زاغتِ الشمسُ قبلَ أن يرتحِلَ، صلَّى الظهرَ ثم ركِب)) رواه البخاري (1111)، ومسلم (704). .3- عن معاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خرَجْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوةِ تَبُوكَ، فكانَ يُصلِّي الظهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعِشاءَ جميعًا)) رواه البخاري (3553) واللفظ له، مسلم (503). .4- عن أبي جُحَيفةَ، قال: ((خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالهاجِرَةِ إلى البَطْحاءِ، فتوضَّأ، ثم صلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، والعَصْرَ رَكعتينِ)) رواه البخاري (3553)، ومسلم (706). .ثانيًا: أنَّه سفرٌ يجوزُ فيه القصرُ، فجاز فيه الجَمْعُ كالحجِّ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/393). .ثالثًا: أنَّه لَمَّا كان للسَّفرِ تأثيرٌ في تَرْكِ بعضِ الصَّلاةِ، فلأنْ يكونَ له تأثيرٌ في ترْكِ الوقتِ أَوْلى ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/393). .الفرع الثاني: الأفضلُ في وقتِ الجَمْعِ للمُسافِرِالأفضلُ هو أن يَفعلَ المسافرُ الأرفقَ به، مِن تقديمٍ أو تأخيرٍ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/373)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/396). ونصُّوا على أنَّ المسافر إن كان نازلًا في الأُولى، فالأفضل تقديمُ الثانية، وإن كان سائرًا في الأولى، فالأفضل تأخيرُها إلى وقت الثانية؛ لأنَّ هذا هو الأرفق له. ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/238)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/7). ، وهو اختيار ابن تيميَّة قال المرداويُّ: (قوله: "ويَفعل الأرفق به من تأخيرِ الأولى إلى وقتِ الثانية، أو تقديمِ الثانية إليها". هذا أحد الأقوال مطلقًا، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هو ظاهر المذهب المنصوص عن أحمد، وجزم به في الوجيز، وتذكرة ابن عبدوس، وشرح ابن منجا) ((الإنصاف)) (2/238). ، وابن باز قال ابنُ باز: (المسافر له أن يجمع في السَّفر جمْعَ تأخير، وجمْعَ تقديم حسَب الأرفق به، وإنْ كان على ظَهر سير، فالأفضل له أن يؤخِّر الظهر إلى العصر إذا ارتَحل قبل الزوال، والمغربَ إلى العشاء إذا ارتحَلَ قبل الغُروب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/348). وقال أيضًا: (إنْ كان المسافر يريد أن يرتحلَ من مكانه في السفر قبل الزوال، شُرِع له أن يصلِّي الظهر والعصر جمْعَ تأخير، أمَّا إن كان ارتحاله بعدَ الزوال، فالأفضل له أن يُصلِّي الظهر والعصر جمْعَ تقديم، وهكذا الحُكم في المغرب والعشاء؛ إن ارتحل قبل الغروب أخَّر المغرب مع العشاء جمْعَ تأخير، وإن ارتحل بعدَ الغروب قدَّم العِشاءَ مع المغرب وصلَّاهما جمْعَ تقديم، هذه سُنَّته عليه الصَّلاة والسَّلام فيما ذكرنا، أمَّا إن كان مقيمًا فهو مخيَّر إنْ شاء جمَع جمْعَ تأخير، وإن شاء جمَع جمْعَ تقديم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/281). ، وابن عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (قوله: «والأفضل فِعل الأرفق به من تأخيرٍ وتقديم»، أي: الأفضل لمن يُباحُ له الجمع فِعلُ الأرفق به من تأخير وتقديم، فإنْ كان التأخير أرفق فليؤخِّر، وإنْ كان التقديم أرفقَ فلْيُقدم) ((الشرح الممتع)) (4/395). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقولُ الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185].ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الدِّينَ يُسرٌ)) أخرجه البخاري (39). .ثالثًا: أنَّ الجَمْع إنَّما شُرِعُ رفقًا بالمكلَّف؛ فما كان أرفقَ فهو أفضلُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/396). .رابعًا: أنَّ الجَمْعَ مِن رُخَصِ السَّفرِ؛ فلم يختصَّ بحالةٍ كسائرِ رُخَصِه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/7). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ . المطلب الخامس: الجَمْعُ لِلمَطَرِ.

يجوزُ للمستحاضةِ أن تَجمَعَ بين الصَّلاتينِ وكذلك مَن كان في حُكمها، كالمصاب بسَلسِ البول، أو سَلس المذي، أو الرُّعاف الدَّائِمِ؛ قال الشوكاني: (وقدْ أُلحِق بالمستحاضةِ المريضُ وسائرُ المعذورين؛ بجامعِ المشقَّة) ((نيل الأوطار)) (1/303). ؛ نصَّ على هذا فُقهاءُ الحَنابِلَةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/205)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (ويَجمَعُ المريضُ والمستحاضةُ والمرضِعُ) ((الفتاوى الكبرى)) (2/341). وقال أيضًا: (يَجمَعُ مَن لا يُمكِنُه إكمالُ الطهارةِ في الوقتين إلَّا بحَرَج كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور) ((مجموع الفتاوى)) (24/84). ، والشَّوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (والحديث يدلُّ على أنه يجوز الجمع بين الصَّلاتين «أي: للمستحاضة»، والاقتصار على غُسلٍ واحد لهما) ((نيل الأوطار)) (1/303). ، وابنُ بازٍ قال ابن باز: (وإن جمعتَ بين الوقتينِ: الظُّهر والعصر، أو المغرب والعشاء لا بأس، كما علَّم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَمنةَ بنت جحش، عندما كثُر عليها الدَّم) ((فتاوى نور على الدرب)) (7/171). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (ولهذا يجوزُ الجمع للمستحاضة بين الظهرين، وبين العشاءين؛ لمشقَّةِ الوضوء عليها لكلِّ صلاة) ((الشرح الممتع)) (4/393). . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن حَمْنةَ بِنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها استفتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الاستحاضةِ، فقال لها: ((فإنْ قَويتِ على أنْ تُؤخِّري الظُّهرَ، وتُعجِّلي العَصرَ، فتَغتسلينَ وتَجمعينَ بين الصَّلاتينِ، فافعلي)) [5198] رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (6/439) (27514). قال الإمام أحمدُ والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسنٌ صحيحٌ. وقال محمد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري، وقال الدارقطني: تفرَّد به ابن عَقيل وليس بقويٍّ، ووهَّنه أبو حاتم. وقال ابن القيِّم في ((تهذيب السنن)) (1/475): هذا الحديثُ مدارُه على ابن عَقيل، وهو عبد الله بن محمَّد بن عَقيل؛ ثقةٌ صدوق، لم يُتكلَّم فيه بجرح أصلًا، وكان الإمامُ أحمد وعبدُ الله بن الزبير الحُميديُّ، وإسحاقُ بن راهويه يحتجُّون بحديثه. . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الخامس: الجَمْعُ لِلمَطَرِ.

الفرع الأول: حُكْمُ الجَمْعِ للمَطَريَجوزُ الجمعُ بين الصَّلاتينِ لِمَطرٍ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ضابط هذا المطر: أن يكون مطرًا غزيرًا، ولو متوقعًا، وهو الذي يحمل الناسَ على تغطية الرأس، أو الطين الذي يمنع المشيَ بالمداس مع ظُلمة الشَّهر. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 514)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/70)، ((حاشية الصاوي)) (1/490). ، والشافعيَّة سواءٌ قوِيُّ المطرِ وضعيفُه إذا بلَّ الثوب، ويُشترط وجودُ المطر في أوَّل الصَّلاتين، ويكون الجمع في وقتِ الأولى، ولا يجوزُ في وقتِ الثانيةِ على أصحِّ القولين. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/397)، ((المجموع)) للنووي (4/378، 382،381). ، والحَنابِلَة المطرُ المبيح للجمْع هو ما يبلُّ الثياب، وتلحق المشقَّةُ بالخروج فيه. وأمَّا الطَّلُّ، والمطر الخفيف الذي لا يبلُّ الثياب، فلا يبيح. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/202)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/184). ، وبه قال الفقهاءُ السَّبعةُ قال ابنُ قُدامة: (يجوزُ الجمع لأجْل المطر بين المغرب والعشاء. ويُروى ذلك عن ابن عمر، وفَعَله أبانُ بن عثمان في أهل المدينة. وهو قولُ الفقهاء السَّبْعة، ومالكٍ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقُ، ورُوي عن مَرْوان، وعمر بن عبد العزيز) ((المغني)) (2/202). والمراد بالفقهاء السَّبعة: (سعيد بن المسيَّب، وعروة بن الزُّبير، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعُبَيد الله بن عبدِ اللهِ بن مسعود، وسُليمان بن يسار، وأبو بكر بن عبد الرَّحمن). ينظر ((الذخيرة)) للقرافي (13/343). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابن قدامة: (ولنا: أنَّ أبا سلمة بن عبد الرحمن. قال: (إنَّ من السُّنَّة إذا كان يومٌ مطير: أن يجمع بين المغرب والعشاء)، رواه الأثرم. وهذا ينصرف إلى سُنَّة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقال نافع: (إنَّ عبدَ الله بن عمر كان يجمع إذا جمَع الأمراءُ بين المغرب والعشاء). وقال هشامُ بنُ عُروة: (رأيت أبانَ بن عثمان يَجمَع بين الصلاتين في الليلة المطيرة؛ المغرب والعشاء، فيُصلِّيهما معه عروةُ بن الزبير، وأبو سَلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، لا يُنكرونه)، ولا يُعرَف لهم في عصرِهم مخالفٌ، فكان إجماعًا) ((المغني)) (2/202). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جمَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهرِ والعَصرِ والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مَطرٍ. فقيل لابن عَبَّاسٍ: ما أرادَ إلى ذلك؟ قال: أرادَ أنْ لا يُحرِجَ أُمَّتَه)) رواه مسلم (705). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ تَعبيرَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (مِن غيرِ خَوفٍ ولا مَطرٍ)، يُشعِرُ أنَّ الجَمْعَ للمَطرِ كان معروفًا في عَهدِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم, ولو لم يَكُنْ كذلك لَمَا كان ثَمَّة فائدةٌ مِن نَفْي المطرِ كسببٍ مسوِّغٍ للجمعِ ((إرواء الغليل)) للألباني (3/40). .2- عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بالمدينةِ سَبعًا وثمانيًا، الظُّهرَ والعَصرَ، والمغربَ والعِشاءَ. فقال أيُّوبُ: لعلَّه في ليلةٍ مطيرةٍ؟ قال: عسى [5206] رواه البخاري (543)، ومسلم (705). .ثانيًا: من الآثارِعن نافعٍ: (أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه كان إذا جَمَعَ الأُمراءُ بين المغربِ والعِشاءِ جمَعَ معهم في المطرِ) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/199) (481)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (2/556)، والبيهقي (3/168) (5766). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (583). .ثالثًا: أنَّ هذا معنًى يَلحَقُ به المشقَّةُ غالبًا؛ فكانَ له تَأثيرٌ في أداءِ الصَّلاةِ في وقتِ الضَّرورةِ كالسَّفرِ والمرضِ ((المنتقى))‏ للباجي (1/257). .الفرع الثاني: الصَّلواتُ التي تُجمَعُ بعُذرِ المَطرِ تُجمَعُ الظهرُ مع العَصرِ، والمغربُ مع العِشاءِ بعُذرِ المطرِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/381)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/398). ، ووجْهٌ للحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (2/203). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ قال ابن عبد البر: (قال الشافعي: يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المطرِ الوابلِ إذا كان المطر دائمًا، ولا يجمع في غيرِ المطر، وبه قال أبو ثور، والطبريُّ؛ لحديث ابن عبَّاس هذا من رِواية مالك وغيرِه، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبَّاس: أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ) ((الاستذكار)) (2/212). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال المَرْداوي: (والوجه الآخَر: يجوزُ الجمع كالعشاءين، اختاره القاضي، وأبو الخطاب في الهداية، والشيخُ تقيُّ الدين، وغيرُهم، ولم يذكر ابنُ هُبَيرة عن أحمدَ غيرَه، وجزم به في نهاية ابن رزين ونظمها، والتسهيل، وصحَّحه في المذهب، وقدَّمه في الخُلاصة، وإدراك الغاية، وأطلقهما في مسبوك الذهب، والمستوعب، والتلخيص، والبلغة، وخصال ابن البنا، والطوفي في شرح الخِرَقي، والحاويين) ((الإنصاف)) (2/236). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لا حرَجَ في الجمْع بين المغرب والعشاء، ولا بين الظهر والعصر، في أصحِّ قوليِ العلماء للمطرِ الذي يشقُّ معه الخروجُ إلى المساجد، وهكذا الدَّحْض والسيول الجارية في الأسواق؛ لِمَا في ذلك من المشقَّة. والأصل في ذلك ما ثبَت في الصَّحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء») ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/291). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (الراجح أنه جائزٌ- لهذه الأسباب وغيرِها- بين الظهرين والعشاءين، عند وجود المشقَّةِ بترْك الجمع، كما يُفيده حديثُ ابن عبَّاس رضي الله عنه) ((الشرح الممتع)) (4/392). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ والعَصرَ جميعًا بالمدينةِ. في غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ)). قال أبو الزُّبيرِ: فسألتُ سعيدًا: لِمَ فَعَلَ ذلِك؟ فقال: سألتُ ابنَ عبَّاسٍ كما سألتَني. فقال: أرادَ أنْ لا يُحْرِجَ أحدًا من أُمَّتِه رواه مسلم (705). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ دلَّ على مشروعيَّةِ الجَمْعِ بين الظُّهرينِ والعِشاءينِ؛ للحاجةِ ودَفْعِ الحرَجِ، ومن ذلك المطر ((الأوسط)) لابن المنذر (3/136). .2- عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بالمدينةِ سَبعًا وثمانيًا، الظُّهرَ والعصرَ، والمغربَ والعِشاءَ. فقال أيُّوبُ: لعلَّه في ليلةٍ مطيرةٍ؟ قال: عسى [5217] رواه البخاري (543)، ومسلم (705). .ثانيًا: أنَّ الظهر والعصر صلاتانِ يَجوزُ الجمعُ بينهما في السَّفرِ؛ فجاز الجمعُ بينهما في الحضَرِ كالمغربِ والعِشاءِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/398). .ثالثًا: أنَّ المطرَ معنًى أباح الجَمعَ، فأباحَه بين الظُّهرِ والعَصرِ، كالسَّفرِ ((المغني)) لابن قدامة (2/203). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ .

اختَلَفَ أهلُ العِلمِ في كونِ الخوفِ عُذرًا يُجيزُ الجَمْعَ، على قولينِ:القولُ الأوَّل: يجوزُ الجَمْعُ للخوفِ، وهذا مذهبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/236)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/298). ، وقولٌ للمالكيَّة ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/16)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/67). ، ووجْهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). ، وهو قولُ ابنِ تَيميَّة قال ابن تيمية: (بل إذا جمَع لسبب هو دون المطر مع جمْعِه أيضًا للمطر، كان قد جمَع من غير خوف ولا مطرٍ، كما أنَّه إذا جمَع في السفر وجمَع في المدينة كان قد جمَع في المدينة من غير خوفٍ ولا سفرٍ، فقول ابن عباس: جمَع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيًا منه للجمْع بتلك الأسبابِ، بل إثباتٌ منه؛ لأنَّه جمع بدونها وإنْ كان قد جمَع بها أيضًا. ولو لم يُنقَلْ أنه جمع بها فجَمعُه بما هو دونها دليلٌ على الجمع بها بطريق الأَوْلى؛ فيدلُّ ذلك على الجمع للخوف والمطر) ((مجموع الفتاوى)) (24/83). ، وابنِ باز قال ابن باز: (والصواب: أنَّه لا حرجَ في الجمع بينهما عند وجود العُذر الشرعيِّ، جاز الجمعُ كما جمع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّفر، وفي الخوف والمرض، يجوزُ الجمع، ولا بأس) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/123- 124). وقال أيضًا: (يجوزُ الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وُجِد شرطُه من خوفٍ، أو مطرٍ، أو مرض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/294). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (الجمع له ميزان، وهو المشقَّة, فإذا شقَّ على الإنسان أن يُفرِدَ كلَّ صلاة في وقتها، فله الجمع؛ لحديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (جمَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهر والعصر, والمغرب والعشاء, بالمدينة، في غير خوفٍ ولا مطرٍ). قيل لابن عباس: ما أرادَ إلى ذلك؟قال: أراد أنْ لا يُحْرِجَ أمَّتَه؛ فهذا يدلُّ على أنَّ مدار الجمع على الحرَج والمشقَّة. ويجوزُ لهم الجمع ولو بقُوا عدَّةَ سنوات, ولا أعلمُ في هذه سُنَّةً سوى حديث ابنِ عباس السابق, وهو قاعدةٌ عامَّة، وهي المشقَّة؛ فإنه يجوز الجمعُ سواءً في الحرب أو في السِّلم, وفي الحضر والسفر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/383). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعِشاءَ جميعًا، في غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ رواه مسلم (705). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قولَ ابنِ عبَّاسٍ: (من غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ)، يدلُّ بمفهومه على جوازِ الجَمْعِ للخوفِ ((فتح الباري)) لابن رجب (3/95). .ثانيًا: أنَّ هذا عُذرٌ تَلحَقُ به المشقَّةُ، ومشقتُه أكثرُ من مَشقَّةِ السَّفرِ والمرَضِ والمطرِ؛ فإذا كانَ الجمعُ يجوزُ في السَّفرِ والمطرِ والمرضِ، فلأنْ يجوزَ للخوفِ من العدوِّ أَوْلَى ((المنتقى))‏ للباجي (1/256). .القول الثاني: لا يجوزُ الجمعُ للخوفِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي  (ص: 73)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/126). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). ، وقولٌ للمالكيَّة ((القوانين الفقهيَّة)) لابن جزي (1/57)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/67). ، وعليه فتوى اللَّجنة الدَّائمة جاءَ في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (الخوفُ لا يُجيزُ الجَمْعَ بين الصَّلاتينِ، وإنَّما يُبيحُ للخائفِ أن يُصلِّي في بيتِه، ولا يحضُر إلى المسجد لصلاة الجماعة إذا كان عليه خوفٌ في خروجه إلى المسجِد) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية) (7/15). .الأدلَّة:أولَا: مِن الكِتابقال اللهُ تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 238-239].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ معنى الآية: إذا كُنتم لا تَتمكَّنون من أداءِ الصَّلاةِ على ما هي عليه، وخِفتُم من العدوِّ، فرجالًا أو ركبانًا، أي: حتى لو كُنتمْ ماشينَ أو راكبينَ، فصَلُّوا ولا تُؤخِّروها؛ فلا يجوزُ للإنسانِ أن يُؤخِّرَ الصلاةَ عن وقتِها لأيِّ عَملٍ كان ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/16)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/34). .ثانيًا: أنَّه لم يُنقَلْ جَمْعُ الصَّلاةِ لعُذرِ الخوفِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). .ثالثا: أنَّ الصَّلاةَ لها مواقيتُ معلومةٌ شرعًا؛ فلا يُخرَجُ عنها إلَّا بدليلٍ ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/282). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ .

يَجوزُ للمُرضِعِ جَمْعُ الصَّلاةِ إذا شَقَّ عليها غَسْلُ ثيابِها عند كلِّ فريضةٍ؛ نصَّ على ذلك فُقهاءُ الحَنابِلَةِ ((الفروع)) لابن مُفلِح (3/104)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابن تيمية: (يجوزُ للمرضِع أن تَجمَع إذا كان يشقُّ عليها غَسلُ الثوب في وقتِ كلِّ صلاة؛ نصَّ عليه أحمد). ((الفتاوى الكبرى)) (2/349) ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (فكلَّما كان الحرج- والمراد بالحرج: المشقة- فإنَّه يجوز الجمع، سواء في الحضر أو في السفر، لمرض، أو مطر، أو ريحٍ باردةٍ شديدة، أو ما أشبهَ ذلك، حتى الحامل إذا شقَّ عليها أن تُصلِّي كلَّ صلاةٍ في وقتها، فلها أن تَجمَع، حتى المرضِع إذا شقَّ عليها أن تُصلِّي كلَّ صلاةٍ في وقتها؛ لكون ولدها يبولُ عليها وما أشبهَ ذلك، فإنَّها تَجمَع) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 201). ؛ وذلك لكثرةِ ما يَلحَقُها من نجاسةِ الطِّفلِ، ومشقَّةِ تَطهيرِ ثِيابِها لكلِّ صلاةٍ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ .

يجوز الجَمْعُ في الحَضَرِ لدَفْعِ الحَرَجِ والمشَقَّة، وهو المنصوصُ عن أحمَدَ قال ابن تيمية: (وأوسَعُ المذاهِبِ في الجَمْعِ بين الصلاتين مذهَبُ الإمام أحمد؛ فإنَّه نص على أنه يجوز الجمع للحَرَج والشُّغل؛ بحديثٍ رُوِيَ في ذلك، قال القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابه: يعني إذا كان هناك شُغْلٌ يبيح له تَرْكَ الجُمُعة والجماعةِ جاز له الجمْعُ). ((الفتاوى الكبرى)) (2/31). وقد ذكر البهوتي ثمانيةَ صور لجواز الجَمْعِ، ومن هذه الصور: (لِمَنْ له شغل أو عُذْرٌ يبيح تَرْكَ الجمعة والجماعة) كخوفٍ على نَفْسِه أو حُرْمَتِه أو ماله، أو تَضَرُّر في معيشة ٍيحتاجُها بترك الجَمْعِ ونحوه. يُنظر: ((كشاف القناع)) (2/6). وقولُ طائفةٍ من الفقهاءِ وأصحابِ الحديثِ [5241] قال النووي: ‏(وذهب جماعةٌ من الأئمة إلى جواز ‏الجمع في الحَضَر للحاجة، لمن لا ‏يتَّخِذُه عادة. وهو قول ابن سيرين، ‏وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه ‏الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير ‏من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق ‏المروزي، عن جماعة من أصحاب ‏الحديث، واختاره ابنُ المنذر، ويؤيِّده ‏ظاهِرُ قول ابن عباس: (أراد أن لا ‏يُحْرِجَ أمَّتَه). فلم يُعَلِّلْه بمرضٍ) ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 219). ، واختارَه ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيميَّة: (فظهر بذلك أنَّ الجَمْعَ هو لرَفْعِ الحَرَج، فإذا كان في التفريقِ حَرَجٌ جاز الجمعُ، وهو وقت العذر والحاجَةِ) ((مجموع الفتاوى)) (22/88). وقال أيضًا: (فالأحاديثُ كُلُّها تدلُّ على أنَّه جَمَع في الوقت الواحِدِ؛ لرفع الحَرَج عن أمَّتِه، فيباح الجمعُ إذا كان في تركه حرجٌ، قد رفعه الله عن الأمَّة، وذلك يدل على الجَمْعِ للمرض الذي يُحْرِجُ صاحبه بتفريقِ الصلاةِ بطريقِ الأَوْلى والأحرى، ويَجْمَع من لا يمكنه إكمالُ الطَّهارة في الوقتينِ إلا بحرجٍ؛ كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور) ((مجموع الفتاوى)) (24/84). ، وابنُ عثيمينَ قال ابن عثيمين: (متى لَحِقَ المكَلَّفَ حرَجٌ في ترك الجمْعِ جاز له أن يجمع... فإذا قال قائل: ما مثال المشَقَّة؟ قلنا: المشقَّة أن يتأثر بالقيامِ والقُعود إذا فَرَّقَ الصلاتين، أو كان يشقُّ عليه أن يتوضَّأَ لكلِّ صلاةٍ.. والمشقَّات متعددة. فحاصِلُ القاعدة فيه: أنَّه كلما لَحِقَ الإنسانَ مَشَقَّةٌ بتَرْكِ الجمعِ جاز له الجَمْعُ حضرًا وسَفَرًا) ((الشرح الممتع)) (4/390). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ((جمَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهْرِ والعَصْرِ، وبين المغْرِبِ والعِشاءِ بالمدينةِ، من غَيْرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ))، قال: فقيل لابنِ عبَّاسٍ: ما أراد بذلك؟ قال: أرادَ أنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَه [5244] رواه مسلم (705). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه عَلَّلَ الجمْعَ بقوله: (أراد أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَه) فمتى لحِقَ المكَلَّفَ حَرَجٌ في تركِ الجَمْعِ؛ جاز له أن يَجْمَعَ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/390)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/219). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: الجَمْعُ بعَرفَةَ ومُزدلِفةَ. المطلبُ الثاني: الجَمْعُ في السَّفرِ . المطلب الثالث: الجَمْعُ في المَرَضِ. المطلب الرابع: حُكمُ جَمْعِ المُستحاضَةِ .