الفَرْع الأوَّل: مِقدارُ مَسافةِ القَصرِاختَلف أهلُ العِلمِ في مِقدارِ مَسافةِ السَّفرِ الذي تُقصَرُ فيه الصَّلاةُ على أقوالٍ عِدَّة قال العينيُّ: (المحكيُّ في هذا الباب نحوٌ من عشرين قولًا) ((عمدة القاري)) (7/125). ، أقواها قولان:القول الأوّل: أنَّ المسافةَ التي تُقصَرُ فيها الصَّلاةُ: أربعةُ بُرُدٍ (88 كم تقريبًا)، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/359)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/56، 57). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/323)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/360). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/ 223)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 179). ، وهو قولُ بَعضِ السَّلفِ قال النوويُّ: (مَذْهبنا: أنَّه يجوز القصرُ في مرحلتين، وهو ثمانية وأربعون مِيلًا هاشميَّة، ولا يجوزُ في أقلَّ من ذلك، وبه قال ابنُ عُمرَ، وابنُ عبَّاس، والحسنُ البَصريُّ، والزُّهريُّ، ومالكٌ، والليثُ بنُ سَعدٍ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثورٍ) ((المجموع)) (4/325). ، وقولُ أبي يُوسفَ من الحَنَفيَّة قال ابنُ مازةَ: ((وعن أبي يُوسَف رحمه الله أنَّه قدَّره بيومين..)) ((المحيط البرهاني)) (2/22). ، وبه قال فُقهاءُ أصحابِ الحديثِ قال النوويُّ: ((ثم قال الشافعيُّ ومالكٌ وأصحابهما، والليثُ والأوزاعيُّ، وفقهاءُ أصحابِ الحديثِ وغيرهم: لا يجوز القصرُ إلَّا في مسيرة مرحلتين قاصدتين، وهي ثمانية وأربعون ميلًا هاشميَّة)) ((شرح النووي على مسلم)) (5/195). ، واختارَه ابنُ بازٍ قال ابنُ باز: (السَّفر عند أهل العِلم هو ما بلَغ من المسافة يومًا وليلة- يعني مرحلتين- هذا الذي عليه جمهورُ أهل العِلم، ويُقدَّر ذلك بنحوِ ثمانين كيلو تقريبًا لِمَن يسير في السيَّارة، وهكذا الطائرات، وفي السُّفن والبواخر، هذه المسافة وما يُقاربها تُسمَّى سفرًا، وتُعتبر سفرًا في العُرف السائد بين المسلمين، فإذا سافر الإنسان على الإبل أو على قدميه، أو في السيَّارات، أو في الطائرات، أو في المراكب البحريَّة هذه المسافةَ أو أكثرَ منها فهو مسافرٌ. وقال بعضُ أهل العلم: إنَّه يُحدُّ بالعُرف ولا يُحدُّ بالمسافة المقدَّرة بالكيلومترات، بل ما يُعدُّ سفرًا في العُرف يُسمَّى سفرًا ويُقصر فيه، وما لا فلا، والصواب ما قرَّره أهلُ العلم أنه يُحدَّد بالمسافة، هذا هو الذي عليه أهلُ العلم، فينبغي الالتزامُ بذلك، وهو الذي جاء عن الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أعلمُ الناس بدِين الله، وهم أعلمُ الناس بسُنَّة رسولِ الله عليه الصَّلاة والسَّلام) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/42-43). .الأَدِلَّة: أولًا: من الآثار1- عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((يا أهلَ مَكَّةَ، لا تَقْصُروا في أقلَّ مِن أربعةِ بُرُد البُرُد: جمْع بَريد، وهي كلمة فارسيَّة يُراد بها الرَّسول، ثم استُعملتْ في المسافةِ التي يَقطعُها، والبريد أربعةُ فراسخ، والفرسخُ ثلاثةُ أميال، فيكون قدْرُ الأربعة بُرُد: 48 ميلًا، وهو ما يساوي 88 كم تقريبًا. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/115- 116)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/43)، ((المغني)) لابن قدامة (2/188)، ((المجموع)) للنووي (4/325)، ((عمدة القاري)) للعيني (7/125)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/379)، ((الفقه الإسلامي وأدلَّته)) للزحيلي (1/142). ، وذلِك مِن مَكَّةَ إلى الطَّائفِ وعُسْفَانَ)) أخرجه الشافعي في ((الأم)) (8/493) صححه عن ابن عباس: ابنُ تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (24/127)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/182): وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/542)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/553)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/253). .2- عن عَطاءٍ قال: (سُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ: أأَقْصُرُ الصَّلاةَ إلى عَرفَةَ؟ فقال: لا، ولكن إلى عُسْفانَ وإلى جُدَّة، وإلى الطَّائِفِ) رواه الشافعي في ((الأم)) (1/211)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (4297)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (2262)، والبيهقي (3/137) (5605). صحَّحه ابن الأثير في ((مسند الشافعي)) (2/94)، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (4/328)، وقال ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/543): إسنادُه على شرْط الشَّيخينِ. . قال مالكٌ: (بَينَ مَكَّةَ والطَّائِفِ وجُدَّة وعُسْفَانَ أَربعةُ بُرُدٍ) ((موطأ مالك)) (1/148) وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/322). .3- عن عَطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ: (أنَّ ابنَ عُمرَ وابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما كانَا يُصلِّيانِ رَكعتينِ، ويُفطِرانِ في أَربعةِ بُرُدٍ فما فَوقَ ذلِك) رواه ابن المنذر في ((الأوسط)) (2261)، والبيهقي (3/137) (5603) وذكَره البخاريُّ في صحيحه (2/43) تعليقًا بصِيغة الجزم. صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (4/27)، والألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (3/17). .4- عن سالِمٍ ونافعٍ، عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان لا يَقصُرُ إلَّا في اليومِ التامِّ- قال مالك: وذلك أَربعةُ بُرُد) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/204)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (2/525)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5394) صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلَّى)) (6/244)، وقال ابنُ عبد البَرِّ في ((الاستذكار)) (2/225): أصحُّ ما رُوي عن ابن عُمرَ في هذا الباب. .وَجْهُ الدَّلالةِ من هذِه الآثارِ:أنَّ هذه أقوالُ صحابةٍ، وقول الصَّحابيِّ حُجَّةٌ، خُصوصًا إذا خالَفَ القِياسَ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/505). .ثانيًا: أنَّ في هذا القَدْرِ تَتكرَّرُ مَشقَّةُ الشدِّ والتَّرحالِ، وفيما دونه لا تَتكرَّرُ ((المجموع)) للنووي (4/322). .ثالثًا: أنَّها مسافةٌ تَجمَعُ مَشقَّةَ السَّفَر، من الحَلِّ والشدِّ؛ فجازَ القصرُ فيها، كمسافةِ الثَّلاثةِ الأيَّام، ولم يَجُز فيما دونها؛ لأنَّه لم يثبُتْ دليلٌ يُوجِبُ القَصرَ فيها ((المغني)) لابن قدامة (2/189). . القول الثاني: أنَّ القَصرَ يجوزُ في أيِّ سَفرٍ, ما دام يُسمَّى سَفرًا، طويلًا كان أمْ قصيرًا، ولا حَدَّ له، وهذا مذهبُ الظَّاهريَّة قال ابنُ رشد: (وقال أهلُ الظاهر: القَصرُ في كلِّ سفرٍ قريبًا كان أو بعيدًا) ((بداية المجتهد)) (1/168). وقال النوويُّ: (وقال داود: يُقصَر في طويلِ السَّفر وقصيرِه) ((المجموع)) (4/325). وقال ابنُ تَيميَّة: (ويجوز قَصرُ الصلاة في كلِّ ما يُسمَّى سَفرًا، سواء قلَّ أو كَثُر، ولا يَتقدَّر عدُّه، وهو مذهب الظاهرية) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434). ، وبعضِ الحَنابِلَةِ قال ابنُ تَيميَّة: (ولهذا قال طائفةٌ أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم: إنَّه يُقصر في السفر الطويل والقصير؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يوقِّتْ للقصر مسافةً ولا وقتًا، وقد قصَر خلفه أهلُ مكة بعرفَةَ ومُزدلفةَ، وهذا قول كثيرٍ من السَّلف والخلف، وهو أصحُّ الأقوال في الدليل، ولكن لا بدَّ أن يكون ذلك ممَّا يُعدُّ في العُرف سفرًا؛ مثل أن يتزوَّد له، ويبرز للصحراء) ((مجموع الفتاوى)) (24/15)، وينظر: ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434). ، واختارَه ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامةَ: (لا أرى لِمَا صار إليه الأئمَّة حُجَّة؛ لأنَّ أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حُجَّة فيها مع الاختلاف، وقد رُوي عن ابن عباس وابن عُمر خلافُ ما احتجَّ به أصحابُنا. ثم لو لم يوجدْ ذلك لم يكن في قولهم حُجَّة مع قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفِعله، وإذا لم تثبتْ أقوالهم امتَنَع المصيرُ إلى التقدير الذي ذكروه؛ لوجهين: أحدهما، أنَّه مخالفٌ لسُنَّة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التي رويناها، ولظاهرِ القرآن؛ لأنَّ ظاهره إباحةُ القصر لِمَن ضرب في الأرض؛ لقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ **النساء: 101**، وقد سقَط شرْطُ الخوف بالخبر المذكور عن يَعلَى بن أُميَّة، فبَقِي ظاهرُ الآية متناولًا كلَّ ضرب في الأرض... والثاني: أنَّ التقدير بابُه التوقيف؛ فلا يجوز المصيرُ إليه برأي مجرَّد، سيَّما وليس له أصلٌ يُردُّ إليه، ولا نظيرٌ يُقاس عليه، والحُجَّة مع مَن أباح القصر لكلِّ مسافر، إلَّا أن ينعقدَ الإجماعُ على خلافه) ((المغني)) (2/190). وقال ابنُ تَيميَّة: (يجوز قصرُ الصلاة في كل ما يُسمَّى سَفرًا، سواء قلَّ أو كَثُر، ولا يتقدَّر عدُّه، وهو مذهب الظاهريَّة، ونصَره صاحبُ "المغني" فيه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434). ، وابنُ تَيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (يجوزُ قَصرُ الصلاة في كل ما يُسمَّى سَفرًا، سواء قلَّ أو كَثُر، ولا يتقدَّر عدُّه، وهو مذهب الظاهرية ونصره صاحب "المغني" فيه، وسواء كان مباحًا أو محرَّمًا، ونصَره ابنُ عقيل في موضعٍ، وقاله بعضُ المتأخِّرين من أصحابِ أحمدَ، والشافعيِّ، وسواءٌ نوَى إقامةَ أكثرَ مِن أربعة أيَّام، أو لا، ورُوي هذا عن جَماعةٍ من الصَّحابة) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434). وقد اعتَبَر ابنُ تيميَّة أنَّ أدْنى ما يُسمَّى سفرًا في كلام الشَّرْع مسافةُ بَريد؛ يقول في ذلك: (وقد ثبَت بالسُّنة القصر في مسافة بريد؛ فَعُلِم أنَّ في الأسفار ما قد يكون بريدًا، وأدْنى ما يُسمَّى سفرًا في كلام الشَّارع البريد. وأمَّا ما دون البريد كالميل، فقد ثبَت في الصَّحيحينِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يأتي قُباءً كلَّ سبتٍ، وكان يأتيه راكبًا وماشيًا، ولا ريبَ أنَّ أهلَ قُباءٍ وغيرَهم من أهل العوالي كانوا يأتون إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينة، ولم يَقصُر الصلاة هو ولا هم، وقد كانوا يأتون الجُمُعة من نحو ميل وفرسخ ولا يقصرون الصلاة، والجُمُعة على مَن سمِع النداء، والنداء قد يُسمَع من فرسخ، وليس كلُّ مَن وجبت عليه الجمعة أُبيح له القصر، والعوالي بعضها من المدينة وإنْ كان اسم المدينة يتناول جميعَ المساكن، كما قال تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ **التوبة: 101**، وقال: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ **التوبة: 120**، وأمَّا ما نُقِل عن ابنِ عُمرَ فيُنظر فيه؛ هل هو ثابت أم لا؟ فإنْ ثبَت فالرواية عنه مختلفة، وقد خالفه غيرُه من الصحابة، ولعلَّه أراد إذا قَطعت من المسافة ميلًا، ولا ريبَ أنَّ قُباءً من المدينة «كذا، ولعل الصواب: مِنْ قُباءٍ إلى المدينةِ» أكثر من ميل، وما كان ابنُ عمر ولا غيرُه يَقصُرون الصلاة إذا ذهَبوا إلى قُباءٍ) ((مجموع الفتاوى)) (24/48، 49). واعتبَر في موضعٍ آخَرَ ما يُعدُّ به سفرًا كالتزوُّد والبروز للصحراء؛ قال في ذلك: (ولكن لا بدَّ أن يكون ذلك ممَّا يُعَدُّ في العُرْف سفرًا، مثل أن يتزوَّد له، ويبرز للصحراء) ((مجموع الفتاوى)) (24/15). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القيِّم: (ولم يحدَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمَّته مسافةً محدودة للقصر والفِطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السَّفر والضَّرْب في الأرض، كما أطلق لهم التيمُّمَ في كلِّ سفر، وأمَّا ما يُروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة، فلم يصحَّ عنه منها شيءٌ البتةَ، والله أعلم) ((زاد المعاد)) (1/463). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (الحاصل أنَّ هذه التقديراتِ لا تدلُّ على عدم جواز القصر فيما دونها، مع كونها محتملةً أن يكون قاصدًا لسفر هو خلف ذلك المقدار، وأن يكون ذلك هو منتهى سفرِه؛ فالواجبُ الرجوعُ إلى ما يَصدُق عليه أنه سفر، وأنَّ القاصد إليه مسافر، ولا ريبَ أنَّ أهل اللُّغة يُطلقون اسم المسافِر على مَن شَدَّ رحله، وقصد الخروج من وطنه إلى مكانٍ آخَر، فهذا يَصدُق عليه أنه مسافرٌ وأنه ضاربٌ في الأرض، ولا يُطلقون اسم المسافر على مَن خرج مثلًا إلى الأمكنة القريبة من بلده لغرضٍ من الأغراض، فمَن قصَدَ السفر قَصَر إذا حضرتْه الصلاة، ولو كان في ميلِ بلده، وأمَّا نهاية السفر فلم يردْ ما يدلُّ على أنَّ السفر الذي يقصر فيه الصلاة هو أن يكون المسافر قاصدًا لمقدار كذا من المسافة فما فوقَها. وقد صحَّ النهيُ للمرأة أن تسافر بغير مَحرَم ثلاثة أيَّام، وفي رواية: (مسيرة يومٍ وليلة)، وفي رواية: (أن تسافر بريدًا)، فسمَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلَّ ذلك سفرًا، وأقله البريد؛ فكان القصرُ في البريد واجبًا، ولكنَّه لا ينبغي ثُبوتُ القصر فيما دون البريد إلَّا أنْ يثبُت عند أهل اللُّغة، أو في لسان أهل الشرع أنَّ مَن قصَد دون البريد لا «كذا، ولعلَّ الأصوب بحذف (لا)» يُقال له: مسافِر) ((السَّيل الجرار)) (ص: 188). ، والشِّنقيطيُّ قال الشِّنقيطي: (أقوى الأقوال- فيما يَظهَرُ لي- حُجَّةً، هو قولُ مَن قال: إنَّ كل ما يُسمَّى سفرًا ولو قصيرًا تُقصر فيه الصلاة; لإطلاق السفر في النُّصوص) ((أضواء البيان)) (1/273). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الصحيح: أنه لا حدَّ للسَّفر بالمسافة؛ لأنَّ التحديد كما قال صاحب المغني: «يحتاج إلى توقيف، وليس لِمَا صار إليه المحدِّدون حُجَّة، وأقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حُجَّة فيها مع الاختلاف) ((الشرح الممتع)) (4/351). وقال أيضًا: (إذا كان لم يُروَ عن الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تقييدُ السفر بالمسافة، وليس هناك حقيقةٌ لغويَّة تقيِّده، كان المرجع فيه إلى العُرف، وقد ثبت في «صحيح مسلم» عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا خرَج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ صلَّى ركعتينِ». ومعلوم أنَّ ثلاثة فراسخ نِسبتُها إلى ستة عشر فرسخًا يسيرةٌ جدًّا؛ فالصحيح أنه لا حدَّ للمسافة، وإنما يُرجَع في ذلك إلى العُرف) ((الشرح الممتع)) (4/352، 353). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (وقد اختلف العلماءُ في المسافة التي تُقصر فيها الصلاة اختلافًا كثيرًا جدًّا، على نحو عشرين قولًا، وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيِّم أقربُها إلى الصواب، وأليقُ بيُسر الإسلام؛ فإنَّ تكليف الناس بالقَصر في سفر محدود بيومٍ أو بثلاثة أيَّام وغيرها من التحديدات، يستلزم تكليفَهم بمعرفة مسافات الطُّرق التي قد يَطرقونها، وهذا ممَّا لا يستطيع أكثرُ الناس، لا سيَّما إذا كانت ممَّا لم تُطرَق من قبلُ) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/311). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الآيةَ مُطلقَةٌ في قَصْرِ الصَّلاةِ في كلِّ ضَرْبٍ في الأرضِ، وليس فيها تقييدٌ بالمسافةِ أو بالزَّمَنِ ((المجموع)) للنووي (4/326). . ثانيًا: من السُّنَّة1- عن يَعلَى بنِ أُميَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (سألتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قلتُ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقدْ أمَّنَ اللهُ الناسَ؟ فقال لي عُمرُ رَضِيَ اللهُ عنه: عجبتُ ممَّا عجبتَ منه! فسألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك فقال: ((صَدَقةٌ تَصدَّقَ اللهُ بها عَليكم، فاقْبَلُوا صَدقتَه)) رواه مسلم (686). .2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((صَحِبتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السَّفرِ على رَكعتينِ، وأبا بَكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ كذلِك رَضِيَ اللهُ عنهم)) رواه البخاري (1102) واللفظ له، ومسلم (689). .وجه الدَّلالةِ من هذه النُّصوصِ: أنَّ الأحاديثَ مُطلقَةٌ وليس فيها تقييدُ القصرِ في السَّفرِ بمسافةٍ مُعيَّنة ((المجموع)) للنووي (4/326). .ثالثًا: من الآثارِ عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (إنِّي لأُسافِرُ الساعةَ من النَّهارِ فأَقْصُر, يعني: الصَّلاةَ) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8223)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (2270) صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/660)، والألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (3/18). ، وعنه أيضًا: (لو خَرجتُ مِيلًا قصرتُ الصَّلاةَ) أورده ابن حزم في ((المحلى)) (5/8). قال ابنُ حزم: إسناده كالشَّمس. وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/660)، والصنعانيُّ في ((سبل السلام)) (2/63).. .رابعًا: أنَّ نُصوصَ الكتاب والسُّنَّة ليس فيها تفريقٌ بين سَفَرٍ طويلٍ وسفرٍ قصير؛ فمَن فرَّق بين هذا وهذا فقَدَ فرَّق بين ما جمَع الله بينه، فرقًا لا أصلَ له من كِتاب اللهِ ولا سُنَّة رسولِه، فالمرجعُ فيه إلى العُرْف، فما كان سَفرًا في عُرْف النَّاسِ فهو السَّفَرُ، الذي عَلَّقَ به الشارعُ الحُكمَ ((المحلى)) لابن حزم (5/18)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (24/35). .خامسًا: أنَّ السَّفَر لو كان له حَدٌّ لَمَا أَغفَل بيانَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((المحلى)) لابن حزم (5/21 رقم 513). .سادسًا: أنَّ حدَّه بالسَّيرِ أو بالأيَّام لا يَنضبِطُ؛ لأنَّه يتفاوتُ حسبَ سرعةِ الدَّابَّة ونوعِها، إلى غيرِ ذلك ((المحلى)) لابن حزم (5/16، 17، 18 رقم 513). .سابعًا: أنَّه لا فَرْقَ بين سَفرِ أهل مكَّةَ إلى عرفةَ، حيث يَقصُرونَ الصلاةَ لذلك، وبين سَفرِ سائرِ المسلمينَ إلى قدْرِ ذلك من بلادِهم؛ فإنَّ هذه مسافةُ بَريدٍ، وقد ثبَت فيها جوازُ القَصرِ والجَمْعِ ((المحلى)) لابن حزم (5/18 رقم 513)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (24/41). .الفَرْعُ الثَّاني: حُكمُ مَن شَكَّ في قَدْرِ المَسافةِ: مَن شَكَّ في قَدْرِ المسافةِ؛ هل هي مسافةُ قَصْرٍ أمْ لا، لا يَقْصُر، ويَجِبُ عليه الإتمامُ؛ نصَّ على هذا فُقهاءُ الحَنابِلَةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/190). ، وهو ظاهرُ مذهبِ المالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/146)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/60). ، ونصَّ عليه الشافعيُّ قال الشافعيُّ: (ولكن إذا سافَر في البحر والنهر مسيرةً يُحيط العلمُ أنَّها لو كانتْ في البَرِّ قُصِرتْ فيها الصلاة قَصَر، وإن كان في شكٍّ من ذلك لم يَقصُرْ حتى يستيقنَ بأنها مسيرةُ ما تُقصَر فيها الصلاة) ((الأم)) (1/216). وقال النوويُّ: (فلو شكَّ في المسافة اجتهد؛ نقَلَه الرافعيُّ وغيره، وقد نص الشافعي في الأم أنه إذا شكَّ في المسافة لم يجُزِ القصرُ) ((المجموع)) (4/323). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّ الأصلَ وُجوبُ الإتمامِ؛ فلا يزولُ بالشَّكِّ ((المغني)) لابن قدامة (2/190).                       .ثانيًا: أنَّ الأصل هو الإقامةُ حتَّى نتحقَّق أنَّه يُسمَّى سفرًا ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/353). .ثالثًا: أنَّ في الإتمامِ براءةً للذِّمَّة ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 98). .رابعًا: أنَّه صلَّى شاكًّا في صِحَّةِ صلاتِه، فأَشبهَ ما لو صلَّى شاكًّا في دخولِ الوقتِ ((المغني)) لابن قدامة (2/190). .الفَرعُ الثَّالِثُ: حُكمُ التائِهِ الذي لا يَقصِدُ مكانًا معينًا يُشترَطُ لجوازِ القَصرِ أنْ يَقصِدَ قطْعَ مسافةِ قَصرٍ، فلو خرَج تائهًا أو لحاجةٍ من غيرِ قَصْدِ قَطْعِ مسافةِ القَصرِ، فإنَّه لا يَقصُرْ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/122)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/28). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/362)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/57). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/334)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/380). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/506)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/190). . وذلك للآتي:أولًا: أنَّه لم يقصدْ مسافةَ القَصرِ؛ فلم يُبَحْ له، كابتداءِ سَفرِه ((المغني)) لابن قدامة (2/190)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/381). .ثانيًا: أنَّه اجتمَعَ في الصلاةِ ما يُوجِبُ الإتمامَ وما يُبيحُ الرُّخَصَ، فترجَّحَ الإتمامُ احتياطًا ((حاشية ابن عابدين)) (2/122). . انظر أيضا: المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه. المَطلَبُ الخامس: دخولُ وقتِ الصَّلاةِ وهو في السَّفَرِ.

الفرع الأوَّل: حُكْمُ القَصْرِ لِمَن نوى الإقامَةَمَن نوَى الإقامةَ يَلزمُه الإتمامُ.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن ابنِ عُمرَ قال: صليتُ مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمنًى ركعتَين، ومع أبي بكر ركعتَينِ، ومع عُمرَ ركعتين، ومع عُثمانَ صدرًا من خلافتِه، ثمَّ صلَّاها أربعًا. وقال ابنُ شهاب: فبَلَغَني أنَّ عثمان أيضًا صلَّاها أربعًا؛ لأنَّه أزمع أن يُقيم بعد الحجِّ. قال أبو عُمرَ: هذا وجهٌ صحيحٌ مجتمَع عليه، فيمَن نوَى الإقامة، أنَّه يلزمه الإتمامُ) ((التمهيد)) (16/305- 306). وقال أيضًا: (لا أعلم خلافًا فيمَن سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة، لا يلزمه أن يتمَّ في سفره، إلَّا أنْ ينويَ الإقامةَ في مكانٍ من سفره، ويجمَع نِيَّتَه على ذلك) ((الاستذكار)) (2/242). . الفرع الثاني: مُدَّةُ الإقامةِ التي تَقطَعُ السَّفَرَ إذا نواهالا يَقْصُرُ المسافِرُ الصلاةَ إذا نوى الإقامةَ أربعةَ أيَّامٍ فأكثرَ للعلماء أقوالٌ أخرى: منها ما ذهب إليه الحنابلة أنه إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام انقطع سفره قالوا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدِم مكةَ في حجَّة الوداعِ لصبحِ رابعةٍ، فأقام اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصرُ الصلاةَ في هذه الأيَّام، وقد أجمَع على إقامتِها، فهذا يدلُّ على أنَّ مَن أقام ما يزيدُ على أربعةِ أيَّام أتمَّ. ينظر ((المغني)) لابن قدامة (2/213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/512، 513). وذهب ابن تيمية إلى أن المعتبر في تحديد الإقامة هو العُرْف، فقال: (ويجوزُ قصرُ الصلاة في كلِّ ما يُسمَّى سفرًا، سواء قلَّ أو كثُرَ، ولا يتقدَّر عدُّه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 434). وسبب الخلاف في المسألة كما قال ابنُ رشد: (أنَّه أمرٌ مسكوت عنه في الشرع، والقياس على التحديد ضعيفٌ عند الجميع؛ ولذلك رام هؤلاء كلُّهم أن يستدلُّوا لمذهبهم من الأحوال التي نُقِلت عنه عليه الصَّلاة والسَّلام أنه أقام فيها مقصرًا، أو أنَّه جعَل لها حُكمَ المسافر). ((بداية المجتهد)) (1/169)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/182). قال ابن تيمية: (هذه المسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب الإتمام ومنهم من يوجب القصر والصحيح أن كلاهما سائغ فمن قصر لا ينكر عليه ومن أتم لا ينكر عليه) ((مجموع الفتاوى)) (24/18). ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/503)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/32). وعندهم لا يُعتدُّ باليوم الذي يدخل فيه، إلَّا أن يكون دخوله قبلَ الفجر, وأمَّا اليوم الذي يخرج فيه, فإنْ كان نيَّته الخروج قبل غروب الشمس، فلا إشكالَ في عدم الاعتداد بذلك, وأمَّا إن كان نيَّته الخروج بعد الغروب وقَبل صلاة العشاء، فالظاهر أنَّه لا يُعتدُّ به أيضًا. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/504). قال ابن عبد البر: (أصحُّ شيء في هذه المسألة قولُ مالك ومَن تابعه) ((التمهيد)) (11/185، 186). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/384)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/264). لكن لا يَحسُبون منها يوم الدخول، ويوم الخروج. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/361). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (2/212). واختارَها ابنُ تيميَّة احتياطًا فقد قال: (إذا نوى أن يُقيمَ بالبلد أربعة أيَّام فما دونها قَصَر الصَّلاة، كما فعل النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا دخل مكة. فإنَّه أقام بها أربعةَ أيَّام يَقصُر الصلاة. وإنْ كان أكثرَ ففيه نزاع، والأحوط أن يُتمَّ الصلاة) ((مجموع الفتاوى)) (24/17). ، وبه قال بعضُ السَّلَف قال الماورديُّ: (إن نوى مقامَ أربعة أيَّام سوى اليوم الذي دخَل فيه واليوم الذي يخرج منه، لزمه أن يُتِمَّ، لم يجز له أن يقصُر، وبه قال من الصحابة: عثمانُ بنُ عفَّان رضي الله عنه، ومن التابعين: سعيدُ بن المسيَّب، ومن الفقهاء: مالكٌ) ((الحاوي الكبير)) (2/371). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (واختلفوا في مدَّة الإقامة؛ فقال مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، والطبريُّ، وأبو ثور: إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وهو قول سعيد بن المسيَّب- في رواية عطاء الخراساني عنه) ((التمهيد)) (11/181). وقال ابنُ قدامة: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي ثور؛ لأنَّ الثلاث حدُّ القِلَّة) ((المغني)) (2/212). ، واختارَه الطبريُّ ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/181). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة 1-عن العَلاءِ بنِ الحضرميِّ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُقيمُ المهاجرُ بمكَّةَ بعدَ قضاءِ نُسُكِه ثَلاثًا)) رواه البخاري (3933)، ومسلم (1352) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه كان يَحرُم على المهاجرين الإقامةُ بمكَّةَ؛ فالإذنُ في الثلاثةِ؛ ليقضوا حوائجهم، يدلُّ على بقاءِ حُكمِ السَّفرِ فيها، وأن ثلاثةَ أيامٍ ليس لها حكمُ الإقامةِ، وأنَّ ما زاد عليها- وهي أربعةُ أيامٍ- تُعتبر إقامةً لمن نواها قال ابن عبد البر: (معلوم أنَّ الهجرة إذا كانت مفترَضَةً قبل الفتح، كان المقام بمكَّةَ لا يجوز ولا يَحِلُّ، فجَعَل رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمهاجر ثلاثةَ أيام لتقضيةِ حوائجه، وتهذيب أسبابه، ولم يَحكُم لها بحُكم المقام، ولا جعَلَها في حيِّز الإقامة؛ لأنها لم تكن دارَ مُقام، فإذا لم يكُن كذلك؛ فما زاد على الثلاثة أيَّام إقامةً لِمَن نواها، وأقل ذلك أربعة أيَّام، ومَن نوى إقامة ثلاثة أيَّام فما دونها، فليس بمقيمٍ وإن نوى ذلك، كما أنه لو نوى إقامةَ ساعة أو نحوها لم يكُن بساعته تلك داخلًا في حُكم المقيم ولا في أحواله) ((التمهيد)) (11/185). .ثانيًا: من الآثارعن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه أجْلَى اليهودَ مِن الحجازِ، ثم أذِنَ لِمَن قدِمَ منهم تاجرًا أن يُقيمَ ثلاثًا) ((موطأ مالك- برواية أبي مصعب الزهري)) (2/63) (1864)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5454) صحَّحه النووي في ((المجموع)) (4/360)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/210)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/342) .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الاقتصارَ في الإذنِ لهم للتجارةِ ثلاثًا بعدَ إجلائِهم منها يُشيرُ إلى أنَّ ذلك مقامُ السَّفر، وما جاوزه مقامُ الإقامةِ قال ابن عبد البر: (ومن الحُجَّة أيضًا في ذلك: أنَّ عمر رضي الله عنه حين أجْلَى اليهود جعَل لهم إقامة ثلاثة أيَّام في قضاء أمورهم، وإنَّما نفاهم عمرُ لقول رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَبقَى دِينانِ بأرضِ العَربِ»، ألا ترى أنَّهم لا يجوز تركُهم بأرض العرب مقيمين بها؟ فحِين نفاهم عمرُ وأمرهم بالخروج لم يكُن عنده الثلاثة أيام إقامةً. وهذا بيِّن لِمَن لم يُعانِد ويصدَّه عن الحقِّ هواه وعماه) ((التمهيد)) (11/185، 186)، وينظر: ((مختصر خلافيات البيهقي)) (2/316)، ((المغني)) لابن قدامة (2/212). .ثالثًا: عمَلُ أهلِ المدينةِنقَل الإمامُ مالكٌ: عمَلَ أهلِ المدينةِ على ذلك قال مالك: الأمر عندنا، فيمن أجمع مقام أربع ليال، على حديث عطاء بن عبد الله، عن ابن المسيب «أي يتم». قال مالك: في حديث عطاء بن عبد الله: وذلك أحسن ما سمعت، وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا) ((موطأ مالك- رواية أبي مصعب الزهري)) (1/516). وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/104). .الفرع الثالث: مَن حُبِسَ ولم يَنوِ الإقامةَ، أو مَكَثَ لقضاءِ حاجتِهمَن مكَثَ لقضاءِ حاجتِه ولم يُجْمِعْ على الإقامةِ، فإنَّ له قَصرَ الصَّلاةِ، وإنْ طالتْ مدَّةُ إقامتِه.الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تِسْعةَ عَشَرَ يَقْصُرُ)) رواه البخاري (1080). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على أنَّ للمُسافرِ أن يَقصُرَ ما لم يَجمعْ إقامةً، وإنْ طالتْ مُدَّةُ إقامتِه: الترمذيُّ قال الترمذيُّ: (أجمَع أهلُ العِلم على أنَّ المسافر يقصر ما لم يُجمِع إقامةً، وإن أتى عليه سِنونَ) ((سنن الترمذي)) (2/434). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا فيمَن سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة، لا يلزمه أن يُتمَّ في سفره إلَّا أن ينويَ الإقامةَ في مكان من سفره ويَجمَع نيَّتَه على ذلك). ((الاستذكار)) (2/242). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشد: (اتَّفقوا على أنه إنْ كانت الإقامة مدَّةً لا يرتفع فيها عنه اسمُ السفر بحسَب رأي واحد منهم في تلك المدَّة، وعاقه عائقٌ عن السفر، أنَّه يقصُر أبدًا وإنْ أقام ما شاء الله) ((بداية المجتهد)) (1/170). .الفرع الرابع: الملَّاحُ الذي معه أهلُه لا يَنوي الإقامةَ ببلدٍالملَّاحُ مسافِرٌ وله قَصرُ الصَّلاةِ، ولو كان أهلُه معه، ما دامَ أنَّه ليس قريبًا من وطنِه، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/213)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/126). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/496، 497)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/361). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/322)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/271). ، وهو قول داودَ قال النوويُّ: (الملَّاح الذي معه أهلُه وماله ويُديم السير في البحر، والمكاري وغيرهم، فكلُّهم لهم القصرُ إذا بلَغ سفرهم مسافةً لو قُدِّرت في البر بلغت ثمانيةً وأربعين ميلًا هاشمية، لكن الأفضل لهم الإتمامُ؛ نصَّ عليه الشافعيُّ، واتَّفق عليه الأصحاب، وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، وداود وغيرُهم، إلَّا أنَّ أبا حنيفة يشترط ثلاثَ مراحل، وقال الحسن بنُ صالح، وأحمد بن حنبل: لا يجوزُ للملَّاح القصر؛ لأنَّه مقيمٌ في أهله وماله. دليلنا: أنه مسافر، وما قالوه ينتقض بالذي يُديم كراءَ الإبل وغيرها والسير في البر؛ فإنَّ له القصرَ) ((المجموع)) (4/322). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاسٍ قال: (فرَضَ اللهُ الصَّلاةَ على لِسانِ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحضَرِ أربعًا، وفي السَّفَرِ ركعتينِ، وفي الخوف ركعةً) رواه مسلم (687). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الملَّاحَ في البحرِ مسافرٌ؛ فله حُكمُه ((المجموع)) للنووي (4/322). .ثانيًا: أنَّه مسافرٌ؛ فله الترخُّصُ برُخَصِ السَّفرِ، وكونُ أهلِه معه لا يَمنَعُ الترخُّصَ، كالجَمَّالِ ((المغني)) لابن قدامة (2/195). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه. المَطلَبُ الخامس: دخولُ وقتِ الصَّلاةِ وهو في السَّفَرِ.

اختَلَف أهلُ العِلمِ في الترخُّصِ برُخَصِ السَّفر في سفرِ المعصيةِ، على قولين:القول الأول: يُشترَطُ في الترخُّصِ برُخَصِ السَّفرِ، كقَصْرِ الصَّلاةِ، والإفطارِ في رمضانَ: أنْ يكونَ السفرُ مباحًا، فإنْ كان في سَفرِ معصيةٍ لم يُبَحْ له الترخُّصُ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 244)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 487)، ويُنظر: ((المنتقى))‏ للباجي (1/261)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/168). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/343)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/386). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 179)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/193)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 110). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة: 3].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه شرَطَ في الترخيصِ بالاضطرارِ إلى أكْلِ المَيتةِ كونَه غيرَ متجانفٍ لإثمٍ، ويُفهَمُ منه أنَّ المتجانِفَ لإثمٍ لا رُخصةَ له، والعاصي بسَفرِه متجانِفٌ لإثم، وهو أَوْلى بالمنعِ من المضطرِّ في المَخْمَصةِ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/279). .ثانيًا: أنَّ المعصيةَ لا تكونُ سببَ الرُّخصةِ، كما أنَّ السُّكرَ لا يُسقِطُ التكاليفَ ((الذخيرة)) للقرافي (2/367)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/387). .ثالثًا: أنَّ رُخَصَ السفر متعلِّقةٌ بالسَّفرِ، ومنوطةٌ به، فلمَّا كان سفرُ المعصيةِ ممنوعًا منه لأجْل المعصيةِ، وجَبَ أن يكونَ ما تَعلَّق به من الرُّخَص ممنوعًا منه لأجْل المعصيةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/388). .رابعًا: أنَّ في جوازِ الرُّخَصِ في سفرِ المعصيةِ والتخفيفِ عليه إعانةً له على معصيتِه ((المجموع)) للنووي (4/344)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/279). .خامسًا: أنَّ ما يتعلَّقُ بالسفرِ من رُخصةِ تخفيفٍ من الله سبحانه على عباده لِمَا يَلحقُهم من المشقَّةِ فيه؛ ليكون ذلك معونةً لهم وقوةً على سفرهم، والعاصي لا يستحقُّ المعونةَ؛ فلم يَجُزْ أن يَستبيحَ الرُّخصةَ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/389). . سادسًا: أنَّ السببَ المحظور لا يُسقِطُ شيئًا من فَرْض الصَّلاةِ، كالخوف بالقِتال المحظورِ لا يُبيحُ صلاةَ شِدَّةِ الخوفِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/389). . سابعًا: أنَّ النُّصوصَ وردتْ في حقِّ الصَّحابةِ، وكانت أسفارُهم مباحةً؛ فلا يَثبُتُ الحُكمُ في سفرٍ مخالفٍ لسفرِهم؛ لأنَّه رُخصةٌ، فتتقيَّدُ بمحلِّها الذي وردتْ فيه ((المغني)) لابن قدامة (2/194). . القول الثاني: كلُّ مسافرٍ له الترخُّصُ برُخَصِ السَّفرِ، من غيرِ تفريقٍ بين السَّفرِ المباحِ، وبين سَفرِ المعصيةِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/124)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/93). ، ورواية عن مالك قال الباجي: (وأمَّا سفر المعصية، فالمشهورُ من مذهب مالك: أنَّه لا تُقصَر فيه الصلاة، وبه قال الشافعيُّ، وروى زيادُ بن عبد الرحمن عن مالكٍ: أنَّه تُقصَر فيه الصَّلاة، وبه قال أبو حنيفة) ((المنتقى))‏ (1/261). ، وبه قال طائفةٌ من السَّلفِ قال الماورديُّ: (قال أبو حنيفةَ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والمزنيُّ: العاصي في سفرِه كالطَّائعِ في استباحة الرُّخَص؛ تعلقًا بقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ **النساء: 101**) ((الحاوي الكبير)) (2/387). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (كونُ الصَّلوات المذكورة في السَّفر ركعتينِ فرضٌ، سواء كان سفرَ طاعةٍ أو معصيَّةٍ، أو لا طاعةَ ولا معصيةَ، أمنًا كان أو خوفًا) ((المحلى)) (4/264). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (الحُجَّة مع مَن جعَل القصرَ والفِطر مشروعًا في جِنس السَّفر ولم يخصَّ سفرًا من سفر. وهذا القولُ هو الصَّحيح؛ فإنَّ الكتاب والسُّنة قد أطلقَا السفر؛ قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ **البقرة: 184**، كما قال في آية التيمُّم: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ **النساء: 43، والمائدة: 6** الآية، وكما تقدَّمت النصوص الدالَّة على أنَّ المسافر يصلِّي ركعتين، ولم يَنقُل قطُّ أحدٌ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه خصَّ سفرًا من سفر، مع عِلمه بأنَّ السفر يكون حرامًا ومباحًا، ولو كان هذا ممَّا يختصُّ بنوعٍ من السفر، لكان بيان هذا من الواجبات، ولو بيَّن ذلك لنقلتْه الأمَّة، وما عَلِمتُ عن الصحابةِ في ذلك شيئًا) ((مجموع الفتاوى)) (24/109). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (وأمَّا قول المصنِّف: (مريدًا أيَّ سفَر) أي: سواء كان السفرُ طاعةً أو معصية، فهو صواب؛ لأنَّ الأدلَّة الأخرى لم تُفرِّق بين سفر وسفر، ومن ادَّعى ذلك فعليه الدليل) ((السيل الجرار)) (ص: 188). ، والسعديُّ قال السعديُّ: (يقول تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ أي: في السَّفر، وظاهر الآية يقتضي الترخُّص في أيِّ سفر كان، ولو كان سفرَ معصية، كما هو مذهبُ أبي حنيفة رحمه الله) ((تفسير السعدي)) (ص 197). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (الأقربُ عندي أنَّ مَن سافر سفر معصية فله الترخُّص برُخَص السفر). وقال: (الصَّواب أنَّ له القصرَ فيه) ((اختيارات الشيخ ابن باز وآراؤه الفقهية)) لخالد آل حامد (1/684). , وقوَّاه ابنُ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (وذهَب الإمامُ أبو حنيفة وشيخُ الإِسلام ابن تيميَّة وجماعةٌ كثيرة من العلماء؛ إلى أنَّه لا يُشترَطُ الإِباحةُ لجواز القصر، وأنَّ الإِنسان يجوز أن يَقصُر حتى في السفر المحرَّم،... وهذا القول قولٌ قويٌّ؛ لأنَّ تعليله ظاهر، فالقصر منوطٌ بالسفر على أنَّ الركعتين هما الفرض فيه، لا على أنَّ الصلاة حُوِّلت من أربع إلى ركعتين، كما ثبَت ذلك في «صحيح البخاري» وغيره عن عائشةَ رضي الله عنها: «أنَّ أَوَّل ما فُرِضَتِ الصَّلاةُ ركعتين، ثم هاجر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فزِيدَ في صلاةِ الحَضرِ وأُقرَّتْ صلاةُ السَّفر على ركعتينِ»، وحينئذٍ تبيَّن أنَّ الركعتين في السفر عزيمةٌ لا رُخصة؛ وعليه: فلا فَرْقَ بين السفر المحرَّم والسفر المباح) ((الشرح الممتع)) (4/350). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ عمومَ الآيةِ تَقتضي الرُّخْصةَ في كلِّ ضاربٍ في الأرضِ من طائعٍ أو عاصٍ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .ثانيًا: من السُّنَّة1- عن يَعلَى بنِ أُميَّة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سألتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قلتُ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقدْ أمَّن اللهُ الناسَ؟ فقال لي عُمرُ رَضِيَ اللهُ عنه: عجبتُ ممَّا عجبتَ منه! فسألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فقال: ((صدَقةٌ تصدَّق اللهُ بها عليكم، فاقبَلوا صدقَتَه)) رواه مسلم (686). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام لم يَخصَّ سفرًا من سفرٍ، بل عمَّ، فلا يجوزُ لأحدٍ تخصيصُ ذلك، ولم يجُزْ ردُّ صدقةِ اللهِ تعالى التي أمَر- عليه السَّلامُ- بقَبولِها؛ فيكون مَن لا يَقبَلُها عاصيًا ((المحلى)) لابن حزم ( 4/267). .2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ قال: فرَضَ اللهُ الصَّلاةَ على لِسانِ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَضَر أربعًا، وفي السَّفَرِ ركعتينِ، وفي الخوفِ ركعةً رواه مسلم (687). .وجْه الدَّلالةِ من هذه النُّصوصِ: أنَّها عامَّةٌ في كلِّ سفرٍ، ولم تُقيَّدْ بسَفرِ الطَّاعةِ دون سفرِ المعصيةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .ثالثًا: أنَّ كلَّ صلاةٍ جاز الاقتصارُ فيها على ركعتينِ، استوى في فِعلها الطائعُ والعاصي كالجُمُعةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .رابعًا: أنَّ للمقيمِ رُخصةً وللمسافرِ رُخصةً، فلو مَنَعتِ المعصيةُ من رُخصةِ المسافِرِ لَمَنَعتْ من رُخصةِ المقيمِ، فلمَّا جازَ للمقيمِ أن يترخَّص أيضًا، وإنْ كان عاصيًا، جاز للمسافِرِ أن يترخَّصَ أيضًا وإنْ كان عاصيًا ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .خامسًا: أنَّه لو أنشأَ سفرًا في طاعةٍ من حجٍّ، أو جهاد، ثم جعَلَه معصيةً لسعيهِ بالفسادِ جازَ أن يَستبيحَ رُخَصَ السَّفرِ، كذلك إذا أنشأ سفرَه عاصيًا ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .سادسًا: أنَّه لَمَّا جازَ للعاصي أن يتيمَّمَ في سفرِه إجماعًا، ولم تمنعْه المعصيةُ من التيمُّم، فكذلك لا تَمْنَعُه من سائرِ الرُّخَصِ كالقَصرِ وغيرِه ((المحلى)) لابن حزم (4/267)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/387). .سابعًا: أنَّ نفْس السَّفرِ ليس بمعصيةٍ، وإنَّما المعصيةُ ما يكونُ بَعدَه أو يُجاوِرُه، فصَلَحَ أن تتعلَّقَ به الرُّخصةُ ((الهداية)) للمرغيناني (1/82). .ثامنًا: أنَّ القُبحَ المجاوِرَ لا يعدمُ المشروعيَّةَ ((حاشية ابن عابدين)) (2/124). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه. المَطلَبُ الخامس: دخولُ وقتِ الصَّلاةِ وهو في السَّفَرِ.

يُشترَطُ في قَصْر الصَّلاة في السَّفَر أنْ يكونَ قد خرَج من بيوتِ بلدِه، وفارَق عمرانَها، وترَكها وراءَ ظَهرِه يجوزُ الترخُّص برخص السَّفر في المطار، إذا كان خارج المدينة، أمَّا إذا كان المطارُ داخلَ المدينة فلا يجوز حتى تقلعَ الطائرةُ، وتغادر عامر المدينة. سئل ابن باز: عن حُكْمِ جَمْعِ وقَصْرِ الصلاةِ لركَّاب الطائرة في المطار قبل الرُّكوب، فأجاب: (إذا كنتَ في المطارِ خارج البلد لا بأسَ أن تصلِّيَ الظهر والعصر جَمْعَ تقديمٍ إذا صار الوقت قد دخل، مثل مطار الرياض ومطار جُدَّة خارجَ البلد؛ تصلِّي في المطار، تجمع بين الصَّلاتينِ ولا بأس- والحمد لله- إذا كان قد دخل وقت الظهر أو وقت المغرب) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/77). وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: (إذا كان المطار خارج المدينة فلكم الجمعُ بين الصلاتين والقصر؛ لأنَّها بدأت في حقكم رُخَص السَّفَر، أمَّا إذا كان المطارُ داخل المدينة فإنَّه لا يجوز الترخُّص برُخَص السَّفَر حتى تُقْلِعَ الطَّائرة وتغادر عامِرَ المدينةِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/439). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/121)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/33). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 143)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/365)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/57). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/346، 347)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/372). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 293)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/191)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 110). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المنذر: (وأجمَعوا على أنَّ للذي يُريد السفرَ أنْ يَقصُر الصلاةَ إذا خرَج عن جميع البُيوت من القرية التي خرَج منها) ((الإجماع)) (ص 41). وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/191). وقال البغويُّ: (وأجمَعوا على أنَّه لا يجوز له القصرُ ما لم يخرجْ عن البلد) ((شرح السنة)) (6/313). وقال ابنُ قُدامةَ: (ليس لِمَن نوى السَّفر القصرُ حتى يخرجَ من بيوت قريَّته، ويجعلها وراءَ ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثور، وحُكِي ذلك عن جماعةٍ من التابعين) ((المغني)) (2/191). وقال النوويُّ: (وأمَّا ابتداء القصر، فيجوز من حين يُفارق بنيانَ بلده، أو خيامَ قومه، إنْ كان من أهل الخيام، هذا جملةُ القول فيه، وتفصيله مشهورٌ في كتب الفقه، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافَّة، إلَّا رواية ضعيفة عن مالك: أنَّه لا يقصر حتى يجاوزَ ثلاثة أميال، وحُكِي عن عطاءٍ وجماعةٍ من أصحاب ابن مسعود أنَّه إذا أراد السفرَ قَصَر قبل خروجه، وعن مجاهد أنَّه لا يَقصُر في يوم خروجه حتى يدخُلَ الليل، وهذه الرِّوايات كلها منابذةٌ للسُّنَّة وإجماعِ السَّلَف والخَلَف) ((شرح النووي على مسلم)) (5/200). وقال أيضًا: (مذهبنا أنَّه إذا فارق بنيانَ البلد قَصَر، ولا يَقصُر قبل مفارقتِها وإنْ فارق منزلَه، وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفة، وأحمدُ، وجماهيرُ العلماء) ((المجموع)) (4/349). . الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه رتَّب القصرَ على الضَّرْبِ في الأرضِ، والكائنُ في البُيوتِ ليس بضاربٍ في الأرضِ؛ فلا يَقصُر ((الذخيرة)) للقرافي (2/366)، ((المجموع)) للنووي (4/346). .ثانيًا: من السُّنَّةعن أَنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى الظُّهَر بالمدينةِ أربعًا، وصلَّى العصرَ بذِي الحُلَيفةِ رَكعتينِ رواه البخاري (1547)، ومسلم (690). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه من المعلومِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدَّم النيَّةَ لسفرِه قبلَ الزَّوالِ، ثم أتمَّ الظهرَ؛ لأنَّه صلَّاها قبل خُروجِه، ولم يَقصُرْ حتى خرجَ من المدينةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/368). .ثالثًا: أنَّ الإقامة تتعلَّقُ بدخولِ بيوتِ البَلدِ فيتعلَّقُ السَّفرُ بالخروجِ عنها ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/33). .رابعًا: أنَّه لَمَّا وجب عليه الإتمامُ إذا دخَلَ بنيانَ بلدِه عند قدومِه من سَفرِه إجماعًا، وجَب أنْ لا يجوزَ له القَصرُ في ابتداءِ خُروجِه قبلَ مُفارقةِ بُنيانِ بلدِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/368). .خامسًا: أنَّ المقيمَ في بلدِه وإنْ خرَج عن منزلِه لا يُسمَّى مسافرًا؛ لأنَّ المقيم قد يَخرُج من منزلِه للتصرُّفِ في أشغالِه، فلمْ يجُزْ له القصرُ؛ لعدمِ الشَّرْطِ المبيحِ له ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/369). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطلَبُ الخامس: دخولُ وقتِ الصَّلاةِ وهو في السَّفَرِ.

لا يُشترَطُ لقصرِ الصَّلاةِ في السَّفرِ أن يكونَ قد دخَلَ عليه الوقتُ وهو في سفَرٍ، فمَن سافَر بعدَ دُخولِ الوقتِ فله قصرُ الصَّلاةِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/ 33)، ويُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/149)، ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/86). ، والمالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/360)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/58). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/368)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/390). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (2/226)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/209). ، وحُكيَ الإجماع على ذلك قال ابنُ المنذر: (أجمَع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم على أنَّ لِمَن خرَج بعد زوال الشَّمس مسافرًا أنْ يَقصُرَ الصَّلاةَ) ((الإشراف)) (2/205). وقال ابنُ قُدامة: (إذا سافر بعد دخول وقت الصَّلاة، فقال ابنُ عَقيل: فيه روايتان: إحداهما، قصْرها؛ قال ابن المنذر: أجمَع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم أنَّ له قَصْرَها. وهذا قولُ مالك، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، وأصحاب الرأي؛ لأنَّه سافر قبل خروج وقتِها، أشْبَهَ ما لو سافر قبلَ وجوبها) ((المغني)) (2/209). وقال النوويُّ: (نقَل القاضي أبو الطيِّب إجماعَ المسلمين أنَّه يَقصُر، قالوا: وإنما الخلافُ إذا مضى قدْرُ الصلاة قبل أن يُسافِر) ((المجموع)) (4/369). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّ الاعتبارَ في صِفةِ الصَّلاةِ بحالِ الأداءِ لا بحالِ الوجوبِ، وهذا في حالِ الأداءِ مسافرٌ؛ فوَجَب أن يَقصُرَ ((المجموع)) للنووي (4/368). .ثانيًا: أنَّه سافرَ قبلَ خروجِ وقتِها، أشبَهَ ما لو سافَرَ قبل وجوبِها ((المغني)) لابن قدامة (2/209). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه.

الفَرعُ الأوَّل: مَن أحْرَمَ بالصَّلاةِ في الحضَرِ ثمَّ سافَرَمَن أَحْرَمَ بالصَّلاةِ في الحضرِ ثم سافَرَ وصورتها: إذا أحْرَم بالصَّلاة في سفينةٍ في البلد، فسارتْ وفارقتِ البلد، وهو في الصَّلاة. ينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/381)، ((المجموع)) للنووي (1/488). ومن الصور المعاصرة: إذا أحرم بالصَّلاة في الطائرِة في الحضَرِ، ثم أقلعتِ الطائرةُ، وهو في صلاته. ، وجَب عليه أن يُتِمَّ الصلاةَ كالمُقيمِ.الأدلَّة:أولًا: مِنَ الِإِجْماع نقَل الإجماعَ على ذلك: الماورديُّ قال الماورديُّ: (إذا أحرم بالصَّلاة يَنوي الإتمامَ لم يجُزْ له القصرُ، ولزِمَه الإتمام، وقال المغربيُّ: يجوزُ له القصرُ وإنْ نوى التَّمامَ... والدَّلالة على فَسادِ قولِه- وإنْ خالَف فيه إجماعَ الفقهاءِ- هو أنَّه أحْرَم بصَلاة الحضَر، فلا يجوزُ له صرفُها إلى صلاة السَّفر) ((الحاوي الكبير)) (2/378). وقال أيضًا: ((وصورتها في رجلٍ نزل في مركب في بلدِ إقامته، والمركب واقفًا قد تهيَّأ للسفر، وأحرم بالصَّلاة، ثم خطَف المركب، وسار فصار الراكب مسافرًا في حال صلاته، فعليه إتمامُ الصلاة وليس عليه قَصرُها، وهو مذهبُ الفقهاء كافَّة إلَّا مَن شذَّ منهم، فجوَّز له القصر، وهذا خطأٌ)) ((الحاوي الكبير)) (2/381). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (لو أحْرَم بالصَّلاة في سفينةٍ في البلد، فسارتْ وفارقتِ البلد، وهو في الصَّلاة، فإنَّه يُتمُّها صلاةَ حضرٍ بإجماعِ المسلمين) ((المجموع)) (1/488). .ثانيًا: لأنَّها عبادةٌ اجتمع لها حُكمُ الحَضرِ والسَّفرِ؛ فغُلِّبَ حُكمُ الحَضرِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/510). .ثالثًا: أنَّه ابتداءٌ للصَّلاةِ في حالٍ يَلزمُه إتمامُها، فلزِمَه الإتمامُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/366). .الفَرْعُ الثَّاني: مَن أَحْرَم في السَّفر ثمَّ أقاممَن أحْرَم في السَّفرِ ثمَّ أقامَ، وجَبَ أن يُتمَّها صلاةَ مقيمٍ؛ نصَّ على هذا فُقهاءُ الحَنَفيَّة جاءَ في الفتاوى الهنديَّة: (ولو كان مسافرًا وشرَع في الصَّلاة في السَّفينة خارجَ المصر، فجرتِ السَّفينةُ حتى دخَل المصر يُتِمُّ أربعًا) ((الفتاوى الهندية)) (1/144). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/490). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/181)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/510). ، وحُكِيَ الإجماع على ذلك قال النوويُّ: (مَن صلَّى في سفينة في السَّفر، فدخلتْ دار الإقامة وقد صلَّى ركعةً، فإنَّه يلزمه الإتمامُ بالإجماع) ((المجموع)) (1/490). ؛ وذلك لأنَّها عبادةٌ اجتَمَع لها حُكمُ الحضَر والسَّفر؛ فغُلِّب حُكمُ الحَضَرِ ينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/381) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/510). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه.

اختَلفَ أهلُ العِلمِ في اشتراطِ نيَّة القَصرِ لجوازِ قَصْرِ الصَّلاةِ، على قولين:القول الأوّل: أنَّ نيَّة القصرِ عند تكبيرةِ الإحرام شَرْطٌ لجوازِه، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((مغني المحتاج)) (1/270) للشربيني، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/390). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/181)، ويُنظر: ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدِّين المقدسي (ص: 111). ، وأحد القولين للمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/367)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/415). وهذا الاشتراط في نيَّة القصر على هذا القولِ يكون في أوَّل صلاة يَقصُرها؛ قال الدسوقي: (ينبغي أن يكونَ محل التردُّد في أوَّل صلاة صلَّاها في السفر، فإن كان قد سبَق له نيَّة القصر؛ فإنَّه يتَّفق على الصحَّة فيما بعدُ إذا قصَر؛ لأنَّ نيَّة القصر قد انسحبتْ عليه؛ فهي موجودةٌ حُكمًا، وكذا يُقال فيما إذا نوى الإتمامَ في أوَّل صلاةٍ، ثم ترَك نيَّة القصر والإتمام فيما بعدَها وأتمَّ) ((حاشية الدسوقي)) (1/367). ، وبه قال أكثرُ الفقهاء قال النووي: (مذهبنا أنَّه لا يجوزُ القصر حتى ينويَه عند الإحرام؛ قال العبدري: وبه قال أكثرُ الفُقهاء) ((المجموع)) (4/353). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ الإتمامُ، فإذا لم يَنوِ القصرَ انعقَدَ إحرامُه على الإتمامِ؛ فلم يجُزْ القصرُ كالمُقيمِ ((المجموع)) للنووي (4/351). .القول الثاني: أنَّ القصرَ لا يَفتقِرُ إلى نيَّة، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة وذلك لأنَّ الفَرْض عندهم في السَّفر هو قصرُ الصَّلاة ركعتينِ، وليس هو قصرًا، وإنَّما هو تمامٌ على الحقيقة. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/91)، ((الفتاوى الهندية)) (1/139)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/16). ، وأحدُ القولينِ للمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/367)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/66). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/228). ، واختاره ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (اختَلفوا في الجمع والقصر هل يُشترَط له نيَّة؟ فالجمهور لا يشترطون النيةَ، كمالكٍ وأبي حنيفة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وهو مقتضى نصوصه. والثاني: تُشترَط، كقول الشافعيِّ وكثيرٍ من أصحاب أحمد كالخِرقي وغيرِه، والأول أظهرُ، ومَن عمِل بأحد القولين لم يُنكَر عليه) ((مجموع الفتاوى)) (24/16). وقال المَرداويُّ: ((الصحيح من المذهب: أنَّه يُشترَط في جواز القصر أن ينويَه عند الإحرام، وعليه جماهير الأصحاب، وقال أبو بكر: لا يحتاجُ القصرُ والجمعُ إلى نيَّة، واختاره الشيخ تقيُّ الدِّين، واختاره جماعةٌ من الأصحاب في القصر) ((الإنصاف)) (2/228). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الصحيح: أنَّه لا يلزمه الإتمام، بل يَقصُر؛ لأنَّه الأصل، وكما أنَّ المقيم لا يلزمه نيَّةُ الإتمام، كذا المسافر لا يلزمه نيَّة القصر) ((الشرح الممتع)) (4/371). .وذلك للآتي: أولًا: أنَّ قَصرَ الصلاةِ في السَّفرِ هو الأصلُ؛ فلم يَفتقرْ إلى نيَّة ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/371). . ثانيًا: وأنَّه كما أنَّ المقيمَ لا يَلزمُه نِيَّةُ الإتمام، كذا المسافرُ لا يَلزمه نيَّةُ القصرِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/371). .ثالثًا: ولأنَّه لم يَنقُلْ قطُّ أحدٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه أمَرَ أصحابَه لا بِنيَّةِ قصْرٍ، ولا نِيَّة جمْع، ولا كان خلفاؤه وأصحابُه ولا التابعون يأمرون بذلك مَن يُصلِّي خَلفَهم مع أنَّ المأمومين- أو أكثرهم- لا يَعرِفون ما يَفعلُه الإمامُ قال ابنُ تَيميَّة: (وإذا كان فَرضُه ركعتينِ، فإذا أتى بهما أجزأه ذلك، سواء نوَى القصرَ أو لم ينوِه، وهذا قولُ الجماهير كمالكٍ وأبي حنيفة، وعامَّة السَّلف. وما علمتُ أحدًا من الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ اشترَطَ نيَّةً لا في قصر ولا في جمع، ولو نوى المسافرُ الإتمام كانتِ السُّنَّة في حقِّه الركعتين، ولو صلَّى أربعًا كان ذلك مكروهًا كما لم ينوِه. ولم يَنقُلْ قطُّ أحدٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه أمَر أصحابه لا بنيَّة قَصر، ولا نيَّة جمْع، ولا كان خلفاؤه وأصحابُه يأمرون بذلك مَن يُصلِّي خلفهم مع أنَّ المأمومين أو أكثرهم لا يَعرِفون ما يفعله الإمام) ((مجموع الفتاوى)) (24/104). . انظر أيضا: المَطْلَبُ الأَوَّلُ: أن يكونَ السَّفرُ مسافةَ قَصرٍ. المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ. المَطلَبُ الثالث: أن يكونَ السَّفرُ مُباحًا. المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه.