يُستحبُّ للإمامِ تخفيفُ الصَّلاةِ، ويُكرهُ التطويلُ فيها، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4843] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 115)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/351). ، والمالِكيَّة [4844] ((حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب)) (1/263)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/247). ، والشافعيَّة [4845] ((المجموع)) للنووي (4/228)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/232). ، والحَنابِلَة [4846] ((الإقناع)) للحجاوي (1/164)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/467) ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (1/395). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلِك [4847] قال ابنُ عبد البَرِّ: (والتَّخفيف لكلِّ إمام أمرٌ مُجتمَع عليه، مندوبٌ عند العلماء إليه، إلَّا أنَّ ذلك إنما هو أقلُّ الكمال) ((التمهيد)) (19/4). . الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ، قال: قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، لا أكادُ أُدرِكُ الصَّلاةَ؛ ممَّا يُطوِّلُ بنا فلانٌ، فما رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في موعظةٍ أشدَّ غضبًا من يومئذٍ! فقال: ((أيُّها الناسُ، إنَّكم مُنفِّرون! فمَن صلَّى بالناسِ فلْيُخفِّف، فإنَّ فيهم المريضَ، والضَّعيفَ، وذا الحاجةِ)) رواه البخاري (90)، ومسلم (466) .2- عن جابرِ بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، قال: أقبَلَ رجلٌ بناضحَينِ وقد جَنَحَ اللَّيلُ، فوافقَ معاذًا يُصلِّي، فترَكَ ناضحَه وأقبل إلى معاذٍ، فقرأَ بسورةِ البقرةِ- أو النِّساءِ- فانطلق الرجلُ وبلَغَه أنَّ معاذًا نال منه، فأتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فشَكَا إليه معاذًا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا معاذُ، أفتَّانٌ أنت- ثلاث مرار؟! فلولا صليتَ بـسَبِّحِ اسْمَ ربِّكَ، وَالشَّمسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى؛ فإنَّه يُصلِّي وراءَك الكبيرُ والضعيفُ وذو الحاجة)) رواه البخاري (705) واللفظ له، ومسلم (465). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنكرَ عليه التطويلَ؛ فدلَّ على أنَّه يُستحبُّ للإمامِ تخفيفُ الصَّلاةِ مع إتمامِها ينظر: ((شرح مسند الشافعي)) لأبي القاسم الرافعي (1/446)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين اين قدامة (2/15). .3- عن عُثمانَ بن أبي العاصِ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، اجعلْني إمامَ قومي، قال: ((أنتَ إمامُهم، واقتدِ بأضعفِهم...)) رواه أبو داود (531)، والنسائي (2/23)، وأحمد (4/21) (16314) احتجَّ به ابنُ حزم في ((المحلى)) (4/99)، وصحَّحه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/106)، وقال أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (3/145): إسنادُه في غاية الصحَّة. وصحَّح إسنادَه ابن باز في ((مجموع فتاواه)) (7/232)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (531)، والوادعيُّ على شرْط مسلم في ((الصحيح المسند)) (928). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: إذا أحسَّ الإمامُ بداخلٍ وهو راكعٌ.

إذا أحسَّ الإمامُ بداخلٍ أثناءَ ركوعِه فيُستحبُّ له انتظارُه إذا لم يشُقَّ على المأمومِينَ، وهو الصَّحيحُ من مذهبِ الشافعيَّة قال النوويُّ: (والصَّحيح استحبابُ الانتظار مطلقًا بشروط: أن يكون المسبوقُ داخلَ المسجد حين الانتظار، وألَّا يفحش طولُ الانتظار، وأن يقصد به التقرُّب إلى الله تعالى لا التودُّد إلى الداخل وتمييزه، وهذا معنى قولهم: لا يميز بين داخلٍ وداخل) ((المجموع)) (4/230). على أنَّهم فرَّقوا بين أن يحسَّ به في الركوع، أو التشهُّد الأخير، أو في غيرهما. يُنظر: ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/259). ، ومذهبُ الحَنابِلَة [4853] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/267)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/170). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: ( أمَّا الإمام فيستحبُّ له أن يتأنَّى قليلًا حتى يدركَ مَن دخل على وجه لا يشقُّ على المأمومين، وقد نصَّ جمْعٌ من أهل العلم على ذلك، وقالوا: يستحبُّ له انتظار الداخل ما لم يشقَّ على المأموم، فإذا كان انتظاره يسيرًا لا يشقُّ على المأمومين فلا حرجَ في ذلك، بل يستحبُّ له ذلك؛ مراعاةً للداخلين حتى يدركوا الركعة، وهم يستحبُّ لهم عدم العجلة والخشوع، فإنْ أدركوا فالحمد لله، وإلَّا قضَوْها، ولا ينبغي لهم العجلة، أمَّا كلمة: اصبروا، أو: إنَّ الله مع الصابرين، فلا أعلمُ لها أصلًا في الشَّرع، ولا أعلم ما يمنعها من باب التَّنبيه للإمام، لا نعلمُ في ذلك مانعًا) ((فتاوى نور على الدرب)) (11/258- 259). ، وابنُ عُثَيمين [4855] قال ابنُ عُثيمين: (انتظاره في الركوع، مثل: أن يكون الإمامُ راكعًا، فأحسَّ بداخلٍ في المسجد، فلينتظرْ قليلًا حتى يدركَ هذا الداخل الركعة، فهنا يكون للقول باستحبابِ الانتظار وجه، ولا سيَّما إذا كانت الركعةُ هي الأخيرةَ؛ من أجْلِ أن يُدرك الجماعة، لكن بشرْط أن لا يشقَّ على المأمومين.. هذا قيدُ المسألة السابقة، وهو: أنه إذا شقَّ على مأموم فإنَّه لا ينتظر، ولكن هل نقول: إنَّه يكون مكروهًا، أو يكون ممنوعًا؟ الجواب: ظاهر السُّنَّة أنه يكون ممنوعًا؛.. فإنه حرامٌ عليه) ((الشرح الممتع)) (4/197-198، 200). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- أنس بن مالك يقولُ: ((ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ قَطُّ أخَفَّ صلاةً، ولا أتمَّ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإن كان لَيَسمَعُ بكاءَ الصَّبيِّ، فيُخَفِّفُ مخافةَ أن تُفتَنَ أمُّه)) [4856] رواه البخاري (708)، ومسلم (470). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا سمِعَ بكاءَ الصبيِّ أَوْجزَ في صلاتِه؛ مخافةَ أن تُفتَنَ أُمُّه؛ وهذا يدلُّ على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غيَّرَ هيئةَ الصَّلاةِ من أجْلِ مصلحةِ شخصٍ؛ ومثله انتظارُ الإمامِ للداخلِ من أجْلِ مصلحتِه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/198). .2- عن صالحِ بنِ خَوَّاتٍ، عمَّن شهِد رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ ذاتِ الرِّقاعِ صلَّى صلاةَ الخوفِ: ((أنَّ طائفةً صفَّت معه، وطائفةً وِجاهَ العدوِّ، فصلَّى بالتي معه ركعةً، ثم ثبَتَ قائمًا، وأتمُّوا لأنفسِهم ثم انصرفوا، فصفُّوا وجاهَ العدوِّ، وجاءتِ الطائفةُ الأخرى فصلَّى بهم الركعةَ التي بقِيَتْ من صلاتِه، ثم ثبَتَ جالسًا، وأتمُّوا لأنفسهم، ثم سَلَّم بهم)) رواه البخاري (4129)، ومسلم (842). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ إطالةَ الركعةِ الثانية في صلاةِ الخوف؛ من أجْلِ إدراك الطائفةِ الثانية للصَّلاةِ؛ فيلحق به إطالة الرُّكوعِ لِيُدركَه الداخلُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/198). .3- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ قال: لقد كانت صلاةُ الظهرِ تقام، فيذهب الذاهبُ إلى البقيعِ، فيقضي حاجتَه ثم يتوضأ، ثم يأتي رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الركعةِ الأولى؛ مِمَّا يُطَوِّلُها رواه مسلم (454). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يطيل الركعةَ الأولى في الصَّلاةِ، والمقصودُ بهذا أن يُدرِكَ الناسُ الركعةَ الأُولى ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/198). . ثانيًا: لأنَّه تحصيلُ مصلحةٍ بلا مضرَّة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/267). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: تَخفيفُ الصَّلاةِ.