الفرعُ الأَوَّلُ: الإسلامُيُشترَطُ في الإمامِ أن يكون مُسْلمًا؛ فلا تصحُّ إمامةُ الكافرِ.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كانوا ثلاثةً فلْيَؤمَّهم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامةِ أَقرؤُهم)) [4342] رواه مسلم (672). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ إمامةَ الكافرِ لا تصحُّ؛ لأنَّه لا قِراءةَ له [4343] ((فتح الباري)) لابن حجر (2/186). . ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ [4344] قال ابنُ حزم: (والصَّلاة خلف مَن يدري المرء أنه كافرٌ، باطلٌ... وهذا لا خلافَ فيه من أحد) ((المحلى)) (2/371). .ثالثًا: لأنَّ الكافرَ ليس من أهلِ الصَّلاةِ [4345] ((المجموع)) للنووي (4/250). .رابعًا: لأنَّ صلاته لا تصحُّ لنفسه؛ فلا تصحُّ لغيره [4346] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/475). .الفرع الثَّاني: العقلُيُشترَطُ في الإمامِ العقلُ؛ فلا تصحُّ إمامةُ المجنونِ.الأدلَّة:أولًا: مِنَ الِإِجْماعِنقَل الإجماعَ على عدم صِحَّةِ صلاةِ المجنونِ: ابنُ تيميَّة [4347] قال ابنُ تَيميَّة: (وأمَّا المجنون الذي رُفع عنه القلم، فلا يصحُّ شيء من عِباداته باتِّفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (11/191). وقال أيضًا: (ولهذا اتَّفق العلماء على أنَّ المجنون والصغير الذي ليس بمميِّز ليس عليه عبادةٌ بدنيَّة، كالصَّلاة والصيام والحج) ((منهاج السنة)) (6/49). .ثانيًا: لعدم صِحَّةِ صلاتِه لنَفْسِه [4348] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 192). .مسألة: إمامةُ السَّكْرانِلا تصحُّ إمامةُ السَّكرانِ.الأدلَّة:أولًا: مِنَ الِإِجْماعِنقَل الإجماعَ على عدمِ صِحَّةِ صلاةِ السَّكران: ابنُ تيمِيَّةَ [4349] قال ابنُ تَيميَّة- عن السَّكرانِ غائبِ العَقلِ-: (... عبادته كالصَّلاة لا تصحُّ بالنصِّ والإجماع؛ فإنَّ الله نَهى عن قُرب الصلاة مع السُّكر حتى يعلمَ ما يقوله، واتَّفق الناس على هذا) ((مجموع الفتاوى)) (33/106). وقال أيضًا: (اتَّفق العلماء على أنَّه لا تصحُّ صلاةُ مَن زال عقله بأيِّ سبب) ((مجموع الفتاوى)) (10/438). ؛ فإذا لم تصحَّ صلاتُه لنفسِه لم تصحَّ لغيرِه [4350] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/654). .ثانيًا: القياس على المجنونِ؛ فكلاهما لا يَعقِلُ [4351] ((الأم)) للشافعي (1/196). .ثالثًا: أنَّ السكرانَ ممنوعٌ من قِربانِ المساجدِ والصَّلاةِ؛ لقوله تعالى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43] [4352] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (14/299). .الفرع الثَّالث: الذُّكورةُ يُشتَرَطُ في الإمامِ أن يكونَ ذَكَرًا؛ فالمرأةُ لا تؤمُّ الرِّجالَ، فإنْ فعَلوا فصلاتُهم فاسدةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4353] ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (1/576)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/140)، ، والمالِكيَّة [4354] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/210)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/22)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/205). ، والشافعيَّة [4355] ((المجموع)) للنووي (4/255)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/326). ، والحَنابِلَة [4356] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/185)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/479). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [4357] قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ المرأة لا تؤمُّ الرِّجال وهم يعلمون أنَّها امرأة، فإن فعلوا فصلاتُهم فاسدةٌ بإجماعٍ) ((مراتب الإجماع)) (1/27). وقال الشوكانيُّ: (لم يثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرِجال شيءٌ، ولا وقَع في عصره ولا في عصْر الصحابة والتابعين من ذلك شيءٌ) ((السيل الجرار)) (1/152). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: لقدْ نفَعني اللهُ بكلمةٍ أيَّامَ الجَمَل: لَمَّا بلغَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ فارسًا ملَّكوا ابنةَ كِسرى، قال: ((لنْ يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهم امرأةً)) رواه البخاري (7099). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الجماعةَ قد ولَّوْا أمرَهم الإمامَ؛ فلا يصحُّ أن تكونَ المرأةُ إمامًا لهم ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/222). .ثانيًا: أنَّ النصوصَ دلَّتْ على استحبابِ تأخُّرِ النِّساءِ عن صفوفِ الرِّجالِ؛ فدلَّ على عدمِ جوازِ التقدُّمِ عليهم بالإمامةِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/222). ومن النُّصوص التي دلَّت على استحبابِ تأخُّر صفوف النِّساء عن صفوف الرجال: 1- عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها وشرُّها أولُها)). أخرجه مسلم (440). ثانيًا: عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خيرُ صفوفِ الرِّجالِ المقَدَّمُ، وشرُّ صفوفِ الرِّجالِ المؤخَّرُ، وشرُّ صفوفِ النساءِ المقدَّمُ)). أخرجه أحمد (11121)، وابن خزيمة (1562)، وابن حبان (402) من حديث أبي سعيد الخدري. .ثالثًا: لأنَّه قد تحصُلُ فتنةٌ تُخلُّ بصلاةِ الرجُلِ إذا كانتْ إلى جَنبِه أو بين يَديهِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/222). .المسألة الأولى: إمامةُ الخُنْثى للرِّجالِلا تصحُّ إمامةُ خُنثى مُشكِل [4362] الخُنثى: شخصٌ له آلتَا الرِّجال والنِّساء، أو ليس له شيءٌ منهما أصلًا. يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 101). ومعنى كونه مُشكِلًا: أي: لا يوجد دليلٌ يدلُّ على ذُكوريته أو أُنوثيته. يُنظر: ((شرح حدود ابن عرفة)) للرصاع (ص: 168). للرِّجالِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4363] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/144)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص:192). ، والمالِكيَّة [4364] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/210)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/22)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/242). ، والشافعيَّة [4365] ((المجموع)) للنووي (4/255)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/240). ، والحَنابِلَة [4366] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/186)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/479). ؛ وذلك لاحتمالِ كونِه امرأةً [4367] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/479). .المسألة الثانية: إمامة الخنثى للنِّساءتصحُّ إمامةُ الخُنثَى المُشكِل للنِّساءِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة [4368] ((حاشية الطحطاوي)) (ص:192)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/140). ، والشافعيةِ [4369] ((المجموع)) للنووي (4/255)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/240). والحَنابِلَةِ [4370] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/186)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/479). ، وذلك؛ لأنَّه إن كان رجلًا فاقتداءُ المرأةِ بالرجلِ صحيحٌ، وإن كان امرأةً فاقتداءُ المرأةِ بالمرأةِ جائزٌ أيضًا [4371] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/140). . الفرع الرَّابع: القُدرةُ على القِراءةِالقراءةُ شرطٌ؛ فلا يصحُّ اقتداءُ القارئِ بأخرسَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4372] ((حاشية الطحطاوي)) (ص:193)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/376). ، والمالِكيَّة [4373] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/328)، وينظر: ((الخلاصة الفقهيَّة على مذهب السادة المالكية)) لمحمد العربي (ص: 108). ، والشافعيَّة [4374] ((المجموع)) للنووي (4/268)، وينظر: ((الحاوي)) للماوردي (2/326). ، والحَنابِلَة [4375] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/182)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/476). .لأنَّه يتركُ ركنًا من أركانِ الصَّلاةِ، وهو القراءةُ، والتحريمةُ، وغيرُهما، فلا يأتي به ولا ببَدلِه [4376] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/476). . انظر أيضا: المطلَبُ الثَّاني: ما لا يُشْتَرَط في الإمامَةِ .

الفرع الأَوَّل: العَدالةلا تُشترَطُ العدالةُ في الإمامِ؛ فالصَّلاةُ خلف الفاسقِ جائزةٌ مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة [4377] ((الهداية)) للمرغيناني (1/57)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/134). ، والشافعيَّة [4378] ((المجموع)) للنووي (4/287)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/242). ، والمعتمَد عند المالِكيَّة وعندهم لا تُشترَط العدالة إذا كان فسقُه فيما لا يتعلَّق بالصلاة؛ ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/326)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) (1/515)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/23). ، واختاره ابنُ حزمٍ [4380] قال ابنُ حزم: (وتجوزُ إمامةُ الفاسق كذلِك، ونكرهه) ((المحلى)) (3/127). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كيفَ أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يؤخِّرون الصَّلاةَ عن وقتِها؟- أو- يُميتون الصَّلاةَ عن وقتها؟ قال: قلت: فمَا تأمُرني؟ قال: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَها معهم فصلِّ؛ فإنَّها لك نافلةٌ)) [4381] رواه مسلم (648). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أذِنَ بالصَّلاةِ خلفَهم، وجعَلَها نافلةً؛ لأنَّهم أخرَجوها عن وقتِها، وظاهرُه أنَّهم لو صلَّوْها في وقتِها لكانَ مأمورًا بصلاتِها خَلفَهم فريضةً [4382] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/29). .2-عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُصلُّون لكم، فإنْ أصابوا فلَكُم، وإنْ أخطؤوا فلَكُم وعَلَيهم)) رواه البخاري (694). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ فيه جوازَ الصَّلاةِ خلْفَ البَرِّ والفاجرِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/321). .3- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ..)) [4385] رواه مسلم (673). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا عامٌّ فيَشمَلُ الفاسقَ [4386] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/217). .ثانيًا: مِن الآثارأنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يُصلِّي خَلفَ الحَجَّاج مع فِسْقِه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/156). روى البخاري (1660) بسنده عن سالِمٍ، قال: كتَبَ عبدُ الملكِ إلى الحجَّاِج: أنْ لا يخالِفَ ابنَ عمرَ في الحجِّ، فجاءَ ابنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ وأنَا معهُ، يومَ عرَفَةَ، حينَ زالتِ الشمسُ، فصَاحَ عندَ سُرَادِقِ الحجَّاجِ، فخرجَ وعليهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فقالَ: ما لَكَ يا أبا عبدِ الرحمنِ؟ فقالَ: الرَّوَاحَ إن كنتَ تريدُ السُّنَّةَ، قالَ: هذهِ الساعةَ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فيُنظرنِي حتى أُفيضَ على رأسِي ثم أخرجَ، فنزَلَ حتى خرجَ الحجَّاجُ، فسارَ بينِي وبينَ أبي، فقلتُ: إنْ كنتَ تريدُ السنَّةَ فاقْصر الخطبَةَ وعجِّلْ الوقُوفَ، فجَعَلَ ينظرُ إلى عبدِ اللهِ، فلمَّا رأَى ذلكَ عبدُ اللهِ قالَ: صدَقَ. .ثالثًا: لأنَّ فِسْقَه غيرُ متعلِّقٍ بأحكامِ الصَّلاةِ [4388] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/415). .رابعًا: لأنَّه إذا صحَّتْ صلاتُه لنفْسِه صحَّتْ لغيرِه [4389] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/217). .المسألة الأولى: إمامةُ المبتَدِعِتجوزُ الصَّلاةُ خلفَ المبتدعِ [4390] قال ابنُ تَيميَّة: (وأمَّا "الصلاة خلف المبتدع" فهذه المسألة فيها نزاع وتفصيل. فإذا لم تجدْ إمامًا غيره كالجمعة التي لا تقام إلَّا بمكان واحد، وكالعيدين، وكصلوات الحجِّ خلف إمامِ الموسم، فهذه تُفعَل خلف كلِّ بَرٍّ وفاجرٍ باتِّفاق أهل السُّنة والجماعة) ((مجموع الفتاوى)) (23/355). بدعةً غيرَ مكفِّرةٍ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة [4391] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/134)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/108). ، والشافعيَّة [4392] ((المجموع)) للنووي (4/253)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/242). ، وقولٌ للمالكيَّة [4393] ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 48)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/240)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/515) ، واختاره ابنُ باز [4394] قال ابنُ باز: (تصحُّ الصلاة خلف المبتدع.. ولكن يجب على المسؤولين أن يختاروا للإمامة مَن هو سليمٌ من البدعة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/118). ، وابن عُثَيمين [4395] قال ابنُ عُثيمين: (لا شكَّ أنَّ الصلاة خلف مَن هو أتقى لله, وأقوى في دِين الله أفضلُ من الصلاة خلف المتهاون بدِين الله.. وأمَّا أهل البدع غير المكفِّرة، فالصلاة خلفهم تَنبني على خلاف العلماء في الصَّلاة خلف أهل الفِسق، والراجح أنَّ الصلاة خلف أهل الفسق جائزة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/134-135). .الأدلَّة:أولًا: من الآثارعن عُبَيدِ اللهِ بن عديِّ بنِ خيار: أنَّه دخَلَ على عثمانَ بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عنه وهو محصورٌ، فقال: إنَّك إمامُ عامَّة، ونزَلَ بك ما ترَى ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنة ونتحرَّجُ؟ فقال: الصَّلاةُ أحسنُ ما يَعملُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم [4396] رواه البخاري (695). .ثانيًا: أنَّ المبتدعَ صلاتُه في نفسِها صحيحةٌ، فإذا صلَّى المأمومُ خلفَه لم تبطُلْ صلاتُه ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/304). .المسألة الثانية: إمامةُ مجهولِ الحالِ تجوزُ الصَّلاة خَلفَ كلِّ مسلِمٍ مستورٍ [4398] وهو مَن لم يُعلم هل هو عدلٌ أو فاسق. يُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/28). ، لم تَظهرْ منه بِدعةٌ ولا فُجور.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (وتجوزُ الصَّلاةُ خلفَ كلِّ مسلم مستورٍ، باتِّفاق الأئمَّة الأربعة وسائر أئمَّة المسلمين؛ فمَن قال: لا أُصلِّي جُمُعةً ولا جماعةً إلَّا خلف مَن أعرف عقيدتَه في الباطن، فهذا مبتدِعٌ مخالفٌ للصَّحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمَّة المسلمين الأربعة، وغيرهم، والله أعلم). ((مجموع الفتاوى)) (4/542) ، وابنُ أبي العزِّ الحنفيُّ قال ابنُ أبي العِزِّ الحنفيُّ: (يجوزُ للرجُل أن يُصلِّي خلف مَن لم يَعلمْ منه بدعةً ولا فسقًا، باتِّفاق الأئمَّة). ((شرح الطحاوية)) (ص: 374). .الفرع الثاني: البلوغُ لا يُشتَرَطُ البُلُوغُ في الإمامِ؛ وعليه فصلاةُ البالِغِ خلفَ الصبيِّ الذي يَعقِلُ صحيحةٌ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [4401] ((المجموع)) للنووي (4/248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/240). ، وروايةٌ عن أحمد [4402] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/187). ، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ [4403] قال النوويُّ: (في مذاهب العلماء في صِحَّة إمامة الصبيِّ للبالغين: قد ذكرنا أنَّ مذهبنا صحَّتُها، وحكاه ابنُ المنذر عن الحسن البصري، وإسحاق ابن راهويه، وأبي ثور) ((المجموع)) (4/249). ، واختاره ابنُ المنذرِ [4404] قال ابنُ المنذر: (تجوزُ إمامةُ غير البالغ إذا عقل الصَّلاة) ((الإقناع)) (1/113). ، والشوكانيُّ [4405] قال الشوكانيُّ: (الصبيُّ داخل تحتَ العموم، فمَن ادَّعى أنَّ فيه مانعًا من الإمامة، فعليه الدليل) ((السيل الجرار)) (1/152). ، والصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (دليلُ الجوازِ وقوعُ ذلك في زمَن الوحي، ولا يُقرَّر فيه على فِعل ما لا يجوز، سيَّما في الصلاة التي هي أعظمُ أركان الإسلام، وقد نُبِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالوحي على القذَى الذي كان في نعله، فلو كان إمامةُ الصبي لا تصحُّ لنزلَ الوحي بذلك) ((سبل السلام)) (1/370- 371). ، وابنُ باز [4407] قال ابنُ باز: (لا بأس بإمامة الصبيِّ إذا كان قد أكملَ سبع سنين أو أكثرَ، وهو يُحسن الصلاة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/166). ، وابنُ عُثَيمين [4408] قال ابنُ عُثيمين: (صلاة البالغ خلفَ الصبيِّ صحيحةٌ) ((الشرح الممتع)) (4/225). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي قِلابَة، عن عَمرِو بن سَلِمة، قال: قال لي أبو قِلابةَ: ألَا تَلْقاهُ فتسألَه؟ قال: فلقيتُه فسألتُه، فقال: كنَّا بماءٍ ممرَّ الناسِ، وكان يمرُّ بنا الركبانُ فنَسألهم: ما للناسِ، ما للناسِ؟ ما هذا الرَّجُل؟ فيقولون: يَزعُمُ أنَّ اللهَ أَرْسلَه، أوْحَى إليه، أو: أَوْحَى اللهُ بكذا، فكنتُ أحفظُ ذلك الكلامَ، وكأنَّما يقرُّ في صدْري، وكانتِ العربُ تَلوَّمُ قَوْله: (تَلوَّم)- بفتح التاء، وتشديد الواو-: أي: تنْتَظر؛ أرادَ: تتلوَّم، فَحذف إِحدَى التَّاءينِ تَخفيفًا. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/184)، (8/23). بإسلامِهم الفتحَ، فيقولون: اتركُوه وقومَه، فإنَّه إنْ ظهَرَ عليهم فهو نبيٌّ صادِق، فلمَّا كانتْ وقعةُ أهلِ الفتحِ، بادَرَ كلُّ قومٍ بإسلامِهم، وبدَرَ أَبي قَومِي بإسلامِهم، فلمَّا قدِم قال: جِئتُكم واللهِ من عندِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا؛ فقال: ((صَلُّوا صلاةَ كذا في حِينِ كذا، وصلُّوا صلاةَ كذا في حِين كذا، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ فليؤذِّنْ أحدُكم، ولْيؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا))، فنظروا فلمْ يكُنْ أحدٌ أكثرَ قرآنًا منِّي؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابنُ ستٍّ، أو سَبعِ سِنينَ رواه البخاري (4302). .2- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ)) [4411] رواه مسلم (673). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا الحديثَ يعمُّ الصبيَّ ويعمُّ غيرَه ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (11/455). .ثانيًا: أنَّه ما دامتْ صحَّتْ صلاتُه لنَفْسِه؛ فتصحُّ إمامتُه لغيرِه يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/144). .الفرع الثالث: البَصَرُلا يُشتَرَطُ في الإمامِ أن يكونَ مُبصِرًا؛ فإمامةُ الأَعمَى للمُبصرِ صحيحةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4414] إلَّا أنَّ الحنفيَّة قالوا بكراهة ذلك. ((الهداية)) للمرغيناني (1/57)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/134). ، والمالِكيَّة [4415] إلَّا أنَّ المالكيَّةَ قالوا بكراهة أن يتَّخذ الأعمى إمامًا راتبًا. ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/444)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/27). ، والشافعيَّة [4416] ((المجموع)) للنووي (4/285)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/241). ، والحَنابِلَة [4417] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/474)، وينظر: ((المغني) لابن قدامة (2/142). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [4418] قال ابنُ العربيِّ: (وفيه: جوازُ إمامة الأعمى، ولا أعلمُ أنَّهم يختلفون فيه) ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (3/223). وقال القاضي عياض: (فيه جوازُ إمامة الأعمى؛ لقوله: «أنكرتُ بصرى وأنا أُصلِّي لقومي»، وفي الموطأ: كان يؤمُّ قومه وهو أعمى، وهو مذهب كافَّة السلف وعامَّة العلماء، إلَّا شيئًا رُوي عن ابن عباس وجابر). ((إكمال المعلم)) (2/632). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (وفيه من الفِقه إجازةُ إمامة الأعمى، ولا أعلمهم يختلفون فيه). ((الاستذكار)) (2/361) وقال القاري: (قال ابن حجر: فيه جوازُ إمامة الأعمى، ولا نزاعَ فيه، وإنما النِّزاع في أنه أَوْلى من البصير أو عكسه) ((مرقاة المفاتيح)) (3/865).   .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استخلَفَ ابنَ أمِّ مكتومٍ على المدينةِ مرَّتينِ يُصلِّي بهم وهو أَعْمى)) رواه أبو داود (2931)، وأحمد (3/192) (13023) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) ( 831) حسَّن إسنادَه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/174)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2931). .2- عن محمودِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عِتبانَ بنَ مالكٍ، كان يؤمُّ قومَه وهو أعْمَى، وأنَّه قال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، إنَّها تكونُ الظُّلمةُ والسَّيلُ، وأنا رجلٌ ضَريرُ البصرِ، فصَلِّ يا رسولَ اللهِ في بيتي مكانًا أتَّخِذُه مُصلًّى، فجاءَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أينَ تحبُّ أن أصليَ؟ فأشار إلى مكانٍ من البيتِ، فصلَّى فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [4420] أخرجه البخاري (667)، ومسلم (33). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: (كان يؤمُّ قومَه وهو أعْمَى) فيه دليلٌ على جوازِ إمامةِ الأعْمى؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّه على ذلِك؛ فمِثل هذا لا يَخفى على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع تَكرُّره [4421] ((المسالك في شرح موطأ مالك)) لابن العربي (3/222). .ثانيًا: من الآثارِأنَّ هذا فعَلَه بعضُ السَّلف؛ فقد كان ابنُ عبَّاس يؤمُّ بعدَما كَبِرَ وعَمِي، وكذلِك عِتبانُ بنُ مالكٍ، وقتادةُ [4422] ((الأوسط)) لابن المنذر (4/171). .الفرعُ الرَّابِعُ: موافقةُ الإمامِ للمأمومِ في الفُروعِ مُوافقةُ الإمامِ للمأمومِ في الفُروعِ ليستْ شَرطًا لصِحَّةِ الإمامةِ؛ فتصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة [4423] ((حاشية الطحاوي)) (ص: 296)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/563)، إلَّا أنَّ الحنفية قالوا: إنَّه يجوز الائتمامُ بالمخالف في الفروع الذي يَحتاط في موضع الخِلاف بلا كراهة، وإنْ كان لا يَحتاط في موضع الخلاف، فجائزٌ مع الكراهة. ، والمالِكيَّة [4424] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/444)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/248). ، والحَنابِلَة [4425] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/478)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/221-222). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [4426] قال القرافي: (قال المازريُّ: قد حُكي الإجماعُ في الصَّلاة خلف المخالِف في المذهب) ((الذخيرة)) (2/248). وقال شمسُ الدِّين ابن قُدامة: (فأمَّا المخالفون في الفروع كالمذاهب الأربع فالصلاة خلفَهم جائزة صحيحة، غير مكروهة؛ نصَّ عليه؛ لأنَّ الصحابة والتابعين ومَن بعدهم لم يزلْ بعضهم يُصلِّي خلف بعض، مع اختلافهم في الفروع، فكان ذلك إجماعًا) ((الشرح الكبير)) (2/27). وقال ابنُ تَيميَّة: (تجوزُ صلاة بعضهم خلفَ بعض كما كان الصَّحابة والتابعون لهم بإحسانٍ ومَن بعدهم من الأئمَّة الأربعة يُصلِّي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها. ولم يقل أحدٌ من السَّلف: إنَّه لا يُصلِّي بعضُهم خلف بعض، ومَن أنكر ذلك فهو مبتدعٌ ضالٌّ مخالف للكتاب والسُّنة وإجماعِ سلف الأمَّة وأئمَّتها) ((مجموع الفتاوى)) (23/374). وقال أيضًا: (وأمَّا صلاة الرجل خلفَ مَن يخالف مذهبَه، فهذه تصحُّ باتِّفاق الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والأئمَّة الأربعة) ((مجموع الفتاوى)) (23/378). .وذلك للآتي:أولًا: لصلاةِ الصَّحابةِ خَلفَ بعضِهم مع ما بينهم من الاختلافِ في الفروعِ [4427] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/475). .ثانيًا: لأنَّنا لو قُلْنا: إنَّها لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ لَلَحِقَ بذلك حرجٌ ومشقَّة [4428] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/222). .ثالثًا: أنَّ المخالِفَ إمَّا أن يكونَ مصيبًا في اجتهادِه، فله أجرانِ، أو مُخطِئًا فله أجرٌ على اجتهادِه، ولا إثمَ عليه في الخَطأ [4429] ((المغني)) لابن قدامة (2/141). .رابعًا: أنَّه لَمَّا صحَّتِ الصَّلاةُ لنفسِه، صحَّت لغيرِه، وجاز الائتمامُ به [4430] ((المغني)) لابن قدامة (2/141). . انظر أيضا: المطلبُ الأوَّل: شُروطُ الإِمامَةِ.