اختَلَف أهلُ العِلم في فِعل الصَّلوات ذواتِ السَّبب [4035] قال النوويُّ: (المراد بذات السبب التي لها سببٌ متقدِّم عليها؛ فمن ذوات الأسباب: الفائتة... وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة والشكر، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف...) ((المجموع)) (4/170). في أوقاتِ النَّهي على قولينِ:القولُ الأوَّل: يجوزُ فِعل الصلواتِ ذواتِ السَّبب في أوقاتِ النَّهي، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/170)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/192). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((المغني)) لابن قدامة (2/90)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/148). ، وقولُ بعضِ السَّلف قال النوويُّ: (قد ذكرْنا أنَّ مذهبنا أنَّها لا تكره، وبه قال عليُّ بن أبي طالب، والزُّبيرُ بن العوَّام وابنه، وأبو أيوب، والنُّعمان بن بشير، وتميم الداري، وعائشة رضي الله عنهم) ((المجموع)) (4/171). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (كما لا تُباح صلاة التطوُّع التي لا سببَ لها في أوقات النهي، بخلاف ذواتِ السَّبب، فإنَّ الراجح في الدليل من قولي العلماء: أنَّها تجوزُ لحاجته إليها) ((الفتاوى الكبرى)) (1/452). ، وابنُ القيِّم قال ابن القيِّم: (وحديثُ النهي عن الصلاة في أوقات النَّهي عامٌّ مُجمَل قد خصَّ منه عصر يومه بالإجماع، وخُصَّ منه قضاءُ الفائتة والمنسيَّة بالنص، وخصَّ منه ذواتُ الأسباب بالسُّنة، كما قضى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُنَّةَ الظهر بعدَ العصر، وأقرَّ مَن قضى سُنَّة الفجر بعد صلاة الفجر، وقد أعْلَمه أنَّها سُنَّة الفجر، وأمَر مَن صلَّى في رحله، ثم جاء مسجدَ جماعة أن يُصلِّي معهم وتكون له نافلة، وقاله في صلاة الفجر، وهي سببُ الحديث، وأمَر الداخلَ والإمامُ يخطُب أن يُصلِّي تحيةَ المسجد قبل أن يجلس) ((إعلام الموقعين)) (2/245). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لكن هذا العموم يُستثنى منه الصلاةُ ذات السَّبب في أصحِّ قولي العلماء، كصلاة الكسوفِ، وصلاة الطوافِ، وتحيَّة المسجد، فإنَّ هذه الصلوات يُشرَع فِعلُها ولو في وقتِ النهي؛ لأحاديثَ صحيحةٍ وردتْ في ذلك تدلُّ على استثنائها من العموم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/186). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (والقول الصَّحيح في هذه المسألة: أنَّ ما له سببٌ يجوز فِعلُه في أوقات النهي كلها، الطويلة والقصيرة) ((الشرح الممتع)) (4/126). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي قَتادَة الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتَّى يُصلِّيَ ركعتينِ)) [4043] رواه البخاري (444)، مسلم (714). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشمسَ والقمرَ لا يُخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه، ولكنَّهما آيتانِ من آياتِ اللهِ، فإذا رأيتموهما فصلُّوا)) رواه البخاري (1042)، ومسلم (914). .3- عن أَبي سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّه سألَ عائشةَ عن السَّجدتينِ اللَّتينِ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّيهما بعدَ العصرِ؟ فقالتْ: كان يُصلِّيهما قبلَ العصرِ، ثم إنَّه شُغِل عنهما أو نسِيهما فصلَّاهما بعدَ العصرِ، ثم أثبتَهما، وكان إذا صلَّى صلاةً أثبتَها)) رواه مسلم (835). .أوجه الدَّلالةِ من هذه الأحاديثِ:أنَّ هذه الأحاديثَ عامَّةٌ لا خُصوصَ فيها، وأحاديثُ النَّهيِ كلها مخصوصةٌ؛ فوجَبَ تقديمُ العامِّ الذي لا خصوصَ فيه؛ لأنَّه حُجَّة باتِّفاقِ السَّلف، وقد ثبَت جوازُ بعضِ ذواتِ الأسباب بالنصِّ كركعتي الطواف، وبعضها بالنصِّ والإجماعِ كالجنازةِ بعد العصرِ، وإذا نُظِرَ في مقتضَى الجواز لم توجدْ له عِلَّة إلَّا كونِ الصلاةِ ذاتَ سببٍ ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (2/135)، ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملقن (2/312). .ثانيًا: ولأنَّ فِعل ذواتِ الأسباب يُحتاج إليه في هذه الأوقاتِ، ويفوتُ إذا لم يُفعلْ فيها، فتفوت مصلحتُها؛ فأُبيحتْ لِمَا فيها من المصلحةِ الرَّاجحةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/164). .القول الثاني: أنَّه لا يجوزُ فِعلُ الصَّلواتِ ذواتِ السَّببِ في أوقاتِ النَّهي، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/86)، وينظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (1/374، 375). ، والمالِكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/190)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/222)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/241). ، والحَنابِلَة ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (2/413)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/258). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عمومُ ما جاءَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، حيثُ قال: ((شهِد عندي رِجالٌ مَرْضيُّون، وأرضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ حتى تشرُقَ الشمسُ، وبعدَ العصرِ حتى تغرُبَ)) [4051] رواه البخاري (581)، ومسلم (826). . 2- عمومُ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، حيث قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوا بصلاتِكم طلوعَ الشَّمسِ، ولا غُروبَها)) رواه البخاري (582)، ومسلم (828). .3- عمومُ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، حيث قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا طلَعَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تغيبَ)) رواه البخاري (583) واللفظ له، ومسلم (829). .4- عمومُ ما جاءَ عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، حيث قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمس، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) رواه مسلم (831). . انظر أيضا: المطلب الثاني: حُكْمُ النَّفْلِ المُطلَقِ في أوقاتِ النَّهْيِ.

لا تَجوزُ صلاةُ التطوُّعِ التي لا سَببَ لها في أوقاتِ النَّهي، لا سيَّما عند طلوعِ الشَّمس وغروبِها.الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((شهِدَ عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصبحِ حتَّى تشرقَ الشَّمس، وبعدَ العصرِ حتى تغرُب)) [4055] رواه البخاري (581)، ومسلم (826). . 2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوْا بصلاتِكم طلوعَ الشَّمس، ولا غروبَها)) رواه البخاري (582)، ومسلم (828). .3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا طلَعَ حاجبُ الشَّمسِ، فأخِّروا الصَّلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجِبُ الشَّمس فأخِّروا الصَّلاةَ حتى تغيبَ)) رواه البخاري (583) واللفظ له، ومسلم (829). .4- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينهانا أن نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) رواه مسلم (831). .ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على كونِ التطوُّعِ الذي ليس له سببٌ غيرَ جائزٍ في أوقاتِ النهي: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (ولا خِلافَ بين المسلمين أنَّ صلاة التطوُّع كلها غيرُ جائزٍ أن يُصلَّى شيءٌ منها عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها، وإنَّما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على الكفاية والمسنونات) ((الاستذكار)) (1/112). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (وأجمعتِ الأمَّة على كراهة صلاة لا سببَ لها في هذه الأوقات، واتَّفقوا على جواز الفرائض المؤدَّاة فيها) ((شرح النووي على مسلم)) (6/110). ، والعراقيُّ قال العراقيُّ: (الثانية: فيه النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وهو مُجمَعٌ عليه في الجملة) ((طرح التثريب)) (2/168). ووقَع خلافٌ في التطوُّع بعد صلاة العصر؛ قال ابن المنذر: (اختلَف أهلُ العِلم في صلاة التطوُّع بعد صلاة العصر, فرخَّصت طائفةٌ أن يُصلَّى بعد صلاة العصر, ورُوِّينا عن عُمرَ بن الخطَّاب أنه قال: لا تَحرَّوْا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها، ورُوينا عن عليٍّ أنه دخل فُسطاطَه بعد العصر, فصلى ركعتينِ, ورُوي هذا المعنى عن الزُّبير، وعبدِ الله بن الزُّبير, وتَميمٍ الدَّاري, والنُّعمان بن بَشير, وعائشةَ أمِّ المؤمنين, وأبي أيُّوبَ الأنصاريِّ). ((الأوسط)) (3/93). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّل: حُكْمُ الصَّلاةِ ذاتِ السَّببِ في أوقاتِ النَّهْيِ.