الفَرعُ الأوَّل: حُكمُ تحيَّةِ المسجدِتُسنُّ صلاةُ ركعتينِ عندَ دخولِ المسجدِ وتُسمَّى هاتان الركعتان تحيَّة المسجد؛ قال الألباني: (قال العجلوني: «تحيَّة المسجد- إذا دخلت أن تركع ركعتين» رواه أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران أنه كان يقوله من قوله، قال النجم: وهذا الكلام يَجري على ألسنة الفقهاء، ومن العجب أنَّ بعض المتفقهين في العصر زعم أنه لا يُقال تحيَّة المسجد، مع ورود مثل ذلك وجريانه على ألْسنة الفقهاء قديمًا وحديثًا). ((الثمر المستطاب)) (ص: 616). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/173)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/55). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/296)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 46)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/511). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/223). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/444). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال النوويُّ: («فلا يجلس حتى يركعَ ركعتين»: فيه استحبابُ تحيَّة المسجد بركعتين، وهي سُنَّة بإجماع المسلمين، وحكى القاضي عِياض عن داود وأصحابه وجوبهما). ((شرح النووي على مسلم)) (5/226). وقال العينيُّ: (اعلم أنَّ هذه سُنَّة بإجماع المسلمين؛ إلَّا ما رُوي عن داود وأصحابه وجوبُها بظاهر الأمْر، وليس كذلك؛ لأنَّ الأمر محمولٌ على الاستحباب والنَّدْب؛ لقوله عليه السلام للذي سأله عن الصلوات: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلَّا أن تطوَّع»، وغير ذلك من الأحاديث، ولو قُلنا بوجوبهما لحرُم على المحدِث الحدثَ الأصغر دخولُ المسجد حتى يتوضَّأ؛ ولا قائلَ به، فإذا جاز دخولُ المسجد على غير وضوء لزِم منه أنه لا يجِب عليه سجودُهما عند دخوله). ((شرح أبي داود)) (2/378). وقال ابن رجب: (في الحديث: الأمر لِمَن دخل المسجد أن يركع ركعتين قبل جلوسه، وهذا الأمرُ على الاستحباب دون الوجوب عند جميع العلماء المعتدِّ بهم. وإنما يُحكَى القولُ بوجوبه عن بعض أهل الظاهر. وإنما اختلف العلماء: هل يُكره الجلوس قبل الصلاة أم لا؟ فرُوي عن طائفةٍ منهم كراهةُ ذلك، منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو قول أصحاب الشافعيِّ. ورخَّص فيه آخرون، منهم: القاسم بن محمد، وابن أبي ذئب، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. قال أحمد: قد يدخلُ الرجل على غير وضوء، ويدخُل في الأوقات التي لا يُصلَّى فيها. يُشير إلى أنه لو وجبَتِ الصلاة عند دخول المسجد لوجَب على الداخل إليه أن يتوضَّأ، وهذا ممَّا لم يوجبه أحدٌ من المسلمين). ((فتح الباري)) (2/462، 463). وقال الباجي: (قول مالك: "وذلك حسنٌ وليس بواجب"، يريد أنَّ الركوع حين دخول المسجد ليس بواجب، وعلى ذلك فقهاءُ الأمصار، وذهب داودُ إلى وجوب ذلك، الدليل على صِحَّة ما ذهب إليه الجمهورُ قوله عليه السلام للذي سأله عمَّا يجب عليه من الصلوات، فقال: «الصلوات الخمس»، فقال: هل علي غيرهن فقال: «لا، إلَّا أن تطوَّع»). ((المنتقى))‏ (1/287). وقال القرطبيُّ: (عامَّة العلماء على أن الأمر بالركوع على الندب والترغيب). ((تفسير القرطبي)) (12/273). وقال ابن حجر: (اتَّفق أئمَّة الفتوى على أنَّ الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطَّال عن أهل الظاهر الوجوبَ، والذي صرَّح به ابن حزم عدمُه). ((فتح الباري)) (1/537، 538). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (لا يختلف العلماءُ أنَّ كلَّ مَن دخل المسجد في وقت يجوز فيه التطوُّعُ بالصلاة، أنَّه يُستحبُّ له أن يركع فيه عند دخوله ركعتين، قالوا: فيهما تحيةُ المسجد، وليس ذلك بواجبٍ عند أحدٍ على ما قال مالك رحمه الله إلَّا أهلَ الظاهر، فإنَّهم يوجبونهما، والفقهاءُ بأجمعهم لا يُوجبونهما) ((التمهيد)) (20/100). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتى يركعَ ركعتينِ)) رواه البخاري (444)، مسلم (714). .2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ سُلَيك الغَطَفاني ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب، فقال: يا سُلَيك، قم فاركعْ ركعتينِ، وتجوَّز فيهما)) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). . ثانيًا: أنَّ تحيةَ المسجدِ لو كانتْ واجبةً لحرُمَ دخولُ المسجدِ على المُحدِثِ الحدثَ الأصغرَ حتَّى يتوضَّأَ، ولا قائلَ به قال القرطبي: (وقد ذهب داودُ وأصحابه إلى أنَّ ذلك على الوجوبِ، وهذا باطلٌ، ولو كان الأمْرُ على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدِث الحدثَ الأصغَرَ حتى يتوضَّأ، ولا قائلَ به فيما أعلم). ((تفسير القرطبي)) (12/274). .الفَرعُ الثاني: سُقوطُ تحيَّةِ المسجدِ بصَلاةِ الفريضةِ مَن دخَلَ المسجدَ وقد أُقيمتِ الصلاةُ، أو وَجَد الإمامَ في الصلاةِ، فلا يَشتغِل بتحيةِ المسجدِ، وتَسقُطُ عنه نصَّ الشافعيَّة والحنابلة وبعض المالكيَّة على حصول تحيَّة المسجد والفريضة معًا إذا نواهما. يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/511)، ((المجموع)) للنووي (1/325-326)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/244). .الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (قد اتَّفق العلماءُ على أنَّه لا يَشتغِل عنها بتحية المسجِد). ((مجموع الفتاوى)) (23/264). ، وابنُ حَجرٍ قال ابنُ حَجر: (اتَّفقوا على أنَّ الداخِلَ والإمامُ في الصَّلاة تَسقُط عنه التحيَّة). ((فتح الباري)) (2/410). .الفرعُ الثالث: مشروعيَّةُ تدارُكِ الركعتينِ لِمَن قعَدَ قبلَ أن يُصلِّيتحيَّة المسجدِ لا تسقُطُ بالجلوسِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (2/19)، وينظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/111). ، والمالِكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/340)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/5)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/406). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/46). وصَرَّحَ الحنابلةُ أنَّه إذا طال الفصْلُ فإنَّها تسقُطُ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/46). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ سُلَيكٌ الغطفانيُّ يومَ الجُمُعة ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب، فقال: يا سُلَيكُ، قم فاركعْ ركعتينِ وتجوَّزْ فيهما)) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). . الفَرعُ الرابع: تحيَّةُ المسجدِ الحرامِالمسألةُ الأولى: مَن دَخَلَ المسجِدَ الحرامَ فطافَمَن دخَلَ المسجدَ الحرامَ فطافَ، فإنَّ طوافَه يُعَدُّ تحيةً له، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 260)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/351). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/375)، وينظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/406). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/484)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/476). ، الحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/477)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/379). اتَّفق الحنابلة مع الجمهور أنَّ أول ما يبدأ به داخلُ مكَّة الطواف، لكن الخلاف في التسمية، فهم لا يُسمُّونه تحية المسجد، ولكن يُسمُّونه تحية الكعبة، كذلك لا يُسقطون به تحية المسجد، ويقولون: إنَّ ركعتي الطواف تقوم مقامَ تحية المسجد. يُنظر المرجعين السابقين. . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين قدِمَ مكَّةَ كان أوَّلَ شيءٍ بدأ به حين قدِمَ أنه توضَّأَ، ثم طافَ بالبيتِ)) رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل المسجدَ الحرام للطوافِ، ولم يصلِّ التَّحية ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/163). .المسألةُ الثانية: مَن دَخَل المسجدَ لِغَيْرِ الطَّوافمَن دخَلَ المسجدَ الحرامَ لا للطَّوافِ، وإنَّما للصلاةِ أو للعِلم مثلًا، فهذا يَبقى المشروعُ في حقِّه أنْ لا يجلسَ حتى يُصلِّيَ ركعتينِ، وهذا ما ذَهب إليه الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 260). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/375)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/406). ، واختاره ابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (وهنا مسألة: وهي هل تحيَّة المسجد الحرام الطواف، أو تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين؟ اشتهر عند كثيرٍ من الناس أنَّ تحيَّة المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحيته الطواف لِمَن أراد أن يطوف، فإذا دخل الإنسان المسجدَ الحرام يُريد الطواف، فإنَّ طوافه يُغني عن تحية المسجد؛ لأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل المسجد الحرام للطواف ولم يصلِّ التحية. لكن إذا دخل المسجد الحرام بنيَّة انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبهَ ذلك، فإنَّ تحيته أن يُصلِّيَ ركعتين كغيره من المساجد؛ لقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلِّيَ ركعتين» وهذا يشمل المسجدَ الحرام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/163). , وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة قالت اللجنة الدائمة: (نعمْ، الطواف بالكعبة المشرَّفة تحيَّة المسجد الحرام للقادم من سفر، ومَن لم يتمكَّن من الطواف فليصلِّ ركعتين قبل أن يجلس؛ لعمومِ قول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا دخل أحدُكم المسجدَ فلا يجلس حتى يصلِّيَ ركعتين»، وأمَّا المقيم في مكَّة فتحية المسجد الحرام منه صلاةُ ركعتين كبقية المساجد) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/141). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ)) رواه البخاري (444)، مسلم (714). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:عمومُ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ))، فإنَّه يشمَلُ المسجدَ الحرامَ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/163). .الفَرعُ الخامس: تحيَّةُ المسجدِ في أوقاتِ النَّهيسيأتي بحثُها عندَ بحثِ صلاةِ ذواتِ الأسبابِ في أوقاتِ النهيِ. انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: التطوُّعُ بَينَ الأذانِ والإقامةِ . المَطلَبُ الثَّالث: صلاةُ الاستخارةِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ التوبةِ. المَطلَبُ الخامسُ: صَلاةُ رَكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ.

يُشرَع التطوع بَيْن كلِّ أذانٍ وإقامةٍ وفي صلاة ركعتين قبل المغربِ خلافٌ، وتقدَّم ذكر رُجحان القول بمشروعيتهما. .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بَينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثَّالثة: لِمَن شاءَ قال ابنُ الجوزي: (فإن قيل: فلِمَ خصَّ التطوع بهذا الوقت، وقد علم أنه يجوز في غيره؟ فالجواب: أنه قد يجوز أن يتوهَّم أنَّ الأذان للصلاة يمنع أن يُفعل سوى الصلاة التي أذن لها، فبيَّن جواز التطوع). ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (1/491). )) رواه البخاري (627)، ومسلم (838). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ المراد بالأذانينِ: الأذان والإقامة، وأُطلق عليهما الأذانان تغليبًا، كالقَمرين (الشمس والقمر) والعُمرين (أبي بكر وعمر)؛ فدلَّ بعمومِه على مشروعيَّةِ الصَّلاةِ بين كلِّ أذانٍ وإقامةٍ قال ابنُ رجب: (حديث ابن مُغفَّل يدخل فيه: الصلاة بين الأذان والإقامة في جميعِ الصلوات الخمس...). ((فتح الباري)) (3/535- 537).  وقال أيضًا: (لا اختلافَ أنَّ المراد بالأذانين في الحديث: الأذان والإقامة، وليس المراد الأذانيين المتواليين، وإنْ كانَا مشروعينِ كأذان الفجر إذا تَكرَّر مرتين). ((فتح الباري)) (3/535)، وينظر: ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/97). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما مِن صلاةٍ مفروضةٍ إلَّا وبين يديها رَكعتانِ)) [3850] رواه ابن حبان (6/208) (2455)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (13/ 126) (316)، والدارقطني في ((السنن)) (1046) صحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (232). .3- عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان المؤذِّنُ إذا أذَّن قام ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَبتدرون السَّواري، حتى يخرُجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهم كذلِك، يُصلُّونَ الركعتينِ قبل المغربِ، ولم يكُن بين الأذانِ والإقامةِ شيءٌ قال ابنُ رجب: (قوله في آخر الحديث: ((ولم يكُن بين الأذان والإقامة شيءٌ))، فمراده- والله أعلم- لم يكن شيءٌ كثير؛ بدليل رِواية عثمان بن جبلة، وأبي داود الطيالسي، التي ذكرها البخاريُّ تعليقًا: ((ولم يكن بينهما إلَّا قليل)). ((فتح الباري)) (3/528). )) رواه البخاري (625) واللفظ له، ومسلم (837). . 4- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا بالمدينةِ، فإذا أذَّن المؤذِّن لصلاةِ المغربِ ابتدروا السَّواري، فركَعوا ركعتينِ، حتى إنَّ الرجُلَ الغريبَ ليدخُل المسجدَ فيَحسَبُ أنَّ الصلاة قد صُلِّيت، مِن كثرةِ مَن يُصلِّيهما)) رواه البخاري (625)، ومسلم (837) واللفظ له. . ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل ابنُ بطَّالٍ قال ابن بطَّال: (وأمَّا قوله: «بين كلِّ أذانين صلاة»، فإنَّه يُريد بين الأذان والإقامة موضعُ صلاةٍ لِمَن شاء، لا خلاف في ذلك بين العلماء إلَّا المغرب وحدها، فإنَّهم اختلفوا في الركوع قبلها، فأجازه أحمدُ وإسحاق، واحتجَّا بهذا الحديث، وأباه سائرُ الفقهاء). ((شرح صحيح البخاري)) (2/252). ، وابنُ حجرٍ قال ابنُ حَجر: (ولم يَختلفِ العلماء في التطوُّع بين الأذان والإقامة، إلَّا في المغرب). ((فتح الباري)) (2/106). الإجماعَ على سُنيَّة صلاةِ ركعتينِ بين الأذانين إلَّا في المغربِ؛ فإنَّهم اختَلفوا في ذلك. انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: صَلاةُ تحيَّةِ المسجدِ. المَطلَبُ الثَّالث: صلاةُ الاستخارةِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ التوبةِ. المَطلَبُ الخامسُ: صَلاةُ رَكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ.

الفَرعُ الأوَّل: تعريفُ الاستخارةِالاستخارةُ لُغةً: طلَبُ الخِيرةِ في الشيءِ، وهو استفعالٌ منه؛ يُقال: استخِرِ اللهَ يَخِرْ لك ((النهاية)) لابن الأثير (2/91). .الاستخارة شرعًا: طلَبُ صرفِ الهِمَّةِ لِمَا هو المختارُ عندَ اللهِ والأَوْلى ولا تُشرَع النيابةُ في صلاة الاستخارة، بل على صاحبِ الأمْر أن يستخيرَ بنفسِه. سُئل ابن باز: هل يجوز أن أُصلِّي صلاة الاستخارة لغيري، وأغيِّر صيغة الدعاء بحيث يأتي على هذا النمط: اللهم إن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر هو خيرٌ لها أو له في دِينه أو دنياها وهكذا؟، فأجاب: (لا أعلم في هذا دليلًا، إنما جاءت السُّنة لمن أراد الشيء، فالحديث: «إذا همَّ أحدكم بأمرٍ فليصلِّ ركعتين، ثم يقول: اللهمَّ...» إلى آخر الدعاء، والسنة لِمَن همَّ بالأمر وأشكل عليه أن يستخير، أمَّا فلان يستخير لفلان لا أعلم لهذا أصلًا، لكن الرجل أو المرأة كل منهما يستخير لنفسه، يدعو بالدعاء الذي يَفهم، الذي يَعرِف، إذا كان ما يعرف الدعاء الوارد في الحديث يسأل ربَّه يقول: اللهمَّ يسِّر لي الأصلحَ، اللهمَّ اشرح صدري للأصلح، الأحبِّ إليك بما فيه نفعي وصلاحي. يدعو بالدعوات التي تناسبه، والحمد لله) ((فتاوى نور على الدرب)) (11/83). وقال ابن عثيمين: (الاستخارة لا تجوز إلَّا ممَّن أراد وهمَّ، ولا يصلُح أن يستخير لغيره، حتى لو وَكله وقال: استخر اللهَ لي؛ لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: «إذا همَّ أحدُكم فليركع ركعتينِ، ثم يقول:...» وذكَر الحديث، كما أنَّه لو دخل اثنان المسجد، وقال أحدهما للآخَرِ: صلِّ عني ركعتين تحيَّة المسجِدِ وأنا سأجلس، لا يصحُّ هذا، فصلاةُ الاستخارة متعلِّقة بنفس المُسْتَخيرِ الذي يُريد أن يفعَلَ) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 83). وقالت اللَّجنةُ الدَّائمة: ( المشروعُ في صلاة الاستخارة أنْ يُصلِّيَ ويطلُب الخيرةَ كلُّ إنسانٍ لنفسه، ولا يجوز أن يصليَ الإنسانُ صلاةَ الاستخارة لغيره) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية)) (6/156). ، بالصَّلاة، والدُّعاءِ الواردِ في الاستخارةِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (3/241)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/161). .الفرعُ الثَّاني: حُكمُ صلاةِ الاستخارةِصلاةُ الاستخارةِ سُنَّةٌ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/55)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 149). ، والمالكية ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/8)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 33). ، والشافعية ((المجموع)) للنووي (4/54)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/205). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (2/403)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/443). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقْدِرُكَ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به)) رواه البخاري (7390). .الفَرع الثَّالِث: أداءُ صلاةِ الاستخارةِ في أوقاتِ النَّهيلا تُصلَّى صلاةُ الاستخارةِ في أوقاتِ النَّهي ولكن ذهب بعضُ أهل العلم إلى أدائها في أوقات النَّهي إذا كانتِ الاستخارةُ في أمر مستعجل يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة. قال ابن تيمية: (ويُصلِّي صلاة الاستخارة وقتَ النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقتِ الإباحة). ((الفتاوى الكبرى)) (5/345). وقال ابن عثيمين: (صلاة الاستخارة إنْ كانت لأمر مستعجلٍ لا يتأخَّر حتى يزول النهي، فإنَّها تُفعَل، وإن كانت لسببٍ يمكن أن يتأخَّر، فإنَّه يجب أن تؤخَّر). ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (14/275). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (2/60)، ((الدر المختار)) للحصكفي (1/370). لعموم المنع عندهم من الصَّلاة في هذه الأوقات. ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/58)، وينظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/37)، ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/170)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/453)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/258). . الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((شهِد عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرْضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ حتَّى تُشرِقَ الشمسُ، وبعدَ العصرِ حتَّى تغرُبَ)) [3869] رواه البخاري (581)، ومسلم (826). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوا بصلاتِكم طلوعَ الشمسِ ولا غُروبَها)) رواه البخاري (582)، ومسلم (828). .3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا طلَعَ حاجبُ الشمسِ فأَخِّروا الصلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تغيبَ)) رواه البخاري (583) واللفظ له، ومسلم (829). .4- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّي فيهنَّ أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حينَ تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) رواه مسلم (831). .وجهُ الدَّلالة من هذه الأحاديثِ:أنَّ النصوصَ عامَّةٌ في النَّهي، فتشمَلُ صلاةَ الاستخارةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/453). . ثانيًا: لأنَّ سببَ الصلاةِ هو الاستخارةُ، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاةِ ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). .الفرعُ الرابع: وقتُ الدعاءِ في صلاةِ الاستخارةِالدُّعاءُ في صلاةِ الاستخارةِ يكونُ عقِبَ السَّلامِ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/37)، ((منح الجليل)) لعليش (1/21). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/54)، وينظر: ((المنهاج القويم)) لابن حجر الهيتمي (ص: 140)، ((شرح المقدمة الحضرمية)) لسعد بن محمد الحضرمي (1/320). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/345)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/578). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال الشوكانيُّ: (والحديثُ يدلُّ على مشروعيَّة صلاة الاستخارة والدعاء عقيبها، ولا أعلم في ذلِك خلافًا) ((نيل الأوطار)) (3/89). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقدرِكُ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلم، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به)) رواه البخاري (7390). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَر الدعاءَ بعدَ (ثم) التي تُفيدُ الترتيبَ والتعقيبَ مع التَّراخي ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 171). .الفَرعُ الخامس: تَكرارُ صلاةِ الاستخارةِإذا لم يتبيَّنْ للمستخيرِ أمرٌ يختارُه، فله تَكرارُ الاستخارةِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/27)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (1/149). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (1/38)، ((الفواكه الدواني)) للقيراوني (1/185). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/225). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دعَا، دعا ثلاثًا، وإذا سألَ، سألَ ثلاثًا)) رواه مسلم (1794). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الدُّعاءَ الذي تُسَنُّ له الصلاةُ تُكرَّر الصلاةُ له كالاستسقاءِ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/90). . ثانيًا: من الآثارعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (لَمَّا احترقَ البيتُ (أي: الكَعبة) زمَنَ يزيدَ بنِ معاويةَ، حين غزاها أهلُ الشام، فكان من أمْره ما كان، ترَكَه ابنُ الزُّبَير، حتى قدِمَ الناسُ الموسِمَ، يريد أنْ يُجرِّئهم (أو يُحرِّبهم بهم) على أهلِ الشام، فلمَّا صدَر الناسُ، قال: يا أيُّها الناس، أَشِيروا عليَّ في الكعبةِ، أَنقضُها ثمَّ أَبني بناءَها، أو أُصلِحُ ما هو منها؟ قال ابن عبَّاس: فإني قدْ فَرَقَ فَرَق: أيْ: بَدَا وظَهر، وقيل الرِّوَايَةُ: فُرِقَ- مبنيٌّ على مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/440)، ((لسان العرب)) لابن منظور (10/306). لي رأيٌ فيها؛ أرى أنْ تُصلِحَ ما وَهَى منها، وتدَعَ بيتًا أسلمَ الناسُ عليه، وأحجارًا أسلمَ الناسُ عليها وبُعِثَ عليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال ابنُ الزُّبَيرُ: لو كان أحدُكم احترَقَ بيتُه، ما رضِي حتى يُجِدَّه؛ فكيف بيتُ ربِّكم؟! إنِّي مُستخيرٌ ربِّي ثلاثًا، ثم عازمٌ على أمْري، فلمَّا مضى الثلاثُ أجْمَع رأيَه على أنْ يَنقُضَها) رواه مسلم (1333). .ثالثًا: قياسُها على صلاةِ الاستسقاءِ؛ فصلاةُ الاستخارةِ أشبهُ ما تكونُ بصلاةِ الاستسقاءِ، من حيثُ إنَّها صلاةُ حاجةٍ، وتُشابهها من حيثُ ارتباطُ الصلاةِ بالدُّعاءِ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/90). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: صَلاةُ تحيَّةِ المسجدِ. المَطلَبُ الثَّاني: التطوُّعُ بَينَ الأذانِ والإقامةِ . المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ التوبةِ. المَطلَبُ الخامسُ: صَلاةُ رَكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ.

تُشرَعُ صلاةُ التوبةِ عندَ ارتكابِ الذَّنبِ قال ابنُ تيميَّة: (كذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبةُ واجبةٌ على الفور، وهو مندوبٌ إلى أن يُصلِّي ركعتينِ ثم يتوبُ كما في حديثِ أبي بكر الصِّدِّيق). ((مجموع الفتاوى)) (23/215). وقال الدهلوي: (ومنها صلاة التوبة، والأصل فيها أنَّ الرجوع إلى الله لا سيَّما عقيبَ الذنب قبل أن يرتسِخَ في قلبه رينُ الذنب- مكفِّر مزيل عنه السوء). ((حجة الله البالغة)) (2/31). قال ابن باز: (يُشرع للإنسان إذا أذنب ذنبًا أن يُصلِّي ركعتين ويتوب إلى الله توبةً صادقة، فهذه هي صلاةُ التوبة؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما من عبدٍ يُذنب ذنبًا ثم يتطهَّر فيُحسن الطهورَ، ثم يُصلِّي ركعتين ويتوبُ إلى الله من ذلك الذنب، إلَّا قَبِل توبتَه». ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/389). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/28)، وينظر: ((البحر الرائق لابن نجيم مع منحة الخالق لابن عابدين)) (2/55). ، والمالِكيَّة ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/219). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/11)، ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (1/428). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/250)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/99). . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ إذا سمعتُ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثًا يَنفعُني اللهُ منه بما شاءَ أن يَنفعَني، فإذا حدَّثني غيرُه استحلفتُه، فإذا حلَف لي صدَّقتُه، وحدَّثني أبو بكر، وصدَق أبو بكرٍ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ما مِن مُسلمٍ يُذنِبُ ذنبًا ثم يتوضَّأُ ويُحسِنُ الوضوءَ، ويُصلِّي ركعتينِ ويَستغفرُ اللهَ، إلَّا غفَرَ اللهُ له)) رواه أبو داود (1521)، والترمذي (406)، وابن ماجه (1395)، وأحمد (1/2) (2). حسَّنه الترمذي، وقال ابنُ عَديٍّ في ((الكامل في الضعفاء)) (2/142): أرجو أن يكون صحيحًا. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/115): حسن صحيح. وقال ابن تيمية في ((الاستقامة)) (2/184): محفوظٌ في السنن. وحسَّنه ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (2/104)، وابنُ حجر في ((فتح الباري)) (11/101)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (1/21)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1521). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: صَلاةُ تحيَّةِ المسجدِ. المَطلَبُ الثَّاني: التطوُّعُ بَينَ الأذانِ والإقامةِ . المَطلَبُ الثَّالث: صلاةُ الاستخارةِ. المَطلَبُ الخامسُ: صَلاةُ رَكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ.

 يُستحبُّ صلاةُ ركعتينِ بعدَ الوضوءِ، نصَّ عليه الحَنَفيَّة [3895] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/173)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/55). ، والشافعيَّةُ [3896] ((المجموع)) للنووي (4/53)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/44). وتُصلَّى عندهم حتى في أوقاتِ النهي؛ لأنَّها من ذوات الأسباب. ، والحَنابِلَةُ [3897] ((الفروع)) لابن مفلح (2/404)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/444). ، وهو قولُ القاضي عِياضٍ من المالِكيَّة [3898] ((الإعلام بحدود وقواعد الإسلام)) للقاضي عياض (ص: 46) وجعَلها فضيلةً. وينظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (2/67)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/8). ، وابنِ تَيميَّة [3899] قال ابنُ تيميَّة: (يُستحبُّ أن يُصلِّيَ ركعتينِ عقبَ الوضوءِ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/345). ، وابنِ باز [3900] قال ابنُ باز: (إذا توضَّأَ الإنسانُ يُستحبُّ له أن يُصلِّيَ ركعتين، سواء توضَّأ لقراءة القرآن، أو للصلاة، أو لغير ذلك، إذا توضَّأ يُستحبُّ له أن يُصلِّيَ ركعتين في أيِّ وقت) ((فتاوى نور على الدرب)) (11/7). ، وابن عُثَيمين [3901] قال ابنُ عُثَيمين: (يستحبُّ لِمَن أسبغَ الوضوءَ أن يُصلِّيَ ركعتين، وتُسمَّى سُنَّة الوضوء، سواء في الصباح أو المساء، في الليل أو النهار، بعدَ الفجر أو بعد العصر؛ لأنَّها سُنَّةٌ لها سبب) ((شرح رياض الصالحين)) (5/13). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، في حديثِ الوضوءِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم قام فرَكَع رَكعتينِ لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه، غُفِرَ له ما تَقدَّم من ذنبِه)) [3902] رواه البخاري (159)، ومسلم (226). .2- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسنُ الوضوءَ، ويُصلِّي رَكعتينِ، يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما، إلَّا وجبتْ له الجَنَّةُ)) [3903] رواه مسلم (234). .3- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لبلالٍ عندَ صلاةِ الفجرِ: ((يا بلالُ، حدِّثْني بأرْجَى عملٍ عَمِلتَه في الإسلامِ؛ فإنِّي سمعتُ دُفَّ نَعْلَيك [3904] دَفَّ نَعْلَيك: أي حرَكتهما وخَفْقهما من أثَر المشي؛ يُقال: دَفَّ الطائر يَدُفُّ دَفِيفًا: حرَّك جَناحيه لطيرانِه، والدَّفُّ: المشيُ الخفيفُ؛ يُقال: دَفَّ الماشي على وجهِ الأرضِ، أي: خَفَّ. ينظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/196)، ((تاج العروس)) للزبيدي (23/301). بين يَديَّ في الجَنَّة؟ قال: ما عملتُ عملًا أرْجَى عندي: أَنِّي لم أتطهَّرْ طُهورًا، في ساعةِ ليلٍ أو نَهار، إلَّا صليتُ بذلك الطُّهورِ ما كُتِبَ لي أنْ أُصلِّي)) [3905] رواه البخاري (1149)، ومسلم (2458). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: صَلاةُ تحيَّةِ المسجدِ. المَطلَبُ الثَّاني: التطوُّعُ بَينَ الأذانِ والإقامةِ . المَطلَبُ الثَّالث: صلاةُ الاستخارةِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ التوبةِ.