الفَرْعُ الأول: فَضلُ قِيامِ اللَّيلِ  ذِكْرُ آياتِ فَضْلِ قيامِ اللَّيلِ والحَثِّ عليه 1- قال اللهُ تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا الإسراء: 79.2- وقال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ السجدة: 16الآية، وقال تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الذاريات: 17. 3- وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا الفرقان: 64.1- قيامُ اللَّيلِ عُبوديَّةٌ وشُكرٌفعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ:لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال: ((أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا؟!)) أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (2820) . 2- قيامُ اللَّيلِ من أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ ورفْعِ الدَّرجاتِ فيها1- عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أيُّها الناسُ، أفْشُوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا باللَّيلِ والناسُ نِيام، تَدخلوا الجَنَّةَ بسَلام)) رواه الترمذي (2485)، وابن ماجه (3251) وأحمد (23784)، والدارمي (1501) صحَّحه الترمذي، والذهبي في ((تاريخ الإسلام))(2/34)، وجوَّد إسنادَه النوويُّ في ((الأذكار)) (307)، وحسَّن إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/42)، وحسَّنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (5/278)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2485)، وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (187): يُتوقَّف في الحُكم على صحَّته، حتى يُعلم ثبوتُ سماع زُرارة بن أوْفَى من عبد الله بن سلَام. .2- وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ في الجَنَّةِ غُرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللهُ تعالى لِمَن أَطعَمَ الطَّعام، وأَلانَ الكلام، وتابَع الصِّيام، وأفْشَى السَّلام، وصَلَّى باللَّيلِ والناسُ نِيام)) أخرجه أحمد (22905)، وابن خزيمة (2137)، وابن حبان (509) قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) ( 3/195): رجاله ثقات، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الموارد)) (533). .3- قيامُ اللَّيلِ من أسبابِ تَكفيرِ السيِّئاتِفعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَليكم بقِيامِ اللَّيلِ؛ فإنَّه دَأَبُ الصَّالحينَ قَبلَكم، وقُربةٌ لكم إلى ربِّكم، ومَكْفَرَةٌ للسيِّئاتِ، ومَنْهَاةٌ عن الإثمِ)) أخرجه الترمذي (5/553)، بعد حديث (3549) وابن خزيمة (1135)، والطبراني (8/109) (7466) )، والحاكم (1156). قال الترمذي (5/553): وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (2/458)، والألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح))(1184)، وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/466) . 4- قيامُ اللَّيلِ أفضَلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِفعن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ المكتوبةِ، الصلاةُ في جَوفِ الليلِ)) رواه مسلم (1163). .الفرعُ الثاني: وقتُ قيامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقومُ تارةً إذا انتصف اللَّيل، أو قَبْله بقليلٍ، أو بَعدَه بقليلٍ، وربَّما كان يقوم إذا سمِع الصارخَ، وهو الدِّيك، وهو إنَّما يَصيحُ في النِّصفِ الثاني ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/328). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّه باتَ عند ميمونةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، وهي خالتُه، قال: فاضطجعتُ على عُرضِ الوسادةِ، واضطجع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طولِها، فنامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى انتصَف اللَّيلُ، أو قَبْله بقليلٍ، أو بَعدَه بقليلٍ، ثم استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجَلَس، فمَسحَ النومَ عن وجهِه بيدِه، ثم قرأَ العشرَ آياتٍ خواتيمَ سورةِ آل عمران، ثم قامَ إلى شَنٍّ مُعلَّقة، فتوضَّأ منها فأحسنَ وُضوءَه، ثم قامَ يُصلِّي. قال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما: فقمتُ، فصنعتُ مثلَ ما صنَع، ثم ذهبتُ فقُمتُ إلى جَنبه، فوضَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدَه اليُمنى على رأسي، وأخَذَ بأُذني اليُمنى يَفتِلُها بيدِه، فصلَّى رَكعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم أَوْتَرَ، ثم اضطجع حتَّى جاءَه المؤذِّنُ، فقام فصلَّى ركعتينِ خفيفتينِ، ثم خرَج فصلَّى الصُّبحَ)) رواه البخاري (1198)، ومسلم (763). .2- عن مسروقِ بن الأسودِ، قال: سألتُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أيُّ العملِ كان أحبَّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قالت: الدَّائم، قال: قلتُ: فأيَّ حينٍ كان يقومُ؟ قالت: ((كان يقومُ إذا سمِعَ الصارِخَ)) رواه البخاري (6461)، ومسلم (741). .الفَرعُ الثالث: حُكمُ قِيامِ اللَّيلِقِيامُ اللَّيلِ سُنَّةٌ.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ المكتوبةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ)) رواه مسلم (1163). .2- عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عليكم بقِيامِ اللَّيل؛ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلَكم، وقُربةٌ لكم إلى ربِّكم، ومكفرةٌ للسيِّئاتِ، ومنهاةٌ عن الإثمِ)) أخرجه الترمذي (5/553)، بعد حديث (3549) وابن خزيمة (1135)، والطبراني (8/109) (7466) )، والحاكم (1156). قال الترمذي (5/553): وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال، وحسنه البغوي في ((شرح السنة))(2/458)، والألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح))(1184)، وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء))(1/466) .3- عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أيُّها الناسُ، أفْشُوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا باللَّيلِ والناسُ نِيام، تَدخلونَ الجَنَّةَ بسَلام)) رواه الترمذي (2485)، وابن ماجه (1105) وأحمد (23784)، والدارمي (1501) صحَّحه الترمذيُّ، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (2/34)، وجوَّد إسنادَه النوويُّ في ((الأذكار)) (307)، وحسَّن إسنادَه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/42)، وحسَّنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (5/278)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2485). .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على سُنيَّةِ قيامِ الليلِ في حقِّ سائرِ الأمَّة: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (ونسْخ الأمر بقيام الليل عن سائر أمَّته مُجتمَعٌ عليه بقول الله عزَّ وجلَّ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ **المزمل: 20**، وهذا ندب؛ لأنَّ الفرائض محدودات، وقد شذَّ بعض التابعين فأوجب قيامَ الليل ولو قدْرَ حَلْب شاة، والذي عليه جماعةُ العلماء أنَّه مندوبٌ إليه، مرغوب فيه) ((الاستذكار)) (2/82). ، والنووي قال النوويُّ: (أمَّا حُكم المسألة فقيام الليل سُنَّة متؤكَّدة، وقد تطابقت عليه دلائل الكتاب والسُّنة وإجماع الأمَّة) ((المجموع)) (4/44). وقال أيضُا: (قولها: "فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة" هذا ظاهره أنه صار تطوعًا في حقِّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأمَّة، فأمَّا الأمة فهو تطوُّع في حقِّهم بالإجماع، وأمَّا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاختلفوا في نَسخِه في حقه، والأصحُّ عندنا نسخه، وأمَّا ما حكاه القاضي عياض من بعض السلف أنه يجب على الأمَّة من قيام الليل ما يقعُ عليه الاسم ولو قدْرَ حَلْب شاة، فغلطٌ ومردودٌ بإجماع مَن قَبله مع النصوص الصحيحة أنَّه لا واجبَ إلَّا الصلوات الخمس) ((شرح النووي على مسلم)) (6/26). ، وابن حزم قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ صلاة العيدين، وكسوف الشمس، وقيام ليالي رمضان ليستْ فرضًا، وكذلك التهجُّد على غير رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((مراتب الإجماع)) (ص: 32). ، وابنُ حجرٍ قال ابنُ حجر: (وقد أجمَعوا إلَّا شذوذًا من القدماء على أنَّ صلاة الليل ليستْ مفروضةً على الأمة) ((فتح الباري)) (3/3). .الفرعُ الرابع: عددُ رَكَعاتِ صَلاةِ القِيامِليس في قيامِ اللَّيلِ حدٌّ لا يُزاد عليه ولا يُنقصُ منه فالأمر في ذلك واسع. قال ابن تيميَّة: (كما أنَّ نفْس قيام رمضان لم يوقِّت النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه عددًا معينًا؛ بل كان هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُطيل الركعات، فلمَّا جمَعهم عمر على أبي بن كعب كان يُصلِّي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفُّ القراءة بقدْر ما زاد من الركعات؛ لأنَّ ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن... ومن ظنَّ أنَّ قيام رمضان فيه عددٌ موقَّت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه، فقد أخطأ) ((مجموع الفتاوى)) (22/272). وقال الشوكانيُّ: (والحاصل: أنَّ الذي دلَّت عليه أحاديثُ الباب وما يشابهها هو مشروعيَّة القيام في رمضان، والصلاة فيه جماعة وفرادى، فقصرُ الصلاة المسمَّاة بالتراويح على عددٍ معيَّن، وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرِدْ به سُنَّة) ((نيل الأوطار)) (5/108). وقال الشِّنقيطيُّ: (وقد خيَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين هذه الأزمنة من الليل، فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه؛ فلا يمكن التعبُّد بعددٍ لا يصحُّ دونه، ولا يجوز تعدِّيه) ((أضواء البيان)) (8/357). وقال ابن باز: (ثبَت عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام ما يدلُّ على التوسعة في صلاة الليل، وعدم تحديد ركعات معيَّنة، وأنَّ السنة أن يُصلِّي المؤمن - وهكذا المؤمنة - مَثْنَى مثنى، يُسلِّم من كل اثنتين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/320). وقال ابن عثيمين: (لا ينبغي لنا أن نغلوَ أو نُفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزامُ السنَّة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السُّنَّة، ويُنكر أشدَّ النكير على مَن زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ. وهذا لا شكَّ أنه خطأٌ، وكيف يكون آثمًا عاصيًا وقد سُئل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاة الليل؟ فقال: ((مَثنَى مَثْنى)) ولم يحدِّد بعدد، ومن المعلوم أنَّ الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأنَّ مَن لا يعلم الكيفية فجهلُه بالعدد من باب أَوْلى، وهو ليس ممَّن خدم الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى نقول: إنه يعلم ما يحدُث داخل بيته، فإذا كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يُحدِّد له بعدد؛ علم أنَّ الأمر في هذا واسعٌ، وأنَّ للإنسان أن يُصلِّي مئة ركعةٍ ويوتِر بواحدة) ((الشرح الممتع)) (4/53). وقال أيضًا: (وأمَّا عددها: فإحدى عشرة ركعة... وإنْ صلَّاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس... وإنْ زاد على ذلك فلا بأس...، والأمر في ذلك واسعٌ، لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي الإحدى عشرة، أو الثلاث عشرة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/187-188). واختَلف أهلُ العِلم في الأفضل؛ فذهب بعضهم إلى أنَّها إحدى عشرة ركعةً، أو ثلاث عشرة ركعةً مع تطويلها. قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأكثرُ الآثارِ على أنَّ صلاتَه كانت بالوِتْرِ إحدى عشرةَ ركعةً، وقد روي ثلاث عشرةَ ركعةً، فمنهم من قال فيها ركعتا الفجر، ومنهم من قال إنَّها زيادة حَفِظَها مَن تُقْبَل زيادَتُه بما نقل منه، ولا يَضُرُّها تقصيرُ من قصَّر عنها) ((التمهيد)) (21/69-70). وقال الصنعانيُّ: (والحديث دليلٌ على فضيلة قيام رمضان، والذي يظهر أنه يحصل بصلاةِ الوِتْرِ إحدى عشرة ركعة كما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعل في رمضان وغيره كما سلف في حديث عائشة) ((سبل السلام)) (2/173) وقالت اللجنة الدائمة: (وأفضَلُ الصَّلاةِ في الليل إحدى عشرةَ ركعةً؛ يُسَلِّمُ من كلِّ ركعتينِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/59). وقال ابنُ باز: (وأصحُّ ما ورد عنه عليه الصَّلاة والسَّلام الإيتارُ بثلاث عشرةَ أو إحدى عشرة ركعة, والأفضل إحدى عشرة، فإنْ أوتر بثلاث عشرة فهو أيضًا سنةٌّ وحسن، وهذا العدد أرفقُ بالناس وأعونُ للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قِراءته، وفي ترتيل القراءة وتدبُّرها، وعدم العجلة في كلِّ شيء، وإنْ أوتر بثلاثٍ وعشرين كما فعَل ذلك عمرُ والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي من رمضانَ فلا بأس؛ فالأمر واسع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/322). وقال ابنُ عُثيمين: (الصَّحيح في هذه المسألة: أنَّ السنة في التراويح أن تكونَ إحدى عشرةَ ركعة، يُصلي عشرًا شفعًا، يُسلِّم من كل ركعتين، ويُوتر بواحدة. والوتر كما قال ابن القيِّم: هو الواحدة ليس الركعات التي قَبْله، فالتي قبله من صلاة الليل، والوتر هو الواحدة، وإنْ أوتر بثلاثٍ بعد العشر وجعلها ثلاث عشرة ركعةً فلا بأس؛ لأنَّ هذا أيضًا صحَّ من حديثِ عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثلاثَ عشرةَ ركعةً، فهذه هي السُّنة، ومع ذلك لو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى بثلاثٍ وعشرين، أو بأكثرَ من ذلك، فإنَّه لا يُنكَرُ عليه) ((الشرح الممتع)) (4/51). وذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنَّ عددَ ركعاتها عشرون ركعةً: قال الكاسانيُّ: (وأمَّا قدْرها فعشرون ركعةً في عشر... وهذا قول عامَّة العلماء، وقال مالكٌ في قول: سِتَّة وثلاثون ركعة، وفي قول: سِتة وعشرون ركعةً، والصحيح قول العامَّة) ((بدائع الصنائع)) (1/288). وقال النوويُّ: (مذهبنا: أنَّها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر، وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابُه، وأحمد، وداود، وغيرهم، ونقله القاضي عياضٌ عن جمهور العلماء) ((المجموع)) (4/32). وقال ابنُ قُدامةَ: (والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوريُّ, وأبو حنيفة, والشافعيُّ) ((المغني)) (1/456). ومنهم مَن زاد على ذلك إلى ستٍّ وثلاثين ركعة: قال أبو الحسن المالكيُّ: ("ثم صلوا" أي: السلف غير السَّلف الأوَّل في زمن عمر بن عبد العزيز "بعد ذلك"، أي: بعد القيام بعشرين ركعةً غير الشفع والوتر "ستًّا وثلاثين ركعةً غير الشفع والوتر"، وهذا اختيارُ مالك في المدوَّنة... "وكل ذلك"، أي: القيام بعشرين ركعة، أو بست وثلاثين ركعة "واسعٌ"، أي: جائز) ((كفاية الطالب الرباني)) (1/581). وبعضُهم قال غير ذلك: قال ابن تيمية: (كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قيامه بالليل هو وتره، يُصلِّي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُصلِّيها طوالًا، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبيُّ بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعةً يُوتِر بعدها ويخفِّف فيها القيام، فكان تضعيف العدد عوضًا عن طول القيام. وكان بعضُ السلف يقوم أربعين ركعة، فيكون قيامها أخفَّ، ويوتر بعدها بثلاث) ((مجموع الفتاوى)) (23/120). وقال أيضًا: (ثبَت أنَّ أُبيَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعةً في قيام رمضان ويوتر بثلاث. فرأى كثيرٌ من العلماء أنَّ ذلك هو السنَّة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم يُنكره مُنكِرٌ. واستحبَّ آخرون تسعة وثلاثين ركعة؛ بناءً على أنه عمل أهل المدينة القديم، وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاثَ عشرةَ ركعةً، واضطرب قومٌ في هذا الأصل لِمَا ظنُّوه من معارضة الحديث الصحيح لِمَا ثبَت من سُنَّة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب: أنَّ ذلك جميعه حسنٌ كما قد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه، وأنه لا يتوقَّتُ في قيام رمضان عددٌ؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يوقِّت فيها عددًا، وحينئذٍ فيكون تكثيرُ الركعات وتقليلها بحسَب طولِ القيامِ وقِصَرِه...) ((مجموع الفتاوى)) (23/112-114). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ أنَّه سألَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: كيف كانتْ صلاة رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضان؟ فقالت: ((ما كان يَزيدُ في رمضانَ، ولا في غيرِه على إحْدى عَشرةَ ركعةً قال ابنُ عبد البَرِّ: (في هذا الحديثِ البيانُ بأنَّ صلاة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضان وغيره كانت سواءً) ((الاستذكار)) (2/98). ؛ يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنِّ معناه: هُنَّ في نِهايةٍ من كمال الحُسن والطُّول، مستغنيات بظهور حُسنهنَّ وطولهنَّ عن السؤالِ عنه والوصف. ((شرح النووي على مسلم)) (6/20). ، ثم يُصلِّي ثلاثًا)) رواه البخاري (2013)، ومسلم (837). .2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: ((كان صلاةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ عَشرةَ ركعةً. يعني: باللَّيل)) رواه البخاري (1138)، ومسلم (764). .3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيل، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ الليلِ مَثْنَى مثنَى، فإذا خشِيَ أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِر له ما قدْ صلَّى)) رواه البخاري (990)، ومسلم (749). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يحدَّ حدًّا في عددِ الركعاتِ التي يأتي بها المصلِّي قَبلَ الوترِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/299). .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقد أجمَع العلماءُ على أنْ لا حدَّ ولا شيءَ مُقدَّرًا في صلاة الليل، وأنَّها نافلة؛ فمَن شاء أطال فيها القيام وقلَّت ركعاته، ومَن شاء أكثر الركوع والسجود). ((الاستذكار)) (2/102). وقال أيضًا: (أكثرُ الآثار على أنَّ صلاته كانت إحدى عشرةَ ركعةً، وقد رُوي ثلاث عشرة ركعة، واحتجَّ العلماء على أنَّ صلاة الليل ليس فيها حدٌّ محدود، والصلاة خيرُ موضوع، فمَن شاء استقلَّ ومَن شاء استكثر) ((الاستذكار)) (2/98). ، والقاضي عِياضٌ قال القاضي عياض: (ولا خلافَ أنه ليس فى ذلك حدٌّ لا يُزاد عليه ولا يُنقص منه، وأنَّ صلاة الليل من الفضائل والرغائب، التي كلَّما زِيد فيها زِيد فى الأجر والفضل، وإنما الخلافُ في فِعل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وما اختاره لنفْسه) ((إكمال المعلم)) (3/82). ، والعراقيُّ قال العراقي: (قد اتفق العلماء على أنه ليس له حدٌّ محصور) ((طرح التثريب)) (3/43). .الفرعُ الخامس: صِفةُ صَلاةِ القِيامِصلاةُ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى، أي: ركعتان ركعتان، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/464)، وينظر: ((المنتقى))‏ للباجي (1/213). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/228)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/207). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/248)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/132). ، وقول أبي يُوسفَ ومحمَّد من الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/147). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (والأفضل أن يُسلِّم من كل اثنتين ويوتر بواحدةٍ كما تقدَّم في حديث ابنِ عمر: «صلاةُ الليل مَثْنى مثنى، فإذا خشِي أحدُكم الصبحَ صلَّى واحدةً تُوتِر له ما قد صلَّى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/324). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (وصلاة الليل تَشمل التطوُّعَ كلَّه والوترَ، فيصلي مَثْنَى مثنى، فإذا خشِي الصبح صلَّى واحدة فأوتَرتْ ما صلى) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/412). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الليلِ مَثنَى مَثنى، فإذا رأيتَ أنَّ الصبحَ يُدركُك فأَوتِر بواحدةٍ))، قال: فقيل لابن عُمر: ما مَثنَى مَثنَى؟ قال تُسلِّم في كلِّ ركعتينِ أخرجه البخاري (1137)، ومسلم (749) واللفظ له. .2- عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي فيما بين أن يَفرغَ من صلاةِ العِشاءِ - وهي التي يدعو الناسُ العتمةَ - إلى الفجرِ إحْدى عشرةَ ركعةً، يُسلِّمُ بين كلِّ ركعتينِ، ويُوتِرُ بواحدةٍ)) رواه مسلم (736). .الفَرعُ السادس: وقتُ صلاةِ القِيامِ سَيأتي الكلامُ عن هذا الفرعِ تحتَ فرعِ: وقت صَلاةِ الوترِ.الفرعُ السَّابع: ما يُسَنُّ قبل القيامِ، والاستفتاحُ بركعتينِ خفيفتينالمسألة الأولى: ما يُسَنُّ قَبلَ القِيامِأوَّلًا: يُستحبُّ لِمَن قام من نومِه مريدًا القيامَ أنْ يَمسحَ النومَ عن وجهِه، ويَستاكَ بالسِّواكِ، ويَذكُرَ اللهَ تعالى. الدَّليلُ من السُّنَّة:عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّه بات عندَ ميمونةَ، وهي خالتُه، فاضطجعتُ في عُرضِ وسادةٍ واضطجعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طولِها، فنامَ حتى انتصفَ اللَّيلُ - أو قريبًا منه - فاستيقظَ يمسحُ النومَ عن وجهِه، ثم قرأَ عَشرَ آياتٍ من آل عِمران، ثم قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى شَنٍّ مُعلَّقة، فتوضَّأ، فأَحسنَ الوضوءَ، ثم قام يُصلِّي، فصنعتُ مِثلَه، فقمتُ إلى جنبِه، فوضَع يدَه اليُمنى على رأسي وأخَذ بأُذني يَفتِلُها، ثم صَلَّى ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتينِ، ثم أَوتَرَ، ثم اضطجع حتى جاءَه المؤذِّنُ، فقام، فصلَّى ركعتينِ، ثم خرَج، فصلَّى الصبحَ)) رواه البخاري (1198)، ومسلم (763). .المسألة الثانية: صلاةُ ركعتينِ خَفيفتَينِ عندَ افتتاحِ قِيامِ اللَّيلِيُستحبُّ لِمَن أرادَ القِيامَ أن يَفتتِحَ قيامَه بركعتينِ خفَيفتَينِ ((المجموع)) للنووي (4/45)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/229)، ((المغني)) لابن قدامة (2/102) ((الفروع)) لابن مفلح (2/379)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (10/21)، ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين))، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/99). .الأدلة من السُّنَّة:1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِذا قام مِنَ اللَّيلِ ليُصلِّي، افْتَتح صلاتَه بركعتينِ خَفيفتينِ)) أخرجه مسلم (767). .2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((إذا قام أحدُكم من اللَّيلِ، فليفتتحْ صلاتَه بركعتينِ خفيفتينِ)) رواه مسلم (768). .الفرعُ الثامنُ: حُكمُ المداومةِ على قِيامِ اللَّيلِ كلِّه لا يُسنُّ قيامُ اللَّيلِ كلِّه على الدوامِ في جميعِ اللَّيالي قال ابنُ تيميَّة: (قيام بعض الليالي كلِّها ممَّا جاءت به السُّنة). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 428). وقال ابن عثيمين: (إذا كان يُديم ذلك ويقوم اللَّيل كله فهو مخالفٌ للسُّنة؛ لِمَا ثبت في الصَّحيحين من حديث النَّفر الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عمَل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما أُخبروا بذلك، فكأنَّهم تقالُّوا العمل، فقال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام، فأنكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك وقال: «... وأقوم وأنام، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني»، وهذا يدلُّ أن قيام الليل كلِّه دائمًا خلافُ السنَّة. وكذلك عندما أُخبِر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "أنا أصوم أبدًا وأقوم أبدًا"، فمَنعَه من ذلك. وأمَّا قيام بعض الليالي فقد جاءت به السُّنة، كما ورد أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «كان إذا دخلتِ العشرُ الأواخر من رمضان أحيا الليل») ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/285). ؛ نصَّ على ذلك المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 289)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/407)، ((حاشية الصاوي)) (1/527). ،والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/44، 45)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/282). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/437)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/392). .الأدلة من السُّنَّة:1- حديثُ النَّفرِ الثلاثةِ الذين أَتَوا يَسألونَ عن عِبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أُخْبِرُوا بذلك، فكأنَّهم تقالُّوها، فقال أحدُهم: أنا أقومُ ولا أنامُ، فأَنْكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك، وقال: ((... وأقومُ وأنامُ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي)) أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) من حديث أنس رضي الله عنه. .2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهُ: ((أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ عليهِ السلامُ، وأَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، وكان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ، ويصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا)) أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159). .3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دَخَلَ العشرُ، أحيا اللَّيلَ، وأيقظَ أهلَه، وجدَّ وشدَّ المِئزرَ)) [3497] رواه البخاري (2024)، مسلم (1174). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:هذا الحديث دلَّ على أنَّه لم يكُن من شأنه دائمًا أن يقومَ الليلَ كلَّه، وإلَّا لم يكُنْ في تخصيصِ العشرِ الأواخِرِ من رمضانَ بالذِّكرِ مزيدُ مزيَّة إنْ كان قيامُه فيها كغيرِها من الأيَّام ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/304). .الفرعُ التاسع: حكم مَن فاتَه قيامُ اللَّيلِمَن فاتَه قيامُ اللَّيلِ صلَّاه في النهارِ، نصَّ عليه الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/441)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/570). واختاره ابنُ العربيِّ من المالكية [3500] قال ابن العربي: (وكان إذا فاته قيامُ الليل مِن وجعٍ أو غيره صلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة) ((أحكام القرآن)) (4/331). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا فاته عملُ الليل صلَّى من النهار ثنتي عشرة) ((مجموع الفتاوى)) (23/91). ، والشوكانيُّ قال الشَّوكاني: (الحديثُ يدُلُّ على مشروعيَّةِ اتِّخاذِ وِرْدٍ في اللَّيلِ وعلى مشروعيَّة قضائِه إذا فات لنومٍ أو عُذرٍ من الأعذارِ، وأنَّ مَن فَعَلَه ما بين صلاةِ الفَجْرِ إلى صلاةِ الظُّهْرِ كان كَمَن فَعَلَه في اللَّيلِ) ((نيل الأوطار)) (3/61). وابنُ القيِّم [3503] قال ابن القيِّم: (كان إذا غلَبه نومٌ أو وجع، صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة). ((زاد المعاد)) (1/324). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (السُّنة قضاؤها ضُحًى بعد ارتفاع الشمس وقبل وقوفها، شفعًا لا وِترًا، فإذا كانت عادتك الإيتار بثلاث ركعات في الليل فنمتَ عنها أو نسيتَها، شُرِع لك أن تصليها نهارًا أربعَ ركعات في تسليمتين، وإذا كان عادتك الإيتار بخمس ركعات في الليل فنمتَ عنها أو نسيتها، شُرِع لك أن تُصلِّي ستَّ ركعات في النهار في ثلاث تسليمات، وهكذا الحُكم فيما هو أكثرُ من ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/47، 48). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (الوتر سُنَّة مؤكَّدة لا ينبغي تَرْكُها، ولكن إذا غلبك النوم فاقضِ الوِتْرَ من النهار شفعًا، فإذا كان الإنسان يوتر بثلاثٍ صلَّى أربعًا، وإذا كان يُوتِرُ بخمسٍ صلَّى ستًّا، وإذا كان يوتِرُ بسبعٍ صلَّى ثمانيًا، وإذا كان يوتر بتسع صلى عشرًا، وإذا كان يوتر بإحدى عشرة صلى اثنتي عشرة ركعة، وينبغي للإنسان إذا كان يخشى ألَّا يقوم آخر الليل أن يوتِرَ قبل أن ينام؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصى أبا هريرةَ رضي الله عنه أن يوتِرَ قبل أن ينامَ، أمَّا إذا كان يطمَعُ أن يقوم آخِرَ الليل، فإنَّه يؤخِّرُ الوِتْرَ إلى آخِرِ اللَّيلِ؛ لأنَّ صلاةَ آخِرِ اللَّيلِ مشهودةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/121). وقال أيضًا: (ووجه ذلك: أنَّ الوتر إنما تُختم به صلاة الليل، وصلاة الليل قد انتهت، فيَقضي الإنسان وردَه الذي كان يُصلِّيه في الليل ولا يوتر؛ لأنَّ زمَن الوتر انقضى). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/164). وقال أيضًا: (الإنسانُ إذا نام عمَّا كان يصلِّيه في اللَّيلِ، صلَّاه في النهار؛ لكن بدلًا من أن يجعَلَه وِترًا يجعله شفعًا، لحديث عائشةَ رضي الله عنها (أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غَلَبَه نومٌ أو وَجَعٌ صَلَّى من النَّهارِ ثِنتي عشرةَ ركعة) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 137). .الدليل من السُّنَّة:حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((كانَ إذا غَلبَه نومٌ أو وجعٌ عن قيامِ اللَّيلِ، صلَّى مِن النهارِ ثِنتيَ عَشرةَ ركعةً)) [3506] رواه مسلم (746). .الفرعُ العاشر: إفرادُ ليلةِ الجُمُعةِ بالقِيامِسيأتي الكلامُ عن هذه المسألةِ في بابِ صَلاةِ الجُمُعة. انظر أيضا: المَطلَبُ الثاني: صَلاةُ التَّراويحِ (قيامُ رَمضانَ). المَطلَبُ الثَّالِث: صلاةُ الوترِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ الضُّحى . المَطلَبُ الخامس: صلاةُ التَّسْبيحِ (التَّسابيح) .

الفرعُ الأوَّل: تعريفُ التَّراويحالتراويحِ لُغةً: جمْع تَرويحةٍ، وهي المرةُ الواحدةُ من الرَّاحةِ، وروَّحتُ بالقومِ ترويحًا: صلَّيتُ بهم التراويحَ؛ وسُمِّيت بذلك لأنَّ الناسَ كانوا يُطيلونَ القيامَ فيها والركوعَ والسُّجودَ، فإذا صلَّوْا أربعًا استراحوا، ثم استأنَفوا الصلاةَ أربعًا، ثم استرَاحوا، ثم صَلَّوا ثلاثًا ((لسان العرب)) لابن منظور (2/462)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/244)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/10). قال الكمال بن الهمام: (التراويح جمْع ترويحة، أي: ترويحة للنَّفْس، أي: استراحة؛ سُمِّيت نفس الأربع بها؛ لاستلزامها شرعًا، ترويحة، أي: استراحة) ((فتح القدير)) (1/466-467). .التراويحِ اصطلاحًا: هي قيامُ شَهرِ رَمضانَ قال ابنُ قُدامةَ: (وقيام شَهر رمضان عشرون ركعةً، يعني: صلاة التراويح) ((المغني)) (1/455). وقال النوويُّ: (والمراد بقيام رمضانَ صلاةُ التراويح) ((شرح مسلم)) (6/39). ويُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/318)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/209). .الفرعُ الثاني: فَضلُ صلاةِ التراويحِ 1- صلاةُ التراويحِ سببٌ لغفرانِ ما تَقدَّمَ من الذُّنوبِ:فعن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غير أنْ يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقولُ: مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه)) رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له. .2- مَن صلَّى القيامَ مع الإمامِ حتى يَنصرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ كاملةٍ:فعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((قلت: يا رسولَ اللهِ، لو نَفَّلْتَنا قيامَ هذه اللَّيلةِ [3510] أَيْ زِدْتنَا مِنْ صَلَاةِ النَّافلة. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/99). )؟ فقال: إنَّ الرَّجُلَ إذا صلَّى مع الإمامِ حتى ينصرفَ، حُسِبَ له قيامُ ليلةٍ فائدتان: الفائدة الأولى: قال ابن عثيمين: (هل الإمامان في مسجدٍ واحدٍ يُعتبر كلُّ واحدٍ منهم مستقلًّا، أو أن كل واحدٍ منهما نائبٌ عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني، أنَّ كلَّ واحدٍ منهما نائبٌ عن الثاني مكمِّلٌ له، وعلى هذا فإنْ كان المسجد يُصلِّي فيه إمامان؛ فإن هذين الإمامين يُعتبران بمنزلة إمامٍ واحد، فيبقى الإنسانُ حتى ينصرف الإمام الثاني؛ لأنَّنا نعلم أنَّ الثانية مكملةٌ لصلاة الأول) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/207). الفائدة الثانية: سُئِلَ ابن عثيمين: إذا كان الرجل في رمضان يُصلِّي أول الليل في مسجد وآخِر الليل في مسجد؛ هل يكون الأجر مثله؟ فأجاب بقوله: (قال النبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم: مَن قام مع الإمام حتى ينصرف- يعني: في قيام رمضان- كتب له قيام ليلة. فإذا صلَّى مع الإمام الأوَّل، ثم صلَّى مع الثاني لم يصدُق عليه أنَّه صلَّى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنَّه جعل قيامه بين رجلين، فيقال له: إمَّا أن تقوم مع هذا من أوَّل الليل إلى آخره، وإمَّا أن يفوتك الأجْرُ) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 176). )) أخرجه أبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327) قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (1/349)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (25/178)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (1604)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/329): ثابت ورجاله رجال الصحيح، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (280): صحيح على شرط مسلم .3- أنَّ فاعلَها إذا ماتَ وهو مداومٌ عليها، كان مِن الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ:فعن عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهنيِّ، قال: ((جاءَ رجلٌ من قُضاعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنِّي شهدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصُمتُ رَمضانَ وقُمتُه، وآتيتُ الزكاةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن ماتَ على هذا كانَ من الصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ)) رواه ابن خزيمة (2212)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (2939)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3345) باختلاف يسير حسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/7)، وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (1/51): أرجو إسناده أنه إسنادٌ حسن أو صحيح. وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((مختصر البزار)) (1/70)، والألباني في ((قيام رمضان)) (18). . الفرعُ الثَّالث: حُكمُ صلاةُ التَّراويحِ. صَلاةُ التَّراويحِ سُنَّةٌ مُؤكَّدَة.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة 1- قال أبو هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غيرِ أنْ يأمَرَهم فيه بعزيمةٍ، فيقول: مَن قامَ رَمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه)) رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له. .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى في المسجدِ ذاتَ ليلةٍ، فصلَّى بصلاتِه ناسٌ، ثم صَلَّى من القابلةِ، فكثُرَ الناسُ ثم اجتَمَعوا من الليلةِ الثالثةِ، أو الرابعةِ، فلم يخرُجْ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أصبحَ قال: قد رأيتُ الذي صنعتُم، فلمْ يمنعْني من الخروجِ إليكم إلَّا أنِّي خَشيتُ أنْ تُفرَضَ عليكم))، قال: وذلِك في رمضانَ رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له. .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على سُنيَّتِها: النوويُّ قال النوويُّ: (فصلاة التراويحِ سُنَّة بإجماع العلماء) ((المجموع)) (4/37). ، وشيخي زاده قال شيخي زاده: (التراويح... سُنَّة مؤكَّدة للرجال والنساء جميعًا بإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمَّة، منكرها مبتدعٌ ضالٌّ، مردود الشهادة) ((مجمع الأنهر)) (1/202). ، والصنعانيُّ قال الصنعاني: (قيام رمضان سُنَّة بلا خلاف) ((سبل السلام)) (2/11). .الفرعُ الرَّابع: حُكمُ صَلاةِ التراويحِ في المسجدِ جماعةًصلاةُ التراويحِ جماعةً في المسجدِ أفضلُ مِن صلاة من يصليها منفردًا.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلى في المسجدِ ذاتَ ليلةٍ، فصلَّى بصلاتِه ناسٌ، ثم صلَّى من القابلةِ، فكثُر الناسُ، ثم اجتمعوا من الليلةِ الثالثةِ، أو الرابعةِ، فلم يخرجْ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أصبح قال: قد رأيتُ الذي صنعتُم، فلم يَمنعني من الخروجِ إليكم إلَّا أنِّي خشيتُ أن تُفرَضَ عليكم)). قال: وذلك في رمضانَ رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى صلاةَ التراويحِ بالجماعةِ في المسجدِ، ولم يمنعْه من الاستمرارِ بالجماعةِ إلَّا تخوُّفُه أنْ تُفرَضَ على الأمَّةِ، ومعنى ذلك أنَّ فِعلَها جماعةً في المسجدِ أفضل. ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البرِّ قال الطَّحاويُّ: (قد أَجمعُوا أنه لا يجوزُ للنَّاس تعطيلُ المساجِد عن قيام رمضانَ وكانَ هذا القيام واجِبًا على الكِفايَة، فمَن فعَلَه كانَ أفضلَ مِمَّن انفرد به) ((مختصر اختلاف العلماء)) (1/315). ، وابنُ قُدامةَ وقال ابنُ قُدامةَ: (الجماعةُ في التراويح أفضلُ، وإنْ كان رجلٌ يُقتدَى به، فصلَّاها في بيته، خِفتُ أن يَقتديَ الناس به، وقد جاء عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اقتدوا بالخُلفاء))، وقد جاء عن عُمرَ أنه كان يُصلِّي في الجماعة... ولنا: إجماعُ الصَّحابة على ذلك، وجَمْعُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه وأهلَه في حديث أبي ذرٍّ، وقولُه له: "إنَّ القومَ إذا صلَّوا مع الإمامِ حتَّى ينصرف، كُتِب لهم قِيامُ تلك اللَّيلة"). ((المغني)) (2/124). ، وغيرُهما قال النوويُّ: (قال صاحبُ ((الشَّامل)): قال أبو العباس، وأبو إسحاق: صلاةُ التراويح جماعةً أفضلُ من الانفراد؛ لإجماع الصحابةِ، وإجماعِ أهل الأمصارِ على ذلك). ((المجموع)) (4/32). .ثالثًا: من الآثار عن عبد الرحمنِ بنِ عبدٍ القارئِ، قال: ((خرجتُ مع عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه ليلةً في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقون يُصلِّي الرجلُ لنَفسِه، ويُصلِّي الرجلُ فيُصلِّي بصلاتِه الرهطُ، فقال عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنْه: إني أَرَى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئٍ واحدٍ، لكان أمثلَ، ثم عَزَمَ فجمَعَهم إلى أُبيِّ بنِ كعبٍ، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى والناسُ يُصلُّونَ بصلاةِ قارئِهم. فقال عمرُ: نِعمَ البدعةُ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأما قول عُمرَ: نِعمت البدعة، في لسان العرب: اختراعُ ما لم يكن وابتداؤُهُ، فما كان من ذلك في الدِّين خلافًا للسُّنة التي مضى عليها العملُ، فتلك بدعةٌ لا خيرَ فيها وواجبٌ ذمُّها، والنهي عنها، والأمر باجتنابها، وهِجرانُ مبتدعها، إذا تبيَّن له سوءُ مذهبه، وما كان من بدعةٍ لا تخالف أصلَ الشريعة والسنة فتلك نِعْمَتِ البدعةُ- كما قال عمرُ- لأنَّ أصلَ ما فَعلَه سُنَّة) ((الاستذكار)) (5/153). هذِه، والتي ينامون عنها أفضلُ؛ يُريد آخِرَ اللَّيلِ، وكان الناسُ يقومونَ أَوَّلَه)) رواه البخاري (2010). . الفرعُ الخامس: وقتُ صَلاةِ التَّراويحِالسُّنةُ في التَّراويحِ أنْ تُصلَّى بَعدَ العِشاءِ الآخِرَةِ. الدَّليل من الإجماع:اتفاق السَّلف والأئمة على ذلك، نقله ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (فما كان الأئمَّة يُصلُّونها إلَّا بعد العِشاء على عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعهدِ خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمَّةُ المسلمين، لا يُعرف عن أحدٍ أنه تعمَّد صلاتَها قبل العِشاء، فإنَّ هذه تُسمَّى قيام رمضان). ((مجموع الفتاوى)) (23/120). وقال أيضًا: (السُّنة في التراويح أنْ تُصلَّى بعد العِشاء الآخِرةِ، كما اتَّفق على ذلك السَّلَف والأئمَّة). ((مجموع الفتاوى)) (23/119). .الفرعُ السادس: عددُ ركعاتِ صلاةِ التَّراويحِ تقدَّمَ الكلامُ عنها في مسألةِ عددِ ركعاتِ صلاةِ القِيامِ.الفرعُ السابع: القِراءةُ في صَلاةِ التَّراويحِليس لقراءةِ القرآنِ في صَلاةِ التراويحِ مقدارٌ مُحَدَّدٌ قال الشوكانيُّ: (وأمَّا مقدار القراءة في كلِّ ركعة فلم يردْ به دليل) ((نيل الأوطار)) (5/53). وقال ابن باز: (الأمرُ في هذا واسعٌ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/330). ، وتُستحَبُّ قراءتُه كاملًا قال الكاسانيُّ: (السُّنة أن يختمَ القرآن مرةً في التراويح، وذلك فيما قاله أبو حنيفة، وما أمر به عمرُ، فهو من باب الفضيلة، وهو أن يختمَ القرآن مرَّتين أو ثلاثًا، وهذا في زمانهم، وأمَّا في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمامُ على حسب حال القوم من الرغبة والكسل، فيقرأ قدْرَ ما لا يوجب تنفيرَ القوم عن الجماعة؛ لأنَّ تكثير الجماعة أفضلُ من تطويل القراءة) ((بدائع الصنائع)) (1/289)، ويُنظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/46). وقال الدردير: ( "و" نُدِب للإمام "الخَتْم" لجميع القرآن "فيها"، أي: في التراويح في الشهر كلِّه ليُسمِعَهم جميعه) ((الشرح الكبير)) (1/315)، ويُنظر ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/728). وقال البهوتيُّ: ("ويُستحبُّ أن لا ينقص عن خَتمةٍ في التراويح"؛ ليسمع الناس جميع القرآن، "ولا" يُستحبُّ "أن يَزيد" الإمامُ على ختمةٍ؛ كراهيةَ المشقة على مَن خلفه) ((كشاف القناع)) (1/427)، ويُنظر ((الإنصاف)) للمرداوي (2/131)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/162). وقال ابن باز: (ويُمكن أن يُفهم من ذلك- أي: من مدارسة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ مع جبريل في رمضان- أنَّ قراءة القرآن كاملةً من الإمام على الجماعة في رمضان نوعٌ من هذه المدارسة؛ لأنَّ في هذا إفادةً لهم عن جميع القرآن؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحبُّ ممَّن يؤمُّهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبَّة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبًا لأنْ يعجل ولا يتأنَّى في قراءته، ولا يتحرَّى الخشوع والطُّمأنينة، بل تحرِّي هذه الأمور أَوْلى من مراعاة الختمة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/325-326). وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا قراءة القرآن في التراويح فمستحبٌّ باتفاق أئمَّة المسلمين، بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءةُ القرآن فيها ليسمعَ المسلمون كلامَ الله؛ فإنَّ شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يُدارِسُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآن، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن) ((مجموع الفتاوى)) (23/122-123). . وذلك حتى يسمَعَ النَّاسُ جميعَ القرآنِ؛ فإنَّ شهْرَ رمضانَ فيه نَزَلَ القرآنُ، ولأنَّ جبريلَ كان يُدارِسُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ في رمضانَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/122-123)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/427)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/325-326). .الفَرعُ الثامن: الجهرُ بالقِراءةِ في التَّراويحِ يُستحَبُّ الجهرُ بالقِراءةِ في صلاةِ التَّراويحِ.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (أجمع المسلمون على استحباب الجَهر بالقِراءة في... صلاة التراويح، والوتر عقيبَها). ((التبيان)) (1/130). . انظر أيضا: المَطلَب الأوَّل: قيامُ اللَّيلِ. المَطلَبُ الثَّالِث: صلاةُ الوترِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ الضُّحى . المَطلَبُ الخامس: صلاةُ التَّسْبيحِ (التَّسابيح) .

الفرعُ الأوَّل: تعريفُ صلاةِ الضُّحىصلاةُ الضُّحَى: هي الصلاةُ المؤدَّاةُ في وقتِ الضُّحَى، وهو أوَّلُ النَّهارِ ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (1/419). .الفرعُ الثاني: حُكمُ صلاةِ الضُّحىصلاةُ الضُّحَى مُستحبَّةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/55)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/173) ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/372)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/67). ، والشافعيَّة الشافعيَّة يقولون بأنَّها سُنَّة مؤكَّدة؛ قال النووي: (أما حُكم المسألة، فقال أصحابنا: صلاة الضحى سُنَّة مؤكَّدة) ((المجموع)) (4/36). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/249)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/576). قال المرداويُّ: (والصحيح من المذهب: أنه لا يستحبُّ المداومة على فِعلها، بل تفعل غِبًّا). ((الإنصاف)) (2/136). وقال البهوتي: ( "واستحبَّها" أي: المداومة عليها "جموع محقِّقون" منهم الآجُريُّ، وابن عُقيل، وأبو الخطاب، "وهو أصوب"؛ لِمَا تقدَّم من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وغيرهما). ((كشاف القناع)) (1/442). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((يُصبِحُ على كلِّ سُلامَى من أحدِكم صَدقةٌ؛ فكلُّ تَحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وأمْرٌ بالمعروفِ صَدقةٌ، ونهيٌ عن المنكَرِ صدقةٌ، ويُجزِئُ عن ذلك ركعتانِ يَركعُهما من الضُّحَى)) رواه مسلم (720). .2- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أَوْصاني حبيبي بثلاثٍ لنْ أَدَعهنَّ ما عشتُ: بصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، وصلاةِ الضُّحى، وأنْ لا أنامَ حتى أُوتِرَ)) رواه مسلم (722). .3- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أَوْصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتي الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أن أرقُدَ)) رواه البخاري (1178)، ومسلم (721). .4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي الضحى أربعًا، ويَزيد ما شاءَ الله)) رواه مسلم (719). .5- عن زيدِ بنِ أرقمَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه رأى قومًا يُصلُّون من الضُّحى، فقال: أمَا لقدْ علِموا أنَّ الصلاةَ في غيرِ هذه الساعةِ أفضلُ؛ إنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صلاةُ الأوَّابينَ حين تَرمَضُ الفِصَالُ ترمَض الفِصال: أي: إذا وجَدَ الفَصيلُ حَرَّ الشمس من الرَّمْضاءِ، وهو الرَّمْل. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/160). )) أخرجه مسلم (748). .الفَرعُ الثَّالِث: صلاةُ الإشراقِصلاةُ الإشراقِ هي صلاةُ الضُّحَى في أوَّلِ وقتِها في الموسوعة الفقهيَّة الكويتية: (بتتبُّع ظاهر أقوال الفقهاء والمحدِّثين يتبيَّن: أنَّ صلاة الضحى وصلاة الإشراق واحدةٌ؛ إذ كلهم ذكروا وقتَها من بعد الطلوع إلى الزوال ولم يُفصِّلوا بينهما. وقيل: إنَّ صلاة الإشراق غير صلاة الضحى؛ وعليه فوقت صلاة الإشراق بعد طلوع الشمس، عند زوال وقت الكراهة). ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (27/220، 221). ، وهذا اختيارُ الطِّيبيِّ قال الطيبي: (هذه الصلاة تُسمَّى صلاة الإشراق، وهي أوَّل الضحى). انظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/770). ، وابنِ حجرٍ الهيتميِّ في فتاوى ابن حجر الهيتمي: (سُئل- نفع الله به- عن صلاة الإشراق كما في الإحياء؛ هل هي من الضُّحى أو لا؟ وإن قلتم: لا، فلِمَ لم يذكرْها من بعدُ حُجَّةُ الإسلام كالشيخين وغيرهما- رضي الله عنهم؟ أجعلوها من الضُّحى أم كيف الحُكم في ذلك؟ وكيف ينوي بها؟ وإذا مضى وقتها؛ فهل يُصلِّيها أو لا؟ وكيف ينوي بها حينئذ؟ (فأجاب) بأنها ليستْ من الضحى كما صرَّح به الحُجَّة، وعبارة شرح العباب: قال الغزالي: وركعتا الإشراق غير الضحى، ووقتها عند الارتفاع للشمس كرُمح، قال: وهي المذكورة في قوله تعالى: يُسَبِّحْنْ بِالعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ **ص: 18**، أي: يصلِّين اهـ. وفي جعله لها غير الضحى نظرٌ؛ ففي المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّها هي صلاةُ الأوَّابين، وهي صلاة الضحى، وسُمِّيت بذلك لخبر «لا يُحافظ على صلاة الضحى إلَّا أواب»، وهي صلاة الأوابين، رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وحينئذ فمقتضى المذهب أنه لا يجوز فِعلُها بنيَّة صلاة الإشراق إذا لم يردْ فيها شيء. ثم رأيت في الجواهر عن بعضهم أنَّه جعلها من صلاة الضحى، وهو متَّجه لِمَا علمتَ. انتهت عبارة شرح العباب. وبها يُعلم أنَّ الغزالي مصرِّح بأنها غير الضحى، وغيره مصرِّح بأنها من الضحى، وأنَّ هذا هو اللائق بالقواعد؛ لأنَّ مغايرتها للضحى لم يصحَّ فيه شيء، ومبنى الصلوات على التوقيف ما أمكن، وكأنَّ هذا الذي أشرت إليه ممَّا يضعِّف كلام الغزالي هو السرُّ في حذف أكثر مَن بعده له، وعدم تعويلهم عليه، بل على ما قاله ابنُ عباس- وهو الحُجَّة في مثل ذلك- أنَّها صلاة الضحى؛ فعلى كلام الغزالي ينوي بها سُنَّة صلاة الإشراق وإنْ قضاها ليلًا مثلًا، كما ينوي بصلاة الضحى سُنَّة صلاة الضحى وإن قضاها ليلًا أيضًا، وعلى ما قاله غيرُ الغزالي ينوي بها سُنَّة صلاة الضحى ولا يَزيد بها الضحى على الثمان، بل يكون من جُملتها بناءً على أنَّ الثمان أكثرُها، وعلى أنَّ أكثرها ثِنتا عشرةَ هي أعني صلاة الإشراق من جملة تلك الثنتي عشرة، وسواء جعلناها هي أو غيرها يسنُّ قضاؤها كما يُصرِّح به كلامهم، وينوي بها ما مر من سُنَّة صلاة الإشراق على مقالة الغزالي، أو سنة صلاة الضحى على مقالة غيره، التي هي أوجهُ، والله سبحانه وتعالى أعلمُ بالصواب). ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) (1/188). ، والرَّمليِّ قال الرمليُّ: (وهي صلاةُ الإشراق كما أفتى به الوالدُ رحمه الله تعالى، وإن وقَع في العباب أنَّها غيرها). ((نهاية المحتاج)) (2/116، 117). وقال أيضًا: (المعتمد أنَّ صلاة الإشراق هي صلاةُ الضحى). ((فتاوى الرملي)) (1/220). ، وابنِ باز قال ابن باز: (صلاة الإشراق هي صلاةُ الضُّحى في أول وقتها، والأفضلُ فِعلها عند ارتفاع الضحى واشتداد الرمضاء؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلاة الأوَّابين حين تَرمَض الفِصالُ»). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/389). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (صلاة الإشراق- وهي التي تُصلَّى بعد أن ترتفع الشمس قِيدَ رمح، ومقدارُ ذلك بالساعة أنْ يمضي على طلوع الشمس رُبُع ساعةٍ أو نحو ذلك- هذه هي صلاةُ الإشراقِ، وهي صلاة الضحى أيضًا؛ لأنَّ صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قِيدَ رُمحٍ إلى قُبَيل الزوال، وهي في آخِر الوقت أفضلُ منها في أوَّله. وخلاصة الجواب: أنَّ ركعتي الضحى هما ركعتَا الإشراق، لكن إن قَدَّمتَ الركعتين في أول الوقت، وهو ما بعد أن ترتفِعَ الشمس قِيدَ رمح، فتكون صلاةَ إشراقٍ وضحًى، وإنْ أخَّرتهما إلى آخِرِ الوقت فهما ضُحى وليس بإشراقٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/305). .الفَرعُ الرَّابع: وقتُ صلاةِ الضُّحىوقتُ صلاةِ الضُّحى يبدأُ مِن ارتفاعِ الشَّمسِ قِيدَ رُمحٍ قال ابن عثيمين: (وقت النهي: من طلوعِ الشَّمس إلى أن ترتفِعَ قِيدَ رمح، أي: بِعَيْنِ الرائي، وإلَّا فإنَّ هذا الارتفاعَ قِيدَ رمح بحسَب الواقع أكثرُ من مساحةِ الأرض بمئاتِ المراتِ، لكن نحن نراه بالأُفق قِيدَ رمح، أي: نحو متر. وبالدَّقائق المعروفة: حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله رُبع ساعة، خمس عشرة دقيقة؛ لأنَّه أحوطُ، فإذا مضى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشمس، فإنه يزولُ وقت النهي، ويدخل وقتُ صلاة الضحى). ((الشرح الممتع)) (4/87، 88). بعدَ طلوعِها إلى استواءِ الشَّمسِ قبلَ زوالِها قال ابن عثيمين: (أي: قبل زوال الشمس بزمن ٍقليلٍ حوالي عشر دقائق؛ لأنَّ ما قُبَيل الزوال وقتُ نهيٍ ينهى عن الصلاة فيه؛ لأنَّه الوقتُ الذي تُسْجَر فيه جهنَّم، فقد نهى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُصلَّى فيه، قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاثُ ساعات كان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينهانا أن نصلِّي فيهن، أو أن نقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلُع الشمسُ بازغةً حتى ترتفِعَ، وحين يقوم قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمس، وحين تضيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرب». وقائم الظهيرة يكون قُبَيل الزوالِ بنحو عَشر دقائق، فإذا كان قبيل الزَّوال بعشر دقائق دخل وقت النهي؛ إذًا وقت صلاة الضحى من زوال النهي في أوَّل النهار إلى وجود النهي في وسَط النهار). ((الشرح الممتع)) (4/87، 88). ؛ نصَّ على هذا الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/55)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 261). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/373)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/4). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/135)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/249). ، وبه قال الشافعيَّةُ في أحد الوَجهينِ ((كفاية الأخيار)) لتقي الدين الحصني (ص: 89)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/204)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (6/30)، ((طرح التثريب)) للعراقي (3/72). .الدَّليلُ من السُّنَّة:عن عَمرِو بنِ عَبسةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فقدِمْتُ المدينةَ، فدخلتُ عليه، فقلتُ: أخبِرْني عن الصلاةِ، فقال: صلِّ صلاةَ الصُّبحِ، ثم أَقصِرْ عن الصَّلاةِ حين تطلُعُ الشمسُ حتى ترتفعَ؛ فإنَّها تطلُع حين تطلُع بين قرنَي شيطانٍ، وحينئذٍ يَسجُد لها الكفَّارُ، ثم صلِّ؛ فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ، حتى يستقلَّ الظلُّ بالرُّمح)) رواه مسلم (832). .الفرعُ الخامسُ: أفضلُ وقتٍ لصلاةِ الضُّحىالأفضلُ فِعلُ صلاةِ الضُّحى إذا علَتِ الشمسُ، واشتدَّ حرُّها، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (2/519)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/22-23). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/36)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/223). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/136)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/442). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن زيدِ بنِ أرقمَ أنَّه رأى قومًا يُصلُّون من الضُّحى في مسجدِ قُباءٍ، فقال: أمَا لقَدْ علِموا أنَّ الصلاةَ في غيرِ هذه الساعةِ أفضلُ، قال: ((خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أهلِ قُباءٍ، وهم يُصلُّونَ الضُّحى، فقال: صلاةُ الأوَّابِين إذا رَمِضَتِ الفصالُ الفصال: هي الصِّغار من أولاد الإبل، جمع فصيل. و«رمضت الفِصال»: يُريد عند ارتفاع الضُّحى؛ وذلك أنَّ الفصال تبرك من شدَّة حرِّ الرمضاء، وهو الرمل؛ لاحتراق أخفافها، يقال: رَمضِت قدَمُه من الرمضاء، أي: احترقت. يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (4/146)، ((شرح النووي على مسلم)) (6/30). من الضُّحَى)) رواه مسلم (748). .الفرعُ السَّادس: عددُ ركَعاتِ صلاةِ الضُّحىالمسألة الأولى: أقلُّ ركَعاتِ صلاةِ الضُّحَىأقلُّ صلاةِ الضُّحى ركعتانِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 261)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/23). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/372)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/4). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/36). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/135)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/97). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أَوْصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتي الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنامَ قال ابن دقيق العيد: (وفي الحديث دليلٌ على استحباب صلاة الضحى، وأنَّها ركعتانِ، ولعلَّه ذكر الأقل الذي توجَّه التأكيد لِفِعْله) ((إحكام الأحكام)) (ص: 287). )) أخرجه البخاري (1981) واللفظ له، ومسلم (721). .2- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُصبِحُ على كلِّ سُلامَى من أحدِكم صدقةٌ؛ فكلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكَر صدقةٌ، ويُجزئ من ذلك رَكعتانِ يركعُهما من الضُّحى)) رواه مسلم (720). .ثانيًا: أنَّه لم يُنقَلْ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّاها دون الركعتينِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/249). .ثالثًا: أنَّ الركعتينِ أقلُّ ما يُشرَعُ في الصلواتِ غيرَ الوترِ؛ فلا يسنُّ للإنسانِ أن يتطوَّعَ بركعةٍ، ولا يُشرعُ له ذلك إلَّا في الوترِ قال ابن عثيمين: (ولهذا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرجُل الذي دخل وهو يخطُب يوم الجمعة: «قم فصلِّ ركعتين، وتجوَّز فيهما»، ولو كان يشرع شيء أقل من ركعتين؛ لأمرَه به من أجْل أن يستمع للخُطبة، ولهذا أمره النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يتجوَّز في الركعتين. ودليل ذلك أيضًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: أوصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثلاث: «صيام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتِرَ قبل أن أنام»، والصحيح: أن التطوُّع بركعة لا يصح). ((الشرح الممتع)) (4/84). .المسألةُ الثَّانية: أكثرُ ركَعاتِ صلاةِ الضُّحَى اختَلَف أهلُ العلمِ في أكثرِ صلاةِ الضُّحى على أقوالٍ، أقواها قولان:القول الأوّل: أنَّ أكثرَ صلاةِ الضَّحى ثماني ركَعاتٍ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/372)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/4). ، والشافعيَّة على المعتمَد ((المجموع)) للنووي (4/36)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/117). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/135). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:حديثُ أمِّ هانئ: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفتحِ صلَّى ثمانَ ركعاتٍ سُبحةَ الضُّحى)) رواه البخاري (1103) بمعناه، ومسلم (336) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا أكثر ما ورد مِن فِعْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأصلُ في العبادَةِ التوقُّفُ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/54). .القول الثاني: أنَّه لا حدَّ لأكثرِ صلاةِ الضُّحى، واختارَه ابنُ جريرٍ الطبريُّ قال ابنُ القيم: (قال ابن جرير:... والصواب: إذا كان الأمر كذلك: أن يُصلِّيها مَنْ أراد على ما شاء من العدد. وقد روي هذا عن قوم من السَّلف؛ حدَّثَنا ابن حميد، حدَّثَنا جرير، عن إبراهيم، سأل رجلٌ الأسودَ: كم أُصلِّي الضحى؟ قال: كما شئت). ((زاد المعاد)) (1/351، 352). ، وابنُ باز قال ابن باز: (لا حدَّ لأكثرها على الأصحِّ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/402). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الصحيح: أنه لا حدَّ لأكثرها؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله» أخرجه مسلم، ولم تُقيِّد، ولو صلَّى من ارتفاع الشمس قِيد رمح إلى قبيل الزوال أربعين ركعة مثلًا؛ لكان هذا كله داخلًا في صلاة الضحى.  ويجاب عن حديث أم هانئ بجوابينِ: الجواب الأول: أنَّ كثيرًا من أهل العلم قال: إنَّ هذه الصلاة ليست صلاة ضحى، وإنما هي صلاة فتْحٍ، واستحب للقائد إذا فتح بلدًا أن يُصلِّي فيه ثمانَ ركعات؛ شكرًا لله عزَّ وجلَّ على فتح البلد... الوجه الثاني: أنَّ الاقتصار على الثمانِ لا يستلزم أنْ لا يزيد عليها؛ لأنَّ هذه قضية عين، أرأيت لو لم يصلِّ إلا ركعتين، هل نقول: لا تزيد على ركعتين). ((الشرح الممتع)) (4/85، 86). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي الضُّحى أربعًا، ويَزيد ما شاءَ اللهُ)) رواه مسلم (719). .2- عن عَمرِو بنِ عَبسةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينة، فقدمتُ المدينةَ، فدخلتُ عليه، فقلتُ: أخبِرْني عن الصلاةِ، فقال: صلِّ صلاةَ الصُّبحِ، ثم أَقصِرْ عن الصَّلاةِ حين تطلُعُ الشمسُ حتى ترتفعَ؛ فإنَّها تطلُع حين تطلُع بين قرنَي شيطان، وحينئذٍ يَسجُد لها الكفَّارُ، ثم صلِّ؛ فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ، حتى يستقلَّ الظلُّ بالرُّمح)) رواه مسلم (832). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:في الحديثِ أنَّ صلاةَ الضُّحى لا حدَّ لأكثرِها؛ لأنَّه قال: ((ثمَّ صلِّ))، ولم يذكُرْ عددًا [3804] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/402). . انظر أيضا: المَطلَب الأوَّل: قيامُ اللَّيلِ. المَطلَبُ الثاني: صَلاةُ التَّراويحِ (قيامُ رَمضانَ). المَطلَبُ الثَّالِث: صلاةُ الوترِ. المَطلَبُ الخامس: صلاةُ التَّسْبيحِ (التَّسابيح) .

لا تُشرَعُ صلاةُ التسبيحِ قال الشربيني: (صلاةُ التَّسبيح، وهي أربع ركعات يقول فيها ثلثمئة مرةٍ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلهَ إلَّا الله، والله أكبر؛ بعد التحرُّم وقبل القراءة خمسة عشر، وبعد القراءة وقبل الركوع عشرًا، وفي الركوع عشرًا، وكذلك في الرفع منه، وفي السجود والرفع منه، والسجود الثاني؛ فهذه خمس وسبعون في أربعٍ بثلثمئة) ((مغني المحتاج)) (1/225). وسُمِّيت (صلاة التسبيح) وأُضيفت إليه لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة؛ ولأنَّه المقصود منها. يُنظر: ((تهذيب الأسماء واللغات)) للنووي (3/144)، ((حاشية البجيرمي على شرح الخطيب)) (1/427). ، وهو مذهبُ الحَنابِلَةِ ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/404)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/250)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/444)، وينظر: ((المغني)) (2/98)، ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 89). قال المرداوي: (المنصوص هو الصَّحيح، وعليه الأكثر، قال الشيخ تقي الدين: نص أحمد وأئمَّة أصحابه على كراهتها، وقدَّمه في الرعايتين، وقاله القاضي وغيره). ، وقولٌ للحنفيَّة قال ابنُ نجيم: (في الخلاصة: الفقيه هل يُصلِّي صلاة التسبيح؟ قال: ذلك طاعة العامَّة، قيل له: فلان الفقيه يُصلِّيها؟ قال: هو عندي من العامَّة). ((البحر الرائق)) (8/235). ، وهو اختيارُ ابنِ العربيِّ قال ابنُ العربي: (أمَّا حديث أبي رافع في قِصَّة العباس فضعيف، ليس له أصلٌ في الصحة ولا في الحُسن، وإنْ كان غريبًا في طريقه غريبًا في صِفته، وما ثبت بالصحيح يُغنيك عنه). ((عارضة الأحوذي)) (2/266). وقال النوويُّ: (قال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديثٌ يثبت، وكذا ذكر أبو بكر بن العربي وآخرون أنَّه ليس فيها حديثٌ صحيح ولا حسن). ((المجموع)) (4/55). ، وابنِ تَيميَّة قال ابنُ تيمية: (أجودُ ما يُروى من هذه الصلوات حديث صلاة التسبيح، وقد رواه أبو داود والترمذي، ومع هذا فلم يقُلْ به أحد من الأئمَّة الأربعة؛ بل أحمد ضعَّف الحديث ولم يستحبَّ هذه الصلوات، وأمَّا ابن المبارك فالمنقول عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإن الصلاة المرفوعة إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس فيها قعدةٌ طويلة بعد السَّجدة الثانية، وهذا يخالف الأصول؛ فلا يجوز أن تثبت بمِثل هذا الحديث. ومَن تدبَّر الأصول علِم أنه موضوع، وأمثال ذلك؛ فإنَّها كلها أحاديث موضوعة مكذوبة باتِّفاق أهل المعرفة، مع أنها توجد في مثل كتاب أبي طالب، وكتاب أبي حامد، وكتاب الشيخ عبد القادر؛ وتوجد في مِثل أمالي أبي القاسم بن عساكر، وفيما صنَّفه عبد العزيز الكناني، وأبو علي بن البنا، وأبو الفضل بن ناصر وغيرهم). ((مجموع الفتاوى)) (11/579). وقال أيضًا: (كل صلاة فيها الأمْرُ بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح، فهي كذبٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحديث، إلَّا صلاة التسبيح فإنَّ فيها قولين لهم، وأظهر القولين أنَّها كذب وإن كان قد اعتقد صِدقَها طائفةٌ من أهل العلم؛ ولهذا لم يأخذها أحدٌ من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمَّة الصحابة كرهوها وطعنوا في حديثها، وأمَّا مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يَسمعوها بالكليَّة، ومَن يستحبُّها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنَّما هو اختيارٌ منهم لا نقلٌ عن الأئمَّة، وأمَّا ابن المبارك فلم يستحِبَّ الصفةَ المذكورة المأثورة التي فيها التسبيحُ قبل القيام، بل استحبَّ صفة أخرى توافِقُ المشروعَ؛ لئلَّا تثبت سُنَّة بحديث لا أصل له). ((منهاج السنة النبوية)) (7/315). ، وابنِ حجرٍ العسقلانيِّ قال ابن حجر: (قال أبو جعفر العقيليُّ: ليس في صلاة التسبيح حديثٌ يثبت. وقال أبو بكر بن العربي: ليس فيها حديثٌ صحيح، ولا حسن. وبالَغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات. وصنَّف أبو موسى المديني جزءًا في تصحيحه، فتباينَا! والحقُّ: أنَّ طُرقه كلها ضعيفة. وإن كان حديث ابن عباس يقرُب مِن شَرْطِ الحسن؛ إلا أنه شاذٌّ لشدة الفرديَّة فيه، وعدم المُتابِع والشَّاهد من وجه معتبَر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز، وإنْ كان صادقًا صالحًا فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعَّفها ابن تيمية، والمِزي، وتوقَّف الذهبي. حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه، وقد اختلف كلامُ الشيخ محيي الدين فوهَّاها في شرح المهذب؛ فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر؛ لأنَّ فيها تغييرًا لهيئة الصلاة المعروفة، فينبغي ألَّا تُفعلَ وليس حديثها بثابت. وقال في تهذيب الأسماء واللغات: قد جاء في صلاة التسبيح حديثٌ حسن في كتاب الترمذي، وغيره. وذكره المحامليُّ وغيره من أصحابنا: وهي سُنَّة حسنة. ومال في الأذكار أيضًا إلى استحبابه. قلت: بل قوَّاه، واحتجَّ له. والله أعلم) ((التلخيص الحبير)) (2/14). ، والشوكانيِّ قال الشوكاني: (العجب من المصنِّف حيث يعْمَد إلى صلاة التسبيح التي اختلف الناس في الحديث الوارد فيها، حتى قال مَن قال من الأئمَّة: إنه موضوع، وقال جماعة: إنَّه ضعيف لا يحلُّ العمل به، فيجعلها أول ما خصَّ بالتخصيص، وكل من له ممارسة لكلام النبوَّة لا بدَّ أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد، وقد جعل اللهُ في الأمر سَعةً عن الوقوع فيما هو متردِّد ما بين الصحة والضعف والوضع، وذلك بملازمة ما صحَّ فِعلُه أو الترغيبُ في فِعله صحَّةً لا شكَّ فيها ولا شُبهة، وهو الكثير الطيب). ((السيل الجرار)) (ص: 200). ، وابنِ باز قال ابن باز: (حديث صلاة التسبيح موضوعٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/230). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (صلاة التسبيح وردتْ فيها أحاديث عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حسَّنها بعض أهل العلم، واعتبروها، وعملوا بها، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنها أحاديثُ ضعيفةٌ لا تقوم به حُجَّة؛ كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله... والأصل في العبادة الحظر إلَّا ما قام الدليل الصحيح على مشروعيَّته، وفيما صحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من النوافل ما يكفي عن مثل هذه الصلاة المختَلف فيها، وإذا تأمَّل الإنسان متنها، وما رُتِّب عليها من الثواب تبيَّن له أنَّه شاذ؛ لمخالفته لصفات الصلاة المعهودة في الشرع؛ ولأنَّ الثواب مرتَّب على فِعلها في الأسبوع، أو في الشهر، أو في السَّنة، أو في العمر وهو غريبٌ في جزاء الأعمال أنْ يتَّفق الثواب مع تبايُن الأعمال هذا التباين، فالصواب في هذه المسألة: أنَّ صلاة التسبيح غير مشروعةٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّه لم يثبُتْ في صلاةِ التَّسبيحِ حديثٌ ((المجموع)) للنووي (4/54)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (7/315)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324). ، والأصل في الصلاةِ الحظرُ إلَّا ما قامَ عليها دليلٌ صحيحٌ.ثانيًا: أنَّ في صلاةِ التسبيحِ تغييرًا لنَظمِ الصلاةِ المعروفِ، بما يُخالِفُ الصلاةَ المرفوعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (1/183). ((المجموع)) للنووي (4/54)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/579)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324). .ثالثًا: أنَّه بتأمُّل ما ترتَّبَ عليها من الثَّوابِ يَتبيَّن أنَّه شاذٌّ؛ لمخالفتِه لصفاتِ الصَّلاةِ المعهودةِ في الشَّرعِ؛ ولأنَّ الثوابَ مُرتَّبٌ على فِعلها في الأسبوعِ، أو في الشهرِ، أو في السَّنَة، أو في العُمر، وهو غريبٌ في جزاءِ الأعمالِ؛ أن يتَّفقَ الثوابُ مع تبايُن الأعمالِ هذا التبايُنَ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/323، 324). .رابعًا: أنَّه لو كانتْ هذه الصلاة مشروعةً لنُقلت للأمَّة نقلًا لا ريبَ فيه، واشتهرتْ بينهم؛ لعظمِ فائدتِها، ولخروجِها عن جِنس العباداتِ قال ابن عثيمين: (فإنَّنا لا نعلم عبادةً يُخيَّر فيها هذا التخير، بحيث تُفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العُمر مرة، فلمَّا كانت عظيمة الفائدة... ولم تشتهرْ، ولم تُنقل، عُلِم أنه لا أصل لها؛ وذلك لأنَّ ما خرج عن نظائره، وعظمت فائدته فإنَّ الناس يهتمون به وينقلونه، ويَشيعُ بينهم شيوعًا ظاهرًا، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة عُلِم أنها ليست مشروعة؛ ولذلك لم يستحبَّها أحدٌ من الأئمَّة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله تعالى- وإنَّ فيما ثبتت مشروعيته من النوافل لخير وبركة لمن أراد المزيد، وهو في غِنًى بما ثبت عمَّا فيه الخلاف والشبهة، والله المستعان). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/327). . انظر أيضا: المَطلَب الأوَّل: قيامُ اللَّيلِ. المَطلَبُ الثاني: صَلاةُ التَّراويحِ (قيامُ رَمضانَ). المَطلَبُ الثَّالِث: صلاةُ الوترِ. المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ الضُّحى .