الفَرْعُ الأولى: فَضلُ سُنَّة الفَجرِسُنَّةُ الفجرِ هي آكَدُ السُّننِ الرَّواتبِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/177)، ((البناية)) للعيني (2/546). ، والمالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/14)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/318). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/25، 26)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (1/491). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (2/368)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/125). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن عائشةَ رضِي الله عنها، قالت: ((لم يكُنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شيءٍ مِن النوافلِ أَشدَّ تعاهُدًا منْه على رَكعتَي الفجرِ)) رواه البخاري (1169)، ومسلم (724) .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ركعتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها قال القاري: («ركعتَا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها»، أي: في الدنيا من المالِ والجاه، وما هو دُنيويٌّ، لا الأعمال الصالحة الصادرة من عِباده، وقال الطِّيبي: إنْ حُمل الدنيا على أعراضها وزهرتها، فالخير إمَّا مجرى على زعْم مَن يرى فيها خيرًا، أو يكون من باب: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا **مريم: 73**، وإنْ حُمل على الإنفاق في سبيل الله، فتكون هاتان الركعتان أكثرَ ثوابًا منهما). ((مرقاة المفاتيح)) (3/892). وقال ابن عثيمين: (دليل آكديتها: قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»، الدنيا منذُ خُلقت إلى قيام الساعة بما فيها من كلِّ الزخارف من ذهب وفضة، ومتاع وقصور ومراكب، وغير ذلك، هاتان الركعتان خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ لأنَّ هاتين الركعتين باقيتانِ، والدنيا زائلة). ((الشرح الممتع)) (4/70). ))، وقال أيضًا: ((لهُما أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعًا)) رواه مسلم (725). .3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالتْ: ((صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ، ثم صلَّى ثمانيَ ركعاتٍ، وركعتينِ جالسًا، وركعتينِ بين النِّداءينِ، ولم يكُن يَدَعُهما أبدًا قال ابن القيِّم: (وكان تعاهدُه ومحافظتُه على سُنَّة الفجر أشدَّ من جميع النوافل؛ ولذلك لم يكُن يدعها هي والوتر سفرًا وحضرًا، وكان في السَّفر يواظب على سُنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السُّنن، ولم ينقل عنه في السفر أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى سنة راتبة غيرهما). ((زاد المعاد)) (1/315). وقال أيضًا: (سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: سُنة الفجر تَجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته؛ ولذلك كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص: [قُلْ يَا أيُّهَا الكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]، وهما الجامعتان لتوحيدِ العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد). ((زاد المعاد)) (1/316). )) رواه البخاري (1159). .الفَرْعُ الثَّاني: صِفةُ سُنَّة الفجرِ، وما يُقرَأُ فيها والاضطجاع بعدها المسألة الأولى: صِفةُ سُنَّةِ الفجرِ يُسنُّ تخفيفُ سُنَّةِ الفجرِ ((المجموع)) للنووي (4/27)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/70). . الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخفِّفُ الركعتينِ اللَّتينِ قَبلَ صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قرأَ بأمِّ الكتابِ؟ تعني: من شدة تخفيفه إياهما. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/70). )) رواه البخاري (1171) واللفظ له، ومسلم (724). .2- وعنها أيضًا، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي ركعتَي الفجرِ إذا سمِعَ الأذانَ، ويُخفِّفُهما)) رواه مسلم (724). .المسألة الثانية: ما يقرأُ في سُنَّةِ الفجرِيُسنُّ أن يَقرأَ في الركعة الأولى بـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ [الكافرون]، وفي الثَّانية: بــــــ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، أو في الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ... [البقرة: 136] الآية في سورة البقرة، وقُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا... [آل عمران: 52] الآية في سورة آل عِمرانَ ((المجموع)) للنووي (4/27)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/70). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرأَ في ركعتَي الفجرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) رواه مسلم (726). .2- عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في ركعتيِ الفجرِ: قولُوا آمنَّا باللهِ وما أُنزِل إلينا. [البقرة: 136]، والتي في آلِ عمرانَ: تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بينَنا وبينَكم [آل عمران: 64])) رواه مسلم (727). . وفي رواية: عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كان يقرأُ في ركعتَي الفجرِ في الأُولى منهما: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة: 136] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52])) رواه مسلم (727). .المسألة الثَّالثة: الاضطجاعُ بَعدَ سُنَّةِ الفَجرِاختلف أهلُ العِلمِ في حكم الاضطجاعِ بعدَ ركعتَي الفجرِ على أقوالٍ، أقواها قولان:القول الأوّل: يُسنُّ الاضطجاعُ وقيَّده بعضُ السَّلف بالبيتِ دون المسجدِ؛ قال ابنُ حجر: (ذهَب بعضُ السَّلفِ إلى استحبابِها في البيتِ دون المسجد، وهو محكيٌّ عن ابنِ عُمرَ، وقوَّاه بعضُ شيوخنا بأنَّه لم يُنقل عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه فَعله في المسجد، وصحَّ عن ابن عُمر أنَّه كان يَحصِبُ مَن يفعله في المسجد؛ أخرجه ابن أبي شَيبة) ((فتح الباري)) (3/44). وقد سُئِل ابن باز: هل الاضطجاع بعدَ سُنَّة الفجر في المسجد أم في البيت؟ فأجاب: (لا بل في البيت, وفي المسجد لا يضطجع) ((مسائل ابن باز رحمه الله)) لعبد الله الروقي (المجموعة الثانية ص 34). بعدَ ركعتَي الفجرِ اختار بعضُ أهل العلم أنَّ هذا خاصٌّ بمَن يقوم الليل. قال ابنُ العربي: (ولا يضطجع بعد ركعتي الفجر بانتظار الصلاة إلَّا أن يكون قام الليل، فيضطجع استجمامًا لصلاة الصبح، فلا بأسَ به؛ فقد كان يضطجع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد كان لا يضطجع) ((عارضة الأحوذي)) (2/216). وقال ابن تيمية: (كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلي بالليل ويوتر، ثم إذا طلع الفجر صلَّى الركعتين ثم صلى الفرض، وكان يضطجع أحيانًا؛ ليستريح إمَّا بعد الوتر وإمَّا بعد ركعتي الفجر) ((مجموع الفتاوى)) (23/203-204). وقال أحمد شاكر: (الأحاديث الواردة في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ظاهرٌ منها أنَّ المراد بها أن يستريحَ المصلِّي بعد طول صلاة الليل؛ لينشط لفريضة الصلاة). ((المحلى)) بتحقيقه (3/200)، وينظر أيضا تعليقه على ((سنن الترمذي)) (2/282). وقال ابنُ عثيمين: (أصحُّ ما قيل في هذا: ما اختاره شيخُ الإسلام ابنُ تيمية، وهو التفصيل، فيكون سُنَّة لمن يقوم الليل؛ لأنه يحتاج إلى أن يستريح). ((الشرح الممتع)) (4/72). ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة يُسن عند الشافعيَّة أنْ يضطجع بعد سُنَّة الفجر قبل الفريضة فإنْ لم يفعل فَصَلَ بينهما. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/27)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/338). ، والحنابلةِ على الأصحِّ ((الفروع)) لابن مفلح (2/368)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/237). ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلفِ قال ابنُ قُدامةَ: (يُستحبُّ أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جنبِه الأيمن، وكان أبو موسى ورافع بن خديج، وأنس بن مالك يَفعلونه). ((المغني)) (2/94). وقال العراقي: (فيه استحبابُ الاضطجاع بعد ركعتي الفجر وهو مذهب الشافعيَّة والحنابلة، وروى ابنُ أبي شيبة في مصنفه فِعله عن أبي موسى الأشعريِّ، ورافع بن خديج، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، ومحمد بن سيرين، وعروة بن الزبير، وذكر ابنُ حزم أنَّ عبد الرحمن بن زيد حكاه في كتاب السَّبعة عن الفقهاء السبعة، وهم: سعيد بن المسيَّب، والقاسم بن محمَّد، وعروة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعُبَيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وسليمان بن يسار، وحكَى ابنُ حزم أيضًا عن أبي الدرداء أنه قال: أفصلُ بضجعةٍ بين صلاة الليل وصلاة النهار). ((طرح التثريب)) (3/51، 52). .الأدلة من السُّنَّة:1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ اضطجَعَ على شِقِّه الأيمنِ)) رواه البخاري (1160). .2- وعن عائشةَ رضى الله عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي فذكرتْ صلاةَ الليلِ، ثم قالت: فإذا سكَتَ المؤذِّنُ من صلاة الفجرِ، وتبيَّن له الفجرُ، قام فركَعَ ركعتينِ خفيفتينِ، ثم اضطجعَ على شِقِّه الأيمنِ، حتى يأتيَه المؤذِّنُ للإقامةِ)) رواه البخاري (626)، ومسلم (736). .القول الثاني: لا يُشرَعُ الاضطجاعُ بعدَ ركعتي الفجر، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/20، 21)، وينظر: ((العقود الدرية)) لابن عابدين (1/7، 6). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/384)، وينظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (2/75). ، وروايةٌ عن أحمد قال المرداويُّ: (وعنه لا يُستحبُّ). ((الإنصاف)) (2/126). وقال ابنُ قُدامةَ: (ورُوي عن أحمد: أنه ليس بسُنَّة؛ لأنَّ ابن مسعود أنكره). ((المغني)) (2/94). وقال الأثرم: (سُئل أحمد بن حنبل وأنا أسمعُ عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، فقال: ما أفعله أنا، فإن فَعَله رجل، ثم سكت كأنَّه لم يَعِبْه، قيل له: لمَ لمْ تأخذْ به؟ قال: ليس فيه حديثٌ يثبت). انظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (3/54). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف عن الحسَن: (أنه كان لا يُعجبه الاضطجاعُ بعد ركعتي الفجر). ((عمدة القاري)) للعيني (7/219). قال ابنُ عبد البَرِّ: (ذكَر أبو بكر الأثرم من وجوه، عن ابن عمر، أنَّه أنكره، وقال: إنَّها بدعة، وعن إبراهيم وأبي عُبَيدة وجابر بن زيد أنَّهم أنكروا ذلك). ((التمهيد)) (8/126). وقال ابنُ قُدامةَ: (أنكره ابن مسعود، وكان القاسم، وسالم، ونافع لا يَفعلونه. واختُلِف فيه عن ابن عمر). ((المغني)) (2/94). وقال العيني: (وممَّن كره ذلك من التابعين: الأسود بن يزيد، وإبراهيم النخعي: وقال: هي ضجعةُ الشيطان، وسعيد بن المسيَّب، وسعيد بن جُبَير، ومن الأئمَّة: مالك بن أنس، وحكاه القاضي عياضٌ عنه وعن جمهورِ العلماء). ((عمدة القاري)) (7/219). وقال العراقيُّ: (عن سعيد بن المسيَّب ما بال أحدكم إذا صلَّى الركعتين يتمرَّغ؟! يكفيه التسليم، وعن سعيد بن جبير النهيُ عنها، وعن الحسن البصري أنَّه كان لا يُعجبه ذلك، وعن الأسود بن يَزيد أنه كان إذا صلَّى ركعتي الفجر احتبَى. وحكى ابن عبد البر إنكارَ الضجعة أيضًا عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، وجابر بن زيد، وحكاه القاضي عياضٌ عن مالك وجمهورِ العلماء). ((طرح التثريب)) (3/53). ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ قال ابن بَطَّال: (وذهَب جمهورُ العلماء إلى أنَّ هذه الضجعة إنما كان يفعلها للراحةِ مِن تعَبِ القيام، وكرهوها) ((شرح صحيح البخاري)) (3/151). ، واختارَه ابنُ بَطَّالٍ قال ابن بطَّال: (هذا الحديثُ يُبيِّن أنَّ الضجعة ليست بسُنَّة، وأنها للراحة، فمَن شاء فعلها ومَن شاء تركها، ألا ترى قولَ عائشة: فإن كنتُ مستيقظةً حدَّثني وإلَّا اضطجع؛ فدلَّ أن اضطجاعه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما كان يفعله إذا عدم التحدُّث معها؛ ليستريح من تعِبِ القيام، وفي سماع ابن وهب، قيل: فمَن ركع ركعتي الفجر؛ أيضطجع على شقه الأيمن؟ قال: لا، يُريد لا يفعله استنانًا؛ لأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يجعله استنانًا، وكان ينتظر المؤذِّن حتى يأتيه) ((شرح صحيح البخاري)) (3/152). ، وعليه فتوى اللَّجنة الدَّائمة يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية)) (11/21). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي بالليلِ إحْدَى عَشرةَ ركعةً يُوتِر منها بواحدةٍ، فإذا فرَغ اضطجَعَ على شِقِّه الأيمنِ، حتى يأتيَه المؤذِّنُ فيُصلِّي ركعتينِ خفيفتينِ)) رواه مسلم (736). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ مَخرجُه واحدٌ، فإذا ترجَّح أنَّ الاضطجاعَ المذكورَ فيه إنَّما كان قبلَ أذان الفجرِ، ولم يقلْ أحدٌ: إنَّ هذا الاضطجاع سُنَّة، فكذا الاضطجاعُ بعدَ الركعتينِ قال العراقيُّ: (جواب هذا من وجهين: أحدهما: أنَّ رواية مالك في هذا هي المرجوحة؛ فإنَّ سائر الرواة عن الزهري وغيره إنما ذكروا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، فكانت تلك الرواية شاذَّةً؛ لمخالفتها لأكثرِ الرِّوايات الصحيحة... قال البيهقيُّ عقب ذِكر الروايتين: (والعدد أَوْلى بالحفظ من الواحد)... وذكر ابن عبد البر أنَّ أهل الحديث أَنكروا على مالكٍ روايتَه الاضطجاعَ قبل الفجر، وخالفه أصحابُ الزهري كلُّهم فجعلوا الاضطجاعَ بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر. ثانيهما: بتقدير صِحَّة رواية مالك، فلا تنافي بين الروايتين؛ فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يضطجع مرَّتين؛ إحداهما: بعد الوتر للاستراحةِ من طول القيام، وهو الذي رواه مالك، والثانية: بعد ركعتي الفجر للنَّشاط لصلاة الصبح والتطويلِ فيها، وهو الذي رواه الأكثرون؛ قال ابنُ عبد البَرِّ: ويمكن أن يكونَ اضطجاعه مرةً كذا ومرةً كذا). ((طرح التثريب)) (3/54، 55). .2- عن عائشةَ رضى الله عنها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ، فإنْ كنتُ مستيقظةً حدَّثَني وإلَّا اضطجعَ قال النوويُّ: (وقولها: «حدَّثني وإلَّا اضطجع» يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يضطجع يسيرًا ويُحدِّثها، وإلَّا فيضطجع كثيرًا. والثاني: أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعض الأوقات القليلة كان يترك الاضطجاع؛ بيانًا لكونه ليس بواجبٍ، كما كان يترك كثيرًا من المختارات في بعض الأوقات بيانًا للجوازِ، كالوضوء مرةً مرةً، ونظائره، ولا يلزم من هذا أن يكون الاضطجاع وتركه سواء، ولا بدَّ من أحد هذين التأويلين للجمْع بين هذه الرواية ورِوايات عائشة السابقة، وحديث أبي هريرة المصرِّح بالأمْرِ بالاضطجاع). ((المجموع)) (4/29). )) رواه البخاري (1161)، ومسلم (743). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ هذا يدلُّ على أنه ليس سُنَّةً، فتارةً كان يَضطجِعُ قبلُ، وتارةً بعدُ، وتارةً لا يضطجعُ ((طرح التثريب)) للعراقي (3/55). . ثانيًا: أنَّ الاضطجاعَ - على تقديرِ ثُبوتِه - لم يكن على سبيلِ القُربة، وإنَّما هو من الأفعالِ الجِبليَّة التي كان يفعلها للاستراحةِ وإجمام البَدنِ، لا سيَّما على مذهبِ مَن يرى أنَّ الفعل المجرَّد إنَّما يدلُّ على الإباحةِ خاصَّةً ((طرح التثريب)) للعراقي (3/54، 55). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: سُنَّة الظُّهرِ. المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر. المطلب الرابع: سُنَّةُ المغربِ. المطلب الخامسُ: سُنَّة العِشاءِ.

الفَرْعُ الأول: فَضْلُ سُنَّةِ الظُّهرِ1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا، قالت: ((إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يدَعُ أربعًا قبل الظُّهر، وركعتَين قبل الغَداةِ)) رواه البخاري (1182)، ومسلم (730). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ السَّائبِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي أربعًا بعد أن تزولَ الشمسُ قبل الظهرِ، وقال: إنَّها ساعةٌ تُفتَحُ فيها أبوابُ السَّماء؛ فأحبُّ أن يَصعَدَ لي فيها عملٌ صالحٌ)) رواه الترمذي (478)، وأحمد (3/411) (15433)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (1/145) (331). قال الترمذيُّ: حسنٌ غريب. وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/436)، وقال ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/393): كل رجاله احتجَّ بهم في الصحيح. وحسَّنه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/6)، وقال: وله شاهد، وصحَّحه أحمدُ شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/343)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (478)، وحسَّنه على شرط مسلم الوادعي في ((الصحيح المسند)) (568). .عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي قبلَ الظهر أربعًا، وبعدَها ركعتينِ)) رواه الترمذي (424)، والنسائي (874)، وابن ماجه (1161) حسَّنه الترمذي، واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (2/250)، وحسَّنه الضياء المقدسيُّ في ((السنن والأحكام)) (2/254)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (424). .الفَرْعُ الثَّاني: راتبةُ الظُّهرِسبَق بحثُها في عددِ السُّنن الرَّواتبِ، وهي أربعُ رَكَعاتِ قبل الظُّهرِ، وركعتانِ بعدَها. انظر أيضا: المطلب الأوَّل: سُنَّةُ الفَجرِ. المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر. المطلب الرابع: سُنَّةُ المغربِ. المطلب الخامسُ: سُنَّة العِشاءِ.

ليس للعصرِ سُنَّةٌ راتبة مؤكَّدة، وإنْ كان يُستحَبُّ الصلاةُ قبلها، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/13)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/441). ، والمالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/3)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/498). ، والشافعيَّة السنن الرَّاتبة المؤكَّدة عند الشافعيَّة قاصرةٌ على عشرة ركَعات، ليس منها سُنَّة صلاة العصر، وإنْ كانت من جملة السُّنن الراتبة لا المؤكَّدة. يُنظر: ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/222)، ((البيان)) للعمراني (2/263). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/424)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/93، 95). قال العيني: (وممَّن كان يصلِّيها أربعًا من الصحابة: عليُّ بن أبي طالب، وقال إبراهيمُ النَّخَعي: كانوا يصلُّون أربعًا قبل العصر، ولا يرونها من السُّنة، وممَّن كان لا يُصلي قبل العصر شيئًا: سعيد بن المسيَّب، والحسن البصري، وسعيد بن منصور، وقيس بن أبي حازم، وأبو الأحوص، وسُئِل الشعبي عن الركعتين قبل العصر؟ فقال: إنْ كنتَ تعلم أنك تُصلِّيهما قبل أن تُقيم فصلِّ، وكلام الشعبي يدلُّ على أنهم كانوا يعجِّلون صلاة العصر، وأنَّ مَن ترك الصلاة قبلها إنما كان خشيةَ أن تُقام الصلاة وهو في النافلة، وقال محمَّد بن جرير الطبري: والصواب عندنا أنَّ الأفضل في التنفُّل قبل العصر بأربع ركعات؛ لصحَّة الخبرِ بذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((عمدة القاري)) (7/235). .الأدلَّة:أوَّلًا: دليل مشروعيَّةِ الصلاةِ قبلَ صلاةِ العصرِعن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاءَ)) رواه البخاري (627)، ومسلم (838). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّه يُصلَّى قبلَ العصرِ، فيما بين الأذانِ والإقامةِ قال ابن تيمية: (ثبَت عنه في الصَّحيح أنَّه قال: «بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانين صلاةٌ، بين كلِّ أذانين صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء»؛ ففي هذا الحديث: أنَّه يُصلِّي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء. وقد صحَّ أنَّ أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يُصلُّون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين، والنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يراهم فلا ينهاهم، ولم يَكره فِعل ذلك. فمِثل هذه الصلوات حسنةٌ ليس سُنَّة؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كره أن تُتَّخذ سُنَّةً، ولم يكن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء، فلا تُتَّخذ سُنَّة، ولا يكره أن يُصلي فيها، بخلاف ما فَعَله ورغَّب فيه، فإن ذلك أوكدُ مِن هذا. وقد رُوي «أنَّه كان يُصلِّي قبل العصر أربعًا»، وهو ضعيف. ورُوي «أنه كان يُصلِّي ركعتينِ»، والمراد به الركعتانِ قبل الظهر). ((مجموع الفتاوى)) (23/123، 124). وينظر: ((الاختيارات الفقهية)) (ص 428). .ثانيًا: أدلَّةُ كون سُنَّةَ العصرِ ليستْ من السُّننِ الرواتبِأوَّلًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((حفظتُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عشرَ ركعاتٍ؛ ركعتَينِ قبل الظُّهرِ، وركعتينِ بعدَها، وركعتينِ بعدَ المغربِ في بيتِه، وركعتينِ بعدَ العِشاءِ في بيتِه، وركعتينِ قبلَ الصُّبحِ، كانتْ ساعةً لا يَدخُلُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها، حدَّثَتْني حفصةُ، أنَّه كان إذا أذَّنَ المؤذِّنُ وطلَعَ الفجرُ صلَّى ركعتينِ)) رواه البخاري (1180)، ومسلم (729). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما- راوي هذا الحديثِ- لم يَجعلْ سُنَّةَ العصرِ من السُّننِ الرَّواتبِ، ولو كانت منها لعدَّها ((المغني)) لابن قدامة (2/93)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/312). .2- قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها عن تطوُّعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كان يُصلِّي في بيتي قبلَ الظهرِ أربعًا، ثم يخرُجُ فيُصلِّي بالناسِ، ثم يَدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، وكان يُصلِّي بالناسِ المغربَ، ثم يَدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، ويُصلِّي بالناسِ العِشاءَ، ويدخُلُ بيتي فيُصلِّي ركعتينِ.... وكان إذا طلَعَ الفجرُ صلَّى ركعتينِ)) رواه مسلم (730). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ تطوُّعَ العصرِ لم يُذكَرْ ضِمنَ السُّننِ الرَّواتبِ ((شرح أبي داود)) للعيني (5/163). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُحفَظْ أنَّه كان يُصلِّي قبلَ العصر، فضلًا أنْ يكونَ قد داومَ عليها كالسُّننِ الرَّواتبِ قال الجوينيُّ: (على الجملة: المتَّفق عليه آكدُ ممَّا تطرَّق الخلاف إليه، ولم يصحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المواظبةُ على صلاة قبل فريضة العصر حسَب ما كان يواظب على سُنَّة الظهر قبله وبعده). ((نهاية المطلب)) (2/349). وقال ابنُ القيِّم: (لم يُنقل عنه أنه كان يُصلِّي قبل العصر حديثٌ صحيح، وفي السُّنن عنه أنه قال: «رحِم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا»). ((الصلاة وأحكام تاركها)) (ص: 172). وقال أيضًا: (وأمَّا الأربع قبل العصر، فلم يصحَّ عنه عليه السلام في فِعلها شيء إلَّا حديث عاصم بن ضَمرة عن عليٍّ الحديث الطويل، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كان يُصلِّي في النهار ستَّ عشرةَ ركعةً»...، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يُنكر هذا الحديثَ ويدفعه جدًّا، ويقول: إنه موضوع. ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكارَه). ((زاد المعاد)) (1/311)، وينظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (2/258)، ((شرح أبي داود)) للعيني (5/163)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/222). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: سُنَّةُ الفَجرِ. المطلب الثَّاني: سُنَّة الظُّهرِ. المطلب الرابع: سُنَّةُ المغربِ. المطلب الخامسُ: سُنَّة العِشاءِ.

الفَرْعُ الأول: سُنَّةُ المغربِ القَبليَّةيُندَبُ صلاةُ ركعتينِ قبلَ صلاةِ المغربِ قال ابن حجر: (رُوي عن ابن عمرَ، قال: "ما رأيتُ أحدًا يُصلِّيهما على عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، وعن الخلفاء الأربعة وجماعةٍ من الصحابة أنَّهم كانوا لا يُصلونهما، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ، وادَّعى بعض المالكيَّة نسخهما، فقال: إنما كان ذلك في أوَّل الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرُبَ الشمس، فبيَّن لهم بذلك وقتَ الجواز، ثم ندَب إلى المبادرة إلى المغرب في أوَّل وقتها، فلو استمرَّت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعةً إلى مخالفة إدراك أوَّل وقتها. وتُعقب بأنَّ دعوى النَّسخ لا دليلَ عليها. والمنقول عن ابن عُمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبِتة مُقدَّمة على نفيه، والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيرُه من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطع، ولو ثبَت لم يكن فيه دليلٌ على النَّسخ ولا الكراهة). ((فتح الباري)) (2/108). وقال أيضًا: (قيل: والحِكمة في النَّدب إليهما رجاءَ إجابة الدعاء؛ لأنَّ الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردُّ، وكلما كان الوقت أشرفَ كان ثوابُ العبادة فيه أكثر). ((فتح الباري)) (2/109). ، وليستْ سُنَّةً راتبةً، وهذا مذهبُ الشافعيَّة على الصَّحيح ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/223)، وينظر: ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/218)، ((شرح النووي على مسلم)) (6/9). ، وبعضِ الحنفيَّةِ ((حاشية ابن عابدين)) (2/14)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/266). ، والظاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (2/24). ، وروايةٌ عن أحمد (الإنصاف)) للمرداوي (1/299). ، وبه قال أصحابُ الحديثِ قال ابنُ حجر: (وإلى استحبابهما ذهَب أحمدُ، وإسحاقُ، وأصحاب الحديث). ((فتح الباري)) (2/108). ، وطائفةٌ من السَّلفِ فقد رُوي أنَّ عددًا من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يُصلُّون ركعتين قبل المغرب، منهم: عبد الرحمن بن عوف، وأُبيُّ بن كعب، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقَّاص، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/23-24). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيمية: (إنَّ السنَّة قبل العصر وقبل المغرب وقبل العِشاء صلاةٌ حسنة ليست سنَّة؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كره أن تُتَّخذ سنَّة، ولم يكن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلِّي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء؛ فلا تُتَّخذ سنة). ((مجموع الفتاوى)) (23/124) ، وابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (أمَّا الركعتان قبل المغرب، فإنه لم يُنقل عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه كان يُصلِّيهما، وعنه أنه أقرَّ أصحابه عليهما، وكان يراهم يصلُّونهما، فلم يأمرْهم ولم ينههم، وفي "الصحيحين" عن عبد الله المزني، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنه قال: «صلُّوا قبل المغربِ، صلُّوا قبل المغرب، قال في الثالثة: لِمَن شاءَ؛ كراهة أن يتَّخذها الناس سُنَّةً»، وهذا هو الصواب في هاتين الركعتين؛ أنَّهما مستحبَّتان مندوب إليهما، وليستَا راتبةً كسائر السنن الرواتب). ((زاد المعاد)) (1/312). ، وابنُ حجرٍ قال ابن حجر: (مجموع الأدلَّة يُرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر). ((فتح الباري)) (2/109). ، والصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلُّوا قبل المغرب، صلُّوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء؛ كراهية - أي: لكراهية - أن يتَّخذها الناس "سُنَّة"»، أي: طريقة مألوفة لا يتخلَّفون عنها؛ فقد يؤدِّي إلى فوات أوَّل الوقت، "رواه البخاري"، وهو دليل على أنَّها تُندب الصلاة قبل صلاة المغرب؛ إذ هو المراد من قوله: "قبل المغرب"، لا أنَّ المراد قبل الوقت لِمَا عُلم من أنه منهيٌّ عن الصلاة فيه، "وفي رواية لابن حبَّان"، أي: من حديث عبد الله المذكور: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى قبل المغرب ركعتين"، فثبت شرعيتهما بالقولِ والفعل). ((سبل السلام)) (2/5). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (الحقُّ أنَّ الأحاديثَ الواردة بشرعيَّة الركعتين قبل المغرب مخصِّصة لعموم أدلَّة استحباب التعجيل). ((نيل الأوطار)) (2/10). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (يستحبُّ أن يُصلِّي قبل المغرب ركعتين بعد غروب الشَّمس) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/276). , والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (ولا يُنافي ذلك صلاةُ الركعتين قبل المغرب؛ لثبوتهما عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولًا وإقرارًا؛ قال عليه السلام: «بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء») ((الثمر المستطاب)) (1/62). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (من السُّنة أن يُصلِّي ركعتين قبل صلاة المغرب، أي: بين الأذان والإقامة؛ فقد أمرَ بها النبيُّ عليه الصلاة والسلام ثلاثَ مرات، فقال: «صلُّوا قبل المغرب، صلُّوا قبل المغرب، صلُّوا قبل المغرب»، لكنَّه قال في الثالثة: «لمن شاء» كراهيةَ أن يتخذها الناس سُنَّة، أي: سنة راتبة، فصلاةُ ركعتينِ قبل صلاة المغرب، أي: بين الأذان والإقامة سُنَّة، لكنَّها ليستْ راتبة، فلا يَنبغي المحافظة عليها دائمًا؛ لأنَّه لو حافظ عليها لكانت راتبةً). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/271 - 272). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة1- عن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صَلُّوا قبلَ صَلاةِ المغربِ، قال في الثالثة: لِمَن شاء؛ كراهية أن يتَّخذها الناسُ سُنَّةً رواه البخاري (1183). )) قال ابن حجر: (قال المحبُّ الطبريُّ: لم يرِدْ نفي استحبابها؛ لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلَّة على استحبابها، ومعنى قوله: «سنة»، أي: شريعة وطريقة لازمة، وكأنَّ المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض؛ ولهذا لم يعدَّها أكثرُ الشافعية في الرواتب، واستدركها بعضُهم، وتُعقِّب بأنه لم يثبتْ أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واظَبَ عليها). ((فتح الباري)) (3/60). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ)) [3337] رواه البخاري (627)، ومسلم (838). .3- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان المؤذِّنُ إذا أذَّنَ قام ناسٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَبتدرونَ السَّواري حتى يخرُجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهم كذلك، يُصلُّونَ ركعتينِ قبلَ المغربِ، لم يكُن بين الأذانِ والإقامةِ شيءٌ))، وفي روايةٍ: ((إلَّا قليل)) رواه البخاري (625) واللفظ له، ومسلم (837). .4- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كنَّا بالمدينة، فإذا أذَّنَ المؤذِّنُ لصلاةِ المغربِ ابتدروا السواري فيَركعون ركعتينِ ركعتينِ، حتى إنَّ الرجُلَ الغريبَ ليدخُلُ المسجدَ فيَحسَبُ أنَّ الصلاةَ قد صُلِّيتْ؛ من كثرةِ مَن يُصلِّيهما)) رواه البخاري (625)، ومسلم (837) واللفظ له. .5- عن مختارِ بن فُلفُل، قال: سألتُ أنسَ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه عن التطوُّع بعدَ العصرِ؟ فقال: ((كان عُمرُ يَضرِبُ الأيدي على صلاةٍ بعد العصرِ، وكنَّا نُصلِّي على عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ بعد غروبِ الشمسِ قبل صلاةِ المغربِ، فقلت له: أكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّاهما؟ قال: كان يرانا نُصلِّيهما، فلم يَأمُرْنا ولم يَنهَنا)) رواه مسلم (836). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يقرُّ إلَّا على الحقِّ الحسَن، ولا يرى مكروهًا إلَّا كَرِهه، ولا خطأً إلَّا نهى عنه ((المحلى)) لابن حزم (2/23). . 6- عن مَرثدِ بنِ عبدِ اللهِ اليَزنيِّ، قال: أتيتُ عقبةَ بنَ عامرٍ الجهنيَّ، فقلتُ: ألَا أُعجبك من أبي تَميم؛ يركع ركعتينِ قبلَ صلاةِ المغربِ قال ابن حجر: (فيه ردٌّ على قول القاضي أبي بكر بن العربي لم يفعلهما أحدٌ بعد الصحابة؛ لأنَّ أبا تميم تابعي وقد فعَلهما). ((فتح الباري)) (3/60). ! فقال عُقبة: ((إنَّا كنَّا نَفعلُه على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم))، قلت: فما يمنعكُ الآن؟! قال: الشُّغلُ رواه البخاري (1184). .ثانيًا: مِن الآثارعن الزهريِّ، عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: (أنَّه كان يُصلِّي ركعتينِ قبل صلاةِ المغربِ) رواه البخاري (625)، ومسلم (837). .الفَرْعُ الثَّاني: سُنَّةُ المَغربِ البَعديَّةسبَق ذِكرُها مع مسألةِ عددِ السُّننِ الرَّواتبِ، وهي ركعتان.الفَرْعُ الثَّالِثُ: القِراءةُ في سُنَّة المغربِيُستحَبُّ أن يقرأَ فيهما: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/385)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/338). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/237)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/94)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/215). ، ونصَّ عليه بعضُ فقهاء المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/79). ، واختاره ابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص، وهما: سورة قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، المتضمِّنة للتوحيدِ العمليِّ الإرادي، وسورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ المتضمِّنة للتوحيدِ الخبري العِلمي؛ فسورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فيها بيانُ ما يجب لله تعالى من صِفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه عنه من النقائص والأمثال، وسورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ فيها إيجابُ عبادته وحده لا شريكَ له، والتبرِّي من عبادة كلِّ ما سواه، ولا يتمُّ أحد التوحيدين إلَّا بالآخر؛ ولهذا كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأ بهاتين السورتين في سُنة الفجر والمغرب والوتر اللَّتين هما فاتحةُ العمل وخاتمتُه؛ ليكون مبدأ النهار توحيدًا، وخاتمته توحيدًا) ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (2/94). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (أمَّا النافلة فيُسلِّم فيها من كل ركعتين، ويقرأ بعد الفاتحة ما شاء، إلَّا سُنَّة الفجر، فإنَّه يستحبُّ أن يقرأ فيها سورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ في الأولى وسورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في الثانية بعد الفاتحة، أو يقرأ في الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ... **البقرة: 136** الآية من سورة البقرة بعد الفاتحة, وفي الثانية: قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ... **آل عمران: 64** الآية من سورة آل عمران. وفي سُنَّة المغرب يقرأ السورتين المذكورتين بعد الفاتحة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/55). , وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (هذه السورةُ هي إحدى سورتي الإخلاصِ؛ لأنَّ سورتي الإخلاصِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأ بهما في سُنَّة الفجر، وفي سُنة المغرب) ((تفسير جزء عم)) (ص: 335). .الدليل من السُّنَّة: عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ مِن خمسٍ وعشرينَ مرةً، أو أكثر مِن عشرين مرةً، يقرأ في ركعتَي الفجر: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ))، وفي رواية: ((رمقتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعًا وعشرين مرةً، أو خمسًا وعشرين مرةً يقرأُ في الركعتينِ قَبلَ الفجرِ وبعدَ المغربِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) رواه الترمذي (417)، وابن ماجه (1149)، وأحمد (4909) بنحوه حسنه الترمذي، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (8/57)، وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (949) والرِّواية الثانية: رواها النسائي (992)، وأحمد (4763)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/ 434) (13587) بنحوه صححها ابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/41)، قال النووي في ((المجموع)) (3/385): إسناده جيد إلا أن فيه رجلا اختلفوا في توثيقه وجرحه، وقد روى له مسلم، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تحقيق ((المسند)) (8/89)، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/488): قويٌّ بالمتابعة. . الفَرْعُ الرَّابع: حُكمُ صَلاةِ التطوُّعِ بينَ المغربِ والعِشاءِيُستَحَبُّ صلاةُ التطَوُّعِ بين المغربِ والعشاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة وعددها ستٌّ بعد المغرب، وتُسمَّى صلاة الأوَّابين. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 172). ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/66)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/195). ، والمالكيَّة يستحبُّ عند المالكيَّة التنفُّلُ بعد المغرب بركعتين، وما زاد فهو خيرٌ بلا حدٍّ، وإن تنفَّل بستِّ ركعات فحسن. يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/500، 501). ، والشافعيَّة وأقلها عندهم ركعتانِ، وأكثرها عشرون ركعةً، وتُسمَّى صلاة الأوابين، وصلاة الغفلة؛ لغفلة أكثر الناس عنها؛ لاشتغالهم بغيرها. يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/225)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/206)، ((شرح السنة)) للبغوي (3/473)، ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (1/144). ، والحنابِلَة يستحبُّ عند الحنابلة التنفُّلُ بين المغرب والعشاء، وهو من قيام اللَّيل؛ لأنَّ الليل من المغرب إلى طلوع الفجر الثاني؛ لقول أنس بن مالك في قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ **السجدة: 16** الآية، قال: "كانوا يتنفَّلون بين المغربِ والعشاء يُصلُّون". يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/437)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/569). وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال الشوكانيُّ: (والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على مشروعيَّة الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء، والأحاديث وإنْ كان أكثرها ضعيفًا، فهي منتهضةٌ بمجموعها لا سيَّما في فضائل الأعمال؛ قال العراقي: وممن كان يُصلِّي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسلمان الفارسي، وابن عمر، وأنس بن مالك، في ناسٍ من الأنصار، ومِن التابعين: الأسود بن يزيد، وأبو عثمان النَّهْدي، وابن أَبي مُلَيكة، وسعيد بن جُبير، ومحمد بن المنكدر، وأبو حاتم، وعبد الله بن سَخْبَرة، وعليُّ بن الحسين، وأبو عبد الرحمن الحُبُلي، وشُريحٌ القاضي، وعبد الله بن مُغفَّل وغيرهم. ومن الأئمَّة: سفيانُ الثوريُّ). ((نيل الأوطار)) (3/68). .الدليل من السُّنَّة:عن حُذيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المغربَ، فلمَّا قضَى الصلاةَ قام يُصلِّي، فلم يزلْ يُصلِّي حتى صلَّى العِشاءَ، ثم خرَج)) رواه أحمد (5/404) (23483)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5/95) (8365). رواه الترمذي (3781)، وأحمد (23436) واللفظ له، والنسائي في ((الكبرى)) (8307). قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وجود إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/268)، وحسن إسناده المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (2/527)، وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (3781) . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: سُنَّةُ الفَجرِ. المطلب الثَّاني: سُنَّة الظُّهرِ. المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر. المطلب الخامسُ: سُنَّة العِشاءِ.

الفَرْعُ الأول: مشروعيَّةُ التطوُّعِ قبلَ خروجِ الإمامِالمسألة الأولى: التطوُّعُ يومَ الجُمعةِ قبل الزواليُستحبُّ التطوُّعُ يومَ الجُمعةِ قبل الزَّوالِ، نصَّ عليه المالكيَّة قال العدوي: (والحاصل أن تنفل المأموم قبل الأذان مندوب وعنده مكروه للجالس على ما تقدم، وعند خروج الخطيب للخطبة حرام) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/382)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/636). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/541)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/429). والحنابِلَة قال ابن مفلح: (وصلاة أحمد قبل الأذان تدل على الاستحباب " وجمهور العلماء، لقوله عليه السلام: "ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له... " الحديث، وسبق قولهم: يشتغل بالصلاة) ((الفروع)) (3/191). وقال أيضًا: (ويسن الدنو من الإمام، واستقبال القبلة، والاشتغال بالصلاة والذكر) ((الفروع)) (3/159)، ويُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/155). . الأَدِلَّةُ:أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن سلمانَ الفارسيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن اغتَسَل يومَ الجُمعةِ، وتَطهَّرَ بما استطاعَ من طُهرٍ، ثم ادَّهن أو مسَّ مِن طِيب، ثم راح فلمْ يُفرِّقْ بين اثنينِ، فصلَّى ما كُتِبَ له، ثم إذا خرَجَ الإمامُ أَنصتَ، غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأُخرى)) رواه البخاري (910). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ يدلُّ على فَضلِ الصلاةِ قبلَ الجُمعةِ من غيرِ تقديرٍ للصَّلاةِ؛ فيكون أقلُّ ذلك رَكعتينِ، والزيادةُ عليهما بحسَبِ التيسيرِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/538). .2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن اغتسَلَ ثم أَتى الجُمُعةَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له قوله: ((فصلَّى ما قُدِّر له)) يدلُّ على أنَّ الصلاة قبل الجمعة لا حدَّ لها. يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/303). ، ثم أَنصتَ حتى يَفرغَ من خُطبته، ثم يُصلِّي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأخرى، وفضلَ ثلاثةِ أيَّام)) رواه مسلم (857). .ثانيًا: من الآثار1- عن ابنِ شِهابٍ، عن ثَعلبةَ بن أبي مالكٍ القُرضيِّ: (أنَّه أخبره أنَّهم كانوا في زمانِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ يُصلُّونَ يومَ الجُمُعةِ حتى يخرجَ عمرُ، فإذا خرَجَ عُمرُ وجلَس على المنبرِ وأذَّنَ المؤذِّنون، قَال ثعلبةُ: جَلَسْنا نتحدَّث، فإذا سكَتَ المؤذِّنونَ وقام عُمرُ يَخطُبُ، أَنصَتْنا فلم يتكلَّمْ منَّا أحدٌ) أخرجه مالك (1/ 103) (7)، والشافعي في ((الأم)) (1/227)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2174)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3229)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5684) صححه النووي في ((الخلاصة)) (2/808)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1123): فيه ثعلبة احتج به البخاري، وصحح إسناده العيني في ((نخب الأفكار)) (6/48)، وقال الألباني في ((تمام المنة)) (ص 399): له متابع إسنادُه صحيح .2- عن نافعٍ قال: ((كان ابنُ عُمرَ يُطيل الصلاةَ قبل الجُمُعة، ويُصلِّي بعدَها ركعتينِ في بيتِه، ويُحدِّثُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَفعَلُ ذلك)) رواه أبو داود (1128)، وابن خزيمة (3/168) (1836)، وابن حبان (6/227) (2476). صحَّحه النوويُّ بإسنادٍ على شرْط البخاري في ((الخلاصة)) (2/812)، وقال ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/398): إسناده على شرْط الصحيح. وقال الهيثمي في ((موارد الظمآن)) (1/250): الصلاة بعدَ الجُمعة في البيت في الصَّحيح. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1128). .ثالثًا: جَرَيانُ العَمَلِ عليهجرَى عملُ المسلمينَ على التطوُّعِ إلى خروجِ الإمامِ قال الشافعيُّ: (مِن شأن الناس التهجيرُ للجمعة، والصلاةُ إلى خروج الإمام). ((الأم)) (1/173). وقال ابن رجب: (فأمَّا الصلاة بعد زوال الشمس، فلم يزلْ عملُ المسلمين على فِعله). ((فتح الباري)) (5/541). .المسألةُ الثَّانية: التطَوُّعُ يومَ الجُمُعةِ بعد الزَّوالِيُستحَبُّ التطوُّعُ بعد الزَّوالِ وقَبْلَ خروجِ الإمامِ.الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع:نَقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ رجَب قال ابن رجب: (بعدَ زوال الشمس، وقبل خروج الإمام، فهذا الوقت يُستحبُّ الصلاة فيه بغير خلاف نعلمه بين العلماءِ سلفًا وخلفًا، ولم يقلْ أحدٌ من المسلمين: إنَّه يُكره الصلاةُ يوم الجُمُعة، بل القول بذلِك خرقٌ لإجماع المسلمين، إنما اختلفوا في وقتِ قيام الشمس). ((فتح الباري)) (5/541). وقال ابن تيمية: (وعلى هذا؛ فمن رَخَّصَ في الصلاةِ يومَ الجمعة قال: إنَّها لا تُسْجَر يومَ الجمعة كما قد روي، وقالوا: إنَّه لا يستحب الإبرادُ يومَ الجمعةِ، بل يجوز عَقِبَ الزوال بالسُّنَّة الصحيحة واتِّفاقِ النَّاس) ((مجموع الفتاوى)) (23/208). وقال العمراني: (ولا ينقطِعُ التنفُّل، ولا الكلامُ قبل خروجِ الإمامِ بالإجماع) ((البيان)) (2/596). .الفَرْعُ الثَّاني: الصلاةُ في وقتِ الزوالِ يومَ الجُمُعةِ اختلف أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ يومَ الجُمُعةِ وقتَ استواءِ الشمسِ وقيامِها في وسَطِ السَّماءِ إلى أنْ تزولَ، على أقوالٍ، أقواها قولان:القول الأوّل: أنَّه وقتُ نهيٍ كباقي الأيَّامِ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((البناية)) للعيني (2/61)، ((العناية)) للبابرتي (1/233). والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/450، 451)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/90). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا كون الجمعة فيها وقتُ نهي: فالصحيح أنَّ فيها وقتَ نهي، وأنها كغيرها من الأيَّام؛ لعموم الأدلة، وليس هناك دليلٌ يدلُّ على تخصيص يوم الجمعة بأنه لا نَهيَ فيه عند الزوال، وقد ورد في هذا حديثٌ ضعيف عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وذكَر شيخ الإسلام رحمه الله: أنَّه لا يُنهى الإنسان عن الصلاة إذا كان مستمرًّا في صلاته حتى يأتي الخطيبُ، قال: لأنَّ هذا كان الصحابة يفعلونه، لكن كونه يبقى جالسًا حتى إذا قارب وقت الخطيب قام فصلَّى وهو وقتُ نهي، فهذا لا أصلَ له، ولا يحلُّ لهذا أن يقوم فيُصلِّي في هذا الوقت إذا كان قبل الزوال بنحو عشر دقائق) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 96). .الدَّليلُ من السُّنَّة:عن عُقبَة بنِ عامرٍ الجهنيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينهانا أن نُصليَ فيهنَّ، أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضيَّفُ [3372] تَضيَّفُ: أيْ: تَمِيلُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/108). الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) رواه مسلم (831). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قوله: ((وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشَّمسَ))، يعني: حال استواءِ الشمسِ في السماءِ إلى أنْ تميلَ؛ فهو من الأوقاتِ التي نُهيَ عن الصَّلاةِ فيها يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (6/114). .القول الثاني: أنَّه ليس بوقتِ نهيٍ يومَ الجُمُعةِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة هذا الوقت ليس عند المالكيَّة من أوقات النهي مطلقًا في جميعِ الأيَّام. يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/102)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/222-223)، ويُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (2/462). ، والأصحُّ في مذهبِ الشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/194)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). ، وهو قولُ أبي يُوسفَ من الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/233). ، وهو وجهٌ عند الحنابلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (2/410)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/144). ، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ قال البيهقيُّ: (ورُوِّينا الرخصة في ذلك عن عطاء، وطاوس، والحسن، ومكحول). ((معرفة السنن والآثار)) (3/438). وقال ابن رجب: (ومنهم: من قال: ليس بوقت نهي، وهو مذهبُ مكحولٍ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ). ((فتح الباري)) (5/540). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابن تيمية: (وبالجملة جوازُ الصلاةِ وقتَ الزَّوال يومَ الجمعة على أصلِ أحمدَ أظهرُ منه على أصْلِ غَيْرِه؛ فإنَّه يجَوِّزُ الجمعةَ وقتَ الزوال ولا يَجعَلُ ذلك وقتَ نهيٍ) ((مجموع الفتاوى)) (23/208). ، وابن القيِّم قال ابن القيم: (إنه لا يُكره فِعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعيِّ رحمه الله ومَن وافقه، وهو اختيارُ شيخنا أبي العبَّاس بن تيمية) ((زاد المعاد)) (1/378). ، والصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (ويدلُّ على تخصيص وقت الزوال يوم الجمعة من هذه الأوقات بجواز النَّفْل فيه الحديث الآتي...) ((سبل السلام)) (1/113). ، وابنُ باز قال ابن باز: (يوم الجُمُعة الصَّواب أنه ليس فيها وقتُ نهي عند الزوال؛ لأنَّ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شرَعَ للناس إذا دخلوا المسجد أن يصلُّوا ما قدَّر الله لهم، ولم يقُلْ لهم: إلَّا إذا وقفت الشمس، فدلَّ ذلك على أنَّ يوم الجمعة الصلاة فيه مستمرَّة إلى دخول الخطيب، وليس فيه وقتُ نهي في وسط النهار، هذا هو الأرجحُ؛ فإذا صلَّى المسلم في المسجد ما يسَّر الله له من الركعات حتى يدخُلَ الخطيب، فلا بأس) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/436). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة عن سلمانَ الفارسيِّ، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَغتسلُ رجلٌ يومَ الجُمُعةِ، ويتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهر، ويَدَّهِنُ من دُهْنه، أو يمسُّ مِن طِيب بيتِه، ثم يخرُج فلا يُفرِّقُ بين اثنينِ، ثم يُصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تَكلَّم الإمامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بينه وبين الجُمُعةِ الأخرى)) رواه البخاري (883). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:الحديثُ فيه مندوبيَّةُ الصلاةِ، وأنَّ المانعَ منها خروجُ الإمامِ لا انتصافُ النَّهارِ ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/367). .ثانيًا: من الآثار(أنَّ الناس كانوا في زمَن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه يُصلُّون يومَ الجُمُعةِ حتى يخرُجَ عُمرُ) أخرجه مالك (1/ 103) (7)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (1837)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5684) من حديث ثعلبة بن أبي مالك.  وصحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (2/808). . وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الصحابة كانوا يُصلُّون وقتَ الزوال؛ لأنَّهم كانوا يُصلُّون إلى خروجِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وكان عمرُ لا يَخرُجُ إلَّا بعد وقتِ الزوالِ، وهذا لا يكونُ إلَّا توقيفًا؛ فيكون مخصِّصًا لعمومِ النهيِ عن الصلاةِ في ذلك الوقت ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (1/55، 107). .ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استحبَّ التبكيرَ إليها ثم رغَّب في الصلاة إلى خُروجِ الإمامِ من غيرِ استثناءٍ ((معرفة السنن والآثار)) للبيهقي (3/438)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). .رابعًا: ولأنَّ الناسَ يكونون في المسجدِ تحتَ السُّقوفِ، ولا يَشعُرونَ بوقت الزَّوالِ، ولا يُمكنهم أنْ يَخرجوا ويتخطَّوْا رقابَ الناس؛ لكي ينظروا إلى الشمسِ لعدمِ مشروعيَّةِ ذلك ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/367). .خامسًا: جريانُ العملِ عليه؛ فعَمَلُ المسلمينَ في جميعِ الأقطارِ على ذلِك قال القرطبي: (ومشهورُ مذهبِه «أي: مالك» ومذهب جمهور العلماء: جوازُ الصلاة حينئذٍ، وحُجَّتهم: عملُ المسلمين في جميع الأقطارِ على جواز التنفُّل يومَ الجمعة إلى صعود الإمام على المنبرِ عند الزوال) ((المفهم)) (2/462). .الفَرْعُ الثَّالِث: هل للجُمُعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّةٌ؟ ليس لصلاةِ الجُمعةِ سُنَّةٌ راتبةٌ قبليَّة، وهذا مذهبُ المالكيَّة لم يذكر المالكيَّة السُّنةَ القَبلية من سنن الجمعة، ولا تحديد في السُّنن الرواتب عند المالكيَّة سوى راتبة الفجر. ((الرسالة)) للقيرواني (ص: 47)، ((مختصر خليل)) (ص: 46)، وينظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/451). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/284)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/423). ، وعليه جماهيرُ الأمَّة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/189)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/284). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: وقال: (الصواب أن يُقال: ليس قبل الجُمُعة سُنَّة راتبة مقدَّرة). ((مجموع الفتاوى)) (24/193- 195). وقال أيضًا: (أمَّا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنه لم يكُن يُصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئًا، ولا نَقَل هذا عنه أحدٌ؛ فإن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان لا يؤذَّن على عهده إلَّا إذا قعد على المنبر، ويؤذِّن بلال ثم يخطُب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الخطبتين، ثم يقيم بلال فيُصلي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناس، فما كان يمكن أن يصلِّي بعد الأذان لا هو ولا أحد من المسلمين الذين يصلُّون معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نقَل عنه أحدٌ أنه صلَّى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقَّت بقوله صلاةً مقدَّرة قبل الجمعة، بل ألفاظه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدِم الرجل المسجدَ يوم الجمعة من غير توقيت). ((مجموع الفتاوى)) (24/189). ، وابن القيِّم قال ابنُ القيِّم: (كان إذا فرَغ بلال من الأذان، أخَذ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتَّةَ، ولم يكن الأذان إلَّا واحدًا، وهذا يدلُّ على أنَّ الجمعة كالعيد، لا سُنَّة لها قبلها، وهذا أصحُّ قولي العُلماء، وعليه تدلُّ السُّنة؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرج من بيته، فإذا رقِي المنبر، أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله، أخَذ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخطبة من غير فصْل، وهذا كان رأيَ عين، فمتى كانوا يصلُّون السنَّة؟! ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلالٌ رضي الله عنه من الأذان، قاموا كلُّهم، فركعوا ركعتن، فهو أجهلُ الناس بالسُّنة، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سُنَّةَ قبلها، هو مذهبُ مالك، وأحمدَ في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعيِّ). ((زاد المعاد)) (1/431، 432). ، وابنِ حجرٍ العسقلانيِّ قال ابن حجر: (وأمَّا سُنَّة الجمعة التي قبلها فلم يثبُتْ فيها شيء). ((فتح الباري)) (2/410). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: (صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سجدتينِ قبلَ الظُّهرِ، وسجدتينِ بعد المغربِ، وسجدتينِ بعدَ العِشاءِ، وسجدتينِ بعدَ الجُمُعةِ) رواه البخاري (1172)، ومسلم (729). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لم يذكر لها سُنَّة إلَّا بعدَها؛ فدلَّ على أنَّه لا سُنَّة قبلَها ((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) لأبي شامة المقدسي (ص: 99). .ثانيًا: أنَّ المرادَ من الصَّلاةِ المسنونة أنَّها منقولةٌ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولًا وفعلًا، والصلاة قبل الجُمُعة لم يأتِ منها شيءٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدلُّ على أنَّه سُنَّة، ولا يجوزُ القياسُ في شرعيَّة الصلواتِ ((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) لأبي شامة المقدسي (ص96). .ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرج من بيته يومَ الجُمُعة فيصعَدُ مِنبَرَه ثم يؤذِّنُ المؤذنُ، فإذا فرغ أخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبتِه، ولو كان للجُمُعةِ سُنَّةٌ قَبْلَها لأمَرَهم بعدَ الأذانِ بصلاةِ السُّنَّة، وفعَلَها هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يكُن في زمنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غيرُ هذا الأذانِ الذي بين يدي الخَطيبِ ((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) لأبي شامة المقدسي (ص97). .رابعًا: لو كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتِه قبلَ خُروجِه إلى الجُمُعة لضُبِط ذلك، كما ضُبِطتْ صلاتُه بعدَها، وكما ضُبِطتْ صلاتُه قبل الظُّهر، ولنَقَل ذلك أزواجُه رَضِيَ اللهُ عَنْهنَّ، كما نقَلْنَ سائرَ صلواته في بيتِه ليلًا ونهارًا، وكيفيَّة تهجُّده وقِيامة بالليل، وحيث لم يُنقَلْ شيءٌ من ذلك، فالأصلُ عدمُه، ودلَّ على أنه لم يقعْ، وأنَّه غيرُ مشروعٍ ((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) لأبي شامة المقدسي (ص97، 98)، ((طرح التثريب)) للعراقي (3/41). .خامسًا: أنَّ السُّنَّة الراتبة إنْ كانت بعدَ دخول الوقت فلا يصحُّ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يخرجُ إذا زالتِ الشمسُ فيشتغِلُ بالخُطبةِ، ثم بصلاةِ الجُمُعة، وإنْ كان المرادُ قبلَ دخولِ الوقتِ، فذلك مطلَقُ نافلةٍ لا صلاةٌ راتبةٌ ((عون المعبود)) للعظيم آبادي، مع ((حاشية ابن القيم)) (3/337). .الفَرْعُ الرابع: سُنَّةُ الجُمُعةِ البَعديَّة اختَلف أهلُ العِلمِ في عددِ ركَعاتِ سُنَّةِ الجُمُعةِ البَعديَّة على ثلاثةِ أقوال: القول الأوّل: أنَّ سُنَّة الجُمعةِ البعديَّة أربعُ ركَعات، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((العناية)) للبابرتي (2/395)، وينظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/115). ، والشافعيَّة يُسنُّ عند الشافعيَّة أربعُ ركعات بعدَ الجُمُعة؛ اثنتان منها مؤكَّدتان. ينظر: ((المجموع)) للنووي (4/9، 592)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/111). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَف قال الترمذيُّ: (رُوي عن عبد الله بن مسعود، أنَّه كان يُصلِّي قبل الجمعة أربعًا، وبعدها أربعًا، وقد رُوي عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أنَّه أمَرَ أن يُصلِّي بعد الجُمُعة ركعتين ثم أربعًا، وذهب سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ إلى قولِ ابنِ مسعود) ((سنن الترمذي)) (2/401). وقال الحسنُ بن حيٍّ: (يُصلِّي أربعًا). ((التمهيد)) لابن عبد البرِّ (14/172). ، واختارَه ابنُ المنذرِ قال ابنُ المنذر: (والجُمُعة جائزةٌ خلفَ كلِّ إمام، ويُصلِّي بعدَ الجمعة أربعًا، وتُجزئه ركعتان) ((الإقناع)) (1/107). ، والصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (والأربع أفضلُ من الاثنتين؛ لوقوع الأمْر بذلك، وكثرةِ فِعله لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((سبل السلام)) (2/53). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة  عن سُهيلٍ، عن أبيه، عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن كان منكم مصلِّيًا بعدَ الجُمُعةِ، فليصلِّ أربعًا))، وفي رواية: قال سُهيلٌ: ((فإنْ عجِل بكَ شيءٌ فصلِّ ركعتينِ في المسجِدِ، وركعتينِ إذا رجعتَ)) رواه مسلم (881). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالأربعِ؛ فدلَّ على أنَّها أفضلُ من الركعتينِ ((سبل السلام)) للصنعاني (2/53). .القول الثاني: أنَّه مُخيَّرٌ بين أن يُصلِّي ركعتينِ أو أربعًا، وهذا روايةٌ عن أحمدَ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/534)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/284). ، وهو قولُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (أمَّا بعدَها فلها سُنَّة راتبة، أقلُّها ركعتان وأكثرُها أربع؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن كان منكم مصليًا بعدَ الجمعة فليصلِّ بعدَها أربعًا»، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي ركعتينِ بعدَ الجمعة في بيتِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/387). ، والألبانيِّ قال الألبانيُّ: (فإذا صلَّى بعد الجمعة ركعتينِ أو أربعًا في المسجد جاز، أو في البيت؛ فهو أفضلُ). ((تمام المنة)) (ص 341). ؛ وذلك جمعًا بين حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن كان منكم مُصلِّيًا بعدَ الجُمُعةِ، فليصلِّ أربعًا)) رواه مسلم (881). ، وبينَ حديثِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ لا يُصلِّي بعدَ الجمُعةِ حتى يَنصَرِفَ، فيُصلِّي ركعتَينِ)) ((فتح الباري)) لابن رجب (5/534). والحديث أخرجه البخاريُّ (937)، ومسلم (882). . القول الثالث: إنْ صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتينِ، وهو قولُ إسحاقَ بنِ راهَويهِ قال الترمذيُّ: (قال إسحاق: إنْ صلَّى في المسجد يوم الجمعة صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلى ركعتين، واحتجَّ بأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وحديث النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصلِّ أربعًا») ((سنن الترمذي)) (2/401)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (5/534). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (إنْ صلَّى في المسجد صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتين) ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (3/129). ، وابنُ القيِّمِ قال ابنُ القيِّم: (قال شيخنا أبو العباس ابن تيميَّة: إنْ صلَّى في المسجد صلى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتين. قلتُ: وعلى هذا تدلُّ الأحاديث، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنَّه كان إذا صلَّى في المسجد صلى أربعًا، وإذا صلى في بيته صلَّى ركعتين). ((زاد المعاد)) (1/440). ، وبه أفتت اللَّجنة الدَّائمة في فتاوى اللجنة الدائمة: (سُنَّة الجمعة بعدها إنْ صلَّاها في المسجد صلَّى أربعًا، وإن صلَّاها في البيت صلَّى ركعتين). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/131). .وذلك جمعًا بين حَديثي أبي هُرَيرَة وابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهم؛ فحديثُ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما نصَّ فيه أنه كان يُصلِّي الركعتينِ في بيتِه، وحديثُ أبي هُرَيرَة رضي الله في الصَّلاةِ أربعًا يُحمل على الصلاةِ في المسجد؛ جمعًا بين الحديثين ((سنن الترمذي)) (2/401). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: سُنَّةُ الفَجرِ. المطلب الثَّاني: سُنَّة الظُّهرِ. المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر. المطلب الرابع: سُنَّةُ المغربِ.

الفرعُ الأوَّل: حُكمُ قضاءِ السُّنن الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهييُشرَعُ قضاءُ السُّننِ الرَّواتبِ في غيرِ وقتِ النَّهيِ وهذا مذهبُ الشافعيَّة النافلة عند الشافعيَّة قسمان: أحدهما: غير مؤقَّتة، وإنما تُفعل لسببٍ عارض كصلاة الكسوفين، والاستسقاء، وتحيَّة المسجد، وهذا لا مدخلَ للقضاء فيه. والثاني: مؤقَّتة كالعيد، والضحى، والرواتب التابعة للفرائض، وفي قضائها أقوالٌ، وأظهرها: تقضى، والثاني: لا، والثالث: ما استقلَّ كالعيد والضحى قُضي، وما كان تبعًا كالرواتب فلا. وإذا قلنا: تُقضَى فالمشهور أنَّها تقضى أبدًا.  ((روضة الطالبين)) للنووي (1/337)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/280). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/126، 127)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/95)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/215). ، وقوَّاه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أما إذا فاتت السُّنة الراتبة، مثل سُنَّة الظهر؛ فهل تُقضى بعد العصر؟ على قولين - هما رِوايتان عن أحمد - أحدهما: لا تُقضى، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والثاني: تُقضى، وهو قول الشافعيِّ، وهو أقوى). ((مجموع الفتاوى)) (23/127). وقال أيضًا: (وتُقضى السنن الراتبة، ويُفعل ما له سببٌ في أوقات النهي، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار جماعة من أصحابنا وغيرهم). ((الفتاوى الكبرى)) (5/345). ، واختارَه ابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم في فقه قِصَّة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع بلال في النوم عن صلاة الفجر: (فيها: أنَّ مَن نام عن صلاة أو نسِيها، فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها، وفيها: أنَّ السنن الرواتب تُقضى، كما تُقضى الفرائض، وقد قضى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُنَّة الفجر معها، وقضى سُنَّة الظهر وحدَها، وكان هديه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضاءَ السنن الرَّواتب مع الفرائض). ((زاد المعاد)) (3/358). ، وابنُ عُثيمين قيَّده ابن عثيمين بأن لا يكون الترك عمدًا، وإنما تركها لعذر، وفي ذلك يقول: (ودليل ذلك: ما ثبت من حديث أبي هريرة وأبي قَتادة في قِصَّة نوم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه وهم في السَّفر عن صلاة الفجر، حيث صلَّى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راتبةَ الفجر أولًا، ثم الفريضة ثانيًا، وكذلك أيضًا حديث أمِّ سلمة «أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شُغِل عن الركعتين بعد صلاة الظهر؛ فقضاهما بعد صلاة العصر»، وهذا نصٌّ في قضاء الرواتب، وأيضًا: عموم قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن نام عن صلاة أو نسِيها، فلْيُصلِّها إذا ذكرها»، وهذا يعمُّ الفريضة والنافلة، وهذا إذا تركَها لعُذر، كالنسيان والنوم، والانشغال بما هو أهم، أمَّا إذا تركها عمدًا حتى فات وقتُها، فإنه لا يُقضيها، ولو قضاها لم تصحَّ منه راتبةً؛ وذلك لأنَّ الرواتب عبادات مؤقَّتة، والعبادات المؤقتة إذا تعمَّد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تُقبل منه، ودليل ذلك: قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ»، والعبادة المؤقتة إذا أخرتَها عن وقتها عمدًا فقد عملتَ عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله؛ لأنَّ أمر الله ورسوله أن تُصلِّيها في هذا الوقت، فلا تكون مقبولة، وأيضًا: فكما أنَّها لا تصح قبل الوقت فلا تصحُّ كذلك بعده؛ لعدم وجود الفرق الصحيح بين أن تفعلها قبل دخول وقتها، أو بعد خروج وقتها إذا كان لغير عُذر). ((الشرح الممتع)) (4/72- 74). . الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نسِيَ صلاةً، أو نامَ عنها، فكفَّارتُها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها)) رواه البخاري (597) بمعناه، ومسلم (684). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ عمومَ الحديثِ يدلُّ على مشروعيَّة قضاءِ الصَّلاةِ إذا نسِيَها أو نامَ عنها، سواءٌ كانتْ فريضةً أو راتبةً ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/288). .2- حديثُ أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وفيه: ((... استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والشمسُ في ظهره... ثم أذَّن بلالٌ بالصلاة، فصلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتين، ثم صلَّى الغداةَ، فصنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ)) رواه البخاري (595)، ومسلم (681) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه قضى سُنَّةَ الفجر، وصنَعَ كما كان يَصنَعُ كلَّ يوم ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/72). .3- عن كُرَيب مولى ابنِ عبَّاس، حدَّثه أنَّ ابن عبَّاس، وعبد الرحمن بن أَزهرَ، والمِسْوَر بن مَخْرَمَةَ، أرسلوا إلى عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فقالوا: اقرأ عليها السَّلام منا جميعًا، وسلْها عن الركعتين بعدَ العصر، وإنَّا أُخبِرْنا أنَّكِ تُصلِّيها، وقدْ بلَغَنا أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى عنها، قال ابنُ عباس: وكنتُ أضربُ مع عمرَ الناسَ عنهما، قال كُريبٌ: فدخلتُ عليها وبلَّغْتُها ما أرسلوني، فقالت: سلْ أمَّ سلمة، فأخبرتُهم فردُّوني إلى أمِّ سلمةَ بمِثل ما أَرسلوني إلى عائشةَ، فقالت أمُّ سلمة: ((سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهى عنهما، وإنَّه صلَّى العصرَ، ثم دخَلَ عليَّ وعندي نِسوةٌ من بَني حرام من الأنصار، فصلَّاهما، فأرسلتُ إليه الخادمَ، فقلتُ: قُومِي إلى جنبِه، فقولي: تقولُ أمُّ سلمةَ: يا رسولَ الله، ألم أسمَعْكَ تَنهى عن هاتينِ الركعتينِ؟ فأراك تُصلِّيهما، فإنْ أشارَ بيده فاستأخِري، ففعلتِ الجاريةُ، فأشار بيدِه فاستأخرتْ عنه، فلمَّا انصرف، قال: يا بِنتَ أبي أُميَّة، سألتِ عن الركعتينِ بعدَ العصرِ، إنَّه أتاني أناسٌ مِن عبدِ القيسِ بالإسلامِ من قومِهم، فشَغَلوني عن الركعتينِ اللَّتينِ بعدَ الظهرِ، فهُما هاتانِ)) رواه البخاري (4370)، ومسلم (834). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضى ركعتَي سُنَّة الظهر بعدَ العصر لَمَّا شُغِل عنهما؛ فالحديثُ نصٌّ في قضاءِ الرَّواتب ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/72). .ثانيًا: أنَّ الرَّواتبَ مؤقَّتة بوقتٍ، فلم تسقطْ بفواتِ الوقتِ إلى غيرِ بدلٍ، كالفرائضِ ((البيان)) للعمراني (2/280). .الفَرْعُ الثَّاني: قضاءُ السُّننِ الرَّواتبِ في أوقاتِ النَّهي اختلف القائلونَ بمشروعيَّة قضاءِ السُّننِ الرَّاتبة وهم الشافعيَّة والحنابلة كما تقدَّم في مسألة حُكم قضاء السنن الرواتب في غير وقت النهي. في قضائِها في أوقاتِ النهيِ على أقوالٍ، المشهورُ منها قولان:القولُ الأوَّل: أنَّ السُّننَ الرواتبَ تُقضى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الشافعيَّة قال النووي: (أمَّا حُكم المسألة، فمذهبنا: أنَّ النهي عن الصلاة في هذه الأوقات إنَّما هو عن صلاة لا سببَ لها فأمَّا ما لها سبب فلا كراهةَ فيها، والمراد بذات السبب التي لها سبب متقدِّم عليها، فمن ذوات الأسباب الفائتة: فريضة كانت، أو نافلة إذا قُلنا بالأصحِّ أنَّه يُسنُّ قضاء النوافل، فله في هذه الأوقات قضاء الفرائض، والنوافل الراتبة وغيرها وقضاء نافلة اتَّخذها وردًا، وله فِعل المنذورة، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة والشكر، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف، ولو توضَّأ في هذه الأوقات فله أن يُصلي ركعتَي الوضوء). ((المجموع)) (4/170)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/280). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/191)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/148). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابن تيمية: (الرواية الثانية: جوازُ جميع ذوات الأسباب، وهي اختيار أبي الخطاب، وهذا مذهب الشافعي وهو الراجح في هذا الباب لوجوه...). ((مجموع الفتاوى)) (23/191). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نسِي صلاةً فليصلِّها إذا ذكَرَها، لا كفَّارة لها إلَّا ذلك)) رواه البخاري (597)، ومسلم (684). وفي رواية: ((مَن نسِي صلاة، أو نام عنْها فكفَّارتُها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها)) [3437] رواهـما مسلم (684). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ هذا أمرٌ بقضاء الفائتة إذا ذُكِرت، وهو عامٌّ يَشمَلُ وقتَ النَّهي، وغيره ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/288). . 2- عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمَّا رأتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بعدَ العصرِ أرسلتْ إليه الجاريةَ، وقالتْ: قُومي بجنبِه قولي له: تقولُ لكَ أمُّ سَلمةَ: يا رسولَ الله، سمعتُك تَنهى عن هاتينِ، وأراكَ تُصلِّيهما! فإنْ أشارَ بيدِه فاستأخري عنْه، ففعلتِ الجاريةُ، فأشار بيدِه فاستأخرَتْ عنه، فلمَّا انصرَفَ، قال: ((يا بِنتَ أبي أُميَّة، سألتِ عن الركعتينِ بعدَ العصرِ، وإنَّه أتاني ناسٌ من عبد القَيسِ فشَغَلوني عن الركعتينِ اللَّتين بعدَ الظهر، فهي هاتانِ)) رواه البخاري (1233)، ومسلم (834). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ فيه قضاءَ النَّافلةِ في وقْت النَّهي، مع إمكانِ قَضائِها في غيرِ ذلك الوقتِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/197). .3- عن أبي سَلمةَ بنِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ: أنَّه سأل عائشةَ عن السجدتينِ اللَّتينِ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّيهما بعدَ العصر؟ فقالت: ((كان يُصلِّيهما قبل العصر، ثم إنَّه شُغِلَ عنهما أو نسيهما، فصلَّاهما بعدَ العصرِ)) أخرجه مسلم (835). .4- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَتحَرَّوا طلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها فتُصلُّوا عندَ ذلك)) رواه مسلم (833). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النهيَ عن الصلاةِ في هذه الأوقاتِ إنما هو لِمَن يَتحرَّى الصلاةَ فيها، ومَن قضى الرواتبَ فإنَّه لم يتحرَّ الصلاةَ فيها، وإنَّما صلَّى لسببِ تدارُكِ ما فاته من السُّنن ((المغني)) لابن قدامة (2/90)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/194). .ثانيًا: أنَّ النهي كان لسدِّ ذَريعةِ الشِّركِ، وذوات الأسبابِ فيها مصلحةٌ راجحةٌ، والفاعل يفعلُها لأجْلِ السببِ، لا يَفعلها مطلقًا؛ فتمتنعُ فيه المشابهةُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/196). .ثالثًا: ولأنَّها صلاةٌ لها وقتٌ راتبٌ؛ فوجب أنْ لا تسقُطَ بفواتِ وقتِها كالفرائضِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/288). .القول الثاني: أنَّ السُّنَنَ الرَّواتبَ لا تُقضَى في الأوقاتِ المنهيِّ عنها، وهو مذهبُ الحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/148)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/90). وقد رجَّح جمهورُ الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة أنَّ الصلوات ذوات الأسباب عمومًا لا تُقضى في أوقات النهي، كما سيأتي في مسألة: أن تكون من ذوات الأسباب. .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((شهِدَ عندي رجالٌ مَرضيُّون، وأرضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصبحِ حتَّى تشرقَ الشَّمسُ، وبعدَ العصْر حتى تَغرُبَ)) رواه البخاري (581)، ومسلم (826). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الحديثَ دلَّ بعمومِه على النَّهي عن الصلاةِ في هذِه الأوقاتِ ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 108). .2- عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((... فكان أوَّلَ مَن استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والشمسُ في ظَهرِه، قال: فقُمنا فزِعينَ، ثم قال: ارْكَبوا، فركِبْنا فسِرْنا حتى إذا ارتفعتِ الشمسُ نزَل، ثم دعا بمِيضأةٍ [3449] مطهرة كبيرة يتوضأ منها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/380). كانت معي فيها شيءٌ من ماء، قال: فتوضَّأ منها وضوءًا دون وضوءٍ، قال: وبقِي فيها شيءٌ من ماءٍ، ثم قال لأبي قَتادَةَ: احفظْ علينا مِيضأتَك، فسيكون لها نبأٌ، ثم أذَّن بلالٌ بالصَّلاة، فصلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم صلَّى الغداةَ، فصَنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ...)) [3450] رواه البخاري (595)، ومسلم (681). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَّرَ القضاءَ عن وقتِ النَّهيِ ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/107). .ثانيًا: أنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ في هذه الأوقاتِ للتحريم، والأمرَ لقضاءِ ما فاتَ من السُّنَنِ للنَّدبِ، وترْكُ المحرَّمِ أَوْلى مِن فِعلِ المندوبِ ((المغني)) لابن قدامة (2/90). .ثالثًا: ولأنَّها صلاةُ نافلةٍ؛ فوجَبَ أن تَسقُطَ بفواتِ وقتِها، كالكسوف والخسوف ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/288). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: سُنَّةُ الفَجرِ. المطلب الثَّاني: سُنَّة الظُّهرِ. المطلب الثَّالِثُ: سُنَّةُ العَصر. المطلب الرابع: سُنَّةُ المغربِ.