يُشرَع سُجودُ التِّلاوةِ.الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا [الإسراء: 107].ثانيًا: من السُّنة: عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((ربَّما قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ، فيمرُّ بالسَّجدةِ فيَسجُدُ بنا، حتى ازدحَمْنا عنده، حتى ما يجِدُ أحدُنا مكانًا ليسجُدَ فيه، في غيرِ صلاةٍ)) أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575). .ثالثًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: القُرطبيُّ قال القرطبيُّ: (وعوَّل علماؤُنا على حديثِ عُمَرَ الثابتِ - خرَّجه البخاريُّ - أنَّه قرأ آيةَ سجدةً على المِنبر (فنزل) فسجَد، وسجَد الناس معه، ثم قرأها في الجُمُعة الأخرى فتهيَّأ الناس للسجود، فقال: ((أيُّها الناس، على رِسلِكم! إنَّ الله لم يكتبْها علينا إلَّا أن نشاء))، وذلك بمحضَر الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين، من الأنصار والمهاجرين، فلم يُنكِر عليه أحدٌ؛ فثبَت الإجماعُ به في ذلك). ((تفسير القرطبي)) (7/358). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فيه إثباتُ سجود التلاوة، وقد أجمَع العلماءُ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (5/74). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وسجودُ التلاوة في وجوبِه نزاعٌ، وإنْ كان مشروعًا بالإجماع). ((مجموع الفتاوى)) (21/293). ، وابنُ حجر قال ابنُ حَجر: (وقدْ أجمَع العلماءُ على أنَّه يسجُد). ((فتح الباري)) (2/551). ، والهيتميُّ قال الهيتميُّ: ("باب في سجود التِّلاوة والشُّكر" (تُسَنُّ سَجَدات) - بفتح الجيم - (التِّلاوة)؛ للإجماع على طَلبِها) ((تحفة المحتاج)) (2/204). ، والصَّنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (والحديثُ دليلٌ على مشروعيَّة سُجود التِّلاوة، وقد أجمع على ذلك العلماءُ) ((سبل السلام)) (1/208). ، والنَّفْراويُّ قال النَّفْراويُّ: (وأجمَعوا على مشروعيَّته «سُجود التِّلاوة» عند قِراءة القرآن، ولو في حالة الصَّلاة) ((الفواكه الدواني)) (2/607). . انظر أيضا: المطلب الثاني: حُكم سُجود التِّلاوة. المطلب الثالث: عدد سَجَدات التِّلاوة.

سُجودُ التِّلاوةِ سُنَّةٌ للتَّالي والمستمِع أما السامع فاختلف فيه أهل العلم: فقال المالكية والحنابلة وفي وجه للشافعية: أنه لا يسن في حقه السجود. ينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/349)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/446)، ((المجموع)) للنووي (4/58). وذهب الشافعية: إلى أنه يستحب ولا يتأكد في حقه. ينظر: ((المجموع)) للنووي (4/58)، وقال الحنفية: يجب على السامع السجود سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد. ينظر: ((مختصر القدوري)) (ص: 37). ، وهذا مذهبُ الجمهور: الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/58)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/197). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (1/251)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدامة (1/446). ، والمالكيَّة على خلافٍ بينهم بين السُّنيَّة والاستحباب. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/361)، ((شرح التلقين)) للمازري (1/801)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/350). ، وداود قال النوويُّ: (وبهذا قال جمهورُ العُلماء، وممَّن قال به: عُمرُ بن الخطَّاب، وسلمان الفارسيُّ، وابن عباس، وعِمران بن الحُصَين، ومالكٌ، والأوزاعيُّ وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وغيرهم رضي الله عنهم) ((المجموع)) (4/61). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلف قال ابنُ قُدامة: ("ومَن سجَد فحَسَنٌ، ومَن ترَك فلا شيءَ عليه"، وجملة ذلك: أنَّ سجود التلاوة سُنَّة مؤكَّدة وليس بواجبٍ عند إمامنا، ومالكٍ، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وهو مذهب عمر وابنه عبد الله، وأوجبه أبو حنيفة وأصحابُه؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ** وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ **الانشقاق: 20-21**، ولا يُذَمُّ إلَّا على ترْك واجب. ولأنَّه سجودٌ يُفعل في الصَّلاة؛ فكان واجبًا كسجود الصَّلاة. ولنا: ما رَوى زيدُ بن ثابت، قال: ((قرأتُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (النجم)، فلم يَسجُدْ منَّا أحدٌ)) متفق عليه، ولأنَّه إجماعُ الصَّحابة) ((المغني)) (1/446). ، وحُكِي الإجماع على ذلك قال النوويُّ: (أمَّا حُكم المسألة؛ فسُجودُ التلاوة سُنَّةٌ للقارئ والمستمِع، بلا خلاف) ((المجموع)) (4/58). وقال ابن قُدامة: (ويُسَنُّ السجُّود للتالي والمستمِع، لا نعلم في هذا خِلافًا) ((المغني)) (1/446). . الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنة1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قرأ ابنُ آدَمَ السجدةَ فسجَدَ، اعتزلَ الشيطانُ يَبكي، يقول: يا وَيْلَهْ! أُمِر ابنُ آدَمَ بالسجود فسَجَدَ؛ فله الجَنَّة، وأُمرتُ بالسجود فعصيتُ؛ فلي النَّار)) أخرجه مسلم (88). .2- عَن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، رضِي اللَّهُ عنه، قال: ((قَرَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (النَّجْم) بِمكَّةَ، فسَجَد فيها، وسجَد مَن معه غيرَ شيْخٍ...)) أخرجه البخاري (1067) واللفظ له، مسلم (576). .3- عن زَيدِ بن ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: (قرأتُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَالنَّجْمِ، فلَمْ يسجدْ فيها) [3101] أخرجه البخاري (1073) واللفظ له، ومسلم (577). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لو كان واجبًا لم يتركْ زيدٌ السجود فيها، ولا ترَكه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فدلَّ هذا - مع الأحاديثِ الأخرى التي تدلُّ على فِعله - على أنَّه سُنَّةٌ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/58). . ثانيًا: من الآثارأنَّ عُمرَ بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْه، قرَأَ يومَ الجُمُعةِ على المِنبر بسورة النحل، حتى إذا جاءَ السَّجدة، نزَلَ فسَجَد وسجَد الناسُ، حتى إذا كانتِ الجُمُعةُ القابلة قَرَأ بها، حتى إذا جاءَ السجدة، قال: يا أيُّها الناس، إنَّا نمرُّ بالسجود، فمَن سجَد فقد أصاب، ومَن لم يسجدْ فلا إثمَ عليه. ولم يسجُدْ عمرُ رضى الله عنه [3103] أخرجه البخاريُّ (1077). .ثالثًا: إجماع الصَّحابةنقَل إجماعَ الصحابةِ على ذلك: ابنُ رُشد قال ابنُ رشد: (ثبَت أنَّ عمر بن الخطاب قرأ السجدة يومَ الجُمعة، فنزل وسجَد وسجَد الناس معه، فلمَّا كان في الجمعة الثانية وقرأها تهيَّأ الناس للسُّجود، فقال: على رِسلكم! إنَّ الله لم يكتبْها علينا إلَّا أن نشاء، قالوا: وهذا بمحضر الصَّحابة، فلم يُنقل عن أحدٍ منهم خلافٌ، وهم أفهمُ بمغزَى الشرع، وهذا إنما يحتجُّ به مَن يرى قولَ الصَّحابيِّ إذا لم يكُن له مخالِفٌ حُجَّةً) ((بداية المجتهد)) (1/222). ، والعمرانيُّ قال العمرانيُّ: (ورُوي: أنَّ عُمرَ رضِي اللَّهُ عنه قرَأَ على المنبر سورةً فيها سجدة، فنزل وسجَد وسجَد الناس معه، فلمَّا كان في الجُمُعَةِ الثانية قرأها، فتهيَّأ الناس للسجود، فقال: (أيُّها الناس، على رِسلكم! إنَّ الله لم يكتبْها علينا، إلاَّ أن نشاء)، وهذا بمَجْمَع من الصَّحابة، ولم ينكر ذلك عليه أحدٌ، فدلَّ على أنه إجماع) ((البيان)) (2/289). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (رَوَى زيد بن ثابت، قال: ((قرأتُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النجم، فلم يسجدْ منَّا أحد)) متفق عليه، ولأنَّه إجماعُ الصَّحابة) ((المغني)) (1/446). .فرعٌ: سجودُ التِّلاوَةِ في أوقاتِ النَّهْيِاختلفَ العُلماءُ في حُكْمِ سُجودِ التِّلاوةِ في أوقاتِ النَّهْيِ على قولينِ:القول الأول: يجوزُ سجودُ التلاوةِ في كلِّ وقتٍ، ولو في أوقاتِ النَّهي عن الصَّلاة، وهذا مذهب الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/170)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/442). ، ورواية عن أحمد ((الكافي)) لابن قدامة (1/241). واختاره ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (الرِّواية الثانية: جوازُ جميع ذوات الأسباب، وهي اختيار أبي الخطاب، وهذا مذهبُ الشافعي، وهو الرَّاجح) ((مجموع الفتاوى)) (23/191). وقال أيضًا: (وأمَّا إذا حدث سبَبٌ تُشْرَع الصلاة لأجله: مثل تحيَّة المسجد، وصلاةِ الكسوف، وسجود التلاوة، وركعتي الطَّواف، وإعادة الصلاةِ مع إمامِ الحيِّ، ونحو ذلك؛ فهذه فيها نزاع مشهورٌ بين العلماء، والأظهَرُ جوازُ ذلك واستحبابُه فإنَّه خير لا شَرَّ فيه، وهو يفوت إذا تُرِكَ، وإنما نُهِيَ عن قصد الصلاة وتحرِّيها في ذلك الوقت؛ لِمّا فيه من مشابهة الكفَّار بقصد السجود ذلك الوقتَ؛ فما لا سبب له قد قصد فعله في ذلك الوقت وإن لم يقصد الوقت بخلاف ذي السبب فإنه فعل لأجل السبب) ((مجموع الفتاوى)) (17/502). ، والصنعاني قال الصنعاني: (أدلةُ وجوبِ الطَّهارة وردت للصلاة، والسَّجدة لا تسمى صلاةً، فالدليلُ على من شَرَطَ ذلك، وكذلك أوقاتُ الكراهة ورد النهيُ عن الصلاة فيها، فلا تشمَلُ السجدة الفردة) ((سبل السلام)) (1/209). والشوكاني قال الشوكاني: (روي عن بعض الصحابة أنَّه يُكْرَه سجود التلاوة الأوقاتَ المكروهة. والظاهر عدم الكراهة، لأنَّ المذكور ليس بصلاة، والأحاديث الواردة في النهي مختصَّة بالصلاة) ((نيل الأوطار)) (3/126). ، وابن باز قال ابن باز: (وأمَّا ذواتُ الأسبابِ؛ مثل: صلاة الكسوف، وسجود التلاوة، وصلاة الركعتين إذا دخل الإنسان المسجد وكان يريد الجلوس، وهي المعروفة بتحية المسجد- فتجوز في وقت النهي على الرَّاجِحِ من أقوال أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/291). وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (كلُّ صلاةٍ لها سببٌ؛ فإنَّها تُفْعَل ولو في وقتِ النَّهيِ، كسجود التلاوة، وتحيَّةِ المسجد، وما أشبه ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/309). ، وذلك؛ للأدلَّة الواردة في جوازِ صلاةِ ذواتِ الأسبابِ في أوقاتِ النَّهي تُنظر الأدلَّة في موضعها من (باب أوقاتُ النَّهي). .القول الثاني: لا يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي، وهذا مذهب الجمهور: الحنفية ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/85)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/262). والمالكية ((حاشيةالعدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/362)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/252). والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/158)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/258). . وذلك لعموم الأدلَّة الواردة في النَّهي تُنظر الأدلَّة في موضعها من (باب أوقاتُ النَّهي). . انظر أيضا: المطلَبُ الأَوَّل: مَشروعيَّةُ سُجودِ التِّلاوة. المطلب الثالث: عدد سَجَدات التِّلاوة.

تمهيدٌ: ليسَ في القُرآنِ أكثرُ مِن خَمسَ عَشرةَ سَجدةً.الدَّليل من الإجماع:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّه ليس في القرآن أكثرُ من خَمسَ عَشرةَ سجدةً). ((مراتب الإجماع)) (ص: 31). . الفَرْعُ الأَوَّلُ: مواضع السجود المتفق عليها اتَّفَق العلماءُ على سُجودِ عَشْرِ سجَدَات، وهي كالآتي:1- سورة الأعراف:في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: 206].2- سورة الرعد:في قوله: وَلِلهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [الرعد: 15].3- سورة النحل:في قوله: وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 49-50].4- سورة الإسراء:في قوله: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 107 – 109].5- سورة مريم:في قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58].6- والأُولى من سورة (الحج): في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18].7- سورة الفُرقان:في قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان: 60].8- سورة النَّمل:في قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل: 25-26].9- سورة (الم السجدة):في قوله: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15].10- سورة فُصِّلت:في قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت: 37، 38].الدَّليل من الإجماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم قال ابن حزم: (في القُرآن أربعَ عَشرةَ سجدةً: أولها في آخِر خاتمة سورة الأعراف، ثم في الرَّعد، ثم في النحل، ثم في سُبْحَانَ **الإسراء**، ثم في كهيعص **مريم**، ثم في الحج في الأُولى، وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النَّمل، ثم في الم تنزيل **السجدة**، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في وَالنَّجْمِ في آخرِها، ثم في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ عندَ قوله تعالى: لَا يَسْجُدُونَ **الانشقاق: 21**، ثم في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ في آخرها. وليس السجود فرضًا، لكنه فضل، ويسجُد لها في الصَّلاة؛ الفريضةِ والتطوُّع، وفي غير الصَّلاة في كلِّ وقتٍ، وعند طلوع الشَّمس وغروبها واستوائها إلى القِبلة، وإلى غير القِبلة، وعلى طهارة، وعلى غير طهارة. فأمَّا السجدات المتَّصلة إلى "الم تنزيل"، فلا خِلافَ فيها، ولا في مواضع السجود منها، إلَّا في سورة النمل، فإنَّ كثيرًا من الناس قالوا: موضع السجدة فيها عندَ تمام قراءتك رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ **النمل: 26**) ((المحلى)) (3/322). وقال أيضًا: (واتَّفقوا أنَّه ليس في القرآن أكثرُ من خَمسَ عشرةَ سجدةً، واتَّفقوا منها على عشر، واختلفوا في التي في ص، وفي الآخرة التي في "الحج"، وفي الثلاث اللَّواتي في المفصَّل، واتَّفقوا على أنَّ التي في "حم" و"الم" من عزائمِها) ((مراتب الإجماع)) (ص: 31). ، وابنُ حجر قال ابنُ حجر: (وقد أجمَع العلماء على أنَّه يسجد، وفي عشرة مواضع، وهي متوالية إلَّا ثانية "الحج" و"ص"، وأضاف مالكٌ "ص" فقط، والشافعيُّ في القديم ثانيةَ "الحج" فقط، وفي الجديد هي وما في المفصَّل، وهو قولُ عطاء، وعن أحمد مثله في رواية، وفي أخرى مشهورة زيادة "ص"، وهو قولُ الليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكيَّة، وابن المنذر وابن سُريج من الشافعيَّة، وعن أبي حَنيفة مثله، لكن نفَى ثانيةَ "الحج"، وهو قول داود) ((فتح الباري)) (2/551). ، وابن قُدامة قال ابن قُدامة: (ومواضِع السجدات ثابتةٌ بالإجماع، إلَّا سجَدات المفصَّل، والثانية من الحج) ((الكافي)) (1/272). .ونقَل ابنُ كثيرٍ الإجماعَ على سَجْدة سورة الأعراف قال ابنُ كثيرٍ: (وهذه أوَّل سجدة في القُرآن، ممَّا يُشرَع لتاليها ومستمِعِها السُّجودُ بالإجماع) ((تفسير ابن كثير)) (3/539) ، وسَجْدة سورة مريم قال ابن كثير: (وقال اللهُ تعالى في هذه الآية الكريمة: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا **مريم: 58**، أي: إذا سمِعوا كلامَ الله المتضمِّن حُججَه ودلائلَه وبراهينه، سجَدوا لربِّهم خُضوعًا واستكانة، وحمدًا وشكرًا على ما هم فيه من النِّعم العظيمة. "والبُكي": جمْع باكٍ؛ فلهذا أجمَع العلماءُ على شرعيَّة السجود هاهنا، اقتداءً بهم، واتباعًا لمنوالهم) ((تفسير ابن كثير)) (5/242). .ونقَل الإجماعَ في السَّجْدة الأولى من سورة الحجِّ: النوويُّ قال النوويُّ: (وأجمَعوا على السَّجدة الأُولى في "الحج") ((المجموع)) (4/62). .كما نقَل الإجماعَ في سجدة سورة السجدة: ابنُ بطَّال قال ابنُ بطَّال: (والفقهاء مُجمِعون على السُّجود فى سورة "تنزيل") ((شرح صحيح البخاري)) (3/54). .الفَرْعُ الثَّاني: سجدات سورة (الحج) وسورة (ص) والمفصلالمسألة الأولى: السَّجدَة الثانية من سُورة الحج مِن مواضِعِ سُجودِ التِّلاوةِ: قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]، وهذا مذهب الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/62)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/204). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/155)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/447). ، وهو قولُ ابنِ حَبيب، وابنِ وَهْبٍ من المالكيَّة قال أبو الوليد الباجي: (وقال ابنُ حبيب: عزائم السجود خمسَ عشرةَ سجدةً، فزاد إليها الآخرةَ من "الحج"، وقد رواه ابنُ عبد الحَكم عن ابن وهب) ((المنتقى))‏ (1/351). , وقولُ طائفةٍ من السَّلف قال النوويُّ: (وأجمَعوا على السَّجدة الأولى في "الحج"، واختلفوا في الثانية؛ فمِمَّن أثبتها عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، وعليٌّ، وابن عُمر، وأبو الدرداء، وأبو موسى، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو العالية، وزِرِّ بن حُبَيش، ومالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثورٍ، وداودُ رضي الله عنهم) ((المجموع)) (4/62). ، واختارَه ابنُ المنذرِ قال ابن المنذر: (وبالقول الأوّل أقول) ((الأوسط)) (5/273)، والقول الأوّل الذي ذكَره هو قولُه: (واختلفوا في السَّجدة الثانية في "الحج"، فممَّن رُوي عنه أنَّه كان يرَى أن يسجد في "الحج" سجدتين: عُمر بن الخطَّاب، وعليُّ بن أبي طالب، وعبدُ الله بن عمر، وأبو الدَّرداء، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمرٍو، وقال أبو إسحاق: أدركتُ الناسَ منذُ سبعين سنةً يسجُدون في "الحج" سجدتين، وهذا قولُ أبي عبد الرحمن السُّلَمي، وأبي العالية، وزِر بن حُبَيش، وبه قال الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثور) ((الأوسط)) (5/272). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وآيات سجود التلاوة كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ **الأعراف: 206**، وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ **الرعد: 15**، وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ **النحل: 49، 50**، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا **الإسراء: 107** الآية، وقوله: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا **مريم: 58**، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ **الحج: 18** الآية، وقوله: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا **الحج: 77**) ((جامع المسائل)) (3/355). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (وقد تقدَّم أنَّ هذه السورةَ فُضِّلت بسجدتين، وهذا دليلٌ على ثبوت السُّجود عند تلاوة هذه الآية) ((فتح القدير)) (3/470). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (وأمَّا عدَد السَّجَدات في القرآن الكريم، فإنَّ السجدات مبيَّنةٌ مُوضَّحة، وهي خمسَ عشرةَ سَجدةً، وفي "الحج" منها اثنتان) ((الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين)). وقال أيضًا: (وتفصيلها كما يأتي... وفي "الحج" منها اثنتان: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ **الحج: 18**. والثانية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ **الحج: 77**، وإنما نصَّ المؤلِّف على أنَّ في "الحج" اثنتين؛ للخلافِ في ذلك... فهذه أربعَ عشرةَ سجدةً: في "الأعراف"، و"الرعد"، و"النحل"، و"الإسراء"، و"مريم" و"الحج" اثنتان... وعلى هذا؛ فتكون السجدات خمس عشرة سجدة) ((الشرح الممتع)) (4/96). .الأدلة من الآثار:1- عن عَبدِ اللهِ بنِ ثَعْلبةَ قال: (صليتُ مع عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه الصُّبحَ، فقرأ فيها "الحج" فسجَد فيها سجدتين، قلتُ: الصُّبْحَ؟ قال: الصُّبح) أخرجه الشافعي في ((المسند- سنجر)) (335)، وابن أبي شيبة (4288)، والدارقطني في ((السنن)) (1522)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (3729) صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (5/106)، وقال البُوصِيري في ((الإتحاف)) (2/:55): (رجاله ثقات). .2- عن جُبَيرِ بن نُفيرٍ، أنَّ أبا الدرداء سجَد في "الحج" سجدتين أخرجه ابن أبي شيبة (4289)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2135)، والحاكم في ((المستدرك)) (3476)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (3737) صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (5/106)، وصحَّح إسنادَه العينيُّ في ((نخب الأفكار)) (5/531). . 3- عنِ نافعٍ مولى ابنِ عُمرَ: أنَّ ابنَ عُمرَ وأباهُ عُمرَ كانَا يَسجُدانِ في الحجِّ سَجدتينِ، وقال ابنُ عمرَ: لو سجدْتُ فيها واحدةً لكانَتِ السجدةُ في الآخرةِ أحبَّ إليَّ أخرجه عبد الرزاق (3/341)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (5/106). قال الحاكمُ: وقد صَحَّتِ الرِّواية فيه من قول عُمرَ بن الخطَّاب، وعبد اللَّه بن عبَّاسٍ، وعبد اللَّه بن عُمرَ، وعبد اللَّه بن مسعودٍ وأبي موسى، وأبي الدَّرداءِ وعمَّار رضِي اللَّهُ عنهم). ((المستدرك)) (2/423). .المسألة الثانية: سجدة سورة (ص) سجدة سورة (ص) عند قوله تعالى: وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص: 24] أحدُ مواضِع سجود التلاوة، وهذا مذهب الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/103)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/11). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/360)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/350). ، وقول بعض الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/61). ، ورِواية عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/441). ، وقول طائفةٍ من السَّلف وهو قول طاوس، وسعيد بن جُبَير، والحسن البصري، ومسروق، وأبي عبد الرحمن السُّلمي، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. ينظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (5/261). وقال ابن حجر: (وعن أحمد مثله في رِواية، وفي أخرى مشهورة زيادة "ص"، وهو قولُ الليث، وإسحاق، وابن وهب وابن حبيب من المالكيَّة، وابن المنذر وابن سُرَيج من الشافعيَّة) ((فتح الباري)) (2/551). ، واختاره ابنُ المنذر قال ابن المنذر: (وبالقول الأوّل أقول «أي: السجود فيها»؛ للثابت عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سجد فيها) ((الأوسط)) (5/261). ، وابنُ حزم قال ابن حزم: ((في القُرآن أربعَ عَشرةَ سجدةً: أولها في آخِر خاتمة سورة الأعراف، ثم في الرَّعد، ثم في النحل، ثم في سُبْحَانَ **الإسراء**، ثم في كهيعص **مريم**، ثم في الحج في الأُولى، وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النَّمل، ثم في الم تنزيل **السجدة**، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في وَالنَّجْمِ في آخرِها، ثم في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ عندَ قوله تعالى: لَا يَسْجُدُونَ **الانشقاق: 21**، ثم في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ في آخرها) ((المحلى)) (3/322). ، وابنُ باز قال ابن باز: (سجَدات التلاوة كلُّها سُنَّة، ليستْ حتميَّةً، وليست واجبة، وهي خمسَ عشرةَ سجدةً على الصَّحيح: منها سجدة آخِر الأعراف، وهي أولها،...وسجدة في سورة "ص"،... هذه خمسَ عَشرةَ سجدةً، سُنَّة كلها) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (24/406). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (وأمَّا سجدة "ص" فإنَّها سجدةُ شُكْرٍ، ولكنْ صَحَّ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّه رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسجدُ فيها. والصَّحيح: أنَّها سجدة تِلاوة. وعلى هذا؛ فتكون السَّجدات خمسَ عَشرةَ سجدةً، وأنَّه يسجدُ في "ص" في الصَّلاة، وخارج الصَّلاة) ((الشرح الممتع)) (4/98). .الأَدِلَّةُ:أوَّلًا: من السُّنة1- عن العَوَّام بن حَوْشَب، قال: ((سألتُ مجاهدًا عن سَجدة ص فقال: سألتُ ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْه: مِن أينَ سجدتَ في ص؟ فقال: أوَ ما تقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام: 84] إلى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] فكان داودُ ممَّن أُمِر نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَقتدي به، فسجَدَها داودُ، فسجَدَها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) أخرجه البخاري (4807). .2 - وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((ليس ص من عَزائمِ السجودِ، ورأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسجُدُ فيها)) أخرجه البخاري (1069، 3422). .ثانيًا: من الآثار1 - عن عُثمانَ بنِ عفَّانَ: أنَّهُ سجدَ في ص أخرجه عبد الرزَّاق (3/336)، وابن أبي شَيبةَ (2/9)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (1/73) (541). قال الهيثميُّ في ((مَجمَع الزوائد)) (2/288): رجالُه رجالُ الصَّحيح، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (9/2). .2 - وسجَد فيها ابنُ عباس كما تقدَّم في الحديث الأوَّل. المسألة الثالثة: السُّجود في المُفصَّل (النجم، والانشقاق، والعلق) من مواضِع السُّجود: قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم: 62]، وقوله تعالى: فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ [الانشقاق: 20-21]، وقوله تعالى: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19]، وهذا مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/104)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/193). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/59)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/196). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/155)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/447). ، ورِواية عن مالك ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/350)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/411). ، وقولُ طائفةٍ من السَّلف قال ابن قُدامةَ: (وممَّن رُوِي عنه أنَّ في المفصَّل ثلاثَ سجَداتٍ: أبو بكر، وعليٌّ، وابن مسعود، وعمَّار، وأبو هُرَيرَة، وابنُ عمر، وعُمرُ بن عبد العزيز، وجماعةٌ من التابعين، وبه قال الثوريُّ، والشافعيُّ، وأبو حَنيفة، وإسحاق) ((لمغني)) (1/441). ، واختاره ابنُ حزم قال ابنُ حزم: ((في القُرآن أربعَ عَشرةَ سجدةً: أولها في آخِر خاتمة سورة الأعراف، ثم في الرَّعد، ثم في النحل، ثم في سُبْحَانَ **الإسراء**، ثم في كهيعص **مريم**، ثم في الحج في الأُولى، وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النَّمل، ثم في الم تنزيل **السجدة**، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في وَالنَّجْمِ في آخرِها، ثم في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ عندَ قوله تعالى: لَا يَسْجُدُونَ **الانشقاق: 21**، ثم في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ في آخرها) ((المحلى)) (3/322). .الأدلة من السُّنة:1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((سَجَدْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: 1]، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1])) أخرجه مسلم (578). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرأ سورة النجم، فسَجَد فيها، وما بقِي أحدٌ من القوم إلَّا سجَد)) أخرجه البخاري (1070)، ومسلم (576). . انظر أيضا: المطلَبُ الأَوَّل: مَشروعيَّةُ سُجودِ التِّلاوة. المطلب الثاني: حُكم سُجود التِّلاوة.