التشهُّدُ الأوَّلُ والجلوسُ له واجبٌ، وهذا مذهبُ الحنفيَّةِ ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (1/466)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/133). ، والحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/83)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/249). ، وروايةٌ عن مالكٍ قال الدُّسوقيُّ: (وذكَر اللخميُّ قولًا بوجوب التشهُّد الأول) ((حاشية الدسوقي)) (1/243). قال ابن رجب: (وقال الثوريُّ، وأحمد - في ظاهر مذهبه - وإسحاق، وأبو ثور، وداود: إنْ ترك واحدًا منها عمدًا بطَلَت صلاته، وإن تركه سهوًا سجد لسهو، وحكَى الطحاوي مثله عن مالك) ((فتح الباري)) (5/166). ، وقولُ داودَ قال النَّوويُّ: (وقال الليث، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، وداود: هو واجب؛ قال أحمد: إنْ ترك التشهد عمدًا بطَلَت صلاتُه، وإن تركه سهوًا سجد للسهو، وأجزأته صلاته) ((المجموع)) (3/450). ، وذهَبَ إليه جمهورُ المُحدِّثينَ قال الشَّوكانيُّ: (فيه دليلٌ لمن قال بوجوب التشهُّد الأوسط، وهو أحمد في المشهور عنه، والليثُ، وإسحاق، وهو قولٌ للشافعيِّ، وإليه ذهب داود، وأبو ثور، ورواه النَّوويُّ عن جمهور المحدِّثين). ((نيل الأوطار)) (2/314). ، وهو قولُ ابنِ بازٍ قال ابن باز: (التشهُّد الأوَّل واجب) ((فتاوى نور على الدرب)) (9/297) ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (جعلهم التشهد الأول من السنة ليس بصحيح؛ لأنَّ التشهد الأول واجب لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه قال: (كنا نقول قبل أن يُفرَضَ علينا التشهُّد) فإنَّ قوله: "قبل أن يُفرَض علينا التشهد" يعم التشهد الأوَّل والثاني، لكن لَمَّا جَبَرَ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التشهد الأول بسجودِ السهو عُلِمَ أنَّه ليس بركن، وأنه واجب يُجبَر إذا تركه المصلي بسجودِ السَّهْو). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/57). وقال أيضًا: (الافتراشُ ليس واجبًا، بل هو سنة، والواجب هو الجلوس على أيِّ صفة). ((الشرح الممتع)) (3/324). .الأدلَّةُ مِن السنَّةِ:1- عن عبدِ اللهِ بنِ بُحَينةَ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بهم الظُّهرَ، فقام في الرَّكعتينِ الأُوليَيْنِ، لم يجلِسْ، فقام النَّاسُ معه، حتَّى إذا قضى الصَّلاةَ، وانتظَرَ النَّاسُ تسليمَه،كبَّرَ وهو جالسٌ، فسجَد سجدتينِ قبْلَ أنْ يُسلِّمَ، ثم سلَّمَ)) رواه البخاري (829)، ومسلم (570). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:الحديثُ: دليلٌ على أنَّ تَرْكَ التشهُّدِ الأوَّلِ سهوًا يجبُرُه سجودُ السَّهوِ، وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي)) رواه البخاري (631). . يدلُّ على وجوبِ التشهُّدِ الأوَّلِ، وجُبرانُه هنا عند تَرْكِه: دلَّ على أنَّه وإن كان واجبًا، فإنَّه يُجبَرُ بسجودِ السَّهوِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/202). .2- عن رِفاعةَ بنِ رافعٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أنتَ قُمْتَ في صلاتِكَ، فكبِّرِ اللهَ تعالى، ثم اقرَأْ ما تيسَّرَ عليك مِن القُرآنِ، وقال فيه: فإذا جلَسْتَ في وسَطِ الصَّلاةِ، فاطمئِنَّ وافتَرِشْ فخِذَك اليُسرى، ثم تشهَّدْ، ثم إذا قُمْتَ فمِثْلَ ذلك حتَّى تفرُغَ مِن صلاتِكَ)) رواه أبو داود (860)، والطبراني (5/39) (4528)، والبيهقي (2/133) (2912). قال الشَّوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (2/305): لا مطعنَ في إسناده. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (860). . وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ حديثَ المسيءِ صلاتَه أصلٌ في معرفةِ واجباتِ الصَّلاةِ ((نيل الأوطار)) للشوكانيِّ (2/202)، ويُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (1/166). .3- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإذا صلَّى أحدُكم فليقُلِ: التَّحيَّاتُ للهِ، والصَّلواتُ والطَّيِّباتُ، السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ)) رواه البخاري (831)، ومسلم (402). . 4- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قعَدْتُم في كلِّ ركعتينِ فقولوا: التَّحيَّاتُ للهِ...)) أخرجه النسائي (1163)، وأحمد (4160)، وابن خزيمة في ((الصحيح)) (720) صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (4/151)، وابنُ تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (22/496)، وقال الشَّوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/304): رواه أحمدُ من طرق بألفاظٍ فيها بعض اختلاف، وفي بعضها طولٌ، وجميعها رجالها ثِقات. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1163). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قولَه: ((فقولوا: التَّحيَّاتُ للهِ)) أمرٌ في كلِّ ركعتينِ، والأمرُ يُفيدُ الوجوبَ ((أصل صفة صلاة النبي)) للألباني (3/866). . 5- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعلِّمُنا التشهُّدَ كما يُعلِّمُنا السُّورةَ مِن القُرآنِ، فكان يقولُ: التَّحيَّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلواتُ الطَّيِّباتُ للهِ، السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ)) رواه مسلم (403). .فرع: صيغ التشهدمِن أصحِّ ما ورد في صِيغ التَّشهُّد:أوَّلًا: التحياتُ لله والصلواتُ والطَّيبات، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.فعن عبدِ الله بن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كنَّا نقول: التَّحية في الصلاةِ، ونسمِّي، ويسلِّم بعضُنا على بعض، فسمعه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: قولوا: التَّحياتُ لله والصلواتُ والطيبات، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه)) رواه البخاري (1202)، ومسلم (402). .ثانيًا: التحياتُ المباركات، الصلواتُ الطيِّبات لله، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاتُه، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله.فعن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنه قال: كان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: ((التحياتُ المباركات، الصلواتُ الطيِّبات لله، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاتُه، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله)) رواه مسلم (403). .ثالثًا: التحياتُ الطيباتُ، الصَّلوات لله، السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاتُه، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.فعن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإذا كان عندَ القعدةِ فليكنْ مِن أوَّل قولِ أحدِكم: التحياتُ الطيباتُ الصَّلوات لله السَّلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاتُه، السَّلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)) رواه مسلم (404). . انظر أيضا: المطلب الثاني: حُكمُ الصَّلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد التشهُّدِ الأوَّلِ. المطلب الثالثُ: الإسرارُ بالتشهُّدِ.

اختَلَف العلماءُ في الصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التشهُّدِ الأوَّلِ، على قولينِ:القولُ الأوَّلُ: لا يُزادُ في التشهُّدِ الأوَّلِ على التشهُّدِ، وهو مذهبُ الجمهورِ قال السمرقندي: (هل يُزاد على التشهُّد من الصلوات والدعوات؟ فنقول: في التشهد الأوَّل لا يزاد عليه شيء عند عامَّة العلماء) ((تحفة الفقهاء)) (1/137)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (7/341). : الحنفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/344)، وينظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/137). ، والمالكيَّةِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/250)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/480). المالكيَّة قالوا بالكراهة. ، والحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/56)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/413). ، والشافعيِّ في القديمِ قال النَّوويُّ: ("القديم" لا يُشرَع) ((المجموع)) (3/460). وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلفِ قال ابنُ المنذِر: (قال أبو بكر: فكرِه بعضهم الزيادةَ على التشهد في الركعتين الأُوليين، فكان عطاءٌ يقول في المثنى الأوَّل: إنما هو للتشهُّد، وقال طاوس في المثنى الأوَّل: ما أعلمه إلَّا التشهُّد قط، وهذا مذهب النخعي، وهو قول الثوري، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم من أصحابنا. وكان الشعبيُّ يقول: مَن زاد في الركعتين الأُوليين على التشهُّد فعليه سجدتَا السهو) ((الأوسط)) (3/379). وقال النَّوويُّ: ("القديم" لا يُشرع، وبه قطع أبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وحُكي عن عطاء، والشعبيِّ، والنخعيِّ، والثوريِّ) ((المجموع)) (3/460). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ نُجيم: (قال الطحاويُّ: مَن زاد على هذا فقد خالف الإجماعَ) ((البحر الرائق)) (1/344). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه لم يثبُتْ عنه أنَّه كان يفعَلُ ذلك فيه، ولا علَّمَه للأمَّةِ، ولا يُعرَفُ أنَّ أحَدًا مِن الصَّحابةِ استحَبَّه ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 360). .ثانيًا: لأنها لو شُرِعَتْ في هذه المواضعِ، لشُرِعَ فيها الدُّعاءُ بعدها، ولم يكُنْ فرقٌ بين التشهُّدِ الأوَّلِ والأخيرِ ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 360). .ثالثًا: لأنَّ التشهُّدَ الأوَّلَ موضوعٌ على التَّخفيفِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/134). ، فكان أبو بكرٍ إذا جلَس في الرَّكعتينِ كأنَّه على الرَّضْفِ أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3034). صحَّح إسناده ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/430). . القول الثاني: يُستحَبُّ الإتيانُ بالصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد التشهُد الأوَّل، وهو مذهبُ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/460)، ((روضة الطالبين)) (1/223). لكن الشافعيَّة يقولون بأنَّ الصلاة على (الآل) ليست بسُنَّة في التشهُّد الأوَّل. ينظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (2/237). ، واختارَه ابنُ هُبَيرةَ والآجُرِّيُّ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/56)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/413). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ونستحبُّ إذا أكمل التشهد في كلتا الجلستين أنْ يُصلِّي على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((المحلى)) (3/50). ، وابنُ بازٍ قال ابن باز: (وإنْ ترَك الصلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد التشهُّد الأوَّل فلا بأس؛ لأنَّه مستحبٌّ وليس بواجب في التشهُّد الأول) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/14). وقال أيضًا: (أمَّا التشهد الأوَّل في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فإنَّ الصحيح فيه أنه يُشرع أن يُصلِّي فيه على النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقط، أمَّا الدعاء فيكون في التشهد الأخير) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/163). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ الله تعالى أمَر المؤمنينَ بالصَّلاةِ والتَّسليمِ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فدلَّ على أنَّه حيث شُرِع التَّسليمُ عليه شُرِعَتِ الصَّلاةُ عليه ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 359). .ثانيًا: ولأنَّه مكانٌ شُرِعَ فيه التشهُّدُ والتَّسليمُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فشُرِعَ فيه الصَّلاةُ عليه كالتشهُّدِ الأخيرِ ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 359). .ثالثًا: ولأن التشهُّدَ الأوَّلَ محِلٌّ يُستحَبُّ فيه ذِكرُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستُحِبَّ فيه الصَّلاةُ عليه؛ لأنَّه أكمَلُ في ذِكرِه ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 359)، ((البيان)) للعمراني (2/237). . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التشهُّدِ الأوَّلِ والجلوسِ له. المطلب الثالثُ: الإسرارُ بالتشهُّدِ.