الفَرْعُ الأول: رفعُ اليدينِ عند تكبيرةِ الإِحرامِرفعُ اليدينِ عند تكبيرةِ الإحرامِ سنَّةٌ قال القرطبيُّ: (وأمَّا رفْعُ اليدينِ فليس بواجبٍ عند جماعة العلماء وعامَّة الفقهاءِ؛ لحديث أبي هريرة، وحديث رفاعة بن رافع، وقال داود وبعض أصحابه بوجوب ذلك عند تكبيرةِ الإحرام، وقال بعض أصحابه: الرَّفْعُ عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرَّفع من الركوع: واجبٌ، وإن مَن لم يَرْفَع يديه فصلاته باطِلَة، وهو قولُ الحُميديِّ، ورواية عن الأوزاعي). ((تفسير القرطبي)) (1/171). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/106)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/207). ، والمالكيَّةِ ((الشرح الكبير)) للدردير (1/418)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/323). ، والشافعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنووي (1/231)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/152). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/332)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/339). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المنذِر: (أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإن من السنَّة أن يرفع المرء يديه إذا افتتح الصلاة) ((الأوسط)) (3/300). وقال الماوردي: (أمَّا رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فمسنونٌ باتفاق) ((الحاوي الكبير)) (2/98). وقال النَّوويُّ: (أجمعتِ الأمَّةُ على استحباب رفْع اليدين عند تكبيرة الإحرام، واختلفوا فيما سواها). ((شرح النَّووي على مسلم)) (4/95). وقال ابنُ قُدامة: (لا نعلم خلافًا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وقال ابنُ المنذِر: لا يختلف أهل العلم في أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة). ((المغني)) (1/339). لكن حكى النَّووي خلافًا فقال: (أجمعتِ الأمَّةُ على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ونقل ابن المنذر وغيرُه الإجماعَ فيه، ونقَل العبدريُّ عن الزيديَّة أنَّه لا يرفعُ يديه عند الإحرام، والزيديةُ لا يُعتدُّ بهم في الإجماعِ، ونقَل المتولي عن بعض العلماء أنَّه أوجَبَ الرَّفْعَ، ورأيتُ أنَّ فيما علق من فتاوى القفال أنَّ الإمامَ البارع في الحديث والفقه أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي من متقدِّمي أصحابنا في طبقة المزني قال: إذا لم يرفَعْ يديه لتكبيرةِ الإِحرامِ لا تصحُّ صلاتُه؛ لأنَّها واجبة، فوجَبَ الرَّفع، بخلاف باقي التكبيراتِ؛ لا يجب الرَّفْعُ لها؛ لأنَّها غيرُ واجبةٍ، وهذا الذي قاله مردودٌ بإجماع مَن قبْله). ((المجموع)) (3/305). وقال أيضًا: (وأجمَعوا على أنَّه لا يجبُ شيءٌ من الرفع، وحُكِي عن داودَ إيجابُه عند تكبيرةِ الإحرام، وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيار السياري من أصحابِنا أصحابِ الوجوهِ، وقد حكيتُه عنه في شرح المهذب، وفي تهذيب اللغات) ((شرح النَّووي على مسلم)) (4/95). .الدليل مِن السُّنَّة:عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، عن أبيه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفَعُ يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذا افتَتَح الصَّلاةَ، وإذا كبَّرَ للرُّكوعِ، وإذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ رفَعَهما كذلك أيضًا، وقال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِده، ربَّنا ولك الحمدُ، وكان لا يفعَلُ ذلك في السُّجودِ)) [1803] رواه البخاري (735)، ومسلم (390). .الفَرْعُ الثَّاني: رفعُ اليدينِ عند الرُّكوعِ والرَّفعِ منهالرَّفعُ عندَ الرُّكوعِ والرَّفعِ منه سنَّةٌ قال ابنُ تَيميَّة: (وأمَّا رفْع الأيدي عند الركوعِ وعند الرفعِ بمِثل رَفْعِها عند الاستفتاحِ، فذلك مشروعٌ باتِّفاق المسلمين) ((مجموع الفتاوى)) (22/562). ، وهذا مذهبُ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/399)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/251). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/346)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/358). ، ومذهبُ مالكٍ في إحدى الرِّوايتينِ عنه قال أبو الوليد الباجي: (وأمَّا الموضِعُ الثاني فعند الانحطاطِ للرُّكوعِ، وعند الرَّفعِ منه؛ رَوى ابن القاسم عن مالك المنعَ منه، وبه قال أبو حنيفة، ورَوى ابن وهب وأشهب عنه الرفع، وبه قال الشافعي) ((المنتقى))‏ (1/142). وقال ابنُ قُدامة: ("ويرفع يديه كرَفْعِه الأوَّل"، يعني: يرفعهما إلى حَذْوِ مَنْكِبيه، أو إلى فروعِ أُذنيه، كفِعله عند تكبيرةِ الإحرامِ، ويكون ابتداءُ رفعه عند ابتداءِ تكبيرِه، وانتهاؤُه عند انتهائه، وبهذا قال ابن عمر، وابن عبَّاس، وجابر، وأبو هريرة، وابن الزُّبير، وأنس، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وسالم، وسعيد بن جبير، وغيرهم من التابعين، وهو مذهب ابن المبارك، والشَّافعي، وإسحاق، ومالك- في إحدى الرِّوايتينِ عنه). ((المغني)) (1/358). ، وبه قال أكثَرُ العلماءِ مِن الصَّحابةِ والتَّابعين ومَن بعدَهم قال النَّوويُّ: ("وأمَّا" رفعُهما في تكبيرةِ الركوعِ وفي الرفع منه، فمذهبنا: أنَّه سنَّةٌ فيهما، وبه قال أكثرُ العلماء من الصَّحابة والتابعين ومَن بعدَهم؛ حكاه الترمذيُّ عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وابن الزبير، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وعن جماعةٍ من التابعين، منهم: طاوس، وعطاء، ومجاهد، والحسن، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جُبَير، ونافع، وغيرهم، وعن ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وحكاه ابن المنذر عن أكثر هؤلاء، وعن أبي سعيد الخدري، والليث بن سعد، وأبي ثور، قال: ونقَله الحسن البصريُّ عن الصَّحابة رضي الله تعالى عنهم، قال: وقال الأوزاعيُّ: أجمَعَ عليه علماء الحجاز والشام والبصرة، وحكاه ابن وهب عن مالك، قال ابنُ المنذِر: وبه قال الإمامُ أبو عبد الله البخاري) ((المجموع)) (3/399). ، واختاره ابنُ بازٍ قال ابن باز: (السنَّة رفْعُ اليدينِ عند الإحرامِ، وعند الرُّكوع، وعند الرفع منه، وعند القيامِ إلى الثالثة بعد التشهُّد الأوَّلِ؛ لثبوتِ ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس ذلك واجبًا، بل سُنَّةٌ؛ فعَلَه المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفعَله خلفاؤه الراشدونَ، وهو المنقولُ عن أصحابِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/156). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (رفْع اليدينِ عند تكبيرةِ الإحرامِ، وعند الركوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وعند القيامِ مِنَ التشهُّد الأوَّلِ سُنَّة). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/66). .الأدلَّةُ مِن السُّنَّة:1- عن محمَّدِ بنِ عمرِو بنِ عطاءٍ قال: ((سمِعْتُ أبا حُمَيدٍ السَّاعديَّ في عشَرةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيهم أبو قَتادةَ، فقال أبو حُمَيدٍ: أنا أعلَمُكم بصلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا: فلِمَ؟ فواللهِ ما كنتَ بأكثرِنا تبِعةً ولا أقدَمِنا له صُحبةً! قال: بلى، قالوا: فاعرِضْ! فقال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ يرفَعُ يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يكبِّرُ حتَّى يقِرَّ كلُّ عَظْمٍ في موضِعِه معتدلًا، ثم يقرأُ ثم يكبِّرُ فيرفَعُ يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يركَعُ ويضَعُ راحتَيْهِ على رُكبتيه ثم يعتدِلُ، فلا يصُبُّ رأسَه ولا يُقنِعُ، ثم يرفَعُ رأسَه فيقولُ: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِده، ثم يرفَعُ يديه حتَّى يحاذيَ مَنْكِبَيْهِ، وذكَر الحديثَ، وفيه: ثم إذا قام مِن الرَّكعتينِ كبَّرَ ورفَع يدَيْه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ كما كبَّرَ عند افتتاحِ الصَّلاةِ، ثم يصنَعُ ذلك في بقيَّةِ صلاتِه، - وذكَر باقيَ الحديثِ - قالوا - صدَقْتَ، هكذا كان يُصلِّي)) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (877). قال الترمذيُّ: حسن صحيح. وقال البزار في ((البحر الزخار)) (9/162): لا نعلَمُه يُروى بأحسنَ من هذا الإسنادِ. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وقال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/942): حسنٌ صحيح. وصحَّحه موفَّق الدين ابن قدامة في ((الكافي)) (1/135)، والنَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416) وقال: متلقًّى بالقَبول لا عِلَّة له. وقال أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/105): له طرق. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304). .2- عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، عن أبيه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفَعُ يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذا افتَتَح الصَّلاةَ، وإذا كبَّرَ للرُّكوعِ، وإذا رفَع رأسَه من الرُّكوعِ رفَعهما كذلك أيضًا، وقال: سمِع اللهُ لِمَن حمِده، ربَّنا ولك الحمدُ، وكان لا يفعَلُ ذلك في السُّجودِ)) [1812] رواه البخاري (735)، ومسلم (390). .الفَرْعُ الثَّالِثُ: رفعُ اليدينِ عند القيامِ من التشهُّدِ الأوَّلِيُندَبُ رفعُ اليدينِ عند القيامِ مِن التشهُّدِ الأوَّلِ، وهذا وجهٌ للشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/447)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/266، 267). ، واختاره النَّوويُّ قال النَّوويُّ: (وقال آخرون من أصحابنا: يستحبُّ الرفع إذا قام من التشهُّد الأوَّل، وهذا هو الصوابُ) ((المجموع)) (3/447). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((الفروع)) لابن مفلح (2/211)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/64). اختارَها ابنُ تيميَّةَ قال المرداويُّ: (وعنه يرفعهما، اختاره المجد، والشيخ تقيُّ الدِّين، وصاحب الفائق، وابن عبدوس في تذكرته، قال في الفروع: وهو أظهرُ) ((الإنصاف)) (2/64). ، وابنُ مُفلِحٍ قال ابنُ مفلح: (ثم ينهضُ في ثلاثية أو رُباعية مكبِّرًا (و) «وفاقا للأئمة الثلاثة»، لا بعدَ قيامه (م) «خلافا لمالك»، ولا يرفع يديه (و) «وفاقا للأئمة الثلاثة»، وعنه بلى. اختاره صاحب المحرر، وحفيدُه، وشيخُنا، وهي أظهر) ((الفروع)) (2/211). ، والمَرداويُّ، وغيرُهم قال المرداويُّ: (وعنه يرفعهما، اختاره المجدُ، والشيخ تقي الدِّين، وصاحب الفائق، وابن عبدوس في تذكرته، قال في الفروع: وهو أظهر، قلت: وهو الصَّواب؛ فإنه قد صحَّ عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه إذا قام من التشهُّد الأول؛ رواه البخاري وغيره، وهو من المفردات) ((الإنصاف)) (2/64). ، وهو قولُ بعضِ المحدِّثينَ قال النَّووي في استحباب الرفْع إذا قام من التشهُّد الأول: (ممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب التهذيب فيه وفي شرح السنَّة، وغيرهم، وهو مذهب البخاريِّ وغيره من المحدِّثين) ((المجموع) (3/447). ويُنظر: ((صحيح البخاري)) (1/148) باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين قبل حديث (739)، ((الأوسط)) لابن المنذر (2/307، 369)، ((السنن الكبرى)) للبيهقي (2/196). ، واختارَه ابنُ بازٍ قال ابن باز: (السنَّة رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول؛ لثبوت ذلك عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وليس ذلك واجبًا، بل سنَّة، فعَله المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفعَله خلفاؤه الراشدون، وهو المنقول عن أصحابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/156). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول: سنَّة). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/66). .الدَّليلُ مِن السُّنَّة:عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ، قال: سَمِعتُه يحَدِّثُ قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام من السَّجدَتينِ كبَّرَ، ورفَعَ يَدَيه حتى يحاذِيَ بهما مَنكِبَيه، كما صنعَ حين افتتَحَ الصَّلاةَ)) [1822] رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، والنسائي (1181) واللفظ له، وابن ماجه (862) قال الترمذي (304): حسن صحيح، وصححه البيهقي في ((السنن الصغرى)) (1/160)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (22/453)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (304) . فائدةٌ:   لا يُشرَعُ رفعُ اليدينِ في غيرِ المواضعِ المذكورةِ قال ابن عُثَيمين: (المواضع الأربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول؛ فهذه المواضع صح بها الحديث عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "كان يرفع يديه إذا كبَّر للصلاة، وإذا كبَّر للركوع، وإذا قال: سمِع الله لمن حمده، وإذا قام من التشهُّد الأوَّلِ، قال: وكان لا يفعل ذلك في السُّجود"، فهذه المواضع صحَّ بها الحديثُ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أمَّا ما عداها فلم يثْبُت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يرفَعُ يديه، لا إذا سجد، ولا إذا قام من السجود، وعلى هذا فلا يُسَنُّ للإنسانِ أن يرفع يديه إذا سجد، ولا إذا قام من السُّجود) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/70). . انظر أيضا: المطلب الثاني: صفةُ رفعِ اليدينِ .

يُسَنُّ رفعُ اليدينِ إلى المَنْكِبَيْنِ، أو إلى الأُذُنَيْنِ، وهو مذهبُ الشافعيَّةِ قال النَّوويُّ: (وأمَّا محل الرَّفْع فقال الشافعيُّ في الأم، ومختصر المزني، والأصحابُ: يرفع حَذْوَ منكبيه، والمراد أنْ تحاذيَ راحتاه منكبيه، قال الرافعي: والمذهب أنه يرفعهما بحيث يحاذي أطرافُ أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شَحمتي أُذنيه، وراحتاه مَنْكِبيه، وهذا معنى قول الشافعي والأصحابِ رحمهم الله: يرفعهما حذو منكبيه، وهكذا قاله المتولي والبغوي والغزالي، وقد جمع الشافعي بين الرِّوايات بما ذكرناه، وكذا نقل القاضي أبو الطيِّب في تعليقه، وآخرون عن الشافعي: أنه جمَع بين الروايات الثلاث) ((المجموع)) (3/305) ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/99). والحنابلةِ ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/ 167)، وينظر: ((متن الخرقي)) (ص: 22)، ((المغني)) لابن قدامة (1/339). ، وبه قال بعضُ أهلِ الحديثِ قال ابنُ المنذِر: (وقال بعضُ أصحاب الحديث: المصلِّي بالخيار، إنْ شاء رفع يديه إلى المنكبين، وإنْ شاء إلى الأذنين، وهذا مذهب حسَنٌ، قال أبو بكر: وأنا إلى حديث ابن عمر أميلُ) ((الإشراف)) (2/6). وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (4/313). ، وابنُ عبدِ البرِّ قال ابن عبد البرِّ: (اختلفَتِ الآثارُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كيفيَّةِ رفع اليدين في الصَّلاةِ؛ فرُوِيَ عنه أنَّه كان يرفع يديه ما فوق أُذُنيه مع رأسه، ورُوِيَ عنه أنَّه كان يرفع يديه حَذوَ أذنيه، ورُوي عنه أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه، ورُوي عنه أنَّه كان يرفعهما إلى صَدْرِه، وكلها آثارٌ معروفة مشهورةٌ، وأثبتُ ما في ذلك حديثُ ابن عمر هذا، وفيه: «حَذْوَ مَنْكِبَيه»، وعليه جمهور التابعينَ وفقهاءُ الأمصار وأهل الحديث، وقد رَوى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الإحرامِ حَذْو منكبيه، وفي غير الإحرامِ دون ذلك قليلًا، وكلُّ ذلك واسعٌ حسَنٌ، وابن عمرَ روى الحديث وهو أعلم بمخرَجِه وتأويله، وكل ذلك معمولٌ به عند العلماء، انتهى). ((الاستذكار)) (1/ 412). ، واختارَه ابنُ بازٍ قال ابن باز: (سُنن الصَّلاة ومنها... رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذوَ المنكبينِ أو الأذنينِ، عند التكبيرِ الأوَّل، وعند الرُّكوع والرفع منه، وعند القيام من التشهُّدِ الأوَّل إلى الثالثة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/292). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (الرفعُ المشروعُ إمَّا إلى المنكبين، وإمَّا إلى فروع الأذنين). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/72). وقال أيضًا: (اختلفوا في العباداتِ الواردة على وجوه متنوِّعةٍ؛ هل الأفضل الاقتصارُ على واحدةٍ منها، أو الأفضل فِعْل جميعها في أوقات شتى، أو الأفضل أن يجمع بين ما يمكن جَمعُه؟ والصحيحُ: القول الثاني الوَسَط، وهو أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعَة تُفعَل مرَّةً على وجهٍ، ومرَّةً على الوجه الآخر، فهنا الرفعُ ورد إلى حَذْو منكبيه، ووَرَدَ إلى فروع أذنيه، وكلٌّ سنَّةٌ، والأفضلُ أن تَفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ ليتحقَّق فِعْلُ السنَّة على الوجهين، ولبقاء السنَّة حيَّةً؛ لأنك لو أخذت بوجْهٍ وتركتَ الآخرَ، مات الوجهُ الآخر، فلا يمكن أن تبقى السنَّة حيةً إلَّا إذا كنا نعمل بهذا مرَّةً، وبهذا مرة، ولأنَّ الإنسان إذا عَمِلَ بهذا مرة، وبهذا مرة، صار قلبه حاضرًا عند أداء السنَّة، بخلاف ما إذا اعتاد الشيءَ دائمًا، فإنه يكون فاعلًا له كفِعْلِ الآلة عادةً، وهذا شيءٌ مشاهَد؛ ولهذا مَن لزم الاستفتاحَ بِقَوْلِه: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» دائمًا تجِدُه من أوَّلِ ما يكبِّر يَشْرَع بـ: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» من غير شعورٍ؛ لأنَّه اعتاد ذلك، لكنْ لو كان يقول هذا مرَّة، والثاني مرة، صار منتبهًا، ففي فِعْل العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة فوائد: 1 - اتِّباع السنَّة. 2 - إحياءُ السنَّة) ((الشرح الممتع)) (3/29، 31). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن مالكِ بنِ الحُويرثِ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا كبَّرَ رفَعَ يديه حتى يحاذِيَ بهما أذُنَيه، وإذا ركعَ رفَعَ يَدَيه حتى يحاذِيَ بهما أُذُنَيه، وإذا رفَعَ رأسَه مِنَ الرُّكوعِ فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، فعَلَ مثلَ ذلك))  [1830] رواه البخاري (737)، ومسلم (391) واللفظ له. .2- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّه قال وهو في عشَرةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدُهم أبو قَتادةَ: أنا أعلَمُكم بصلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا: ما كنتَ أقدَمَ له صُحبةً، ولا أكثَرَنا له إتيانًا؟! قال: بلى، قالوا: فاعرِضْ! فقال: كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتَدَل قائمًا ورفَعَ يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يكبِّرُ، فإذا أراد أن يركَعَ رفَعَ يدَيْهِ حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم قال: اللهُ أكبَرُ، وركَع...)) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (709) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسن صحيح، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وصححه النَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416)، وقال: متلقًّى بالقَبول لا علة له، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304). .3- عن ابنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفَعُ يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذا افتَتَح الصَّلاةَ...)) [1832] رواه البخاري (735)، ومسلم (390). .ثانيًا: أنَّ كِلَا الأمرينِ مرويٌّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأصلُ أنْ يُعمَلَ بكلِّ حديثٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/339)، ((حجة الله البالغة)) للدهلوي (1/238). . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: مواضِعُ رفعِ اليدينِ.