سَترُ العورةِ شرطٌ لصحَّةِ الصَّلاةِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [1552] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/95)، ((الفتاوى الهندية)) (1/58). ، والشافعيَّة [1553] ((المجموع)) للنووي (3/166)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/184). ، والحنابلة [1554] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/267)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/413). ، والظاهرية [1555] قال ابنُ حزمٍ: (ستر العورة فرضٌ عن عين الناظر، وفي الصَّلاة جملةً، كان هنالك أحدٌ أو لم يكن) ((المحلى)) (رقم 346)، وهو اختيارُ داود الظاهريِّ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/167). ، وقولٌ للمالكيَّة [1556] قال الحطاب: (قال القاضي عبد الوهاب: اختلف أصحابُنا؛ هل ستر العورة من شرائط الصلاة مع الذِّكر والقُدرة، أو هي فرضٌ وليست بشَرْط في صِحَّة الصلاة، حتى إذا صلَّى مكشوفًا مع العِلم والقدرة يسقط عنه الفرضُ وإنْ كان عاصيًا آثمًا؟ انتهى. ثم ذكر أنَّ القول الأول اختيارُ أبي الفرج, والثاني اختيار القاضي إسماعيل والأبهري وابن بُكير) ((مواهب الجليل)) (2/177). وينظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/212) ((الذخيرة)) للقرافي (2/101، 102)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/212)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/376، 379)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قرَنَ أخْذَ الزينة بذِكر المساجدِ، والزينةُ المأمورُ بها هي الثيابُ الساترةُ للعورةِ؛ لأنَّ الآيةَ نزلتْ من أجلِ الذين كانوا يَطوفونَ بالبيتِ عُراةً، وهذا ما لا خِلافَ فيه بين العلماءِ ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/376). .ثانيًا: من السُّنَّةعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ حائضٍ [1558] حائضٍ: أي: بلغت سِنَّ المحيض، وجرى عليها القلم. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/143). إلَّا بخِمارٍ)) رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه ( 655) حسنه الترمذي (377(، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/369)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/155)، وأحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (3/219) والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (641)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/107)، وابن باز في ((مجموع فتاواه)) (10/409). .ثالثًا: الإجماع على إفسادِ مَن ترَكَ ثوبَه وهو قادرٌ على الاستتارِ به، وصلَّى عُريانًا [1560] قال ابنُ عبد البَرِّ: (استدلَّ مَن جعَل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماعِ على إفساد مَن ترك ثوبه وهو قادرٌ على الاستتار به وصلَّى عريانًا) ((التمهيد)) (6/379)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/413). .رابعًا: أنَّ المصلِّي يُناجي ربَّه، فيُشترَطُ في حقِّه أفضلُ الهَيئاتِ، والمكشوفُ العورةِ ليس كذلك ((الذخيرة)) للقرافي (2/102). . انظر أيضا: المَطلَب الأوَّل: حدُّ العَورةِ. المطلب الثاني: الصَّلاةُ في الثَّوْبِ المُحَرَّمِ. المطلَبُ الثَّالِثُ: صلاةُ العُراةِ.

الفرعُ الأوَّل: عورةِ الرَّجُلِ في الصَّلاةِ وستر العاتقين وصفة ما يلبسه في الصلاةالمسألةُ الأُولى: حَدُّ عورَةِ الرَّجُلعورةُ الرَّجُلِ ما بين السُّرَّةِ والرُّكبةِ جمهور أهلِ العلم على أنَّ الركبة والسُّرة ليستَا من العورة، وخالف الحنفيَّة في الركبة، وقالوا: الركبة من العورَةِ، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة. أمَّا السوأتانِ فهما عورة بإجماعِ أهلِ العلم. ينظر: ((البناية)) للعيني (2/122)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/102)، ((المجموع)) للنووي (3/169)، ((المغني)) لابن قدامة (1/414). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/95)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/257). ، والمالكيَّة [1564]  ((التاج والإكليل)) للمواق (1/498)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/114). ، والشافعيَّة على الصَّحيح [1565] ((المجموع)) للنووي (3/167، 168)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/185). ، والحنابلة [1566] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/266، 267)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/413 - 416). ، وبه قال أكثرُ الفُقهاءِ قال ابنُ قُدامة: (الصالح في المذهب: أنَّها من الرجل ما بين السُّرة والركبة؛ نصَّ عليه أحمد في روايةِ جماعة، وهو قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء) ((المغني)) (1/413). . الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخرمَةَ قال: أقبلتُ بحجرٍ أحملُه ثقيلٍ، وعليَّ إزارٌ خفيفٌ، قال: فانحلَّ إزاري ومعي الحجرُ لم أستطعْ أنْ أضعَه حتى بلغتُ به إلى موضعِه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ارجعْ إلى ثوبِكَ فخُذْه ولا تَمشُوا عُراةً)) [1568] رواه مسلم (341). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: في الحديث الأمر بأخْذ الإزارِ، وهو يسترُ ما بين السُّرَّة والرُّكبةِ [1569] ينظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (1/133)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/162). . 2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا رآه مشتمِلًا بثوبه: ((فإنْ كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإنْ كان ضيِّقًا فاتَّزِرْ به)) [1570] رواه البخاري (361)، ومسلم (3010). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: ((فاتَّزِر به)) دلَّ على وجوبِ سَترِ ما بينَ السُّرة والركبةِ [1571] ينظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (1/133)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/162). .ثانيًا: لأنَّ ما حولَ السَّوأتينِ مِن حريمِهما، وسترُه تمامُ سترِهما، والمجاورةُ لها تأثيرٌ في مثلِ ذلك، فوجب أن يُعطَى حكمَهما [1572] ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 262). . المسألة الثَّانية: السُّرَّةُ والرُّكبةُ ليستَا مِنَ العورةِالرُّكبةُ والسُّرَّةُ ليستَا مِنَ العورةِ، وهو مذهبُ الجمهور: المالكيَّة [1573] ((التاج والإكليل)) للمواق (1/498)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/130)، ، والشافعيَّة [1574] ((المجموع)) للنووي (3/167-168)، وينظر:((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/172). ، والحنابلة [1575] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/318) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/226). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي الدرداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كنتُ جالسًا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ أَقبَلَ أبو بكر آخذًا بطَرَفِ ثوبِه حتى أبْدَى عن رُكبتِه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَّا صاحبُكم فقدْ غامَرَ [1576] قوله: ((غامَر)): أي: خاصَم، والمعنى: دخَل في غَمرة الخُصومة. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/163) و(7/25). )) [1577] رواه البخاري (3661). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّه على كشْفِ الرُّكبةِ ولم يُنكِرْ عليه؛ فدلَّ على أنَّ الركبةَ ليستْ عورةً [1578] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/79). . 2- عن أبي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ حائطًا وأَمَرني بحِفظِ بابِ الحائطِ، فجاءَ رجل يستأذِنُ، فقال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنَّةِ؛ فإذا أبو بكرٍ، ثم جاءَ آخَرُ يستأذِنُ، فقال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنِّةِ؛ فإذا عمرُ، ثم جاءَ آخَرُ يستأذنُ، فسكَتَ هُنيهةً، ثم قال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنَّةِ على بَلوَى ستُصيبُه؛ فإذا عثمانُ بنُ عفَّان)). وفي رواية زاد: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان قاعدًا في مكانٍ فيه ماءٌ، قد انكشَفَ عن رُكبتيه - أو رُكبته - فلمَّا دخل عثمانُ غطَّاها)) رواه البخاري (3695)، ومسلم (2403). . وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان كاشفًا عن رُكبتيهِ وهو مع أصحابِه، ولو كانتْ عورةً ما كشَفَها ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/33). . ثانيًا: ولأنَّهما حدُّ العورةِ فلم يكونَا منها [1581] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/226). المسألة الثَّالثة: سَتْرُ العاتقَينِ للرَّجُلِ في الصَّلاةِاختَلف أهلُ العلمِ في اشتراطِ أنْ يَجعَلَ الرَّجلُ على عاتقيه العاتق: موضعُ الرداء من المنكِب، مُذكَّر وقد يُؤنَّث. يُنظر: ((شرح أبي داود)) للعيني (3/155)، ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 907). شيئًا في الصَّلاة وقد حكَى ابنُ رجب الإجماعَ على استحباب سَتر العاتقين في الصلاة، وأنَّه هو الأفضلُ، فقال: (قد أجمع العلماءُ على استحباب ذلك، وأنه الأفضلُ، بل كرِهوا للمصلِّي أن يجرِّدَ عاتقيه في الصلاة. قال النَّخَعيُّ: كان الرجل من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا لم يجد رداءً يُصلِّي فيه وضَع على عاتقيه عقالًا ثم صلى، وقال النخعي - أيضًا -: كانوا يكرهون إعراءَ المناكب في الصلاة، خرَّجهما ابن أبي شيبة في كتابه، وقد سبَق قولُ ابن عمر، ورُوي عنه مرفوعًا: «إذا صلَّى أحدكم فليلبسْ ثوبه؛ فإنَّ الله أحقُّ أن يُتزيَّن له»، وفي روايةٍ عنه: «إذا صلَّى أحدكم فليتَّزِرْ ولْيرتَدِ») ((فتح الباري)) (2/152). على قولين:القول الأوّل: يُستَحَبُّ أن يَضعَ الرجلُ على عاتِقَيْه شيئًا في الصَّلاة، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/404)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/412). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/249)، وينظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/499). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/289)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/173). ، وبه قال أكثرُ الفقهاءِ قال ابنُ رجب: (لو صلَّى مكشوفَ المنكبين، فقال أكثرُ الفقهاء: لا إعادةَ عليه، وحُكي رواية عن أحمد) ((فتح الباري)) (2/152). ، وهو روايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/415)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/152). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (من العلماء مَن استحبَّ الصلاة في ثوبين، واستحبوا أن يكون المصلِّي مُخمَّرَ العاتقين وكرهوا أن يُصلِّي الرجل في ثوب واحد مؤتزرًا به ليس على عاتقه منه شيءٌ، إذا قدَر على غيره، وأجمع جميعهم أنَّ صلاة مَن صلَّى بثوب يستر عورته جائزةٌ) ((التمهيد)) (6/375). . الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن أبي هُرَيرَة، قال: نادَى رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أيُصلِّي أحدُنا في ثوبٍ واحدٍ؟ فقال: ((أوَ كُلُّكم يَجِدُ ثَوبينِ؟!)) [1590] رواه البخاري (365)، ومسلم (515). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ فيه مشروعيَّةُ الصَّلاةِ في الثَّوبِ الواحِدِ، وأنَّ الصَّلاةَ في الثَّوبينِ ليست على الوجوبِ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ وأصحابَه قد صلَّوْا في ثوبٍ واحدٍ ومعهم ثيابٌ ينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/151)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/172). .2- عن سعيدِ بنِ الحارثِ قال: سأَلْنا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ عن الصَّلاةِ في الثوبِ الواحدِ، فقال: ((خرجتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، فجئتُ ليلةً لبعضِ أَمْري فوجدتُه يُصلِّي وعليَّ ثوبٌ واحد فاشتملتُ به وصليتُ إلى جانبه، فلما انصرَف قال: ما السُّرَى قوله: ((ما السُّرَى؟)): السُّرى: السَّير بالليل، و(ما السُّرَى؟) هو استفهامٌ عن سبب سُراه بالليل، والسؤال ليس عن نفْس السُّرى، بل عن سببِه. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (4/68). يا جابر؟ فأخبرتُه بحاجتي، فلمَّا فرغتُ قال: ما هذا الاشتمالُ الذي رأيتُ؟ قلت: كان ثوبًا - يعني: ضاقَ - قال: فإنْ كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإنْ كان ضيِّقًا فاتَّزِرْ به)) [1593] رواه البخاري (361)، ومسلم (3010). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:قولُه: (فاتَّزِرْ به) يعني: إنْ قَصُرَ عن سَتْرِ جَسَدِه فلْيَسْتُر به عورَتَه؛ لأنَّ سَتْرَها آكَدُ مِن سَتْرِ سائِرِ جَسَدِه؛ لأنَّ سَتر جَسَده سُنَّة وفضيلةٌ، وسَتْر عَوْرَتِه فريضةٌ، وإنَّما أَمَرَه بالالتحافِ بالثَّوبِ الكامِلِ ليجمعَ في اللِّباسِ بين الفَضْلِ والفَرْضِ؛ فإذا قَصُرَ الثَّوْبُ عن ذلك أَمَرَه بالاتِّزارِ به؛ لأنَّه الفَرْضُ ((المنتقى)) لابن الجارود (1/250) ثانيًا: أنَّ العاتقينِ ليسَا بعورةٍ، فأشبَها بقيَّةَ البدنِ ((المغني)) لابن قدامة (1/415). .القول الثاني: يُشترَطُ سَترُ العاتقِ بشيءٍ، وهو مذهبُ الحنابلةِ [1596] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/266، 267)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/413 - 416)، ، لكن عندهم أنَّ ذلك شرطٌ في الفرض لا النافلة. ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (وفرضٌ على الرجل - إنْ صلَّى في ثوب واسع - أن يطرحَ منه على عاتقه أو عاتقيه، فإنْ لم يفعل بطَلَتْ صلاتُه، فإنْ كان ضيِّقًا اتَّزر به وأجزَأَه، كان معه ثيابُ غيره أو لم يكُنْ) ((المحلى)) (2/390). ، والشوكانيُّ وعنده شرطٌ إذا كان الثوب واسعًا، فقال: (والمراد أنَّه لا يشدُّ الثوبَ في وسَطه فيُصلي مكشوفَ المنكبينِ، بل يتَّزِرُ به ويرفع طرَفَيه فيلتَحِف بهما، فيكون بمنزلةِ الإزارِ والرداءِ، هذا إذا كان الثَّوبُ واسعًا، وأمَّا إذا كان ضيِّقًا جاز الاتِّزارُ به من دون كراهةٍ، وبهذا يُجمَع بين الأحاديث كما ذكره الطحاويُّ وغيره. واختاره ابنُ المنذر، وابن حزم، وهو الحقُّ الذي يتعيَّن المصيرُ إليه، فالقول بوجوب طرْح الثوب على العاتق والمخالفة من غير فرْق بين الثوب الواسع والضيِّق تركٌ للعمل بهذا الحديث، وتعسيرٌ منافٍ للشريعة السمحة) ((نيل الأوطار)) (2/85). ، وابنُ باز قال ابن باز في جوابه عن حُكم سَتْر العاتقينِ في الصلاة، خصوصًا أيَّام الحجِّ أثناءَ الإحرام: (إنْ كان عاجزًا فلا شيءَ عليه؛ لقولِ الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ **التغابن: 16**، ولقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «إنْ كان الثَّوبُ واسعًا فالتحِفْ به، وإن كان ضَيِّقًا فاتَّزِر به» متَّفَقٌ على صحَّته، أمَّا مع القُدرةِ على سَتْرِ العاتقين أو أحَدِهما، فالواجبُ عليه سَتْرُهما أو أحدِهما في أصحِّ قَوْلَيِ العُلماءِ، فإنْ تَرَكَ ذلك لم تصحَّ صلاتُه؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لا يُصلِّي أحدُكم في الثَّوبِ الواحِدِ؛ ليس على عاتقِه منه شيءٌ» متفق على صحَّته) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/415). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُصلِّي أحدُكم في الثوبِ الواحدِ ليسَ على عاتقيه شيءٌ)) [1600] رواه البخاري (359)، ومسلم (516). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه نَهى عن ترْكِه في الصَّلاة، والنهيُ يَقتضي فسادَ المنهيِّ عنه ((المغني)) لابن قدامة (1/415). .ثانيًا: أنَّها سترةٌ واجبةٌ في الصَّلاة، والإخلالُ بها يُفسِدُها، كسترِ العورةِ ((المغني)) لابن قدامة (1/415). .المسألةُ الرَّابِعَة: حُكْمُ التَّجَمُّلِ بأحسَنِ الثِّيابِيُستحَبُّ أنْ يَتجمَّلَ الرجلُ بأحسنِ الثِّيابِ عند الصَّلاةِ؛ نصَّ عليه الحنفيَّة [1603] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/162)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/114)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (4/191). ، والمالكيَّة [1604] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/113). ، والشافعيَّة [1605] ((المجموع)) للنووي (3/173)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/13) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/187). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه يُستحبُّ التجمُّلُ للصلاةِ بأحسنِ الثِّيابِ؛ لأنَّه من الزينةِ [1606] قال ابنُ كثير: (ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السُّنة، يستحبُّ التجمُّلُ عند الصلاة، ولا سيَّما يومُ الجُمُعة ويومُ العيد، والطِّيِبُ؛ لأنَّه من الزينة) ((تفسير ابن كثير)) (3/406). .ثانيًا: من السُّنَّةعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا صَلَّى أحدُكم فلْيَلْبَسْ ثوبيه؛ فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن يُزيَّن له, فإنْ لم يكن له ثوبانِ, فليتَّزرْ إذا صلَّى, ولا يَشتمِلْ أحدُكم في صلاتِه اشتمالَ اليهودِ)) رواه الطحاويُّ في ((شرح معاني الآثار)) (1/377) (2057)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (9/144) (9368)، والبيهقي (2/235) (3397). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (3/173)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (5/308)، وأحمد شاكر في ((تحقيق المسند)) (9/133)، وجوَّد إسنادَه ابنُ القَطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5/283)، وحسَّنه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (2/54)، وصحَّحه الألبانيُّ على شرط الشيخينِ في ((أصل صفة الصلاة)) (1/146). .ثالثًا: أنَّ المقصودَ من اللِّباسِ التزيُّنُ للهِ في الصَّلاةِ؛ ولذلك جاء باسمِ الزِّينةِ في القرآنِ ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 314). .الفرعُ الثاني: حدُّ عورةِ المرأةِ في الصَّلاةِ، وحُكْمُ انتقابِها في الصَّلاةِالمسألة الأولى: حدُّ عورةِ المرأةِ في الصَّلاةِيجِبُ على المرأةِ في الصَّلاةِ سَترُ جميعِ جِسمِها، ما عدَا الوجهَ قال ابنُ قُدامَةَ: (لا يختَلِفُ المذهَبُ في أنَّه يجوز للمرأةِ كَشْفُ وَجْهِها في الصَّلاة، ولا نعلمُ فيه خلافًا بين أهلِ العِلم) ((المغني)) (1/430)، وينظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/43)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/181)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/365)، ((المجموع)) للنووي (3/169)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/150). والكفَّينِ وذهب الحنفية إلى عدم وجوب ستر القدمين خلافا للمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة. ((الهداية)) للمرغيناني (1/43). وذهب الحنابلة إلى وجوب ستر الكفين خلافا للحنفية والمالكية والشافعية. ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/150). وهو مذهبُ المالكيَّة [1611] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/238)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/181). ، والشافعيَّة ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (1/347)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/167). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وإنْ كانت امرأةً فكلُّ ثوب يُغيِّب ظهورَ قدميها ويستر جميعَ جسدها وشعرها فجائزٌ لها الصلاةُ فيه؛ لأنَّها كلها عورة إلَّا الوجه والكفين، على هذا أكثرُ أهل العِلم) ((التمهيد)) (6/364). ، واختارَه ابنُ حزمٍ [1614] قال ابنُ حزمٍ: (والعورة المفترَض سترُها على الناظر، وفي الصلاة:... وهي من المرأة: جميع جسمها، حاشَا الوجه، والكفَّين فقط) ((المحلى)) (2/241). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (المرأة كلُّها عورة في الصلاة إلَّا وجهَها، واختلف العلماء في الكفَّين: فأوجب بعضُهم سَتْرَهما، ورخَّص بعضهم في ظهورهما، والأمْر فيهما واسعٌ إنْ شاء الله، وسترهما أفضلُ؛ خروجًا من خلافِ العلماء في ذلك. أمَّا القدمان: فالواجبُ سَتْرُهما في الصلاة عند جمهورِ أهل العِلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/410، 411). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (إجماعُ العلماء على أنَّ للمرأةِ أن تُصلِّي المكتوبةَ، ويداها ووجهُها مكشوفٌ ذلك كلُّه منها تباشِرُ الأرض به، وأجمعوا "على" أنَّها لا تُصلِّي متنقبةً ولا عليها أن تَلبس قُفَّازينِ في الصَّلاة، وفي هذا أوضحُ الدلائل على أنَّ ذلك منها غيرُ عورةٍ) ((التمهيد)) (6/365)، وينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 29). .الأَدِلَّةُ:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المرأةُ عورةٌ)) رواه الترمذي (1173)، والبزار (2061)، وابن خزيمة (1685)، وابن حبان (5598). قال الترمذي: حسن غريب، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/201)، وصححه ابن القطان في ((أحكام النظر)) (137)، ووثق رجال إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) ( 5/318)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/38). وصحح الحديث على شرط مسلم الوادعي في ((الصحيح المسند)) (881)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (273). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه، قال: ((لا يَقبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ)) رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (540). من حديث عائشة رضي الله عنها. احتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/90)، وحسَّنه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/369)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/107)، وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/155)، وصحَّحه أحمدُ شاكر في تحقيق ((المحلى)) (3/219)، وصحَّح إسنادَه ابن باز في ((مجموع فتاواه)) (10/409)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (641). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ فيه النَّهيُ عن كشفِ الرَّأس قال ابنُ المنذر: (وأجْمَعوا على أنَّ الحُرَّةَ البالِغَ تُخمِّر رأسها إذا صلَّت، وعلى أنَّها إنْ صلَّت وجميعُ رأسها مكشوف، أنَّ عليها إعادةَ الصلاة) ((الإجماع)) (ص: 43). والعُنُق ونحوهما مما يُسترُ بالخمارِ، ويقتضي ذلك أنَّ الوجهَ لا يُسترُ في الصَّلاة، فدلَّ على أنَّه ليس مِن عورتِها في الصَّلاةِ. ثانيًا: أنَّ وجهَها ليس بعورةٍ في الإحرامِ، فكذلك في الصَّلاةِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/105). .ثالثًا: أنَّ قَدَمَيِ المرأةِ لا يَجِبُ كَشْفُهما في الإحرامِ فلم يَجِبْ كَشْفُهما في الصَّلاةِ كالسَّاقَينِ ((المغني)) لابن قدامة (1/431) . المَسألةُ الثانية: انتقابُ المرأةِ في الصَّلاةِلا تَنتقِبُ المرأةُ في الصَّلاة بلا حاجةٍ.الأدلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ [1622] قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَعَ العلماءُ على أنَّها لا تُصلِّي متنقبةً ولا متبرقعة) ((الاستذكار)) (2/201). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/432). .ثانيًا: أنَّ وجهَها ليس بعورةٍ في الإحرامِ، فكذلك في الصَّلاةِ [1623] ((الذخيرة)) للقرافي (2/105). .الفرعُ الثالث: حدُّ عورةِ الخُنْثى المُشكِلِ الحُرِّاختَلفَ أهلُ العلمِ في حدِّ عورةِ الخُنْثى المُشكِلِ الخنثى: مَنْ له آلة الرِّجال والنِّساء، والشخص الواحد لا يكون ذكرًا وأنثى حقيقةً؛ فإمَّا أن يكون ذكرًا، وإمَّا أن يكون أُنثى. والخنثى الواضِح: مَن ظهرت فيه إحدى العلامتَينِ. والخنثى المشكِل: مَن وُجِدتْ فيه علاماتُ الذكر والأنثى، واستوتْ فيه، أو أنه ليس له واحدةٌ من الآلتين، وإنَّما له ثُقبٌ بين فخذيه يبولُ منه لا يشبه واحدًا من الفرجينِ. ينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/327)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/610 - 611). الحُرِّ نصَّ الحنفيَّةُ والشافعيَّة بأنَّ عورةَ الرقيق مثل عورة الأمَة. ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 161)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/404)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/185) ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/8). على قولينِ:القول الأوّل: عورتُه كعورةِ المرأةِ الحُرَّةِ؛ نصَّ على هذا الجمهور: الحنفيَّة [1626] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/288)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/404). ، والمالكيَّة [1627] ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/623)، ((منح الجليل)) لابن عليش (9/719،717). ، والشافعيَّة [1628] ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/8)، ((حاشية الجمل)) (1/411). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ [1629] قال المرداويُّ: (الرواية الثانية: عورتُه كعورة المرأة؛ اختاره القاضي في أحكام الخُنثى) ((الإنصاف)) (1/318). ؛ وذلك لجوازِ أنْ يكونَ أنثى، فكان أمرُه على الاحتياطِ بأنْ يَستتِرَ سترَ المرأةِ ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (1/288)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/623). .القول الثاني: عورتُه كعورةِ الرَّجُلِ، ويُستحَبُّ سترُه كالحُرِّةِ احتياطًا، وهو مذهبُ الحنابلةِ [1631] ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/266)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/433-434). ، واختارَه ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (والخُنثى المشكل كالرجل في أَشهر الوجهين؛ لأنَّ الأصل براءةُ ذِمَّته ممَّا زاد على ذلك. وفي الآخر هو كالمرأة؛ لأنَّه لا يتبيَّن براءةُ ذِمَّته إلا بذلك، وبكل حال فالمستحبُّ له أن يستترَ كالمرأةِ احتياطًا) ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (ص: 269). ؛ وذلك لأنَّ سترَ ما زاد على عورةِ الرجلِ مُحتمَلٌ، فلا نُوجِبْ عليه حُكمًا بأمْرٍ مُحتمَل متردِّد [1633] ((المغني)) لابن قدامة (1/433-434). . انظر أيضا: تمهيد: حُكْمُ سَتْرِ العَورَةِ في الصَّلاةِ . المطلب الثاني: الصَّلاةُ في الثَّوْبِ المُحَرَّمِ. المطلَبُ الثَّالِثُ: صلاةُ العُراةِ.

الفَرْعُ الأوَّلُ: صلاةُ الرجُلِ في ثوبِ حريرٍلا يحلُّ للرَّجُلِ لُبسِ ثوبِ الحريرِ، لا في الصَّلاةِ ولا خارجَها، إلَّا إذا لم يَجِدْ غيرَه.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي عُثمانَ النهديِّ، قال: أتانا كتابُ عُمرَ، ونحن مع عُتبةَ بنِ فَرقدٍ بأذربيجان: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهَى عن الحريرِ إلَّا هكذا، وأشار بإصبعيه اللَّتينِ تَليانِ الإبهامَ، قال: فيما عَلِمْنا أنَّه يعني: الأعلامَ [1634] وهو ما يكون في الثِّيابِ من تطريفٍ وتطريزٍ ونحوهما. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/268) ) [1635] رواه البخاري (5828)، ومسلم (2069). . 2- عن عُمرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما يَلبَسُ الحريرَ في الدُّنيا مَن لا خَلاقَ له في الآخِرةِ)) [1636] رواه البخاري (5835)، ومسلم (2068). .3- عن أبي موسى الأشعريِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُحِلَّ الذهبُ والحريرُ لإناثِ أمَّتي، وحُرِّمَ على ذُكورِها)) رواه الترمذي (1720)، والنسائي (8/161)، وأحمد (4/392) (19521). قال الطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (12/310): هذا مِن أحسَنِ ما رُوي في هذا الباب. وصحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (2/224)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/189): إسنادُه على شرط البخاري ومسلم. وقال محمد الأمين الشِّنقيطيُّ في ((أضواء البيان)) (3/292): مرسَلٌ معتضِد بأحاديثَ كثيرةٍ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (8/161). .ثانيًا: من الإجماع نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [1638] قال النوويُّ: (أجمَع العلماءُ على أنَّه يَحرُم على الرجلِ أن يُصلِّي في ثوبِ حريرٍ؛ هذا التحريمُ إذا وجَد سترةً غيرَ الحرير) ((المجموع)) (3/180). .الفَرْعُ الثاني: الصَّلاةُ في الثوبِ المَغصوبِتَحرُمُ الصَّلاةُ في الثوبِ المغصوبِ ونحوِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة [1639] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 141). ، والمالكيَّة [1640] ((الذخيرة)) للقرافي (2/110). ، والشافعيَّة [1641] ((روضة الطالبين)) للنووي (1/288)، ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/103). ، والحنابلة [1642] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/57). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (ولا تجوز الصلاةُ في أرض مغصوبة ولا متملَكة بغير حقٍّ من بَيع فاسد، أو هبة فاسدة، أو نحو ذلك من سائرِ الوجوه... وكذلك الصلاةُ على وطاء مغصوبٍ، أو مأخوذٍ بغير حق. أو على دابَّة مأخوذةٍ بغير حقٍّ، أو في ثوبٍ مأخوذ بغير حقٍّ، أو في بناء مأخوذ بغير حق، وكذلك إن كان مساميرُ السفينة مغصوبةً، أو خيوط الثوب الذي خِيط بها مغصوبة) ((المحلى)) (2/351). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال الشوكانيُّ: (وأمَّا المنع مِن لُبس الثوب المغصوب؛ فلكونه ملكَ الغيرِ، وهو حرامٌ بالإجماع) ((الدراري المضية)) (1/80). .الدليل من السُّنَّة:عن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطبَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ النَّحر، قال: ((... فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، إلى يومِ تَلقَوْنَ ربَّكم..)) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679). .الفَرْعُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ الصَّلاةِ في الثَّوْبِ المَغْصوبِ الصَّلاة في الثَّوبِ المغصوبِ صحيحةٌ مع كونِها حرامًا، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/404)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/116). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/504)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/253). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/180). ، وروايةٌ عن أحمد [1649] ((المغني)) لابن قدامة (1/420)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/322). ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ [1650] قال النوويُّ: (مذهبنا صحَّة الصلاة في ثوب حرير، وثوب مغصوب وعليهما، وبه قال جمهورُ العلماء، وقال أحمدُ في أصحِّ الروايتين: لا يصحُّ) ((المجموع)) (3/180). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1651] قال النوويُّ: (الصلاة في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا، وعند الجمهورِ من الفقهاء وأصحابِ الأصول، وقال أحمد بن حنبل، والجُبائيُّ وغيرُه من المعتزلة: باطلة، واستَدلَّ عليهم الأصوليُّون بإجماعِ مَن قبلهم) ((المجموع)) (3/164). وقال النوويُّ أيضًا- عند مسألة الصلاة في الثوب المغصوب -: (ودليلُنا ما سبَق في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة، والله أعلم) ((المجموع)) (3/180). .وذلك لأنَّ النهيَ ليس لمعنًى في الصَّلاةِ؛ فلا يَمنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ [1652] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/116). . انظر أيضا: تمهيد: حُكْمُ سَتْرِ العَورَةِ في الصَّلاةِ . المَطلَب الأوَّل: حدُّ العَورةِ. المطلَبُ الثَّالِثُ: صلاةُ العُراةِ.

الفَرْعُ الأوَّلُ: صَلاةُ العُرْيانِالمسألة الأولى: العُريانُ إذا لم يجِدْ سُترةًالعُريانُ إذا لم يجِدْ سُترةً، صلَّى عُريانًا، ولا إعادةَ عليه، وذلك في الجُملةِ.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (إذا عَدِم السُّترةَ الواجبة فصلَّى عاريًا، أو ستَر بعض العورة وعجز عن الباقي، وصلَّى، فلا إعادةَ عليه، سواء كان من قوم يعتادون العُري، أم غيرهم، وحَكى الخُراسانيُّون فيمن لا يَعتادون العري وجهًا أنَّه يجب الإعادة... وهو ضعيفٌ ليس بشيء، وقد قال الشيخ أبو حامد في التعليق: لا أعلم خلافًا بين المسلِمين أنَّه لا يجب الإعادةُ على مَن صلَّى عاريًا للعجز عن السُّترة) ((المجموع)) (3/183). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وكذلك العُريان: كالذي تنكسِر به السَّفينة، أو يأخذ القطَّاع ثيابَه؛ فإنَّه يُصلِّي عريانًا، ولا إعادةَ عليه باتِّفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (21/224). وقال أيضًا: (وقد اتَّفق المسلمون...على أنَّ العريان إذا لم يجِد سُترةً، صلَّى، ولا إعادةَ عليه) ((مجموع الفتاوى)) (21/441). ووقَع خُلافٌ في الإعادة في الوقت؛ قال الحطَّاب: (وكذلك من صلَّى عريانًا لكونِه لم يجِد ثوبًا يستتر به، ثم وجد ما يستترُ به، فإنَّه إن كان قريبًا منه أخذه واستتر به، وكَّمل صلاته، وإن لم يكن قريبًا، فإنَّه يُكمل صلاته، ثم يعيدها في الوقت) ((مواهب الجليل)) (2/194). وقال الخَرَشيُّ: (لا عاجز صلَّى عريانًا (ش)... والمعنى: أنَّ العاجزَ عن السِّتر بكلِّ شيءٍ إذا صلَّى عريانًا، ثم وجَد ما يستترُ به في الوقت، فلا إعادةَ عليه، ولم يحكِ ابنُ رشد خلافَه، وجعَل المازريُّ المذهبَ الإعادة في الوقت؛ قال بعضهم: وهو الجاري على تقديمِ النَّجس والحَرير على التعرِّي؛ لأنَّه إذا لزمتِ الإعادةُ مَن صلَّى فيهما مع تقديمهما على التعرِّي، فلْتَلزم مع التعرِّي الأضعف منهما أحْرى، وأمَّا على تقديم التعرِّي عليهما، فلا إشكال...) ((شرح مختصر خليل)) (1/25). .المسألة الثانية: قِيامِ العُريانِ إذا صلَّى وحْدَه العُريانُ إذا صلَّى وحْدَه يُصلِّي قائمًا، وهو مذهبُ المالكيَّة [1655] ويُعيد في الوقت استحبابًا. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/221). ، والشافعيَّة [1656] ((المجموع)) للنووي (3/182)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/175). ، وروايةٌ عن أحمد [1657] قال المرداويُّ: (وعنه - أي: الإمام أحمد - أنَّه يُصلي - أي: العاجز عن سَتْر عورته - قائمًا ويسجُد بالأرض - يعني: يلزمه ذلك) ((الإنصاف)) (1/327). ، وبه قال بعضُ السَّلف [1658] قال النوويُّ: (إذا لم يجِد سترةً يجب لُبسُها، وجَبَ عليه أن يُصلِّي عريانًا قائمًا، ولا إعادةَ عليه، هذا مذهبنا، وبه قال عُمرُ بن عبد العزيز، ومجاهد، ومالك) ((المجموع)) (3/183). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (يُصلِّي العاري قائمًا لا جالسًا) ((اختيارات الشيخ ابن باز وآراؤه الفقهية في قضايا معاصرة)) لخالد آل حامد (1/398). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ)) [1660] رواه البخاري (1117). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنه علَّق الصَّلاةَ قاعدًا على عدمِ الاستطاعةِ، والقيامُ ركنٌ؛ فوجَبَ ألَّا يجوزَ تَرْكُه مع القُدرةِ عليهِ [1661] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/176). . ثانيًا: لأنَّه لا يُجزِئ أحدًا أنْ يُصلِّيَ جالسًا وهو يَقدِرُ على القيامِ ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239). .ثالثًا: لأنَّ المحافظةَ على الأركانِ- كالقِيامِ، والركوعِ، والسجودِ- أَوْلى من المحافظةِ على بعضِ الفَرْضِ وهو السَّترُ ((المجموع)) للنووي (3/182). .الفَرْعُ الثاني: صلاة الجَماعةِ للعُراةِالمسألةُ الأولى: صِفةُ صَلاةِ الجَماعةِ للعُراةِالعراةُ يُصلُّونَ جماعةً صفًّا واحدًا لئلَّا يرى بعضُهم عورةَ بعض. ، ويقومُ إمامُهم وسْطَهم، وهذا مذهبُ الشافعيَّة [1665] الشافعيَّة قالوا: لهم أن يُصلُّوا جماعةً وفُرادَى؛ فإنْ صلَّوا جماعةً وهم بصراءُ وقَف إمامهم وسْطَهم، فإنْ خالف ووقَف قُدَّامهم صحَّت صلاتُه، وإنْ كانوا عميًا أو في ظُلمة بحيث لا يرى بعضهم بعضًا، استحبَّ الجماعة، ويقف إمامُهم قُدَّامهم. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/185)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/285)، ((الأم)) للشافعي (1/111). ، والحنابلة [1666] الحنابلة قالوا: إنْ تقدَّم عليهم الإمامُ بطَلَتْ صلاتُهم، فإنْ كانوا عميانًا، أو كانوا في ظلمة يجوز أن يتقدَّمهم الإمامُ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/273)، ((المغني)) لابن قدامة (1/427). ، واختارَه ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لو انكسرتْ سفينةُ قوم أو سَلَبهم المحاربون ثيابَهم صلَّوْا عُراةً بحسب أحوالهم، وقام إمامُهم وَسْطَهم؛ لئلَّا يرى الباقون عورتَه) ((مجموع الفتاوى)) (28/389). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعمومُ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفذِّ بخمسٍ وعشرينَ درجةً)) رواه البخاري (645)، ومسلم (650) من حديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ لفظَ الجماعةِ عامٌّ يدخُلُ فيه كلُّ جماعةٍ، ومنها جماعةُ العُراةِ [1669] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/66). .ثانيًا: أنَّ العُراةَ يُمكنهم الجماعةُ من غير ضررٍ، فلزمتْهم كالمستترِينَ [1670] ((المغني)) لابن قدامة (1/428)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (1/617). .ثالثًا: أنَّ قيامَ الإمامِ وسْطَهم أستَرُ من أن يَتقدَّمَ عليهم [1671] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/273). .المسألة الثَّانية: قِيامِ العُراةِ في صلاةِ الجماعةِالعراةُ إذا صَلَّوا جماعةً يُصلُّون قِيامًا، وهو مذهبُ المالكيَّة [1672] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/106). ، والشافعيَّة [1673] ((المجموع)) للنووي (3/182)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/111). ، وروايةٌ عن أحمدَ [1674] ((المغني)) لابن قدامة (1/428). . وذلك للآتي:أوَّلًا: للنُّصوصِ الدالَّة على وجوبِ الركوعِ والسجودِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/107). .ثانيًا: أنَّ القيامَ والركوعَ والسجودَ أركانٌ متَّفَق عليها، والسُّترة شرطٌ مختلَف فيه، والأركان مُقدَّمةٌ على الشروطِ، والمجمَع عليه مُقدَّمٌ على المختلَف فيه ((الذخيرة)) للقرافي (2/107). .ثالثًا: لأنَّه لا يُجزئ أحدًا أن يُصلِّي جالسًا وهو يَقدِرُ على القيامِ ((الكافي)) لابن عبد البر (1/239). . انظر أيضا: تمهيد: حُكْمُ سَتْرِ العَورَةِ في الصَّلاةِ . المَطلَب الأوَّل: حدُّ العَورةِ. المطلب الثاني: الصَّلاةُ في الثَّوْبِ المُحَرَّمِ.