الفَرْعُ الأَوَّلُ: الطَّهارَةُ من الحَدَثِ الأَصْغَرِ والأكبرالطَّهارةُ من الحَدَثِ الأصغرِ والأكبرِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلاةِ.الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب1- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6].2- قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6].ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تُقبَلُ صلاةُ مَن أَحدَثَ حتَّى يَتوضَّأَ)) رواه مسلم (225). .2- عن عبدِ اللهِ بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: إنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ، ولا صَدقةٌ من غُلولٍ)) رواه مسلم (224). .ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ قال ابنُ المنذر: (أجمَع أهلُ العلمِ على أنَّ الصلاةَ لا تُجزئُ إلَّا بطهارةٍ إذا وجد المرءُ إليها السَّبيلَ). ((الإجماع)) (ص: 33). ، وابنُ حَزمٍ [850] قال ابنُ حزمٍ: (الوضوءُ للصَّلاة فرضٌ، لا تُجزئ الصلاةُ إلَّا به لِمَن وجَد الماءَ؛ هذا إجماعٌ لا خِلافَ فيه من أحد). ((المحلى)) (1/90). وقال أيضًا: (وقدْ أجمع أهلُ الأرض قاطبةً من المسلمين على أنَّ صلاة التطوُّع لا تُجزئ إلَّا بطهارةٍ، من وُضوء، أو تيمُّم، أو غُسل ولا بدَّ). ((المحلى)) (1/92). ، وابنُ بَطَّالٍ [851] قال ابنُ بطَّال: (أجمعتِ الأمَّة على أنَّه لا تُجزئُ صلاةٌ إلَّا بطهارةٍ). ((شرح صحيح البخاري)) (1/218). ، والنوويُّ [852] قال النوويُّ: (وقوله: "هي شرطٌ في صحَّة الصلاة" هذا مُجمَع عليه، ولا تصحُّ صلاةٌ بغير طُهورٍ، إمَّا بالماءِ، وإمَّا بالتيمُّمِ بِشَرْطِه، سواءٌ صلاةُ الفَرْضِ والنفل وصلاةُ الجنازة، وسجودُ التلاوة والشكر، هذا مَذْهَبُنا، وبه قال العلماءُ كافَّة، ونقل أصحابنا عن الشعبيِّ ومحمد بن جرير جوازَ صلاةِ الجنازة للمُحْدِث؛ لأنَّها دعاءٌ، وهذا باطلٌ؛ فقد سمَّاها الله تعالى ورسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاة، ولا تُقبل صلاة بغير طهور). ((المجموع)) (3/131). ، والعراقيُّ قال العراقيُّ - في بابِ شُروطِ الصلاة بعد أن ذَكَر حديث ((لا يَقبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم...)) -: (... فيه فوائد: الأولى: استدلَّ به العلماءُ على اشتراطِ الطَّهارةِ في صحَّة الصلاةِ، وهو مُجمَعٌ عليه؛ حكَى الإجماعَ في ذلك جماعةٌ من الأئمَّة). ((طرح التثريب)) (2/188). .الفَرعُ الثَّاني: صلاةُ المُحدِثِ ناسيًا مَن صلَّى بغيرِ طَهارةٍ ناسيًا أو جاهلًا بحدثه، فعَليه الإعادةُ.الدَّليل من الإجماع:نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (قد نزَعَ قومٌ في جوازِ بناء المحدِث على ما صلَّى قبل أن يُحدِث إذا توضَّأَ بهذا الحديثِ، ولا وجهَ لِمَا نزَعوا به في ذلك؛ لأنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَبنِ على تكبيره لِمَا بَيَّنَّا قبلُ في هذا الباب، ولو بنَى ما كان فيه حُجَّةٌ أيضًا؛ لإجماعهم على أنَّ ذلك غيرُ جائزٍ اليوم لأحدٍ، وأنه منسوخٌ بأنَّ ما عمِله المرءُ من صلاتِه وهو على غير طهارةٍ لا يُعتدُّ به؛ إذ لا صلاةَ إلَّا بطُهورٍ). ((التمهيد)) (1/188). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (وأجمعوا على أنَّها لا تصحُّ منه «أي المحدث»، سواء إنْ كان عالِمًا بحدَثه، أو جاهلًا، أو ناسيًا، لكنَّه إن صلَّى جاهلًا أو ناسيًا، فلا إثمَ عليه). ((المجموع)) (2/67). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (مَن نسِي طهارةَ الحدَث، وصلَّى ناسيًا، فعليه أن يُعيدَ الصَّلاةَ بطهارة، بلا نِزاع). ((مجموع الفتاوى)) (22/99). ، وابنُ رجب قال ابنُ رجب: (وحكى ابن عبد البر عن قوم أنَّهم جوَّزوا البِناء على ما مضى من صلاته محدِثا ناسيًا، وأشار إلى أنَّه قولٌ مخالف للإجماع؛ فلا يُعتدُّ به، وليس في الحديث أنَّ النبيَّ بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناسٍ لجَنابتِه، فإنْ قُدِّر أنَّ ذلك وقع فهو منسوخ؛ لإجماع الأمَّة على خِلافِه). ((فتح الباري)) (3/600). وقال أيضًا: (مَن صلَّى بغير طهارة ناسيًا، فإنَّ عليه الإعادةَ بالإجماع). ((فتح الباري)) (3/600). .الفرعُ الثَّالث: فاقدُ الطَّهورَينِمَن لم يَجِدْ ماءً ولا تُرابًا، أو مُنِعَ منهما لسببٍ مُعتَبَرٍ كأنْ يكون محبوسًا، أو مأسورًا على سرير، أو يكون مريضًا لا يستطيع استعمالَ الماء والتراب، وما أشبه ذلك. ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/487). ، صلَّى على حسَبِ حالِه، ولا إعادةَ عليه، وهذا مذهبُ الحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/205)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/253). ، وهو قولُ أشهبَ من المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/529)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/200). ، وقولٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/279، 280). ومذهبُ الشافعيَّة على الصحيح: أنَّه يصلي على حاله، إلَّا أنَّهم أوجبوا عليه الإعادة، يُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/278)، ((الإقناع)) للشربيني (1/88). وهو قولُ أبي يوسف من الحنفيَّة، يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/209)، (المحيط البرهاني)) لابن مازة (1/149). ، وهو اختيارُ البخاريِّ في كتاب التيمم، باب إذا لم يجِد ماءً ولا ترابًا. وذكر فيه ما يدلُّ على أنَّ مَن لم يجد ماءً ولا ترابًا أنه يُصلِّي على حسب حاله. وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/29). ، وابنِ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (من كان محبوسًا في حضر أو سفر بحيث لا يجد ترابًا ولا ماءً، أو كان مصلوبًا وجاءتِ الصلاةُ، فليصلِّ كما هو، وصلاته تامَّة ولا يُعيدها، سواء وَجَدَ الماءَ في الوقت أو لم يَجِدْه إلا بعدَ الوقت). ((المحلى)) (2/138). ، والنوويِّ قال النوويُّ: (نقَل إمامُ الحرمين والغزالي: أنَّ أبا حنيفةَ رحمه الله قال: كلُّ صلاة تفتقر إلى القضاء لا يجب فِعْلُها في الوقتِ، وأنَّ المُزَنيَّ رحمه الله قال: كلُّ صلاةٍ وجبت في الوقت، وإنْ كانت مع خلل لم يجب قضاؤُها، قالا: وهما قولان منقولانِ عن الشافعيِّ رحمه الله، وهذا الذى قاله المزنيُّ هو المختارُ؛ لأنَّه أدَّى وظيفةَ الوقت، وإنَّما يجب القضاء بأمر جديدٍ، ولم يثبت فيه شيءٌ، بل ثبت خلافُه، والله أعلم). ((المجموع)) (2/337، 338). ، وابنِ تَيميَّة ((مجموع الفتاوى)) (21/ 295)، ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 34). ، وابنِ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/487) ، وبه صَدَرَتْ فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الثانية)) (6/375). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب1- قولُ اللهِ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].2- وقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].وجْه الدَّلالةِ من الآيتَينِ: أنَّ الشَّارعَ أسقطَ عنَّا ما لا نَستطيعُ ممَّا أَمرَنا به، وأَبقَى علينا ما نستطيعُ ((المحلى)) لابن حزم (1/363). .3- قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ اللهَ تعالى حرَّم علينا ترْكَ الوضوءِ أو التيمُّمِ للصَّلاةِ، إلَّا أن نضطرَّ إليه، والممنوعُ من الماءِ والترابِ مضطرٌّ إلى ما حرّم عليه من ترْكِ التَّطهُّرِ بالماءِ أو الترابِ؛ فسقَط تحريمُ ذلك عليه، وهو قادرٌ على الصَّلاةِ بتوفيتِها أحكامَها، وبالإيمانِ، فبَقِيَ عليه ما قدَرَ عليه ((المحلى)) لابن حزم (1/363). .4- قوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة: 6].5- وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَةَ، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((دَعُوني ما تَركتُكم؛ إنَّما هلَك مَن كان قَبلَكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نَهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتُم)) رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّها استعارتْ من أسماءَ قلادةً فهلكتْ، فبَعثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا فوَجدَها، فأدركتْهم الصَّلاةُ وليس معهم ماءٌ فصَلَّوْا، فشَكَوْا ذلك إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَنزلَ اللهُ آيةَ التيمُّمِ، فقال أُسيدُ بنُ حُضَيرٍ لعائشةَ: جزاكِ اللهُ خيرًا، فواللهِ ما نزَلَ بكِ أمرٌ تَكرهينَه إلَّا جعَلَ اللهُ ذلكِ لكِ وللمسلمينَ فيه خيرًا)) [871] رواه البخاري (336)، ومسلم (367). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هؤلاءِ الذين بعَثَهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّوْا من غيرِ طهارةٍ لَمَّا فقَدُوا الماءَ، وأقرَّهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو كانتِ الإعادةُ واجبةً لبيَّنها لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إذ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، ولم يكُنْ وقتَها قدْ شُرِعَ التيمُّمُ، فيكون في حُكمِهم مَن فقَدَ الماءَ والترابَ ولهذه المناسبة ترجم البخاريُّ للحديث: "باب إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا"، مع أنَّهم إنما فقدوا الماءَ فقط. ((فتح الباري)) (ص: 285)، ويُنظر: ((المحلى)) (رقم 246)، ((تفسير القرطبي)) (6/105)، ((المجموع)) للنووي (2/281). .3- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وجُعِلتْ لي الأرضُ طيِّبةً طَهورًا ومسجدًا؛ فأيُّما رجلٍ أدركتْه الصَّلاةُ صلَّى حيثُ كان)) رواه البخاري (335)، مسلم (521). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ قوله: ((أيُّما رجلٍ من أمَّتي أدركتْه الصَّلاةُ، فليصلِّ))، عامٌّ لا يخرُج عنه شيءٌ، فمَن استطاع التطهُّرَ بالماءِ فَعَل، ومَن استطاع التطهُّرَ بالتيمُّمِ فَعَل، ومَن لم يستطعْ صلَّى على حسَبِ حالِه؛ لأنَّه أتى بما قدَرَ عليه، فوجَب أن يَخرُجَ عن العُهدةِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/254)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/390). .ثالثًا: أنَّ ذلك ما يَقتضيه المحافظةُ على الوقتِ الذي هو أعظمُ شروطِ الصَّلاة، والذي مِن أجْلِه شُرِعَ التيمُّم ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/390). .رابعًا: أنَّ ما أوجبَه اللهُ تعالى ورسولُه، أو جعَلَه شرطًا للعِبادةِ، أو رُكنًا فيها، أو وقَف صِحَّتها عليه، هو مُقيَّدٌ بحالِ القُدرةِ؛ لأنَّها الحالُ التي يُؤمَرُ فيها به، وأمَّا في حالِ العجزِ، فغيرُ مقدورٍ ولا مأمورٍ؛ فلا تتوقَّفُ صِحَّةُ العبادةِ عليه ((حاشية ابن القيِّم على سنن أبي داود)) (1/89، 90). .خامسًا: أنَّ الطهارةَ شرطٌ؛ فلمْ تُؤخِّرِ الصَّلاةَ عند العجزِ، كسائرِ شروطِ الصَّلاة، كاستقبالِ القِبلةِ، وسَتْرِ العورةِ ((المجموع)) للنووي (2/281)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/29، 30). .سادسًا: أنَّ إيجابَ الإعادةِ يؤدِّي إلى إيجابِ نفْسِ الصَّلاةِ عن يومٍ واحدٍ مرَّتينِ [878] ((المجموع)) للنووي (2/281). . انظر أيضا: المَطلَب الثَّاني: الطَّهارَةُ مِن النَّجَسِ. المَطلَب الثَّالِثُ: المواضِعُ التي يُنْهَى عن الصَّلاةِ فيها .

تمهيد:  الطهارةُ من النَّجسِ في البَدنِ والثَّوبِ والمكانِ شرطٌ في صحَّةِ الصَّلاة، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [879] ((تبيين الحقائق للزيلعي، مع حاشية الشلبي)) (1/95)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/114). ، والشافعيَّة [880] ((المجموع)) للنووي (3/131، 132)، وينظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 90). ، والحنابلة [881] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/288)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/48). ، وهو قول للمالكيَّة [882] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/201)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/117)، ((المنتقى))‏ للباجي (1/41)، ((تفسير القرطبي)) (8/262). ، وحُكيَ عن عامَّة العلماءِ [883] قال النوويُّ: (صلاةُ الفرض والنفل وصلاةُ الجنازة، وسجود التلاوة والشكر، فإزالة النجاسة شرطٌ لجميعها، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف، وعن مالكٍ في إزالة النجاسة ثلاثُ روايات، أصحُّها وأشهرها: أنه إنْ صلَّى عالِمًا بها لم تصحَّ صلاته، وإنْ كان جاهلًا أو ناسيًا صحَّت، وهو قول قديمٌ عن الشافعي، والثانية: لا تصحُّ الصلاة، عَلِم أو جهِل أو نسي، والثالثة: تصحُّ الصلاة مع النجاسة وإنْ كان عالِمًا متعمدًا، وإزالتُها سُنَّة. ونقل أصحابُنا عن ابن عباس وسعيد بن جُبير نحوَه، وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيِّب: وعامَّة العلماء على أنَّ إزالتَها شرط إلَّا مالكًا). ((المجموع)) (3/132). وقال ابنُ قُدامة: (الطهارة من النجاسة في بدن المصلِّي وثوبه شرطٌ لصحة الصلاة في قول أكثرِ أهل العلم؛ منهم ابن عبَّاس، وسعيد بن المسيَّب، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي). ((المغني)) (2/48). ، وحُكيَ الإجماع على ذلك قال ابنُ عبد البَرِّ: (قد أجمَعوا أنَّ مِن شرْطِ الصلاةِ: طهارةُ الثياب، والماء، والبدن). ((التمهيد)) (22/242). وقال أيضًا: (احتجُّوا بإجماعِ الجمهور الذين هم الحُجَّة على مَن شذَّ عنهم، ولا يُعدُّ خِلافُهم خلافًا عليهم، أنَّ مَن صلى عامدًا بالنجاسة يَعلمُها في بدنه أو ثوبه، أو على الأرض التي صلَّى عليها وهو قادرٌ على إزاحتِها واجتنابها وغسلها ولم يفعلْ، وكانت كثيرةً: أنَّ صلاته باطلة... فدلَّ هذا على ما وصَفْنا من أمر رسول اللهِ بغسل النجاسات وغسلها له من ثوبه، على أنَّ غسل النجاسةِ فرضٌ واجبٌ). ((الاستذكار)) (1/332). وقال أيضًا: (قال بعضُ مَن يرى غسل النجاسة فرضًا: لَمَّا أجمعوا على أنَّ الكثير من النجاسة واجبٌ غسله من الثوب والبدن، وجَب أن يكونَ القليل منها في حُكم الكثير كالحدث قياسًا ونظرًا؛ لإجماعهم على أنَّ قليل الحدث مثلُ كثيره في نقضِ الطهارة وإيجابِ الوضوء فيما عدَا النومَ، وكذلك دمُ البرغوث... وهذا كلُّه أصلٌ وإجماع.. قالوا: ولَمَّا أجمعوا - إلَّا من شذَّ ممن لا يُعدُّ خلافًا على الجميع لخروجه عنهم - على أنَّ مَن تعمَّد الصلاة بالثوب النجس تفسُد صلاتُه ويُصليها أبدًا متى ما ذكرها؛ كان مَن سها عن غسل النجاسةِ ونسِيَها في حُكم من تعمدها). ((التمهيد)) (22/233). . الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقول الله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال ابن جرير: (... عن محمَّد بن سِيرين: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، قال: اغسِلْها بالماء... قال ابنُ زيد في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال: كان المشركون لا يَتطهَّرون، فأمره أنْ يتطهَّر، ويُطهِّر ثيابَه. وهذا القولُ الذي قاله ابنُ سيرين، وابنُ زيدٍ في ذلِك أظهرُ معانيه). ((تفسير ابن جرير)) (23/12). وقال القرطبيُّ: (المعنى الثاني: غسلها من النَّجاسة، وهو ظاهرٌ منها، صحيح فيها... قال ابنُ سيرين وابن زيد: لا تُصلِّ إلَّا في ثوبٍ طاهر، واحتجَّ بها الشافعيُّ على وجوبِ طهارة الثوب). ((تفسير القرطبي)) (19/66). وقال الشوكانيُّ: (المرادُ بها الثيابُ الملبوسة على ما هو المعنى اللُّغويُّ، أمَرَه الله سبحانه بتطهير ثيابه، وحِفظها عن النجاسات، وإزالة ما وقَع فيها منها). ((فتح القدير)) (5/324). وقال السعديُّ: (يَدخُل في ذلك تطهيرُ الثياب من النجاسة؛ فإنَّ ذلك من تمام التطهير للأعمال، خصوصًا في الصلاة، التي قال كثيرٌ من العلماء: إنَّ إزالة النجاسة عنها شرطٌ من شروط الصلاة. ويحتمل أنَّ المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمورٌ بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصًا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورًا بتطهير الظاهر، فإنَّ طهارةَ الظاهر من تمام طهارة الباطن). ((تفسير السعدي)) (1/895)، ويُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/223). وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 4، 5].ثانيًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ من حيطانِ المدينةِ، أو مكَّةَ، فسَمِعَ صوتَ إنسانينِ يُعذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ))، ثم قال: ((بَلَى، كان أحدُهما لا يَستتِرُ من بولِه [886] قال القاضي عياض: (أي لا يجعل بينه وبينه سُترةً ولا يتحفظ منه). ((إكمال المعلم)) (2/118) ، وكان الآخَرُ يَمشِي بالنَّميمةِ)) رواه البخاري (216)، ومسلم (292). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّها قالتْ: قالتْ فاطمةُ بنتُ أبي حُبَيشٍ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، إنِّي لا أَطهرُ؛ أفأدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضةِ، فإذا أقبلتِ الحيضةُ فاتْرُكي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قَدرُها، فاغْسِلي عنكِ الدَّمَ وصَلِّي)) [888] رواه البخاري (306)، ومسلم (333). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الموجِبَ للأمْرِ بتطهيرِ الثَّوبِ من دمِ الحيض كونُه نجسًا، ولا خُصوصيةَ له بذلك؛ فيُلحَقُ به كلُّ ما كان نجسًا؛ فإنَّه يجِبُ تطهيرُه ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/192). .3- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قام أعرابيٌّ فبال في المسجِدِ، فتناوله الناسُ، فقال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعُوه وهَرِيقوا على بولِه سَجْلًا من ماءٍ، أو ذَنوبًا من ماءٍ؛ فإنَّما بُعِثتُم مُيسِّرين، ولم تُبعَثوا مُعسِّرينَ)) رواه البخاري (220). .4- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يَسارِه، فلمَّا رأى ذلك القومُ ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه، قال: ((ما حمَلَكم على إلقاءِ نِعالِكم؟))، قالوا: رَأيناكَ ألقيتَ نَعليكَ فأَلْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ جِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاني فَأخبَرنِي أنَّ فيهما قَذرًا - أو قال: أذًى - وقال: إذا جاءَ أحدُكم إلى المسجدِ، فلينظرْ؛ فإنْ رأى في نَعليه قذرًا أو أذًى فلْيَمْسَحْه، ولْيُصلِّ فيهما)) رواه أبو داود (650)، وأحمد (3/92) (11895) صحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (3/132)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/112): على شرْط مسلم، لكن رواه أبو داود مرسلًا. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (650)، والوادعيُّ على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (422). .الفرعُ الأول: إزالةُ النَّجاسةِ عندَ العَجزِ والضَّررِفي حالِ العجزِ أو الضررِ مِن إزالةِ النَّجاسةِ، فإنَّه يُصلِّي بها، ولا يُعيدُ الصَّلاة  [892] مذهب المالكيَّة: أنَّ العاجز عن ثوب طاهر يُصلِّي في ثوبه النجس، لكنَّه يُعيد تلك الصَّلاة في الوقت إنِ اتَّسع الوقتُ للتطهير. ((حاشية الدسوقي)) (1/217). ، وهذا مذهبُ الحنفيَّة [893] جاء في كتاب ((الهداية)): (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يتخيَّر بين أن يُصلِّي عريانًا وبين أن يُصلي فيه، وهو الأفضل. ((الهداية)) للمرغيناني (1/46)، ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/46). ، وهو روايةٌ عندَ الحنابلةِ [894] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/465). قال المرداويُّ: (قوله: "وأعاد على المنصوص". هذا المذهبُ نصَّ عليه... ويتخرَّج أنْ لا يُعيد، وجزم به في التبصرة، والعمدة، واختاره جماعةٌ منهم المصنِّف، والمجدُ، وصاحب الحاوي الكبير، ومجمع البحرين، وابن منجا في شرحه، وغيرهم، وذكره في المذهب، وابن تميم، وغيرهما روايةً، وأطلقهما في المذهب وابن تميم). ((الإنصاف)) (1/324). ، واختارَه ابنُ قُدامةَ [895] قال ابنُ قُدامة: (وقد نصَّ في مَن صلَّى في موضعٍ نجس لا يُمكنه الخروجُ منه أنَّه لا يعيد. فكذا هاهنا. وهو مذهبُ مالك، والأوزاعيِّ. وهو الصحيح؛ لأنَّه شرط للصلاة عجَز عنه، فسقط كالسترة والاستقبال، بل أَوْلى؛ فإنَّ السترة آكدُ، بدليل تقديمها على هذا الشرط، ثم قد صحَّتِ الصلاة وأجزأت عند عدِمها، فهاهنا أَوْلى). ((المغني)) (1/426). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ومَن لم يجِدْ إلا ثوبًا نجسًا، فقيل: يُصلِّي عريانًا. وقيل: يصلي فيه ويعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يعيد؛ وهذا أصحُّ أقوال العلماء؛ فإنَّ الله لم يأمر العبد أن يُصلِّي الفرض مرتين، إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدِرُ عليه في المرة الأولى، مثل أن يُصلي بلا طُمأنينة، فعليه أن يُعيد الصلاة، كما أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن صلَّى ولم يطمئنَّ أن يُعيد الصلاة، وقال: «ارجعْ فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ»). ((الفتاوى الكبرى)) (2/14). ، وابنُ باز قال ابن باز: (المرض لا يَمنع من أداء الصلاة بحُجَّة العجز عن الطهارة ما دام العقل موجودًا، بل يجب على المريض أن يُصلي حسبَ طاقته، وأن يتطهَّر بالماء إذا قدَر على ذلك، فإنْ لم يستطعِ استعمالَ الماء تيمَّم وصلَّى، وعليه أن يغسل النجاسة من بدنه وثيابه وقتَ الصلاة، أو يبدِّل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقتَ الصلاة، فإنْ عجز عن غسل النَّجاسة وعن إبدال الثِّياب النجسة بثياب طاهرة، سقَط عنه ذلك، وصلَّى حسَبَ حاله). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/307). ، وابنُ عُثَيمين [898] قال ابنُ عُثَيمين: (الصَّلاة بالثَّوب النَّجس عند الضَّرورة، الصَّواب أنها تجوز. أما على المذهب فيرون أنك تُصلِّي فيه وتُعيد، فلو فرضنا أن رجلًا في الصَّحراء، وليس عنده إِلا ثوبٌ نجسٌ وليس عنده ما يُطهِّر به هذا الثوبَ، وبقي شهرًا كاملًا، فيُصلِّي بالنَّجس وجوبًا، ويُعيد كلَّ ما صَلَّى فيه إذا طهَّره وجوبًا. يُصلِّي لأنه حضر وقت الصلاة وأُمِرَ بها، ويعيد لأنَّه صلَّى في ثوب نجس. وهذا ضعيف، والرَّاجحُ أنَّه يُصلِّي ولا يعيد). ((الشرح الممتع)) (1/66). . الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((دَعُوني ما تَركتُكم؛ إنَّما هلَك مَن كان قَبلَكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمْرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم)) [899] رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337). .ثانيًا: أنَّ إزالةَ النجاسةِ عن الثوبِ والبدنِ والمكانِ شرطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ عندَ القُدرةِ؛ فتَسقُطُ عندَ العجزِ، كالسُّترة ((البناية)) للعيني (2/134)، ((الكافي)) لابن بد البر (1/221). .ثالثًا: قياسًا على المريضِ العاجزِ عن بعضِ الأركانِ [901] ((المجموع)) للنووي (3/155). .الفرعُ الثاني: إزالةُ النَّجاسةِ أَثناءَ الصَّلاةِإذا أصابتْ نجاسةٌ ثوبَ المُصلِّي أو بدنَه أثناءَ الصَّلاة، فأَزالها ولم يَبقَ لها أثرٌ، فصلاتُه صحيحةٌ.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (إذا أصابَ ثوبَه أو بدنَه نجاسةٌ يابسةٌ، فنَفضَها ولم يبقَ شيءٌ منها، وصلَّى، صحَّتْ صلاتُه بالإجماع). ((المجموع)) (3/164). ، وابنُ حجرٍ قال ابنُ حَجر: (من حدَث له في صلاتِه ما يمنع انعقادَها ابتداءً، لا تبطُل صلاتُه ولو تمادَى... فلو كانتْ نجاسةً فأزالها في الحال ولا أثرَ لها، صحَّتِ اتِّفاقًا). ((فتح الباري)) (1/352). .الفرعُ الثالث: الصَّلاةُ بالنَّجاسةِ ناسيًا أو جاهلًا   مَن صلَّى وعليه نجاسةٌ ناسيًا أو جاهلًا، فصلاتُه صحيحةٌ ولا إعادةَ عليه، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ [904] قال المرداويُّ: (فإنْ علِم أنها كانت في الصلاة، لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين...إحداهما: تصحُّ، وهي الصحيحة عند أكثر المتأخِّرين اختارها المصنِّف، والمجد، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدين، وصحَّحه في التصحيح والنظم وشرح ابن منجا وتصحيح المحرر، وجزم بها في العمدة والوجيز والمنور والمنتخب والتسهيل وغيرهم، وقدَّمه ابن تميم وغيره). ((الإنصاف)) (1/341). ، وقول الشافعيِّ في القديمِ [905] ((المجموع)) للنووي (3/132). ، وهو اختيارُ ابنِ المنذرِ [906] قال ابنُ المنذر: (وإذا صلَّى الرجل ثم رأى في ثوبه نجاسةً لم يكن علِم بها ألْقَى الثوبَ عن نفسه وبنى على صلاته، فإنْ لم يعلم بها حتى فرغَ من صلاته فلا إعادةَ عليه، يدلُّ على ذلك أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُعِدْ ما مضى من الصَّلاة). ((الأوسط)) (2/289). ، والنوويِّ [907] قال النووي: ("فرع" في مذاهِبِ العلماءِ فيمَن صلَّى بنجاسةٍ نسيها أو جهلها. ذكرنا أنَّ الأصحَّ في مذهبنا وجوبُ الإعادة، وبه قال أبو قلابة، وأحمد، وقال جمهور العلماء: لا إعادةَ عليه، حكاه ابنُ المنذر عن ابنِ عُمرَ، وابنِ المسيَّب، وطاوس، وعطاء، وسالم بن عبد الله، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والزهري، ويحيى الأنصاري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، قال ابن المنذر: وبه أقول، وهو مذهبُ ربيعةَ، ومالكٍ، وهو قويٌّ في الدليل وهو المختارُ). ((المجموع)) (3/157). ، وابنِ تَيميَّة [908] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 419)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/341). ، وابنِ القيِّم [909] قال ابنُ القيِّم: (ولو صلَّى في ثوب لا يَعلم نجاستَه ثم علِمها بعدَ الصلاة لم يُعِد). ((بدائع الفوائد)) (3/258). وابنِ باز [910] قال ابنُ باز: (وبذلك يُعلم أنَّ مَن صلَّى وهي في ثيابِه أو بعض بدنه ناسيًا، أو جاهلًا حُكمَها، أو معتقدًا طهارتها - فصلاتُه صحيحة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/396). وابنِ عُثيمين [911] قال ابنُ عُثَيمين: (الذي صلَّى في ثوبٍ نجسٍ، وهو لا يَدري بالنجاسة إلَّا بعد فراغِه مخطِئ لا خاطئ، ولو كان يَعلم بالنجاسة لقُلنا: إنَّه خاطئ، ولكن هو الآن مخطِئ جاهِلٌ، فليس عليه إعادة...وأمَّا النسيان: بأنْ نسِي أن يكون عليه نجاسة، أو نسِي أن يغسِلَها فصلَّى بالثوبِ النَّجس؛ فالصحيحُ أنَّه لا إعادةَ عليه). ((الشرح الممتع)) (2/179). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ المؤاخذةَ إنما تكون على ما تَعمَّدَه الإنسانُ، بخِلافِ ما وقَع فيه خطأً أو نسيانًا. ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بأصحابِه إذ خَلَعَ نَعليهِ فوضَعَهما عن يسارِه، فلمَّا رأى القومُ ذلِك ألْقَوْا نِعالَهم، فلمَّا قضَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه قال: ما حمَلَكم على إلقائِكم نِعالَكم؟ قالوا: رأيناكَ ألْقَيتَ نَعليكَ فألْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ جِبريلَ عليه السلامُ أتاني فأَخبَرني أنَّ فيهما قذرًا)) [912] أخرجه أبو داود (650)، وأحمد (11895)، والدارمي (1378). قال أبو حاتم الرازي كما في ((البدر المنير)) (4/135): روي مرسلًا بإسقاط أبي سعيد، ومتصلًا بإثباته وهو أشبه. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (1/92)، وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (22/242): رواه حمَّاد بن زيد عن أيُّوبَ، عن أبي نضرة مرسلًا، ورواه أبانُ عن قتادةَ، عن بكرٍ المزنيِّ، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مثله. وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/112): على شرْط مسلم، لكن رواه أبو داود مرسلًا. وقال ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/457): اختُلِف في وصله وإرساله، ورجَّح أبو حاتم في العِلل الموصولَ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (650)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (422) وقال: على شرط مسلم. . وَجْهُ الدَّلالَةِ: لو كان الثوبُ النَّجِسُ المجهولُ نجاستُه تَبطُل به الصَّلاةُ لأعادَها مِن أوَّلها [913] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/179). .2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نَسِي وهو صائمٌ فأكَل أو شَرِبَ، فلْيُتمَّ صَومَه)) [914] أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155) واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:الأكْلُ والشُّرْب في الصِّيامِ فِعلٌ محظورٌ، والصَّلاةُ في ثوبٍ نجسٍ فِعلٌ محظورٌ أيضًا؛ فلمَّا سقَط حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصِّيامِ قِيسَ عليه حُكمُه بالنِّسيانِ في بابِ الصَّلاةِ [915] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/179). .الفرعُ الرابع: اشتباهُ ثيابٍ طاهرةٍ بنَجِسَةٍ أو مُحرَّمةٍ  إذا اشتبهتْ ثيابٌ طاهرةٌ بثيابٍ نجسةٍ أو بثيابٍ مُحرَّمةٍ، كأنْ يكونَ الثوبُ مسروقًا أو مغصوبًا؛ فإنَّه يتحرَّى التحرِّي: هو طلب الصَّواب، والتفتيش عن المقصود. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/169). ، ويُصلِّي بإحداها،، وهذا مذهبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (10/165)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (3/25). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/181)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/345). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/232)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/176). ، واختارَه ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/67). ، وابنُ تيميَّة ((الفتاوى الكبرى)) (5/299)، ((اختيارات ابن تيميَّة)) (ص: 385). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (الصَّحيح: أنَّه يتحرَّى، وإذا غلب على ظنِّه طهارة أحد الثياب صلَّى فيه، والله لا يكلِّف نفسًا إلَّا وسعها، ولم يوجب الله على الإنسان أن يصلِّي الصلاة مرَّتين، فإن قلت: ألَا يحتمل مع التحرِّي أن يصلِّي بثوبٍ نجس؟ فالجواب: بلى، ولكن هذه قدرته). ((الشرح الممتع)) (1/65-66). ، ونقَلَه القاضي أبو الطيِّب عن أكثرِ العلماءِ ((المجموع)) للنووي (1/181). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصَّوابَ)) رواه البخاري (401)، ومسلم (572)، واللفظ له. .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه دليلٌ صريح على ثبوتِ التَّحرِّي في المشتبهات ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/61، 62). .ثانيًا: قياسًا على الاجتهادِ في الأحكامِ، والاجتهادِ في القِبلةِ، وعلى تقويمِ المُتلَفاتِ، وإنْ كان قد يقَعُ في ذلك كلِّه الخطأُ ((المجموع)) للنووي (1/181). .ثالثًا: أنَّ القاعدةَ تنصُّ على أنَّه إذا تَعذَّرَ اليقينُ رُجِعَ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهنا تَعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غَلبةِ الظنِّ، وهو التَّحرِّي ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/62). .الفَرعُ الخامس: الصَّلاةُ في ثِيابِ أهلِ الكِتابِالمَسألةُ الأولى: ما نَسجَه الكُفَّارُتُباحُ الصَّلاةُ في الثوبِ الذي يَنسِجُه الكفَّارُ.الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (لا نَعلم خِلافًا بين أهل العلم في إباحةِ الصلاة في الثوب الذي يَنسِجه الكفَّار؛ فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه، إنما كان لباسُهم مِن نَسْج الكفَّار). ((المغني)) (1/62). .المَسألةُ الثَّانيةُ: ما لَبِسَه الكفَّارُتجوزُ الصَّلاةُ فيما لبِسَه الكفَّارُ [929] ما لم يَتيقَّن نجاستها. ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [930] يجوز عند الحنفيَّة الصلاةُ في ثياب أهل الذِّمَّة إلَّا الإزار والسراويل؛ فإنَّها تُكرَه الصلاةُ فيهما؛ لقُربهما من موضِع الحدَث، وربَّما لا يستنزهون من البولِ، فصار شبيهًا بيدِ المستيقظ، ومنقارِ الدجاجة المخلاة. ((حاشية ابن عابدين)) (1/205)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81). ، والشافعيَّة [931] ((المجموع)) للنووي (1/264)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/192). ، والحنابلة [932] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/53)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/63). ، وهو قول الظاهريَّة [933] قال ابنُ حزمٍ: (إباحةُ الصلاة في ثياب المشركين هو قولُ سفيان الثوريِّ، وداود بن عليٍّ، وبه نقول). ((المحلى)) (2/394). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابعمومُ قولِ الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29].ثانيًا: استصحابُ الأصلِ: فالأصلُ الطهارةُ، ولم يترجَّحِ التنجيسُ فيه؛ فلا يثبتُ بالشكِّ، أشبهَ ما نَسَجَه الكفَّارُ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/192)، ((المغني)) لابن قدامة (1/62). .ثالثًا: أنَّ التوارثَ جارٍ فيما بين المسلمينَ بالصَّلاة في الثِّيابِ المغنومةِ من الكَفَرةِ قبلَ الغَسلِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/81). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: الطَّهَارَةُ مِن الحَدَثِ. المَطلَب الثَّالِثُ: المواضِعُ التي يُنْهَى عن الصَّلاةِ فيها .

تمهيد: تُشرَعُ الصَّلاةُ في عُمومِ الأرضِ في الجُملةِ.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا الركوع مع السُّجود، فهو مشروعٌ في عموم الأرض، كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلت لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا؛ فأيُّما رجلٍ من أمَّتي أدركتْه الصَّلاةُ، فعنده مَسجِدُه وطَهورُه))، وهذا كلُّه متَّفق عليه بين المسلمين). ((مجموع الفتاوى)) (26/251). .الفَرْعُ الأول: أَعطانُ الإبلِلا تصحُّ الصَّلاةُ في أعطانِ [937] الأعطان: هي مواضعُ إقامة الإبل عند الماء خاصَّة، وقيل: هي مأواها مطلقًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/258)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/527). وقال ابنُ عُثَيمين: (قوله: «وأَعطان إبِل»، جمع عَطَن، ويُقال: مَعَاطِن جمع مَعْطَنٌ، وأعطان الإبل فُسِّرتْ بثلاثة تفاسير: قيل: مباركها مطلقًا. وقيل: ما تُقيم فيه وتأوي إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء؛ أو انتظارها الماء. فهذه ثلاثة أشياء، والصَّحيح: أنَّه شاملٌ لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمَرَاحِها، سواءٌ كانت مبنيَّةً بجدران، أم محوطةً بقوس أو أشجار، أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء. وإذا اعتادتِ الإبِلُ أنها تبرُك في هذا المكان، وإنْ لم يكن مكانًا مستقرًّا لها فإنه يُعتبر معطنًا. أمَّا مبرك الإبل الذي بركت فيه لعارضٍ ومشت، فهذا لا يَدخُل في المعاطن؛ لأنَّه ليس بمبرَك). ((الشرح الممتع)) (2/242-243). الإبلِ، وهو مذهبُ الحنابلة [938] ((الفروع)) لابن مفلح (2/105)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/294). ، وروي عن مالك وقال البغوي: (وذهب مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى أن صلاته في أعطان الإبل لا تصح قولا واحدا، لظاهر الحديث). ((شرح السنة)) (2/405). وهو قول طائفة من الفقهاء قال به وإسحاق، وأبو ثور وأصبغ وابن حبيب. يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (2/405) ((شرح التلقين)) للمازري (1/822). واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (مَن صلَّى في عطن إبل بطَلَتْ صلاتُه عامدًا كان أو جاهلًا). ((المحلى)) (2/341). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (والدليلُ قول الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تُصلُّوا في أعطان الإبل»، والحديث في «الصحيح». ووجه الدلالة من كون الصلاةِ لا تصحُّ في معاطن الإبل: النهيُ عن الصلاة فيها، فإذا صليتَ فيها فقد وقعتَ فيما نهى عنه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وذلك معصية، ولا يُمكن أن تنقلِبَ المعصيةُ طاعةً، وإذا؛ لا تصحُّ الصلاة). ((الشرح الممتع)) (2/243) وقال أيضًا: (والحِكمة من عدم صحَّة الصلاة في أعطان الإبل: أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عنه، فنهيُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمرُه الشرعيُّ هو العِلةُ بالنِّسبةِ للمؤمن، بدليلِ قَوْلِه تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ **الأحزاب: 36**، فالمؤمن يقول: سمِعْنا وأطعْنا. ويدلُّ لذلك أنَّ عائشةَ سُئلت: ما بال الحائض تَقضي الصومَ ولا تَقضي الصلاةَ؟ قالت: «كان يُصيبنا ذلك؛ فنُؤمَر بقضاء الصومِ ولا نُؤمَر بقضاء الصلاةِ»، فبيَّنت أنَّ العلة في ذلك هو الأَمْرُ). ((الشرح الممتع)) (2/244) .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أأتوضَّأُ من لحومِ الغنمِ؟ قال: إنْ شِئتَ فتوضَّأ، وإنْ شِئتَ فلا توضَّأ، قال أتوضَّأ من لحومِ الإبل؟ قال: نعَمْ فتَوضَّأْ من لحومِ الإبل، قال: أُصلِّي في مرابض الغنَمِ؟ قال: نعم، قال: أُصلِّي في مباركِ الإبلِ؟ قال: لا)) [943] رواه مسلم (360). . 2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا في مرابضِ الغَنمِ، ولا تُصلُّوا في أعطانِ الإبلِ)) رواه الترمذي (348)، وابن ماجه (629)، وأحمد (2/451) (9824). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/24)، وصحَّحه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/181)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (348)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (1422) وقال: على شَرْط البخاريِّ. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه نهى عن الصَّلاةِ في معاطنِ الإبل، والوقوعُ فيما نهى عنه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معصيةٌ، ولا يُمكن أن تنقلِبَ المعصيةُ طاعةً؛ وعلى ذلك فلا تصحُّ الصَّلاةُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/244). .الفَرْعُ الثاني: الحمَّام تجوزُ الصَّلاةُ في الحمَّامِ [946] قال ابنُ عُثَيمين: (والحمَّام هو المُغتَسل، وكانوا يجعلون الحمَّامات مغتسلاتٍ للنَّاسِ، يأتي الناس إليها ويَغتسلون، يختلطُ فيه الرِّجال والنِّساءُ، وتنكشف العورات، وليس المقصودُ به «المرحاض»). ((الشرح الممتع)) 3/243. مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [947] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/35)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/115). والمالكيَّة [948] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/64)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/128)، لكنَّهم قالوا: إذا كان موضعه طاهرًا فلا كراهةَ. ، والشافعيَّة [949] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتميِّ (2/166)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (2/62). ، ورواية عن أحمد [950] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344). .الدليل مِنَ السُّنَّة: عمومُ قولِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا)) رواه البخاري (335)، مسلم (521) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ لفظَ الحديثِ عامٌّ، فيدخل فيه الصَّلاة في الحمَّامِ وفي كلِّ موضعٍ من الأرض إذا كانَ طاهرًا من الأنجاسِ [952] ((التمهيد)) لابن عبد البر (5/220). .الفَرْعُ الثَّالِثُ: المَقبُرَةلا تصحُّ الصَّلاةُ في المَقبُرة عند الحنابلة على الصحيحِ مِن مذهَبِهم لا يَضُرُّ قبرٌ ولا قبران: إذا لم يُصَل إليه، وذهب ابنُ تيمية إلى أنَّ هذا يضر، فقال: (وليس في كلام أحمد وعامَّةِ أصحابه هذا الفرق، لا بعمومِ كلامِهم وتعليلِهم واستدلالِهم يوجب مَنْع الصلاة عند قبرٍ من القبور، وهذا هو الصواب؛ فإنَّ قَوْلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَتَّخِذوا القبورَ مساجِدَ)) أي: لا تتَّخِذوها موضِعَ سجود؛ فمن صلَّى عند شيء من القبور فقد اتَّخَذَ ذلك القبرَ مسجدًا؛ إذ المسجِدُ في هذا الباب المراد به موضِعُ السجود مطلقًا، لا سيما ومقابلَةُ الجمع بالجَمْع يقتضي توزيعَ الأفرادِ على الأفرادِ، فيكون المقصودُ: لا يُتَّخَذ قبرٌ من القبور مسجدًا من المساجد، ولأنه لو اتُّخِذَ قبرُ نبيٍّ أو قبر رجل صالح مسجدًا، لكان حرامًا بالاتفاق؛ كما نهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعُلِمَ أنَّ العدد لا أَثَر له، وكذلك قَصْدُه للصلاة فيه، وإن كان أغلَظَ، لكن هذا الباب سَوَّى في النهي فيه بين القاصِدِ وغيرِ القاصد؛ سدًّا لباب الفساد). ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (4/460). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/399)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344). ، وهو مذهبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/344)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/293) ونسب إلى كثير من أهل العلم قال ابن القيم: (فالصَّلاةُ في المقبرة معصيةٌ لله ورسوله، باطلةٌ عند كثيرٍ من أهل العِلْمِ، لا يَقْبَلُها اللهُ ولا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِفِعْلِها). ((إعلام الموقعين)) (4/138). ، وهو قول ابن حزم قال ابنُ حزمٍ: (ولا تحِلُّ الصلاةُ في... مقبرةٍ - مقبرة مسلمين كانت أو مقبرةَ كُفَّارٍ - فإن نُبِشَت وأُخْرِجَ ما فيها من الموتى جازَتِ الصلاة فيها. ولا إلى قبرٍ، ولا عليه، ولو أنَّه قَبْرُ نبيٍّ أو غيره، فإن لم يجد إلا موضِعَ قبرٍ أو مقبرةٍ، أو حمَّامًا، أو عطنا، أو مزبلةً، أو موضعًا فيه شيء أُمِرَ باجتنابه -: فليَرْجِع ولا يُصَلِّي هنالك جمعةً، ولا جماعةً، فإن حُبِسَ في موضع مِمَّا ذَكَرْنا فإنَّه يصلِّي فيه، ويجتنب ما افتُرِضَ عليه اجتنابُه بسجودِه، لكنْ يَقْرب مما بين يديه من ذلك ما أمكَنَه، ولا يضَعْ عليه جبهة، ولا أنفًا، ولا يدينِ ولا ركبتين، ولا يجلس إلَّا القرفصاء). ((المحلى)) (2/345). وقال أيضًا: (وكل هذه الآثار حَقٌّ، فلا تحل الصلاة حيث ذكرْنا، إلا صلاةَ الجنازةِ؛ فإنَّها تصلَّى في المقبرةِ، وعلى القبر الذي قد دُفِنَ فيه صاحِبُه، كما فعل رسولُ الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - نُحَرِّمُ ما نهى عنه، ونَعُدُّ مِنَ القُرَبِ إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فَعَل؛ فأَمْرُه ونَهْيُه حقٌّ، وفِعْلُه حقٌّ، وما عدا ذلك فباطل). ((المحلى)) (2/345). ونسبه ابن رجب لأهل الظَّاهر أو بعضهم فقال ابن رجب: (والمشهورُ عن أحمد الذي عليه عامَّة أصحابه: أنَّ عليه الإعادة؛ لارتكاب النهيِ في الصلاة فيها. وهو قول أهلِ الظاهر- أو بعضِهم- وجعلوا النَّهيَ هاهنا لمعنًى يختَصُّ بالصَّلاة من جهة مكانِها). ((فتح الباري)) 2/399 واختارَه ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا تصحُّ الصلاةُ في المقبرة ولا إليها). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 411). ، والصنعاني قال الصنعاني: (والحديث دليل على أن الأرض كلها تصح فيها الصلاة ما عدا المقبرة، وهي التي تدفن فيها الموتى، فلا تصح فيها الصلاة). ((سبل السلام)) (1/136). وابنُ باز قال ابن باز: (أمَّا الصلاة في المقبرة فلا تصحُّ؛ لقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لعَن الله اليهودَ والنصارَى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجدَ» متفق عليه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/374). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (لو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى صلاةَ فريضةٍ أو صلاة تطوُّع في مقبرة أو على قبر، فصلاته غيرُ صحيحة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/375). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- أنَّ عائشةَ، وعبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهم، قالَا: لَمَّا نُزِلَ قوله: ((نُزِلَ)) - بضمِّ النون وكسر الزاي -: أي: نَزَل الموت، أو مَلَكُ الموت والملائكة الكرامُ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُروَى بفتح النون والزاي (نَزَلَ)، ومعناه كسابقِه. ويُروَى بالفَتَحات أيضًا مع تاء التأنيث (نَزَلَتْ)، ومعناه: حضرت المنيَّةُ والوفاةُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/13)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/532)، (6/497). برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، طَفِقَ يَطرحُ خَميصةً له على وجهِه، فإذا اغتمَّ بها كشَفَها عن وجهِه، فقال وهو كذلك: ((لَعْنةُ اللهِ على اليهودِ والنَّصارَى؛ اتَّخَذُوا قبورَ أَنبيائِهم مساجِدَ))، يُحذِّرُ ما صَنَعوا رواه البخاري (435، 436)، ومسلم (531). .2- عن جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبل أن يموتَ بخمسٍ، وهو يقولُ: ((ألَا وإنَّ مَن كان قَبلَكم كانوا يتَّخذونَ قُبورَ أنبيائِهم وصالِحيهم مساجدَ، ألَا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجدَ، إنِّي أَنهاكُم عن ذلِك)) [963] رواه مسلم (532). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ لارتكابِ النهيِ في الصَّلاة فيها، فالنَّهيُ هاهنا لمعنًى يختصُّ بالصَّلاةِ من جِهةِ مكانِها [964] ((فتح الباري)) لابن رجب (2/399). .ثانيًا: أنَّ الصَّلاةَ في المقبرة قد تُتَّخذُ ذريعةً إلى عبادةِ القبورِ، أو إلى التشبُّهِ بِمَن يَعبُدُ القبورَ؛ فإنَّ أصلَ الشِّركِ وعِبادةِ الأوثانِ كانتْ مِن تعظيمِ القُبورِ ((فتح الباري)) لابن رجب (2/402)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/239). .الفَرْعُ الرَّابع: المَزْبَلةُ والمَجْزَرةُتصحُّ الصَّلاةُ في المزبلةِ [966] قال ابنُ قُدامة: (المزبلة: الموضعُ الذي يُجمَع فيه الزَّبل). ((المغني)) (2/53). وقال المرداويُّ: (المزبلة: ما أُعِدَّ للنجاسَةِ والكُناسة والزبالة، وإنْ كانت طاهرة). ((الإنصاف)) (1/346). والمجزرةِ إذا خَلَتِ من النَّجاسةِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة [967]  ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 241)، وينظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/113). ، والمالكيَّة [968] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/166)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/99). ؛ واختارَه ابنُ حزمٍ [969] قال ابنُ حزمٍ: (والصلاةُ في البيعة، والكنيسة، وبيت النار والمجزرة - ما اجتُنب البول والفرث والدَّم - وعلى قارعة الطريق، وبطن الوادي، ومواضع الخَسْف؛ وإلى البَعير والناقة، وللمُتحدِّث، والنيَّام، وفي كلِّ موضِع -: جائزةٌ، ما لم يأتِ نصٌّ أو إجماع متيقَّن في تحريم الصلاة في مكانٍ ما؛ فيوقف عند النهي في ذلك»). ((المحلى)) (2/400). ، وابنُ باز [970] قال ابن باز: (تصحُّ - أي الصلاة - في المزبلة، والمجزرة، إلَّا إذا كان فيها نجاسَةٌ، وكذا قارِعَةُ الطَّريقِ) ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد آل حامد (1/424). . الدليل مِنَ السُّنَّة: عمومُ قولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُعِلتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا)) رواه البخاري (335)، مسلم (521) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه. .الفَرْعُ الخامس: قارعةُ الطَّريقِتُكرَهُ الصَّلاةُ قال ابنُ عُثَيمين: (يعني: لو صلَّى في قارعة الطريق فصلاتُه صحيحة، لكن إذا كان الطريق مسلوكًا فالصلاة فيه حالَ سلوك الناس فيه مكروهةٌ؛ من أجْل الانشغال والتشويش، فإنْ كان مسلوكًا بالسَّياراتِ فقد نقول بالتَّحريمِ؛ لأنَّه لا يمكن أن يُقيم الصَّلاةَ والسياراتُ تمشي، أو يُعطِّل الناسَ فيعتدي عليهم؛ لأنَّ وقوفَ النَّاسِ بأماكن الطُّرقِ يمنعُ الناسَ من التَّطرُّق؛ ففيه عُدوانٌ عليهم، والحقُّ لهم). ((الشرح الممتع)) (2/254 - 254). على قارعةِ الطريقِ [973] قارعة الطريق: موضع قرْع المارَّة، وهو وسَط الطَّريقِ، وقيل: أعلاه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/45)، ((المجموع)) للنووي (3/162).           ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة [974] ((مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح)) للشرنبلالي (ص: 130)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/379). ، والمالكيَّة [975] في المدوَّنة: (كان مالكٌ يكره أن يصلِّي أحد على قارعة الطريق؛ لِمَا يمرُّ فيها من الدواب فيقع في ذلك أبوالها وأرواثها؛ قال: وأحبُّ إليَّ أن يتنحَّى عن ذلك)، ونصَّ المتأخِّرون من المالكيَّة على جواز الصلاة فيها إنْ أُمِنت النَّجاسة) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/182)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (1/188)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/99). ، والشافعيَّة [976] ((المجموع)) للنووي (3/162)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/203). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لِمَا يمرُّ فيها من الدوابِّ فيَقَعُ في ذلك مِن أبوالِها وأرواثِها ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/182)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/418). .ثانيًا: أنَّه يَشغَلُ حقَّ العامَّة بما ليس له؛ لأنَّها حقُّ العامَّةِ للمُرورِ [978] ((المجموع)) للنووي (3/162). .ثالثًا: أنَّه يَشغَلُ الخاطرَ عن الخشوعِ بمُرورِ الناسِ ولَغَطِهم [979] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 130)، ((عمدة القاري)) للعيني (4/190)، ((المجموع)) للنووي (3/162). .الفَرْعُ السَّادِس: الأرضُ المَغصوبةُلا تجوزُ الصَّلاةُ في الأرضِ المغصوبةِ.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعمومُ ما جاءَ عن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، حيثُ قال: خطَبَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ النَّحرِ، قال: ((فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يَومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بَلدِكم هذا، إلى يومِ تَلْقَونَ ربَّكم..)) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679) .ثانيًا: من الإجماع نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [981] قال النوويُّ: (الصلاة في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا وعند الجمهور من الفقهاء وأصحابِ الأصول، وقال أحمد بن حنبل والجبَّائي وغيره من المعتزلة: باطلة...). ((المجموع)) (3/164). .ثالثًا: أنَّ في الصَّلاةِ في الأرضِ المغصوبةِ استعمالًا لمالِ الغَيرِ بغيرِ إذنِه ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/162). .الفَرْعُ السابع: حُكمُ الصَّلاةِ في الأرضِ المَغصوبَةِالصَّلاة في الأرضِ المغصوبةِ صحيحةٌ، وهو مذهبُ الجمهور [983] قال النوويُّ: (الصلاةُ في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا وعند الجمهورِ من الفقهاء وأصحابِ الأصول). ((المجموع)) (3/164). : الحنفيَّة [984] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/283)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 141). ، والمالكيَّة [985] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/188)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/716). ، والشافعيَّة [986] ((المجموع)) للنووي (3/164)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/113). ، وروايةٌ عن أحمد [987] ((المغني)) لابن قدامة (1/420). ؛ وذلك لأنَّها أرضٌ طاهرةٌ، وإنَّما المنعُ فيها لمعنًى في غيرها، وهو حقُّ المالكِ، وذلك لا يَمنعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ [988] ((البيان)) للعمراني (2/113). .الفَرْعُ الثامن: الكَنيسةُ والبِيعَةُتُكرَهُ قال ابنُ تيميَّة: (الصحيح المأثور عن عُمر بن الخطَّاب وغيره، وهو منصوصٌ عن أحمد وغيره، أنه إنْ كان فيها صور لم يُصلِّ فيها; لأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، ولأنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور، وكذلك قال عمر: إنَّا كنَّا لا ندخُلُ كنائِسَهم والصُّوَرُ فيها. وهي بمنزلة المسجدِ المبنيِّ على القبر). ((مجموع الفتاوى)) (22/162). الصَّلاةُ في الكَنيسةِ الكنيسة: متعبَّد اليهود وتُطلق أيضًا على متعبَّد النصارى، مُعرَّبة. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/542)، ((عمدة القاري)) للعيني (4/191). والبِيْعةِ البِيعة: بالكسر كَنِيسةُ النصارى وقيل: كنيسة اليهودِ، والجمع بِيَعٌ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (8/26)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/531). ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة [992] ((حاشية ابن عابدين)) (1/380). ، والمالكيَّة [993] ((التاج والإكليل)) للمواق (1/419)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/189). ، والشافعيَّة [994] ((المجموع)) للنووي (3/158)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/203). ، وروايةٌ عن أحمدَ [995] قال المرداويُّ: (وله دخولُ بِيعة وكنيسة، والصلاة فيهما، من غير كراهة، على الصَّحيح من المذهب، وعنه تُكره). ((الإنصاف)) (1/349). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/436)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/293). ، وقالتْ به طائفةٌ من السَّلفِ [996] قال ابنُ المنذر: (واختَلفوا في الصلاة في الكنائس والبِيع فكَرهتْ طائفة الصلاة فيها إذا كان فيها تماثيلُ؛ قال عمر لرجل من النصارى: إنَّا لا ندخل بِيعَكم من أجْل الصور التي فيها، وكره ابن عباس ومالكٌ الصلاةَ فيها من أجْل الصور التي فيها). ((الأوسط)) (2/318). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّها مواضعُ الكُفر ومحلُّ الشياطين؛ فكُرِهتِ الصَّلاةُ فيها كما كُرِهت في المكانِ الذي حضرَهم فيه الشيطانُ [997] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503)، ويُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/380). . ثانيًا: أنَّ في الصَّلاةِ فيها تَعظيمًا لها [998] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503). .ثالثًا: أنَّ في ذلِك تكثيرًا لجَمْعِهم [999] ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 503). .فائدة: الصَّلاة في أماكنِ المَعصيةِ ومَأوَى الشَّياطينِ   تُكرَهُ الصَّلاةُ في أماكنِ المَعصيةِ ومَأوَى الشَّياطينِ، نصَّ عليه الشافعيَّة [1000]- قال النوويُّ: (الصلاة في مأوى الشيطان مكروهةٌ بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمْر والحانة، ومواضع المكوس، ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس والبِيَع والحُشوش، ونحو ذلك). ((المجموع)) (3/162). .  انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّل: الطَّهَارَةُ مِن الحَدَثِ. المَطلَب الثَّاني: الطَّهارَةُ مِن النَّجَسِ.