تَجوزُ الهِبةُ للأقاربِ غَيرِ الأولادِ والآباءِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [396] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (5/101)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/704). ، والمالِكيَّةِ [397] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/198). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/157). ، والشَّافعيَّةِ [398] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/365،379)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/314). ، والحَنابِلةِ [399] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/436)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/309). . الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِ1- عن كُريبٍ مولَى ابنِ عبَّاسٍ: ((أنَّ مَيمونةَ بنتَ الحارثِ رضِيَ اللهُ عنها أخبَرَتْه: أنَّها أعتَقَت وَليدةً ولم تَستأذِنِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا كانَ يومُها الذي يَدورُ عليها فيه، قالَت: أشَعَرْتَ -يا رسولَ الله- أنِّي أعتَقتُ وَليدَتِي؟ قال: أَوَفَعَلْتِ؟ قالت: نعمْ، قال: أَمَا إنَّكِ لو أعطَيتِها أخوالَكِ كانَ أعظَمَ لأجْرِكِ)) [400] أخرجه البخاري (2592) واللفظُ له، ومسلم (999). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ هِبةَ ذي الرَّحمِ مِن أفضَلِ أنواعِ الصَّدقاتِ، والهِباتُ مِن جِنسِ الصَّدقاتِ؛ فكُلُّها مِن عُقودِ التَّبرُّعاتِ [401] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/219). .2- عن سَلمانَ بنِ عامِرٍ رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ الصَّدقةَ على المِسكينِ صدَقةٌ، وعلى ذي الرَّحِمِ اثنَتانِ: صدَقةٌ، وصِلةٌ)) [402] أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (2582) واللفظ له، وابن ماجه (1844)، وأحمد (16227). حسَّنه الترمذي، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (8/205): (ثابتٌ مشهور). وقوَّى إسنادَه الذهبيُّ في ((المهذب)) (3/1532)، وصحَّح إسناده ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (8/430)، وصحَّح الحديثَ ابنُ الملقِّنِ في ((البدر المنير)) (7/411)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (2582)، وشعيبٌ الأرناؤوط في ((تخريج صحيح ابن حبان)) (3344)، وذكَر ثُبوتَه الشوكانيُّ في ((فتح القدير)) (1/256). .ثانيًا: لِمَا فيها مِن صِلةِ رَحِمٍ [403] ((الشافي في شرح مسند الشافعي)) لابن الأثير (4/222). . انظر أيضا: المطلَبُ الثَّاني: التَّسوِيةُ في الهِبةِ بيْنَ الأقاربِ غَيرِ الأولادِ والآباءِ .

لا تجِبُ التَّسوِيةُ في الهِبةِ بيْنَ الأقاربِ، نصَّ عليه الشَّافعيَّةُ [404] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/308،  309)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/416). ، وبعضُ الحَنابِلةِ [405] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/104). ، وهو الظَّاهرُ مِن مَذهبِ الحَنفيَّةِ [406] الحنفيَّةُ يَرَون جوازَ تَفضيلِ بعضِ الأبناءِ إذا كان التفضيلُ لزيادةٍ في الدِّينِ، ويُكرَهُ إن كانوا سواءً، فإذا لم يُوجِبوه في الأبناءِ فمِن بابِ أَولى على الأقاربِ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (7/288)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/444). ، والمالِكيَّةِ [407] المالكيَّةُ يَرَون الكراهةَ في التَّفضيلِ بيْنَ الأبناءِ، فإذا لم يُوجِبوا العدلَ في الأبناءِ فمِن باب الأَولى على الأقاربِ. ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1017)، ((كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي مع حاشية العدوي)) (2/262). ويُنظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 555). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سألتْ أُمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لِي مِن مالِهِ، ثمَّ بدَا لَه فوَهَبَهَا لي، فقالَت: لا أَرضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فأَخَذَ بيدِي وأنَا غلامٌ، فأَتَى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ أُمَّهُ بنتَ رواحَةَ سأَلَتْني بعضَ المَوهِبَةِ لهذَا، قال: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعَمْ، قال: فأُرَاهُ قال: لا تُشْهِدْني شَهادةَ جَوْرٍ)) [408] أخرجه البخاري (2650). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد عَلِمَ أنَّ لبشيرٍ زَوجةً، ولم يَأمُرْه بإعطائِها شَيئًا حينَ أمَرَه بالتَّسوِيةِ بيْنَ أولادِه، ولم يَسألْهُ: هل لك وارِثٌ غيرُ وَلدِك [409] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54). ؟ ثانيًا: لأنَّ الأصلَ إباحةُ تَصرُّفِ الإنسانِ في مالِه كيف شاءَ، وإنَّما وجَبَتِ التَّسوِيةُ بيْنَ الأولادِ بالخبَرِ، وليس غيرُهُم في معناهُم؛ لأنَّ الأولادَ استَوَوْا في وُجوبِ بِرِّ والِدِهِم؛ فاستَوَوْا في عَطِيَّتِه، ولم يُوجَدْ هذا في غَيرِهم [410] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54). .ثالثًا: لأنَّ الأولادَ -لشدَّةِ محبَّةِ الوالدِ لهُم، وصَرْفِ مالِه إليهِم عادةً- يَتَنافَسون في ذلك، ويَشتدُّ عليهِم تَفضيلُ بعضِهِم، وتَبرُزُ بيْنَهمُ الغَيرةُ، ولا يُبارِيهِم في ذلك غيرُهم؛ فلا يَصِحُّ قِياسُه عليهِم [411] ((المغني)) لابن قُدامة (6/54). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: الهِبةُ للأقاربِ غَيرِ الأولادِ والآباءِ.