تَجوزُ الهِبةُ بيْن الزَّوجَينِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ [365] نصَّ المالكيَّةُ على عدَمِ صِحَّةِ هِبةِ الزَّوجِ السُّكنى لزَوجتِه. يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدَّرْدِير (4/106). : الحَنفيَّةِ [366] ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (5/707)، ((تبيين الحقائق للزَّيْلَعي وحاشية الشلبي)) (5/98). ويُنظر: ((أحكام القرآن)) للجَصَّاص (2/352). ، والمالِكيَّةِ [367] ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/106)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُلَيش (8/196). ، والشَّافعيَّةِ [368] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/279)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/363). ويُنظر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/203). ، والحَنابِلةِ [369] ((الفروع)) لابن مُفلِح (7/447)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/404). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِ1- عن زَينبَ امرأةِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهُما، قالَت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((تَصدَّقْنَ يا مَعشرَ النِّساءِ، ولو مِن حُلِيِّكُنَّ. قالت: فرَجَعتُ إلى عبدِ اللهِ فقلتُ: إنَّك رجُلٌ خَفيفُ ذاتِ اليَدِ، وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أمَرَنا بالصَّدقةِ، فأْتِه فاسألْهُ، فإنْ كانَ ذلك يَجزِي عنِّي، وإلَّا صَرَفتُها إلى غَيرِكم، قالت: فقالَ لي عبدُ اللهِ: بلِ ائتِيهِ أنتِ، قالت: فانطلَقْتُ، فإذا امرأةٌ مِنَ الأنصارِ ببابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجَتي حاجَتُها، قالت: وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أُلقِيَت عليه المَهابةُ، قالت: فخَرَجَ علينا بِلالٌ، فقُلْنا له: ائتِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخبِرْه أنَّ امرَأتَينِ بالبابِ تَسألانِك: أتُجزِئُ الصَّدقةُ عنهُما على أزواجِهِما، وعلى أيتامٍ في حُجورِهِما؟ ولا تُخبِرْه مَن نحنُ، قالت: فدَخَل بلالٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسَألَه، فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن هُما؟ فقالَ: امرأةٌ مِنَ الأنصارِ وزينبُ، فقالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الزَّيانِبِ؟ قال: امرأةُ عبدِ اللهِ، فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لهُما أجرانِ؛ أجرُ القَرابةِ، وأجرُ الصَّدقةِ)) [370] أخرجه البخاري (1466)، ومسلم (1000) واللفظُ له. .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجازَ صدَقةَ الزَّوجةِ على الزَّوجِ، ويُقاس عليها الهِبةُ؛ فكِلاهُما مِن جنسِ التَّبرُّعاتِ. 2- عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصَّدقةِ، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، عندي دِينارٌ، فقالَ: تصدَّقْ به على نَفسِك، قال: عندي آخَرُ، قال: تصدَّقْ به على وَلَدِك، قال: عندي آخَرُ، قال: تصدَّقْ به على زَوجَتِك -أو قال: زَوجِك-، قال: عندي آخَرُ، قال: تصدَّقْ به على خادِمِك، قال: عندي آخَرُ، قال: أنتَ أبصَرُ)) [371] أخرجه أبو داود (1691) واللفظ له، والنسائي (2535)، وأحمد (7419). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (3337)، والحاكمُ على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1514)، وابن حزْمٍ في ((المحلى)) (10/105)، وصحَّح إسنادَه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/246)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (13/151)، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2535): (حسن صحيح). وقوَّى إسنادَه شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7419). .3- عن أبي مَسعودٍ البدرِيِّ رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ المُسلِمَ إذا أنفَقَ على أهلِهِ نفقَةً وهو يَحتَسِبُها كانت له صَدقةً)) [372] أخرجه مسلم (1002). . ثانيًا: لأنَّ المَقصودَ فيها الصِّلةُ، كما في القَرابةِ [373] ((البناية)) للعَيْني (10/196). . انظر أيضا: المطلَبُ الثَّاني: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الزَّوجاتِ .

اختلَفَ العلماءُ في العدلِ في الهبةِ بيْنَ الزَّوجاتِ؛ على قَولَينِ:القولُ الأوَّلُ: إذا أعطَى الزَّوجُ لكلِّ واحدةٍ مِن زَوجاتِه ما يجِبُ لها مِنَ النَّفقةِ والكِسوةِ؛ فله أنْ يُوسِّعَ على مَن شاء منهنَّ بما شاءَ بهِبَةٍ ونحوِها [374] لم يَنصُّوا على الهِبةِ، إلَّا أنَّه مُقتضى ما ذَهَبوا إليه مِن عدَمِ وُجوبِ التَّسويةِ بيْنَ الزَّوجاتِ فيما يَملِكُه، كالنَّفقةِ والكِسوةِ ونَحوِه إذا قام بالواجبِ لكلِّ واحدةٍ منهنَّ. ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الشَّافعيَّةِ [375] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/440)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/380). ، والحَنابِلةِ [376] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (8/269)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (5/200). ، والأظهرُ عندَ المالِكيَّةِ [377] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (5/254)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (2/339). ، وقولٌ عند الحَنفيَّةِ [378] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (2/180)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/202). . الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ما أَوْلَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على شَيءٍ مِن نِسائِه ما أولَمَ على زَينَبَ؛ أَوْلَمَ بشاةٍ)) [379] أخرجه البخاري (٥١٦٨) واللفظُ له، ومسلم (١٤٢٨). . وَجْهُ الدَّلالةِ:في الحَديثِ تَفضيلُ بَعضِ نِساءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بعضٍ في الوليمةِ، ويُؤخَذُ منه جَوازُ تَخصيصِ بعضٍ دونَ بَعضٍ بالإتحافِ والهَدايَا [380] ((فتح الباري)) لابن حجر (9/238). . ثانيًا: لأنَّ التَّسوِيةَ في هذا كلِّه تَشُقُّ، فلو وَجَبَت لم يُمكِنْه القيامُ بها إلَّا بحَرَجٍ؛ فيَسقُطُ وُجوبُها، كالتَّسوِيةِ في الوطْءِ [381] ((المغني)) لابن قُدامة (7/306). .ثالثًا: لأنَّ حقَّهُنَّ في النَّفقةِ والكِسوةِ والقَسْمِ، وقدْ سوَّى بَينهُنَّ، وما زادَ على ذلك فهو مُتطوِّعٌ؛ فله أنْ يَفعَلَه إلى مَن شاءَ [382] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (8/269). .القولُ الثَّاني: يجِبُ العدلُ بيْنَ الزَّوجاتِ في الهِباتِ [383] بعضُ مَن ذُكرِ مِن القائلينَ بهذا القولِ لم يَنُصَّ على الهِبةِ، إلَّا أنَّه مُقتضى ما ذهَبوا إليه مِن وجوبِ التَّسويةِ بيْنَ الزَّوجاتِ فيما يَملِكُه؛ كالنَّفقةِ والكِسوةِ ونَحوِ ذلك. ، وهو المُفتَى به عندَ الحَنفيَّةِ [384] ((حاشية ابن عابدين)) (3/202). ، وقولٌ لبعضِ المالِكيَّةِ [385] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (5/254)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (2/339). ، وهو قولُ ابنِ المُنذرِ [386] قال ابنُ المنذرِ -بعد أن ذكَر حديثَ أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه-: (فهذا الحديثُ وغيرُه يدُلُّ على وجوبِ العدلِ بيْنَ النِّساءِ فيما يَملِكُه، ولا حرَجَ عليه فيما لا يَملِكُه مِن الهوى والحُبِّ). ((الإقناع)) (1/311). ، وقوَّاهُ ابنُ تَيميَّةَ [387] قال ابنُ تَيميَّةَ: (وأمَّا العدلُ في النَّفقةِ والكِسوةِ فهو السُّنةً أيضًا؛ اقتِداءً بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه كان يَعدِلُ بيْنَ أزواجِه في النَّفقةِ، كما كان يَعدِلُ في القِسمةِ مع تَنازُعِ الناسِ في القَسْمِ؛ هل كان واجبًا عليه أو مُستحَبًّا له؟ وتَنازَعوا في العَدلِ في النَّفقةِ هل هو واجبٌ أو مُستحَبٌّ؟ ووُجوبُه أقوَى وأشبَهُ بالكِتاب والسُّنةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (3/149). وقال: (يجِبُ على الزَّوجِ التسويةُ بيْنَ الزَّوجاتِ في النَّفقةِ، وكلامُ القاضي في التَّعليق يدُلُّ عليه، وكذا الكِسوةُ). ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/482). وقال المَرْداويُّ: (لا يجِبُ عليه التَّسويةُ في النَّفقةِ والكِسوةِ إذا كَفَى الأخرى، وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشيخ تَقِيُّ الدِّينِ رحِمَه اللهُ: يجبُ عليه التَّسويةُ فيهما أيضًا). ((الإنصاف)) (8/269). ، وهو اختِيارُ الصَّنعانيِّ [388] قال الصَّنعانيُّ -بعد أنْ ذكَر حديثَ أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه-: (الحديثُ دليلٌ على أنه يجِبُ على الزَّوجِ التَّسويةُ بيْنَ الزَّوجاتِ، ويَحرُمُ عليه المَيلُ إلى إحداهنَّ، وقد قال تعالى: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [النساء: 129]، والمرادُ: المَيلُ في القَسْمِ والإنفاقِ، لا في المحبَّةِ؛ لمَا عرَفْتَ مِن أنَّها ممَّا لا يَملِكُه العبدُ). ((سبل السلام)) (2/238). ، والشَّوكانيِّ [389] قال الشَّوكانيُّ عن حديث أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: (يدُلُّ على وُجوبِ التَّسويةِ فيما هو أعمُّ مِن الإنفاقِ الواجبِ ممَّا يَملِكُه العبدُ، لا ممَّا لا يَملِكُه كالمحبَّةِ). ((السيل الجَرار)) (ص: 380). ، وابنِ بازٍ [390] قال ابن بازٍ -في سؤالٍ ورَدَ عليه-: (يجِبُ عليك العدلُ بيْنَ الزَّوجتَينِ في النَّفقةِ والملابسِ والحُليِّ، إلَّا أنْ تَرضى إحداهما بزِيادةِ ضَرَّتِها عليها، فلا بأسَ، ومَن يكُن عندَها مِن الأطفالِ أكثرُ مِن ضَرَّتها، فعليك أنْ تَزيدَها في النَّفقةِ على قدْرِ حاجتِها، وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يدُلُّ على وُجوبِ العدلِ بيْنَ الزَّوجاتِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (21/237). ، وابنِ عُثَيمينَ [391] قال ابنُ عُثيمينَ: (إنَّ العدلَ عليه واجبٌ في كلِّ ما يَستطيعُ؛ مِن النَّفقةِ، والمَبيتِ، وغيرِ ذلك، كلُّ ما يَستطيعُ يجِبُ عليه أنْ يَعدِلَ بيْنَ زوجاتِه... فعلى الرجلِ الجامعِ بيْنَ زَوجتينِ أو أكثَرَ أنْ يَعدِلَ بيْنَهما فيما يُمكِنُ العدلُ فيه؛ مِن المعاملةِ الظاهرةِ، كالمَبيتِ والإنفاقِ، والبَشاشةِ، وما أشبَهَ ذلك). ((فتاوى نور على الدرب)) (10/271). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [392] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (العدلُ الواجبُ بيْنَ الزَّوجاتِ هو فيما يَستطيعُه الإنسانُ، مِن النَّفقةِ والمسكنِ، والكِسوةِ والمَبيتِ، وما لا يستطيعُه مِن المحبَّةِ والمَيلِ القلبيِّ لا يُؤاخَذُ عليه). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/200). . الدَّليلُ مِن السُّنةِ:عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((مَن كانَتْ له امرَأتانِ فمالَ إلى إحداهُما، جاءَ يومَ القِيامةِ وشِقُّه مائِلٌ)) [393] أخرجه أبو داود (2133) واللفظُ له، والنسائي (3942)، وابن ماجه (1969)، وأحمد (10090). صحَّحه ابنُ دقيق العيد في ((الاقتراح)) (92)، وصَحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/185)، وابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (315)، وأحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/78)، وصحَّح الحديثَ ابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (21/355)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (2133). . وَجْهُ الدَّلالةِ:الحديثُ فيه دَليلٌ على وُجوبِ العَدلِ بيْنَ الزَّوجاتِ فيما يَملِكُه الزَّوجُ، وأنَّهُ يَحرُمُ مَيلُه لإحداهُنَّ [394] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/190). ويُنظر: ((الإقناع)) لابن المنذر (1/311)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (6/121)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عُثيمين (4/632). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: الهِبةُ بيْنَ الزَّوجينِ.