يجِبُ العدلُ بيْن الأولادِ في الهِبةِ [307] وحُكيَ الإجماعُ على استِحبابِ العدلِ بيْنَ الأولادِ في العطيَّةِ؛ قال ابنُ قُدامةَ: (ولا خِلافَ بيْنَ أهلِ العِلمِ في استِحبابِ التَّسويةِ وكَراهةِ التَّفضيلِ). ((المغني)) (6/53). ، وهو مَذهبُ الحَنابِلةِ [308] ((الفروع)) لابن مُفلِح (7/412)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/105). ، وبعضِ الحَنفيَّةِ [309] وهو قول أبي يُوسفَ وأعيانِ المجتهدينَ عندَ الحنفيَّةِ. ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين) (4/444). ، وقَولٌ عندَ المالِكيَّةِ [310] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي)) (2/261، 262)، ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 555). ، وبعضِ الشَّافعيَّةِ [311] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/307)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/415). ، وهو مَذهبُ الظَّاهريَّةِ [312] قال ابنُ حزمٍ: (لا يحِلُّ لأحدٍ أنْ يَهَبَ ولا أن يَتصدَّقَ على أحدٍ مِن ولَدِه، إلَّا حتَّى يُعطِيَ أو يَتصدَّقَ على كلِّ واحدٍ منهم بمِثلِ ذلك). ((المحلى)) (8/95). وقال: (فهؤلاء أبو بكرٍ، وعُمرُ، وعثمانُ، وقَيسُ بن سعدٍ، وعائشةُ أمُّ المؤمنينَ بحضْرةِ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم، لا يُعرَفُ لهم منهم مخالِفٌ... وهو قولُ النَّخَعيِّ... وإسحاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ، وأبي سُليمانَ، وجميعِ أصْحابِنا). ((المحلى)) (8/97). ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [313] ((المحلى)) لابن حزم (8/97). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/52). ، واختارَهُ العزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ [314] قال العزُّ ابنُ عبدِ السَّلامِ: (يجِبُ التَّسويةُ بيْنَهم في الهِبةِ، فإنْ كان بعضُ الأولادِ فقيرًا مَضرورًا، وبعضُهم غنيًّا مَجبورًا؛ ففي تَقديمِ الفقيرِ المضرورِ على الغنيِّ المجبورِ نظَرٌ واحتِمالٌ؛ لأنَّ دفْعَ ضَررِ المضرورِ أفضلُ مِن تَكثيرِ مالِ المجبورِ). ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) (2/140). ، وابنُ تَيميَّةَ [315] قال ابنُ تَيميَّةَ: (لو فَعَلَ ذلك في صِحَّتِه [أي: تفضيلَ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ] لم يَجُزْ ذلك في أصحِّ قولَيِ العلماءِ، بلْ عليه أنْ يَرُدَّه، كما أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَرُدَّه حيًّا ومَيتًا، ويَرُدُّه المخصَّصُ بعْدَ مَوتِه). ((مجموع الفتاوى)) (3/294). ، وابنُ القيِّمِ [316] قال ابنُ القيِّمِ: (وفي لفظٍ: «أشهِدْ على هذا غيري»، متَّفقٌ عليه. وهذا أمرُ تَهديدٍ قطْعًا، لا أمرُ إباحةٍ؛ لأنَّه سمَّاه جَورًا وخِلافَ العدلِ، وأخبَرَ أنَّه لا يَصلُحُ، وأمَرَه برَدِّه، ومُحالٌ مع هذا أنْ يأذَنَ اللهُ له في الإشهادِ على ما هذا شأنُه). ((إعلام الموقعين)) (4/255). ، وابنُ بازٍ [317] قال ابنُ بازٍ: (لا يَجوزُ تَفضيلُ بعضِ الأولادِ على بعضٍ في العطايا، أو تَخصيصُ بعضِهم بها؛ فكلُّهم ولَدُه، وكلُّهم يُرجى بِرُّه، فلا يجوزُ أنْ يخُصَّ بعضَهم بالعَطيَّةِ دونَ بعضٍ، واختلَفَ العلماءُ رحمةُ اللهِ عليهم: هل يُسوَّى بيْنَهم ويكونُ الذَّكَرُ كالأنثى، أم يُفضَّلُ الذكَرُ على الأنثى كالميراثِ؟ على قولَينِ لأهلِ العلم، والأرجحُ: أن تكونَ العطيَّةُ كالميراثِ، وأنَّ التسويةَ تكونُ بجَعْلِ الذكَرِ كالأُنثيَينِ؛ فإنَّ هذا هو الذي جعَلَه اللهُ لهم في الميراثِ، وهو سُبحانه الحكَمُ العدْلُ، فيكونُ المؤمنُ في عَطيَّتِه لأولادِه كذلك كما لو خلَّفَه لهم بعْدَ مَوتِه: للذكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/377). ، وابنُ عُثَيمينَ [318] قال ابنُ عُثيمينَ: (إذا كانت الهِبةُ بيْنَ الأولادِ الذُّكورِ أو الإناثِ، فإنَّه يجِبُ التَّسويةُ بيْنَهم، ولا يجوزُ للإنسانِ أنْ يفضِّلَ أحدًا على أحدٍ، أو يُعطيَ أحدًا دونَ أحدٍ). ((الدروس الفقهية من المحاضرات الجامعية)) (3/52). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [319] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (جاءت الشَّريعةُ الإسلاميةُ السَّمحةُ بوُجوبِ العدْلِ بيْنَ الأولادِ، ذُكورًا وإناثًا؛ ففي الصَّحيحينِ عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ أباه وهَبَه غلامًا، ثم أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُشهِدَه على ذلك، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أكُلَّ وَلدِك أعطيتَه مِثلَ هذا؟» قال: لا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا الله واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم». وفي روايةٍ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنِّي لا أَشهَدُ على جَورٍ». فيَلزَمُ والدَك إنْ أراد قِسمةَ مالِه، أو بعضَ مالِه بيْنَ أولادِه؛ أنْ يَقسِمَه على الذُّكورِ والإناثِ وَفْقَ المواريثِ الشَّرعيَّةِ: للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/197). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سألَتْ أمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لِي مِن مالِهِ، ثمَّ بدَا لَه فوَهَبَها لي، فقالت: لا أَرضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فأَخَذَ بيدِي وأنَا غلامٌ، فأَتَى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ أمَّهُ بنتَ رَواحَةَ سأَلَتْني بعضَ المَوهِبةِ لهذا، قال: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعم، قالَ: فَأُرَاهُ قال: لا تُشْهِدْني شَهَادَةَ جَوْرٍ)) [320] أخرجه البخاري (2650). .وفي رِوايةٍ قال: ((أعطاني أبِي عطيَّةً، فقالَت عَمْرَةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضَى حتَّى تُشهِدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنِّي أعطَيتُ ابنِي مِن عَمْرةَ بنتِ رَواحةَ عَطيَّةً، فأمرَتْني أنْ أُشهِدَك يا رسولَ اللهِ، قال: أعطَيتَ سائرَ ولَدِك مِثلَ هذا؟ قال: لا، قال: فاتَّقُوا اللهَ واعدِلُوا بيْنَ أولادِكُم. قال: فرَجَع فرَدَّ عطيَّتَه)) [321] أخرجه البخاري (2587). .وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سمَّاهُ جَورًا، وأمَرَ برَدِّه، وامتَنَعَ مِنَ الشَّهادةِ عليه، والجَورُ حَرامٌ [322] ((المغني)) لابن قُدامة (6/52). .ثانيًا: لأنَّ تَفضيلَ بعضِهِم يُورِثُ بيْنَهمُ العَداوةَ والبَغضاءَ وقطيعةَ الرَّحِمِ؛ فمُنِع منه، كتَزويجِ المرأةِ على عمَّتِها أو خالَتِها [323] ((المغني)) لابن قُدامة (6/52). . انظر أيضا: المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له. المطلَبُ الخامِسُ: حُكمُ هِبةِ الرَّجُلِ بعضَ ولدِه دُونَ بعضٍ لغَيرِ سببٍ شرعيٍّ.

الهِبةُ بيْنَ الأولادِ تكونُ بقَدْرِ أنصِبَتِهم في الميراثِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [324] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي)) (2/262). ، والحَنابِلةِ [325] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/285)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/103). ، وقولُ محمَّدِ بنِ الحسَنِ مِن الحَنفيَّةِ [326] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجَصَّاص (4/25). ، وقولٌ عندَ الشَّافعيَّةِ [327] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/309)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/416). ، وهو قَولُ بعضِ السَّلَفِ [328] وهو قولُ عطاءٍ وشُريحٍ وإسحاقَ. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (8/97)، ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/285). ، واختارَهُ ابنُ تَيميَّةَ [329] قال ابنُ تَيميَّةَ: (ويجِبُ التَّعديلُ في عَطيَّةِ أولادِه على حسَبِ مِيراثِهم، وهو مَذهبُ أحمدَ، مُسلمًا كان الولدُ أو ذِمِّيًّا). ((الفتاوى الكبرى)) (5/435). ، وابنُ بازٍ [330] قال ابنُ بازٍ: (اختلَفَ العلماءُ رحمةُ اللهِ عليهم: هل يُسوَّى بيْنَهم ويكونُ الذَّكَرُ كالأنثى، أم يُفضَّلُ الذكَرُ على الأنثى كالميراثِ؟ على قولَينِ لأهلِ العلم، والأرجحُ: أن تكونَ العطيَّةُ كالميراثِ، وأنَّ التسويةَ تكونُ بجَعْلِ الذكَرِ كالأُنثيَينِ؛ فإنَّ هذا هو الذي جعَلَه اللهُ لهم في الميراثِ، وهو سُبحانه الحكَمُ العدْلُ، فيكونُ المؤمنُ في عَطيَّتِه لأولادِه كذلك كما لو خلَّفَه لهم بعْدَ مَوتِه: للذكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/377). ، وابنُ عُثَيمينَ [331] قال ابنُ عُثيمينَ: (القولُ الراجحُ: أنَّ الأولادَ يُعطَون على حسَبِ ما ذكَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه في إرْثِهم). ((الشرح الممتع)) (11/79، 80). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [332] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/197). ؛ وذلك اقتِداءً بقِسمةِ اللهِ تعالى للمِيراثِ، وقياسًا لحالِ الحياةِ على حالِ الموتِ، وهو تَعجيلٌ لِمَا يَصِلُ إليهم بعدَ الموتِ؛ فأشبَهَ الميراثَ [333] ((شرح مختصر الطَّحاوي)) للجَصَّاص (4/25)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص 316)، ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/285). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له. المطلَبُ الخامِسُ: حُكمُ هِبةِ الرَّجُلِ بعضَ ولدِه دُونَ بعضٍ لغَيرِ سببٍ شرعيٍّ.

يَجوزُ تَفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ إذا كان لمُسوِّغٍ شرعيٍّ [334] مِن المسوِّغاتِ الشَّرعيَّةِ التي ذكَرها العلماءُ في تَفضيل بعضِ الأولادِ في الهِبةِ: حاجةُ الابنِ وفقْرُه دونَ إخوانِه، أو مرَضُه، أو ضَعْفُه وعدَمُ اعتمادِه على نفْسِه، أو اشتغالُه بطلَبِ العِلمِ، أو أنْ يَمنعَ الأبُ بعضَ أولادِه لفِسقِه أو لبِدعتِه؛ لكَونِه يَستعينُ بما يأخُذُه على مَعصيةِ الله. ، وهو قولٌ للحَنابِلةِ [335] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/105). ، اختارَهُ ابنُ قُدامةَ [336] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/311). ، وقَولُ ابنِ حزمٍ [337] قال ابنُ حزْم: (لكنْ يُنفِقُ على كلِّ امرئٍ منهم بحسَبِ حاجتِه، ويُنفِقُ على الفقيرِ منهم دون الغنيِّ). ((المحلى)) (8/95). ، والعزِّ بنِ عبدِ السَّلامِ [338] قال العزُ ابنُ عبدِ السلامِ: (يجِبُ التَّسويةُ بيْنَهم في الهِبةِ، فإنْ كان بعضُ الأولادِ فقيرًا مَضرورًا، وبعضُهم غنيًّا مَجبورًا؛ ففي تَقديمِ الفقيرِ المضرورِ على الغنيِّ المجبورِ نظَرٌ واحتِمالٌ؛ لأنَّ دفْعَ ضَررِ المضرورِ أفضلُ مِن تَكثيرِ مالِ المجبورِ). ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) (2/140). ، وابنِ تَيميَّةَ [339] قال ابنُ تيميةَ: (على الرجُلِ أنْ يَعدِلَ بيْنَ أولادِه كما أمَرَ الله ُورسولُه؛ فقد ثبَتَ في الصحيحينِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لبَشيرِ بنِ سعدٍ لمَّا نحَلَ ابنَه النُّعمانَ نُحلًا، وأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُشهِدَه على ذلك، فقال له: «اتَّقوا الله واعْدِلوا بين أولادكم»، وقال: «لا تُشهِدْني على هذا؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ»، وقال له: «اردُدْه». فردَّه بَشيرٌ. وقال له على سَبيلِ التَّهديدِ: «لا، أَشهِدْ على هذا غَيري». لكنْ إذا خصَّ أحدَهما بسببٍ شَرعيٍّ -مثل أنْ يكونَ مُحتاجًا مطيعًا لله، والآخر غنيٌّ عاصٍ يستعينُ بالمالِ على المعصيةِ- فإذا أعطى مَن أمَرَ اللهُ بإعطائِه، ومنَعَ مَن أمَرَ اللهُ بمنْعِه؛ فقد أحسَنَ). ((مجموع الفتاوى)) (31/295). ، وابنِ بازٍ [340] قال ابن بازٍ: (قال: «أشهِدْ على هذا غَيري؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ»؛ فدلَّ ذلك على أنَّ تخصيصَ بعضِ الأولادِ دون بعضٍ مِن الجَورِ، ولا يجوزُ، بل إمَّا أنْ يُؤتيَهم كلَّهم، وإمَّا أنْ يَدَعَهم كلَّهم، إلَّا إذا كان التخصيصُ لأجْلِ الفقرِ، هذا فقيرٌ وهذا غنيٌّ؛ يُنفِقُ على الفقيرِ قدْرَ حاجتِه، أو هذا صغيرٌ ما له شَيءٌ، وهذا كبيرٌ له أسبابٌ). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 577). ، وابنِ عُثَيمين [341] قال ابنُ عُثيمينَ: (لا يحِلُّ لأحدٍ أنْ يُحابيَ بعضَ أولادِه دونَ بعضٍ، بلْ عليه أنْ يُسوِّيَ بيْنَهم في العطيَّةِ بما قدْ سوَّى اللهُ بينهم؛ وذلك أنْ يُعطِيَ الذكَرَ مِثلَ حظِّ الأُنثيَينِ، هذا في العطيَّةِ المحْضِ، أي: التبرُّعِ المحْضِ، أمَّا ما كان لدفْعِ الحاجةِ، فإنَّ العدْلَ بينهم أنْ يُعطِيَ كلَّ واحدٍ منهم ما يَحتاجُ إليه، سواءٌ كان بقدْرِ ما أعْطى الآخَرَ، أو أكثَرَ، أو دونَه؛ فمثلًا: إذا كان الابنُ الكبيرُ يَحتاجُ إلى كُتبٍ للدِّراسةِ، وإلى أعمالٍ أُخرى للدراسةِ، وأعطاهُ ما يَشتري به الكتُبَ والأعمالَ الأخرى، ولم يُعطِ الآخَرينَ الذين لا يَحتاجون مِثلَه؛ فليس ذلك مِن التَّفضيلِ، بل هذا مِن العدْلِ، فإذا بلَغَ هؤلاء مِثلَ ما بلَغَ الأوَّلَ، واحتاجوا مِثلَ ما احتاجَ؛ أعطاهم مِثلَ ما أعْطى الأوَّلَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/298). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [342] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (المشروعُ في عَطيَّةِ الأولادِ هو التَّسويةُ بيْنَهم في العطاءِ على السَّواءِ، ولا يَجوزُ التَّفضيلُ إلَّا لمسَوِّغٍ شرعيٍّ؛ لكونِ أحدِهم مُقعَدًا، أو صاحبَ عائلةٍ كبيرةٍ، أو لاشتغالِه بالعلمِ، أو صَرْف عَطيًّةٍ عن بعضِ وَلَدِه لفِسقِه أو بِدعتِه، أو لكَونِه يَعصي الله فيما يَأخُذُه). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/193). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ الآثارِعن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، قالت: (إنَّ أبا بكرٍ كانَ نَحَلها جُذاذَ عِشرين وَسْقًا من مالِه بالعاليةِ، فلمَّا حَضَرَتْه الوفاةُ قال: واللهِ يا بُنيَّةُ، ما مِنَ النَّاسِ أحدٌ أحبَّ إلَيَّ غِنًى بَعدي مِنكِ، ولا أعزَّ علَيَّ فقرًا مِنكِ، وإنِّي كنتُ نَحَلتُك مِن مالي جُذاذَ عِشرين وَسْقًا، فلو كُنتِ جَذَذتِيه واحتَزْتِيهِ كانَ لكِ، فإنَّما هو اليومَ مالُ وارِثٍ، وإنَّما هو أخوكِ وأُختاكِ، فاقسِموه على كتابِ الله عزَّ وجلَّ. قالت: يا أبتِ، واللهِ لو كانَ كذا وكذا لَتَركتُه، إنَّما هي أسماءُ، فمَنِ الأُخرى؟ فقال أبو بكرٍ: ذو بطْنِ بنتِ خارجةَ؛ أُراها جاريةً. فوَلَدت جارِيةً) [343] تقدم تخريجه (ص: 377). .وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ أبا بكرٍ خصَّ عائشةَ دونَ أبنائِه بهِبةٍ؛ لمعنًى في ذلك [344] ((المغني)) لابن قُدامة (6/52)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي ((4/311). .ثانيًا: لأنَّه مِن بابِ دَفعِ الضَّررِ عنِ المُحتاجِ، وهو أفضلُ مِن تَكثيرِ مالِ الغنيِّ [345] ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) للعز ابن عبد السلام (2/140). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له. المطلَبُ الخامِسُ: حُكمُ هِبةِ الرَّجُلِ بعضَ ولدِه دُونَ بعضٍ لغَيرِ سببٍ شرعيٍّ.

لا يَجوزُ تَفضيلُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ مِن أجْلِ برِّه بوالِدَيه، أمَّا إذا كان يَعمَلُ معه في عمَلِه دونَ غيرِه مِن الأبناءِ، فيَجعَلُ له الأبُ أُجرةً بقَدْرِ ما يُعطاهُ العامِلُ؛ نصَّ عليه ابنُ بازٍ [346] قال ابن بازٍ: (لا بُدَّ مِن التَّسويةِ والعدلِ في العطيَّةِ بيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ؛ للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثيَينِ، كالإرثِ، ولا يُوصَى لهم أيضًا، لا بُدَّ أنْ يكونوا سواءً في العطيَّةِ، لا يخُصُّ أحدًا دونَ أحدٍ ولو كان بعضُهم أبَرَّ به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/57). وقال: (ليس للوالدِ أنْ يخُصَّ بعضَ أولادِه بشَيءٍ من المالِ على سَبيلِ التخصيصِ والإيثارِ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا الله واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم»، رواه البخاريُّ ومسلمٌ. لكنْ إذا كان بعضُ الأولادِ في حاجةِ أبيه، وبعضُهم قد يَخرُجُ عنه؛ فإنه يَجوزُ للوالدِ أنْ يَجعَلَ لابنِه المطيعِ القائمِ بأعماله راتبًا شَهريًّا أو سنويًّا بقدْرِ عمَلِه، كالعاملِ الأجنبيِّ أو أقَلَّ، مع مُراعاةِ نَفقتِه إذا كان يُنفِقُ عليه، وليس في هذا ظُلمٌ لبَقيَّةِ الأولادِ؛ لكَونِهم هم الذين تَباعَدوا عن والدِهم ولم يَقوموا بحقِّه، هذا هو الذي يَظهَرُ لي مِن الشَّرعِ المطهَّرِ الذي جاء بتَحصيلِ المصالحِ وتَكميلِها، وتَعطيلِ المفاسدِ وتَقليلِها، والذي جاء بشَرعيَّةِ مُجازاةِ المحسِنِ على إحسانِه، والمُسيءِ بإساءتِه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/53). ، وابنُ عُثَيمينَ [347] ورَدَ على ابنِ عُثيمينَ سؤالٌ جاء فيه: امرأةٌ لها ثلاثةٌ مِن الولدِ، يقومُ الأكبرُ برِعايتِها، بيْنما الآخَرانِ يَصرفانِ عليها؛ هل لها أنْ تُعطِيَ الأكبرَ أكثرَ؟ فأجاب: (أمَّا مَيلُها إلى الكبيرِ لكَونِه يُحسِنُ إليها، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ فإنَّ النُّفوسَ ميَّالةٌ إلى مَن يُحسِن إليها، وأمَّا تَفضيلُه بدراهمَ، فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ بِرَّه ثوابُه الأجرُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يحِلُّ لها أنْ تَخُصَّه بشَيءٍ مِن المالِ مِن أجْلِ بِرِّه بها، بل تَدْعو له بالخَيرِ والتَّوفيقِ، والنَّجاحِ في الدُّنيا والآخرةِ، وفي هذا كفايةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). وورَدَ عليه سؤالٌ يقولُ فيه السائلُ: هل يجوزُ أنْ أخُصَّ ولَدي بشَيءٍ مِن أراضٍ لي مُقابلَ خِدمتِه لي دونَ إخوتِه الذين لا يَسألون عنِّي؟ فأجاب: (إذا كان يَعمَلُ معك؛ فإنْ كان متبرِّعًا يُريدُ بذلك ثَوابَ البِرِّ، فلا تُعطِهِ شَيئًا، وأمَّا إذا كان يَتشوَّفُ إلى أنْ تَجعَلَ له شَيئًا، فهنا لا حرَجَ أنْ تَجعَلَ له أُجرةً بقدْرِ ما يُعطاه غيرُه؛ فمثلًا: لو قدِّرَ أنَّ هذا الولدَ أجنبيٌّ ليس ولَدًا لك، وأُجرتُه في الشهرِ خَمسُ مئةِ رِيالٍ، فأعْطِه خَمسَ مئةِ رِيالٍ، ولا حرَجَ ما دام يَعمَلُ عندَك، أو أعْطِه سهمًا مِن الرِّبحِ بقدْرِ ما يَعمَلُ به مِن المالِ، كمُضاربٍ أجنبيٍّ، أمَّا الآخَرانَ اللَّذانِ ذُكِرَ عنهما ما ذُكِرَ، فإنِّي أنصَحُهما أنْ يَتوبَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ يَبَرَّا بوالدِهما، أخْشى عليهما مِن العقوبةِ في الدُّنيا قبْلَ الآخرةِ، ومَن بَرَّ بأبيهِ بَرَّ به أبناؤه). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/316). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [348] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (لا يجوزُ للوالدَينِ التَّفضيلُ في العَطيَّةِ بيْنَ أولادِهما؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتقوا اللهَ واعْدِلوا بين أولادِكم»، ولأنَّ ذلك يُسبِّبُ الحسَدَ والحِقدَ، والبَغضاءَ والشَّحناءَ، والقطيعةَ بيْنَ الإخوةِ، وكلُّ ذلك يَتنافى مع مَقاصدِ الشَّريعةِ المطهَّرةِ التي جاءت بالحثِّ على التآلُفِ والترابُطِ، والتَّوادِّ والتعاطُفِ بيْنَ الأقاربِ والأرحامِ. والواجبُ على الوالدَينِ استِصلاحُ أولادِهما العاقِّينَ بطُرقٍ لا تَشتمِلُ على مفاسدَ في العاجلِ والآجلِ في حياةِ الأُسرةِ، مع كَثرةِ الدُّعاءِ لهم بالاستِقامةِ والصَّلاحِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/225). وجاء فيها أيضًا: (يَلزَمُ الوالدَ العدلُ بيْنَ أولادِه فيما يُعطِيهم مِن مالِه، للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم»، والذين يَشتغِلون معه إذا طَلَبوا مقابلًا عن عَمَلِهم، فإنَّه يُعطِيهم مِثلَ ما يُعطي غيرَهم مِن الأُجَراءِ أُجرةً عن عمَلِهم، والذين دَفَعوا له مالًا بنِيَّةِ المشارَكةِ يكونون شركاءَ له بقدْرِ ما دَفَعوا له مِن مالٍ، وأمَّا ما يُعطِيهم مِن مالِه، فإنه يجِبُ عليه العدلُ بينهم؛ مَن كان عندَه، ومَن كان خارجًا عنه، مَن يَشتغِلُ معه، ومَن لا يَشتغِلُ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالعدلِ بيْنَهم في العطيَّةِ، وسمَّى عطيَّةَ بعضِهم دونَ بعضٍ جَورًا؛ فيجِبُ على الأبِ أنْ يتَّقِيَ اللهَ في ذلك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/223). ؛ وذلك لأنَّ بِرَّه بوالِدَيه أجْرُه مِنَ اللهِ، وهو واجبٌ عليه؛ فلا يَتميَّزُ في العَطاءِ بسَببِه [349] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (9/313). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الخامِسُ: حُكمُ هِبةِ الرَّجُلِ بعضَ ولدِه دُونَ بعضٍ لغَيرِ سببٍ شرعيٍّ.

مَن أعطَى بعضَ ولَدِه دُونَ بَعضِهِم لغيرِ سَببٍ شَرعيٍّ، فإنَّه يجِبُ عليه الرُّجوعُ عنِ العَطيَّةِ، أوِ التَّعديلُ بمَنحِ البقيَّةِ مِثْلَ ما أعطَى البَعضَ، ولو كانَ ذلك في مرَضِ موتِه، ولا يُحتسَبُ مِنَ الثُّلثِ، وهو مَذهبُ الحَنابِلةِ [350] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/105)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/310). ، وظاهرُ كلامِ ابنِ حزمٍ [351] قال ابنُ حزمٍ: (فإنْ كان له ولَدٌ فأعْطاهم، ثم وُلِدَ له ولدٌ؛ فعليه أنْ يُعطِيَه كما أعطاهم، أو يُشرِكَهم فيما أعْطاهم، وإنْ تغيَّرت عَينُ العطيَّةِ، ما لم يَمُتْ أحدُهُم، فيَصيرَ مالُه لغَيرِه؛ فعلى الأبِ حينَئذٍ أنْ يُعطِيَ هذا الولدَ كما أعْطى غيرَه، فإنْ لم يَفعَلْ أُعطِيَ ممَّا ترَكَ أبوه مِن رأْسِ مالِه مِثلُ ذلك). ((المحلى)) (8/96). ؛ وذلك لأنَّ في إعطائِه تَسوِيةً بمَن خصَّه وفضَّلَه بالعَطيَّةِ، وكونُه لا يُحتسَبُ مِنَ الثُّلثِ؛ ذلك لأنَّه تَدارُكٌ للواجبِ، أشبَهَ قَضاءَ الدَّينِ [352] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/310). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له.

مَن أعطَى عطيَّةً لأولادِه، ثمَّ وُلِد له وَلَدٌ في حياتِه؛ فيجبُ أنْ يُسوِّيَ بيْنَهُم، فيُعطِيَه مِثلَ ما أعطَى البَقيَّةَ، وهو مَذهبُ الحَنابِلةِ [353] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/311)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/437)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/403). ، واختارَهُ ابنُ حزمٍ [354] قال ابنُ حزْمٍ: (فإنْ كان له ولدٌ فأعْطاهم، ثم وُلِدَ له ولَدٌ؛ فعليه أنْ يُعطِيَه كما أعطاهم، أو يُشرِكَهم فيما أعْطاهم، وإنْ تغيَّرت عَينُ العطيَّةِ، ما لم يَمُتْ أحدُهُم، فيَصيرَ مالُه لغَيرِه؛ فعلى الأبِ حينَئذٍ أنْ يُعطِيَ هذا الولدَ كما أعْطى غيرَه، فإنْ لم يَفعَلْ أُعطِيَ ممَّا ترَكَ أبوه مِن رأْسِ مالِه مِثلُ ذلك). ((المحلى)) (8/96). ؛ وذلك لأنَّ التَّسوِيةَ بيْنَهم واجبةٌ [355] ((المغني)) لابن قُدامة (6/61)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/437). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له.

ليس للولدِ المولودِ بعْدَ موتِ أبيه الرُّجوعُ على إخوَتِه المَوهوبِ لهم، نصَّ عليه الحَنابِلةُ [356] يُستحبُّ عندَهم العدلُ بيْنَ المولودِ الحادثِ وبيْنَ إخوتِه في العطيَّةِ. ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/107)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/312)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/403). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/61). ، وهو الظَّاهرُ مِن مَذهبِ الجُمهورِ [357] قال ابنُ قُدامةَ: (إذا فاضَلَ بيْنَ ولَدِه في العطايا، أو خصَّ بعضَهم بعطيَّةٍ، ثمَّ مات قبْلَ أنْ يَسترِدَّه؛ ثَبَتَ ذلك للمَوهوبِ له، ولَزِمَ، وليس لبَقيَّةِ الورثةِ الرُّجوعُ. هذا المنصوصُ عن أحمدَ في روايةِ محمدِ بنِ الحكمِ، والميمونيِّ، وهو اختيارُ الخلَّالِ، وصاحبِه أبي بكرٍ. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرأيِ، وأكثرُ أهلِ العلمِ). ((المغني)) (6/60). : الحَنفيَّةِ [358] يُكرَهُ عندَهم التَّفضيلُ في الهِبةِ، ويُستحَبُّ التَّسويةُ، فإنْ فضَّل بعضَهم على بعضٍ جاز مع الكراهةِ، وإنْ وهَبَ مالَه كلَّه لواحدٍ منهم، جاز قضاءً وأثِمَ الواهبُ، وهذا يعني: أنه لا يَرجِعُ على المَوهوبِ له إذا وُلِدَ للواهبِ ولَدٌ بعْدَ موتِه؛ وذلك لجوازِ التَّفضيلِ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (7/288)، ((الفتاوى الهندية)) (4/391)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/696). ، والمالِكيَّةِ [359] مَذهبُ المالكيَّةِ: جوازُ الهِبةِ لبعضِ الأولاد دون بعضٍ، وهذا يعني: أنه لا رُجوعَ عليهم فيمَن يُولَدُ للواهبِ بعد موتِه؛ لأنه يَجوزُ التفضيلُ. يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1003)، ((الرسالة)) لابن أبي زيد القَيْرَواني (ص 118)، ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (7/82). ، والشَّافعيَّةِ [360] يُسَنُّ عندَهم للوالدِ أنْ يَعدِلَ بيْنَ أولادِه في الهِبةِ، ويُسَنُّ له إذا فضَّل البعضَ أنْ يُعطِيَ الآخَرينَ مِثلَهم، وهذا يعني: أنَّه لا يَرجِعُ عليهم المولودُ بعْدَ موتِ الأبِ بشَيءٍ. ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (6/307، 308)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/415). . الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ الآثارِ1- عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالَت: (إنَّ أبا بكرٍ كانَ نَحَلها جُذاذَ عِشرين وَسْقًا مِن مالِه بالعاليةِ، فلمَّا حَضَرَتْه الوفاةُ قال: واللهِ يا بُنيَّةُ، ما مِنَ النَّاسِ أحدٌ أحبَّ إلَيَّ غِنًى بعدي مِنكِ، ولا أعزَّ علَيَّ فقرًا مِنكِ، وإنِّي كنتُ نَحَلتُك مِن مالي جُذاذَ عِشرين وَسْقًا، فلو كُنتِ جَذَذتِيه واحتَزْتِيه كانَ لكِ، فإنَّما هو اليومَ مالُ وارِثٍ، وإنَّما هو أخوكِ وأُختاكِ، فاقسِموه على كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ...) [361] تقدم تخريجه (ص: 377). .وَجْهُ الدَّلالةِ:في قَولِه رضِيَ اللهُ عنه: (فلو كُنتِ جَذَذتِيه واحتَزْتِيه كانَ لكِ) دليلٌ على أنَّها لو كانَت حازَتْه لم يَكُنْ له الرُّجوعُ [362] ((المغني)) لابن قُدامة (6/61). ويُنظر: ((القبس في شرح موطأ مالك بن أنس)) لأبي بكر ابن العربي (ص: 939). .2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدٍ القارِيِّ، أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه قال: (ما بالُ أقوامٍ يَنحَلون أولادَهم، فإذا ماتَ أحدُهُم قال: مالي وفي يدِي، وإذا ماتَ هو قال: كنتُ نَحلْتُه ولدِي؟! لا نِحلةَ إلَّا نِحلةٌ يَحوزُها الولدُ دونَ الوالدِ) [363] أخرجه من طرقٍ عبد الرزَّاق (16509)، وابنُ أبي شَيْبةَ (20495)، والبيهقيُّ (12305). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (6/69). . ثانيًا: أنَّ العطيَّةَ لَزِمَت بمَوتِ أبيه، كما لوِ انفَرَد [364] ((المغني)) لابن قُدامة (6/61). . انظر أيضا: المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ. المطلَبُ الثَّاني: كيفيَّةُ العدلِ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له.