تَجوزُ هِبةُ الوديعةِ لمَن هي عندَه [203] كأنْ يكونَ المالُ وَديعةً في يدِ شخْصٍ، فإذا وَهَبَه إيَّاهُ صاحبُ المالِ تصِحُّ الهِبةُ. ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [204] ((العناية شرح الهداية)) للبابَرْتي (9/32)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/697). ، والمالِكيَّةِ [205] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل وحاشية البَنَّاني)) (7/179)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/103). ، والشَّافعيَّةِ [206] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/69). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/34)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (8/123). ، والحَنابِلةِ [207] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/278)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/31). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/43). ؛ وذلك لأنَّها صادِرةٌ مِن مالكٍ، ولا تَحتاجُ إلى تَجديدِ القبضِ أو إذْنٍ في قبْضِها [208] ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/34)، ((العناية شرح الهداية)) للبابَرْتي (9/32). . انظر أيضا: المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا. المطلبُ الخامِسُ: هِبةُ مالِ الغَيرِ.

لا تجوز هِبةُ العَينِ المَرهونةِ [209] كأن يكونَ على شخصٍ دَينٌ، وأعطى مقابلَ ذلك رَهنًا؛ فهل يصِحُّ هِبةُ هذا الرهْنِ مِن قِبَلِ الراهنِ؟ إلَّا بإذْنِ المُرتَهِنِ. الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذرِ [210] قال ابنُ المُنذرِ: (أجمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الراهنَ ممنوعٌ مِن بَيعِ الرهْنِ وهِبتِه، والصَّدقةِ به، وإخراجِه مِن يَدَي مُرتَهِنِه حتَّى يَبرَأَ مِن حقِّ المرتَهِنِ). ((الإشراف)) (8/126). ويُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (10/531). لا خِلافَ في مَنْعِ هِبةِ العَينِ المرهونةِ إن كان الرَّاهِنُ مُعْسِرًا، وأمَّا إن كان مُوسِرًا فأجاز ابنُ حَزمٍ هِبَتَه. يُنظر: ((المحلى)) (6/371). .ثانيًا: لأنَّه لا يَملِكُها على الحَقيقةِ [211] ((العناية شرح الهداية)) للبابَرْتي (9/33). .ثالثًا: لأنَّ هِبةَ العَينِ بدُونِ إذنِ المُرتهِنِ تَصرُّفٌ يُبطِلُ حقَّه [212] ((المغني)) لابن قُدامة (4/272). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا. المطلبُ الخامِسُ: هِبةُ مالِ الغَيرِ.

يَصِحُّ تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [213] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (4/117). ، ورِوايةٌ عندَ الحَنابِلةِ [214] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/101). ، اختارَها ابنُ تَيميَّةَ [215] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/101). ، وابنُ القيِّمِ [216] قال ابنُ القيِّمِ: (الأصلُ في الشُّروطِ الصِّحةُ، والمسلِمون على شُروطِهم، إلَّا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّمَ حلالًا، وكذلك الهِبةُ يَجوزُ تَعليقُها بالشرطِ، كما ثبَتَ ذلك في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا ما كان لي ولِبَني عبدِ المطلبِ فهو لك). ((أحكام أهل الذمة)) (2/752). ، وابنُ عُثَيمينَ [217] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/152) .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لي: لو قد جاءَنا مالُ البَحرَينِ قد أعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا. فلمَّا قُبِض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجاءَ مالُ البَحرَين، قال أبو بَكرٍ: مَن كانَت له عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِدَةٌ فلْيَأتِنِي، فأتَيتُه فقلتُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد كان قال لي: لو قد جاءَنا مالُ البَحرَينِ لَأعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا، فقال لي: احثُهُ. فحثَوتُ حَثْيَةً، فقال لي: عُدَّها، فعَدَدتُها فإذا هي خَمسُ مِئةٍ، فأعطاني ألْفًا وخَمسَ مِئةٍ)) [218] أخرجه البخاري (3164) واللفظُ له، ومسلم (2314). .وَجْهُ الدَّلالةِ:الحديثُ فيه تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((لو قد جاءَنا مالُ البَحرَينِ قد أعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا)) [219] ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (2/16). .ثانيًا: الأصلُ في الشُّروطِ الصِّحَّةُ [220] ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (2/752). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا. المطلبُ الخامِسُ: هِبةُ مالِ الغَيرِ.

يُشترَطُ في المَوهوبِ أن يكونَ مالًا في الجُملةِ [221] واختلَفَ الفقهاءُ في تعريف المالِ. يُنظر: في كتاب الوقف، مبحث: اشتراط أن يكون الموقوف مالًا (ص: 105). ، وهو باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [222] ((الفتاوى الهندية)) (4/374). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/119). ، والمالِكيَّةِ [223] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/172)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (8/176). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (7/102). ، والشَّافعيَّةِ [224] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/373)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/302)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/399). ، والحَنابِلةِ [225] ((الفروع)) لابن مُفلِح (7/408)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/429)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/298). ؛ وذلك لأنَّ غيرَ المالِ لا يصِحُّ تَملُّكُه، فلا تصِحُّ هِبَتُه [226] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 626). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلبُ الخامِسُ: هِبةُ مالِ الغَيرِ.

تَصِحُّ هِبةُ المَعدومِ إذا كان وُجودُه مُتوقَّعًا؛ كهِبةِ ثَمرِ شَجَرِه، وما تَلِدُ أغنامُه في العامِ القادمِ، وهو مذهبُ المالِكيَّةِ [228] ((المدونة)) للإمام مالك (4/401)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/329)، ((الذخيرة)) للقَرافي (6/243). ، واختِيارُ ابنِ تَيميَّةَ [229] قال ابنُ تَيميَّةَ: (تَنازَعَ العلماءُ في هِبةِ المجهولِ؛ فجوَّزه مالكٌ، حتى جوَّز أنْ يهَبَ غيرَه ما وَرِثَه مِن فُلانٍ وإنْ لم يَعلَمْ قدْرَه، وإنْ لم يَعلَمْ أثُلُثٌ هو أم رُبعٌ، وكذلك إذا وَهَبَه حِصَّةً مِن دارٍ ولا يَعلَمُ ما هو، وكذلك يجوزُ هِبةُ المعدومِ؛ كأنْ يَهَبَه ثمرَ شَجرِه هذا العامَ أو عَشَرةَ أعوامٍ، ولم يُجوِّزْ ذلك الشافعيُّ، وكذلك المعروفُ في مَذهبِ أبي حَنيفةَ وأحمدَ المنعُ مِن ذلك... ومذهبُ مالكٍ في هذا أرجَحُ). ((مجموع الفتاوى)) (31/270). وقال المَرْداويُّ: (قال في الفروعِ: ويَتوجَّهُ مِن هذا القولِ جَوازُ هِبةِ المعدومِ وغيرِه. قلتُ: اختار الشيخُ تقيُّ الدِّين -رَحِمه اللهُ- صِحَّةَ هِبةِ المعدومِ؛ كالثَّمرِ واللَّبنِ بالسَّنةِ). ((الإنصاف)) (7/101). ويُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/434). ، وابنِ القيِّمِ [230] قال ابنُ القيِّمِ: (المعدومُ الذي هو غرَرٌ نُهِيَ عنه للغرَرِ لا للعدَمِ، كما إذا باعَهُ ما تَحمِلُ هذه الأَمَةُ أو هذه الشجرةُ؛ فالمبيعُ لا يُعرَفُ وُجودُه، ولا قدْرُه، ولا صِفتُه... بخِلافِ الوصيَّةِ؛ فإنَّها تَبرُّعٌ محضٌ، فلا غرَرَ في تَعلُّقِها بالموجودِ والمعدومِ، وما يُقدَرُ على تَسليمِه إليه وما لا يُقدَرُ، وطرْدُه الهِبةُ؛ إذ لا مَحذورَ في ذلك فيها، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هِبةُ المُشاعِ المجهولِ في قولِه لصاحبِ كُبَّةِ الشَّعرِ حين أخَذَها مِن المغْنمِ، وسألَهُ أنْ يَهَبَها له، فقال: أمَّا ما كان لي ولِبَني عبدِ المُطَّلِبِ فهو لكَ). ((إعلام الموقعين)) (2/30). ، وابنِ عُثَيمينَ [231] قال ابنُ عُثيمينَ: (يجوزُ أنْ يَتبرَّعَ الإنسانُ بثمَرِ النخلِ قبْل بُدُوِّ صلاحِه؛ لأنَّ المنهيَّ عنه إنَّما هو البَيعُ، وأمَّا الهِبةُ والتبرُّعُ فإنَّ الموهوبَ له والمتبرِّعَ له إمَّا غانمٌ وإمَّا سالمٌ؛ إمَّا غانمٌ إنْ بقِيَ الثمَرُ وصلَحَ، وإلَّا سالمٌ، فليس فيه غرَرٌ ولا جَهالةٌ ولا مَيسرٌ). ((الشرح الممتع)) (9/33). ؛ وذلك لأنَّ الهِبةَ تَبرُّعٌ مَحضٌ، فلا غَرَرَ في تَعلُّقِها بالمَوجودِ والمَعدومِ [232] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/30). ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رُشْد (4/114). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا.

لا يُشترَطُ في المَوهوبِ أنْ يكونَ مَقدورًا على تَسليمِه وقتَ الهِبةِ [233] كهِبةِ الطيرِ في الهواء، والبعيرِ الشاردِ، والنخلِ قبْلَ بُدُوِّ صلاحِه، وهِبةِ المغصوبِ لغَيرِ غاصبِه ممَّن لا يَقدِرُ على أخْذِه. ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [234] ((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/173). ، وقَولٌ للحَنابِلةِ [235] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/101). ، واختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [236] قال ابنُ تيميَّةَ: (تصِحُّ هِبةُ المعدومِ؛ كالثمَرِ واللَّبنِ بالسَّنةِ، واشتِراطُ القدرةِ على التسليمِ هنا فيه نظرٌ، بخلافِ البَيعِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/434). ، وابنِ عُثَيمينَ [237] قال ابنُ عُثيمينَ: (وبِناءً على هذا نقولُ: يَتخرَّجُ صِحَّةُ هِبةِ ما لا يُقدَرُ على تَسليمِه؛ لأنَّه إذا كانت الوصيَّةُ تصِحُّ بما لا يُقدَرُ على تَسليمِه، فالهِبةُ أيضًا مِثلُها؛ لأنها كلَّها تَبرُّعٌ، وهذا هو الصحيحُ: أنَّه يجوزُ هِبةُ ما لا يُقدَرُ على تَسليمِه، كالآبِقِ والطَّيرِ في الهواءِ؛ لأنَّه إنْ حَصَلَ فهو غانمٌ، وإنْ لم يَحصُلْ فليس بغارِمٍ، وإنَّما هو سالمٌ). ((الشرح الممتع)) (11/171). وقال: (يَجوزُ أنْ يَتبرَّعَ الإنسانُ بثَمرِ النخلِ قبْلَ بُدُوِّ صلاحِه؛ لأنَّ المنهيَّ عنه إنَّما هو البَيعُ، وأمَّا الهِبةُ والتبرُّعُ فإنَّ الموهوبَ له والمتبرَّعَ له إمَّا غانمٌ، وإمَّا سالمٌ؛ إمَّا غانمٌ إنْ بقِيَ الثمَرُ وصلَحَ، وإلَّا سالمٌ، فليس فيه غرَرٌ ولا جَهالةٌ ولا مَيسِرٌ). ((الشرح الممتع)) (9/33). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لي: لو قد جاءَنا مالُ البَحرَينِ قد أعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا. فلمَّا قُبِض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجاءَ مالُ البَحرَين، قال أبو بَكرٍ: مَن كانَت له عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِدَةٌ فلْيَأتِنِي، فأتَيتُه فقلتُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد كان قال لي: لو قد جاءَنا مالُ البَحرَينِ لَأعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا، فقال لي: احثُهُ. فحثَوتُ حَثْيَةً، فقال لي: عُدَّها، فعَدَدتُها فإذا هي خَمسُ مِئةٍ، فأعطاني ألْفًا وخَمسَ مِئةٍ)) [238] أخرجه البخاري (3164) واللفظُ له، ومسلم (2314). . ثانيًا: أنَّ العجزَ عن تَسليمِ الشَّيءِ المُتبرَّعِ به لا يَضرُّ؛ فالمُتبرَّعُ له إمَّا غانِمٌ، وإمَّا سالمٌ؛ فليس فيه غرَرٌ ولا جَهالةٌ ولا مَيْسِرٌ [239] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/33). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا.

تصِحُّ هِبةُ المَجهولِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [240] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (8/6)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (8/176). ، واختِيارُ ابنِ تَيميَّةَ [241] قال ابنُ تَيميَّةَ: (تَنازَعَ العلماءُ في هِبةِ المجهولِ؛ فجَوَّزه مالكٌ، حتى جوَّز أنْ يهَبَ غيرَه ما وَرِثَه مِن فُلانٍ وإنْ لم يَعلَمْ قدْرَه، وإنْ لم يَعلَمْ أثُلُثٌ هو أم رُبعٌ، وكذلك إذا وَهَبَه حِصَّةً مِن دارٍ ولا يَعلَمُ ما هو، وكذلك يجوزُ هِبةُ المعدومِ؛ كأنْ يَهَبَه ثمرَ شَجرِه هذا العامَ أو عَشَرةَ أعوامٍ، ولم يُجوِّزْ ذلك الشافعيُّ، وكذلك المعروفُ في مَذهبِ أبي حَنيفةَ وأحمدَ المنعُ مِن ذلك... ومذهبُ مالكٍ في هذا أرجَحُ). ((مجموع الفتاوى)) (31/270). ، وابنِ القيِّمِ [242] قال ابنُ القيِّمِ: (المعدومُ الذي هو غرَرٌ نُهِيَ عنه للغرَرِ لا للعدَمِ، كما إذا باعَهُ ما تَحمِلُ هذه الأَمَةُ أو هذه الشجرةُ؛ فالمبيعُ لا يُعرَفُ وُجودُه، ولا قدْرُه، ولا صِفتُه... بخِلافِ الوصيَّةِ؛ فإنَّها تَبرُّعٌ محضٌ، فلا غرَرَ في تَعلُّقِها بالموجودِ والمعدومِ، وما يُقدَرُ على تَسليمِه إليه وما لا يُقدَرُ، وطرْدُه الهِبةُ؛ إذ لا مَحذورَ في ذلك فيها، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هِبةُ المُشاعِ المجهولِ في قولِه لصاحبِ كُبَّةِ الشَّعرِ حين أخَذَها مِن المغْنمِ، وسألَهُ أنْ يَهَبَها له، فقال: أمَّا ما كان لي ولِبَني عبدِ المُطَّلِبِ فهو لكَ). ((إعلام الموقعين)) (2/30). ، وابنِ عُثَيمينَ [243] قال ابنُ عُثيمينَ: (قولُه: «المعلوم» خرَجَ به المجهولُ، ولكنَّ هذا غيرُ صحيحٍ؛ فالصحيحُ جَوازُ هِبةِ المجهولِ؛ لأنَّه لا يَترتَّبُ عليه شَيءٌ؛ لأنَّ الموهوبَ له إنْ وَجَدَ الموهوبَ كثيرًا فهو غانمٌ، وإنْ وَجَده قليلًا فلا ضَرَرَ عليه، وهو غانمٌ أيضًا، فلو وهَبَ لشخصٍ حملًا في بطْنٍ صحَّ على القولِ الذي اختَرْناه، وهو صِحَّةُ هِبةِ المجهولِ). ((الشرح الممتع)) (11/66). وقال: (لو أنَّ شخصًا له جمَلٌ شاردٌ، وقال لآخَرَ: وهَبْتُك جَملي الشاردَ، فإنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّه مجهولٌ وغيرُ مَقدورٍ عليه، فلا يصِحُّ، أو قال: وهَبْتُك ما في هذا الكيسِ مِن الدراهمِ، فإنَّه لا يصِحُّ؛ لأنَّه مَجهولٌ، وهذا الذي ذهَبَ إليه المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ هو المذهبُ. والقولُ الثاني -وهو الصوابُ-: أنه يصِحُّ أنْ يَهَبَ المجهولَ). ((الشرح الممتع)) (11/68). ؛ وذلك لأنَّ الهِبةَ عقدُ تُبرُّعٍ، فلا تضُرُّ الجَهالةُ فيها؛ لأنَّها بيْن الغُنمِ والسَّلامةِ [244] ((المغني)) لابن قُدامة (6/47)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (11/68). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا.

لا تَجوزُ الهِبةُ لمَن تولَّى أمرًا مِن أُمورِ المُسلِمين إلَّا لمَن له عادةٌ معه قبْلَ تَولِّيه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [280] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (6/305)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/374). ، والمالِكيَّةِ [281] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/120)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُلَيش (8/299). ، والشَّافعيَّةِ [282] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/136). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (3/157)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه)) لابن الرِّفْعة (18/104)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/227). ، والحَنابِلةِ [283] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/317)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (6/480). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن السُّنةِعن أبي حُميدٍ السَّاعِديِّ رضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ علَى صَدَقاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحاسَبَهُ قالَ: هذا الذي لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَهَلّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أبِيكَ، وبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صادِقًا، ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أسْتَعْمِلُ رِجالًا مِنكُم علَى أُمُورٍ ممَّا ولّانِي اللَّهُ فَيَأْتي أحَدُكُمْ فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ، وبَيْتِ أُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صادِقًا، فَواللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا - قالَ هِشامٌ بغيرِ حَقِّهِ - إلَّا جاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيامَةِ، ألا فَلَأَعْرِفَنَّ ما جاءَ اللَّهَ رَجُلٌ ببَعِيرٍ له رُغاءٌ، أوْ ببَقَرَةٍ لها خُوارٌ، أوْ شاةٍ تَيْعَرُ [284] تَيعَرُ: بكسرِ العَينِ وفَتحِها، أي: تصيحُ، واليُعار صوتُ المَعْزِ خاصَّةً. يُنظر: ((المُفْهِم)) لأبي العباس القرطبي (4/29)، ((شرح النووي على مسلم)) (12/219). ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ ألا هلْ بَلَّغْتُ)) [285] أخرجه البخاري (7197) واللفظُ له، ومسلم (1832). .وَجْهُ الدَّلالةِ:الحديثُ نصٌّ في عدَمِ جَوازِ قَبولِ الهَدايا والعَطايا لمَن تولَّى أمْرَ المُسلِمين؛ مِن عُمَّالٍ، وقُضاةٍ، ونَحوِهِما [286] ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشِّيرازي (3/381). .ثانيًا: أنَّه تَجوزُ الهِبةُ لمَن له عادةٌ معه قبْلَ تَولِّيهِ الوِلايةَ؛ لأنَّها لم تَكُن مِن أجْلِ الوِلايةِ [287] ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشِّيرازي (3/381)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه)) لابن الرِّفْعة (18/106). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: هِبةُ الوَديعةِ . المطلَبُ الثَّاني: هِبةُ العَينِ المَرهونةِ. المطلَبُ الثَّالثُ: تَعليقُ الهِبةِ على الشَّرطِ. المطلَبُ الرَّابعُ: اشتِراطُ أن يكونَ المَوهوبُ مالًا.