يُشترَطُ لصحَّةِ الوصيَّةِ القَبولُ مِن الموصَى له إنْ كان مُعيَّنًا، كزَيدٍ مثلًا، ولا يُشترَطُ إذا كان لجِهةٍ، كالفقراءِ الذين لا يُمكنُ حَصرُهم، أو كمَسجدٍ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ [96] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (6/184)، ((البناية)) للعَيْني (13/403). ، والمالكيَّةِ [97] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/366)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/424)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/507). ، والشَّافعيَّةِ [98] ((روضة الطالبين)) للنووي (6/141، 142)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/37). ، والحنابلةِ [99] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/459)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (4/454). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ الكِتابِقولُه تَعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39].وَجْهُ الدَّلالةِ:ظاهرُ الآيةِ ألَّا يكونَ للإنسانِ شَيءٌ بدونِ سَعْيِه، فلو ثبَتَ المِلكُ للموصَى له مِن غَيرِ قَبولٍ، لثَبَتَ مِن غَيرِ سَعيهِ، وهذا مَنفيٌّ إلَّا ما خُصَّ بدليلٍ [100] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/332). . ثانيًا: لأنَّ الوصيَّةَ تَمليكٌ للمالِ بالعقدِ، فلا يَثبُتُ إلَّا بالقَبولِ، أو ما يَقومُ مقامَه، كالهِبةِ [101] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/18)، ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (28/43). .ثالثًا: لأنَّ القولَ بثُبوتِ المِلكِ له مِن غيرِ قَبولِه يُؤدِّي إلى الإضرارِ به مِن وَجهينِ؛ أحدُهما: أنَّه يَلحَقُه ضَررُ المِنَّةِ، ولهذا تَوقَّفَ ثُبوتُ المِلكِ للموهوبِ له على قَبولِه؛ دفْعًا لضَررِ المِنَّةِ. والثاني: أنَّ الموصَى به قد يكونُ شَيئًا يَتضرَّرُ به الموصَى له، كالعبدِ الأعمى، والزَّمِنِ، والمُقعَدِ، ونحوِ ذلك [102] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/332). . انظر أيضا: المَطلبُ الثاني: إذا مات المُوصَى له بعْدَ مَوتِ المُوصِي وقَبْلَ القَبولِ . المطلبُ الثالثُ: وقتُ قَبولِ الموصَى له. المطلبُ الرابعُ: الفوريَّةُ في القَبولِ.

يَجوزُ للورَثةِ الموصَى له قَبولُ الوصيَّةِ أو ردُّها إذا ماتَ مُورِّثُهم -الموصَى له- بعْدَ مَوتِ الموصِي وقبْلَ القَبولِ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ [103] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/366)، ((الشرح الكيبر للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/424). ، والشَّافعيَّةِ [104] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/54)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/66). ، والحنابلةِ [105] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/18)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (3/52)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/346). .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه حقٌّ ثبَتَ للمَوروثِ، فيَنتقِلُ إلى الوارثِ بعْدَ موتِه [106] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/19). ويُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/54). .ثانيًا: لأنَّ الوصيَّةَ عقدٌ لازمٌ مِن أحدِ الطَّرفينِ، فلمْ تَبطُلْ بمَوتِ مَن له الخيارُ، كعَقدِ الرَّهنِ والبيعِ إذا شُرِطَ فيه الخِيارُ لأحدِهما [107] ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/346). .ثالثًا: لأنَّ الوصيةَ لا تَبطُلُ بمَوتِ المُوجِبِ لها، فلم تَبطُلْ بمَوتِ الآخَرِ [108] ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/346). . انظر أيضا: المطلبُ الأولُ: حُكمُ قَبولِ الوصيَّةِ . المطلبُ الثالثُ: وقتُ قَبولِ الموصَى له. المطلبُ الرابعُ: الفوريَّةُ في القَبولِ.

قَبولُ الموصَى له الوَصيَّةَ ورَدُّها يكونُ بعْدَ مَوتِ الموصِي، ولا يصِحُّ قَبولٌ ولا ردٌّ في حياةِ الموصِي، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ [109] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (22/41)، ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (6/657). ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) للمَوْصِلي (5/65). ، والمالكيَّةِ [110] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/366)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/424)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/507). ، والشَّافعيَّةِ [111] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (7/63)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/53). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (8/262). ، والحنابلةِ [112] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/18)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/153). ؛ وذلك لأنَّ المِلكَ إنَّما يثبُتُ بعْدَ موتِ الموصِي، فلا اعتِبارَ بما يُوجَدُ قبْلَه، كردِّ المَبيعِ قبْلَ إيجابِ البَيعِ [113] ((المغني)) لابن قُدامة (6/153)، ((الاختيار لتعليل المختار)) للمَوْصِلي (5/65). . انظر أيضا: المطلبُ الأولُ: حُكمُ قَبولِ الوصيَّةِ . المَطلبُ الثاني: إذا مات المُوصَى له بعْدَ مَوتِ المُوصِي وقَبْلَ القَبولِ . المطلبُ الرابعُ: الفوريَّةُ في القَبولِ.

يَجوزُ التَّراخي في قَبولِ الوصيَّةِ [114] بمعنى: أنَّه لا يُشترَطُ قَبولُ الوصيَّةِ أو رَدُّها مِن قِبَلِ الموصَى له فورًا بعدَ موتِ الموصي؛ فله أنْ يَتأخَّرَ عن القَبولِ ولو بمدَّةٍ طويلةٍ بعدَ مَوتِ الموصِي. ، نصَّ عليهِ المالكيَّةُ [115] ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/518)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (4/424). ، والشافعيَّةُ [116] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/53)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/37). ، وهو ظاهرُ مَذهبِ الحنَفيَّةِ [117] دلَّ كلامُ الحنفيَّةِ على جَوازِ التَّراخي في القَبولِ. ((حاشية ابن عابدين)) (6/657). ويُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحَمَوي (3/464). ، والحنابلةِ [118] نصَّ الحنابلةُ على أنَّه إذا مات الموصَى له بعدَ موتِ الموصِي قبْلَ القَبولِ أو الردِّ؛ بأنَّ الحقَّ يَنتقِلُ إلى وارثِه، وهذا يعني أنَّه تَراخى عن القَبولِ، وبأن المِلْكَ يَثبُتُ للموصَى له مِن حينِ القَبولِ، وهذا أيضًا يَقتضي صِحَّتَه مع التَّراخي. ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/20)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (2/461). ؛ وذلك لأنَّ الفورَ عُرفًا إنَّما يُشترَطُ في العقودِ المُنجَّزةِ التي يَرتبِطُ القَبولُ فيها بالإيجابِ، كالبَيعِ، وليستِ الوصيَّةُ منها [119] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/37). . انظر أيضا: المطلبُ الأولُ: حُكمُ قَبولِ الوصيَّةِ . المَطلبُ الثاني: إذا مات المُوصَى له بعْدَ مَوتِ المُوصِي وقَبْلَ القَبولِ . المطلبُ الثالثُ: وقتُ قَبولِ الموصَى له.