تجِبُ نَفَقةُ المَطعَمِ والمَشرَبِ [836]     أوجبَ بَعضُ العُلَماءِ نَفَقةَ العِلاجِ على الزَّوجِ، ومنهم مَن أوجَبَها حَسَب العُرف. قال الشوكاني: (أمَّا إيجابُ الدَّواءِ فوَجهُه أنَّ وُجوبَ النَّفَقةِ عليه: هو لحِفظِ صِحَّتِها، والدَّواءُ مِن جُملةِ ما يُحفَظُ به صِحَّتُها). ((السيل الجرار)) (ص: 460). وقال ابنُ عثيمين: (الدواءُ للزَّوجِ على زَوجتِه: على المَذهَبِ لا يجِبُ؛ لأنَّه أمرٌ طارئٌ خارجٌ عن النَّفَقةِ، والصَّحيحُ في هذا أن نتَّبِعَ العُرفَ: إنْ جرت العادةُ أن الزَّوجَ يداوي زوجتَه وجب عليه، وإنْ لم تجرِ العادةُ في ذلك لم يجِبْ، وأظنُّ العُرفَ عندنا يختَلِفُ؛ النَّفَقاتُ الباهِظةُ، مثلًا لو تحتاجُ إلى عمليةٍ في الخارجِ لا تلزَمُ الزَّوجَ، والشَّيءُ اليسيرُ يلزَمُ الزَّوجَ، والميزانُ عندك اجعَلْه دائمًا بين يديك، وهو قَولُ الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقَولُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ»، فاتَّبِعوا العُرفَ في هذا). ((لقاء الباب المفتوح)) اللقاء رقْم (184). وسُئِل: هل يُعتَبَرُ عِلاجُ الرجُلِ لامرأتِه مِنَ النَّفَقةِ، أم أنَّه ليس بواجِبٍ عليه العلاجُ؟ فأجاب: (يُرجَعُ في هذا إلى العُرفِ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فما جرت العادةُ به من الدَّواءِ أن يكونَ على الزَّوجِ فهو على الزَّوجِ، وما لم تجرِ العادةُ به فليس على الزَّوجِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (10/562). والكِسوةِ للزَّوجةِ على زَوجِها في الجُملةِ. الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا الطَّلاق: 7.وَجهُ الدَّلالةِ:في قَولِه تعالى: لِيُنْفِقْ أمرٌ مِنَ اللهِ تعالى بالإنفاقِ على الزَّوجاتِ على قَدرِ طاقةِ الزَّوجِ ويَسارِه [837]     ((تفسير السعدي)) (ص: 872). .2- قال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ الطلاق: 6.وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الأمرَ بالإسكانِ هو أمرٌ بالإنفاقِ عليها [838]     ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/15). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثِ الحَجِّ بطُولِه، قال في ذِكرِ النِّساءِ: ((ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوَتُهنَّ بالمعروفِ)) [839]     أخرجه مسلم (1218). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ نَصٌّ في وجوبِ النَّفَقةِ للزَّوجاتِ [840]     ((إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (4/277)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/184)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/322). .2- عن عائِشةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ هِندَ بِنتَ عُتبةَ قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رَجُلٌ شَحيحٌ، وليس لي إلَّا ما يَدخُلُ بَيتي، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذي ما يَكفيكِ ووَلَدَكِ بالمعروفِ)) [841]     أخرجه البخاري (5364) واللفظ له، ومسلم (1714). .وَجهُ الدَّلالةِ:فيه وجوبُ نفقةِ الزَّوج على زوجتِه، ومنه المأكَلُ، فيُقَدَّرُ على قَدْرِ يَسارِ الزَّوجِ وعَدَمِه [842]     ((شرح المشكاة)) للطِّيبي (7/2377)، ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (10/247). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [843]     قال ابنُ المنذِرِ: ( أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ للزَّوجةِ نَفقَتَها وكِسوَتَها بالمعروفِ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/157). ، وابنُ حَزمٍ [844]     قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ الحُرَّ الذي يَقدِرُ على المالِ، البالِغَ العاقِلَ غَيرَ المحجورِ عليه: فعليه نَفَقةُ زَوجتِه التي تزوَّجَها زَواجًا صَحيحًا إذا دخل بها وهي ممَّن تُوطَأُ، وهي غيرُ ناشزٍ، وسواءٌ كان لها مالٌ أو لم يكُنْ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 79). ، والكَاسَاني [845]     قال الكاساني: (النَّفَقةُ... وجوبُها... دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والمعقولُ... وأمَّا الإجماعُ فلأنَّ الأمَّةَ أجمَعَت على هذا). ((بدائع الصنائع)) (4/15). ، وابنُ رُشدٍ [846]     قال ابنُ رشد: (اتَّفقوا على أنَّ مِن حُقوقِ الزَّوجةِ على الزَّوجِ النَّفَقةَ والكِسوةَ). ((بداية المجتهد)) (2/54). ، وابنُ قُدامةَ [847]     قال ابنُ قدامة: (نَفَقةُ الزَّوجةِ واجِبةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ). ((المغني)) (8/195). ، والنَّوويُّ [848]     قال النووي -في قوله صلى الله عليه وسلم-: («ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ» فيه وجوبُ نَفَقةِ الزَّوجةِ وكِسْوتِها، وذلك ثابتٌ بالإجماعِ). ((شرح صحيح مسلم)) (8/184). ، وابنُ تَيميَّةَ [849]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (يجِبُ على الرَّجُلِ أن يُنفِقَ على ولَدِه وبهائِمِه وزَوجتِه، بإجماعِ المسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (8/535). ، وابنُ حَجَر [850]     قال ابنُ حجرٍ في بابِ وُجوبِ النَّفَقةِ على الأهلِ والعيالِ: (انعقدَ الإجماعُ على الوُجوبِ). ((فتح الباري)) (9/500). . انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: نَفَقةُ المَسكَنِ والخِدمةِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: حُكمُ النَّفَقةِ على الزَّوجةِ بعد العَقدِ وقَبلَ البِناءِ. المَطلَبُ الرَّابِعُ: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الصَّغيرةِ. المَطلَبُ الخامس: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الذِّمِّيَّةِ.

لا تجِبُ النَّفَقةُ للزَّوجةِ بمُجَرَّدِ العَقدِ، حتى يَدخُلَ الزَّوجُ بها، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [863]     ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/542)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/508). ، والشَّافِعيَّةِ [864]     ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 264)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/435). ، والحَنابِلةِ [865]     ((الفروع)) لابن مفلح (9/299)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/277)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/233). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزوَّجَها وهي بنتُ سَبعِ سِنينَ، وزُفَّت إليه وهي بِنتُ تِسعِ سِنينَ، ولُعَبُها معها، ومات عنها وهي بِنتُ ثمانِ عَشْرةَ)) [866]     أخرجه مسلم (1422). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزوَّج عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ودخَلَ بها بعد سَنَتينِ، فما أنفَقَ عليها حتى دخَلَت عليه، ولو أنفَقَ عليها لَنُقِلَ، ولو كان حَقًّا لها لساقَه إليها، ولَمَا استَحَلَّ أن يُقيمَ على الامتِناعِ مِن حَقٍّ وَجَب لها [867]     ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/988). .ثانيًا: لأنَّ النَّفَقةَ في مُقابَلةِ التَّمكينِ المُستَحَقِّ بعَقدِ النِّكاحِ، ولم يُوجَدْ [868]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/233). .ثالثًا: لأنَّ العَقدَ يُوجِبُ المَهْرَ فقط، ولا يُوجِبُ عِوَضَينِ مُختَلِفَينِ [869]     ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/435). .رابِعًا: لأنَّ النَّفَقةَ مَجهولةٌ، والعَقدُ لا يُوجِبُ مالًا مَجهولًا [870]     ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/435). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: نَفَقةُ الطَّعامِ والشَّرابِ والكِسوةِ للزَّوجةِ. المَطلَبُ الثَّاني: نَفَقةُ المَسكَنِ والخِدمةِ. المَطلَبُ الرَّابِعُ: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الصَّغيرةِ. المَطلَبُ الخامس: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الذِّمِّيَّةِ.

لا تجِبُ النَّفَقةُ للزَّوجةِ الصَّغيرةِ التي لا تُطيقُ الوَطْءَ [871]     أمَّا إذا كانت تُطيقُ الوَطءَ فتَجِبُ النَّفَقةُ لها باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/52)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/508)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/224)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/632). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [872]     ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/666). ، والمالِكيَّةِ [873]     ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (4/437)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/508)، ((منح الجليل)) لعليش (4/385). ، والشَّافِعيَّةِ -في الأظهَرِ- [874]     ((روضة الطالبين)) للنووي (9/61)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 264)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/330). ، والحَنابِلةِ [875]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/233)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/471)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/632). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لِكَونِ النَّفَقةِ تجِبُ في مُقابلةِ الوَطءِ ودواعيه، والصَّغيرةُ لا تَصلُحُ لهذا [876]     ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/52). .ثانيًا: لِكَونِ تعَذُّرِ وَطْئِها والاستِمتاعِ بها: لِمَعنًى فيها، لا لعارضٍ كالمريضةِ والحائضِ [877]     ((تحفة المحتاج )) لابن حجر الهيتمي (8/330). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: نَفَقةُ الطَّعامِ والشَّرابِ والكِسوةِ للزَّوجةِ. المَطلَبُ الثَّاني: نَفَقةُ المَسكَنِ والخِدمةِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: حُكمُ النَّفَقةِ على الزَّوجةِ بعد العَقدِ وقَبلَ البِناءِ. المَطلَبُ الخامس: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الذِّمِّيَّةِ.

يَجِبُ على الزَّوجِ النَّفَقةُ على زَوجتِه الذِّمِّيَّةِ.الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ [878]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ أنَّ الزَّوجةَ الذِّمِّيةَ في النَّفَقةِ والعِدَّةِ وجَميعِ أحكامِ الزَّوجاتِ: كالمُسلِمةِ). ((التمهيد)) (17/316). ، وبرهان الدين ابنُ مُفلِحٍ [879]     قال برهان الدين ابنُ مفلح في الزَّمَنِ المتعَلِّقِ بالنَّفَقةِ: (الذِّمِّيةُ كالمُسلِمةِ فيما ذكَرْنا، في قَولِ عامَّةِ العُلَماءِ؛ لعُمومِ النَّصِّ، والمعنى). ((المبدع)) (8/174). .ثانيًا: لأنَّها تجِبُ باعتبارِ الحَبسِ المُستَحَقِّ بعَقدِ النِّكاحِ، وذلك يَعتَمِدُ صِحَّةَ العَقدِ دونَ اتِّحادِ الملَّةِ [880]     ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/63). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: نَفَقةُ الطَّعامِ والشَّرابِ والكِسوةِ للزَّوجةِ. المَطلَبُ الثَّاني: نَفَقةُ المَسكَنِ والخِدمةِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: حُكمُ النَّفَقةِ على الزَّوجةِ بعد العَقدِ وقَبلَ البِناءِ. المَطلَبُ الرَّابِعُ: النَّفَقةُ على الزَّوجةِ الصَّغيرةِ.