الرَّضاعُ الذي يَثبُتُ به التَّحريمُ ما كان في الحَولَينِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [479]     عند المالِكيَّةِ: زيادةُ شَهرينِ على الحَولَينِ تُحَرِّمُ. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/503)، ((منح الجليل)) لعليش (4/374). ، والشَّافِعيَّةِ [480]     ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/416)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/175)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/374). ، والحَنابِلة [481]     ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/215)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/445). ، وقَولُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ مِنَ الحَنَفيَّةِ [482]     ((مختصر القدوري)) (ص: 152). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [483]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (قال أبو يوسف، ومحمد، والثوري، والحسن بن حي، والشافعي: يُحَرِّمُ ما كان في الحَولَينِ، ولا يُحَرِّمُ بَعدَهما، ولا يُعتَبَرُ الفِصالُ، إنَّما يعتَبَرُ الوقتُ. وقال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا رَضاعَ بعدَ الحَولَينِ. وهذا أحَدُ قَولَيِ الأوزاعيِّ). ((الاستذكار)) (6/248). وقال ابنُ القيِّم: (قال الشَّافعيُّ، وأحمدُ، وأبو يُوسُفَ، ومُحمَّدٌ: هو ما كان في الحَولَينِ، ولا يُحَرِّمُ ما كان بعدَهما. وصَحَّ ذلك عن عُمَرَ، وابنِ مَسعودٍ، وأبي هُرَيرةَ، وابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ، ورُوِيَ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، والشَّعبيِّ، وابن شُبرُمةَ، وهو قَولُ سُفيانَ، وإسحاقَ، وأبي عُبَيدٍ، وابنِ حَزمٍ، وابنِ المُنذِرِ، وداودَ، وجُمهورِ أصحابِه). ((زاد المعاد)) (5/513). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ البقرة: 233. وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ تعالى جعَلَ حَدَّ الرَّضاعِ إلى الحَولَينِ. فدَلَّ هذا على عدَمِ اعتِبارِ الرَّضاعِ بَعدَهما [484]     ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/515). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُحَرِّمُ مِن الرَّضاعةِ إلَّا ما فَتَق الأمعاءَ في الثَّدْيِ، وكان قَبلَ الفِطامِ)) [485]     أخرجه الترمذي (1152)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5465). قال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ. وصَحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (24/258)، وقال ابنُ القيم في ((زاد المعاد)) (5/492): ثابتٌ. وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1152)، وأعلَّه بعضُهم بالانقِطاعِ. .وَجهُ الدَّلالةِ:في قَولِه: ((وكان قبلَ الفِطامِ)) فإنَّه يُرادُ به قبلَ الحَولَينِ، فلا رَضاعَ بعدَ الحَولَينِ [486]     ((سبل السلام)) للصنعاني (3/217). . ثالثًا: مِنَ الآثارِ1- عن عَمرِو بنِ دِينارٍ قال: كان ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَولَينِ) [487]     أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (13903)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (17333)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (16083). صَحَّحه البيهقي. .2- عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لا رَضاعَ إلَّا ما كان في الحَولَينِ) [488]     أخرجه مالك في ((الموطأ)) (2/607)، والشافعي في ((الأم)) (6/83)، والبيهقي (16079). قال البيهقي: هذا وإن كان مُرسَلًا، فله شواهِدُ عن ابنِ مَسعودٍ رَضِي الله عنه. . انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: من الرَّضاع المُحَرِّمِ: رَضاعُ الكَبيرِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: المِقدارُ المُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ.

لا تَثبُتُ الحُرمةُ برَضاعِ الكَبيرِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [490]     ((المبسوط)) للسرخسي (5/121)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/182). ، والمالِكيَّةِ [491]     ((الشرح الكبير)) للدردير (2/503)، ((منح الجليل)) لعليش (4/374). ، والشَّافِعيَّةِ [492]     ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/416)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/374). ، والحَنابِلةِ [493]     ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/146)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/445). ، وهو قَولُ جُمهورِ التَّابعينَ، وفِقهاءِ الأمصارِ [494]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ممَّن قال إنَّ رَضاعَ الكبيرِ ليس بشَيءٍ: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وابن عباس، وسائِرُ أمَّهاتِ المؤمنين غيرَ عائشةَ، وجمهورُ التابعين، وجماعةُ فقهاء الأمصار، منهم: الليث، ومالك، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، والطبري). ((الاستذكار)) (6/256). وقال ابنُ القيم: (قال الشَّافعيُّ، وأحمَدُ، وأبو يُوسُفَ، ومُحمَّدٍ: هو ما كان في الحولَينِ، ولا يُحَرِّمُ ما كان بعدَهما. وصَحَّ ذلك عن عُمَرَ، وابنِ مَسعودٍ، وأبي هُرَيرةَ، وابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ، ورُوِيَ عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، والشَّعبيِّ، وابن شُبرُمةَ، وهو قَولُ سُفيانَ، وإسحاقَ، وأبي عُبيدٍ، وابنِ حَزمٍ، وابنِ المُنذِرِ، وداودَ وجُمهورِ أصحابِه). ((زاد المعاد)) (5/513). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [495]     قال ابنُ العربي: (اتَّفق الفُقَهاءُ على ألَّا يُحَرِّمَ رَضاعُ الكبيرِ). ((عارضة الأحوذي)) (1/85). لكنْ ورد خِلافٌ في ذلك؛ قال الجصَّاصُ: (أمَّا القولُ في رَضاعِ الكبيرِ فإنَّه يُروى عن عائِشةَ، وأبي موسى: أنَّ رَضاعَ الكبيرِ يُحَرِّمُ. وهو قَولُ اللَّيثِ بنِ سَعدٍ). ((شرح مختصر الطحاوي)) (5/268). وقال ابنُ القيم: (يُروى عن عَليٍّ، وعُروةَ بنِ الزُّبَيرِ، وعَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، وهو قَولُ اللَّيثِ بنِ سَعدٍ، وأبي مُحمَّدٍ ابنِ حَزمٍ، قال: ورَضاعُ الكبيرِ -ولو أنَّه شَيخٌ- يُحَرِّمُ، كما يُحَرِّمُ رَضاعُ الصَّغيرِ، ولا فَرْقَ؛ فهذه مذاهِبُ النَّاسِ في هذه المسألةِ). ((زاد المعاد)) (5/515). وقال ابنُ حزم: (رَضاعُ الكبيرِ مُحَرِّمٌ، ولو أنَّه شَيخٌ يُحَرِّمُ كما يُحَرِّمُ رَضاعُ الصَّغيرِ، ولا فَرْقَ). ((المحلى)) (10/202). . الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها قالت: ((دخَلَ عليَّ رَسولُ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندي رجلٌ قاعِدٌ، فاشتَدَّ ذلك عليه، ورأيتُ الغَضَبَ في وَجهِه، قالت: فقُلتُ: يا رَسولَ الله، إنَّه أخي مِنَ الرَّضاعةِ، قالت: فقال: انظُرْنَ إخوَتَكُنَّ مِن الرَّضاعةِ؛ فإنَّما الرَّضاعةُ مِنَ المجاعةِ)) [496]     أخرجه البخاري (2647)، ومسلم (1455) واللفظ له. . وَجهُ الدَّلالةِ: قَولُه: ((فإنَّما الرَّضاعةُ مِنَ المجاعةِ)) دَليلٌ على أنَّ رَضاعَ الكبيرِ لا يُؤَثِّرُ [497]     ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/352). . ثانيًا: لأنَّ لَبَنَ الرَّضاعِ هو ما أنبَتَ اللَّحمَ وأنشَزَ العَظْمَ؛ وهذا المعنى لا يتحقق في رَضاعِ الكبيرِ [498]     ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/855). . انظر أيضا:  المَطلَبُ الأوَّلُ: من الرَّضاع المُحَرِّمِ: الرَّضاعُ في الحَولَينِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: المِقدارُ المُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ.

المِقدارُ المُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ خَمسُ رَضَعاتٍ، وهذا مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [499]     ((روضة الطالبين)) للنووي (9/7)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/416). ، والحَنابِلةِ [500]     ((الإقناع)) للحجاوي (4/126)، ((شرح منتهى الإرادات )) للبهوتي (3/215). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [501]     قال ابنُ قدامة: (الذي يتعلَّقُ به التحريمُ خَمسُ رَضَعاتٍ فصاعِدًا، هذا الصَّحيحُ في المَذهَبِ. ورُوِيَ هذا عن عائشة، وابنِ مسعود، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس. وهو قولُ الشافعي). ((المغني)) (8/171). ، واختيارُ ابنِ حَزمٍ [502]     قال ابنُ حزم: (لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ إلَّا خَمسُ رَضَعاتٍ، تُقطَعُ كلُّ رَضعةٍ مِنَ الأخرى، أو خَمسُ مَصَّاتٍ مُفَترقاتٍ كذلك، أو خَمسٌ ما بين مَصَّةٍ ورَضعةٍ، تُقطَعُ كُلُّ واحدةٍ مِن الأخرى، هذا إذا كانت المصَّةُ تُغني شيئًا مِن دَفعِ الجوعِ، وإلَّا فليست شيئًا ولا تحَرِّمُ شَيئًا). ((المحلى بالآثار)) (10/189). ، وابنِ تَيميَّةَ [503]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (نحن نُبَيِّنُ ذلك فنقولُ: إذا ارتضَعَ الرَّضيعُ مِن المرأةِ خَمسَ رَضَعاتٍ مِنَ الحَولَينِ، صارت المرأةُ أُمَّه، وصار زوجُها الذي جاء اللَّبنُ بوَطئِه أباه). ((الفتاوى الكبرى)) (3/159). وقال: (إذا ارتضَعَ منها خمسَ رَضَعاتٍ في الحَولَينِ، صار ابنًا لها، وحَرُمَ عليه جميعُ بناتِها؛ مَن وُلِدَ قبل الرَّضاعِ ومَن وُلِدَ بَعدَه). ((الفتاوى الكبرى)) (3/163). ، والشَّوكانيِّ [504]     قال الشوكاني: (أخرج البخاريُّ مِن حديثِها نحوَه، وأخرج مالكٌ في الموطأ وأحمد من حديثِها: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لِسَهلةَ في قِصَّةِ سالمٍ: «أرضِعِيه خَمسَ رَضَعاتٍ»؛ فهذا يدُلُّ على أنَّها لا تُحرِّمُ إلَّا خَمسُ رَضَعاتٍ). ((السيل الجرار)) (ص: 471). وقال: (ينبغي أن يكونَ الرَّضاعُ خَمسَ رَضَعاتٍ). ((نيل الأوطار)) (6/373). ، وابنِ باز [505]     قال ابنُ باز: (لأنَّ مِن شَرطِ الرَّضاعِ الذي يحصُلُ به التحريمُ: أن يكونَ خَمسَ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ أو أكثَرَ، في حالِ كَونِ الطِّفلِ في الحولينِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (22/237). ، وابنِ عُثيمين [506]     قال ابنُ عثيمين: (لكِنْ لا بدَّ لذلك مِن شُروطٍ في الرَّضاعِ: أوَّلًا: أن يكونَ الرَّضاعُ خَمسَ رَضَعاتٍ فأكثَرَ، هذا هو القَولُ الرَّاجِحُ). ((الشرح الممتع)) (12/112). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:عن عائشةَ أنَّها قالت: ((كان فيما نزَلَ مِنَ القُرآنِ: عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ يُحَرِّمْنَ، ثمَّ نُسِخْنَ بخَمسٍ مَعلوماتٍ، فتُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهُنَّ فيما يُقرأُ مِنَ القُرآنِ)) [507]     أخرجه مسلم (1452). ، وفي لفظٍ قالت: ((أُنزِلَ في القُرآنِ: عَشرُ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ، فنُسِخَ مِن ذلك خَمسُ رَضَعاتٍ إلى خَمسِ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ، فتوفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأمرُ على ذلك)) [508]     أخرجه الترمذي بعد حديث (1150). صَحَّحه ابن تَيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (34/35). . وَجهُ الدَّلالةِ:في الحديثُ نَصٌّ على أنَّ المحَرِّمَ مِن الرَّضاعِ: خَمسُ رَضَعاتٍ [509]     قال الشوكاني: (استدَلَّ بأحاديثِ البابِ مَن قال: إنَّه لا يقتضي التَّحريمَ مِن الرَّضاعِ إلَّا خَمسُ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ). ((نيل الأوطار)) (6/369). . انظر أيضا:  المَطلَبُ الأوَّلُ: من الرَّضاع المُحَرِّمِ: الرَّضاعُ في الحَولَينِ. المَطلَبُ الثَّاني: من الرَّضاع المُحَرِّمِ: رَضاعُ الكَبيرِ.