إذا كان الرَّجُلُ مُتَزَوِّجًا أربعًا فطَلَّقَ إحداهُنَّ طلاقًا رجعيًّا، يجِبُ عليه أن يَنتَظِرَ انقِضاءَ عِدَّتِها إذا أراد أن يتزوَّجَ خامِسةً، وإذا كان مُتَزوِّجًا واحِدةً فطَلَّقَها طلاقًا رجعيًّا لِيَتزوَّجَ أربعًا غَيرَها، يجِبُ عليه أن ينتَظِرَ انقِضاءَ عِدَّتِها، كما يجِبُ عليه أيضًا أن ينتَظِرَ انقِضاءَ العِدَّةِ إذا طَلَّق امرأةً لِيَتزوَّجَ أُختَها، أو عَمَّتَها، أو خالتَها، أو بنتَ أخيها، أو بنتَ أُختِها.الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك في الجُمْلة: ابنُ عبدِ البَرِّ [220]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ بينَ العُلَماءِ فيمن له أربَعُ نِسوةٍ يُطَلِّقُ إحداهُنَّ طَلقةً يَملِكُ رَجعَتَها: أنَّه لا يَحِلُّ له نِكاحُ غَيرِها حتى تنقَضيَ عِدَّتُها؛ لأنَّها في حُكمِ الزَّوجاتِ: في النَّفَقةِ، والسُّكنى، والميراثِ، ولُحوقِ الطَّلاقِ والإيلاءِ والظِّهارِ واللِّعانِ؛ كالتي لم تُطَلَّقْ منهنَّ سواءً). ((الاستذكار)) (5/541). ، وابنُ قُدامةَ [221]     قال ابنُ قدامة: (تَحرُمُ عليه أُختُها، وعَمَّتُها، وخالتُها، وبِنتُ أخيها، وبنتُ أُختِها: تحريمَ جَمعٍ، وكذلك إن تزوَّج الحُرُّ أربعًا حُرِّمَت الخاِمسةُ تحريمَ جَمعٍ، وإن تزوَّج العَبدُ اثنتَينِ حُرِّمَت الثالثةُ تحريمَ جَمعٍ، فإذا طلَّقَ زوجتَه طلاقًا رَجعيًّا، فالتحريمُ باقٍ بحالِه في قولِهم جميعًا). ((المغني)) (7/88). ، والقُرطبيُّ [222]     قال القُرطبي: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ الرَّجُلَ إذا طَلَّق زَوجتَه طَلاقًا يَملِكُ رَجعَتَها: أنَّه ليس له أن يَنكِحَ أُختها أو أربعًا سِواها، حتى تنقَضِيَ عِدَّةُ المُطَلَّقةِ). ((تفسير القرطبي)) (5/119). ، وابنُ تَيميَّةَ [223]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (تحريمُ الجَمعِ يزولُ بزَوالِ النِّكاحِ؛ فإذا ماتت إحدى الأربَعِ أو الأُختَينِ، أو طَلَّقَها، أو انفَسَخ نِكاحُها وانقَضَت عِدَّتُها: كان له أن يَتزوَّجَ رابعةً، ويتزوَّجَ الأُخت الأخرى، باتِّفاقِ العُلَماءِ، وإن طَلَّقَها طلاقًا رَجعيًّا لم يكُنْ له تزوُّجُ الأخرى عند عامَّةِ العُلَماء؛ الأئمَّةِ الأربعةِ وغَيرِهم). ((مجموع الفتاوى)) (32/72). . ثانيًا: لأنَّ المرأةَ التي طُلِّقَت طَلاقًا يَملِكُ زَوجُها رَجْعَتَها فيه: ما زالت في حُكمِ الزَّوجاتِ؛ في النَّفَقةِ، والسُّكنى، والميراثِ، ولُحوقِ الطَّلاقِ والإيلاءِ والظِّهارِ واللِّعانِ؛ كالتي لم تُطَلَّقْ مِنهُنَّ سَواءً [224]     ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/541). . انظر أيضا: المطلبُ الثَّاني: انتظارُ الرَّجُلِ مُدَّةَ العِدَّةِ في البائِنِ بَينونةً كُبرى.

إذا كان الرَّجُلُ مُتزوِّجًا أربعًا فطَلَّق إحداهنَّ طلاقًا بائنًا، يجوزُ له أن يتزوَّجَ أخرى في عِدَّةِ الرَّابعةِ، ولا ينتَظِرُ انقِضاءَ عِدَّتِها، وأيضًا إذا طلَّق امرأةً طلاقًا بائنًا يجوزُ له أن يتزوَّجَ أُختَها، أو عَمَّتَها، أو خالتَها، أو بنتَ أخيها، أو بنتَ أُختها، ولا ينتَظِرُ انقِضاءَ عِدَّتِها، وهذا مَذهَبُ المالِكيَّةِ [225]     ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/593)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/465). ، والشَّافِعيَّةِ [226]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/310)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/280)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/182). ، والظَّاهِريَّةِ [227]     قال ابنُ حزم: (من كان عنده أربعُ زَوجاتٍ فطَلَّق إحداهنَّ ثلاثًا، وهي حاملٌ منه أو غيرُ حاملٍ، وقد وَطِئَها إذ كانت في عصمتِه، أو انفسَخَ نكاحُها منه: فله أن يتزوَّجَ إثرَ طلاقِه لها رابعةً، أو أختَها، أو عمَّتَها، أو خالتَها، أو بنتَ أخيها، أو بنتَ أُختها؛ ويدخُلَ بها، فأمَّا في الطلاقِ الرَّجعيِّ فلا يحِلُّ له ذلك ما دامت في عِدَّتِها. وقولُنا في هذا هو قولٌ رُوِيَ عن عثمانَ بنِ عفَّان، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وصَحَّ عن الحَسَنِ، وسعيدِ بنِ المُسيِّبِ، وخلاسِ بنِ عَمرٍو، وعُروةَ بنِ الزُّبير، والقاسِمِ ابنِ مُحمَّدٍ، وعطَاءٍ، والزُّهريِّ، ويزيدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ قسيطٍ، وعبد الله بن أبي سلمةَ، وربيعةَ، وابنِ أبي ليلى، وعُثمانَ البتِّيِّ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ، ومالكٍ، والشَّافعيِّ، وأصحابِهما، وأبي ثَورٍ، وأبي عُبيد، وأبي سُليمان، وأصحابِه). ((المحلى)) (9/159). ،  وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [228]     قال ابنُ المُنذِرِ: (ومن قال: له أن يتزوَّجَ أختَها قبل أن تَنقضيَ عِدَّةُ المُطلَّقةِ: زيدُ بنُ ثابتٍ، وسعيدُ ابنُ المُسَيِّبِ، والحَسَنُ، والقاسِمُ بنُ مُحمَّدٍ، وعروةُ بنُ الزُّبيرِ، وابنُ أبي ليلى، والشَّافعيُّ، وأبو ثَورٍ، وأبو عُبيدٍ، ولا أحسَبُه إلَّا قولَ مالكٍ. وبه نَقولُ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (5/104). ويُنظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (9/246)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/56). ، واختيارُ ابنِ المنذِرِ [229]     يُنظر: ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (5/104). ، وابنِ عُثيمين [230]     قال ابن عثيمين: (قوله: «فإنْ طُلِّقَت وفرَغَت العِدَّةُ أُبِحْنَ» أي: أبيحت أختُ الزَّوجةِ، وعَمَّتُها، وخالتُها، ولكِنْ شَرطَ المؤلِّفُ أن تفرُغَ العِدَّةُ، فظاهرُه أنَّه ما دامت العدة باقيةً فهنَّ حرامٌ، سواءٌ كانت العِدَّةُ عِدَّةَ بينونةٍ أو لا، ولكنْ نعود إلى ما سبق: أنَّ الراجِحَ إذا كانت بينونةً كبرى فلا حرجَ؛ لأنَّه لا يمكِنُ الجمعُ بينهنَّ، أما البينونةُ الصغرى والرَّجعيةُ فلا يجوز أن يتزوجَ أختَ من كانت عِدَّتُها عدةَ بائنٍ بينونةً صغرى، أو رجعيَّةً). ((الشرح الممتع)) (12/133). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكتابِ قَولُه تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ النساء: 23.وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ تعالى في الآيةِ حَرَّم الجمعَ بينَ الأختينِ، فلو تزوَّج أختَ المبتوتةِ لم يكُنْ جامِعًا بينهما؛ لأنَّها ليست في نكاحٍ [231]     ((المغني)) لابن قدامة (7/89). .ثانيًا: لأنَّ النِّكاحَ قد انقطعَ بينهما؛ فلا مُسَوِّغَ للمَنعِ [232]     ((البناية شرح الهداية)) للعيني (5/56). . انظر أيضا: المطلَبُ الأوَّلُ: انتظارُ الرَّجُلِ مُدَّةَ العِدَّةِ في الرَّجعيَّةِ.