يَصِحُّ تعليقُ الظِّهارِ مِنَ الزَّوجةِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [528]     ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/240)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/108)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/472). ، والمالِكيَّةِ [529]     ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/299)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/455). ، والشَّافِعيَّةِ [530]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/180)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/354). ، والحَنابِلةِ [531]     ((المبدع)) لابن مفلح (8/36)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/373). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه يَمينٌ، فجاز تعليقُه على شَرطٍ، كالإيلاءِ [532]     ((المغني)) لابن قدامة (8/14)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/180). .ثانيًا: أنَّ الظِّهارَ أصلُه كان طَلاقًا، والطَّلاقُ يَصِحُّ تعليقُه بالشَّرطِ، فكذلك الظِّهارُ [533]     ((المغني)) لابن قدامة (8/14)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/180). .ثالثًا: لأنَّه قَولٌ تَحرُمُ به الزَّوجةُ، فصَحَّ تعليقُه على شَرطٍ، كالطَّلاقِ [534]     ((المغني)) لابن قدامة (8/14). . انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: تعليقُ الظِّهارِ مِن امرأةٍ أجنبيَّةٍ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: تعليقُ الظِّهارِ على المَشيئةِ.

اختلف العُلَماءُ في تعليقِ الظِّهارِ مِنِ امرأةٍ أجنبيَّةٍ؛ على قَولَينِ:القول الأول: يَصِحُّ تعليقُ الظِّهارِ مِنِ امرأةٍ أجنبيَّةٍ [535]     بأن يُعلِّقَ ظِهارَها على الزَّواجِ منها، كأن يقولَ: إن تزوَّجتُكِ فأنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [536]     ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/107)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/467). ، والمالِكيَّةِ [537]     ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/445)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/113)، ((منح الجليل)) لعليش (4/240). ويُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/770). ، والحَنابِلةِ [538]     ((الفروع)) لابن مفلح (9/182)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/147)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/372). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [539]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أمَّا الظِّهارُ فاختلافُهم فيه على غيرِ اختلافِهم في الطَّلاقِ؛ لأنَّ جماعةً لم يُلزِموه الطَّلاقَ قبل النِّكاحِ، وألزموه الكفَّارةَ في الظِّهارِ إن قال لامرأتِه: أنتِ منِّي كظهرِ أمِّي إن نكَحْتُكِ، ثم نكَحَها. قالوا: لا يَقرَبُها حتى يُكَفِّرَ، ورُوِيَ ذلك عن سعيد بن المسيِّب، وهو ممَّن يقولُ في الطَّلاقِ: إنَّه لا يلزَمُه ذلك، وهو قول الحسن، وعطاء، وعروة، وابن شهاب، والقاسم ابن محمد، ومالك، والأوزاعي، والثوري في رواية مَن قال لامرأتِه: إن نكَحْتُكِ فأنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي، ثم نكَحَها، فعليه كفَّارةُ الظِّهارِ قبل أن يمَسَّها، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه). ((الاستذكار)) (6/49). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ المجادلة: 3.وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى لم يُفرِّقْ بين أن يكونَ الظِّهارُ قبلَ التَّزويجِ بشَرطِ وُجودِه، أو بَعْدَه [540]     ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/770). . ثانيًا: لأنَّه إذا تزوَّجَها تحقَّقَ مَعنى الظِّهارِ فيها [541]     ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/372). .القول الثاني: لا يَصِحُّ تعليقُ الظِّهارِ مِن امرأةٍ أجنبيَّةٍ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [542]     ((روضة الطالبين)) للنووي (8/261)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/353). ، والظَّاهريَّةِ [543]     قال ابنُ حزم: (من ظاهَرَ من أجنبيَّةٍ ثمَّ كرَّره، ثم تزوَّجَها فليس عليه ظِهارٌ، ولا كفَّارةٌ... وقالت طائفةٌ كما قلنا. رُوِّينا من طريقِ عبدِ الرزَّاقِ عن سُفيانَ بنِ عُيينة عن محمد بن عجلان عن عكرمة عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه كان لا يرى الظِّهارَ قبلَ النِّكاحِ شَيئًا، ولا يرى أيضًا الطَّلاقَ قبلَ النِّكاحِ شَيئًا. وهذا في غايةِ الصِّحَّةِ عن ابنِ عبَّاسٍ... وهو قَولُ الشافعي، وأبي سليمان). ((المحلى)) (9/199). ونسَبَ ابنُ عبد البرِّ هذا القَولَ لداود. يُنظر: ((الاستذكار)) (6/50). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [544]     قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا يقَعُ طلاقٌ ولا ظِهارٌ إلَّا في زوجةٍ قد تقَدَّمَ نِكاحُها. هذا قَولُ ابن عباس، وبه قال الثوري في رواية، والشافعي، وأبو ثور، وداود، وهو قَولُ ابنُ أبي ذئبٍ، ورُوِيَ ذلك عن سعيدِ بن المسيِّب، والحسن البصري، وذكَرَه سُنَيدٌ). ((الاستذكار)) (6/50). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ المجادلة: 3.وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللهَ تعالى جعَلَ الكَفَّارةَ على مَن ظاهَرَ مِن امرأتِه، ولم يجعَلْ تعالى ذلك على مَن ظاهَرَ مِن غيرِ امرأتِه [545]     ((المحلى)) لابن حزم (9/199). . ثانيًا: لأنَّ الأجنبيَّةَ لا يَصِحُّ طلاقُها، فلا يَصِحُّ ظِهارُها [546]     ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/353). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: تعليقُ الظِّهارِ مِنَ الزَّوجةِ. المَطلَبُ الثَّالِثُ: تعليقُ الظِّهارِ على المَشيئةِ.

لا يقَعُ ظِهارُ مَن عَلَّقَه على مَشيئةِ اللهِ، كأن يقول: أنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي إن شاء اللهُ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [547]     ((المبسوط)) للسرخسي (6/420)، ((الفتاوى الهندية)) (1/509). ، والشَّافِعيَّةِ [548]     ((الأم)) للشافعي (5/294)، ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (9/32). ويُنظر: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (10/343). ، والحَنابِلةِ [549]     ((الإقناع)) للحجاوي (4/85)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/373). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [550]     قال الشنقيطي: (هذا مَذهَبُ مالكٍ وأصحابه، وبه قال الحسن، والأوزاعي، وقتادة، ورجَّحه ابن العربي وغيره). ((أضواء البيان)) (1/424). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [551]     قال ابنُ قدامة: (إن قال: أنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي إن شاء اللهُ، لم ينعَقِدْ ظِهارُه، نَصَّ عليه أحمد... وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نَعلَمُ عن غيرِهم خِلافَهم). ((المغني)) (8/14). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّها يمينٌ مُكَفَّرةٌ، فصَحَّ فيها الاستِثناءُ كسائِرِ الأيمانِ [552]     ((المغني)) لابن قدامة (8/14)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/373). . ثانيًا: لأنَّ الاستثناءَ في الكلامِ يُخرِجُه عن كونِه عَزيمةً [553]     ((المبسوط)) للسرخسي (6/420). . ثالثًا: لأنَّه لا يدري أنَّه شاء الله تعالى أم لا [554]     ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (9/32). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: تعليقُ الظِّهارِ مِنَ الزَّوجةِ. المَطلَبُ الثَّاني: تعليقُ الظِّهارِ مِن امرأةٍ أجنبيَّةٍ.