لا يَصِحُّ ظِهارُ المجنونِ. الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثٍ: عن النَّائِمِ حتى يَستيقِظَ، وعن الصَّغيرِ حتى يَكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ أو يُفيقَ)) [430]     أخرجه النَّسائي (3432) واللَّفظُ له، وابنُ ماجه (2041)، وأحمد (24694).  ورواه أبو داود (4398) بلفظ: (وعن المُبتلى حتى يبرأَ) بدل المجنونِ، ورواه الحاكمُ (2350)، والبيهقي (11453) بلفظِ: (وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ). قال البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (225): أرجو أن يكونَ محفوظًا. وصحَّحه الحاكِمُ وقال: على شرطِ مسلمٍ. وابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/89): إسنادُه على شرطِ مسلمٍ. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهِدٌ وله طُرُقٌ يقوِّي بعضُها بعضًا. وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3432)، وجوَّد إسناده شُعيبُ الأرناؤوط في ((تخريج المسند)) (24694). وللحديث شاهدٌ مِن حديثِ  عليٍّ رَضِيَ الله عنه أخرجه الترمذي (1423) بلفظ: (المعتوه حتى يَعقِلَ)، وأخرجه أحمد (956)، والنَّسائي في ((السنن الكبرى)) (7346) على الشَّكِّ: (المعتوه أو المجنون حتى يَعقِلَ). حسَّنه البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (226)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (2/197)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في ((تخريج المسند)) (1183 ). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ [431]     قال ابنُ قدامة: (من لا يَصِحُّ طَلاقُه لا يَصِحُّ ظِهارُه؛ كالطِّفلِ، والزَّائِلِ العَقلِ بجُنونٍ، أو إغماءٍ، أو نومٍ، أو غيرِه. لا نعلَمُ في هذا خِلافًا). ((المغني)) (8/5). ، وابنُ القطَّانِ [432]     قال ابنُ القطان: (اتَّفقوا أنَّ المجنونَ لا يَقَعُ إيلاؤُه ولا لِعانُه ولا ظِهارُه). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (2/62). ، وابنُ مُفلحٍ [433]     قال برهان الدين ابنُ مفلح: (كُلُّ من صَحَّ طَلاقُه صَحَّ ظِهارُه... وإنَّ مَن لا يَصِحُّ طَلاقُه، وهو الطِّفلُ، وزائِلُ العَقلِ بجُنونٍ، أو إغماءٍ، أو نومٍ: لا يَصِحُّ، بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه). ((المبدع)) (8/32). .ثالثًا: أنَّ حُكمَ الحُرمةِ وخِطابَ التَّحريمِ: لا يتناوَلُ مَن لا يَعقِلُ [434]     ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/230). . انظر أيضا: المَطلَبُ الثَّاني: ظِهارُ السَّكرانِ . المَطلَبُ الثَّالِثُ: ظِهارُ الغَضبانِ. المَطلَبُ الرَّابِعُ: ظِهارُ المَسحورِ. المَطلَبُ الخامِسُ: ظِهارُ المُغمى عليه.

اختلَفَ العُلَماءُ في وُقوعِ ظِهارِ الغَضبانِ؛ على قَولَينِ: القول الأول: يَقَعُ ظِهارُ الغَضبانِ وإن اشتَدَّ غَضَبُه، إذا لم يُصبِحْ كالمجنونِ، وهو الظَّاهِرُ مِن مَذهَبِ الحَنَفيَّةِ [464]     ((الفتاوى الهندية)) (1/508)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/244) و(3/466). ، والمالِكيَّةِ [465]     ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/366). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/542). ، والشَّافِعيَّةِ [466]     ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/32). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/365)، ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (4/9). ، والحَنابِلةِ [467]     ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/235)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/74). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [468]     قال ابنُ المنذِرِ في الاحتِجاجِ لوقوعِ إيلاءِ الغَضبانِ: (أجمعوا أنَّ الطَّلاقَ والظِّهارَ وسائِرَ الأيمانِ سواءٌ في حالِ الغَضَبِ والرِّضا). ((الأوسط)) (9/348). ؛ وذلك لأنَّ الغَضَبَ لَغوٌ لا يَرفَعُ حُكمًا، ولا يُغَيِّرُ شَرعًا [469]     ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/190). .القول الثاني: لا يَقَعُ ظِهارُ الغَضبانِ، وهو ظاهِرُ اختيارِ ابنِ عابدين من الحَنَفيَّةِ [470]     قال ابنُ عابدين: (الذي يَظهَرُ لي أنَّ كُلًّا مِن المدهوشِ والغَضبانِ لا يلزَمُ فيه أن يكونَ بحيثُ لا يَعلَمُ ما يقولُ، بل يُكتَفى فيه بغَلَبةِ الهَذَيانِ، واختلاطِ الجِدِّ بالهَزلِ، كما هو المُفتَى به في السَّكرانِ على ما مَرَّ... فالذي ينبغي التعويلُ عليه في المدهوشِ ونحوِه إناطةُ الحُكمِ بغَلَبةِ الخَلَلِ في أقوالِه وأفعالِه الخارجةِ عن عادتِه ... فما دام في حالِ غَلَبةِ الخَلَلِ في الأقوالِ والأفعالِ لا تُعتَبَرُ أقوالُه وإن كان يَعلَمُها ويريدُها؛ لأنَّ هذه المعرفةَ والإرادةَ غيرُ مُعتَبَرةٍ؛ لعَدَمِ حُصولِها عن إدراكٍ صَحيحٍ، كما لا تُعتَبَرُ مِنَ الصَّبيِّ العاقِلِ). ((حاشية ابن عابدين)) (3/244). ، وابنِ تَيميَّةَ [471]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنْ غَيَّرَه الغَضَبُ ولم يَزُلْ عَقلُه، لم يقَعِ الطَّلاقُ؛ لأنَّه ألجأه وحَمَله عليه فأوقَعَه وهو يَكرَهُه؛ ليستريحَ منه، فلم يبقَ له قَصدٌ صَحيحٌ، فهو كالمُكرَهِ؛ ولهذا لا يجابُ دعاؤُه على نفسِه ومالِه، ولا يلزَمُه نَذرُ الطَّاعةِ فيه). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (5/7). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (8/320). ، وابنِ القَيِّم [472]     قال ابنُ القيم: (والتَّحقيقُ أنَّ الغَلقَ يتناوَلُ كُلَّ مَن انغلقَ عليه طريقُ قَصدِه وتصَوُّرِه؛ كالسَّكرانِ، والمجنونِ، والمُبرسَم، والمُكرَه، والغَضبان؛ فحالُ هؤلاء كلِّهم حالُ إغلاقٍ). ((إعلام الموقعين)) (4/40). ، وابن عُثيمين [473]     قال ابنُ عثيمين: (أولًا نسألُ عن الغَضَبِ: هل هو غَضَبٌ شديدٌ بحيث لا تدري ما تقولُ؟ فإنَّ هذا الكلامَ يُعتَبَرُ لاغيًا... لأنَّ الغَضبانَ الذي يصِلُ إلى حدٍّ لا يدري ما يقولُ: لا يُعتَبَرُ كلامُه شَيئًا، أمَّا إذا كان الغَضَبُ دون ذلك بحيث تتصوَّرُ ما قُلتَ، فتَملِكُ نفسَك؛ فإنَّه قد وقع عليك الطَّلاقُ والظِّهارُ أيضًا؛ لأنَّك شبَّهْتَها بأمِّك، وتشبيهُ الرَّجُلِ زوجتَه بأمِّه هو الظِّهارُ). ((فتاوى نور على الدرب)) (10/444). ؛ وذلك لأنَّ اللَّفظَ يجري على لِسانِ الغَضبانِ مِن غيرِ إرادةٍ لِمعناه؛ فلا يُعتَبَرُ [474]     ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/48). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: ظِهارُ المَجنونِ. المَطلَبُ الثَّاني: ظِهارُ السَّكرانِ . المَطلَبُ الرَّابِعُ: ظِهارُ المَسحورِ. المَطلَبُ الخامِسُ: ظِهارُ المُغمى عليه.

لا يَصِحُّ ظِهارُ المَسحورِ، وهو الظَّاهِرُ مِن مَذهَبِ الحَنابِلةِ [475]     ((الإنصاف)) للمرداوي (8/326)، ((الإقناع)) للحجاوي (4/4)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/76). ، ومُقتضى اختيارِ ابنِ تَيميَّةَ [476]     قال ابنُ تَيميَّةَ: (مَن سُحِرَ فبَلَغ به السِّحرُ ألَّا يَعلَمَ ما يقولُ، فلا طلاقَ له). ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص: 544). وقال:(أمَّا إن خاف وقوعَ التهديدِ وغلَبَ على ظَنِّه عَدَمُه، فهو محتَمَلٌ في كلامِ أحمدَ وغيرِه، ولو أراد للكُرهِ وإيقاعِ الطَّلاقِ وتكَلَّمَ به، وقع، وهو روايةٌ حكاها أبو الخطَّابِ في الانتصارِ، وإنْ سَحَرَه لِيُطَلِّقَ فإكراهٌ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/490). ، ونَصَّ عليه ابنُ عُثيمين [477]     قال ابنُ عثيمين: (المسحورُ مِن جِنسِ المجنونِ، فلو طَلَّق لم يقَعْ طلاقُه، ولو آلى لم يَصِحَّ إيلاؤُه، ولو ظاهَرَ لم يصِحَّ ظِهارُه؛ لأنَّ المسحورَ مَغلوبٌ على عَقلِه تمامًا). ((الشرح الممتع)) (13/221). ؛ وذلك لأنَّه مَغلوبُ على عَقلِه [478]     ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/221). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: ظِهارُ المَجنونِ. المَطلَبُ الثَّاني: ظِهارُ السَّكرانِ . المَطلَبُ الثَّالِثُ: ظِهارُ الغَضبانِ. المَطلَبُ الخامِسُ: ظِهارُ المُغمى عليه.

لا يَصِحُّ ظِهارُ المُغمَى عليه [479]     المقصودُ بالمُغمَى عليه: من غُطِّيَ عَقلُه بمَرَضٍ، فيهذي فلا يدري ما يقولُ. يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (4/46)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/221). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ [480]     قال ابنُ قدامة: (من لا يَصِحُّ طلاقُه لا يَصِحُّ ظِهاره؛ كالطِّفلِ، والزَّائِلِ العَقلِ بجُنونٍ، أو إغماءٍ، أو نومٍ، أو غيرِه. لا نعلَمُ في هذا خِلافًا). ((المغني)) (8/5). ، وابنُ مُفلِحٍ [481]     قال ابنُ مفلح: (زائلُ العَقلِ بجنونٍ أو إغماءٍ أو نومٍ: لا يصِحُّ [ظِهارُه] بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه). ((المبدع)) (8/33). .ثانيًا: لأنَّ المُغمى عليه كالنَّائمِ والمجنونِ؛ لعَدَمِ التَّمييزِ أو العَقلِ [482]     ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/195). . انظر أيضا: المَطلَبُ الأوَّلُ: ظِهارُ المَجنونِ. المَطلَبُ الثَّاني: ظِهارُ السَّكرانِ . المَطلَبُ الثَّالِثُ: ظِهارُ الغَضبانِ. المَطلَبُ الرَّابِعُ: ظِهارُ المَسحورِ.