تجِبُ إجابةُ الدَّعوةِ إلى وليمةِ النِّكاحِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [1296]   ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/241)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/614). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/452). ، والشَّافِعيَّةِ -على الأصَحِّ- [1297]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/404). ، والحَنابِلةِ [1298]   ((الإنصاف)) للمرداوي (8/235). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/276). ، وهو قَولُ بَعضِ الحَنَفيَّةِ [1299]   ((الفتاوى الهندية)) (5/343)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/347). ، وقَولُ الظَّاهريَّةِ [1300]   يجِبُ عند الظَّاهريَّةِ الإجابةُ لكُلِّ دعوةٍ إلى وليمةٍ. قال ابن حزم: (فَرضٌ على كُلِّ مَن دُعِيَ إلى وليمةٍ أو طعامٍ أن يجيبَ إلَّا مِن عُذرٍ). ((المحلى)) (9/23). ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/531). ، وبه قال أكثَرُ العُلَماءِ [1301]   قال ابنُ حزم: (جمهورُ الصَّحابةِ والتابعين على ما ذكَرْنا من إيجابِ الدَّعوةِ). ((المحلى)) (9/25). قال ابن العربي: (نص مالكٌ وأكثرُ العلماءِ على وجوبِ إتيانِِ طعامِ الوليمةِ). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (5/531). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/452). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [1302]   قال ابن عبد البر: (ما أعلَمُ خِلافًا بين السَّلَفِ من الصحابة والتابعين في القَولِ بالوليمةِ، وإجابةِ من دُعِيَ إليها). ((الاستذكار)) (5/532). وقال أيضًا: (لا «أعلَمُ» خِلافًا في وجوبِ إتيانِ الوليمةِ لمن دُعِيَ إليها إذا لم يكن فيها مُنكَرٌ ولهوٌ، وفي قولِه في هذا الحديث: «فقد عصى اللهَ ورسولَه» ما يرفعُ الإشكالَ، ويُغني عن الإكثارِ). ((التمهيد)) (10/179). وقال القاضي عياض: (لم يختلِفِ العُلَماءُ فى وجوبِ الإجابةِ فى وليمة العُرسِ). ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (4/589). وقال ابن قدامة: (قال ابن عبد البر: لا خِلافَ في وجوبِ الإجابةِ إلى الوليمةِ لمن دُعِيَ إليها، إذا لم يكُنْ فيها لهوٌ). ((المغني)) (7/276). وقال النووي: (نقل القاضي اتِّفاقَ العُلماءِ على وجوبِ الإجابةِ في وليمةِ العُرسِ). ((شرح النووي على مسلم)) (9/234). وقال ابن حجر: (نقل ابنُ عبد البَرِّ ثمَّ عِياضٌ ثمَّ النوويُّ الاتفاقَ على القَولِ بوجوبِ الإجابةِ لوليمة العُرسِ، وفيه نظرٌ، نَعَم المشهورُ مِن أقوالِ العلماء الوجوبُ، وصرَّح جمهورُ الشَّافعيَّةِ والحنابلةِ بأنَّها فَرضُ عَينٍ، ونَصَّ عليه مالكٌ، وعن بعضِ الشَّافعيَّةِ والحنابلةِ: أنَّها مُستَحبَّةٌ، وذكر اللَّخمي من المالكيَّةِ أنَّه المذهَبُ، وكلامُ صاحب الهداية يقتضي الوجوبَ مع تصريحِه بأنَّها سُنَّةٌ، فكأنَّه أراد أنَّها وجبت بالسُّنَّةِ، وليست فرضًا كما عُرِفَ مِن قاعدتِهم، وعن بعضِ الشَّافعيَّةِ والحنابلةِ: هي فَرضُ كفايةٍ). ((فتح الباري)) (9/242). .الأدِلَّة مِنَ السُّنَّة:1- عن نافعٍ مَولى ابنِ عمَرَ قال: سَمِعتُ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أجيبوا هذه الدَّعوةَ إذا دُعيتُم لها. قال: وكان عبدُ الله يأتي الدَّعوةَ في العُرسِ وغيرِ العُرسِ وهو صائِمٌ)) [1303]   أخرجه البخاري (5179) واللفظ له، ومسلم (1429). .2- عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فُكُّوا العانيَ، وأجيبوا الدَّاعيَ)) [1304]   أخرجه البخاري (7173). . 3- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دُعِيَ أحَدُكم فلْيُجِبْ، فإن كان صائِمًا فلْيُصَلِّ [1305]   فلْيُصَلِّ: أي: فلْيَدعُ لأهلِ الطَّعامِ بالبَركةِ والخيرِ والمغفِرةِ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم ابن سلام (1/178)، (( النهاية)) لابن الأثير (3/50). ، وإن كان مُفطِرًا فلْيَطعَمْ)) [1306]   أخرجه مسلم (1431). . وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر بإجَابة الدَّعوة، والأمرُ يقتضي الوُجوبَ [1307]   ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (3/349). .4- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ الوَليمةِ؛ يُمنَعُها من يأتيها، ويُدعَى إليها مَن يأباها، ومن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عصى اللهَ ورَسولَه)) [1308]   أخرجه مسلم (1432). . وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه: ((فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)) فيه دَليلٌ على وجوبِ الإجابةِ؛ لأنَّ العِصيانَ لا يُطلَقُ إلَّا على تَركِ الواجِبِ [1309]   ((فتح الباري)) لابن حجر (9/245). . انظر أيضا: المَطلبُ الثَّاني: الحالاتُ التي لا تَجِبُ فيها إجابةُ الدَّعوةِ. المَطلبُ الثَّالثُ: حُكمُ الأكلِ مِن الوَليمةِ.

يُستحَبُّ الأكلُ مِن الوَليمةِ [1376]   أمَّا إن كان صائمًا فقد قال ابن تيمية: (وأعدَلُ الأقوالِ أنَّه إذا حضر الوليمةَ وهو صائم، إن كان ينكَسِرُ قَلبُ الداعي بتركِ الأكلِ فالأكلُ أفضَلُ، وإن لم ينكسِرْ قَلبُه فإتمامُ الصومِ أفضَلُ، ولا ينبغي لصاحبِ الدعوة الإلحاحُ في الطعامِ للمدعُوِّ إذا امتنع؛ فإنَّ كِلا الأمرين جائزٌ، فإذا ألزمه بما لا يلزَمُه كان من نوعِ المسألةِ المنهيِّ عنها، ولا ينبغي للمدعوِّ إذا رأى أنه يترتَّبُ على امتناعِه مفاسِدُ أن يمتَنِعَ، فإنَّ فِطرَه جائِزٌ، فإن كان تَركُ الجائز مستلزِمًا لأمورٍ محذورة ينبغي أن يُفعَلَ ذلك الجائزُ، وربما يصيرُ واجبًا، وإن كان في إجابةِ الداعي مصلحةُ الإجابة فقط، وفيها مَفسَدةُ الشبهة، فالمنعُ أرجحُ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/478). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1377]   ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/89)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/347). ، والمالِكيَّةِ [1378]   ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/338). ، والشَّافِعيَّةِ [1379]   ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/434)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/376). ، والحَنابِلةِ [1380]   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/33)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/235). .الأدِلَّة مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دُعِيَ أحَدُكم فلْيُجِبْ، فإن كان صائِمًا فلْيُصَلِّ، وإن كان مُفطِرًا فلْيَطعَمْ)) [1381]   أخرجه مسلم (1431). . وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه: (( فلْيَطْعَمْ)) أمرٌ بالأكلِ للمُفطِرِ، وهو محمولٌ على الاستِحبابِ؛ لِما فيه مِن تأنيسِ الدَّاعي له [1382]   ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/49). .2- وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دُعِيَ أحَدُكم إلى طعامٍ فلْيُجِبْ، فإن شاء طَعِمَ، وإن شاء ترَكَ)) [1383]   أخرجه مسلم (1430). .وَجهُ الدَّلالةِ:قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإن شاء طَعِمَ، وإن شاء ترَكَ)) يدُلُّ على عَدَمِ الوُجوبِ [1384]   ((شرح المشكاة)) للطيبي (7/2316)، ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/49). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: حُكمُ إجابةِ الدَّعوةِ إلى وليمةِ النِّكاحِ. المَطلبُ الثَّاني: الحالاتُ التي لا تَجِبُ فيها إجابةُ الدَّعوةِ.