اختلفَ العُلَماءُ في حُكمِ وَليمةِ النِّكاحِ، على قَولَينِ:القول الأول: وليمةُ النِّكاحِ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ [1258]   نصَّ المالكيَّةُ في المُعتَمَدِ عندهم أنَّها مَندوبةٌ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/241)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/337)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (4/255). : الحَنَفيَّةِ [1259]   ((حاشية ابن عابدين)) (6/347). ، والشَّافعيَّةِ -على الصَّحيحِ- [1260]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/245). ، والحَنابِلةِ [1261]   ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/232). ، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ [1262]   قال ابن الملقن: (لا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنَّ الوليمةَ في العُرسِ سُنَّةٌ مَشروعةٌ، وليست بواجبةٍ في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ). ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (24/510). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاء إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبه أثَرُ صُفرةٍ، فسأله رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه أنَّه تزوَّجَ امرأةً مِن الأنصارِ، قال: كم سُقتَ إليها؟ قال: زِنةَ نواةٍ مِن ذهَبٍ. قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ)) [1263]   أخرجه البخاري (5153) واللفظ له، ومسلم (1427). . 2- عن صَفيَّةَ بنتِ شَيبةَ رضي الله عنها قالت: ((أولَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَعضِ نسائِه بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ)) [1264]   أخرجه البخاري (5172). . وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثين:أنَّ الأمرَ بالوليمةِ في الحديثِ الأوَّلِ مَحمولٌ على الاستِحبابِ؛ لِكَونِه أمَرَه بشاةٍ، والوليمةُ بالشَّاةِ غيرُ واجبةٍ اتِّفاقًا، كما أنَّه قد أولم بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ، كما في الحديثِ الثَّاني [1265]   ((فتح الباري)) لابن حجر (9/230). .3- عن أنسٍ قال: ((ما أولَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شيءٍ مِن نسائِه ما أولَمَ على زينبَ، أولمَ بشاةٍ)) [1266]   أخرجه البخاري (5168) واللفظ له، ومسلم (1428). . ثانيًا: أنَّها لو كانت واجِبةً لكانت مُقدَّرةً معلومًا مَبلغُها كسائِرِ ما أوجب اللهُ ورَسولُه من الطَّعامِ في الكَفَّاراتِ وغَيرِها، فلمَّا لم يكُن مِقدارٌ خرج مِن حَدِّ الوجوبِ إلى حَدِّ النَّدبِ، وأشبهَ الطَّعامَ لحادثِ السُّرورِ، كطعامِ الخِتانِ والقُدومِ مِن السَّفَرِ، وما صُنِعَ شُكرًا لله عزَّ وجلَّ [1267]   ((التمهيد)) لابن عبد البر (2/189). . القول الثاني: وليمةُ النِّكاحِ واجِبةٌ، وهو قَولٌ للمالكيَّةِ [1268]   ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (4/255)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/337)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/499). ، وقَولٌ للشَّافعيَّةِ [1269]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [1270]   ((الإنصاف)) للمرداوي (8/317). ، ومذهَبُ الظَّاهريةِ [1271]   قال ابن حزم: (وفَرْضٌ على كلِّ من تزوَّج أن يولِمَ بما قَلَّ أو كثُر... وهو قَولُ أبي سليمان وأصحابِنا). ((المحلى)) (9/20). ويُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/226). ، وبه قال الصَّنعانيُّ [1272]   قال الصنعاني: (وفي قَولِه: «أولِمْ ولو بشاةٍ» دليلٌ على وجوبِ الوليمةِ في العُرسِ، وإليه ذهب الظاهريَّةُ). ((سبل السلام)) (2/226). ، والشَّوكانيُّ [1273]   قال الشوكاني: (الوليمةُ: طَعامُ العُرسِ والإملاكِ، وظاهِرُ الأمرِ الوُجوبُ [أي: في قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أولِمْ»]). ((نيل الأوطار)) (6/209). ، والألبانيُّ [1274]   قال الألباني تحت عنوان (وجوب الوليمة): (ولا بدَّ له من عمَلِ وليمةٍ بعد الدخولِ؛ لأمرِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدَ الرحمن بنَ عوفٍ بها). ((آداب الزفاف في السُّنَّة المطهرة)) (ص: 144). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِنَ السُّنَّةعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاء إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبه أثَرُ صُفرةٍ، فسأله رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه أنَّه تزوَّج امرأةً مِن الأنصارِ، قال: كم سُقتَ إليها؟ قال: زِنةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ، قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ)) [1275]   أخرجه البخاري (5153) واللفظ له، ومسلم (1427). .وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أولِمْ ولو بشاةٍ)) أمرٌ بالوليمةِ، وظاهِرُالأمرِ الوُجوبُ [1276]   ((سبل السلام)) للصنعاني (2/226)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/209). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أنكَحَ قَطُّ إلَّا أولَمَ في ضِيقٍ أو سَعةٍ، وأولَمَ على صفيَّةَ في سَفَرِه بسَويقٍ وتَمرٍ [1277]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556). . ثالثًا: أنَّ في الوليمةِ إعلانًا للنِّكاحِ؛ فَرقًا بينه وبين السِّفاحِ [1278]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556). .رابعًا: أنَّه لما كانت إجابةُ الدَّاعي إليها واجِبةً دَلَّ على أنَّ فِعلَ الوليمةِ واجِبٌ؛ لأنَّ وجوبَ المُسَبَّبِ دليلٌ على وُجوبِ السَّبَبِ [1279]   ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: تعريفُ الوليمةِ. المَطلبُ الثَّالثُ: وَقتُ الوليمةِ. المَطلبُ الرَّابعُ : أقَلُّ ما يُصنَعُ في الوَليمةِ.

يُستحَبُّ في طَعامِ الوليمةِ أن يكونَ بعدَ الدُّخولِ [1280]   ويجوزُ فِعلُها قبل البناء، قال القاضي عياض: (لا خلافَ أنَّه لا حَدَّ لها ولا توقيتَ). ((إكمال المعلم)) (4/588). وقال النووي عند شرحه للحديث: (فيه دليلٌ لوليمةِ العُرسِ، وأنَّها بعد الدخولِ، وقد سبق أنَّها تجوزُ قبلَه وبعدَه). ((شرح النووي على مسلم)) (9/222). ، وهذا هو المشهورُ مِن مذهَبِ المالكيَّةِ [1281]   ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/241)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/614). ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّةِ [1282]   نصَّ الشافعيَّةُ على أفضليَّةِ فِعلِها بعد الدُّخولِ. ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/245)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/370). ، وبه قال ابنُ تيميَّةَ [1283]   قال ابن تيمية: (ووقتُ الوليمةِ في حديثِ زينبَ وصفية تدُلُّ على أنَّه عَقِبَ الدُّخولِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/478). وقال المرداوي: (قال الشَّيخُ تقيُّ الدين -رحمه الله-: تستحَبُّ بالدُّخولِ). ((الإنصاف)) للمرداوي (8/234). .الأدِلَّة مِنَ السُّنَّة:1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خيبرَ، فلمَّا فتَحَ اللهُ عليه الحِصنَ، ذُكِرَ له جمالُ صَفيَّةَ بنتِ حُيَيِّ بنِ أخطَبَ، وقد قُتِلَ زَوجُها وكانت عَروسًا، فاصطفاها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنَفسِه، فخرج بها حتى بلَغْنا سَدَّ الرَّوحاءِ حَلَّت فبنى بها، ثم صنعَ حَيسًا في نِطعٍ صَغيرٍ، ثمَّ قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آذِنْ مَن حَولَك، فكانت تلك وليمةَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على صَفيَّةَ، ثمَّ خرَجْنا إلى المدينةِ، قال: فرأيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحَوِّي لها وراءَه بعَباءةٍ، ثم يجلِسُ عندَ بَعيرِه، فيضَعُ رُكبتَه فتَضَعُ صَفيَّةُ رِجلَها على رُكبتِه حتى تَركَبَ)) [1284]   أخرجه البخاري (2235) واللفظ له، ومسلم (1365). . 2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أصبح رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عروسًا بزينبَ بنتِ جَحشٍ، وكان تزوَّجَها بالمدينةِ، فدعا النَّاسَ للطَّعامِ بعد ارتِفاعِ النَّهارِ)) [1285]   أخرجه البخاري (5466) واللفظ له، ومسلم (1482). . وَجهُ الدَّلالةِ مِن الحديثَينِ:حديثَا أنسٍ رَضِيَ الله عنه صريحانِ في أنَّ الوليمةَ بعد البِناءِ بهِنَّ، وفِعلُه يدُلُّ على الاستِحبابِ [1286]   ((فتح الباري)) لابن حجر (9/231). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: تعريفُ الوليمةِ. المَطلبُ الثَّاني: حُكمُ الوليمةِ. المَطلبُ الرَّابعُ : أقَلُّ ما يُصنَعُ في الوَليمةِ.

يُستحَبُّ في طَعامِ الوليمةِ أن تكونَ على قَدرِ حالِ الزَّوجِ، ولا يُشتَرَطُ فيها ذَبحٌ، نَصَّ عليه الجُمهورُ: المالِكيَّةُ [1287]   ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/614). ، والشَّافِعيَّةُ [1288]   ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/245). ، والحَنابِلةُ [1289]   ((الإنصاف)) للمرداوي (8/234). ، وحُكي الإجماعُ على أنَّه لا حَدَّ لها [1290]   قال القاضي عياض: (ولا خِلافَ أنَّه لا حَدَّ لها). ((إكمال المعلم)) (4/588). ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (9/218)، ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (4/321). .الأدِلَّة مِنَ السُّنَّة:1- عن صفيَّةَ بنتِ شَيبةَ رضي الله عنها قالت: ((أولمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَعضِ نسائِه بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ)) [1291]   أخرجه البخاري (5172). .2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أقام النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين خيبرَ والمدينةِ ثلاثَ ليالٍ يُبنَى عليه بصفيَّةَ، فدعوتُ المسلمينَ إلى وليمتِه، وما كان فيها مِن خُبزٍ ولا لحمٍ، وما كان فيها إلَّا أنْ أمرَ بلالًا بالأنطاعِ فبُسِطَت، فألقى عليها التَّمرَ والأقِطَ والسَّمنَ، فقال المسلِمونَ: إحدى أمَّهاتِ المؤمنينَ، أو ما ملَكَت يمينُه؟ قالوا: إنْ حَجَبَها فهي إحدى أمَّهاتِ المؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا ملَكَت يمينُه، فلمَّا ارتحَلَ وطَّأَ لها خَلْفَه، ومَدَّ الحِجابَ)) [1292]   أخرجه البخاري (4213) واللفظ له، ومسلم (1365). . وَجهُ الدَّلالةِ مِن الحَديثَينِ:في كلا الحديثَينِ دليلٌ على أنَّ الوليمةَ تكونُ على قَدرِ اليَسارِ، ولا يُشتَرَطُ فيها الذَّبحُ [1293]   ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/286)، ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (24/517)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/232)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/612). .3- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاء إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبه أثَرُ صُفرةٍ، فسأله رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه أنَّه تزوَّج امرأةً مِن الأنصارِ، قال: كم سُقتَ إليها؟ قال: زِنةَ نَواةٍ مِن ذهَبٍ، قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ)) [1294]   أخرجه البخاري (5153) واللفظ له، ومسلم (1427). . وَجهُ الدَّلالةِ: قَولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ولو بِشاةٍ)) التَّنكيرُ هنا للتَّقليلِ، أي: ولو بشيءٍ قَليلٍ كشاةٍ، فيُستفادُ من هذا أنَّه يجوزُ الوليمةُ بدونِ شاةٍ [1295]   ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (5/327). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: تعريفُ الوليمةِ. المَطلبُ الثَّاني: حُكمُ الوليمةِ. المَطلبُ الثَّالثُ: وَقتُ الوليمةِ.