يجوزُ تأجيلُ الصَّداقِ [1210]   هذا التأجِيلُ الذي أجازَه الفقهاء فيه تيسيرٌ للزَّوج الذي لا يملك كلَّ المهر المطلوب، لكنْ أسَاء بعْض النَّاس استخدامه وبالغُوا فيه بدعوَى منْع الطلاق؛ فالزواجُ ميثاقٌ غليظٌ بيْنَ الرجل والمرأة، ويجِب أن يَستمرَّ بالمودَّة والمحبَّة والتفاهُم، لا أنْ تدخُلَه الفتاةُ متوجِّسةً من الطلاق فتربِطَ حياتَها مع شريكها بالمُؤخَّر من مهرِها، وكثيرٌ من الزوجات تتحوَّل حياتُهنَّ إلى جحيم تُجبَر فيه على التنازُل عن هذا المؤخَّر؛ افتداءً لنفْسها، فهذا المؤخَّر والمبالغةُ فيه بدعوَى منْع الطلاق: لا يَمنَعُ منه في الواقعِ، بل يتسبَّب في كثيرٍ من المُشكلاتِ! ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1211]   ((العناية شرح الهداية)) للعيني (3/370)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/191). ، والمالِكيَّةِ [1212]   يجوِّزُ المالكيةُ التأجيلَ مع الكراهة، وأن يكونَ إلى الدُّخولِ إن كان معلومًا، أو إلى الميسرةِ إن كان مَليًّا. ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/9، 30)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/309)، ((منح الجليل)) لعليش (3/422). ، والشَّافِعيَّةِ [1213]   ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/338)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/278). ، والحَنابِلةِ [1214]   ((المبدع شرح المقنع)) لإبراهيم بن مفلح (7/131)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/134). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].وَجهُ الدَّلالةِ:قَولُه تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ شامِلٌ للوَفاءِ بالعَقدِ وما وقَعَ في العَقدِ مِن شُروطٍ [1215]   ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (18/30). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَقُّ الشُّروطِ أن تُوفوا به ما استحلَلْتُم به الفُروجَ)) [1216]   أخرجه البخاري (2721) واللفظ له، ومسلم (1418). . ثالثًا: لأنَّه عَقدٌ مِن عُقودِ المُعاوَضةِ، فجاز تأجيلُه، كالثَّمَنِ في البَيعِ [1217]   ((المبدع شرح المقنع)) لإبراهيم بن مفلح (7/131)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/134). . انظر أيضا: المَطلبُ الثَّاني: العَفوُ عن الصَّداقِ.

يجوزُ للمَرأةِ العَفوُ عن صَداقِها كُلِّه أو بَعضِه.الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ1- قال الله تعالى: وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء: 4].وجهُ الدَّلالةِ:الآيةُ فيها دَليلٌ على جوازِ هبةِ الزَّوجةِ الصَّداقَ للزَّوجِ وقَبولِه [1218]   ((أحكام القرآن)) للكيا الهراسي (2/324)، ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 78). .2- قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 237]. وَجهُ الدَّلالةِ: في قَولِه تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ دَليلٌ على جَوازِ عَفوِ المرأةِ عن صَداقِها إن كانت ممَّن يَصِحُّ عَفوُه [1219]   ((تفسير السعدي)) (ص: 105). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِ:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ [1220]   قال ابن قدامة: (إذا عَفَت المرأةُ عن صَداقِها الذي لها على زوجِها أو عن بعضِه، أو وهبَتْه له بعد قَبضِه، وهي جائزةُ الأمرِ في مالِها- جاز ذلك وصَحَّ، ولا نعلَمُ فيه خِلافًا). ((المغني)) (7/255). ، والقُرطبيُّ [1221]   قال القرطبي: (اتَّفَق العلماء على أنَّ المرأةَ المالكةَ لأمرِ نَفسِها إذا وَهَبَت صداقَها لزَوجِها، نفَذَ ذلك عليها، ولا رجوعَ لها فيه). ((تفسير القرطبي)) (5/25). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: تأجيلُ الصَّداقِ.