يجوزُ نِكاحُ التَّفويضِ. الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة: 236].وَجهُ الدَّلالةِ:في قَولِه تعالى: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً دليلٌ على جوازِ عَقدِ النِّكاحِ بلا تَسميةٍ للمَهرِ [1188]   ((تفسير الإمام الشافعي)) (1/395)، ((تفسير السعدي)) (ص: 105). ؛ لأنَّه لَمَّا أوقع الطَّلاقَ دَلَّ على صِحَّةِ النكاحِ دونَ تَسميةِ صَداقٍ؛ لأنَّ الطَّلاقَ غيرُ واقعٍ إلَّا على الزَّوجاتِ، وكونُهنَّ زَوجاتٍ دَليلٌ على صِحَّةِ النِّكاحِ بغيرِ تَسميةِ صَداقٍ [1189]   ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/467). .ثانيًا: مِنَ السُّنَّة1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((في رجُلٍ تزوَّجَ امرأةً فمات عنها، ولم يدخُلْ بها ولم يَفرِضْ لها الصَّداقَ، فقال: لها الصَّداقُ كامِلًا، وعليها العِدَّةُ، ولها الميراثُ، فقال مَعقِلُ بنُ سِنانٍ: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضَى به في بِرْوعَ بنتِ واشقٍ)) [1190]   أخرجه أبو داود (2114) واللفظ له، والنسائي (3356)، وابن ماجه (1891)، وأحمد (18464). صحَّح إسناده البيهقي في ((السنن الكبرى)) (7/245)، وصحَّح الحديثَ ابنُ دقيق في ((الاقتراح)) (92)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2114)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1142) وقال: على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه. وأخرجَه من طريق آخر: أبو داود (2115)، والترمذي (1145)، والنسائي (3355)، وابن ماجه بعد حديث (1891)، وأحمد (18466). قال محمد بن عبد الهادي في ((المحرر)) (361): صحَّحه غير واحد من الأئمة، وتوقَّف الشافعي في صحَّته. وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (309): حسَّنه جماعة. وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (3/237): نهض الحديثُ للاستدلال. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1145). .وَجهُ الدَّلالةِ:فيه جوازُ الزَّواجِ بدونِ تَسميةِ مَهرٍ؛ لأنَّ ابنَ مَسعودٍ لم يُنكِرْ ذلك [1191]   ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/593). .2- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللَّه عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لرجُلٍ: ((أترضى أن أزوِّجَكَ فُلانةَ؟ قال: نعم. وقال للمرأةِ: أترضَينَ أن أزوِّجَكِ فلانًا؟ قالت: نعم. فزوَّجَ أحدَهما صاحِبَه، فدخل بها الرَّجُلُ ولم يَفرِضْ لها صَداقًا ولم يُعطِها شَيئًا، وكان ممَّن شَهِدَ الحُديبِيَةَ، وكان مَن شَهِدَ الحُدَيبيَةَ له سَهمٌ بخَيبرَ، فلما حضَرَتْه الوفاةُ قال: إنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زوَّجَني فلانةَ ولم أفرِضْ لها صَداقًا، ولم أُعطِها شَيئًا، وإنِّي أُشهِدُكم أنِّي أعطيتُها مِن صَداقِها سَهمي بخَيبرَ، فأخَذَتْ سَهمًا فباعَتْه بمائةِ ألفٍ)) [1192]   أخرجه من طرق: أبو داود (2117) واللفظ له، وابن حبان (4072)، والحاكم (2742). صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، وجوَّد إسناده وقوَّاه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/171)، وصحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2117)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (953). . وَجهُ الدَّلالةِ: في قَولِه: (فدخل بها الرَّجُلُ ولم يَفرِضْ لها صَداقًا) دليلٌ على جوازِ النِّكاحِ بغيرِ تَسميةِ المَهرِ، وأنَّه نِكاحٌ صَحيحٌ [1193]   قال الصنعاني: («ولم يعطِها شَيئًا» فيه أنَّه... يصِحُّ الدخولُ قبل فَرضِ المهرِ). ((التحبير لإيضاح معاني التيسير)) (6/697). .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: الكاسانيُّ [1194]   قال الكاساني: (ولا خلافَ في أنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ مِن غيرِ ذِكرِ المَهرِ). ((بدائع الصنائع)) (2/274). ، وابنُ رشدٍ [1195]   قال ابن رشد: (وأجمعوا على أنَّ نِكاحَ التفويض جائزٌ، وهو أن يُعقَدَ النِّكاحُ دون صَداقٍ). ((بداية المجتهد)) (3/51). ، والقرطبيُّ [1196]   قال القرطبي: (نكاحُ التفويضِ جائِزٌ، وهو كلُّ نكاحٍ عُقِدَ مِن غيرِ ذِكرِ الصَّداقِ، ولا خلافَ فيه). ((تفسير القرطبي)) (3/197). ، وابنُ جُزيٍّ [1197]   قال ابن جُزي: (المسألة الرابعة: في نكاحِ التَّفويضِ، وهو جائزٌ اتِّفاقًا، وهو أن يَسكُتا عن تعيينِ الصَّداقِ حين العَقدِ، ويُفَوَّضَ ذلك إلى أحَدِهما أو إلى غَيرِهما). ((القوانين الفقهية)) (ص: 136). ، والبابرتي [1198]   قال البابرتي: (لا خلافَ لأحدٍ في صِحَّةِ النِّكاح بلا تسميةِ المهرِ). ((العناية شرح الهداية)) (3/316). ، والعينيُّ [1199]   قال العيني: (وصِحَّةُ النِّكاحِ بدون تسميةِ المهرِ إجماعًا). ((البناية شرح الهداية)) (5/130). ، وابنُ الهُمامِ [1200]   قال ابن الهمام: (قولُه: «ويصِحُّ النِّكاحُ وإن لم يسَمِّ فيه مهرًا» لا خلافَ في ذلك). ((فتح القدير)) (3/316). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: تعريفُ التَّفويضِ. المَطلبُ الثَّاني: أنواعُ التَّفويضِ في النكاح.