أنْ لا يُدرِكَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ حَيًّا حياةً مُستقرَّةً بعد الإصابةِ، فإنْ أَدرَكَه حَيًّا حياةً مُستقرَّةً لم يَحِلَّ إلَّا إذا ذَكَّاهُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [148] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلعي (6/57)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/258).   ، والمالِكيَّةِ [149] ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/218).   ، والشَّافِعيَّةِ [150] ((المجموع)) للنَّووي (9/115، 116)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/320).   ، والحنابلةِ [151] ((الفروع)) لابن مفلح (10/409)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/426).   ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ [152] قال ابن قُدامةَ: (وبه قال مالِكٌ، واللَّيْثُ، والشَّافِعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأيِ). ((المغني)) (9/373).   .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّهُ تَرَكَ تَذْكِيَتَه مع القُدرةِ عليهِ، فأَشْبَهَ غيرَ الصَّيْدِ [153] ((المغني)) لابن قُدامةَ (9/373).   .ثانيًا: أنَّه كما لو تَرَدَّى في بئرٍ فلَمْ يَذْبَحْه حتَّى مات؛ فإنَّهُ حَرامٌ [154] ((المجموع)) للنَّووي (9/115).   .ثالثًا: أنَّه قَدَر على الأصلِ (الذَّبحِ) قبلَ حُصولِ المقصودِ بالبَدَلِ (آلَةِ الصَّيْدِ)؛ لأنَّ المقصودَ بالبَدَلِ إباحةُ الأكلِ، ولم يَثبُتْ قبلَ مَوْتِهِ، والقدرةُ على الأصلِ قبلَ ذلك تُبْطِلُ البَدَلَ [155] ((العناية)) للبابرْتي (10/121).   . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: إذا تَعذَّرَ ذبْحُ الصَّيْدِ بدونِ تَقصيرٍ منه فمات قَبلَ إمكانِ ذَبْحِه. المطلب الثَّالث: إذا مَشَى إلى الصَّيْدِ مِن غيرِ عَدْوٍ فوَجَده مَيِّتًا.

إذا أَدرَكَ الصَّائِدُ الحَيوانَ الَّذي صادَه وهو حيٌّ حياةً مُستقرَّةً وتَعذَّرَ عليهِ ذبْحُه [156] كأنْ يَشتغِلَ بأخْذِ الآلةِ ونَيْلِ السِّكِّينِ فيَموتَ قبلَ إمكانِ ذبْحِه. وكأنْ يَمتنِعَ بما فيه مِن بَقيَّةِ قوَّةٍ ويَموتَ قبلَ قُدرتِه عليه. وأيضًا: أنْ لا يَجِدَ مِنَ الزَّمانِ ما يُمْكِنُ الذَّبحُ فيه.   بدونِ تَقصيرٍ [157] أمَّا إذا قَصَّر في ذبْحِه فمات، فلا يَحِلُّ. وقد ذَكَرَتْ كُتُبُ المذاهبِ أمثلةً مِن هذا التَّقصيرِ، ومنه: عَدَمُ حمْلِه السِّكِّينَ، أو إذا نَشِبَتِ السِّكِّينُ في الغِمْدِ- أي: الغُلاف- بأنْ عَلِقَتْ فيه، وعَسُرَ إخراجُها منه، وكأنْ يَبقَى مِنَ الزَّمانِ ما يَتمكَّنُ فيه مِن ذبْحِه فلَم يَذْبَحْه.   ، فإنَّه يُباحُ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [158] ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/218)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/590)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيْش (2/426).   ، والشَّافِعيَّةِ [159] ((المجموع)) للنَّووي (9/115)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/320)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/269).   ، والحنابلةِ [160] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/216).   ، وهو قولُ أبي حنيفةَ وأبي يُوسفَ [161] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/118)، ((العناية)) للبابرْتي (10/121)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/470).   . الأدلَّة:أولًا: مِنَ السُّنَّةِعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، قال: ((سألْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن صَيْدِ المِعْرَاضِ، قال: ما أَصابَ بحَدِّه فكُلْهُ، وما أَصابَ بعَرْضِه فهو وَقِيذٌ. وسألْتُه عن صَيْدِ الكلبِ، فقال: ما أَمْسَكَ عليكَ فكُلْ؛ فإنَّ أخْذَ الكلبِ ذَكاةٌ. وإنْ وَجَدْتَ مع كلبِكَ- أو: كِلابِكَ- كلبًا غيرَه، فخَشِيتَ أنْ يَكونَ أخَذَه معه، وقد قَتَلَه، فلا تَأْكُلْ؛ فإنَّما ذَكَرْتَ اسمَ اللهِ على كلبِكَ ولم تَذْكُرْه على غيرِه)) [162] أخرجه البخاري (5475) واللَّفظ له، ومسلم (1929).   . وجهُ الدَّلالةِ:أنَّه أَباحَ أكْلَه بمُجرَّدِ صَيْدِ كلبِه الَّذي أَرسلَه، وأَخبَرَ أنَّ أَخْذَه ذَكاتُه، يعني: إذا لم يُدرِكْ ذَكاتَه [163] ((المجموع)) للنَّووي (9/116).   .ثانيًا: أنَّه مَعذورٌ في ترْكِ ذبْحِه؛ فأَشْبَهَ ذَكاةَ الاضطِرارِ [164] ((المجموع)) للنَّووي (9/115).   .ثالثًا: أنَّه لم يَقْدِرْ على ذَكاتِهِ بوجْهٍ يُنسَبُ فيه إلى التَّفريطِ، فكان عَقْرُه ذَكاتَه، كالَّذي قتَلَه [165] ((المغني)) لابن قُدامةَ (9/373).   .رابعًا: أنَّه إذا لم يُذَكِّهِ لعدمِ اتِّساعِ الوقتِ لتَذكيَتِه، صار غيرَ مقدورٍ على تَذْكيتِه؛ فأَشْبَهَ ما لو وَجَدَه مَيِّتًا بعد جَرْحِ الآلةِ له [166] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/216).   . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أنْ لا يُدرِكَ الصَّيْدَ حَيًّا حياةً مُستقرَّةً بعد الإصابةِ. المطلب الثَّالث: إذا مَشَى إلى الصَّيْدِ مِن غيرِ عَدْوٍ فوَجَده مَيِّتًا.

إذا مَشَى الصَّائدُ إلى الصَّيْدِ بعد إصابتِه، ولم يَأْتِه عَدْوًا، ثُمَّ وَجَده مَيِّتًا، فإنَّه يُباحُ أكْلُه، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ [167] اشتَرَط الحَنفيَّةُ أنْ لا يَقعُدَ الصَّائِدُ وأنْ يَطلُبَهُ. ((حاشية ابن عابدين)) (6/468).   ، والمالِكيَّةِ [168] اشتَرَط المالِكيَّةُ أنْ يَجِدَّ في طلَبِه حتَّى يُباحَ أكْلُه. ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/218)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/105).   ، والشَّافِعيَّةِ [169] ((المجموع)) للنَّووي (9/116)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهَيْتميِّ (9/320)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (8/115).   ، والحنابلةِ [170] أَطلَقَ الحنابلةُ إدراكَ الصَّيْدِ دُونَ شرْطِ العَدْوِ. ((الفروع)) لابن مفلح (10/409)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/426)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/220).   .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه حَصَل منه ما يَتوقَّفُ عليه إباحةُ الصَّيْدِ، وهو إرسالُ الكلبِ، أوِ السَّهمِ إليه؛ فلم يُكَلَّفْ غَيْرَهُ [171] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهَيْتمي (9/320).   .ثانيًا: أنَّ الصَّيْدَ يَكْثُرُ في الوقتِ الواحدِ، فلو كُلِّفَ العَدْوَ في كلِّ مَرَّةٍ لشَقَّ مَشقَّةً شديدةً لا تُحتَمَلُ [172] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهَيْتمي (9/321).   . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أنْ لا يُدرِكَ الصَّيْدَ حَيًّا حياةً مُستقرَّةً بعد الإصابةِ. المطلب الثَّاني: إذا تَعذَّرَ ذبْحُ الصَّيْدِ بدونِ تَقصيرٍ منه فمات قَبلَ إمكانِ ذَبْحِه.