يَحرُمُ التَّداوي بالخَمرِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [230] ((المبسوط)) للسرخسي (24/9)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/33)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/113).   ، والمالِكيَّةِ على المشهورِ [231] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/233)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/582).   ، والشَّافِعيَّةِ- على الصَّحيحِ عندَهم- [232] ((فتح العزيز)) للرافعي (9/51)، ((المجموع)) للنووي (9/51).   ، والحَنابِلةِ [233] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/173)، ويُنظر: ((المغني)) (9/423، 424).   .الأدلَّة:أولًا: مِنَ السُّنَّةِعن وائِلِ بنِ حُجْرٍ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سأله طارِقُ بنُ سُوَيدٍ الجُعْفيُّ عن الخَمرِ فنهاه، أو كَرِهَ أن يصنَعَها، فقال: إنَّما أصنَعُها للدَّواءِ، فقال: إنَّه ليس بدَواءٍ، ولكِنَّه داءٌ)) [234] أخرجه مسلم (1984).   .ثانيًا: من الآثارعن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ اللهَ لم يجعَلْ شِفاءَكم فيما حَرَّمَ عليكم) [235] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغة الجزمِ قبل حديث (5614)، وأخرجه موصولًا الطبراني (9/403) (9716)، والبيهقيُّ (20172). قال محمد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (440): ذكره البخاريُّ، وقد رُوِيَ مِن حديث أمِّ سَلَمةَ مَرفوعًا، وقال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (5/89): رجالُه رجالُ الصحيحِ، وذكر ابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (4/1397) أنه ورد من طرقٍ صحيحةٍ، وصَحَّحه موقوفًا الألبانيُّ في ((غاية المرام)) (30).   .ثالثًا: أنَّه لا يُتيَقَّنُ البُرءُ بها، فلم يَجُزْ شُربُها لمجَرَّدِ ظَنِّ البُرءِ بشُربِها [236] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/233).   . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: التَّداوي بأدوِيَةٍ مُشتَمِلةٍ على نِسبةٍ مِن الكُحولِ . المطلب الثَّالِثُ: التَّداوي بأدوِيَةٍ مُشتَمِلةٍ على مَوادَّ مُخَدِّرةٍ.

يجوزُ استِخدامُ الأدويةِ التي تحتَوي على الكُحولِ، بشَرطِ أن تكونَ نِسبةُ الكُحولِ فيها قَليلةً، وألَّا يَظهَرَ أثَرُه فيها [237] قال الشربيني: (أمَّا التِّرياقُ المعجون بها [أي: بالخمرِ] ونحوه مِمَّا تُستهلَكُ فيه، فيجوز التداوي به عند فَقْدِ ما يقومُ مَقامَه مِمَّا يحصُلُ به التَّداوي). ((مغني المحتاج)) (4/188). وقال الشرواني: (ومحَلُّ مَنعِ التداوي به إذا كان خالِصًا، بخلافِ المَعجونِ به كالترياقِ؛ لاستهلاكِه فيه). ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (9/391). وقال الزرقاني: (ما يُوضَعُ مِن خَمرٍ في عقاقيرَ ويُنشَّفُ أيامًا كثيرةً ثمَّ يُطبَخُ الجَميعُ بعَسَلٍ، ويُسَمِّيه الأطباءُ التِّرياقَ؛ فلا يدخُلُ في قوله «ويَنجسُ كَثيرُ طَعامٍ مائعٍ بنَجِسٍ»). ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/51)، ويُنظر: (مواهب الجليل)) للحطاب (4/348). ، وبه أفتى ابنُ عُثيمين [238] قال ابنُ عثيمين: (وأمَّا ما يكونُ مِن موادِّ الكحولِ في بَعضِ الأدويةِ، فإنْ ظهَرَ أثَرُ ذلك الكُحولِ بهذا الدواءِ، بحيثُ يَسكَرُ الإنسانُ منه؛ فهو حرامٌ، وأمَّا إذا لم يظهَرِ الأثَرُ، وإنما جُعِلَت فيه مادةُ الكُحولِ من أجل حفظِه؛ فإنَّ ذلك لا بأس به؛ لأنَّ مادةَ الكحول ليس لها أثَرٌ فيه). ((لقاء الباب المفتوح)) اللقاء رقم (56). وقال أيضًا: (وأمَّا خَلطُ بعضِ الأدويةِ بشَيءٍ مِن الكحولِ؛ فإنَّه لا يَقتَضي تحريمَها، إذا كان الخَلطُ يَسيرًا لا يظهَرُ له أثَرٌ مع المخلوطِ، كما أنَّ على ذلك أهلَ العِلمِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/259).   ، واللَّجنةُ الدَّائِمةُ [239] جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (لا يجوزُ خَلطُ الأدويةِ بالكُحولِ المُسكِرة، لكِنْ لو خُلِطَت بالكحولِ جاز استعمالُها إن كانت نِسبةُ الكحولِ قليلةً لم يظهَرْ أثَرُها في لَونِ الدَّواءِ ولا طَعمِه ولا ريحِه، وإلَّا حَرُمَ استِعمالُ ما خُلِطَ بها). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/92).   ، وقرَّرَه مَجمَعُ الفِقهِ الإسلاميِّ [240] واشترطوا أيضًا إذا لم يتيسَّرْ دواءٌ خالٍ مِن الكحولِ، ووصَفَ ذلك الدواءَ طَبيبٌ ثِقةٌ أمينٌ في مهنتِه؛ فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: (للمريضِ المُسلِمِ تناوُلُ الأدويةِ المُشتَمِلةِ على نسبةٍ مِن الكحولِ إذا لم يتيسَّرْ دَواءٌ خالٍ منها، ووصَفَ ذلك الدواءَ طَبيبٌ ثِقَةٌ أمينٌ في مِهنَتِه). ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي 1 - 174)) (ص: 27).   ؛ وذلك لأنَّه لا يَظهَرُ أثَرُه في لَونِ الدَّواءِ ولا طَعمِه ولا ريحِه [241] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/92).   . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: التَّداوي بالخَمرِ. المطلب الثَّالِثُ: التَّداوي بأدوِيَةٍ مُشتَمِلةٍ على مَوادَّ مُخَدِّرةٍ.

يجوزُ التَّداوي بأدوِيةٍ مُشتَمِلةٍ على موادَّ مُخَدِّرةٍ؛ للحاجةِ [242] ما لم تكنْ مُسكِرةً، ونصَحَ بها طبيبٌ مَوثوقٌ به.   ، وهو قَولُ ابنِ باز [243] قال ابن باز: (الأدويةُ التي يحصُلُ بها راحةٌ للمريضِ وتَخفيفٌ للآلامِ عنه، لا حرج فيها ولا بأس بها قبل العمليَّةِ وبعد العمليةِ، إلَّا إذا عُلِمَ أنَّها مِن شَيءٍ يُسكِرُ كَثيرُه، فلا تُستعمَلُ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما أسكر كثيرُه، فقليلُه حَرامٌ))، أما إذا كانت لا تُسكِرُ ولا يُسكِرُ كَثيرُها، ولكنْ يحصُلُ بها بعضُ التخفيفِ والتَّخديرِ لتَخفيفِ الآلام، فلا حرجَ في ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/18).   ، وابنِ عُثيمين [244] أجاب ابنُ عُثيمين على سؤالِ مَريضةٍ بصَرَعٍ أوصى لها الطبيبُ بدواءٍ مُخَدِّر، بقَولِه: (هذا الدواءُ الذي أشارت إليه إذا كان نافِعًا لها في تخفيفِ صَرعتِها وإزالتِها، فإنَّه لا بأس به، وهذه الموادُّ المخَدِّرة إذا أعطت الجِسمَ استرخاءً، فإنما ذلك لمصلحتِه وليس لمضَرَّتِه، فإذا قالوا- أيِ الأطباءُ- إنَّ هذا أنفَعُ لها وإنَّه لا يضُرُّ على جسمِها في المستقبلِ؛ فإنَّه لا بأس به ولا حرجَ، وهذه الكميَّةُ البسيطةُ التي توجَدُ فيه من أشياءَ مخَدِّرةٍ هي لا تبُلُغ درجةَ التخدير حَسَبَ كلامها، وإنما فيها استرخاءُ الجسم وامتدادُه، وهذا لا يوجِبُ التحريمَ، لا سيَّما وأنَّ فيه المصلحةَ التي تربو على هذه المفسَدةِ، لكن إن خُشِيَ في المستقبل أن يكون سببًا لانهيارِ الجسمِ، فحينئذ تُمنَعُ وتُنصَحُ بأن تصبِرَ على ما أصابها، واللهُ تبارك وتعالى يُثيبُ الصَّابرينَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (6/25).   ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [245] جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (لا يجوزُ التَّداوي بما حَرَّم اللهُ؛ من أفيون أو حشيشة، أو خمر، أو نحو ذلك مِن مُخَدِّر أو مُسكِر، ووضْعُ نسبةٍ مِن ذلك في الدواءِ لا يجوزُ، لكِنْ إن وُضِعَت فيه ولم تَصِلْ بالدواء إلى درجةِ أن يُسكِرَ كَثيرُه، جاز التداوي به؛ لعَدَمِ تأثُّرِ ما أضيفَ إليه منها، فكأنَّه كالعَدَمِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (25/22).   ، ودارُ الإفتاءِ المِصريَّةُ [246] جاء في فتاوى دار الإفتاء: (فإذا كان الدواءُ المُخَدِّرُ الذى تتعاطاه السيدةُ المَسؤولُ عنها لا بديلَ له من الأدويةِ التى تخلو من المخدِّراتِ أو المُحَرَّماتِ عمومًا- جاز لها أن تتناوَلَه ما دام قد نصحَ الطبيبُ المُسلِمُ الموثوقُ بدينِه وعِلمِه بنَفعِه لها، وانعدم بديلُه). ((فتاوى دار الإفتاء المصرية)) (10/3582).   . وذلك للآتي:أوَّلًا: للمَصلَحةِ المترتِّبةِ عليه؛ مِن التداوي، وتخفيفِ الآلامِ، وغَيرِ ذلك [247] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/18)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/25).   . ثانيًا: لأنَّها لا تُسَبِّبُ الإسكارَ، فكان ما أُضيفَ إلى الدَّواءِ منها كالعَدَمِ [248] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (25/22).   . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: التَّداوي بالخَمرِ. المطلب الثَّاني: التَّداوي بأدوِيَةٍ مُشتَمِلةٍ على نِسبةٍ مِن الكُحولِ .