مَسْحُ الرَّأس فرضٌ في الوضوء في الجملة الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6].ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن حُمْرَان مولى عُثمان أخبَرَه أنَّه رأى عثمانَ بن عفَّان دعا بإناءٍ، فأفْرَغ على كفَّيه ثلاثَ مرار، فغسَلَهما، ثم أدخل يمينَه في الإناء، فمضمض واستنشَق، ثم غسلَ وجهَه ثلاثًا، ويديه إلى المِرفَقين ثلاثَ مِرار، ثم مسحَ برأسه، ثم غسَل رِجليه ثلاثَ مِرار إلى الكعبَين، ثم قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثم صلَّى رَكعتين لا يُحدِّث فيهما نفْسَه، غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذَنبِه)) رواه البخاري (159)، ومسلم (226). .ثالثًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: الماورديُّ قال الماورديُّ: (مسحُ الرأس واجبٌ بالكتابِ، والسُّنة، والإجماع). ((الحاوي)) (1/114). ، وابنُ حزم قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ مسح بعض الرَّأس بالماء، غير مُعَينٍ لذلك البعض؛ فرضٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 19). ، وابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (العلماء أجمعوا على أنَّ غَسل الوجه، واليدين إلى المِرفقين، والرِّجلين إلى الكعبين، ومسْح الرَّأس؛ فرضٌ ذلك كلُّه). ((التمهيد)) (4/31). ، وابنُ قدامة قال ابن قدامة: (لا خلاف في وجوب مسْح الرَّأس). ((المغني)) (1/92). ، والقرطبي قال القرطبيُّ: (والرَّأس، وفرضُه المسحُ اتِّفاقًا). ((الجامع لأحكام القرآن)) (6/83). ، والنوويُّ قال النووي: (فمسْحُ الرأس واجِبٌ بالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع). ((المجموع)) (1/395). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح. المطلب الخامس: صفة مسْح الرَّأس.

يجب مسْحُ الرَّأس كلِّه واستيعابُه، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة في المشهور ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/359)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/259). ، والحنابلة على الصَّحيح ((الإنصاف)) للمرداوي (1/161)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/93). ، وبه قال المُزنيُّ من الشَّافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/114). ، وبعض الظَّاهريَّة قال ابن عبدِ البَرِّ: (واختلف أصحاب داود؛ فقال بعضهم: مسْح الرأس كلِّه واجبٌ فرضًا، كقول مالك). ((الاستذكار)) (1/132). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (اتَّفق الأئمَّة كلُّهم على أنَّ السُّنة مسحُ جميع الرَّأس، كما ثبت في الأحاديث الصَّحيحة والحسنة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ الذين نقلوا وضوءَه لم يَنقُل عنه أحدٌ منهم أنَّه اقتصر على مسحِ بعضِ رأسِه، وما يذكره بعض الفقهاء- كالقدوري في أول مختصره وغيره- أنه توضأ ومسح على ناصيته: إنما هو بعض الحديث الذي في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضأ عام تبوك ومسَحَ على ناصيته" ولهذا ذهب طائفةٌ من العلماء إلى جواز مسحِ بعض الرأس، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقولٌ في مذهب مالك وأحمد. وذهب آخرون إلى وجوب مسْحِ جَميعِه، وهو المشهور من مذهب مالك وأحمد، وهذا القول هو الصَّحيح؛ فإنَّ القرآن ليس فيه ما يدلُّ على جوازِ مسح بعض الرَّأسِ؛ فإنَّ قَولَه تعالى: وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ **المائدة: 6** نظير قوله: فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم **المائدة: 6**). ((مجموع الفتاوى)) (21/122، 123). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (مسْحُ الرَّأس كلِّه فرضٌ). ((الثمر المستطاب)) (1/10). ، وابن باز قال ابن باز: (الواجبُ مسحُه كلِّه؛ كان النبيُّ يمسحُه كلَّه، عليه الصَّلاة والسَّلام، فعلينا أن نتأسَّى به عليه الصَّلاة والسَّلام، فالواجب مسْح الرَّأس كلِّه مع الأذنين). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/106). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (لو مسح بناصِيَته فقط دون بقيَّة الرَّأس، فإنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ **المائدة: 6** ولم يقل: (ببعض رؤوسِكم)، والباء في اللُّغة العربيَّة لا تأتي للتبعيضِ أبدًا). ((الشرح الممتع)) (1/187). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ الباءَ في قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ليسَتْ للتبعيض، وإنَّما هي للإلصاقِ، وهي لا تدخُلُ إلَّا لفائدةٍ، فإذا دخلَت على فعلٍ يتعدَّى بنفسِه أفادت قدرًا زائدًا، فإذا قيل: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ضُمِّن المسحُ معنى الإلصاق، فأفاد أنَّكم تُلصِقون برؤوسِكم وبوجوهِكم شيئًا بهذا المسحِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/123، 124). ، فأفاد عمومُ الآيةِ مسحَ جميعِ الرَّأس ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/187). .2- قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء: 43].وجه الدَّلالة: أنَّ لفظَ المسحِ في آيةِ التيمُّمِ، مثلُ لفظِ المسحِ في آية الوضوء، فإذا كانت آيةُ التيمُّم لا تدلُّ على مسحِ البَعضِ، مع أنَّه بدلٌ عن الوضوءِ، كان في مسحِ الوضوءِ أَوْلى وأحْرى لفظًا ومعنًى ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/123، 125). .ثانيًا: السُّنة المستفيضةُ مِن عمَل رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمسْح رأسِه في الوُضوءِ، ومِن ذلك:1- عن عبد الله بن زيد رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخرجنا له ماءً في تَوْرٍ من صُفرٍ، فتوضَّأ، فغَسل وجهَه ثلاثًا، ويديه مرَّتين مرَّتين، ومسَح برأسه، فأَقْبل به وأدْبَر)) رواه البخاري (197) واللفظ له، ومسلم (235). وفي رواية: ((فأقْبل بهما وأدْبَر؛ بدأ بمُقدَّمِ رأسِه، حتى ذهَب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكانِ الذي بدَأ منه)) رواه البخاري (185) واللفظ له، ومسلم (235). .2- عن حُمران مولى عُثمان أخبره أنَّه رأى عُثمان بن عفَّان دعا بإناءٍ، فأفْرَغ على كفَّيه ثلاثَ مرارٍ، فغسلهما، ثمَّ أدخل يمينَه في الإناءِ، فمضمضَ واستنشق، ثمَّ غسَل وجهَه ثلاثًا، ويديه إلى المرفَقينِ ثلاثَ مِرار، ثمَّ مسحَ برأسه، ثمَّ غسل رِجليه ثلاثَ مِرارٍ إلى الكعبَين، ثمَّ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثم صلَّى رَكعتينِ لا يُحدِّث فيهما نفْسَه، غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذَنبِه)) رواه البخاري (159)، ومسلم (226). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح. المطلب الخامس: صفة مسْح الرَّأس.

يُمسحُ الرَّأسُ مرَّةً واحدةً، ولا يُشرَعُ فيه التَّكرارُ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/33)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/26). ، والمالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/262)، ((حاشية الدسوقي)) (1/98). والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/163)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/101). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ1- عن يحيى المازنيِّ: ((أنَّ رجلًا قال لعبد الله بن زيد- وهو جَدُّ عمرو بن يحيى-: أتستطيعُ أن تُريَني كيف كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعَمْ. فدعا بماءٍ، فأفْرَغ على يدَيه، فغسَل يدَه مرَّتين، ثمَّ مضمضَ واستنثر ثلاثًا، ثمَّ غسَل وجهَه ثلاثًا، ثمَّ غسَل يديه مرَّتين مرَّتين إلى المِرفَقين، ثمَّ مسَح رأسَه بيدَيه، فأَقْبل بهما وأدْبَر، بدأ بمُقدَّمِ رأسِه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكانِ الذي بدَأ منه، ثم غسَلَ رِجليه)) رواه البخاري (185)، واللفظ له، ومسلم (235). .وفي رواية: ((فمسَحَ رأسَه، فأقبلَ بهما وأدْبَر مرَّةً واحدةً)) رواه البخاري (186)، واللفظ له، ومسلم (235). .2- عن حُمران مولى عُثمان أخبَرَه ((أنَّه رأى عثمانَ بنَ عفَّان دعا بإناءٍ، فأفْرَغ على كفَّيه ثلاثَ مرارٍ، فغسلهما، ثمَّ أدخلَ يمينَه في الإناءِ، فمضمضَ واستنشقَ، ثمَّ غسلَ وجهَه ثلاثًا، ويديه إلى المِرفَقينِ ثلاثَ مِرار، ثمَّ مسحَ برأسِه، ثمَّ غسل رِجلَيه ثلاثَ مِرارٍ إلى الكعبَين، ثمَّ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثمَّ صلَّى رَكعتينِ لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه، غُفِر له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه)) رواه البخاري (159)، ومسلم (226). .وجه الدَّلالةِ مِن الحديثِ: أنَّه جاء فيه وصفُ وضوءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثًا ثلاثًا إلَّا مسْحَ الرَّأس؛ فلم يُذكَر فيه عددٌ كما ذُكِرَ في غيره، فعُلِمَ أنَّ التَّكرارَ وقع فيما عدا مسْحَ الرَّأس. ثانيًا: أنَّه مسْحٌ، والمسحُ لا يُسنُّ فيه التَّكرارُ، كمسحِ الخفِّ، والمسحِ في التيمُّمِ، ومسحِ الجبيرةِ، وإلحاقُ المسحِ بالمسحِ أَوْلى من إلحاقِه بالغَسْلِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/126). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الخامس: صفة مسْح الرَّأس.

أن يمرَّ بيديه من مُقدِّمةِ رأسِه إلى قفاه، ثم يردَّهما إلى الموضِعِ الذي بدأ منه؛ أي: يمرَّ بهما مِن قفاه إلى مقدِّمةِ رأسِه، نصَّ على هذا جمهورُ الفُقَهاءِ: المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/192)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/393). ، والشَّافعيَّة قال النووي: (قال أصحابنا: وإنما يُستحبُّ الردُّ لِمَن له شعرٌ مسترسِلٌ، أمَّا مَن لا شَعرَ له، أو حلَقَ شَعره وطلَع منه يسيرٌ، فلا يستحبُّ له الردُّ؛ لأنَّه لا فائدةَ فيه، وممَّن صرَّح بهذا: القفَّال، والصَّيدلانيُّ، وإمام الحرمين، والغزاليُّ، والمتولي، والرُّوياني، وصاحب العُدَّة، وغيرهم، وكذا لا يُستحبُّ الردُّ لِمَن له شعر كثير مضفور؛ قاله القفَّال، وإمام الحرمين، والرُّويانيُّ، وصاحب العُدة). ((المجموع)) (1/402)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/123). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/99)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/94). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ قال النوويُّ: (هذا مستحَبٌّ باتِّفاق العلماء؛ فإنَّه طريقٌ إلى استيعاب الرَّأس ووصول الماءِ إلى جميعِ شَعره). ((شرح النووي على مسلم)) (3/123). . الدليل مِن السُّنَّةِ:عن عمرِو بن يحيى المازنيِّ عن أبيه قال: ((شهدتُ عمرَو بن أبي حسنٍ، سأَل عبدَ اللَّهِ بنَ زيدٍ عن وضوءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فدعا بتَورٍ من ماءٍ، فتوضَّأ لهم وُضوءَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأكفأَ على يديه من التَّورِ، فغَسَل يديه ثلاثًا، ثمَّ أدخل يدَه في التَّورِ، فمضمَضَ واستنشقَ واستنثَرَ ثلاثًا بثلاثِ غَرفات، ثمَّ أدخل يدَه فغسَلَ وجهَه ثلاثًا، ثمَّ أدخَل يدَه في التَّور فغسلهما مرَّتين إلى المِرفَقين، ثمَّ أدخل يدَه في التَّورِ فمسَحَ رأسَه؛ فأقبل بهما وأدْبَر مرَّةً واحدةً، ثمَّ غسل رِجليه))، وفي رواية: ((بدأ بمُقدَّمِ رأسِه حتَّى ذهب بهما إلى قفاه، ثمَّ ردَّهما حتى رجَع إلى المكانِ الذي بدأ منه)) رواه البخاري (185)، ومسلم (235). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

اختلف أهل العِلم في حُكمِ مسْحِ الأُذنين على قولين أجمَع أهلُ العلم على مشروعيَّة مسْح الأذنين؛ قال ابن عبدِ البَرِّ: (أجمع المسلمون طُرًّا [أي: جميعًا] أنَّ الاستنشاق والاستنثار من الوضوءِ، وكذلك المضمضةُ، ومسْحُ الأذنين). ((التمهيد)) (18/225). وقال النوويُّ: (أجمعت الأمَّة على أنَّ الأُذنين تُطهَّران، واختلفوا في كيفيَّة تطهيرِهما. قال الطبري: الفقهاء أجمعوا أنَّ مَن ترَك مسحَهما فطهارتُه صحيحة. قال النوويُّ: وكذا نقل الإجماع غيرُه، وحكى ابن المُنذِر وأصحابنا عن إسحاق بن راهويه أنَّه قال: مَن ترك مسحهما عمدًا لم تصحَّ طهارته، وهو محجوج بإجماع مَن قبله. وحكى القاضي أبو الطيِّب وغيره عن الشِّيعة أنهم قالوا: لا يُستحبُّ مسح الأذنين؛ لأنَّه لا ذكر لهما في القرآنِ، ولكن الشِّيعة لا يُعتدُّ بهم في الإجماع، وإن تبرَّعنا بالردِّ عليهم؛ فدليله الأحاديث الصَّحيحة، والله أعلم). ((المجموع)) (1/416). لكن لا يُجزئ مسْح الأُذنين عن مسْح الرَّأس، وهذا بالإجماع. قال القرافي: (قال المازريُّ: إنَّ الأمَّة مجمِعةٌ على أنَّ مسحَهما لا يُجزِئُه عن الرَّأس). ((الذخيرة)) (1/265)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (1/415). :القول الأوّل: أنَّ مسحَ الأُذنينِ مِن سُنَنِ الوضوء، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/27)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 47). ، والمالكيَّة في المشهور ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/357)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/277). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/413)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/120). .الدليل من الكتاب:قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ الله سبحانه أمَر بمسْح الرَّأس، ولم يَذكُرِ الأُذنين؛ فإذا مسَح الرَّأس ولم يمسَحِ الأُذنين، فقد امتثل الأمرَ. القول الثاني: يجِبُ مسْح الأُذنين؛ ظاهِرِهما وباطِنِهما، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/181)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/100). ، وبعضِ المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/277)، ((حاشية الدسوقي)) (1/98). ، ومذهَبُ إسحاقَ بنِ راهَوَيه قال ابنُ المُنذِر: (قال إسحاق بن راهويه: وإنْ مسحتَ رأسَك ولم تمسحْ أُذنيك عمدًا، لم يُجزِك). ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/405). وقال الشوكانيُّ: (فذهبت القاسميَّة، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، إلى أنَّه واجِبٌ). ((نيل الأوطار)) (1/161). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (يجب مسْح الأُذنين؛ لأنَّهما من الرَّأسِ، جزءٌ من الرَّأس، والرَّأسُ يجِبُ تعميمُه، الرَّأس كله من أوَّله إلى آخِره مع الأُذنين، يُدخِل أُصبعَيه في الصِّماخَينِ، ويمسح بإبهامَيهِ ظاهِرَ أذنيه، وهذا هو الواجِبُ عليه في كلِّ وضوء). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/112). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (وكذلك الأُذنانِ، جاءت السُّنة ببيانِ مَسحِهما مع الرَّأس؛ وذلك لأنَّهما من الرَّأسِ؛ فعلى هذا لا بدَّ من المضمضة والاستنشاق، ولا بدَّ مِن مَسحِ الأُذنين، هذه هي الواجباتُ في الوضوء). ((لقاء الباب المفتوح)) (44/71). وقال أيضًا: مواظبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مسحِهما دليلٌ لا إشكالَ فيه. ((الشرح الممتع)) (1/188). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِأنَّ مُواظَبَته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مسحِ الأذُنَينِ مع مسحِ الرَّأسِ؛ دليلٌ على وجوبه؛ مع كَونِ فِعلِه وقع بيانًا لِمُجملِ الأمرِ الوارِدِ في القرآن ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/187). . ثانيًا: من الآثارعن عبد الله بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأُذنانِ من الرَّأسِ) رواه عبد الرزَّاق في ((المصنف)) (24)، والدارقطني (1/98). قال الدارقطني: والصواب عن ابن عمر مِن قوله. وصحَّح عبد الحق الإشبيليُّ في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (1/468): بعض طرقه موقوفًا على ابن عمَرَ. . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

يُسَنُّ في مسْحِ الأذنينِ أن يُدخِل سبَّابتَيه في صِماخَيهما [1888] الصماخ: ثُقبُ الأذُنِ. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/52). ، ويَمسَحَ بإبهامَيه ظاهرَهما، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ قال أبو الوليد الباجي: (وهو أشبَهُ بحديث عبد الله بن عمر، ونحو ما رُوي عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ باطِنَ الأُذنين يُمسح بالسَّبَّابة، وظاهِرُهما بالإبهام، وهذه طهارةُ الأُذنين عند مالك، وأبي حنيفة، والشافعيِّ، وجمهور الفقهاء) ((المنتقى شرح الموطأ)) (1/74). : الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/121)، ((حاشية على مراقي الفلاح)) للطحطاوي (ص: 47). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/193)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/266). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/413)، ((أسنى المطالب)) للأنصاري (1/41). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/59)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/97). .الدليل مِن السُّنَّةِ:عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مسَحَ أذُنَيه داخِلَهما بالسبَّابَتينِ، وخالف إبهامَيه إلى ظاهرِ أذُنَيه، فمسَحَ ظاهِرَهما وباطِنَهما)) رواه الترمذي (36)، والنسائي (102)، وابن ماجه (439) واللفظ له. قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن منده كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/132)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (439): حسن صحيح، وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (640). انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

يُسَنُّ مسْحُ الأُذنينِ مع الرَّأس بماءٍ واحد، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/62-63)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/23). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/105). ، وهو قول الثوريِّ، ورُوي عن جماعةٍ مِن السَّلف قال ابن عبدِ البَرِّ: (وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوريُّ: الأذنانِ مِن الرَّأس؛ يُمسحانِ مع الرَّأس بماءٍ واحد، ورُوي عن جماعة من السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين مِثلُ هذا القول). ((الاستذكار)) (1/199). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ولا-أي: ولا يُسَنُّ- أخْذُه ماءً جديدًا للأُذنينِ، وهو أصحُّ الرِّوايتين عن أحمد، وهو قول أبي حنيفة، وغيره). ((الفتاوى الكبرى)) (5/303). وقال أيضًا: (الوضوء الثَّابت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي في الصَّحيحين وغيرهما من غير وجهٍ، ليس فيه أخْذُ ماءٍ جديدٍ للأُذنين). ((مجموع الفتاوى)) (1/279). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (كان يَمسح أُذنيه مع رأسِه، وكان يمسَحُ ظاهِرَهما وباطنهما، ولم يثبُتْ عنه أنَّه أخذ لهما ماءً جديدًا، وإنَّما صحَّ ذلك عن ابنِ عُمَر). ((زاد المعاد)) (1/194، 195). ، والصَّنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (حديث البيهقيِّ هذا- يعني: حديث عبد الله بن زيد-: ((أنَّه رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأخُذ لأذنيه ماءً غيرَ الماء الذي أخذَه لرأسه))- هو دليلُ أحمد والشافعيِّ أنَّه يُؤخذ للأذنين ماءٌ جديد، وهو دليل ظاهر. وتلك الأحاديث التي سَلفت غايةُ ما فيها أنَّه لم يذكُرْ أحدٌ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ ماءً جديدًا، وعدمُ الذِّكر ليس دليلًا على عدمِ الفِعل، إلَّا أنَّ قول الرُّواة من الصَّحابة: ومسَح رأسه وأُذنيه مرَّة واحدة، ظاهِرٌ أنَّه بماء واحد. وحديثُ ((الأذنان من الرَّأس)) وإن كان في أسانيده مقالٌ، إلَّا أنَّ كثرة طُرُقه يشدُّ بعضُها بعضًا، ويشهَدُ لها أحاديثُ مَسحِهما مع الرأسِ مرةً واحدة، وهي أحاديثُ كثيرةٌ عن عليٍّ، وابن عبَّاس، والربيع، وعثمان، كلُّهم متَّفقون على أنَّه مسحَهما مع الرَّأس مرَّةً واحدة؛ أي: بماءٍ واحد، كما هو ظاهر لفظ: ((مرَّة))؛ إذ لو كان يُؤخَذُ للأذنين ماء جديد ما صَدق أنَّه مسح رأسَه وأذنيه مرَّةً واحدة، وإن احتمل أنَّ المرادَ أنَّه لم يكرِّرْ مَسحَهما، وأنَّه أخذ لهما ماءً جديدًا فهو احتمالٌ بعيد، وتأويلُ حديث: إنَّه أخذ لهما ماءً خلافُ الذي مسَحَ به رأسَه، أقربُ ما يقالُ فيه: إنهَّ لم يبقَ في يده بلَّةٌ تكفي لمسح الأُذنين، فأخذ لهما ماءً جديدًا). ((سبل السلام)) (1/49). ، وابن باز قال ابن باز: (الصَّواب: أن يمسَحَ رأسه وأُذنيه بماءٍ جديدٍ، ولا يأخذ لأذنيه ماءً جديدًا). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) (1/146). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (الأحاديثُ التي ورد فيها مسْح الرَّأس والأُذنين لم يذكرْ أحدٌ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ ماءً جديدًا، ولو أنَّه فعل ذلك لنُقِلَ، ويقوِّيه ظاهِرُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأُذنانِ مِن الرَّأس)).). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (2/424). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّواب: أنَّه لا يُسنُّ أن يأخذ ماءً جديدًا للأُذنينِ). ((الشرح الممتع)) (1/178). وقال أيضًا: (لا يلزم أخْذُ ماءٍ جديدٍ للأُذنين، بل ولا يُستحبُّ على القول الصَّحيح؛ لأنَّ جميعَ الواصفينَ لوضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لم يَذكروا أنَّه كان يأخذ ماءً جديدًا لأذنيه، فالأفضَلُ أن يمسَح أُذنيه ببقيَّة البَللِ الذي بقي بعد مسْح رأسه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/141). .الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأَ، وفيه: وغَرَف غَرفةً فمسَحَ رأسَه وباطِنَ أذُنَيه وظاهِرَهما، وأدخَلَ أُصبُعَيه فيهما)) رواه الترمذي (36)، والنسائي (102)، وابن ماجه (439)، وابن خزيمة (148) واللفظ له. قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن منده كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/132)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (439): حسن صحيح، وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (640). وجه الدَّلالة:أنَّ جميعَ مَن وصَفَ وُضوءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يذكرُوا أنَّه أخَذ ماءً جديدًا للأُذُنَينِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/178). .ثانيًا: من الآثارعن عبدِ الله بن عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأُذنانِ مِن الرَّأس) رواه عبد الرزَّاق في ((المصنف)) (24)، والدارقطني (1/98). قال الدارقطني: والصواب عن ابن عُمرَ من قوله. وصحَّحَ عبد الحق الإشبيليُّ في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (1/468) بعضَ طُرُقه موقوفًا على ابنِ عُمر. .وجه الدَّلالة:الأُذنان ليسَا عُضوينِ مستقلَّينِ؛ لذا فإنَّهما يُمسحانِ مع الرَّأس مرَّةً واحدةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/179). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

يجوزُ المسحُ على العمامةِ، مقتصرًا عليها دونَ مسْحِ الرَّأس، وهذا مَذهَبُ الحنابلةِ على المشهورِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/119)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/219)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/150). ، والظاهريَّة قال ابن حزم: (كلُّ ما لُبِسَ على الرَّأس من عمامةٍ أو خمار، أو قَلَنْسُوة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأةُ والرَّجل سواءٌ في ذلك، لعلَّةٍ أو غير عِلَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وبه قال جمهورُ الصَّحابة والتَّابعين قال ابن المُنذِر: (اختلفوا في المسحِ على العمامة، فأجازت طائفةٌ المسح على العمامة، وممَّن فعل ذلك أبو بكر الصِّدِّيق، وعمر، وأنس، وأبو أمامة، ورُوي ذلك عن سعد بن أبي وقَّاص، وأبي الدَّرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة... وبه قال الأوزاعيُّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور) ((الأوسط)) (2/120). وقال ابن حزم: (بهذا القولِ يقولُ جُمهورُ الصَّحابة والتَّابعين). ((المحلى)) (1/305). وقال النوويُّ: (قالت طائفةٌ: يجوزُ الاقتصارُ على العِمامة؛ قاله سفيان الثوريُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، ومحمَّد بن جرير، وداود). ((المجموع)) (1/407). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر ((المغني)) لابن قدامة (1/219). ، وابنِ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (معلومٌ أنَّ في هذا الباب مِن الرُّخصة التي تُشبِه أصولَ الشَّريعة، وتوافِقُ الآثار الثَّابتة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. واعلمْ أنَّ كلَّ من تأوَّل في هذه الأخبارِ تأويلًا- مثل كون المسحِ على العمامة مع بعضِ الرَّأس هو المجزئُ، ونحو ذلك- لم يقِف على مجموع الأخبار، وإلَّا فمَن وقف على مجموعِها أفادتْه علمًا يقينًا بخلاف ذلك). ((مجموع الفتاوى)) (21/21). ، وابنِ القيِّم قال ابن القيِّم: (رَددتُم السُّنن الثَّابتة عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَسحِ على العمامة، وقلتم: إنَّها زائدة على نصِّ الكتابِ، فتكون ناسخةً له فلا تُقبَل، ثم ناقَضْتم فأخذتُم بأحاديثِ المَسحِ على الخفَّين، وهي زائدةٌ على القرآنِ، ولا فرق بينهما، واعتذرتم بالفَرقِ بأنَّ أحاديثَ المَسحِ على الخفَّين متواترةٌ، بخلافِ المَسحِ على العمامة، وهو اعتذارٌ فاسِدٌ؛ فإنَّ من له اطِّلاعٌ على الحديث لا يشكُّ في شهرةِ كلٍّ منها، وتعدُّدِ طُرُقها، واختلافِ مَخارِجِها، وثبوتِها عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولًا وفعلًا..). ((أعلام الموقعين عن رب العالمين)) (2/322، 323). ، والشوكانيِّ قال الشوكانيُّ: (الحاصل: أنَّه قد ثبت المسحُ على الرَّأس فقط، وعلى العمامةِ فقط، وعلى الرأسِ والعمامةِ، والكلُّ صحيحٌ ثابت؛ فقَصْرُ الإجزاءِ على بعض ما ورد لِغَيرِ مُوجِبٍ، ليس من دأْبِ المُنصِفين). ((نيل الأوطار)) (1/166). ، والشنقيطيِّ قال الشنقيطيُّ: (فقد ثبَت في مَسحِ الرَّأس ثلاث حالات: المسحُ على الرَّأس، والمسُح على العِمامة، والجمعُ بينهما بالمَسحِ على النَّاصية والعمامة. والظاهر من الدَّليل جوازُ الحالات الثَّلاث المذكورة، والعِلم عند الله تعالى). ((أضواء البيان)) (1/353). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (المسحُ على العمامة ممَّا جاءت به السُّنَّة عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث المغيرة بن شُعبة رَضِيَ اللهُ عنه، فيجوز المسح عليها، فيمسَحُ على العمامةِ كلِّها أو أكثَرِها). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/170). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقولُ الله تعالى في آيةِ الوُضوءِ: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مبيِّنٌ لكلامِ الله، مفسِّرٌ له، وقد مسح النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على العِمامةِ،كما أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أمر بغَسلِ الرِّجلين، وجاءت السُّنَّة النَّبويَّة بالرُّخصةِ بمَسحِ حائِلِهما ((المغني)) لابن قدامة (1/219). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن المُغيرة بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأ، فمسحَ بناصِيَتِه، وعلى العمامةِ، وعلى الخفَّينِ)) رواه مسلم (274). .2- عن عمرِو بن أُميَّة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمسَحُ على عِمامَتِه وخُفَّيه)) رواه مسلم (205). .ثالثًا: من الآثار قال ابن حزم: (أمَّا الحنفيُّون المتزيَّنون في هذا المكان باتِّباعهم، فقد خالفوا أبا بكر, وعمر, وعليَّ بن أبي طالب; وابن مسعود, وابن عبَّاس, والمغيرة بن شُعبة, وأنس بن مالك, وأمَّ سلمة أمَّ المؤمنين: في المسحِ على العِمامة). ((المحلى)) (4/253). 1- عن عبد الرَّحمن بن عُسيلةَ الصُّنابحيِّ قال: (رأيتُ أبا بكر الصِّدِّيقَ يمسَحُ على الخِمارِ- يعني: في الوضوءِ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/22). قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/60): إسناده في غاية الصحَّة. . 2- عن سُوَيد بن غَفَلَة قال: (سألتُ عُمرَ بن الخطَّاب عن المسحِ على العِمامةِ؟ قال: إنْ شئتَ فامسَحْ عليها، وإنْ شئتَ فلا) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/22) قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/60): إسناده في غاية الصحَّة. . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

الفرع الأوَّل: حكمُ المسحِ على العمامةِ الصَّمَّاءِ لا يُشترط أن تكونَ العِمامةُ محنَّكةً أو ذات ذؤابةٍ، فيجوزُ المسح على العمامة الصَّمَّاءِ العمامة الصماء: هي التي لا حنَكَ لها ولا ذؤابةَ. ((الإنصاف)) للمرداوي (1/140). ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (وكلُّ ما لُبِسَ على الرَّأس من عمامةٍ أو خمار، أو قَلنسُوَة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأة والرَّجُل سواء في ذلك، لعِلَّة أو غير عِلَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمدَ بنِ حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وهو وجهٌ للحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/200)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/140). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (السَّلف كانوا يُحنِّكونَ عَمائِمَهم؛ لأنهم كانوا يركبونَ الخَيلَ، ويجاهدون في سبيل الله، فإنْ لم يربِطوا العمائم بالتَّحنيك وإلَّا سقطت، ولم يمكن معها طَردُ الخيل؛ ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشَّام: أنهم كانوا يحافِظونَ على هذه السُّنَّة؛ لأجْل أنَّهم كانوا في زمنه هم المجاهدين. وذكر إسحاق بن راهويه بإسناده: أنَّ أولاد المهاجرين والأنصار كانوا يَلبَسون العمائِمَ بلا تحنيكٍ؛ وهذا لأنَّهم كانوا في الحجازِ في زمن التابعين لا يُجاهِدون). ((مجموع الفتاوى)) (21/187). وقال المَرداويُّ: (اختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين وغيره جوازَ المسحِ، وقال هي القلانس). ((الإنصاف)) (1/139، 140). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (العمامةُ لا يُشترط أن تكون من شيء معيَّن؛ كلُّ ما أُدير على الرَّأس فإنَّه عمامةٌ، يجوز المسح عليه، إلَّا أنَّ بعض العلماء اشترطوا شرطًا ليس عليه دليلٌ، وهو: أن تكون العمامة محنَّكةً، أي: يُدارُ منها دورةٌ تحت الحَنَك، أو تكون ذاتَ ذؤابة، أي: يتدلَّى طرَفُها من عند الظَّهرِ، ولكن الصَّحيحَّ أنَّ ذلك ليس بشرطٍ، وأنَّه متى وُجِدَت العمامة على الرَّأس، فإنَّه يُمسَح عليها؛ وذلك لمشقَّةِ نَزعِها ثم طيِّها مرَّةً أخرى). ((اللقاء الشهري)) (اللقاء رقم: 23). ؛ وذلك لأنَّ النصَّ أطلَقَ الرُّخصةَ في العمامة؛ فمتى ثبَت مسمَّى العِمامة، جاز المسحُ عليها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/238). .الفرع الثَّاني: حُكمُ لُبسِ العِمامةِ على طهارةٍ لا يُشتَرَطُ لُبسُ العمامةِ على طهارةٍ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (وسواءٌ لَبِس ما ذَكرْنا على طهارةٍ أو غيرِ طهارة... وقال أصحابُنا كما قلنا). ((المحلى)) (1/309). ، ورِوايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/130). ، وهو قَولُ بعض السَّلف قال النوويُّ: (قال ابن المُنذِر: ممَّن مسح على العمامة أبو بكر الصِّدِّيق، وبه قال عمرُ وأنس بن مالك، وأبو أُمامة، ورُوي عن سعد ابن أبي وقَّاص، وأبي الدَّرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، والأوزاعيِّ وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، ثم شرَط بعضُ هؤلاء لُبسَها على طهارة، وشرَط بعضُهم كونها محنَّكة، أي: بعضها تحت الحنك، ولم يَشتَرِط بعضُهم شيئًا من ذلك). ((المجموع)) (1/407). وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/172). ، واختيارُ ابنِ تيميَّة قال المَرداويُّ: (اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وقال أيضًا: ويتوجَّه أنَّ العمامةَ لا يُشترط لها ابتداءُ اللُّبسِ على طهارةٍ، ويكفيه فيهما الطَّهارةُ المتقدِّمة؛ لأنَّ العادة أنَّ مَن توضَّأ مسَحَ رأسه ورفَع العمامةَ ثم أعادها، ولا يبقى مكشوفَ الرَّأس إلى آخِرِ الوُضوءِ). ((الإنصاف)) (1/130). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (لا يُشتَرَط في لُبس العمامة أن يَلبسها على طهارةٍ، ولا يُشترط لها مدَّة معيَّنة، وقياسُها على الجورب قياسٌ مع الفارِق؛ لأنَّ الجورَبَ ملبوسٌ على عضوٍ يُغسَل، وأمَّا العمامةُ فهي ملبوسةٌ على عضوٍ يُمسَح، وطهارتُه مخفَّفةٌ في الأصلِ). ((لقاء الباب المفتوح)) ( اللقاء رقم: 8). . وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ النُّصوصَ جاءت في التَّرخيصِ في لُبس العمامةِ، ولم تُشتَرَط الطَّهارة. ثانيًا: أنَّه ليس هناك علَّةٌ جامعة بين المسحِ على العمامةِ والمسح على الخفَّين، وإنَّما نصَّ الشَّارِعُ على وجوبِ الطَّهارة في الخفَّينِ دون العمامة، ولو كان واجبًا لبيَّنَه ((المحلى)) لابن حزم (1/309). . الفرع الثَّالث: هل يُشتَرَط أن يكون المسحُ محدَّدًا بوقتٍ لا يُشتَرَط للمَسحِ على العمامة توقيتٌ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (يُمسحُ على كلِّ ذلك أبدًا بلا توقيتٍ ولا تحديد، وقد جاء عن عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه التوقيتُ في ذلك ثابتًا عنه، كالمسحِ على الخفَّين، وبه قال أبو ثور، وقال أصحابُنا كما قلنا. ولا حُجَّةَ في قول أحد دون رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقياسُ باطلٌ، وقول القائل: لَمَّا كان المسح على الخفَّين موقَّتًا بوقتٍ محدود في السَّفرِ ووُقِّتَ في الحضر، وجب أن يكون المسحُ على العمامة كذلك- دعوى بلا برهانٍ على صحَّتها، وقولٌ لا دليلَ على وجوبه، ويقال له: ما دليلُك على صحَّة ما تذكُرُ مِن أن يحكم للمسح على العمامة بمثل الوَقتينِ المنصوصينِ في المسحِ على الخفَّين؟ وهذا لا سبيل إلى وجودِه بأكثرَ مِن الدعوى، وقد "مسَحَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على العمامةِ والخِمارِ، ولم يوقِّتْ في ذلك وقتًا، ووقَّت في المسحِ على الخفَّين"، فيلزَمُنا أن نقول ما قال عليه السَّلام وأنْ لا نقولَ في الدِّين ما لم يقلْه عليه السَّلامُ؛ قال الله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا **البقرة: 229**). ((المحلى بالآثار)) (1/309). ، واختيارُ ابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (لا يُشتَرَط لها توقيت؛ لأنَّه لم يثبُت عن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه وقَّتَها، ولأنَّ طهارةَ العضوِ التي هي عليه أخفُّ من طهارةِ عضو الخُفِّ، فلا يُمكِنُ إلحاقُ هذا بهذا، فمتى كانت عليك فامسَحْ، وإذا لم تكن عليك فامسَحِ الرَّأس، ولا توقيتَ فيها. لكن لو سلَكْتَ سبيلَ الاحتياط فلم تمسَحْها إلَّا إذا لبِستَها على طهارةٍ وفي المدَّةِ المحدَّدة للخفَّين، لكان حَسَنًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/170). ؛ وذلك لأنَّه لا دليلَ على اشتراط التَّوقيتِ، ولا يصحُّ القياسُ على المسحِ على الخفَّينِ ((المحلى)) لابن حزم (1/309). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

اختلف أهل العلم في حُكمِ مَسحِ المرأةِ على خِمارِها الخمارُ هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ رَأْسَها، وهو للمرأةِ كالعِمامة للرَّجلِ. ينظر ((فتح الباري)) لابن حجر(8/490)، ((المصباح المنير)) للفيومي(1/181). على قولينِ:القول الأوّل: لا يجوزُ للمرأةِ أن تَمسَحَ على خمارِها؛ وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/95)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/5). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/299)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/267). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/410)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/60). ، وروايةٌ عند الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/204)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/222). ، وهو قولُ بعض السَّلَف قال ابن قدامة: (وممَّن قال: لا تَمسَحُ على خمارها: نافع، والنَّخعيُّ، وحمَّاد بن أبي سليمان، والأوزاعيُّ، وسعيد بن عبد العزيز). ((المغني)) (1/222). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6].وجه الدَّلالة: أنَّ الله أمَر بمسحِ الرَّأس، وإذا مَسحَت على الخِمار، فإنَّها لم تمسَحْ على الرَّأسِ؛ بل مسَحَت على حائلٍ، وهو الخِمارُ، فلا يجوزُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/239). . ثانيًا: أنَّه جاء الإذنُ بالمَسحِ على العِمامة، بينما لم يأتِ الإذنُ بالمَسحِ على الخِمارِ.القول الثاني: يجوزُ للمرأةِ أن تمسَحَ على خمارِها، وهذا مَذهَبُ الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/112)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/222). ، والظَّاهريَّة قال ابن حزم: (كلُّ ما لُبس على الرأس من عمامة أو خمار، أو قَلنسُوَة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأة والرَّجُل سواء في ذلك، لعلَّة أو غير علَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وهو قولٌ لبعضِ السَّلف قال ابن المُنذِر: (وفيه قول ثانٍ: في المرأة تمسَحُ على خمارها، رُوي عن أمِّ سلمة، أنَّها كانت تمسَحُ على الخمار، ورُوي ذلك عن الحسَنِ). ((الأوسط)) (1/471). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (إن كان عليها خمارٌ حنَّكَت به رأسَها ويشُقُّ عليها نزعُه، مسحت عليه يومًا وليلةً إذا كان لَبِسَتْه على طهارة، مثل الرجل إذا لَبِسَ العمامة على طهارةٍ، يوما وليلة يمسَحُ عليها يومًا وليلة بعد الحَدَث، إذا كانت عمامة مُحنَّكة؛ لأنَّ حَلَّها قد يشقُّ بعضَ المشقَّة، وهكذا الخمارُ المُحنَّك على المرأة، إذا حنَّكَته على رأسِها ولبسته على طهارةٍ فإنَّ لها أن تمسح يومًا وليلة كالخُفَّين، كما تمسح الخفين يومًا وليلة كالرجل، أما خمارٌ مطروح هكذا على الرأس عادي فهذا لا يُمسَحُ عليه، بل يُزالُ، ويُمسَح على الرأس، أو لَبِسَتها على غير طهارة لا تمسَح عليها، تُزيلُها، أو زاد عن الوقت يومًا وليلة تزيلُها كالرجل سواءً) ((فتاوى نور على الدرب- عناية الشويعر) (5/192)، وسئل أيضًا عن حكم مسح المرأةِ على الخمار عند غُسلِها من الجنابة، فقال: (أنَّ المعلومَ مِن الشَّرع المطهر، ومن كلام أهل العلم أنَّ المسحَ على الحوائِلِ مِن خُفٍّ وعمامةٍ وخمارٍ، لا يجوز في الجنابةِ بالإجماع، إنما يجوزُ في الوضوء خاصة؛ لحديث صفوان بن عسال رَضِيَ اللهُ عنه قال: «أمَرَنا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كنَّا مسافرين أن لا ننزِعَ خِفافَنا ثلاثةَ أيَّامٍ ولياليَهنَّ إلَّا من جنابةٍ، ولكِن مِن غائطٍ وبولٍ ونَومٍ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/168) وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (المشهورُ مِن مذهب الإمام أحمد، أنَّها تمسَحُ على الخمار إذا كان مُدارًا تحت حَلقِها؛ لأنَّ ذلك قد ورد عن بعضِ نِساء الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهنَّ، وعلى كلِّ حال فإذا كانت هناك مشقَّة؛ إمَّا لبرودةِ الجوِّ، أو لمشقَّة النَّزعِ واللَّف مرَّةً أخرى، فالتَّسامُحُ في مِثل هذا لا بأسَ به، وإلَّا فالأَولى ألَّا تمسَحَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/171)، ((الشرح الممتع)) (1/239). ، وذلك لأنَّه ملبوسٌ للرَّأس مُعتادٌ، يَشقُّ نَزعُه، فأشبَهَ العِمامةَ، بل هو أَوْلى؛ وذلك لأنَّ خمارَها يستُرُ أكثَرَ مِن عمامةِ الرَّجُل، وربَّما يشقُّ خَلعُه أكثَرَ، وحاجَتُها إليه أشدُّ مِن الخفَّينِ ((المغني)) لابن قدامة (1/222)، ((شرح العمدة لابن تيمية)) (1/135)، ((كشاف القناع)) (1/112، 113). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.

لا يصحُّ المسحُ على القلانِس القلانس: جمع قَلنسُوة، وهي عبارةٌ عن طاقيَّةٍ تُلَفُّ عليها العمامةُ، ((المخصص)) (1/392)، ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (7/2777). وفي المعجم الوسيط (2/754): (القلنسوة) لِباس للرَّأسٍ مختلِفُ الأنواع والأشكالِ. واستثنى بعضُهم كابن عثيمين ما يشقُّ نَزعُه؛ فقال: (الرَّاجح أنَّ كلَّ ما يشقُّ نزعُه، فإنَّه يُمسَحُ عليه، مِثل القلانس الكِبار، والقُبَّعات المبطَّنَات) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- التعليقات على الكافي)). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/157). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/298). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/463-464)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/53). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/170)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/62). ؛ وذلك لأن القلنسوة لم يرد بها النص وليست في حكم العمامة. انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكم مَسْح الرَّأس. المطلب الثَّاني: حُكم مسْح جميع الرَّأس . المطلب الثَّالث: مسْحُ ما نزل من شَعرِ الرَّأس. المطلب الرَّابع: عددُ مرَّات المسح.