الفرع الأوَّل: أنواعُ المِلْكِالمِلْكُ قِسمانِ:القسم الأوَّل: المِلْكُ التامُّ: هو المملوكَ رقبةً ويدًا ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/9)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/263). .وقيل: هو عبارةٌ عمَّا كان بيَدِه ولم يتعلَّقْ به غيرُه؛ يتصرَّفُ فيه على حَسَبِ اختيارِه، وفوائِدُه حاصلةٌ له ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/170). .ومثاله: عامَّةُ الأملاكِ الواردةِ على الأعيانِ المملوكةِ بالأسبابِ المقتَضِيَة لها؛ مِنْ بَيعٍ وهِبةٍ وإرثٍ، وغيرِ ذلك ((أحكام الزَّكاة ومسائلها المعاصرة من خلال شرط الملك)) لصالح المسلم (ص 38، 39). .القسم الثاني: المِلْكُ النَّاقِصُ: وهو أنواع:النوع الأوَّل: مِلْكُ الرَّقَبة دون مِلْك اليدِ، أي: مِلْكُ العينِ بدون منفعةٍ؛ مثل مَن أُوصِيَ له بشيءٍ، والمنفعةُ لشخصٍ آخَرَ.النوع الثاني: مِلْكُ اليدِ دون مِلْكِ الرَّقبة، أي: مِلكُ المنفعةِ بدون مِلْك العينِ؛ مثل من أُوصِيَ له بالمنافِعِ، أو مَن وُقِفَ له منافِعُ الشَّيءِ وثَمَراتُه.النوع الثالث: مِلْكُ الانتفاعِ المجرَّد، مِثل انتفاعِ المستأجِرِ بالعَينِ المستأجَرَةِ، ومنها مِلْكُ المُستعيرِ ((أحكام الزَّكاة ومسائلها المعاصرة من خلال شرط الملك)) لصالح المسلم (ص 36، 40). . الفرع الثاني: اشتراطُ المِلْك التامِّ في وجوبِ الزَّكاةيُشتَرَط المِلْكُ التامُّ لمال الزَّكاة عمومًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة نصَّ بعضُ الحنفيَّة أنَّ المِلْك التامَّ سبب للزَّكاة وليس شرطًا لها. ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/9)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/259). ، والمالكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (2/ 251)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/743)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/179). ، والشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/152)، ((الأم)) للشافعي (2/28). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 170)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/464)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/438). ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلم قال ابنُ قدامة: (وهو أنَّ الزَّكاة لا تجب إلا على حرٍّ مسلم تامِّ المِلك، وهو قولُ أكثرِ أهل العِلم، ولا نعلم فيه خلافًا إلَّا عن عطاء وأبي ثور؛ فإنهما قالا: على العبد زكاةُ ماله). ((المغني)) (2/464). قال ابنُ القاسم عند قول المؤلِّف:( (و) الرابع (استقرارُه) أي: تمام المِلك في الجملة) قال: (إجماعًا كسائِمةٍ وغلَّةِ أرضٍ، وشَجرٍ وُقِفَ على معيَّن، إن بلغت نِصابًا وليست مِلكًا تامًّا، فإنَّ معنى تمام المِلك ألَّا يتعلَّق به حقُّ غيرِه، بحيث يكون له التصرُّفُ فيه على حسَبِ اختياره، وفوائدُه عائدة عليه). ((حاشية الروض المربع)) (3/168). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة: 103]وجه الدَّلالة:قولُه: ((أموالهم)) فأضافها إلى أصحابِها، ولا يكون ذلك إلَّا إذا كانت مملوكةً لهم مِلكيَّةً تامَّةً.ثانيًا: أنَّ بَذْلَ الزَّكاةِ فيه تمليكُ المالِ لمستحِقِّه مِنَ الفقراءِ وغيرِهم، فإذا لم يكُنْ صاحِبُ الزَّكاة مالكًا لهذا المالِ مِلكًا تامًّا، فإنَّه لن يستطيعَ تمليكَ غيرِه مِن مُستحقِّي الزَّكاةِ عند بذلها. الفرع الثَّالث: زكاةُ المالِ غيرِ مقدورِ الانتفاعِ به مع قيامِ أصلِ المِلْك (المالُ الضِّمار) المسألة الأولى: مِن صُوَرِ المالِ الضِّمارِ المالُ الضِّمارُ: هو الغائِبُ الذي لا يُرجى، فإذا رُجِيَ فليس بضِمارٍ؛ مِن أضْمَرْتَ الشَّيءَ، إذا غَيَّبْتَه، فهو فِعالٌ بمعنى فاعلٍ، أو مُفعَل. يُنظر: تاج العروس (12/ 404). المال المفقود.المال السَّاقط في البحر.المال المغصوب.المال الذي صادَره السُّلطان.الدَّينُ المجحودُ إذا لم يكُنْ للمالك بيِّنةٌ وحال الحولُ، ثم صار له بيِّنةٌ بأن أقرَّ عند النَّاسِ.المال المدفون في الصَّحَراء إذا خَفِيَ على المالِك مكانُه ((العناية شرح الهداية))) للبابرتي (2/ 164)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/9). .المسألة الثانية: حُكمُ زكاةِ المالِ الضِّمارِ بعد استلامِهإذا استُلِمَ المالُ الضِّمارُ، فقد اختلفَ أهلُ العِلم في زكاتِه على أقوالٍ، أقواها قولانِ:القول الأوّل: لا زكاةَ في المالِ الضِّمارِ إذا عاد إلى صاحِبِه، ويستأنِفُ به حولًا جديدًا من اليومِ الذي قبَضَه فيه، وهذا مذهَبُ أبي حنيفةَ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/223). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/73)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/520، 521). ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ قال الزركشي: (وقد رُوِيَ عن عثمان وابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنْهُمَ أنهما قالا: لا زكاةَ في مال الضِّمار). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/521). وقال الكمال بن الهمام: (لنا قولُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: لا زكاةَ في مالِ الضِّمار). ((فتح القدير)) (2/166). وقال ابنُ حزم: (وقد جاء عن عثمان، وابن عمر: إيجاب الزَّكاة في المقدور عليه، فدل (ذلك) على أنهما لا يريان الزَّكاة في غير المقدور عليه، ولا مخالف لهما من الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم). ((المحلى بالآثار)) (4/ 209). واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ومَن تلِف مالُه أو غُصِبَه أو حِيل بينه وبينه؛ فلا زكاة عليه فيه، أيَّ نوعٍ كان من أنواعِ المال، فإن رجع إليه يومًا ما استأنَفَ (به) حولًا من حينئذ، ولا زكاةَ (عليه) لِمَا خلا؛ فلو زكاه الغاصِبُ ضمِنَه كلَّه، وضمن ما أخرَجَ منه في الزَّكاة؛ لأنَّه لا خلاف بين الأمَّة كلِّها في أنَّ صاحِبَ المال إن أحب أن يؤدِّيَ الزَّكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزَّكاة لا من غيره؛ كان ذلك له، ولم يكلَّف الزَّكاة (من سواه) ما لم يبِعْه هو أو يُخرِجْه عن مِلْكه باختياره، فإنَّه حينئذ يكلَّفُ أداءَ الزَّكاة من عند نفسه، فسقط بهذا الإجماعِ تكليفُه أداءَ زكاةٍ مِن عندِ نفسِه؛ ثم لَمَّا صحَّ ذلك، وكان غيرَ قادر على أداء الزَّكاة مِن نفسِ المال المغصوب، أو المُتلَف، أو الممنوع منه- سقط عنه ما عجز عنه من ذلك، بخلاف ما هو قادِرٌ على إحضاره واستخراجِه مِن مَدْفَنِه هو أو وكيله، وما سقط ببرهان لم يعُدْ إلَّا بنصٍّ أو إجماعٍ، وقد كانت الكفَّار يُغِيرونَ على سَرْحِ المسلمين في حياةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فما كلَّف قطُّ أحدًا زكاةَ ما أخذه الكفَّار من ماله. وقد يُسرَق المالُ ويُغصَب فيفرَّق ولا يدري أحدٌ مكانه، فكان تكليفُ أداءِ الزَّكاة عنه من الحرج الذي قد أسقَطَه الله تعالى؛ إذ يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ **الحج: 78**). ((المحلى)) (4/208). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا تجِبُ في دَينٍ مؤجَّلٍ، أو على مُعسِرٍ أو مماطِلٍ أو جاحدٍ، ومغصوبٍ ومسروقٍ وضالٍّ، وما دفَنَه ونَسِيَه أو جَهِلَ عند من هو، ولو حصل في يده، وهو روايةٌ عن أحمد، واختارها وصحَّحها طائفةٌ من الصحابة وقولُ أبي حنيفة). ((الفتاوى الكبرى)) (5/369). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِعمومُ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]. وجه الدَّلالةِ: أنَّ تكليفَ أداءِ زكاةِ ما مضى مِنَ السِّنينَ عن المالِ الضِّمارِ كالمسروق والمغصوب؛ مِنَ الحَرَجِ الذي قد أسقَطَه الله تعالى ((المحلى)) لابن حزم (4/208) رقم (690). . ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ وجبت في مقابَلَة الانتفاعِ بالنَّماءِ حقيقةً أو مَظِنَّةً، بدليلِ أنَّها لا تجِبُ إلَّا في مالٍ نامٍ، فلا تجب في العَقارِ ونحوه، وحقيقةُ النَّماءِ ومَظِنَّتُه منتفِيَةٌ ها هنا؛ لعدم القدرةِ على التصرُّفِ ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/521)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/166). .ثالثًا: أنَّ المالَ الضِّمارَ غيرُ منتفَعٍ به في حقِّ المالِك؛ لعدمِ وصولِ يَدِه إليه، والمالُ إذا لم يكُنْ مقدورَ الانتفاعِ به في حقِّ المالِك؛ لا يكونُ المالِك به غنيًّا، ولا زكاةَ على غيرِ الغَنيِّ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/9). . رابعًا: أنَّ مِن شروطِ وُجوبِ الزَّكاةِ في المال: المِلْكَ التَّامَّ، وهو غيرُ متحقِّقٍ فيه؛ إذ هو مملوكٌ رقبةً لا يدًا ((حاشية ابن عابدين)) (2/259، 260). ، فقد خرج عن يَدِه وتصرُّفِه، فلم تجِبْ عليه زكاتُه، كالمال الذي في يدِ مُكاتِبِه ((المغني)) لابن قدامة (3/73). .القول الثاني: أنَّه لا يجِبُ على مالكِه تزكيتُه وقتَ قَبضِه إلَّا لعامٍ واحدٍ، وهو مذهب المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/ 42)، ويُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/113)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/180). ، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ قال شمس الدين ابن قدامة: (وعن عُمرَ بنِ عبد العزيز والحسن والليث والأوزاعي ومالك: يزكِّيه إذا قبضه لعامٍ واحد؛ لأنَّه كان في ابتداءِ الحولِ في يده، ثم حصل بعد ذلك في يده، فوجب ألَّا تسقُطَ الزَّكاةُ عن حولٍ واحدٍ). ((الشرح الكبير)) (2/443). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (أمَّا إذا كان على مماطِلٍ أو مُعسرٍ، فلا زكاةَ عليه ولو بقِيَ عَشْرَ سنواتٍ؛ لأنَّه عاجزٌ عنه، ولكن إذا قبضه يُزكِّيه مرَّةً واحدةً في سنة القبضِ فقط، ولا يلزَمُه زكاةُ ما مضى. وهذا القول قد ذكره الشيخ العنقريُّ في حاشِيَته عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأحفادِه رحمهم الله، وهو مذهبُ الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الرَّاجِحُ).  ثم قال: (ومثلُ ذلك، المالُ المدفونُ المنسِيُّ، فلو أنَّ شخصًا دفن مالَه؛ خوفًا من السَّرِقة ثم نَسِيَه، فيزكيه سنةَ عُثورِه عليه فقط. كذلك المالُ المسروقُ إذا بَقِيَ عند السَّارِقِ عدَّة سنواتٍ، ثم قدَر عليه صاحِبُه، فيزكِّيه لسنةٍ واحدة، كالدَّين على المعسِر). ((الشرح الممتع)) (6/27، 28). .الأدلَّة:أوَّلًا: أنَّ الزَّكاة تجبُ في العَينِ بأن يتمكَّنَ مِن تنمِيَتِه، ولا تكونَ في يدِ غَيرِه، وهذا مالٌ قد زال عن يَدِه ومُنِعَ عن تنمِيَتِه، فلم تجِبْ عليه لِمَا مضى من السَّنواتِ ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/113). .ثانيًا: أنَّ المالَ قد نضَّ أي: تحوَّل عينًا بعد أن كان متاعًا. ((المصباح المنير)) للفيومي (2/610). في يَدِه في طرَفَيِ الحولِ، ولو كانت أحوالًا؛ فإنَّه حصل منها حولٌ واحدٌ نضَّ في طرَفَيه المالُ في يدِ صاحِبِه، ولا اعتبارَ بما بين ذلك؛ لأنَّ الغاصِبَ لو غصَبَه منه يومًا، ثم ردَّه إليه لم يُعتَبَر ذلك في إسقاطِ الزَّكاةِ عنه في ذلك الحولِ، فلو غصَبَه منه ثم حال الحَوْلُ لم تجِبْ عليه فيه زكاةٌ حتى يردَّه إليه، فثبت أنَّ الاعتبارَ بحُصولِ المالِ في يدِ صاحِبِه طَرَفَيِ الحولِ ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/113). . الفرع الرابع: زكاةُ المالِ الحرامالمسألة الأولى: تعريفُ المالِ الحرامِالمالُ الحرامُ: هو كلُّ مالٍ حظَر الشَّارِعُ اقتناءَه أو الانتفاعَ به، سواءٌ كان لحُرمَتِه لِذاتِه، بما فيه من ضررٍ أو خَبَثٍ، كالمَيْتَةِ والخَمر، أم لحُرمَتِه لغيره؛ لوقوعِ خللٍ في طريقِ اكتسابِه؛ لأخْذه مِن مالكِه بغير إذنِه كالغصبِ، أو لأخذِه منه بأسلوبٍ لا يقرُّه الشَّرعُ ولو بالرِّضا؛ كالرِّبا والرِّشوةِ ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الرابعة)) (ص607)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص101)، ((أبحاث فقهيَّة في قضايا الزَّكاة المعاصرة - أحكام المال الحرام، وحكم إخراج زكاته)) لمحمد الأشقر (1/79). . المسألة الثانية: زكاةُ المالِ الحرامِالمالُ الحرامُ لا تجِبُ فيه زكاةٌ، ولا تَبرأُ ذمَّتُه إلَّا بالتخلُّصِ منه؛ بردِّه إلى صاحِبِه إن عَرَفه، أو التصدُّقِ به عنه إن يَئِسَ مِن مَعرِفَته ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الرابعة)) (ص607). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/291، 5/99)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/154). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/431)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي)) (1/588). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (9/352)، ويُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/134). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/19)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/173). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (لا تُقبل صدقةٌ مِن مال حرام، بل يَكتسِبُ بذلك إثمًا زائدًا؛ لقولِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ)، فكلَّما تصرَّفَ في الحرامِ فقد زاد معصيةً، وإذا زاد معصيةً زاد إثمًا؛ قال الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ **النساء: 123**) ((المحلى)) (8/122). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (اختلفوا فيما يَفعَلُ بما غَلَّ إذا افترق أهلُ العسكرِ ولم يصِلْ إليهم؛ فقال جماعةٌ من أهل العِلم: يدفَعُ إلى الإمام خُمُسَه ويتصدَّق بالباقي، وهذا مذهب الزُّهري ومالك والأوزاعي والليث والثوري، ورُوي ذلك عن عُبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والحسن البصري، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس؛ لأنَّهما كانا يريان أن يتصدَّقَ بالمالِ الذي لا يعرِفُ صاحِبَه، وذكر بعضُ الناس عن الشافعي أنَّه كان لا يرى الصدقةَ بالمال الذي لا يعرف صاحِبَه، وقال: كيف يتصدَّق بمالِ غيره؟! وهذا عندي معناه فيما يمكنُ وجودُ صاحبه والوصولُ إليه أو إلى ورَثَتِه، وأمَّا إنْ لم يُمكِنْ شيءٌ من ذلك؛ فإنَّ الشافعي رحمه الله لا يكره الصَّدقةَ به حينئذٍ- إن شاء الله). ((التمهيد)) (2/24)، وينظر: ((تفسير القرطبي)) (4/260، 261). وقال ابنُ رجب: (الوجه الثاني من تصرُّفات الغاصب في المال المغصوب: أن يتصدَّقَ به عن صاحِبِه إذا عجز عن ردِّه إليه أو إلى وَرَثَته، فهذا جائزٌ عند أكثَرِ العلماء؛ منهم مالك، وأبو حنيفة، وأحمد وغيرهم). ((جامع العلوم والحكم)) (1/267). وقال ابنُ رجب: (لو تصدَّق الغاصِبُ بالمالِ؛ فإنَّه لا تقع الصدقةُ له ولا يُثاب عليه؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: (لا يَقبلُ اللهُ صلاةً بغير طُهورٍ، ولا صدقةً من غُلولٍ)، ولا يُثاب المالِكُ على ذلك أيضًا؛ لعدم نِسْبَتِه إليه، ذكره ابن عقيل في فنونه ونقل عنه، ونقل نحوه عن سعيد بن المسيَّب، ومن الناس من قال: يثابُ المالك عليه، ورجَّحه بعضُ شيوخنا؛ هذا الذي تولَّد من مال اكتسَبَه فيُؤجَر وإنْ لم يقصِدْه، كما يُؤجَر على المصائِبِ التي تولِّدُ له خيرًا، وعلى عملِ ولَدِه الصَّالِحِ، وعلى ما ينتفِعُ به النَّاسُ والدَّوابُّ مِن زَرْعِه وثِمارِه). ((القواعد)) لابن رجب (4/184). وقال ابنُ تيمية: (المالُ إذا تعذَّر معرفةُ مالِكِه صُرِفَ في مصالِحِ المسلمينَ عند جماهيرِ العلماءِ؛ كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيَدِ الإنسانِ غُصُوبٌ أو عَواريُّ أو ودائِعُ أو رُهونٌ قد يئس من معرفةِ أصحابها؛ فإنَّه يتصدَّق بها عنهم، أو يصرِفُها في مصالح المسلمين، أو يسلِّمُها إلى قاسِمٍ عادلٍ يَصْرِفها في مصالحِ المسلمينِ المصالحَ الشرعيَّة). ((مجموع الفتاوى)) (29/321). وقال ابنُ حجر: (قال القرطبيُّ: وإنَّما لا يقبَلُ اللهَ الصدقةَ بالحرامِ؛ لأنَّه غير مملوكٍ للمتصدِّقِ، وهو ممنوعٌ من التصرُّف فيه، والمتصدِّقُ به متصرِّفٌ فيه، فلو قُبِلَ منه لَزِمَ أن يكون الشيءُ مأمورًا منهيًّا من وجهٍ واحدٍ، وهو محالٌ). ((فتح الباري)) لابن حجر (3/279). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103].وجه الدَّلالة:أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الزَّكاةَ تطهِّرُ المزكِّيَ والمالَ المزكَّى، والمالُ الحرامُ غيرُ قابلٍ للتطهيرِ؛ لأنَّه خَبَثٌ فلا يَطْهُرُ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/248). . ثانيًا: من السُّنَّة1- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: إنِّي سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ، ولا صَدَقةٌ مِن غُلولٍ)) رواه مسلم (224). .وجه الدَّلالة:أنَّه نصَّ على أنَّه لا زكاةَ في الغُلولِ، والغُلولُ: هو الخيانةُ في المَغنَمِ، والسَّرقةُ مِنَ الغنيمةِ قبل القِسمَةِ ((النهاية)) لابن الأثير (3/380). .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمَرَ المؤمنينَ بما أمَرَ به المرسَلينَ، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]. ثم ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبَرَ، يمدُّ يَدَيه إلى السَّماءِ، يا ربِّ! يا ربِّ! ومَطعمُه حرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!)) رواه مسلم (1015). .ثالثًا: أنَّ مَن بِيَدِه مالٌ حرامٌ وجب عليه إخراجُه كلِّه؛ إمَّا ردًّا على المالِك إن عَرَفَه، أو صرفًا إلى الفُقراءِ إن لم يَعرِفِ المالِكَ ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/134)، وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/291). .رابعًا: أنَّ تمامَ المِلكِ مِن شُروطِ وُجوبِ الزَّكاة، والذي في يَدِه هذا المالُ الحرامُ لا يملِكُه ((أبحاث فقهيَّة في قضايا الزَّكاة المعاصرة أحكام المال الحرام، وحكم إخراج زكاته)) لمحمد الأشقر (1/90). .خامسًا: أنَّ الزَّكاةَ تَمليكٌ، وغيرُ المالِك لا يكونُ منه تمليكٌ ((حاشية الشلبي)) مع ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/250). . الفرع الخامس: زكاةُ الدَّينِ المسألة الأولى: زكاةُ الدَّينِ الذي لا يُرجى أداؤُه  لا تجِبُ زكاةُ الدَّينِ الذي لا يُرجى أداؤُه كالدَّين على مُعسِرٍ أو مماطِلٍ أو جاحدٍ. ينظر: ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 531)، ((المحلى)) لابن حزم (4/208)، ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/114)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/369)، ((منح الجليل)) لعليش (2/ 61). والدين الذي لا يرجى أداؤه عند الحنفية هو الدين المجحود إذا لم يكن عليه بينة. ينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/223). ، فإنْ قبَضَه فقد اختلف أهلُ العِلم في زكاته على أقوالٍ، أقواها قولان:القول الأوّل: إذا قبضه استأنَفَ له حولًا جديدًا مِن يومِ قَبضِه، وهذا مذهَبُ الحنفية قال ابن نجيم: (ومال الضمار هو الدين المجحود والمغصوب إذا لم يكن عليهما بينة فإن كان عليهما بينة وجبت الزكاة إلا في غصب السائمة فإنه ليس على صاحبها الزكاة وإن كان الغاصب مقرا  كذا في الخانية  وفيها أيضا من باب المصرف الدين المجحود إنما لا يكون نصابا إذا حلفه القاضي وحلف أما قبل ذلك يكون نصابا حتى لو قبض منه أربعين درهما يلزمه أداء الزكاة اهـ.  وعن محمد لا تجب الزكاة وإن كان له بينة لأن البينة قد لا تقبل والقاضي قد لا يعدل وقد لا يظهر بالخصومة بين يديه لمانع فيكون في حكم الهالك وصححه في التحفة كذا في غاية البيان وصححه في الخانية أيضا وعزاه إلى السرخسي، ومنه المفقود والآبق والمأخوذ مصادرة والمال الساقط في البحر والمدفون في الصحراء المنسي مكانه فلو صار في يده بعد ذلك فلا بد له من حول جديد لعدم الشرط) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/223)، وينظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/173)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/167). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/71)، ((الفروع وتصحيح الفروع)) لابن مفلح (3/447). ، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ قال ابنُ قدامة: (إحداهما: لا تجِبُ، وهو قول قتادة، وإسحاق، وأبي ثور، وأهل العراق؛ لأنَّه غيرُ مقدورٍ على الانتفاع به، أشبَهَ مالَ المكاتَب). ((المغني)) (3/71). وقال أيضًا: (وقال عكرمة: ليس في الدَّينِ زكاة. ورُوي ذلك عن عائشة وابنِ عمر رَضِيَ اللهُ عنهم). ((المغني)) (3/71). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ومَن تلِف مالُه أو غُصِبَه أو حِيل بينه وبينه؛ فلا زكاة عليه فيه، أيَّ نوعٍ كان من أنواعِ المال، فإن رجع إليه يومًا ما استأنَفَ (به) حولًا من حينئذ، ولا زكاةَ (عليه) لِمَا خلا؛ فلو زكاه الغاصِبُ ضمِنَه كلَّه، وضمن ما أخرَجَ منه في الزَّكاة؛ لأنَّه لا خلاف بين الأمَّة كلِّها في أنَّ صاحِبَ المال إن أحب أن يؤدِّيَ الزَّكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزَّكاة لا من غيره؛ كان ذلك له، ولم يكلَّف الزَّكاة (من سواه) ما لم يبِعْه هو أو يُخرِجْه عن مِلْكه باختياره، فإنَّه حينئذ يكلَّفُ أداءَ الزَّكاة من عند نفسه، فسقط بهذا الإجماعِ تكليفُه أداءَ زكاةٍ مِن عندِ نفسِه؛ ثم لَمَّا صحَّ ذلك، وكان غيرَ قادر على أداء الزَّكاة مِن نفسِ المال المغصوب، أو المُتلَف، أو الممنوع منه- سقط عنه ما عجز عنه من ذلك، بخلاف ما هو قادِرٌ على إحضاره واستخراجِه مِن مَدْفَنِه هو أو وكيله، وما سقط ببرهان لم يعُدْ إلَّا بنصٍّ أو إجماعٍ، وقد كانت الكفَّار يُغِيرونَ على سَرْحِ المسلمين في حياةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فما كلَّف قطُّ أحدًا زكاةَ ما أخذه الكفَّار من ماله. وقد يُسرَق المالُ ويُغصَب فيفرَّق ولا يدري أحدٌ مكانه، فكان تكليفُ أداءِ الزَّكاة عنه من الحرج الذي قد أسقَطَه الله تعالى؛ إذ يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ **الحج: 78**). ((المحلى)) (4/208) رقم (690). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا تجِبُ في دَينٍ مؤجَّلٍ، أو على مُعسِرٍ أو مماطِلٍ أو جاحدٍ، ومغصوبٍ ومسروقٍ وضالٍّ، وما دفَنَه ونَسِيَه أو جَهِلَ عند من هو، ولو حصل في يده، وهو روايةٌ عن أحمد، واختارها وصحَّحها طائفةٌ من الصحابة وقولُ أبي حنيفة). ((الفتاوى الكبرى)) (5/369). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لأنَّ هذا المالَ غيرُ موثوقٍ بحصوله، فهو يُشبِهُ الدَّين على المعسِر، والصحيح: أنَّه لا تجِبُ فيه زكاة حتى يقبِضَه صاحبُه ويستقبِلَ به حولًا جديدًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/40). ، وبه صدَرَ قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ بجُدَّةَ ضمِنَ قراراتِ وتوصيات مجمَعِ الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (تجب الزَّكاةُ على رَبِّ الدَّين بعد دَوَرانِ الحول من يوم القبضِ، إذا كان المَدينُ مُعسِرًا أو مماطِلًا). ((مجلة المجمع الفقهي- العدد الثاني)). .الأدلَّة: أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].وجه الدَّلالة: أنَّ في تكليفِ أداءِ الزَّكاةِ للمالِ الذي كان في حُكْمِ الميؤُوسِ منه حَرجًا، وقد أسقَطَه الله تعالى ((المحلى)) (4/208) رقم (690). .ثانيًا: مِنَ الآثارِ  عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (ليس في الدَّينِ زكاةٌ) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (4/100)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/163) من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها موقوفًا. وحسَّنه الألباني في ((إرواء الغليل)) (784) .ثالثًا: أنَّه لا خلافَ بين الأمَّة في أنَّ صاحِبَ المال إن أحبَّ أن يؤدِّيَ الزَّكاة من نفْسِ المالِ الذي وجَبَت فيه الزَّكاة كان ذلك له، ولم يكلَّفِ الزَّكاةَ مَن سواه، ولَمَّا كان غيرَ قادرٍ على أداءِ الزَّكاةِ مِن نفسِ المالِ؛ سقط عنه ما عجز عنه من ذلك ((المحلى)) لابن حزم (4/208) رقم (690). .رابعًا: أنه مالٌ غير نامٍ، فلم تجِبْ زكاتُه، كعُروضِ القُنيَةِ القِنية: (المال الذي يُؤثِّلُه الرجلُ ويلَزَمُه ولا يبيعه ليستغلَّه؛ كالذي يقتني عقدةً تغِلُّ عليه ويبقى له أصلُها، وأصلُه مَنْ قَنيتُ الشَّيءَ أقناه: إذا لزِمْتَه وحَفِظْتَه، ويقال: قَنَوتُه أقنوه بهذا المعنى؛ قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى **النجم: 48** أي: أعطى قِنيةً مِنَ المال يبقى أصلُها وتزكو منافِعُها ورِيعُها، كالإبِلِ والغَنَمِ تُقتنى للنتاج وما أشبهها، فينتفِعُ مُقتنيها بنَسْلِها وألبانها وأوبارِها، وأصلُها باقٍ له). ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للهروي (ص: 109). ((المغني)) لابن قدامة (3/71). .خامسًا: أنَّه مالٌ لم يكُن مقدورًا على الانتفاعِ به، فأشبَهَ مالَ المُكاتَبِ ((المغني)) لابن قدامة (3/71). .القول الثاني: أنَّه يزكِّيه إذا قبَضَه لعامٍ واحدٍ، وهذا مذهَبُ المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/ 61)، ويُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/114)، ((حاشية الصاوي)) لأحمد بن محمد الخلوتي (1/632). ، وهو قولُ بعضِ السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وعن عمر بن عبد العزيز، والحسن، واللَّيث، والأوزاعي، ومالك: يزكِّيه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ). ((المغني)) (3/71). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (أمَّا إذا كان على مماطِلٍ أو مُعسرٍ، فلا زكاةَ عليه ولو بقِيَ عَشْرَ سنواتٍ؛ لأنَّه عاجزٌ عنه، ولكن إذا قبضه يُزكِّيه مرَّةً واحدةً في سنة القبضِ فقط، ولا يلزَمُه زكاةُ ما مضى. وهذا القول قد ذكره الشيخ العنقريُّ في حاشِيَته عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأحفادِه رحمهم الله، وهو مذهبُ الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الرَّاجِحُ) ((الشرح الممتع)) (6/27، 28) .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ مِن شَرْطِ وجوبِ الزَّكاة: القدرة على الأداءِ، فمتى قدَرَ على الأداءِ زكَّى ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/28). .ثانيًا: أن الزَّكاة لو وجبتْ فيها في كلِّ عامٍ، ونَماؤُها بيَدِ غيرِه له؛ لأدَّى ذلك إلى أنْ تستهلِكَها الزَّكاةُ؛ ولهذا الوجهِ لم تجِبِ الزَّكاةُ في أموالِ القِنيةِ؛ لأنَّه لو وجب فيها الزَّكاةُ لاستهلَكَتْها، والزَّكاةُ إنما هي على سبيلِ المواساةِ في الأموالِ التي تَمَكَّنَ من تنمِيَتِها، فلا تُفْنِيها الزَّكاةُ في الأغلب ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/114). .ثالثًا: إنما كان عليه زكاتُها زكاةً واحدةً ولو مكثَتْ عَشْرَ سنينَ؛ لأنَّ الاعتبارَ أن ينِضَّ نضَّ الثَّمَنُ: حصل وتعجَّلَ؛ يقال ما نضَّ بيدي منه شيءٌ، أي: ما حصل. ونَضَّ يَنِضُّ نضيضًا: إذا أمكَنَ وتيسَّرَ. ((تاج العروس)) للزَّبيدي (19/ 73)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 610). بيَدِه في طَرَفَيِ الحَوْلِ، وهذه المدَّةُ التي كان المالُ في يَدَيِ المَدينِ لم يَنِضَّ المالُ في يدِ المالِك إلَّا في أوَّلِها وآخِرِها، فصارت بمنزلةِ حَولٍ واحدٍ ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/114). . المسألة الثانية: زكاةُ الدَّينِ على المَليءِ الباذِلإذا كان الدَّينُ على مليءٍ باذلٍ؛ فإنَّه تجِبُ زكاتُه على مالِكِه لكلِّ عامٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ منَ الحنفيَّة للحنفيَّة تفصيلٌ أطوَلُ في المسألة، وتقسيمٌ للدَّينِ إلى ثلاثة أقسام، لكلِّ قسمٍ حُكم مستقلٌّ. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 223)، ويُنظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/173)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/167). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/335)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/131). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/450)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/70، 71).    .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ القاري، قال: (كنتُ على بيتِ المالِ زمنَ عُمَرَ بنِ الخطَّاب، فكان إذا خرج العطاءُ جَمع أموالَ التجَّارِ، ثمَّ حسَبَها شاهِدَها وغائِبَها، ثم أخذ الزَّكاةَ مِن شاهِدِ المالِ على الشَّاهِدِ والغائِبِ) رواه القاسم بن سلام في ((الأموال)) (887)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1686) صححه ابن حزم في ((المحلى)) (5/234) .ثانيًا: أنَّ الدَّينَ على مليءٍ؛ مملوكٌ له يقدِرُ على الانتفاعِ به، وبإمكانِه الوصولُ إليه، فهو بمنزلةِ ما في يَدِه، فلزِمَتْه زكاتُه، كسائِرِ أموالِه ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 531)، ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/173). . المسألة الثالثة: تأخيرُ إخراجِ زكاةِ الدَّينِ إلى وقتِ القَبضِيجوز تأخيرُ إخراجِها إلى أن يقبِضَ دَينَه، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 305)، ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/173)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/167). ، والحَنابِلَة ((الفروع وتصحيح الفروع)) لابن مفلح (3/450)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/70، 71). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (فإن كان مليئًا باذلًا فعليك زكاته كلَّما حال الحَوْلُ، ولا مانِعَ من تأخير إخراجِه حتى تقبضَه منه، ثم تزكيه عمَّا مضى من السَّنواتِ، ولكن زكاتُه كلَّ سَنة أفضَلُ وأحوَطُ؛ حذرًا من الموتِ أو النِّسيانِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/43). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (والصحيح: أنَّه تجِبُ الزَّكاةُ فيه كلَّ سَنة، إذا كان على غنيٍّ باذلٍ؛ لأنَّه في حُكم الموجودِ عندك؛ ولكن يؤدِّيها إذا قبض الدَّين، وإن شاء أدَّى زكاتَه مع زكاةِ ماله، والأوَّلُ رُخصة، والثاني فضيلة، وأسرَعُ في إبراءِ الذمَّة). ((الشرح الممتع)) (6/27). ، وبه صدَرَ قرارُ نَدَواتِ قضايا الزَّكاة المعاصرة ضمن قرارات ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة: (للدَّائِنِ أن يؤخِّرَ إخراجَ الزَّكاةِ عن الدَّينِ المؤجَّلِ الذي وجبَتْ عليه زكاتُه إلى حين استيفائِه كليًّا أو جزئيًّا، فإذا استوفاه أخرَجَ زكاته عن المدَّة الماضية محسومًا منها المدَّة التي تعذَّر عليه فيها استيفاؤه إن وُجِدَت). ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الحادية عشرة والثانية عشرة)) (2/406) .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنه دَينٌ ثابتٌ في الذمَّة، فلم يلزَمْه الإخراجُ قبل قَبضِه، كما لو كان على مُعسِرٍ ((المغني)) لابن قدامة (3/71). .ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ تَجِبُ على طريقِ المواساةِ، وليس مِنَ المواساة أن يُخرِجَ زكاةَ مالٍ لا ينتفِعُ به ((المغني)) لابن قدامة (3/71). .ثالثًا: هناك احتمالٌ بأنْ يتلَفَ مالُ مَن عليه الدَّينُ، أو يَعسُرُ، أو يُجحَد نسيانًا أو ظلمًا، فلمَّا كان هذا الاحتمالُ قائمًا؛ رُخِّص له أن يؤخِّرَ إخراجَ الزَّكاة حتى يقبِضَه ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/26). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أن يكون المالُ ممَّا تِجبُ فيه الزَّكاة. المطلب الثالث: مُضيُّ الحَوْلِ. المطلب الرابع: بلوغُ النِّصابِ . المطلب الخامس: حُكْمُ الزَّكاةِ في المالِ العامِّ .

الفرع الأوَّل: اشتراطُ مرورِ الحَوْلِ في وجوبِ الزَّكاةِيُشتَرَط حَوَلانُ الحَوْلِ المعتبَر شرعًا في الزَّكاة هو الحَوْلُ القَمريُّ، قال القرطبي: (قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا **التوبة: 36** هذه الآية تدلُّ على أنَّ الواجِبَ تعليقُ الأحكامِ مِنَ العباداتِ وغيرِها؛ إنما يكون بالشُّهور والسِّنينَ التي تعرِفُها العَرَب، دون الشُّهورِ التي تعتَبِرُها العَجَم والرُّوم والقِبْط، وإن لم تَزِدْ على اثنَي عَشَرَ شهرًا؛ لأنَّها مختلفةُ الأعدادِ، منها ما يزيد على ثلاثين، ومنها ما ينقُص، وشهورُ العرب لا تَزيد على ثلاثينَ، وإن كان منها ما ينقص). ((تفسير القرطبي)) (8/133). وقال ابنُ تيميَّة: (قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ **البقرة: 189** فأخبر أنَّها مواقيتُ للنَّاس، وهذا عامٌّ في جميعِ أمورهم، وخصَّ الحجَّ بالذكِّر تمييزًا له... فجعل اللهُ الأهلَّةَ مواقيتَ للناس في الأحكام الثابتة بالشرع ابتداءً، أو سببًا من العبادة، وللأحكامِ التي تثبُتُ بشروط العَبدِ. فما ثبت من المؤقتاتِ بشرع أو شرط فالهلالُ ميقاتٌ له، وهذا يدخُلُ فيه الصيام والحجُّ، ومدةُ الإيلاءِ والعدَّة، وصومُ الكفَّارة... وكذلك صوم النذر وغيره. وكذلك الشروط من الأعمال المتعلِّقة بالثَّمن ودَين السَّلَم، والزَّكاة، والجِزية، والعقل، والخيار، والأيمان، وأجَل الصَّداق، ونجومُ الكتابة، والصُّلح عن القِصاص، وسائر ما يُؤجَّلُ منِ دَين وعَقدٍ وغيرهما). ((مجموع الفتاوى)) (25/133، 134). ونقل ابنُ حزمٍ عدمَ الخلاف على ذلك، فقال: (أمَّا قولُنا: أن يكون الحَوْلُ عربيًّا فلا خلاف بين أحدٍ من الأمَّة في أنَّ الحول اثنا عشر شهرًا، وقال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ **التوبة: 36**. والأشهُر الحُرُم لا تكون إلا في الشهور العربية، وقال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ **البقرة: 189**، وقال الله تعالى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ **يونس: 5**، ولا يُعَدُّ بالأهلَّة إلَّا العام العربي؛ فصحَّ أنه لا تجب شريعةٌ مؤقَّتة بالشُّهورِ أو بالحول إلَّا بشهور العرب، والحول العربي). ((المحلى)) (4/76). ، في زكاةِ النَّقْدينِ، والأنعامِ، وعُرُوضِ التِّجارة.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ 1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (ليس في المالِ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ) أخرجه أحمد (1265)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (7023)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (10214)، والدارقطني (1892). قال ابن حزم في ((المحلى)) (6/39): ثابت، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقِه على المسند (2/311)، وحسن إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (377). .2- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (مَن استفادَ مالًا فلا زكاةَ فيه حتى يحولَ عليه الحَوْلُ عند ربِّه) رواه الترمذي (632)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (7030)، والدارقطني (1895)،  والبيهقي (4/104) (7572). قال الترمذي: (هذا أصحُّ من حديث عبد الرحمن بن زيد [يعني المرفوع]، وقال البيهقي في ((السنن الصغير)) (2/48): (رُوي من وجهٍ آخَرَ ضعيفٍ مرفوعًا)، وصصحه المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (3/27)، وصحَّح إسنادَه موقوفًا الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (632): وقال: (وهو في حُكم الرفع). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقل الإجماعَ على اشتراطِ مرورِ الحَوْلِ في وجوبِ الزَّكاةِ: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمعوا على أنَّ المالَ إذا حال عليه الحَوْلُ أنَّ الزَّكاةَ تجب فيه). ((الإجماع)) لابن المُنْذِر (ص: 47). وقال أيضًا: (أجمعوا على أنَّ الزَّكاة تجب في المال بعد دخول الحَوْلِ، فمن أدَّى ذلك بعد وجوبِه عليه؛ أنَّ ذلك يُجزئ عنه). ((الإجماع)) لابن المُنْذِر (ص: 47). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ولإجماعِ الأمَّة على وجوبها عند الحَوْلِ، ولم يُجمعوا على وجوبِها قبله). ((المحلى)) (4/215) رقم (693). وقال أيضًا: (اتَّفقوا على أنَّ الزَّكاة تتكرَّر في كلِّ مالٍ عند انقضاء كلِّ حول، حاشا الزَّرع والثِّمار؛ فإنهم اتَّفقوا أنْ لا زكاةَ فيها إلَّا مرةً في الدهرِ فقط). ((مراتب الإجماع)) (ص: 38). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أمَّا زكاة الزرع والثمار والحبوب؛ فيجب أداؤها في حين الحَصادِ والجَذاذِ بعد الدَّرس والذَّرِّ، ويُعتَبَر وجوب ذلك فيمن مات عن زَرعِه أو باعه، أو عن نَخْلِه بالإزهاءِ وبُدُوِّ الصَّلاحِ في التَّمر، وبالاستحصادِ واليبس والاستغناء عن الماء في الزَّرع، وهذا إجماع من العلماء لا خلاف فيه إلَّا شذوذٌ. وأمَّا زكاة الإبل والبقر والغَنَم فتجب أيضًا بتمامِ استكمال الحولِ والنِّصاب، وعلى هذا جماعةُ العلماء إلَّا ما رُوي عن مالكٍ أنه قال: إنما تجب بمرورِ الساعي مع تمام الحَوْلِ، وهذا معناه عند أهل الفهم أنَّ الساعيَ كان لا يَخرُج إلَّا بعد تمامِ مرور الحَوْل، فكان علامةً لاستكمالِ الحَوْل. وأمَّا الذهب والورِق فلا تجب الزَّكاةُ في شيءٍ منها إلَّا بعد تمام الحَوْلِ أيضًا، وعلى هذا جمهورُ العلماء، والخلافُ فيه شذوذ لا أعلَمُه إلا شيءٌ رُوي عن ابنِ عبَّاس ومعاوية؛ أنهما قالا: مَن مَلَك النِّصاب من الذَّهَب والورِق وجَبَت عليه الزَّكاة في الوقت، وهذا قولٌ لم يعرِّج عليه أحدٌ مِنَ العلماء، ولا قال به أحدٌ من أئمَّة الفتوى إلَّا رواية عن الأوزاعي) ((التمهيد)) (20/155). ، وابنُ رُشد قال ابنُ رشد: (وأمَّا وقتُ الزَّكاةِ؛ فإنَّ جمهورَ الفُقهاءِ يشترطون في وجوبِ الزَّكاة في الذَّهَب والفِضَّة والماشية الحَوْلَ؛ لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، ولانتشارِ العَمَل به، ولاعتقادِهم أنَّ مِثلَ هذا الانتشارِ من غير خلاف، ولا يجوز أن يكون إلَّا عن توقيفٍ. وقد رُوي مرفوعًا من حديثِ ابنِ عُمَرَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ))، وهذا مُجمَع عليه عند فقهاء الأمصار). ((بداية المجتهد)) (1/270). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (فإنَّ الأموالَ الزكاتيَّة خمسةٌ: السَّائمةُ من بهيمةِ الأنعامِ، والأثمانُ؛ وهي الذهب والفضَّة، وقِيَمُ عُروضِ التِّجارة، وهذه الثلاثة الحَوْلُ شرطٌ في وجوبِ زكاتِها. لا نعلم فيه خلافًا). ((المغني)) (2/467). ، ووُصِفَ القولُ بعدمِ اشتراطِه بالشُّذوذِ ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (20/155)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/270)، ((المجموع)) للنووي (5/361). .مسألة: إذا ادَّعى أنَّه لم يَحُلْ عليه الحولُ  صاحبُ المالِ مُصدَّقٌ إذا ادَّعى أنَّه لم يَحُلْ عليه الحولُ، أو أنَّه أدَّى الزَّكاةَ، إلَّا إذا كان متَّهمًا.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:   نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ عبدِ البَرِّ [185] قال ابن عبد البَرِّ: (وقد أجمع العُلماء على أنَّه مُصدَّق فيما يدَّعيه من نُقصان الحول إذا قال لهم: لم أستفدْ هذا المالَ إلَّا منذ أشهر، ولم يحُلْ عليَّ فيه حولٌ، وكذلك إذا قال: قد أديتُ، لم يُحلَّف، إلَّا أن يُتَّهم). ((الاستذكار)) (3/166). . الفرع الثاني: إذا تعسَّر الحَوْلُ القَمَريُّ إذا تعسَّر مراعاةُ الحَوْلِ القَمريِّ- بسببِ ربْط ميزانيَّة الشَّرِكة أو المؤسَّسة بالسَّنةِ الشَّمسيَّة- فإنَّه يجوزُ مراعاةُ السَّنة الشمسيَّة، وتزدادُ النِّسبةُ المذكورةُ بنسبة عددِ الأيَّامِ التي تزيد بها السَّنةُ الشَّمسيَّة على القمريَّةِ، فتكون النِّسبةُ عندئذ (2.577 في المائة)، وبهذا صدرَ قرارُ نَدَوات قضايا الزَّكاةِ المعاصِرةِ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص 20). . الفرع الثالث: المالُ المستفادُ أثناءَ الحَوْل  المسألة الأولى: تعريفُ المالِ المُستفادِالمالُ المُستفادُ: هو المالُ الذي يدخُلُ في مِلكيَّة الشَّخصِ بعد أنْ لم يكنْ، سواءٌ كان من النَّقْدَين، أو من العَقارِ، أو من النَّعَمِ، أو غير ذلك، وهو يشمَلُ الدَّخلَ المنتظِمَ للإنسانِ مِن راتبٍ أو أجْرٍ، كما يشمَلُ المكافآتِ والأرباحَ العارضةَ، والهباتِ والإرثَ، ونحوَ ذلك ((فقه الزَّكاة)) للقرضاوي (1/164). . المسألة الثانية: حُكمُ زكاةِ المالِ المُستفادِأوَّلًا: إذا كان المالُ المُستفادُ نِصابًا أو بلغ ما معه بالمُستفادِ نِصابًاإذا كان المالُ المُستفادُ نِصابًا ولا مال له سواه، أو كان له مالٌ مِن جِنْسِه لا يبلغُ نِصابًا فبَلَغَ بالمستفاد ِنِصابًا، فهذا ينعقِدُ عليه الحَوْلُ مِن هذا الوقتِ، فإذا تمَّ الحَوْلُ وَجَبَت الزَّكاةُ فيه ((المغني)) لابن قدامة (2/467). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). .وجه الدَّلالة:أنَّه قبل أن يستفيدَ المالَ لم يملِكْ نِصابًا، فلم تجِبْ عليه الزَّكاةُ، فإذا استفاد المالَ، وبلغ مالُه نِصابًا؛ فإنَّها تجِبُ عليه الزَّكاة حينئذٍ، ويبدأ انعقادُ حَولِه. ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم على أنَّ الرجل إذا استفاد مالًا ممَّا يُعتَبَر له الحَوْل، ولا مالَ له سواه، وكان نِصابًا، أو كان له مالٌ مِن جِنْسِه لا يبلغ نِصابًا فبلغ بالمستفادِ نِصابًا، انعقد عليه حولُ الزَّكاةِ مِن حينئذٍ، فإذا تمَّ الحَوْلُ وجبت عليه الزَّكاة). ((الإشراف)) (3/53). وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (فإنَّهم أجمعوا على أنَّ المالَ إذا كان أقلَّ من نِصابٍ واستُفيدَ إليه مالٌ مِن غيرِ ربحِه، يَكْمُلُ من مجموعِهما نِصَابٌ: أنَّه يستقبلُ به الحَوْلَ مِن يومِ كَمُل). ((بداية المجتهد)) (1/271). .ثانيًا: أن يملِكَ نِصابًا مِن غيرِ المالِ المُستفادِفهذا المالُ المُستفادُ له ثلاثُ صُوَرٍ:الصورةُ الأولى: أن يكونَ المالُ المستفادُ مِن نَماءِ المالِ الذي معه، كرِبْحِ التِّجارة، ونِتاجِ السَّائمةِ، فهذا يضمُّه إلى أصلِه، ويَعتَبِرُ حولَه حولَ الأصْلِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أهل العِلم أنَّ الرَّجلَ إذا كان عنده نِصابٌ، ويكون المستفادُ مِن نَمائِه كربحِ مالِ التِّجارة ونتائِجِ السائمة، يجب ضمُّه إلى ما عنده مِن أصلِه، فيَعتَبِر حولًا بحَوْلِه). ((الإشراف)) (3/53). والبَغَويُّ قال البغويُّ: (واتَّفقوا على أنَّ النِّتاجَ يُضمُّ إلى الأصلِ في الحَوْلِ، وكذلك حولُ الرِّبحِ يبتني على حولِ الأصلِ في زكاة التِّجارة، فإذا تمَّ حولُ الأصلِ فعليه أن يزكِّيَ عن الكلِّ). ((شرح السنة)) (6/29). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (فإن كان متفرِّعًا من الأصل أو حاصلًا بسببه، يُضمُّ إلى الأصلِ، ويزكَّى بحولِ الأصلِ بالإجماع). ((بدائع الصنائع)) (2/13). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (أن يكون المستفادُ مِن نَمائِه كربحِ مال التِّجارة ونِتاجِ السائمة، فهذا يجب ضمُّه إلى ما عندَه من أصله، فيعتبر حَوله بِحَوْلِه. لا نعلمُ فيه خلافًا). ((المغني)) (2/468). ، والقرطبيُّ قال القرطبي: (ولا يُراعى كمالُ النِّصابِ في أوَّل الحَوْل، وإنَّما يُراعى عند آخِرِ الحَوْلِ؛ لاتِّفاقهم أنَّ الرِّبحَ في حُكم الأصلِ). ((تفسير القرطبي)) (8/124). وقال أيضًا: (وكذلك اتَّفقوا أنَّه لو كان له أربعونَ مِنَ الغنم، فتوالدت له رأسَ الحَوْلِ، ثم ماتت الأمهاتُ إلَّا واحدةً منها، وكانت السِّخالُ تتمَّةَ النِّصابِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ تخرج عنها) ((تفسير القرطبي)) (8/124). ، والعينيُّ قال العينيُّ: (المستفاد على نوعين؛ الأوَّل: أن يكون مِن جِنْسِه، كما إذا كانت له إبِلٌ فاستفاد إبِلًا في أثناء الحَوْل؛ يضمُّ المستفادَ إلى الذي عنده فيزكِّي عن الجميعِ، والثاني: أن يكون مِن غيرِ جِنْسِه كما إذا كان له إبِلٌ واستفاد بَقَرًا أو غنمًا في أثناء الحَوْلِ، لا يضمُّ إلى الذي عنده بالاتِّفاقِ، بل يُستأنَفُ له نوعٌ آخَرُ. والنوع الأوَّل على نوعين أيضًا؛ أحدهما: أن يكون المستفادُ مِنَ الأصلِ كالأولادِ والأرباحِ؛ فإنَّه يُضَمُّ بالإجماع. والثاني: أن يكون مُستفادًا بسببٍ مقصودٍ؛ كالموروثِ والمشترَى والموهوبِ ونحوها، فإنَّه يُضمُّ عندنا). ((البناية شرح الهداية)) (3/353). .ثانيًا: أنه تبَعٌ له مِن جِنسِه، فأشبَهَ النَّماءَ المتَّصِلَ ((المغني)) لابن قدامة (2/468)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/288). .ثالثًا: أنَّه مِن نَماءِ النِّصابِ وفوائِدِه، فلم يتفرَّدَ بالحَوْل ((المجموع)) للنووي (5/370)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/378). .رابعًا: أنَّ السَّائمةَ يختلفُ وقتُ وِلادَتِها، فإفرادُ كلٍّ بحولٍ يشقُّ، فجُعِلَت تبعًا لأُمَّاتِها أُمَّات جمع أمٍّ، وتُجمَع أيضًا على أُمَّهاتٍ؛ وقيلَ: الأُمَّهاتُ للنَّاسِ، و (الأُمَّاتُ) للبَهَائِم. انظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/1863)، ((تاج العروس)) للزبيدي (31/231)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 22). ، كما تَبِعَتْها في المِلْك ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/395). .خامسًا: أنَّ المستفادَ مِن ربحِ التِّجارة ممَّا يكثُرُ وجودُه؛ لكثرةِ أسبابِه، فيعسُرُ اعتبارُ الحَوْل لكلِّ مُستفادٍ.سادسًا: أنَّ المسلمينَ مِن عَهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذونَ زَكاةَ العُروضِ والسَّائمةِ دونَ السُّؤالِ عن وقتِ حُدوثِ المُستفادِ.الصورة الثانية: أن يكون المالُ المُستفادُ مِن غيرِ جِنسِ مالِهإذا كان المالُ المستفادُ مِن غيرِ جِنْسِ المالِ الذي عنده، كأنْ يكونَ مالُه إبلًا فيستفيد ذَهَبًا أو فضَّةً؛ فهذا النَّوعُ لا يُزكَّى عند حَوْلِ الأصلِ، بل ينعقِدُ حَولُه يومَ استفادَتِه إن كانَ نِصابًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للعيني (2/195)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/13). ، والمالكيَّة (((حاشية الدسوقي)) (1/432)، ويُنظر: (شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/149). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/365)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/118). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/178)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/468). ، وبه قال عامَّةُ أهلِ العِلم قال ابنُ قدامة: (أن يكون المستفادُ مِن غيرِ جِنس ما عنده، فهذا له حُكمُ نفْسِه، لا يُضمُّ إلى ما عنده في حَولٍ ولا نِصاب، بل إنْ كان نِصابًا استقبَلَ به حولًا وزكَّاه، وإلَّا فلا شيءَ فيه. وهذا قولُ جمهور العلماء. ورُوي عن ابن مسعودٍ وابن عباس ومعاوية أنَّ الزَّكاةَ تجب فيه حين استفادَه. قال أحمد عن غيرِ واحدٍ: يزكِّيه حين يستفيدُه. وروى بإسنادِه عن ابن مسعود، قال: كان عبدُ الله يُعطينا ويزكِّيه. وعن الأوزاعي فيمَن باع عبدَه أو دارَه، أنَّه يزكِّي الثَّمَن حين يقع في يدِه إلَّا أن يكونَ له شَهْرٌ يُعلَمُ، فيؤخِّره حتى يزكِّيَه مع ماله. وجمهورُ العلماء على خلافِ هذا القول؛ منهم أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌ رَضِيَ اللهُ عنهم). ((المغني)) (2/468). ، وحُكيَ فيه عدم الخلاف قال الكاسانيُّ: (جملةُ الكلامِ في المستفاد أنَّه لا يخلو إمَّا إن كان مستفادًا في الحَوْل، وإمَّا إن كان مستفادًا بعد الحَوْل، والمستفادُ في الحَوْلِ لا يخلو إمَّا إن كان من جنسِ الأصل، وإمَّا إن كان من خلافِ جِنسِه؛ فإن كان من خلافِ جنْسِه كالإبل مع البقر، والبقر مع الغنم، فإنَّه لا يُضمُّ إلى نِصاب الأصل، بل يستأنِفُ له الحَوْلَ بلا خلافٍ). ((بدائع الصنائع)) (2/13). قال البابرتيُّ: (المستفاد على ضربين: من جنس الأصلِ، ومن خلافِ جنسه، والثاني لا يُضمُّ بالاتِّفاقِ، كما إذا كان له إبلٌ فاستفاد في أثناء الحَوْل بَقَرًا أو غنمًا، وإنما يُستأنَفُ له حولٌ بذاتِه). ((العناية شرح الهداية)) (2/195). قال الخرشيُّ: (ثم إنَّ ضمَّ الفائدةِ للنِّصابِ مقيَّدٌ بما إذا كانت مِن جِنْسِه، أمَّا لو كانت بخلافِ جِنْسِه، كإبل وغنم؛ لكان كلُّ مالٍ على حَولِه اتفاقًا). ((شرح مختصر خليل)) (2/149). قال الدسوقيُّ: (ثم إنَّ ضمَّ الفائدةِ للنِّصابِ مقيَّد بما إذا كانت من جنسه، وأمَّا لو كانت مِن غير جِنسه، كإبلٍ وغَنَمٍ؛ لكان كلٌّ على حَولِه اتِّفاقًا). ((حاشية الدسوقي)) (1/432). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه قَولُ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ الأربعةِ: أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعثمانَ، وعليٍّ- رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ ((المغني)) لابن قدامة (2/468). .ثانيًا: أنَّ المالَ المستفادَ مُخالِفٌ لِمَا عِندَه من المال حقيقةً وحُكمًا، فكان لكلِّ مالٍ نِصابُه الخاصُّ به وحَوْلُه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/178). .الصورة الثالثة: أن يكون عنده نقودٌ بلَغَتِ النِّصابَ وحالَ عليها الحَوْلُ، واستفاد نقودًا أخرى بلغَتِ النِّصابَ أيضًا، بسببٍ مستقلٍّ، كهبةٍ أو مكافأةِ نهايةِ الخِدمةِ مكافأةُ نهايةِ الخِدمة: هي مبلغ ماليٌّ مقطوعٌ يستحقُّه العامِلُ على ربِّ العَمَل في نهاية خِدمَتِه، بمقتضى القوانينِ والأنظمة، إذا توافَرِتِ الشروط المحدَّدة فيها. ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة - الندوة الخامسة)) (ص: 504). ؛ فهذا يزكِّي المالَ الأوَّلَ لحَوْلِه، ويزكِّي المالَ الثَّانيَ لحَوْلِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لمحمد عليش (2/5)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/432). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/367)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/379). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/395)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/468).  أمَّا إنْ كان المستفادُ شهريًّا كالرَّواتبِ والإيجاراتِ؛ فله أن يزكِّي جميعَ ما يملِكُه من النقودِ حينما يحولُ الحَوْلُ على أوَّلِ نِصابٍ مَلَكَه منها. ينظر: ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة)) (9/280). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الضمَّ في الحَوْلِ: إمَّا لأنَّه متولِّدٌ مِن مالِه، فيَتبَعُه في الحَوْلِ؛ لأنَّه مُلِك بمِلْكِ الأصلِ وتولَّد منه فيَتبَعُه؛ كالسِّخال المستولَدةِ في أثناء الحَوْلِ؛ وإمَّا لأنَّه متفرِّعٌ منه، كرِبْحِ مالِ التِّجارة. والمستفادُ بمِلْكٍ جديدٍ ليس مملوكًا بما مَلَكَ به ما عنده، ولا تفرَّعَ عنه؛ فلم يُضَمَّ إليه في الحَوْلِ ((المجموع)) للنووي (5/367)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/379). .ثانيًا: سببُ الضمِّ في النِّصابِ أنَّ كِليهما دخَلَ في ذمَّةٍ واحدةٍ، فصار صاحِبُها بهما غنيًّا، والنِّصابُ يتبَعُ الغِنَى؛ لأنَّ مقصودَه أن يبلُغَ المالُ حدًّا يحتمِلُ المواساةَ، وهو بكثرةِ المال، بخلافِ الحَوْلِ؛ فإنَّ مقصودَه إرفاقُ المالِك ((المجموع)) للنووي (5/367)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/379). .الفرع الخامس: التصرُّفُ في المالِ قَبل الحَول يجوزُ التَّصرُّفُ في المالِ كيفما شاءَ بيعًا أو هِبةً، أو غيرَ ذلك قَبل حلولِ الحَول، ما لم يكُن حيلةً لإسقاط الزَّكاة.الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:   نقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ بطَّالٍ [216] قال ابنُ بطَّال: (أجمع العلماءُ أنَّ للرجُل قبل حلولِ الحول التصرُّفَ في مالِه بالبيع، والهِبة، والذَّبح، إذا لم ينوِ الفرارَ من الصَّدقة). ((شرح صحيح البخاري)) (8/314). وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/331). ، والقُرطبيُّ [217] قال القرطبيُّ: (أجمع العلماءُ على أنَّ للرجُل قَبل حلول الحول التصرُّفَ في مالِه بالبيع والهِبة، إذا لم ينوِ الفرارَ من الصدقة). ((تفسير القرطبي)) (9/236). ، والعَينيُّ [218] قال العينيُّ: (وقد قام الإجماعُ على جوازِ التصرُّف قبل دخولِ الحولِ كيف شاء). ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (24/110). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أن يكون المالُ ممَّا تِجبُ فيه الزَّكاة. المطلب الثاني: المِلْكُ التامُّ. المطلب الرابع: بلوغُ النِّصابِ . المطلب الخامس: حُكْمُ الزَّكاةِ في المالِ العامِّ .

الفرع الأوَّل: تعريفُ النِّصابِالنِّصابُ هو قَدْرٌ مِنَ المالِ رتَّب الشارعُ وجوبَ الزَّكاةِ على بلوغِه، فلا تجِبُ الزَّكاةُ في أقلَّ منه، وهو يختلِفُ باختلافِ المالِ الزَّكَويِّ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/254)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص: 19)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/16). . الفرع الثاني: اشتراطُ بلوغِ النِّصابِيُشتَرَطُ بلوغِ النِّصابِ في الزَّكاة.الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقةٌ، وليس فيما دونَ خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ)) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979). .ثانيًا: أجمَعَ العلماءُ على ذلك في غير الزُّروعِ والثِّمارِ والمعادِن.نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ من كان عنده أقلُّ من النِّصاب من كلِّ شيء يزكَّى؛ فإنَّه لا زكاةَ عليه ما لم يكن خليطًا، على اختلافِهم في النِّصاب) ((مراتب الإجماع)) (37). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (زكاةُ الماشية والنَّقْد والتِّجارة، فلا يجوز تعجيلُ الزَّكاة فيه قبل مِلْك النِّصاب، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/146). وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (ولا يجوز تعجيلُ الزَّكاةِ قبل مِلْك النِّصَاب، بغير خلافٍ عَلِمْناه) ((المغني)) (2/471). .ثالثًا: ما دُونَ النِّصابِ لا يحتمِلُ المواساةَ، فلم تجِبْ فيه زكاةٌ ((المجموع)) للنووي (5/359)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/16). . الفرع الثالث: قدْرُ النِّصابِالنِّصابُ: مقدارٌ من المالِ معيَّنٌ شرعًا لا تجِبُ الزَّكاةُ في أقلَّ منه، والنِّصابُ للذَّهبِ عِشرونَ مثقالًا، وتساوي (85) جرامًا من الذَّهَب الخالِصِ، ونِصابُ الفِضَّة مِئَتا درهمٍ، وتساوي (595) جرامًا من الفضَّة الخالصةِ، ونِصابُ الزُّروعِ والثِّمارِ خَمسةُ أوسُقٍ، وتُعادِل (612) كيلوجرامًا من القَمْحِ ونحوه، ونِصابُ الإبِلِ خَمْسٌ، ونِصابُ البَقَرِ ثلاثونَ، ونِصابُ الغَنَمِ أربعونَ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص 19). . الفرع الرابع: الوقتُ الذي يُعتَبَرُ فيه النِّصَابُيجِبُ أن يُوجَدَ النِّصابُ كاملًا في جميعِ الحَوْلِ؛ فإنْ نقَصَ النِّصَابُ لحظةً مِنَ الحَوْلِ؛ انقطع الحَوْل، فإنْ كَمَلَ بعد ذلك استُؤنِفَ الحَوْلُ مِن حينِ يَكمُلُ النِّصَابُ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/82)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لمحمد عليش (2/4). ، والشافعيَّة استثنى الشافعيَّة زكاةَ التِّجارة؛ فالمعتَبَرُ فيها آخِرُ الحَوْلِ، وذلك لكثرةِ اضطرابِ القِيَم. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/19)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/234). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/246)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/395). ، وهو قَولُ زُفَرَ من الحنفيَّة قال ابنُ الهمام: (وشرَطَ زُفَرُ كمالَه مِن أوَّلِ الحَوْل إلى آخِرِه، وبه قال الشافعيُّ في السَّوائِم والنَّقْدين، وفي غيرهما اعتُبِرَ آخِرٌ فقط). ((فتح القدير)) (2/221). .وذلك لأنَّ وُجودَ النِّصَابِ في جميعِ الحَوْلِ شَرْطٌ للوُجوبِ، ولم يوجَدْ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/178). . الفرع الخامس: هل يَمنَعُ الدَّينُ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ؟لا يمنَعُ من عليه دَّينُ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/ 344)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) العمراني (3/147). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حزم: (وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما). ((المحلى)) (4/219) رقم (695). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309). ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عبيد: (يَذهَبُ الآخَرُ إلى أنَّها وإن كانت كذلك، فإنَّها مالٌ من مالِه يملِكُه، فجعلها مكان دَينِه، ورأى أنَّ عليه زكاةَ الألفِ العَينِ. وهذا عندي هو القول؛ لأنه السَّاعةَ مالكٌ لزيادة ألفٍ عينٍ على مبلغِ دَينه، ألا ترى أنه لو لم يكُنْ له الألفُ كان لغريمه أن يأخُذَه بالدَّينِ حتى تباعَ العروضُ له؟). ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 536، 537). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (القول الثالث: تجب الزَّكاةُ في الجميع؛ لِمَا ذكرناه من الأدلَّة على وجوبِ الزَّكاة في الأموالِ الظاهرة، ولو كان على أربابِها دَين، ولأنَّ الأدلَّة الدالَّة على وجوب الزَّكاة في الأموالِ الظاهرة والباطنة ليس فيها ما يدلُّ على مراعاة الدَّينِ، فوجب التعميمُ، وهذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وحمَّاد بن أبي سليمان، والشافعي في الجديد، وهو الصواب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/49، 50). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الأرجح عندي: أنَّ الزَّكاةَ تجِبُ في المال ظاهرًا أو باطنًا، ولو كان على صاحبه دَينٌ يستوعِبُه؛ وذلك لعموم الأدلَّة الدالَّة على وجوب الزَّكاة في الأموال، وكونِنا نعلِّلُ بأن الزَّكاة مواساة، لا يوجِبُ تخصيص هذه العمومات، والزَّكاة تُلاحَظُ فيها العبادةُ أكثَرَ ممَّا تلاحَظ المواساةُ؛ لأنها ركن من أركان الإسلام، والمواساة علَّةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/37). وقال: (والذي أرجِّحه: أنَّ الزَّكاةَ واجبة مطلقًا، ولو كان عليه دَينٌ يَنقُصُ النِّصَابَ، إلَّا دَينًا وجب قبل حلولِ الزَّكاة فيجب أداؤُه ثم يزكِّي ما بَقِيَ بعده، وبذلك تبرأُ الذمَّة، ونحن إذا قلنا بهذا القولِ نحثُّ المدينينَ على الوفاءِ. فإذا قلنا لِمَن عليه مئة ألفٍ دَينًا، ولديه مئة وخمسون ألفًا، والدَّينُ حالٌّ: أدِّ الدَّينَ، وإلَّا أوجَبْنا عليك الزَّكاةَ بمِئَةِ الألف، فهنا يقول: أؤدِّي الدَّينَ؛ لأنَّ الدَّينَ لن أؤدِّيه مرَّتينِ. وهذا الذي اخترناه هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز). ((الشرح الممتع)) (6/35). . الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقولُ الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]وجه الدَّلالة: أنَّ عُمومَ النصِّ يدلُّ على وجوبِ الزَّكاةِ في المالِ، سواءٌ كان عليه دَينٌ أو لم يكُنْ ((المحلى)) لابن حزم (4/220) رقم (695). .ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يبعَثُ العمَّالَ الذين يقبِضونَ الزَّكاةَ مِن أصحابِ المواشي، ومِن أصحابِ الثِّمارِ، ولا يأمُرُهم بالاستفصالِ هل عليهم دَينٌ أم لا؟ مع أنَّ الغالِبَ أنَّ أهلَ الثِّمارِ عليهم ديونٌ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ مِنْ عادَتِهم أنهم يُسْلِفونَ في الثِّمارِ السَّنةَ والسَّنتينِ، فيكون على صاحِبِ البُستانِ دَينُ سَلَفٍ، ومع ذلك كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرِصُ عليهم ثمارَهم، ويُزَكُّونَها ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30). .ثالثًا: إطلاقُ النُّصوصِ التي جاءت بالأمرِ بالزَّكاةِ، أمَّا إسقاطُ الدَّينِ مِنَ الزَّكاة؛ فلم يأتِ به قرآنٌ، ولا سُنَّة صحيحةٌ ولا سقيمةٌ، ولا إجماعٌ ((المحلى)) لابن حزم (4/220) رقم (695)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/132)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30). .رابعًا: أنَّ الزَّكاةَ تتعلَّق بعَينِ المالِ المملوكِ والمتصرَّفِ فيه، لا بما في ذمَّةِ المزكِّي ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((المجموع)) للنووي (5/343)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/32). .خامسًا: أنَّه مالكٌ لِمَا بِيَدِه، ويجوز تصرُّفه فيه؛ فوجَبَ أن يلزَمَه إخراجُ زكاتِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أن يكون المالُ ممَّا تِجبُ فيه الزَّكاة. المطلب الثاني: المِلْكُ التامُّ. المطلب الثالث: مُضيُّ الحَوْلِ. المطلب الخامس: حُكْمُ الزَّكاةِ في المالِ العامِّ .

الفرع الأوَّل: تعريفُ المالِ العامِّهو المالُ المُرصَدُ للنَّفْعِ العامِّ، دون أن يكونَ مملوكًا لشخصٍ معيَّنٍ أو جهةٍ معيَّنة، كالأموالِ العائدةِ على بيتِ مالِ المسلمينَ (الخِزانة العامَّة للدُّوَل)، وما يُسمَّى اليومَ بالقِطاعِ العامِّ، وينطبق هذا على أموالِ المؤسَّساتِ العِلميَّةِ والخيريَّةِ والاجتماعيَّةِ وما في حُكْمِها ((أحكام وفتاوى الزَّكاة)) من فتاوى ندوات الزَّكاة قضايا الزَّكاة المعاصرة (الندوة الثامنة) سنة (1998م) (ص 101). . الفرع الثاني: حُكْمُ زكاةِ المالِ العامِّلا تجِبُ الزَّكاةُ في الأموالِ العامَّةِ، وبهذا صدر قرارُ اللَّجنة الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (بناءً على ما ذُكِرَ من أنَّ أموالَ المؤسَّسة المذكورة ليستْ مِلكًا لأحد، بل هي أموالٌ خيريَّة معدَّة للإنفاقِ في أوجه البرِّ العامَّة؛ من الدعوةِ إلى الإسلام، وإنشاءِ المساجد، وإنفاقٍ على الفقراء؛ فإنَّ اللَّجنة الدَّائمة تُفتي بأنَّه لا زكاة فيها، ولا في ما شابَهَها من الأموال التي لا تُملَك لأحدٍ، ومُعَدَّة للإنفاق في وجوه البرِّ العامَّة؛ لكونها- والحال ما ذُكِرَ- في حُكْمِ الوقف). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/294). ، ونَدَوات قضايا الزَّكاةِ المعاصِرةِ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة)) من فتاوى ندوات الزَّكاة قضايا الزَّكاة المعاصرة (الندوة الثامنة) سنة (1998م) (ص 101). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الأموالَ العامَّةَ ليس لها مالِكٌ معيَّنٌ، وشرطُ وُجوبِ الزَّكاةِ المِلْكُ التامُّ: مِلْكُ الرَّقَبةِ، ومِلْكُ اليَدِ، ومِلْكُ التصرُّفِ في المالِ، وأن تعودَ فوائِدُه له ((ندوات قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الثامنة)) (ص: 422). .ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ تمليكٌ، والتَّمليكُ في غيرِ المِلْك لا يُتصَوَّر ((حاشية الشلبي)) مع ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/252). . الفرع الثالث: حُكْمُ المالِ العامِّ الذي يُستَثْمَرُالمالُ العامُّ الذي يُستثمَرُ ليُدِرَّ رِبحًا عن طريقِ مؤسَّساتٍ عامَّةٍ مملوكةٍ بالكامِلِ للدَّولةِ، لا تجِبُ فيه الزَّكاةُ، وبه أفتَتِ النَّدوةُ الثالثةَ عشرةَ لقضايا الزَّكاةِ المعاصِرَةِ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة)) من فتاوى ندوات الزَّكاة قضايا الزَّكاة المعاصرة (الندوة الثالثة عشر) سنة (2004م) (ص 102). ؛ وذلك لأنَّه يُشتَرَط لوجوبِ الزَّكاةِ فيها أن تكون مملوكةً مِلكًا تامًّا لِمُعيَّنٍ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة)) من فتاوى ندوات الزَّكاة قضايا الزَّكاة المعاصرة (الندوة الثالثة عشر) سنة (2004م) (ص 102). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: أن يكون المالُ ممَّا تِجبُ فيه الزَّكاة. المطلب الثاني: المِلْكُ التامُّ. المطلب الثالث: مُضيُّ الحَوْلِ. المطلب الرابع: بلوغُ النِّصابِ .