التعزيَةُ [9097] التعزية هي التَّصبيرُ، وذِكْرُ ما يُسَلِّي صاحِبَ الميِّتِ، ويخَفِّف حُزْنَه، ويُهَوِّن مُصيبته. ((الأذكار)) للنووي (ص 148). وتحصُلُ التَّعزيةُ بأيِّ وسيلةٍ من وسائل الاتِّصالِ الحديثةِ؛ كاتِّصالٍ بالهاتف، أو رسالةِ جوال، أو بريد إلكتروني، إلَّا إذا كانوا من الأقارب القَريبينَ فلا بُدَّ من زيارتهم والذَّهاب إليهم إن تَيَسَّرَ ذلك. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/408)، ((نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/261). أمَّا التَّعزيةُ في الصُّحُف والمجلَّات فينبغي تَرْكُها، لأنَّ فيها تبذيرًا وإضاعةً للمال الكثيرِ، ومن أهل العلم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ ذلك من النعْيِ المنهيِّ عنه. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/408)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/343 مستحَبَّةٌ [9098] من عادات العزاءِ التي لا أصْلَ لها في الشَّرْعِ وهي من البِدَع المحدثة: قراءةُ الفاتحةِ عند لقاءِ المُعَزَّى، واجتماعُهم على القراءةِ، ونَصْب سُرادقاتٍ [المكان الذي يجتمعُ النَّاسُ فيه للمأتمِ] للعزاءِ، وجَلْب قُرَّاءٍ يتناوبونَ على القراءةِ بأَجْرٍ أو بغير أجرٍ، وإقامةُ الولائِمِ إذا مات المَيِّت، إلى غير ذلك. ينظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/508)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/318)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/354)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/354)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (9/136)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص256، 257، 261) . ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [9099] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 228)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/240). ، والمالِكيَّة [9100] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/229). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/129). ، والشَّافعيَّة [9101] ((المجموع)) للنووي (5/305)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/354). ، والحَنابِلَة [9102] ((الفروع)) لابن مفلح (3/403)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/159). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [9103] قال ابن قدامة: («ويُستَحَبُّ تعزيةُ أهْلِ الميِّتِ» لا نعلم في هذه المسألَةِ خلافًا إلَّا أنَّ الثوريَّ قال: لا تُستَحَبُّ التعزيةُ بعد الدَّفْنِ؛ لأنَّه خاتِمَةُ أمْرِه). ((المغني)) (2/405). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ جاءه رسولُ إحدى بناتِه يدعوه إلى ابنِها في المَوتِ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ارجِعْ، فأخْبِرْها أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ، وله ما أعطى، وكُلُّ شيءٍ عنده بأجَلٍ مُسَمًّى، فمُرْها فَلْتَصبِرْ ولْتَحتسِبْ، فأعادتِ الرَّسولَ أنَّها أقسَمَتْ لَتَأتِيَنَّها، فقام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقام معه سعدُ بنُ عُبادةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، فدُفِعَ الصبيُّ إليه ونَفْسُه تَقَعقَعُ كأنَّها في شَنٍّ، ففاضَتْ عيناه، فقال له سعدٌ: يا رسولَ اللهِ! قال: هذه رحمةٌ جَعَلَها اللهُ في قلوبِ عِبادِهِ، وإنَّما يَرحَمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحَماءَ)) [9104] أخرجه البخاري (7377) واللفظ له، ومسلم (923). .2- عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبيه، قال: ((كان نبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس يجْلِسُ إليه نفَرٌ من أصحابه، وفيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيه مِن خَلْفِ ظهرِه، فيُقْعِدُه بين يديه، فهَلَك فامتنَعَ الرَّجُلُ أن يحضُرَ الحلقَةَ لذِكْرِ ابنِه، فحَزِنَ عليه، ففَقَدَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: مالي لا أرى فلانًا؟ قالوا: يا رسولَ الله، بُنَيُّه- الذي رأيتَه- هَلَكَ، فلَقِيَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسأله عن بُنَيِّه، فأخبَرَه أنَّه هَلَكَ، فعَزَّاه عليه..)) [9105] أخرجه النسائي (2088)، والطبراني (19/31) (66)، والبيهقي (7340) حسن إسناده النووي في ((الأذكار)) (199)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2088). .3- عن عمرِو بنِ حزمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من مُؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبةٍ إلَّا كَسَاه اللهُ من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ)) [9106] أخرجه ابن ماجه (1601) واللفظ له، وعبد بن حُميد في ((مسنده)) (287)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5296)، والبيهقي (7338). حسَّنَ إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (197)، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/164): فيه إرسال، ووثَّقَ رجالَ إسنادِه ابنُ الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/615)، وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/286): إسناده فيه مقال، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/371): كل رجاله ثقاتٌ إلا قيسًا أبا عمارة؛ ففيه لِينٌ، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1601). .ثانيًا: لأنَّ التعزيةَ مشتَمِلَةٌ على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَر، وهي داخلةٌ أيضًا في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [9107] ((الأذكار)) للنووي (ص 148). قال النووي: (وهذا أحسَنُ ما يُستَدَلُّ به في التعزيَةِ). [المائدة: 2]. انظر أيضا: المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟. المطلب الخامس: ما يُقالُ في التعزيَةِ.

يُكْرَه تَكرارُ التعزيةِ [9108] قال ابن عثيمين: (ولكنْ هل تُكَرَّر التعزيةُ بمعنى: أنَّك إذا عَزَّيْتَه اليومَ ثم رأيتَه من الغَدِ، هل تُعيدُ التعزيَةَ عليه؟ أقول: إن وُجِدَ سببٌ فنعم، فمثلًا: لو عزَّيْتَه اليومَ، وأتيتَه من الغَدِ ووجَدْتَ الرَّجُلَ ما زال حزينًا، وما زالَ يبكي مثلًا، فإني أقولُ له: يا أخي، اتَّقِ اللهَ عَزَّ وجلَّ، ولا تؤذِ الميِّتَ؛ لأنَّ المَيِّت يُعَذَّبُ ببكاءِ أَهْلِه عليه، ولكنْ ليس تعذيبَ عقوبةٍ بل تعذيبَ تألُّمٍ وضِيقِ نَفْسٍ، وما أشبه ذلك. فصار الخلاصةُ: أنَّها لا تختَصُّ بأحدٍ، وإنَّما تشمَلُ كلَّ مُصابٍ، ولا تختصُّ بمكانٍ، ولا تختصُّ بزَمَنٍ؛ ما دام أثَرُ المصيبةِ باقيًا فعَزِّه، أمَّا تَكرارُها فكما عَلِمْتُم إنِ دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك، وإلَّا فلا تُكَرَّر). ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم 98). ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [9109] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/207)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 228). ، والحَنابِلَة [9110] ((الإنصاف)) المرداوي (2/395)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/160). ، وذلك لحصولِ الغَرَضِ من التعزِيَةِ؛ ولما فيه من تجديد الحزن [9111] ((فيض القدير)) للمناوي (4/366). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟. المطلب الخامس: ما يُقالُ في التعزيَةِ.

يجوزُ تعزيةُ الكافرِ بالمسلمِ، وبالكافرِ الذِّميِّ [9112] استثنى بعضُ أهلِ العِلْمِ الحربيَّ والمرتَدَّ فلا يُعَزَّيانِ إلَّا أن يُرجَى إسلامُهما. ينظر: ((حاشية البجيرمي على المنهاج)) (5/78). ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [9113] ((البناية)) للعيني (12/244)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/388). ، والمالِكيَّة [9114] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/229)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/41،42). قال الحطَّاب: (وأمَّا المسألةُ المُخَرَّج عليها، وهي تعزيةُ الكافِرِ بوَلِيِّهِ الكافِرِ بجواره، فليس فيها إلا قولُ مالِكٍ وسحنون؛ أنَّه يُعَزَّى به، وكلام الشيخ زروق في شرح الإرشاد موافِقٌ لكلام ابن عرفة؛ فإنَّه صَدَّرَ في أوَّلِ كلامِه بتعزيةِ الكافِرِ في وَلِيِّه، ولم يَحْكِ فيه خلافًا). ، والشَّافعيَّة [9115] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/145)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/355) ويُندَب عندهم تعزيتهُ إن رُجِي إسلامُه. ، وروايةٌ عن أحمدَ [9116] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/259)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/397)، جاء في ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (9/132): (يجوز ذلك خاصَّةً إذا كان القَصْدُ من التعزِيَةِ تَرْغِيبَهم في الإسلامِ أو دَفْعَ أذاهم عنه، أو عن المسلمين). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُمُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فمَرِضَ فأتاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُه، فقَعَدَ عند رأَسْه، فقال له: أَسْلِمْ، فنظَرَ إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أَطِعْ أبا القاسِمِ، فأسْلَمَ، فخَرَجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو يقول: الحمْدُ لله الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ)) [9117] أخرجه البخاري (1356). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عاد يهوديًّا وهو كافِرٌ، فدَلَّ على جوازِ تَعزيَةِ الكافِرِ [9118] ((المغني)) لابن قدامة (2/406). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟. المطلب الخامس: ما يُقالُ في التعزيَةِ.

يُستحَبُّ أنْ يُعَزَّى جميعُ أقارِبِ الميِّتِ [9119] ومِن أهْلِ العِلْمِ مَن ذَهَبَ إلى أنَّه يُستحَبُّ تعزيةُ كلِّ من أُصيبَ بفَقْدِ المَيِّت؛ كصديقِ المَيِّت وجارِه. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/40)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/41)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/159). ؛ أهلُه الكبارُ والصِّغارُ، الرِّجالُ والنِّساءُ، إلَّا أن تكونَ المرأةُ شابَّةً؛ فلا يُعَزِّيها إلَّا محارِمُها، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [9120] ((حاشية ابن عابدين)) (2/240)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 410). ، والمالِكيَّة [9121] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/40). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/667). ، والشَّافعيَّة [9122] ((المجموع)) للنووي (5/305)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/354). ، والحَنابِلة [9123] ((الفروع)) لابن مفلح (3/404، 403)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/258). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعمومُ قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاهُ بمصيبتِهِ إلَّا كساهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ)) [9124] أخرجه ابن ماجه (1601) واللفظ له، وعبد بن حُميد في ((مسنده)) (287)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5296)، والبيهقي (7338). حسَّنَ إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (197)، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/164): فيه إرسال، ووثَّقَ رجالَ إسنادِه ابنُ الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/615)، وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/286): إسناده فيه مقال، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/371): كل رجاله ثقاتٌ إلا قيسًا أبا عمارة؛ ففيه لِينٌ، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1601). .ثانيًا: لا تُعَزَّى الشَّابَّةُ لخوفِ الفِتنةِ [9125] ((المغني)) لابن قدامة (2/405). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الخامس: ما يُقالُ في التعزيَةِ.

ليس في التَّعزيةِ ألفاظٌ مخصوصةٌ وعباراتٌ مُعيَّنةٌ [9126] قال الشافعي: ( ليس في التعزيةِ شيءٌ مُؤَقَّت). ((الأم)) (1/317). وقال ابن قدامة: (ولا نعلمُ في التعزيةِ شيئًا محدودًا). ((المغني)) (2/405). وقال النووي: (وأمَّا لفظةُ التعزيةِ، فلا حَجْرَ فيه، فبأيِّ لَفْظٍ عزَّاه حَصَلَت). ((الأذكار)) للنووي (ص: 150) وقال الحطَّاب ناقلًا عن ابن حبيب: (والقولُ في ذلك- أي في ألفاظِ التعزية- واسعٌ، إنَّما هو على قَدْرِ منطِقِ الرَّجُلِ وما يحضُره في ذلك مِنَ القَوْلِ). ((مواهب الجليل)) (3/38). وينظر: ((حاشية الدسوقي)) (1/419). وقال ابن باز: (ليس فيها لفظٌ مخصوصٌ، بل يُعَزِّي المسلمُ أخاه بما تيسَّرَ من الألفاظِ المُناسِبة). ((مجموع الفتاوى)) (13/380) ، بل يُعَزِّي المسلمُ أخاه بما تَيَسَّرَ من عباراتٍ حسنةٍ تُحقِّقُ المقصودَ [9127] ومن هذه الألفاظِ التي ذَكَرَها الفقهاءُ في التعزيةِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ وأحْسَنَ عزاءَك وغَفَرَ لميِّتك، ونحو ذلك. يُنظَر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع ((حاشية الشلبي)) (1/246)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/667)، ((المجموع)) للنووي (5/306)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/381). وعنِ ابنِ عُمَرَ وابن الزبير أنَّهما كانا يقولان في التعزية: أعقَبَكَ منه عقبى صالحةً؛ كما أعقَبَ عباده الَّصالحين. حسَّن إسناده ابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/143). قال النووي: (وأحسَنُ ما يُعزَّى به، ما رُوِّينا في « صحيحَيِ البخاري (7377) ومسلم (923) عن أُسامَةَ بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: ((أرسَلَتْ إحدى بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليه تدعوه وتُخْبِرُه أنَّ صبيًّا لها أو ابنًا في الموتِ، فقال للرسولِ: ارْجعْ إلَيْها فأخْبِرْها أنَّ لِلَّهِ تَعالى ما أخَذَ، وَلَهُ ما أعْطَى، وكلُّ شيء عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمَّى، فمُرْها فَلْتصبرْ وَلْتَحتسبْ). ((الأذكار)) (ص 150). وفي ((الفتاوى الهندية)) (1/167): (وأحْسَنُ ذلك تعزيةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّ لله ما أخَذَ، وله ما أعطى، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُسَمًّى). قال الألباني: (وهذه الصيغةُ من التعزية وإنْ وَرَدَتْ فيمن شارفَ الموتَ، فالتعزيةُ بها فيمن قد مات أَوْلَى بدلالةِ النَّصِّ). ((أحكام الجنائز)) (1/164). وقال ابن عثيمين: ((ما جاءت به السُّنَّةُ أولى وأحسَنُ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/339). وقال ابن باز: (أمَّا إذا كان المَيِّت كافرًا فلا يُدْعَى له، وإنَّما يُعَزَّى أقاربُه المسلمونَ بنحوِ الكلماتِ المذكورة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13 /380). ويُقالُ في تعزيةِ المسلمِ إذا كان المَيِّتُ كافرًا: أعظَمَ اللهُ أَجْرَك وأحسَنَ عزاءك، وفي تعزية الكافِرِ إذا كان المَيِّت مُسلمًا، أحسَنَ الله عزاءك وغَفَرَ لميِّتِك، وفي الكافر بالكافِرِ: أخلَفَ اللهُ عليك. ينظر: ((الفتاوى الهندية)) (1/167)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 150)، ((المغني)) لابن قدامة (2/405) . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟.

اختلفَ أهْلُ العِلْمِ في آخِرِ وقتِ التَّعزيةِ على قولينِ:القول الأول: وقْتُ التَّعزيةِ من حينِ الموتِ إلى حينِ الدَّفْنِ، وبعدَ الدَّفْنِ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ [9128] إلَّا إن كان المُعَزَّى غائبًا أو المُعَزِّي، ولم يَلْقَ أحدُهما الآخَرَ؛ فلا بأسَ أن يُعَزِّيَه متى لَقِيَه بعد ثلاثةِ أيَّامٍ. ينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/667)، ((المجموع)) للنووي (5/306)، ((الفروع وتصحيح الفروع)) لابن مفلح (3/404). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [9129] ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي)) (1/246). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/110) ، والمالِكيَّة [9130] ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (1/419)، ((منح الجليل)) لعليش (1/500). ، والشَّافعيَّة [9131] ((المجموع)) للنووي (5/306)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/41). ، والحَنابِلَة [9132] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/396). ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/160). . وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ المقصودَ بالتعزيَةِ والحِكمةَ منها تسكينُ قلبِ المصابِ مِن أهْلِ المَيِّت، وتَسْلِيتُه، والغالِبُ أنَّ قَلْبَ المُصابِ منهم يسْكُنُ ويهدأُ بعد الثلاثةِ، فلا يُجَدَّدُ له الحُزْن بالتَّعزيةِ [9133] ((المجموع)) للنووي (5/306). .ثانيًا: لأنَّها مُدَّةُ الإحدادِ المُطْلَقِ [9134] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/380). فقد أَذِنَ الشَّارِعُ في الإحدادِ في الثَّلاثِ، بقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يحِلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أن تُحِدَّ على ميِّتٍ فوق ثلاثةِ أيَّامٍ، إلَّا على زَوْجِها: أربعةَ أشْهُرٍ وعشْرًا)) [9135] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/160). والحديث أخرجه البخاري (1280)، ومسلم (1486) من حديث أم حبيبة. .القول الثاني: أنَّ التعزيةَ ليس لآخِرِها وقْتٌ محدَّدٌ، وهو وجهٌ للشافعيَّةِ [9136] ((المجموع)) للنووي (5/306). ، وقولٌ لبعض الحَنابِلَة [9137] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/396). ، وهو قولُ ابن تيميَّة [9138] ((الفروع)) لابن مفلح (3/404). ، وابن باز [9139] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/379). ، وابن عثيمين [9140] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/340). ، والألباني [9141] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 165). .وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ المقصودَ بالتعزيةِ الدُّعاءُ، والحَمْلُ على الصَّبْرِ، والنَّهْيُ عن الجَزَعِ، وتقويةُ المصابِ على تحمُّلِ هذه المصيبةِ، واحتسابُ الأجرِ، وذلك يحصُلُ مع طولِ الزمانِ إلى أن تُنْسَى المصيبةُ [9142] ((المجموع)) للنووي (5/306)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/340). .ثانيًا: لأنَّه لا دليلَ على تحديدِ آخِرِ وقتٍ للتَّعزيَةِ [9143] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/380) ينظر: ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص 209). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟.

اختلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ الجلوسِ للتَّعزيَةِ على قولين:القول الأوّلُ: لا يُشرَعُ الجلوسُ للتَّعزيةِ، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة [9144] ((المجموع)) للنووي (5/306). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/334). ، والحَنابِلَة [9145] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/396)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/160). ، وقولٌ عند الحَنفيَّة [9146] قال ابن عابدين: ( وفي الإمدادِ، وقال كثير من متأخِّري أئمَّتِنا: يُكْرَه الاجتماعُ عند صاحِبِ البيتِ، ويُكْرَه له الجلوسُ في بَيْتِه حتى يأتيَ إليه من يُعَزِّي، بل إذا فَرَغَ ورجع النَّاسُ من الدفن فليتَفَرَّقوا، ويشتغل النَّاسُ بأمورِهم، وصاحِبُ البيتِ بأَمْرِه. اهـ). ((حاشية ابن عابدين)) (2/241). ، واختاره ابنُ عثيمين [9147] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/398). ، والألبانيُّ [9148] ((تلخيص أحكام الجنائز)) للألباني (1/167). .  وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ ذلك مُحْدَثٌ وبدعةٌ، وليس مِن هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم، وأصحابِه رَضِيَ اللَّهُ عنهم [9149] ((البيان في مَذهَب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/118)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/398). .ثانيًا: لأنَّه يُجَدِّد الحُزْنَ، ويُكَلِّفُ المُعَزَّى [9150] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/334). .القول الثاني: يجوزُ الجلوسُ للعزاءِ، وهو مذهب الحنفيَّة [9151] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/246)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/207)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/241). ، والمالكية [9152] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/39). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/481)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/130). ، وروايةٌ عن أحمد [9153] ((الفروع)) لابن مفلح (3/406)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/396). ، واختارَه ابنُ حجر [9154] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/168). ، وابنُ باز [9155] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/373)، و(13/382). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: ((لَمَّا جاء النبيَّ  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قتَلُ ابنِ حارثةَ، وجعفرٍ، وابنِ رواحةَ؛ جلس يُعرَفُ فيه الحُزنُ، وأنا أنظرُ من صائِرِ البابِ شَقِّ البابِ، فأتاه رجلٌ، فقال: إنَّ نِساءَ جَعفرٍ وذكَرَ بُكاءَهنَّ، فأمَرَه أن ينهاهنَّ، فذهب، ثم أتاه الثَّانيةَ، لم يُطِعْنَه، فقال: انهَهُنَّ فأتاه الثالثةَ، قال: واللهِ لقد غلبْنَنا يا رسولَ اللهِ...)) [9156] رواه البخاري (1299)، ومسلم (935). . وجهُ الدَّلالةِ:يدلُّ الحديثُ على جوازِ الجُلوسِ للعَزاءِ [9157] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/168). .  ثانيًا: من الآثارعن عائشةَ زوْجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، (أنَّها كانت إذا مات المَيِّتُ مِن أَهْلِها، فاجتمَعَ لذلك النِّساءُ ثم تَفَرَّقْنَ إلَّا أهلَها وخاصَّتَها) [9158] أخرجه البخاري (5417) ومسلم (2216). .ثانيًا: لِدَفْعِ الحَرَجِ عن المُعَزِّينَ، وعَدَمِ إتعابِهم [9159] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/382). .ثالثًا: لأنَّ التَّعزيةَ سُنَّةٌ، واستقبالُ المعَزِّينَ بالجلوسِ للعزاءِ ممَّا يُعينُ على أداءِ السُّنَّةِ [9160] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/373). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم. المطلب الثاني: تَكرارُ التَّعزيةِ. المطلب الثالث: حُكمُ تَعزيةِ الكافِرِ. المطلب الرابع: مَنِ الذي يُعَزَّى؟.