الفرع الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِالمسألة الأولى: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ الحاضرِالصَّلاةُ على الميِّتِ المسلمِ الحاضِرِ، فرضُ كفايةٍ.الأدلَّة: أولًا: من الكِتابقال الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ [التوبة: 84].وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النهيَ عن الصَّلاةِ على المنافقِ يُشعِرُ بالصَّلاةِ على المسلمِ الموافِقِ [7967] ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/238). . ثانيًا: من السُّنَّةعن سَلمةَ بنِ الأَكوعِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بجِنازةٍ ليُصلِّيَ عليها، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثم أُتِيَ بجِنازةٍ أخرى، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: نعمْ، قال: فصلُّوا على صاحبِكم. قال أبو قتادة: عليَّ دَينُه يا رسولَ الله، فصلَّى عليه)) [7968] أخرجه البخاريُّ (2295). .وَجهُ الدَّلالةِ: قوله: ((فصلُّوا على صاحبِكم)) أمرٌ، وهو للوجوبِ [7969] ((المجموع)) للنووي (5/212). . عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قدْ تُوفِّي اليومَ رجلٌ صالحٌ من الحَبَشِ، فهُلمَّ، فصلُّوا عليه)) [7970] أخرجه البخاري (1320) واللفظ له، ومسلم (952) بنحوه. .وَجهُ الدَّلالةِ: في صلاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على النَّجاشيِّ؛ إذْ لم يُصلِّ عليه أحدٌ من قومِه، وأمْرِه صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه بالصَّلاة عليه معه- دليلٌ واضحٌ على تأكيدِ الصَّلاةِ على الجنائزِ، وعلى أنَّه لا يجوزُ أنْ تُترَكَ الصَّلاةُ على مسلِمٍ ماتَ [7971] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/29). . ثالثًا: من الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم [7972] قال ابنُ حزم: (وأمَّا كونُ صلاة الجِنازة فرضًا على الكفايةِ؛ فلِقَولِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا على صاحبِكم))، ولا خلافَ في أنَّه إذا قام بالصَّلاة عليها قومٌ، فقدْ سقَط الفرضُ عن الباقين). ((المحلى)) (2/4). وينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص:34). ، والنوويُّ [7973] قال النوويُّ: (الصَّلاةُ على الميِّت فَرضُ كفايةٍ، بلا خلافٍ عندنا، وهو إجماعٌ). ((المجموع)) (5/212). وقال أيضًا: (قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قوموا فصلُّوا عليه)) فيه وجوبُ الصَّلاةِ على الميِّتِ، وهي فرضُ كفايةٍ بالإجماع). ((شرح النووي على مسلم)) (7/23). وقال أيضًا: (وقد نقَلوا الإجماعَ على وُجوبِ الصَّلاةِ على الميِّت، إلَّا ما حُكِيَ عن بعضِ المالكيَّة أنَّه جعَلَها سُنَّةً، وهذا متروكٌ عليه، لا يُلتَفَتُ إليه). ((المجموع)) (5/212) ، وابنُ الملقِّن [7974] قال ابن الملقِّن: (فيه إثباتُ الصَّلاةِ على الميِّتِ المُسلِمِ، وأجمعوا على أنَّها فرضُ كفايةٍ، وما حُكِيَ عن بعضِ المالكيَّة أنَّها سُنَّة مؤكَّدةٌ، فمردودٌ). ((الإعلام)) (4/388). ، والكمالُ ابنُ الهُمامِ [7975] قال الكمال بن الهمام: (والإجماعُ على الافتراض). ((فتح القدير)) (2/117). .المسألة الثانية: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ الغائبِ صلاةُ الغائبِ مشروعةٌ على مَن ماتَ ولم يُصَلَّ عليه، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ [7976] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/374). ، واختيارُ الخَطَّابيِّ [7977] ((معالم السنن)) للخطابي (1/310). ، وابنِ تيميَّةَ [7978] ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/176- 177). ، وابنِ القيِّم [7979] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/501). ، وابنِ عُثَيمين [7980] ((مجموع الفتاوى ورسائل العثيمين)) (17/146، 149). ، والألبانيِّ [7981] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 89). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة 1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فكبَّرَ عليه أَرْبَعًا)) [7982] أخرجه البخاري (1334)، ومسلم (952) واللفظ له. .2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نعَى النجاشيَّ في اليومِ الذي ماتَ فيه، وخرَج بهم إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّرَ عليه أربعَ تكبيراتٍ)) [7983] أخرجه البخاري (1245) واللفظ له، ومسلم (951). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على النجاشيِّ؛ لأنَّه مات بين الكُفَّارِ، ولم يُصَلَّ عليه [7984] ((المستدرك على مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (3/144). .ثانيًا: أنَّه لم يكُنْ مِن هَدْيِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسُنَّتِه الصَّلاةُ على كلِّ ميِّتٍ غائبٍ؛ فقد ماتَ خلقٌ كثيرٌ مِنَ المُسلمينَ وهم غُيَّبٌ، فلم يُصَلِّ عليهم [7985] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/500). .ثالثًا: أنَّه لَمَّا مات الخلفاءُ الرَّاشدونَ وغيرُهم لم يُصَلِّ أحدٌ مِنَ المسلمينَ عليهم صلاةَ الغائبِ، ولو فَعَلوا لَتواتَرَ النَّقلُ بذلِك عنهم [7986] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/93). .الفرع الثاني: حُكمُ الصَّلاةِ على بعضِ الميِّتِاختَلفَ أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ على بعضِ الميِّتِ، إذا لم يكُنْ صُلِّيَ عليه، على قولين: القول الأوّل: إن وُجِدَ بعضُ الميِّتِ غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه، لا فَرْقَ بين القليلِ والكثيرِ، وهو مذهبُ الشَّافعيَّة [7987] ((المجموع)) للنووي (5/253)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/32). ، والحَنابِلَة [7988] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/401). واستثنى الحنابلةُ من ذلِك الشَّعْرَ، والسِّنَّ، والظُّفر. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124). ، وهو قولُ ابنِ عُثَيمينَ [7989] قال ابنُ عُثَيمين: (... أمَّا إذا كان لم يوجَدْ جملةُ الميِّت، وإنما وُجد عضوٌ من أعضائه كرأسه، أو رِجله، أو يده، وبقيَّةُ جِسمه لم يوجَدْ، فإنَّه يُصلَّى على هذا الموجودِ بعد أن يُغسَّل ويُكفَّن ثم بعد ذلك يُدفَن). ((فتاوى أركان الإسلام)) (ص: 406). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [7990] سُئِلت اللَّجنة الدَّائمة عن حُكم بعض أجزاء الميِّتِ في الصَّلاة والغُسْلِ، فقالت: (...يُصلَّى عليهم جميعًا بعد تَغسيلِ ما يتيسَّر تغسيلُه منهم وتكفينُه، فإنْ لم يتيسَّر التغسيل يُمِّمُوا، وإذا لم يبقَ منهم إلا أجزاءٌ فيُصلَّى على ما بقِي من أجزائهم، وكذا المحتَرِق يُصلَّى عليه أيضًا). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (8/433). ، وحُكِيَ فيه إجماع الصحابة [7991] قال الماورديُّ: (الدَّلالة على ما قلنا: أنَّ طائرًا ألقى يدًا بمكَّةَ من وقعةِ الجَمْل، فعُرِفت بالخاتَم، فصلَّى عليها الناسُ، وكانت يدَ عبد الرحمن بن عتَّاب بن أسيد، ورُوي أنَّ أبا عُبَيدة بن الجرَّاح صلَّى على رؤوسِ القتْلى بالشَّامِ، ورُوي أنَّ عُمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه صلَّى على عظامٍ بالشَّامِ، وليس لِمَن ذَكَرْنا مخالفٌ؛ فثبت أنَّه إجماعٌ). ((الحاوي الكبير)) (3/32) وقال ابنُ قُدامةَ: (ولنا: إجماعُ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم، قال أحمد: صلَّى أبو أيُّوبَ على رجل، وصلَّى عمرُ على عِظامٍ بالشام، وصلَّى أبو عُبيدةَ على رؤوس بالشام. رواهما عبد الله بن أحمد، بإسناده، وقال الشافعيُّ: ألقى طائرٌ يدًا بمكة من وقعة الجمل، فعُرفت بالخاتم، وكانت يدَ عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلَّى عليها أهلُ مكَّة. وكان ذلك بمحضَرٍ من الصحابة، ولم نعرف من الصحابة مخالفًا في ذلك). ((المغني)) (2/402) ؛  وذلك لأنَّه بعضٌ من جُملةٍ تجِبُ الصَّلاةُ عليها، فيُصلَّى عليه كالأكثرِ [7992] ((المغني)) لابن قدامة (2/402). .القول الثاني: لا يُصلَّى على الميِّتِ إلَّا إذا وُجِد أكثرُه، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [7993] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 218). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311). وعندهم لا يُصلَّى على الميِّت إلَّا مع حضورِ أكثرِ بَدَنِه، أو نِصْفِه مع رأسه. ، والمالِكيَّة [7994] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/249). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/141). ؛ لأنَّه إذا صُلِّي على أكثرِه لم يُحتجْ إلى الصَّلاةِ على الباقي إنْ وُجِدَ، أمَّا إذا صُلِّى على الأقلِّ فتلزمُ الصَّلاةُ على أكثرِه إنْ وُجِدَ [7995] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: مَن يُصلَّى عليه ومَن لا يُصلَّى عليه. المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها . المطلب الرَّابع: تعدُّدُ الجنائزِ . المطلب الخامس: إعادةُ صلاةِ الجِنازة.

الفرع الأوَّل: الصَّلاةُ على السِّقْطِالمسألة الأولى: حُكمُ الصَّلاةِ على السِّقطِ إذا استهلَّ يُصلَّى على السِّقطِ إذا استهلَّ [7996] استهلالُ الصبي: تصويته، وصياحُه عند ولادته. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/629). ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (5/424). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة [7997] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/243)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 395). والاستهلالُ عندهم أن يكون منه ما يدلُّ على حياته مِن رَفْعِ صوتٍ أو حركةِ عُضْوٍ. ، والمالِكيَّة [7998] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/142)، ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1/350) ، والشافعيَّة [7999] ((المجموع)) للنووي (5/255)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/349). عِندَهم إنْ تَحَرَّكَ حركةً تدلُّ على الحياةِ- وإنْ لم يَسْتَهِلَّ- يُصَلَّ عليه ، والحَنابِلَة [8000] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/101). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/389)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/337). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8001] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ الطِّفلَ إذا عُرِفَتْ حياتُه، واستهلَّ: صُلِّيَ عليه). ((الإجماع)) (ص:44). وينظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (5/439). وقال ابنُ عبد البرِّ: (وفي هذا الحديثِ من الفِقه: الصلاةُ على الأطفالِ- والسُّنَّة فيها كالصَّلاة على الرِّجال- بعد أن يستهلَّ الطِّفلُ، وعلى هذا جماعةُ الفُقَهاءِ، وجمهورُ أهلِ العِلمِ، والاختلافُ فيه شذوذٌ). ((الاستذكار)) (3/38). وقال ابنُ العربيِّ: (الصَّلاةُ علي الصَّغيرِ إذا استهلَّ، لا خِلافَ فيه). ((عارضة الأحوذي)) (1/343). وقال ابنُ قُدامةَ: (فأمَّا إنْ خرج حيًّا واستهلَّ، فإنَّه يُغسَّلُ ويُصلَّى عليه، بغيرِ خلاف). ((المغني)) (2/389). وقال القرطبي: (وأجمعوا على أنَّ المولودَ إذا استهَلَّ صارِخًا يُصلَّى عليه) ((تفسير القرطبي)) (12/9). وذَكَر الخلافَ في ذلك الماورديُّ والعيني؛ قال الماوردي: (وهذا كما قال، لا يخلو حالُ السِّقطِ مِن أحد أمرينِ: إمَّا أن يستهِلَّ صارخًا، أو يسقُطَ ميتًا، فإنِ استهلَّ صارخًا غُسِّلَ وكُفِّنَ وصُلِّي عليه ودُفِنَ، وبه قال كافَّةُ الفقهاءِ. وقال سعيدُ بنُ جُبير: لا يُصلَّى عليه؛ لأنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُصلِّ على ابنِه إبراهيمَ عليه السَّلام، وكان له حين مات سِتَّة عَشرَ، وقيل: ثمانيةَ عشر شهرًا، قال: ولأنَّ الصلاة شفاعةٌ ودعاءٌ لأهلِ الذُّنوب والخطايا، والطِّفلُ لا ذنبَ له، وهو مغفورٌ له). ((الحاوي الكبير)) (3/67). وينظر: ((عمدة القاري)) للعيني (8/176) ؛ وذلك لأنَّه قد ثبَتَ له حُكمُ الدُّنيا في الإسلامِ والميراثِ والدِّيةِ [8002] قال ابنُ قُدامةَ: (واتَّفقوا على أنَّه إذا استهلَّ صارخًا وَرِث، ووُرث). ((المغني)) (6/384). ؛ فيُصلَّى عليه كغيرِه [8003] ((المجموع)) للنووي (5/255). . المسألة الثانية: حُكمُ الصَّلاةِ على السِّقطِ إذا لم يَستهِلَّ1- حُكمُ الصَّلاةِ على السِّقطِ إذا لم يَستهِلَّ، وكان دون أربعَةِ أشهُرٍلا يُصَلَّى على السِّقْطِ إذا لم يستهِلَّ، وكان دون أربعةِ أشْهُرٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8004]  ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص:222). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/302). والمالِكيَّة [8005] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240)، ((منح الجليل)) لعليش (1/511). ، والشَّافعيَّة [8006] ((المجموع)) للنووي (5/255)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/349) ، والحَنابِلَة [8007] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/101). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/389). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8008] قال النوويُّ: (قال العبدريُّ: إنْ كان له دون أربعةِ أشهُر لم يُصلَّ عليه بلا خلافٍ، يعني: بالإجماعِ). ((المجموع)) (5/258).                                                 وقال ابنُ قُدامةَ: (فأمَّا مَن لم يأتِ له أربعةُ أشهرٍ، فإنه لا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ويُلفُّ في خِرقة، ويُدفَن، ولا نعلم فيه خلافًا، إلَّا عن ابن سيرينَ، فإنه قال: يُصلَّى عليه إذا عُلِم أنه نُفِخَ فيه الرُّوحُ، وحديث الصَّادق المصدوق يدلُّ على أنَّه لا يُنفَخُ فيه الرُّوحُ إلَّا بعد أربعةِ أشهرٍ، وقبل ذلك فلا يكون نسَمَةً؛ فلا يُصلَّى عليه، كالجماداتِ والدَّمِ). ((المغني)) (2/389). ؛ وذلك لأنَّه قبل الأربعةِ أشهُرٍ لا يكون نسَمَةً، فهو كالجماداتِ والدَّمِ، فلا يُصَلَّى عليه [8009] ((المغني)) لابن قدامة (2/389). .2- حُكمُ الصلاة على السِّقط إذا لم يَستهلَّ، وكان له أربعةُ أشهُرٍاختلف أهلُ العِلمِ في الصَّلاة على السِّقطِ إذا لم يستهلَّ، وكان له أربعةُ أشهرٍ فأَكْثَرُ، على قولين: القول الأوّل: لا يُصلَّى عليه، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8010] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/243)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 395) ، والمالِكيَّة [8011] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/142). ، والشافعيَّة [8012] ((المجموع)) للنووي (5/256)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/349). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف [8013] ((المغني)) لابن قدامة (2/389). ؛ وذلك لأنَّه لم يثبُتْ له حُكمُ الحياةِ [8014] ((المغني)) لابن قدامة (2/389). .القول الثاني: يُصلَّى عليه، وهو مذهبُ الحَنابِلَة [8015] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/101). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/389). ، وقولُ فُقهاءِ المُحدِّثين [8016] ((شرح النووي على مسلم)) (7/48). ، وقال به بعضُ السَّلَف [8017] ((المغني)) لابن قدامة (2/389). ، واختاره ابنُ باز [8018] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/164). ، وابنُ عُثَيمين [8019] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/143). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعمومُ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((السِّقطُ يُصلَّى عليه، ويُدْعَى لوالِدَيه بالمغفرةِ والرحمةِ)) [8020] أخرجه أبو داود (3180)، وأحمد (18174)، والطيالسي (737)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6866). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح، وحسَّن إسنادَه ابنُ باز في ((التعليق على فتح الباري)) (3/24)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3180). .ثانيًا: لأنَّه نَسَمةٌ نُفِخَ فيها الرُّوحُ؛ فيُصلَّى عليه [8021] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/101). . الفرع الثَّاني: أحكامُ الصَّلاةِ على أصحابِ الكبائرِ، وأهلِ البِدعِ، وغيرِ المُسلِمينَالمسألة الأولى: الصَّلاةُ على أصحابِ الكَبائرِلا يجوزُ تَرْكُ الصَّلاةِ على جَنائِزِ أَهلِ الكبائِرِ مِنَ المسلِمينَ، وذلك في الجُملة.الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: القاضي عِياض [8022] قال القاضي عياض: (مذهبُ كافَّةِ العلماء الصلاةُ على كلِّ مسلِم، ومرجومٍ، وقاتلِ نفْسِه، وولدِ الزِّنا وغيرِه). ((إكمال المعلم)) (3/454). وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/47). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [8023] قال ابنُ عبد البرِّ: (وأجمَع المسلمونَ على أنَّه لا يجوز ترْكُ الصَّلاةِ على جنائِزِ المسلمين؛ من أهلِ الكبائِرِ كانوا أو صالحينَ، وراثةً عن نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم قولًا وعملًا، واتَّفق الفقهاءُ على ذلك، إلَّا في الشُّهَداءِ، وأهلِ البِدع، والبُغاة؛ فإنَّهم اختلفوا في الصَّلاة على هؤلاء). ((التمهيد)) (6/331-332).  وقال أيضًا: (وأجمَع المسلمون على أنَّه لا يجوزُ ترْكُ الصَّلاةِ على المسلمين المذنبِين؛ من أجْلِ ذنوبهم، وإنْ كانوا أصحابَ كبائرَ). ((الاستذكار)) (3/29). ، والقرطبيُّ [8024] قال القرطبيُّ: (وأجمع المُسلمون على أنَّه لا يجوز ترْكُ الصَّلاةِ على جنائِزِ المسلمينَ، مِن أهل الكبائر كانوا أو صالحين، وراثةً عن نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم قولًا وعملًا، والحمدُ لله). ((تفسير القرطبي)) (8/221). ، والشوكانيُّ [8025] قال الشوكانيُّ: (الصَّلاةُ على الأموات شريعةٌ ثابتةٌ ثبوتًا أوضحَ من شمس النهار؛ فلم تُترَك الصلاةُ لا في أيَّام النبوَّة، ولا في غيرها على فَرْدٍ مِن أفرادِ أمواتِ المسلمين، إلَّا مَن عليه دَينٌ لا قضاءَ له، وعلى الذي قتَل نفْسَه، مع أنَّه قال فيمَن عليه دَينٌ: ((صلُّوا على صاحبِكم)).... فعُرِفَ بهذا أنَّه ممَّن يُصلَّى عليه، وإنَّما تَرَكَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاةَ عليه؛ لقصْد الزَّجرِ عن أن يحصُلَ التراخي في قضاء الدُّيونِ، وهكذا ترْكُه للصَّلاةِ على قاتل نفْسه، فإنَّه للزجْرِ عن أن يتسرَّعَ النَّاسُ في قتْل أنفُسِهم؛ فلا يُلحَقُ غيرُه من أهل المعاصي به؛ فإنَّه من جملة المسلمينَ، وممَّن يدخلون تحتَ ما شَرَعه اللهُ لعباده أحياءً وأمواتًا). ((السيل الجرار)) (ص: 215). ووقَع خلافٌ في بعض صُور هذه المسألة: قال القاضي عِياض: (ولم يختلفِ العلماءُ في الصَّلاةِ على أهلِ الفُسوق والمعاصي المقتولينَ في الحُدودِ، وإنْ كرِه بعضُهم ذلك لأهلِ الفَضلِ؛ ردعًا لأمثالِهم إذا رأى تجنُّبَ أهلِ الفَضلِ الصَّلاةَ على مِثلِه، إلَّا ما ذهب إليه أبو حنيفةَ وأبو يوسف في المحارِبين، إذا قُتِلوا أو صُلِبوا، وكذلك في الفِئة الباغية عندهم، وما ذهب إليه الحسنُ في الميِّتةِ مِنَ نِفاس الزِّنا لا يُصلَّى عليها، وما ذهب إليه الحسنُ والزهريُّ في المرجومِ، وفي قاتلِ نفْسِه ألَّا يُصلَّى عليه، وما قاله قَتادةُ في وَلَدِ الزنا: لا يُصلَّى عليه، والناسُ كلُّهم على خِلافِ مَن ذَكرنا في هذه المسائِلِ). ((إكمال المعلم)) (5/523)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/47- 48) .المسألة الثانية: الصَّلاةُ على المُبتدِعِتُصلَّى صلاةُ الجِنازة على صاحبِ البِدعةِ المُسلِمِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحَنفيَّة [8026] الأحنافُ لم ينصُّوا على المُبتدِع، ولكنَّهم قالوا: يُصلَّى على كلِّ مسلمٍ إلَّا البغاةَ، وقطَّاعَ الطُّرُق، ومَن في حُكم البُغاة؛ قال الكاسانيُّ: (وأمَّا بيانُ مَن يُصلَّى عليه: فكلُّ مسلمٍ ماتَ بعد الولادةِ يُصلَّى عليه، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، إلَّا البُغاةَ، وقُطَّاعَ الطريق، ومن بِمِثل حالهم). ((بدائع الصنائع)) (1/311)، وقال الحصكفيُّ: («وهي فرضٌ على كلِّ مسلم مات خَلا أربعةٍ «بغاة، وقطَّاع طريق» فلا يُغَسَّلوا، ولا يُصلَّى عليهم «إذا قُتِلوا في الحَرْبِ»، ولو بعده صلَّى عليهم؛ لأنَّه حدٌّ أو قصاص، «وكذا» أهل عصبة و«مكابِر في مصرٍ ليلًا بسلاحٍ وخِناقٍ» خنق غير مرَّة، فحُكمُهم كالبُغاة). ((الدر المختار)) (ص: 119).  ويُنظر: ((مختصر القدوري)) (ص: 49). ، والمالِكيَّة [8027] ((منح الجليل)) لعليش (1/512). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/138)، ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1/349). إلَّا أنَّ المالكيَّة قالوا: يُكره للإمام، وأهل الفضل الصلاةُ عليهم؛ ليكون ذلك ردعًا لهم وزجرًا لغيرهم عن مِثل حالهم. ينظر المصادر السابقة. ، والشافعيَّة [8028] لم نقفْ على نَصِّ للشافعيَّة في المسألة، ولكنَّهم ذكروا أنَّ من يُصلَّى عليه يُعتَبَرُ فيه ثلاثةُ قُيودٍ فقط: أن يكون ميِّتًا، مُسلِمًا، غيرَ شهيد، فعلى ذلك فالمُبتدعُ المسلم يُصلَّى عليه. قال الرافعيُّ: (وشرائِطُها «الأوَّل» فيمَن يُصلَّى عليه، ويعتبَرُ فيه ثلاثة قيود: أن يكون ميِّتًا، مسلمًا، غيرَ شهيدٍ). ((فتح العزيز)) (5/144)، وينظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (2/116). ، والحَنابِلَة [8029] قال ابنُ قُدامةَ: (ويُصلَّى على كلِّ مُسلمٍ؛ لِمَا تقدَّمَ، إلَّا شهيدَ المُعتَرَك). ((الكافي)) (1/367). ((الإقناع)) للحجاوي (1/228)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/123). قال البهوتيُّ: («ولا يُغَسَّل» كلُّ صاحب بِدعة مكفِّرةٍ، «ولا يُصلَّى على كلِّ صاحِبِ بدعة مكفِّرة نصًّا، ولا يُورَث، ويكون مالُه فَيئًا»). ، وهو قولُ جُمهورِ الفقهاءِ [8030] ((التمهيد)) لابن عبد البر (24/132). ، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلف [8031] ((المحلى)) لابن حزم (3/401). ، وحُكيَ إجماعُ أكثرِ أهلِ العِلمِ على ذلِك [8032] قال ابنُ رُشد: (وأجمَع أكثرُ أهلِ العِلم على إجازةِ الصَّلاةِ على كلِّ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وفي ذلك أثرٌ أنَه قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((صلُّوا على من قال لا إلهَ إلا اللهُ))، وسواء كان مِن أهل الكبائر، أو من أهل البِدَع، إلَّا أنَّ مالكًا كَرِهَ لأهل الفَضلِ الصلاةَ على أهلِ البِدَعِ، ولم يرَ أن يُصلِّيَ الإمامُ على مَن قَتَلَه حدًّا). ((بداية المجتهد)) (1/239). وقال النوويُّ: (وفي هذا الحديثِ دليلٌ لِمَن يقول: لا يُصلَّى على قاتلِ نَفْسِه؛ لعصيانه، وهذا مذهَبُ عُمَرَ بنِ عبد العزيز، والأوزاعيِّ. وقال الحسن، والنَّخَعي، وقتادة، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء: يُصلَّى عليه، وأجابوا عن هذا الحديثِ بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يصلِّ عليه بنَفْسِه؛ زجرًا للناسِ عن مِثل فِعْلِه، وصلَّتْ عليه الصَّحابةُ، وهذا كما ترَكَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاةَ في أوَّلِ الأمرِ على مَنْ عليه دَينٌ؛ زجرًا لهم عن التَّساهُل في الاستدانةِ، وعن إهمالِ وفائِه، وأَمَرَ أصحابَه بالصَّلاةِ عليه، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا على صاحبِكم)). قال القاضي: مذهَبُ العُلَماءِ كافَّةً الصَّلاةُ على كلِّ مُسلمٍ، ومحدودٍ ومَرجومٍ، وقاتلِ نَفسِه، وولد الزِّنا، وعن مالكٍ وغيرِه أنَّ الإمامَ يجتَنِبُ الصَّلاةَ على مقتولٍ في حدٍّ، وأنَّ أهْلَ الفضْلِ لا يصلُّون على الفُسَّاقِ زجرًا لهم). ((شرح النووي على مسلم)) (7/47). .الأدلَّة: أولًا: مِنَ الكِتاب قال تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التوبة: 84].وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ تعالى نَهى عن الصَّلاةِ على المُنافقينِ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ كلَّ مُسلمٍ لم يُعلَمْ أنَّه مُنافقٌ تجوزُ الصَّلاةُ عليه، وإنْ كانتْ فيه بِدْعةٌ أو فِسقٌ [8033] ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/159). .ثانيًا: من السُّنَّةحديثُ سَلمةَ بنِ الأكوعِ في قِصَّةِ الرجُلِ صاحِبِ الدَّينِ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((صلُّوا على صاحِبِكم)) [8034] أخرجه البخاري (2289). .وَجهُ الدَّلالةِ: عمومُ أمْرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا على صاحِبِكم))، والمسلمُ- وإنْ كانتْ فيه بِدعةٌ أو فِسقٌ- صاحِبٌ لنا [8035] ((المحلى)) لابن حزم (5/169). .ثالثًا: لأنَّهم من جُملة المسلمينَ، وممَّن يَدخلونَ تحتَ ما شَرَعه اللهُ لعبادِه أحياءً وأمواتًا [8036] ينظر ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 215). . المسألة الثالثة: الصَّلاةُ على الكافِرِتحرُمُ الصَّلاةُ على الكافِرِ.الأدلَّة: أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: 84].وَجهُ الدَّلالةِ:  أنَّه علَّلَ نهيَه عن الصَّلاةِ عليهم بالكُفرِ، فقال: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فدلَّ على حُرمةِ الصلاةِ على الكافِر؛ إذ الأصلُ في النَّهيِ أنَّه للتَّحريمِ [8037] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/165)، ((الثمر المستطاب)) للألباني (2/666). . ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [8038] قال النوويُّ: (وأجمَعوا على تحريم الصَّلاة على الكافِرِ). ((المجموع)) (5/258). ، والكاسانيُّ [8039] قال الكاسانيُّ: (كتابيَّةٌ تحت مسلم حبلت، ثم ماتت وفي بَطْنِها ولدٌ مُسْلِمٌ، لا يُصلَّى عليها بالإجماعِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ على الكافرةِ غيرُ مشروعةٍ). ((بدائع الصنائع)) (1/303). .ثالثًا: لأنَّ الصَّلاةَ على الميِّتِ لطلبِ المغفرةِ، والكافِرُ لا يُغفَرُ له [8040] ((المهذب)) للشيرازي (1/250). ؛ قال تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 80] وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 48]. المسألة الرابعة: صلاةُ الجِنازة في حالةِ اشتباهِ موتَى المُسلمِينَ بموتى الكافِرينَإذا اشتَبَه موتى المُسلِمينَ بموتى الكافِرينَ يجبُ غُسلُ الجميعِ، والصَّلاةُ عليهم، سواءٌ كان عددُ المسلمين أقلَّ أو أكثرَ، وهذا مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة [8041] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/250). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/142). ، والشافعيَّة [8042] ((المجموع)) للنووي (5/258)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/360). ، والحَنابِلَة [8043] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124،125). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/399). ، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ [8044] قال النوويُّ: (مَذهَبُنا: وجوبُ غُسلِ الجميع، والصلاةُ عليهم، سواءٌ كان عددُ المسلمينَ أقلَّ أو أكثرَ، وهو مذهبُ مالك، وأحمد، وداود، وابن المنذر). ((المجموع)) (5/259). ؛ وذلك لأنَّ هذه الأمورَ واجبةٌ في المسلمينَ، وهؤلاءِ فيهم مُسلمونَ، ولا يُتوصَّلُ إلى أداءِ الواجبِ إلَّا باستيعابِ الجميعِ [8045] ((المجموع)) للنووي (5/258). . الفرع الثَّالث: الصَّلاةُ على الشُّهَداءِالمسألة الأولى: الصَّلاةُ على شهيدِ المعركةِلا يُصلَّى على الشَّهيدِ الذي قُتِلَ في المعركةِ [8046] وهو مَن مات بسببٍ مِن أسبابِ قِتالِ الكفَّار قبلَ انقضاء الحرْب. ينظر: ((المجموع)) للنووي (5/261). ، وهو مذهبُ الجُمهور: المالِكيَّة [8047] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/247). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/140). وعندهم أنَّ مَن رُفِعَ حيًّا من المُعتَرَك، ثم مات في أهلِه، أو في أيدي الرِّجال، فإنَّه يُغَسَّل، ويُصلَّى عليه، ولو كان حين الرَّفْعِ منفوذَ المَقَاتِل إلَّا الذي لم يأكُلْ ولم يَشْرَب إلى أنْ مات، فله حُكمُ الشَّهيدِ. ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/141). ، والشافعيَّة [8048] ((المجموع)) للنووي (5/260)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/349). وقال الشافعيَّة في ضابط الشهيدِ الذي لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه: (هو مَن مات بسببِ قتالِ الكفَّارِ حالَ قيامِ القتالِ، سواء قتَلَه كافرٌ، أو أصابه سلاحُ مسلمٍ خطأً، أو عاد إليه سلاحُ نفْسِه، أو سَقَطَ عن فَرَسِه، أو رَمَحَتْه دابَّة فمات، أو وَطِئَتْه دوابُّ المسلمينَ أو غيرِهم، أو أصابه سهمٌ لا يُعْرَف هل رمى به مسلمٌ أم كافر، أو وُجِدَ قتيلًا عند انكشافِ الحَرْبِ ولم يُعْلَم سببُ موتِه، سواء كان عليه أثرُ دمٍ أم لا، وسواء مات في الحالِ أم بقِي زمنًا ثم مات بذلك السَّبَب قبل انقضاءِ الحَربِ، وسواء أَكِلَ وشرب ووصَّى أم لم يفعَلْ شيئًا من ذلك، وهذا كلُّه متَّفَقٌ عليه عندنا). ((المجموع)) للنووي (5/261). ، والحَنابِلَة [8049] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/100). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/393). ومذهبهم: أنه لو حُمِل فأَكَلَ أو طال بقاؤه- يعني: لو جُرِحَ فأكَل- فإنَّه يُغَسَّل، ويُصلَّى عليه. وكذا لو جُرح فشَرِبَ، أو نام، أو بالَ، أو تكلَّمَ، أو عَطِسَ ولو لم يَطُلِ الفَصْلُ. ((الإنصاف)) للمرداوي (2/352). وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَف [8050] ((المجموع)) للنووي (5/264). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ في قَتْلى أُحُدٍ بدفنِهم بدِمائهم، ولم يُصلِّ عليهم، ولم يُغَسَّلوا)) [8051] أخرجه البخاري (1347). .2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجمعُ بينَ الرَّجُلَينِ مِن قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقولُ: أيُّهُم أكثرُ أخذًا للقُرآنِ؟ فإذا أُشيرَ لهُ إلى أَحدهِما قدَّمهُ في اللَّحدِ، وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاءِ يومَ القيامةِ، وأَمَرَ بِدَفْنِهِم في دِمائِهِم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصلَّ عليهِم)) [8052] أخرجه البخاري (1343). .ثانيًا: أنَّ الصَّلاةَ على الميِّتِ شفاعةٌ له، ولا يُشفَعُ إلَّا للمُذنبينَ؛ والشُّهداءُ قد غُفرِتْ ذُنوبُهم، وصاروا إلى كرامةِ الله ورحمتِه وجَنَّته أجمعين؛ فارتفعتْ حالُهم عن أنْ يُصلَّى عليهم كما يُصلَّى على سائرِ موتَى المسلمينَ [8053] ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/299). .ثالثًا: لأنَّ الغُسلَ لا يجوزُ للشَّهيدِ، وهو شرطٌ في الصَّلاةِ على غيرِ الشهداءِ؛ فوجَب أنْ لا تجوزَ الصَّلاةُ على الشَّهيدِ بلا غُسْلٍ [8054] ((المجموع)) للنووي (5/266). .المسألة الثانية: شهيدُ الآخِرةِ دُون الدُّنيا1- الشَّهيدُ بغيرِ قَتْلٍيُصلَّى على الشَّهيدِ بغيرِ قَتْلٍ؛ كالمبطونِ والمطعونِ، والغريقِ والحريقِ، وصاحبِ الهَدْم، ونحوِ ذلك [8055] كالمرأةِ تموت في نفاسها بسبب ولدِها، وذات الجَنْب- وهي قُرحة تُصيب الإنسانَ داخل جَنْبه- إلى غيرِ ذلك. ينظر: ((المغني)) (2/399)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/43)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 51). .الدَّليل من الإجماع: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ [8056] قال ابنُ قُدامةَ: (فأمَّا الشَّهيد بغير قتْل؛ كالمبطون، والمطعون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والنُّفَساء، فإنَّهم يُغسَّلون، ويُصلَّى عليهم؛ لا نعلم فيه خلافًا، إلَّا ما يُحكَى عن الحسَن: لا يُصلَّى على النُّفَساء؛ لأنَّها شهيدة). ((المغني)) (2/399). ، والنوويُّ [8057] قال النوويُّ: (الشُّهداءُ الذين لم يموتوا بسبب حرْب الكفَّار؛ كالمبطون، والمطعون، والغريق، وصاحب الهَدْم، والغريب، والميِّتة في الطَّلق، ومَن قتَلَه مسلمٌ أو ذِمِّيٌّ، أو مات في غير حال القِتال، وشِبهِهم- فهؤلاء يُغسَّلون ويُصلَّى عليهم بلا خلافٍ). ((المجموع)) (5/264). ، والشوكانيُّ [8058] قال الشوكانيُّ: (وأمَّا سائِرُ مَن يُطلَقُ عليه اسمُ الشَّهيد؛ كالطَّعين، والمبطون، والنُّفَساء، ونحوِهم-فيُغسَّلون إجماعًا، كما في البحر). ((نيل الأوطار)) (4/37). .2- المقتولُ ظُلمًايُصلَّى على المقتولِ ظُلمًا، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8059] ((حاشية ابن عابدين)) (2/210). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311). ، والمالِكيَّة [8060] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/67). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/476)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/64). ، والشافعيَّة [8061] ((المجموع)) للنووي (5/267). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/315). ، وروايةٌ عن أحمدَ [8062] ((الفروع)) لابن مفلح (3/299)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/353). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صعِدَ أُحُدًا، وأبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ، فَرَجَفَ بهم، فقال: اثبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عليكَ نبيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهيدانِ)) [8063] أخرجه البخاري (3675). .ثانيًا: مِن الآثارأنَّ عُمرَ وعثمانَ وعليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنهم غُسِّلوا، وصُلِّيَ عليهم بالاتِّفاقِ، مع كونِهم شهداءَ بالاتِّفاقِ [8064] ((المجموع)) للنووي (5/264). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه. المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها . المطلب الرَّابع: تعدُّدُ الجنائزِ . المطلب الخامس: إعادةُ صلاةِ الجِنازة.

الفرع الأوَّل: الأوقاتُ التي لا يُصلَّى فيها على الجِنازةالمسألة الأولى: حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ بعدَ الفجرِ والعصرِتجوزُ صلاةُ الجِنازة بعدَ الفجرِ، وبعدَ العَصرِ. الدليلُ مِن الإجماعِ: نقَلَ الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ [8065] قال الشافعيُّ: (إجماعُ الناس في الصَّلاة على الجنائزِ بعد الصُّبح والعصر). ((الأم)) (1/174). ، وابنُ المنذرِ [8066] قال ابنُ المنذر: (وإجماعُ المسلمين في الصَّلاةِ على الجنائزِ بعد العَصر وبعد الصُّبح). ((الأوسط)) (3/96). ، والنوويُّ [8067] قال النوويُّ: (وأجمع المسلمون على إباحةِ صلاةِ الجنائِزِ بعد الصُّبح والعصر، ونقل العبدريُّ في كتاب الجنائز عن الثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق: أنَّ صلاة الجِنازَة منهيٌّ عنها عند طلوع الشَّمس وعند غروبها وعند استوائِها، ولا تُكرهُ في الوقتين الآخَرينِ). ((المجموع)) (4/172). ، وابنُ قُدامةَ [8068] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا الصَّلاةُ على الجِنازَة بعد الصُّبح حتى تطلُعَ الشَّمس، وبعد العصر حتى تميلَ للغروب، فلا خِلافَ فيه). ((المغني)) (2/82). ، والعراقيُّ [8069] قال العراقيُّ: (وبإجماعِ المسلمين على الصَّلاة على الجِنازَة بعد الصُّبح والعصر، إذا لم يكُنْ عند الطلوع والغُروب). ((طرح التثريب)) (2/171). ، وزكريَّا الأنصاريُّ [8070] قال زكريا الأنصاريُّ: (قلنا: لأنَّ التَّخصيصَ دخله بما مرَّ مِنَ الأخبارِ في صلاةِ العَصرِ وصلاة الصبح، وبالإجماعِ على جواز صلاةِ الجِنازَة بعدَهما). ((أسنى المطالب)) (1/124). .المسألة الثانية: حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ عندَ طلوعِ الشَّمسِ، وغُروبِها، واستوائِهااختَلفَ العُلماءُ في حُكمِ صلاةِ الجِنازة عند طُلوعِ الشَّمس، وغروبِها، واستوائِها [8071] ومحلُّ مَنْعِها وكراهتها ما لم يُخَفْ تغيرُّها بتأخيرِها، وإلَّا جاز أنْ يُصلَّى عليها. ينظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (13/41)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/224)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/147). ، على قولين: القول الأوّل: تجوزُ صلاةُ الجِنازة في أوقاتِ النَّهيِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة [8072] ((المجموع)) للنووي (5/213). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/124). ، وروايةٌ عن مالكٍ [8073] ((التمهيد)) لابن عبد البر (4/28). ، وروايةٌ عن أحمدَ [8074] ((المغني)) لابن قدامة (2/82)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/146). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف [8075] ((المجموع)) للنووي (4/171). ، واختيارُ ابنِ حزمٍ [8076] ((المحلى)) لابن حزم (2/47). ، وابنِ تيميَّةَ [8077] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/191). ، وابنِ عُثَيمين [8078] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/138). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ [8079] ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الأولى)) (7/275). .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّها صلاةٌ تُباحُ بعدَ الصُّبحِ والعَصرِ؛ فأُبيحتْ في سائرِ الأوقاتِ، كالفرائضِ [8080] ((المغني)) لابن قدامة (2/82). .ثانيًا: لأنَّ صلاةَ الجِنازة فرضٌ في الجملةِ؛ فيصحُّ فِعلُها في جميعِ الأوقاتِ قِياسًا على قضاءِ الفوائتِ [8081] ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/54). .ثالثًا: قياسًا لصلاةِ الجِنازة على الصَّلواتِ ذواتِ الأسبابِ مِن النوافلِ، التي وردَتِ النصوصُ دالَّةً على جوازِها [8082] ((شرح النووي على مسلم)) (6/110). .القول الثاني: لا تُصلَّى صلاةُ الجِنازة عندَ طلوعِ الشَّمسِ، ولا عِندَ غُروبِها [8083] وهو مذهب المالكية في ترك صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها أما وقت الزوال فليس بوقت نهي عندهم. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/60)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/224)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/243). ، ولا عندَ الاستواءِ، وهذا مذهبُ الحَنفيَّة [8084] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/85). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/69). ، والحَنابِلَة [8085] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/452). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/82). ، وهو قول ابن باز [8086]  قال ابن باز: (إذا صادف ذلك - الصلاة على الجنازة ودفنها - وقت الساعات الثلاث أجلت الصلاة عليها ودفنها؛ لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/201). ، وقولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ [8087] ((المغني)) لابن قدامة (2/82). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوْا بصلاتِكم طلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها)) [8088] رواه البخاري (582)، ومسلم (828). . 2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا طَلَعَ حاجبُ الشَّمسِ [8089] حاجب الشمس: أي طَرَف قُرْصِها، أي أوَّلُ ما يبدو منها كالحاجِبِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (2/60)، ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/516). فأخِّروا الصَّلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصَّلاةَ حتى تغيبَ)) [8090] رواه البخاري (583) واللفظ له، ومسلم (829). . وجهُ الدَّلالة من الحَديثينِ: أنَّ صلاةَ الجنازةِ صلاةٌ؛ لقولِه تعالى : وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا فسمَّاها الله صلاةً [8091] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 217)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/318). ، فتدخلُ في عمومِ النَّهيِ عَنِ الصلاةِ في هذه الأوقاتِ.3- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ينهانا أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أنْ نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ)) [8092] أخرجه مسلم (831). .وجه الدلالة: أنَّه نُهِي عن الدفنِ في هذه الأوقاتِ، والصَّلاةُ المقرونةُ بالدَّفنِ تتناولُ صلاةَ الجِنازة، وتمنَعُها القرينةُ من الخروجِ بالتَّخصيصِ، بخلافِ ما بعدَ الصُّبح، وما بعدَ العصرِ [8093] ((المغني)) لابن قدامة (2/82). .ثانيًا: لأنَّها صلاةٌ من غيرِ الصَّلواتِ الخمسِ؛ فلم يَجُزْ فِعلُها في هذهِ الأوقاتِ الثَّلاثةِ؛ كالنوافلِ المطلَقةِ، وإنَّما أُبيحتْ بعدَ الصبحِ والعصرِ؛ لأنَّ مُدَّتَهما تطُولُ، فالانتظارُ يُخافُ منه عليها، وهذه مُدَّتُها تَقصُر [8094] ((المغني)) لابن قدامة (2/82). .الفرع الثَّاني: مكانُ الصَّلاةِ على الميِّتِالمسألة الأولى: الصَّلاةُ على الميِّتِ في المسجِدِتجوزُ الصَّلاةُ على الميِّتِ في المسجدِ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [8095] ((المجموع)) للنووي (5/213)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/361). ، والحَنابِلَة [8096] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/125). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/368). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ [8097] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/454)، ((المجموع)) للنووي (5/213). ، واختارَه ابنُ المنذرِ [8098] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/160). ، وابنُ حَزم [8099] ((المحلى)) لابن حزم (3/390). ، وابنُ باز [8100] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/164). ، وابنُ عُثَيمين [8101] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/160). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن عَبَّادِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، يُحدِّثُ عن عائشةَ، ((أنَّها لَمَّا تُوفِّي سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، أرسلَ أزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنْ يمرُّوا بجِنازتِه في المسجدِ، فيُصلِّينَ عليه، ففَعلوا فوُقِفَ به على حُجَرِهنَّ يُصلِّين عليه؛ أُخرِجَ به من بابِ الجنائزِ الذي كان إلى المقاعدِ، فبلغهنَّ أنَّ الناسَ عابوا ذلك، وقالوا: ما كانتِ الجنائزُ يُدخَلُ بها المسجدَ، فبَلَغَ ذلك عائشةَ، فقالت: ما أَسرعَ الناسَ إلى أن يَعيبوا ما لا عِلمَ لهم به! عابوا علينا أن يُمَرَّ بجِنازةٍ في المسجدِ، ومَا صلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على سُهَيلِ ابنِ بَيضاءَ إلَّا في جوفِ المَسجدِ)) [8102] أخرجه مسلم (973). .ثانيًا: مِن الآثارعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (أنَّ عُمرَ بن الخطَّابِ صُلِّيَ عليه في المسجدِ) [8103] أخرجه ابن أبي شيبة (11969)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3091)، والحاكم في ((المستدرك)) (4516)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7039). قال ابن حزم في ((المحلى)) (5/162): (إسناده في غاية الصحَّة). وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/965). .المَسألةُ الثَّانيةُ: الصَّلاةُ على الجِنازةِ في المَقْبرةِ1- مَن دُفِنَ قبل أن يُصلَّى عليهمَن دُفِنَ قبلَ أن يُصلَّى عليه صُلِّيَ على قَبرِه، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة [8104] ((المبسوط)) للسرخسي (2/124). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/315)، لكن الحنفيَّة اشترطوا للصَّلاة على القبر: ألَّا يكون تفرَّق وتَمزَّق، وعلَّلوا ذلك بأنَّ المشروعَ الصَّلاة على الميِّت لا على أعضائِه. ، والمشهورُ عندَ المالِكيَّة [8105]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/71). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/142). ، والشافعيَّة [8106] ((المجموع)) للنووي (5/247). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/110)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/323). ، وهو روايةٌ عن أحمدَ، اختارَها بعضُ أصحابِه [8107] ((المغني)) لابن قدامة (2/412)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/331). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عن عبدِ الله بن عباسٍ رضي الله عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قَبرٍ بعدَما دُفِنَ؛ فكبَّر عليه أربعًا)) [8108] رواه البخاري (1319) بنحوه، ومسلم (954) واللفظ له. .2- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تَقُمُّ المسجدَ- أو شابًّا- ففَقَدها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسألَ عنها- أو عنه- فقالوا: مات، قال: أفلا كنتُم آذَنْتُمونى! قال: فكأنَّهم صَغَّروا أمرَها- أو أمرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِها، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بِصَلاتِي عليهم)) [8109] رواه البخاري (458)، ومسلم (956) واللفظ له. .ثانيًا: أنَّ في ذلك إقامةً للواجبِ بقدْرِ الإمكانِ [8110] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 391). . 2- حُكمُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ في المَقبَرةِ لِمَنْ فاتتْه الصَّلاةُ عليهامَن فاتتْه صلاةُ الجِنازةِ فله أنْ يُصلِّيَ على الميِّتِ في المقبَرةِ قَبلَ الدَّفنِ وبَعْدَه، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ [1] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/130)، ((المجموع)) للنووي (5/247)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/346). ، والحَنابِلَةِ [2] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/121)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/381). ، وهو اختيارُ ابنِ القيِّمِ [3] قال ابن القيم: (فإنَّ الصَّلاةَ المنهيَّ عنها إلى القبرِ غيرُ الصَّلاةِ التي على القَبرِ؛ فهذه صلاةُ الجِنازةِ على الميِّتِ التي لا تختَصُّ بمكانٍ، بل فِعْلُها في غيرِ المسجِدِ أفضَلُ مِن فِعْلِها فيه؛ فالصَّلاةُ عليه على قَبرِه مِن جِنسِ الصَّلاةِ عليه على نَعْشِه؛ فإنَّه المقصودُ بالصَّلاةِ في الموضِعَينِ، ولا فَرْقَ بين كونِه على النَّعشِ وعلى الأرضِ وبيْن كونِه في بَطنِها، بخلافِ سائِرِ الصَّلَواتِ؛ فإنَّها لم تُشرَعْ في القُبورِ ولا إليها؛ لأنَّها ذريعةٌ إلى اتِّخاذِها مساجِدَ). ((إعلام الموقعين)) (2/428). ، وابنِ بازٍ [4] سُئل ابنُ باز: هل تجوزُ صلاةُ الجنازةِ في وسَطِ المقابِرِ؟  فأجاب: (لا حَرَجَ في ذلك، صلاةُ الجنازةِ تصَلَّى... تُفعَلُ في المقبرةِ، وهكذا على الميِّتِ بعد الدَّفنِ، النَّبيُّ ﷺ صلَّى على الميِّتِ بعد الدَّفنِ في المقبرةِ، والصَّلاةُ عليها في المقبرةِ مِثلُ الصَّلاةِ على القبرِ سواءً، فإذا وُضِعَت هناك وصلَّى عليها النَّاسُ، فلا حَرَجَ في ذلك).  ((الموقع الرسمي لابن باز)) وقال: (أمَّا الصَّلاةُ على الميِّتِ في المقبَرةِ فلا بَأْسَ، فقد صلَّى النَّبيُّ ﷺ على قَبرٍ بعدما دُفِنَ، لكِنَّ الأفضَلَ أن يصلَّى عليه في المصلَّى المعَدِّ للجِنازةِ أو المساجِدِ، حتَّى يصَلِّيَ عليه جمعٌ غفيرٌ مِنَ النَّاسِ، الأفضَلُ لأهلِه أن يقدِّموه للمُسلِمينَ يُصَلُّونَ عليه في المساجِدِ أو في المصلَّى المعَدِّ لصلاةِ الجِنازةِ، إذا كان هناك مصلًّى مُعَدٌّ لصلاةِ الجِنازةِ، فإنْ لم يتيسَّرْ ذلك قد صلِّيَ عليه في المقبرةِ، فلا حَرَج.( ((الموقع الرسمي لابن باز((. ، وابنِ عُثَيمين [5] قال ابنُ عثيمين: (لو جِيءَ بالميِّتِ وصُلِّيَ عليه في المقبرةِ قبل الدَّفنِ فما الحُكمُ؟ فالجوابُ أن نقولَ: لدينا الآن عُمومُ: «الأرضُ كلُّها مَسجِدٌ إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ»، والصَّلاةُ على الميِّتِ صلاةٌ بلا شَكٍّ؛ ولهذا تُفتتَحُ بالتَّكبيرِ، وتُختَتَم بالتَّسليمِ، ويُشتَرَطُ لها الطَّهارةُ والقِراءةُ؛ فهي صلاةٌ، فما الذي يُخرِجُها من عُمومِ قَولِه: «إلَّا المقبرةَ؟»، لكِنْ ربَّما يَسوغُ لنا أن نقيسَها على الصَّلاةِ على القَبرِ، وما دام أنَّه قد ثبت أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى على القَبرِ؛ فلا فَرْقَ بين أن يُصلَّى على جِنازةٍ مَدفونةٍ، أو على جِنازةٍ غيرِ مَدفونةٍ؛ لأنَّ العِلَّةَ واحِدةٌ، وهي أنَّ هذا الميِّتَ الذي يُصلَّى عليه كان في المقبَرةِ، وعَمَلُ النَّاسِ على هذا؛ أنَّه يُصلَّى على الميِّتِ، ولو قَبلَ الدَّفنِ في المقبَرةِ). ((الشرح الممتع)) (2/241). وقال: (يُستثنى من الصَّلاةِ في المَقبَرةِ الصَّلاةُ على القبرِ، وكذلك الصَّلاةُ على الجِنازةِ قَبْلَ دَفْنِها؛ لأنَّ هذه صلاةٌ خاصَّةٌ تتعلَّقُ بالميِّتِ، فكما جازت الصَّلاةُ على القبرِ على الميِّتِ؛ فإنَّها تجوزُ الصَّلاةُ عليه قَبْلَ الدَّفنِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/376). ، واللَّجنةِ الدَّائِمةِ [6] جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (تجوزُ الصَّلاةُ على الجِنازةِ في المقبرةِ قبل الدَّفنِ، فإن دُفِنَت صَلَّى على القبرِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى على قبرٍ، والمنهيُّ عنه في المقبرةِ مِنَ الصَّلَواتِ غيرُ صلاةِ الجنازةِ، وأمَّا صلاةُ الجِنازةِ فهي مُستثناةٌ من النَّهيِ، وسواءٌ كانت القُبورُ خَلْفَ المصَلِّينَ أو أمامَهم أو إلى جانِبِهم). ((فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ - المجموعة الثَّانيةُ)) (7/254). وجاء فيها: (من لم يُصَلِّ على الجنازةِ في المسجِدِ فإنَّه لا بأسَ أن يصَلِّيَ عليها في أيِّ مكانٍ في المقبَرةِ قبلَ الدَّفنِ، فإذا دُفِنَت الجِنازةُ صُلِّيَ على القبرِ). ((فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ - المجموعةُ الثَّانيةُ)) (7/272). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ امرأةً سَوْداءَ كانتْ تقُمُّ المسجِدَ -أو شابًّا- ففَقدَها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسألَ عنها -أو عنه- فقالوا: مات، قال: أفلا كنتُم آذَنْتُمونى! قال: فكأنَّهم صَغَّروا أَمْرَها - أو أَمْرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِها، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثمَّ قال: إنَّ هذه القُبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بصَلاتِي عليهم)) [7] رواه البخاري (458)، ومسلم (956). .2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على قبرٍ بَعدَما دُفِن، فكبَّر عليه أربعًا))، وفي روايةٍ قال: ((انتهى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى قبرٍ رَطْبٍ فصلَّى عليه، وصفُّوا خَلْفَه، وكبَّر أربعًا)) [8] رواه البخاري (1319) بنحوه، ومسلم (954)، واللَّفظُ له. .3- عن الشَّعْبيِّ، قال: أخبَرني مَن شهِدَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه: ((أتَى على قبرٍ مَنبوذٍ، فصفَّهم، وكبَّرَ أربعًا))، قلتُ: مَن حدَّثَك، قال: ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما [9] أخرجه البخاري (1319) واللَّفظُ له، ومسلم (954). .وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الأحاديثِثبت في هذه الأحاديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى على مَيِّتٍ في القَبرِ، ولا فَرْقَ بيْن أن يُصلَّى على جِنازةٍ مدفونةٍ، أو على جِنازةٍ غيرِ مَدفونةٍ؛ لأنَّ العِلَّةَ واحِدةٌ، وهي وُجودُ الميِّتِ الذي يُصلَّى عليه في المَقبَرةِ [10] ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/241). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه. المطلب الثَّاني: مَن يُصلَّى عليه ومَن لا يُصلَّى عليه. المطلب الرَّابع: تعدُّدُ الجنائزِ . المطلب الخامس: إعادةُ صلاةِ الجِنازة.

الفرع الأوَّل: الصَّلاةُ الواحدةُ على أكثرَ مِن ميِّتإذا حضرتْ جنائزُ جاز أن يُصلَّى عليها جميعًا صلاةً واحدةً، وجاز أنْ يُصلَّى على كلِّ واحدةٍ وحْدَها.الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن نافعٍ: ((أنَّ ابنَ عُمرَ صلَّى على تِسعِ جنائزَ جميعًا، فجعَل الرِّجالَ يَلُونَ الإمامَ، والنِّساءَ يَلينَ القِبلةَ، فصفَّهُنَّ صفًّا واحدًا، ووُضِعتْ جِنازةُ أمِّ كُلثوم بنتِ عليٍّ، امرأةِ عمرَ بنِ الخطَّاب، وابن لها يقال له: زيدٌ؛ وُضِعَا جميعًا، والإمامُ يومئذ سعيدُ بنُ العاص، وفي النَّاسِ ابنُ عُمَرَ، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قَتادة، فوُضِع الغلامُ ممَّا يلي الإمامَ، فقال رجلٌ: فأنكرتُ ذلك، فنظرتُ إلى ابنِ عبَّاس، وأبي هُريرة، وأبي سعيدٍ، وأبي قَتادة، فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: هِي السُّنَّة)) [8133] أخرجه النسائي (1978)، وابن الجارود في ((المنتقى)) (545)، والدارقطني (1852)، والبيهقي (6919). حسَّن إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/969)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (2/422)، وابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/604)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/716)، وصحَّحه على شرط الشيخين الألبانيُّ في ((أحكام الجنائز)) (132)، وقال الوادعي ((الصحيح المسند)) (731): (إسناده صحيح، وأثَر ابن عمر صحيح، ولكنَّه موقوف عليه. وقول الصَّحابة الآخرين: ((هي السُّنة)) من طريق مُبهَم، لا نَدري من هو الرجل). وفي رواية لأبي داود (3193)، والنسائي (1977) صرح بالرَّجُل المبهم، وهو عمَّار، مولى الحارث بن نوفل. قال النوويُّ في ((المجموع)) (5/224): (إسناده صحيح، وعمَّار هذا تابعيٌّ مولًى لبني هاشم، اتَّفقوا على توثيقِه). وصحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1396) .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماع على ذلك: ابن قدامة [8134] قال ابنُ قُدامةَ: (ولا خِلافَ بين أهل العلم في جواز الصَّلاة على الجنائز، دفعةً واحدةً، وإنْ أفردَ كلَّ جِنازَةٍ بصلاةٍ جاز). ((المغني)) (2/419). .  ثالثًا: لأنَّ الغرضَ من الصَّلاةِ الدعاءُ، والجمعُ فيه ممكِنٌ، سواءٌ أكانت ذكورًا أم إناثًا، أم ذكورًا وإناثًا معًا [8135] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/348). .الفرع الثَّاني: حضورُ جنائزَ أخرى بعدَ التَّكبيرِلو افتتحَ الإمامُ الصَّلاةَ على الجِنازة، ثم حضرتْ أخرى- وهُم في الصَّلاةِ- تُرِكتْ حتى يفرغَ من صلاتِه على الأولى، ثم يُصلِّي على الثَّانيةِ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8136] ((المبسوط)) للسرخسي (2/121). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/316). ولهم في ذلك بعض التفاصيل. ، والمالِكيَّة [8137]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/6). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/467). ، والشافعيَّة [8138] ((المجموع)) للنووي (5/227)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/341) .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّ الثانيةَ لم تُنوَ [8139] ((الذخيرة)) للقرافي (2/467). .ثانيًا: لأنَّه شَرَعَ في الصَّلاةِ على الأُولى، فيُتمُّها [8140] ((المبسوط)) للسرخسي (2/121). .ثالثًا: لأنَّه لا يخلو؛ إمَّا أن يقطعَ الصَّلاةَ ويبتدئَ عليهما جميعًا، وهذا لا يجوزُ؛ لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33]، أو لا يقطع ويتمادَى عليهما إلى أنْ يُتِمَّ تكبيرَ الأولى ويُسلِّم، وهذا يؤدِّي إلى أن يُكَبِّر على الثَّانية أقلَّ مِن أربعٍ، أو يتمادَى إلى أن يُتِمَّ التكبيرَ على الثَّانية، فيكون قد كبَّرَ على الأُولى أكثرَ من أربعٍ؛ فلذا مُنِع من إدخالِها معها [8141] ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/553). .الفرع الثالث: ترتيبُ الجنائزِ إذا تعدَّدتْ المسألة الأولى: إذا اجتمعتْ جنائزُ مختلفةٌ في الجِنسِ إذا اجتمعتْ جنائزُ مختلفةٌ أجناسُها، قُدِّمَ الرجالُ، ثم الصِّبيانُ، ثم الخَنَاثَى، ثم النِّساءُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8142] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 221). ويُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/250). ، والمالِكيَّة [8143] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/236). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/134). ، والشافعيَّة [8144] ((المجموع)) للنووي (5/226)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/348). ، والحَنابِلَة [8145] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/359)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/112). ، وهو قولُ بعضِ السَّلَف [8146] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/355)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/48). ، وحُكِيَ الإجماعُ على أنَّ الرجُلَ يُقدَّمُ على المرأةِ [8147] قال ابنُ قُدامةَ: (ولا خِلافَ في تقديم الرجُلِ على المرأة). ((المغني)) (2/418). ، وأنَّ الخُنثى يُقدَّمُ على المرأةِ [8148] قال ابنُ قُدامةَ: (ولا خِلافَ في تقديم الخُنثى على المرأةِ؛ لأنَّه يُحتَمَلُ أن يكونَ رجلًا). ((المغني)) (2/418). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة عن نافعٍ: ((أنَّ ابنَ عُمرَ صلَّى على تِسعِ جنائزَ جميعًا، فجعَل الرِّجالَ يَلُونَ الإمامَ، والنِّساءَ يَلِينَ القِبلةَ، فصفَّهُنَّ صفًّا واحدًا، ووُضِعتْ جِنازةُ أمِّ كُلثوم بنتِ عليٍّ، امرأةِ عمرَ بن الخطَّاب، وابن لها يقال له: زيدٌ؛ وُضِعَا جميعًا والإمامُ يومئذ سعيدُ بن العاص، وفي النَّاس ابنُ عُمَرَ، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قَتادة، فوُضِع الغلامُ ممَّا يلي الإمامَ، فقال رجلٌ: فأنكرتُ ذلك، فنظرتُ إلى ابنِ عبَّاس، وأبي هريرةَ، وأبي سعيدٍ، وأبي قَتادة، فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: هِي السُّنَّة)) [8149] أخرجه النسائي (1978)، وابن الجارود في ((المنتقى)) (545)، والدارقطني (1852)، والبيهقي (6919). حسَّن إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/969)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (2/422)، وابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/604)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/716)، وصحَّحه على شرط الشيخين الألبانيُّ في ((أحكام الجنائز)) (132)، وقال الوادعي ((الصحيح المسند)) (731): (إسناده صحيح، وأثَر ابن عمر صحيح، ولكنَّه موقوف عليه. وقول الصَّحابة الآخرين: ((هي السُّنة)) من طريق مُبهَم، لا نَدري من هو الرجل). وفي رواية لأبي داود (3193)، والنسائي (1977) صرح بالرَّجُل المبهم، وهو عمَّار، مولى الحارث بن نوفل. قال النوويُّ في ((المجموع)) (5/224): (إسناده صحيح، وعمَّار هذا تابعيٌّ مولًى لبني هاشم، اتَّفقوا على توثيقِه). وصحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1396). .ثانيًا: لأنَّ الرَّجلَ يستحقُّ التقدُّمَ في الإمامةِ لفضيلَتِه؛ فاستحقَّ تقديمَ جِنازتِه [8150] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/112). . ثالثًا: يُقدَّمُ الصبيانُ على النِّساءِ؛ لأنَّهم يُقدَّمونَ عليهنَّ في الصفِّ في الصَّلاةِ المكتوبةِ، فكذلك يُقدَّمونَ عليهنَّ ممَّا يلي الإمامَ عند اجتماعِ الجنائزِ، كالرِّجالِ [8151] ((المغني)) لابن قدامة (2/418). .رابعًا: يُقدَّم الخُنْثى على المرأةِ؛ لأنَّه يُحتمَلُ أن يكونَ رَجلًا، وأدْنى أحوالِه أن يكونَ مُساويًا لها [8152] ((المغني)) لابن قدامة (2/418). .المسألة الثانية: إذا اجتمعتْ جنائزُ مُتَّحِدةٌ في الجِنسِإذا اجتمعَتْ جنائزُ مِن جنسٍ واحدٍ؛ قُدِّمَ إلى الإمامِ أفضلُهم [8153] قال النوويُّ: (قال إمامُ الحرمينِ وغيرُه: والمعتبَرُ في الفضيلةِ هنا: الوَرَع والتَّقوى، وسائِرُ الخِصال المَرْعيَّة في الصَّلاةِ عليه). ((المجموع)) (5/226). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة [8154] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/202). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/130)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/316). للحنفيَّة بعضُ التفاصيل في المسألة؛ فالأَوْلى عندهم أن يُصلَّى على كلِّ جِنازَة على حِدَةٍ، ويُقدَّم الأفضلُ فالأفضلُ، فإنْ لم يُفعَل فلا بأس، ويبقى التخييرُ في وضْعِ الجنائِزِ هل صفًّا واحدًا، كما يصفُّون حالَ حياتِهم، ويقف الإمامُ عند الأفضلِ، أو تُوضَعُ الجنائِزُ واحدةً تلوَ الأخرى ممَّا تلي القبلةَ؛ ليقومَ الإمامُ بحِذاءِ الكُلِّ، ويكون أفضلُهم ممَّا يلي الإمامَ. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/315، 316) ، والمالِكيَّة [8155] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/236). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/134). ولهم طريقتانِ في كيفيَّةِ وضْعِهم، فيقدَّم الأفضل فالأفضل، والجنائز إمَّا أن تُوضَع واحدةً تلوَ الأخرى ممَّا تلي القبلةَ، ويكون أفضَلُهم ممَّا يلي الإمامَ، أو أن يُجعَلوا سطرًا واحدًا من الشَّرق إلى الغرب ويقِف الإمامُ عند الأفضل وعن يمينه الذي يليه في الفَضْل، والمفضول عند رأس الفاضِلِ، ومن دونهما في الفَضْل عن شِماله...إلخ، ولم يُفضِّلوا إحدى الصورتين على الأخرى. ينظر المراجع السابقة. ، والشافعيَّة [8156] ((المجموع)) للنووي (5/226)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/348). ولهم طريقتانِ في كيفيَّة وضْعهم؛ أصحُّهما: أن يُوضَع الجميعُ بين يَدَيِ الإمام بعضُهم خلفَ بعضٍ؛ ليُحاذِيَ الإمامُ الجميعَ، ويقدَّم إلى الإمام أفضلُهم. والطريقة الثانية: أنْ يُوضَع الجميع صفًّا واحدًا، رأسُ كلِّ واحدٍ عند رِجل الآخَر، ويَجعل الإمامُ جميعَهم عن يمينه، ويقف في محاذاة الآخِر منهم. ، والحَنابِلَة [8157]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/112). ويُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/363). وعندهم تُوضَع الجنائِزُ واحدةً تِلوَ الأخرى، ويُقدَّم أفضلُهم، ويُسوَّى بين رُؤوسِهم. ؛ وذلك لأنَّه يستحقُّ التقدُّمَ في الإمامةِ لفضيلتِه، فاستحقَّ تقديمَ جنازتِه [8158] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/112). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه. المطلب الثَّاني: مَن يُصلَّى عليه ومَن لا يُصلَّى عليه. المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها . المطلب الخامس: إعادةُ صلاةِ الجِنازة.

اختَلَف أهلُ العلمِ في إعادةِ صلاةِ الجِنازة، على قولينِ: القول الأوّل: مَن صلَّى على جِنازة، فإنَّه لا يُعيدُ الصَّلاةَ عليها مرَّةً ثانيةً، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفِقهيةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8159] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/195)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 390). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311)؛ لأنَّه لا يُصلَّى على المَيِّت عندهم إلَّا مرةً واحدةً إلَّا لمسوِّغات ذكروها، ومن باب أَوْلى مَن صلَّاها لا يُعيدها. ، والمالِكيَّة [8160] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/54). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/137، 143). ونصُّوا على كراهةِ تكريرِها. ، والشافعيَّة- وهو الأصحُّ عندهم- [8161] ((المجموع)) للنووي (5/246)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/361). وعندهم لا يُستحبُّ له الإعادةُ، بل المُستحَبُّ تركُها. ، والحَنابِلَة [8162] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/372). ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/122)، وصرَّح الحنابلة بالكراهة. ؛ وذلك لأنَّ الإعادةَ نافلةٌ، وصلاةُ الجِنازةِ لا يُتنفَّلُ بمثلِها [8163] ((المهذب)) للشيرازي (1/249). .القول الثاني: مَن صلَّى على جِنازة فله أن يُعيدَ الصَّلاةَ عليها مع جماعةٍ أخرى، وهو وجهٌ عند الشافعيَّة [8164] قال النوويُّ: (إذا صلَّى على الجِنازَةِ جماعةٌ أو واحد ثم صلَّت عليها طائفةٌ أخرى، فأراد مَن صلَّى أولًا أن يُصلِّيَ ثانيًا مع الطائفة الثانيةِ، ففيه أربعة أوجه: (أصحُّها) باتِّفاق الأصحابِ: لا يُستحبُّ له الإعادةُ، بل المستحبُّ تركُها، والثاني: يُستحبُّ الإعادةُ...). ((المجموع)) (5/220). ، وقولٌ عند الحَنابِلَة [8165] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/372). ، واختيارُ ابنِ تيميَّةَ [8166] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/388). ، وابنِ باز [8167] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/153). ؛ وذلك قياسًا على سائرِ الصَّلواتِ في جوازِ إعادتِها مع مَن يُصلِّي جماعةً [8168] ((المهذب)) للشيرازي (1/249). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه. المطلب الثَّاني: مَن يُصلَّى عليه ومَن لا يُصلَّى عليه. المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها . المطلب الرَّابع: تعدُّدُ الجنائزِ .

الفرع الأوَّل: حُكمُ الجماعةِ في صلاةِ الجِنازةلا تُشترَطُ الجماعةُ في صلاةِ الجِنازة، ويَسقطُ فرضُها بواحدٍ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8169] ((حاشية ابن عابدين)) (2/208). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/130)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/315). ، والشافعيَّة [8170] ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/147)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/345). ، والحَنابِلَة [8171] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/361)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/109). ، وقولٌ عند المالِكيَّة [8172] ((حاشية الدسوقي)) (1/423). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/458). المالكيَّة اختلفوا في اشتراط الجماعة؛ فابن رشد يرى الاشتراطَ، بينما اللخميُّ لا يرى ذلك؛ قال الحطَّاب: (قال ابن ناجي: وظاهِرُ الكتاب أنَّه إذا صلَّى على الجِنازَة واحدٌ فقط فإنَّه يُصلِّي عليها، وهو كذلك باتِّفاقٍ، وإنَّما اختُلف؛ هل ذلك على طريقِ الوجوب ما لم تفُتِ الصلاةُ عليه- قال ابن رشد: أم يُستحَبُّ التلافي فقط؟ قاله اللخمي انتهى. فالكراهةُ إنما هو إذا صلَّى عليها جماعةٌ، وأمَّا إذا صلَّى عليها واحد فالإعادة مطلوبة إمَّا وجوبًا على قول ابن رشد القائلِ باشتراط الجماعة فيها، وإمَّا استحبابًا على طريقة اللخمي). ((مواهب الجليل)) (3/54). وقال القرافيُّ: (ولا يُشترط فيها الجماعةُ؛ قال اللخمي: يَكفي الواحدُ، والجماعةُ سُنَّتُها، قال صاحب المقدِّمات: وشَرطُ صحَّتِها الإمامةُ؛ فإنْ فُعِلَت بغير إمامٍ أُعيدت ما لم تفُتْ، وهو مُناقِضٌ لِمَا تقدَّم). ((الذخيرة)) (2/458) ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8173] قال النوويُّ: (تجوزُ صلاة الجِنازة فُرادَى بلا خلافٍ، والسُّنة أن يُصلَّى جماعةً). ((المجموع)) (5/214). . وذلك للآتي: أولًا: أنَّ الصَّلاة على الميِّتِ فرضٌ تَعلَّق به؛ فسقَطَ بالواحدِ [8174] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/109). .ثانيًا: القياسُ على غُسلِ الميِّت وتكفينِه؛ فإنَّه يسقُط بفِعلِ شخصٍ واحدٍ [8175] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/357). .الفرع الثَّاني: أحقُّ الناسِ بالإمامةِ في صلاةِ الجِنازةالمسألة الأولى: أَوْلى النَّاسِ بالصَّلاةِ على الميِّتالوَصيُّ هو أحقُّ النَّاسِ بالصَّلاةِ الميت، وهو مذهبُ المالِكيَّة [8176] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/251). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/143). ، والحَنابِلَة [8177] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/110). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/358). ، ووجهٌ عند الشافعيَّة [8178] قال النوويُّ: (الطريقُ الثاني فيه حكاه الرافعيُّ عن الشيخ أبي محمَّد الجويني: أنَّه خرَّجه على الوجهينِ فيمَن أوصى أجنبيًّا في أمورِ أولاده ولهم جدٌّ، الصحيح: لا يصحُّ، والثاني: يصحُّ؛ فعلى هذا تصحُّ وصيتُه إلى مَن يُصلِّي عليه، ويُقدَّم على القريبِ). ((المجموع)) (5/220). ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ [8179] قال ابنُ المنذر: (واختلفوا في الرجل يُوصِي إلى رجلٍ أن يُصلِّيَ عليه، فاختلَفَ المُوصَى إليه والوليُّ، فقالت طائفةٌ: الوصيُّ أحقُّ، هذا مذهَبُ أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبي بَرْزةَ، وسعيد بن زيد، وأمِّ سلمة، ومحمَّد بن سيرين، وأحمد، وإسحاق). ((الأوسط)) لابن المنذر (5/437)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/220). وقال ابنُ قُدامةَ: («وأحقُّ النَّاسِ بالصلاةِ عليه مَن أَوْصى له أن يُصلِّي عليه» هذا مَذهَب أنس، وزيد بن أرقم وأبي برزة، وسعيد بن زيد، وأمِّ سلمة، وابن سِيرين). ((المغني)) (2/358). ، وقولُ ابنِ حزمٍ [8180] قال ابنُ حزم: (واستدركْنا الوصيةَ بأن يُصلِّيَ على الموصِي غيرُ الوليِّ وغيرُ الزَّوج). ((المحلى)) (3/370). وقال أيضًا: (وأحقُّ الناس بالصَّلاة على الميِّت والميِّتة: الأولياءُ... إلَّا أن يُوصي الميتُ أن يصلِّيَ عليه إنسانٌ، فهو أَوْلى). ((المحلى)) (3/368) ، وحُكِيَ فيه إجماع الصحابة [8181] قال ابنُ قُدامةَ: (ولنا: إجماعُ الصَّحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم، رُوِيَ أنَّ أبا بكر أوصى أن يُصلِّيَ عليه عُمَرُ؛ قاله أحمد، قال: وعمر أَوْصى أن يُصلِّيَ عليه صُهيبٌ، وأمُّ سَلَمة أوصتْ أن يُصلِّيَ عليها سعيد بن زيد، وأبو بَكرةَ أَوْصى أن يُصلي عليه أبو برزة. وقال غيرُه: عائشةُ أوصت أن يُصلِّي عليها أبو هُريرة، وابنُ مسعود أوصى أن يُصلي عليه الزبيرُ، ويونسُ بن جُبير أوصى أن يُصلِّيَ عليه أنسُ بن مالك، وأبو سَرِيحةَ أَوْصى أن يُصلي عليه زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حُرَيثٍ وهو أميرُ الكوفة ليتقدَّمَ فيُصلِّي عليه، فقال ابنه: أيُّها الأمير، إنَّ أبي أوصى أن يُصلِّي عليه زيدُ بن أرقم، فقدَّم زيدًا، وهذه قضايا انتشرت، فلم يظهرْ مخالفٌ، فكان إجماعًا). ((المغني)) (2/358). واستثنى بعضُ العُلَماءِ إمامَ المسجد: فقال ابنُ باز: (إمامُ المسجِدِ أَوْلى بالصَّلاةِ على الجِنازَة من الشَّخصِ المُوصى له؛ لقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سُلطانه))، وإمامُ المسجِدِ هو صاحبُ السُّلطان في مسجده). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/137). وقال ابنُ عُثَيمين: (إنْ صُلِّيَ عليه في المسجِدِ، فالإمامُ أَوْلى (أعني إمامَ المسجد)؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه))، وإمام المسجِدِ سلطانٌ في مسجِدِه، وإنْ صُلِّيَ عليه في مكانٍ غيرِ المَسجدِ فأَوْلى النَّاسِ به وصيُّه، فإنْ لم يكُنْ له وصيٌّ فأقرَبُ الناس إليه، وإنْ صلَّى أحدُ الحاضرين، فلا بأس). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/113). .الأدلَّة: أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة: 181].وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّه يجِبُ العملُ بوصيَّةِ المُوصِي على حسَبِ ما أَوْصى إلَّا أن يكونَ جَنَفًا أو إثمًا [8182] ((تفسير العثيمين- الفاتحة والبقرة)) (2/311). .ثانيًا: لأنَّه حقٌّ للميِّتِ؛ فقُدِّمَ فيه وصيُّه على غيرِه [8183] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/88). .المسألة الثانية: الوالي أحقُّ بالصَّلاةِ على الميِّت من الوَليِّيُقدَّمُ الوالي على الوَليِّ في الصَّلاةِ على المَيتِ، وهذا مذهبُ الحَنفيَّة [8184] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/238). ويُنظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/164). ، والمالِكيَّة [8185] ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/273). ويُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (2/19)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/64). ، والحَنابِلَة [8186] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/110). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/359). ، والمذهَبُ القديم عندَ الشافعيَّة [8187] ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/488)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/347). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف [8188] ((المجموع)) للنووي (5/217). ، وذهب إليه أكثرُ أهلِ العِلم [8189] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/346). وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/217). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن عُقبةَ بنِ عمرِو بنِ ثَعلبةَ، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يُؤَمُّ الرَّجُلُ في سُلطانِه)) [8190] أخرجه مسلم (673). .ثانيًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخلفاءَه من بعده كانوا يُصلُّون على الموتَى، ولم يُنقلْ عن أحدٍ منهم أنَّه استأذن العَصَبةَ [8191] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/110). .ثالثًا: لأنَّها صلاةٌ يُسنُّ لها الاجتماعُ، فإذا حضرَها السلطانُ كان أَوْلى بالتقديمِ، كالجُمَعِ والأعيادِ [8192] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/110). .الفرع الثَّالث: صلاةُ النِّساءِ على الميِّتِالمسألة الأولى: حُكمُ صلاةِ النِّساءِ على الميِّتِيُشرَعُ للنِّساءِ الصَّلاةُ على الجِنازة، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة [8193] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/372). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/314)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (2/197). ، والمالِكيَّة [8194] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/252). ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/262). ، والشافعيَّة [8195] ((المجموع)) للنووي (5/213)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/345). ، والحَنابِلَة [8196] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/378)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/109). .الأدلَّة: أولًا: من الآثارعن عَبَّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبير: (أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أمَرَتْ أن يُمَرَّ بجِنازة سعد بن أبي وقَّاصٍ في المسجدِ، فتُصلِّيَ عليه) [8197] أخرجه مسلم (973). .ثانيًا: لأنَّ المرأةَ مخاطَبةٌ بأحكامِ الشريعة كالرَّجُل؛ فالأصلُ أنَّ الأحكامَ عامَّةٌ للذكورِ والإناث، إلَّا ما جاء الدَّليلُ فيه بتخصيصِ أحدِهما بحُكم معيَّنٍ [8198] ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (8/415). .ثالثًا: لأنَّ ذلك فيه دعاءٌ للميِّت، وأجرٌ للمُصَلِّي؛ فشُرعِ للمرأةِ أيضًا [8199] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/114). .رابعًا: أنَّه لا يُوجَد دليلٌ شرعيٌّ يَمنعُ المرأةَ من الصَّلاةِ على الجِنازة [8200] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/134). . المسألة الثانية: إذا لم يحضُرِ الميِّتَ إلَّا النِّساءُإذا لم يحضُرِ الميِّتَ إلَّا النِّساءُ؛ فإنَّه يجبُ عليهنَّ الصَّلاةُ عليه، ويَسقطُ الفرضُ بفِعلِهنَّ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة [8201] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/136). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/60). ، والمالِكيَّة [8202] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/252). وعندهم (إذا لم يوجد مَن يُصلِّي على الميِّت إلَّا النساء؛ فإنهنَّ يُصلِّينَ عليه أفذاذًا دفعةً، ولا نظر لتفاوُتِ تكبيرهنَّ، ولا لسَبقِ بَعضِهنَّ بعضًا بالتَّسليم. وقيل: تؤمُّهنَّ واحدةٌ منهنَّ، كما نقله اللخمي عن أشهب؛ لأنَّه محلُّ ضرورةٍ، أو مراعاة لِمَن يرى جوازَ إمامةِ المرأةِ النِّساءَ). ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/144). ، والشافعيَّة [8203] ((المجموع)) للنووي (5/213)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/345). ، والحَنابِلَة [8204] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/238)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/378). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8205] قال النوويُّ: (إذا لم يحضرْه إلا النِّساءُ فإنَّه يجب عليهنَّ الصَّلاةُ عليه بلا خلافٍ، ويسقُطُ الفرض بفعلهنَّ حينئذ بلا خلافٍ). ((المجموع)) (5/213). . وذلك للآتي: أولًا: قياسًا على سائرِ الصَّلوات [8206] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/238). .ثانيًا: يجبُ أن يُصلِّينَ عليه مع عدَمِ الرِّجالِ؛ لضرورةِ الخروجِ عن عُهدةِ الفَرْضِ [8207] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/238). .الفرع الرَّابع: حُكمُ المسبوقِ في صلاةِ الجِنازةالمسألة الأولى: المسبوقُ الذي فاتَتْه بعضُ التكبيراتِاختَلفَ أهلُ العِلمِ في قضاءِ المسبوقِ ما فاتَه مِنَ التكبيراتِ، على قولين: القول الأوّل: يأتي بها بعدَ سلامِ الإمامِ، ولا تصحُّ صلاتُه إلَّا بتدارُكِها [8208] أمَّا إذا رُفِعَتِ الجِنازَة قبل أن يُتِمَّ المسبوق، فالصلاةُ صحيحةٌ عند الشافعيَّة ويُتمُّ صلاتَه، وعند المالكيَّة تتحوَّل إلى صلاة الغائب، وعند الحنفيَّة باطلة. ينظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/126)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/119)، ((المجموع)) للنووي (5/242). ، وهو مذهبُ الجُمهور: الحَنفيَّة [8209] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (221). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/314). ، والمالِكيَّة [8210] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/119). ، والشافعيَّة [8211] ((المجموع)) للنووي (5/241)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/344). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف [8212] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/494)، وينظر: (المجموع)) للنووي (5/243). ، واختاره ابنُ المنذرِ [8213] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/494)، وينظر: (المجموع)) للنووي (5/243). ، وابنُ حزمٍ [8214] ((المحلى)) لابن حزم (3/410). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة رَضِيَ الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ فلا تَأتوها تَسْعَونَ، وأْتُوها تَمْشُون، وعليكم السَّكينةُ، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) [8215] أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602) واللفظ له. .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وما فاتكم فأتِمُّوا))، يعمُّ صلاةَ الجِنازة وغيرَها [8216] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/12). .ثانيًا: قياسًا على سائرِ الصَّلواتِ [8217] ((المغني)) لابن قدامة (2/369). .القول الثاني: يأتي بها بعدَ سلامِ الإمامِ استحبابًا، فإنْ خَشِي رفْعَ الجِنازة والَى التكبيرَ من غيرِ ذِكْرٍ، فإذا سلَّم ولم يقضِ ما فاته صحَّت صلاتُه، وهو مذهبُ الحَنابِلَة [8218] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/120). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/369). ، وقولُ طائفةٍ من السَّلف [8219] ((المغني)) لابن قدامة (2/369). ، وقولُ ابنِ عُثَيمين [8220] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/137). ؛ وذلك لأنَّها تكبيراتٌ مُتوالياتٌ حالَ القيامِ، فلم يجبْ قضاءُ ما فاتَه منها، كتكبيراتِ العيدِ [8221] ((المغني)) لابن قدامة (2/369). . المسألة الثانية: هلْ يُكبِّر المسبوقُ في الحالِ أمْ ينتظرُ التكبيرةَ المُستقبَلَة؟المسبوقُ الذي أدركَ بعضَ الصَّلاةِ يُكبِّرُ في الحالِ، ولا يَنتظرُ التكبيرةَ المُستقبَلَة، وهو مذهبُ الشافعيَّة [8222] ((المجموع)) للنووي (5/243). ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/344). ، والحَنابِلَة [8223] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/120). ويُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/888). ، وقولٌ للمالكيَّة [8224] قال ابنُ عبد البرِّ: (روَى أشهبُ عن مالك أنَّه يُكبِّر ولا ينتظِرُ الإمامَ ليكبِّر بتكبيره، وهو أحد قَوْلَيِ الشافعيِّ، رواه المزنيُّ، وبه قال الليثُ، والأوزاعيُّ، وأبو يوسُفَ). ((الاستذكار)) (3/36). ، وقال به بعض السَّلف [8225] ((المجموع)) للنووي (5/243). ، وهو قولُ أبي يوسُفَ من الحَنفيَّة [8226] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 221). ، واختيارُ ابنِ المُنذِر [8227] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/494) وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/243). ، وابنِ حزمٍ [8228] ((المحلى)) لابن حزم (3/410). ، وابن عُثَيمين [8229] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/136). .الأدلَّة: أولًا: مِنَ السُّنَّةعن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فما أدركتُم فصلُّوا)) [8230] أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602). .ثانيًا: قياسًا على سائرِ الصَّلَواتِ [8231] ((المجموع)) للنووي (5/243). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه. المطلب الثَّاني: مَن يُصلَّى عليه ومَن لا يُصلَّى عليه. المطلب الثَّالث: زمَنُ الصَّلاةِ على الجِنازةِ، ومكانُها . المطلب الرَّابع: تعدُّدُ الجنائزِ .