تَكفينُ الميِّتِ المسلمِ فرضُ كِفايةٍ، وذلك في الجُملةِ. الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: بينما رجلٌ واقفٌ بعَرَفَةَ، إذ وَقَعَ عن راحِلَتِه، فوَقَصَتْه- أو قال: فأَوْقَصَتْه- قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اغسِلوه بماءٍ وَسِدْرٍ، وكفِّنوه في ثَوبينِ...)) [7736] أخرجه البخاري (1265) واللفظ له، ومسلم (1206). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ هذا أمْرٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم، والأمرُ للوُجوبِ [7737] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/93). . ثانيًا: من الإجماع نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [7738] قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ غُسْله- أي المسلم- والصلاةَ عليه- إن كان بالغًا- وتكفينَه- ما لم يكن شهيدًا أو مقتولًا ظلمًا في قصاصٍ؛ فَرْضٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص:34). وقال أيضًا: (غُسْلُ المسلمِ الذَّكرِ والأنثى، وتكفينُهما: فرْضٌ... ولا خلاف في أنَّ حُكْم الرجُلِ والمرأةِ في ذلك سواءٌ). ((المحلى)) (3/333). ، وابنُ العربيِّ [7739] قال ابنُ العربي: (الكَفَنُ للرجُلِ بعد الوفاةِ كالكُسوةِ في الحياةِ، لا بدَّ له منها، وهي أصلٌ في الدِّين مجمَعٌ عليه). ((عارضة الأحوذي)) (1/306). ، والقُرطبيُّ [7740] قال القرطبيُّ: (والتكفينُ واجبٌ عند عامَّة العلماءِ). ((تفسير القرطبي)) (4/299). ، والنوويُّ [7741] قال النووي: (تكفينُ المَيِّت فرْضُ كفايةٍ بالنَّصِّ والإجماعِ). ((المجموع)) (5/188). وقال أيضًا: (وجوبُ تكفين الميِّتِ، وهو إجماعُ المسلمين). ((شرح النووي على مسلم)) (7/8). وقال أيضًا: (واعلم أنَّ غُسلَ الميِّت، وتكفينَه، والصَّلاةَ عليه، ودَفنَه؛ فروضُ كفايةٍ بلا خلافٍ). ((المجموع)) (5/128). ، والمرداويُّ [7742] قال المَرداويُّ: (وله: «غُسل الميِّت، وتكفينُه، والصلاةُ عليه، ودفنُه، فرضُ كفايةٍ» بلا نِزاع). ((الإنصاف)) (2/330). . انظر أيضا: المطلب الثاني: من يجِبُ عليه تكفينُ المَيِّت. المطلب الثالثُ: ما يجِبُ وما يُستحَبُّ وما يُكرَه في الكَفَن. المطلب الرابعُ: حُكمُ تَجميرِ الكَفَن وتطييبِ المَيِّت. المطلب الخامسُ: صفةُ التَّكفينِ.

الفرع الأول: إذا كان للمَيِّتِ مالٌإذا كان للمَيِّت مالٌ فكَفَنُه أو ثَمَنُ كَفَنِه؛ مِن مالِه.الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((أقبَلَ رجلٌ حرامًا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَرَّ مِن بَعيرِه، فوُقِصَ وَقْصًا، فمات، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلوه بماءٍ وَسِدْرٍ وألْبِسُوهُ ثَوْبَيْه)) [7743] أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206) واللفظ له. .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ أن يُكَفَّنَ فى ثَوْبَيْه، وقَدَّمَه على الميراثِ وعلى الدَّيْنِ، ولم يسألْ عن وارِثِه، ولا عن دَيْنٍ عليه، ولو اختلَفَ الحالُ لسأَلَ [7744] ((زاد المعاد)) لابن القيم ( 2/240). .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ [7745] قال ابنُ المنذر: (واختلفوا في الكَفَنِ مِن أين يخرجُ، فقال أكثر أهل العلم: يخرُجُ من جميعِ المالِ... وفيه قولان شاذَّان: أحدهما قول خلاس بن عمرو: أنَّ الكفَنَ مِنَ الثُّلث، والآخر قول طاوس: أنَّ الكَفَن من جميعِ المال، فإن كان المالُ قليلًا فمِنَ الثُّلُث). ((الإشراف)) (2/335). على ذلك: النوويُّ [7746] قال النووي: (محل الكَفَنِ تَرِكَةُ المَيِّت؛ للحديثِ المذكور، والإجماعِ). ((المجموع)) (5/188). ، وابنُ القَطَّان [7747] قال ابن القطان: (وأجمعوا أنَّ ما يُوارَى به المَيِّتُ واجِبٌ مِن مالِه). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/185). .ثالثًا: لأنَّ حمزةَ ومُصْعبًا رَضِيَ اللَّهُ عنهما لم يوجَدْ لكُلِّ واحدٍ منهما إلَّا ثَوْبٌ، فكُفِّنَ فيه [7748] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2 /338). . رابعًا: لأنَّ لِباسِ المُفْلِس مُقَدَّمٌ على قضاءِ دَيْنِه؛ فكذلك كَفَنُ المَيِّتِ [7749] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2 /338). .الفرع الثاني: إذا لم يكن للمَيِّتِ مالٌإذا لم يكُنْ للميِّتِ مالٌ، وَجَبَ كَفَنُه وسائِرُ مُؤَنِ تجهيزِه على من تَلْزَمُه نفقَتُه؛ من والدٍ وولدٍ وسيِّدٍ [7750] وسيأتي الكلام عمَّا يتعلَّق بالزوج قريبًا. ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7751] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/238)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 215). ، والمالِكيَّة [7752] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/218). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/120). ، والشَّافعيَّة [7753] ((المجموع)) للنووي (5/190)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، والحَنابِلَة [7754] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/389،388). . وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ ذلك يَلْزَمُه حالَ الحياةِ؛ فكذلك بعد الموتِ [7755] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/338). .ثانيًا: لأنَّ الوَلَدَ تجِبُ نفقَتُه بالقرابةِ، ولا يَبْطُل ذلك بالموتِ [7756] ((المغني)) لابن قدامة (2/388). .ثالثًا: لأنَّ المملوكَ تجِبُ نفقَتُه بحَقِّ المِلْك لا بالانتفاعِ [7757] ((المغني)) لابن قدامة (2/388). . الفرع الثالث: إن لم يكن للمَيِّت مال وليس له من تلزَمُه نفَقَتُهإن لم يكن للمَيِّت مال وليس له من تلزَمُه نفَقَتُه، وجَبَتْ مُؤنةُ تجهيزِه في بيتِ المالِ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7758] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/238)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 215). ، والمالِكيَّة [7759] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/218). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/120،121). ، والشَّافعيَّة [7760] ((المجموع)) للنووي (5/190)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، والحَنابِلَة [7761] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/389). .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّ بيتَ المالِ للمصالحِ، وهذا مِن أهَمِّها [7762] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/354). .ثانيًا: قياسًا على نَفَقَتِه في حياتِه [7763] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). .الفرع الرابع: إذا لم يكن في بيتِ المالِ مالٌيجب كَفَنُ المَيِّت وسائِرُ مُؤَنِ تجهيزِه على عامَّةِ المسلمين، إن لم يكن له مَن تلزَمُه نفقَتُه، ولم يوجَدْ مالٌ في بيتِ مالِ المسلمينَ [7764] وكذا من مات في غير بلاد المسلمين. ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7765] ((حاشية ابن عابدين)) (2/206)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 216). ، والمالِكيَّة [7766] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/218). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/121). ، والشَّافعيَّة [7767] ((المجموع)) للنووي (5/190)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، والحَنابِلَة [7768] ((الإقناع)) للحجاوي (1/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ؛ وذلك قياسًا على كُسوَةِ الحيِّ [7769] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/354). .الفرع الخامس: هل يجِبُ على الزَّوْجِ كفَنُ امرأتِه؟اختلف أهلُ العِلْمِ في: هل يجبُ على الزَّوجِ كفنُ امرأتِه أو لا؛ على قولينِ: القول الأول: يجبُ على الزَّوجِ كفنُ امرأتِه، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة [7770] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/238)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 215). ، والأصَحُّ عند الشَّافعيَّة [7771] ((المجموع)) للنووي (5/189)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، وقولٌ للمالكيَّة [7772] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/414)، ((منح الجليل)) لعليش (1/490). ، واختارَه ابنُ عُثيمين [7773] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/305). .الأدلَّة: أولًا: من الكتابِ عمومُ قولِه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34].ثانيًا: لأنَّ نفقَةَ الزوجَةِ واجبةٌ على زَوْجِها حالَ حياتِها؛ فكذلك التكفينُ وتَجْهيزُها بعد مماتِها [7774] ((حاشية ابن عابدين)) (2/206). .ثالثًا: لأنَّ هذا مِن العِشْرةِ بالمعروفِ، ومِن المكافأةِ بالجميلِ [7775] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/305). .رابعًا: لأنَّ علائقَ الزوجيَّة لم تنقطِعْ [7776] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/305). .القول الثاني: يجِبُ كفنها مِن مالِها، وهو مذهَبُ المالِكيَّة [7777] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/218). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/120). ، والحَنابِلَة [7778]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/388). ، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة [7779] قال النووي: (إذا ماتت مُزَوَّجةٌ، فهل يلزم الزَّوجَ كفَنُها؟ فيه وجهان (أصحُّهما) عند جمهورِ الأصحابِ: يجِبُ على زوجها. وصحَّح الماوردي والشيخ أبو محمد الجويني في الفروق، والجرجاني في التحرير، وجوبَه في مالِها). ((المجموع)) (5/189). ، وهو قولُ محمَّدِ بنِ الحسَنِ مِنَ الحَنفيَّة [7780] قال الطحطاوي: (وعلى الرجُلِ تجهيزُ امرأته» أي تكفينُها ودَفْنُها.. وقال محمد: ليس عليه تكفينُها). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 574). ، وقولُ بعضِ السَّلَف [7781] قال النوويُّ: (الأصحُّ عندنا أنَّه على الزَّوجِ، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشعبي ومحمد بن الحسن وأحمد: في مالها، ورُوِيَ عن مالك). ((المجموع)) (5/149). ، واختارَه ابنُ حَزْمٍ [7782] قال ابن حزم: (وكفَنُ المرأةِ وحَفْرُ قَبْرِها مِن رأسِ مالها، ولا يلزَمُ ذلك زوجَها؛ لأنَّ أموالَ المُسلمين محظورةٌ إلا بنصِّ قرآن أو سنَّةٍ، قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ)). وإنما أوجب تعالى على الزَّوجِ النَّفَقة والكُسوة، والإسكانُ، ولا يُسَمَّى في اللغة التي خاطَبَنا اللهُ تعالى بها الكَفَنُ: كسوةً، ولا القبْرُ: إسكانًا). ((المحلى)) (3/345). .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّ النَّفَقةَ والكُسوةَ وَجَبتا في النِّكاحِ للتَّمكينِ مِنَ الاستمتاعِ؛ ولهذا تسقُطُ بالنُّشُوزِ والبينونَةِ، وقد انقطَعَ ذلك بالموتِ، فأشبَهَتِ الأجنبيَّةَ [7783] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). .ثانيًا: أنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ على الزَّوجِ لِزَوْجَتِه النَّفقَةَ، والكُسوة، والإسكانَ، ولا يُسَمَّى في اللُّغةِ التي خاطَبَنَا اللهُ تعالى بها الكَفَنُ: كُسوةً، ولا القبرُ: إسكانًا [7784] ((المحلى)) لابن حزم (3/345). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تكفينِ الميِّت. المطلب الثالثُ: ما يجِبُ وما يُستحَبُّ وما يُكرَه في الكَفَن. المطلب الرابعُ: حُكمُ تَجميرِ الكَفَن وتطييبِ المَيِّت. المطلب الخامسُ: صفةُ التَّكفينِ.

الفرع الأول: القَدْرُ الواجِبُ من الكَفَناختلف أهْلُ العِلْمِ في القَدْرِ الواجِبِ من الكَفَنِ على قولين: القول الأول: أقلُّ ما يُجزِئُ هو ما يستُرُ العورةَ، وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة [7785] ((المجموع)) للنووي (5/192)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/15). ، وأحَدُ القَولينِ المشهورَينِ عند المالِكيَّة [7786] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/21). ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير (1/552). ، واختاره ابنُ عبد البَرِّ [7787] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/4). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن خبَّابٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((هاجَرْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نبتغي وَجْه اللهِ، فوَجَبَ أجْرُنا على الله، ومنَّا من مضى أو ذَهَبَ لم يأكُلْ مِن أَجْرِه شيئًا، كان منهم مصعَبُ بن عُمَيرٍ؛ قُتِلَ يومَ أُحُدٍلم يَتْرُك إلَّا نَمِرَةً [7788] نَمِرة: هي ثيابٌ مخطَّطةٌ من صوفٍ، وجَمعُها: نِمارٌ، كأنَّها أُخِذَتْ من لونِ النَّمِرِ؛ لِمَا فيها مِنَ السَّوادِ والبياضِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/199)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/118). ، كنَّا إذا غَطَّيْنا بها رَأْسَه خَرَجَتْ رِجْلاه، وإذا غُطِّيَ بها رِجْلاه خَرَجَ رأسُه، فقال لنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: غَطُّوا بها رَأْسَه واجعلُوا على رِجْلِه الإذْخِرَ [7789] الإِذْخِر: حشيشةٌ طيِّبةُ الرائحةِ. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/76)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/33). ، أو قال: ألقُوا على رِجْلِه من الإذْخِر، ومنَّا من قد أينَعَتْ له ثمرَتُه [7790] أينَعَتْ له ثَمَرَته: أدركَتْ ونَضِجَت، والمقصود: مَنْ كَسَب المالَ، ونال مِن عَرَضِ الدنيا. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/266)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/7). فهو يَهْدِبها [7791] يَهدِبُها: أي يَجنيها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/250). ) [7792] أخرجه البخاري (4047) واللفظ له، ومسلم (940). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّهم لَمَّا غَطَّوه بنَمِرَةٍ دلَّ ذلك على أنه يُجْزِئ ما وارى العورةَ [7793] ((الأم)) للشافعي (1/303). .ثانيًا: لأنَّ المَيِّتَ ليس آكَدَ حالًا من الحَيِّ، والواجِبُ في الحيِّ سَتْرُ العورةِ لا غيرُ [7794] ((الشرح الكبير)) للرافعي (2/410). .القول الثاني: أقلُّه تكفينُه بثوبٍ واحدٍ يستُرُ جميعَ البَدَنِ [7795] قال العيني: (أجمعوا على أنَّه لا يُكفَّنُ في ثوبٍ يَصِفُ ما تحته ولا يَسْتُر). ((البناية)) (3/203). وعند الحنابلة يُكرَهُ التكفينُ في رقيقٍ يَحْكي هيئةَ البَدَنِ لرِقَّتِه، ولو لم يصِفِ البشَرةَ. ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ، وهذا مَذهَب الحَنابِلَة [7796] ((الإقناع)) للحجاوي (1/220)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/103). ، وهو أحدُ القولينِ المشهورينِ عند المالِكيَّة [7797] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/218). ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير (1/552)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/126). ، وقولُ الصنعانيِّ [7798] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/95). ، والشَّوكانيِّ [7799] ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/135). ، وابنِ بازٍ [7800] ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) لابن باز (ص: 347)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/297). ، وابنِ عُثيمينَ [7801] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/313). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا كفَّن أحدُكم أخاه، فلْيُحْسِنْ كفَنَه)) [7802] أخرجه مسلم (943). .وَجهُ الدَّلالةِ:  أنَّ الكَفَنَ الذي لا يَسْتُره ليس بحَسَنٍ [7803] ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/135). .2- عن أمِّ عطيَّةَ، قالت: ((تُوُفِّيَتْ بنتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال لنا: اغْسِلْنَهَا ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلكَ إن رأيتُنَّ ذلك، فإذا فرغتُنَّ فآذِنَّنِي، فلمَّا فرَغْنا آذَنَّاهُ، فنزعَ من حَقْوِهِ إزارَهُ، وقال: أَشْعِرْنَهَا [7804] أَيِ: اجْعَلْنَه شِعارَها. والشِّعارُ: الثوبُ الَّذِي يَلِي الجَسَد؛ لأَنَّهُ يَلِي شَعَرَه، والدِّثَارُ: الثوبُ الذي فَوق الشِّعار. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/480). إياهُ)) [7805] رواه البخاري (1257). . ثانيًا: لأنَّ العورةَ المغَلَّظةَ يُجْزِئ في سَترِها ثوبٌ واحِدٌ، فكَفَنُ المَيِّت أَوْلى [7806] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/103). .ثالثًا: أنَّ الصَّحابةَ الذين قَصُرَتْ بهم ثيابُهم عن الكَفَنِ أمَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسَّلامُ أن يُجعَلَ الكفَنُ مِن عندِ الرأسِ، ويُجْعَلَ على الرِّجْلين شيءٌ من الإذْخِرِ [7807] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/313). ، فدَلَّ على وجوبِ سَتْر جميعِ البَدَنِ.الفرع الثاني: ما يُستحَبُّ مِنَ الكَفَن، وما يجوزالمسألة الأولى: تكفينُ الرَّجُلِ في ثلاثةِ أثوابٍيُستحَبُّ أن يُكَفَّنَ الرجُلُ في ثلاثةِ أثوابٍ ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة [7808] ((المجموع)) للنووي (5/194)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/337). وعندهم يُكَفَّنُ في ثلاثةِ أثوابٍ: إزارٌ ولفافتانِ. ، والحَنابِلَة [7809] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/105). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/346). وعندهم يكفَّنُ في ثلاثِ لفائِفَ بِيضٍ. ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ [7810] ((المحلى)) (5/117). ، واختاره ابنُ باز [7811] قال ابن باز: (الأفضَلُ أن يُكَفَّنَ الرجلُ في ثلاثةِ أثوابٍ بِيضٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامة، يُدرَجُ فيها إدراجًا، وإن كُفِّنَ في قميصٍ وإزارٍ ولفافةٍ، فلا بأسَ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3 /297). وابنُ عُثيمين [7812] قال ابن عثيمين: (كُفِّن- أي: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثلاثةِ أثوابٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، هكذا كفَنُ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلام. فأنت... إذا مِتَّ تُكَفَّنُ كما كُفِّنَ الرَّسولُ عليه الصلاةُ والسَّلامُ: بثلاثةِ أثوابٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/96). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ يمانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ [7813] السَّحُولِيَّةُ: بفتح السِّينِ وضَمِّها، والفتح أشهَرُ، وهو روايةُ الأكثرين. قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثيابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ لا تكون إلَّا من القُطْنِ، وقال ابن قتيبة: ثيابٌ بِيضٌ ولم يَخُصَّها بالقُطن. وقال آخرون: هي منسوبةٌ إلى سَحولٍ: قريةٍ باليَمَنِ تُعْمَل فيها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/7). من كُرْسُفٍ [7814] الكُرْسُف: القُطْن. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/163). ، ليس فيهنَّ قميصٌ ولا عمامةٌ)) [7815] أخرجه البخاري (1264) واللفظ له، ومسلم (941). . المسألة الثانية: تكفينُ المرأةِ في خمسةِ أثوابٍيُستَحَبُّ أن تُكَفَّنَ المرأةُ في خمسةِ أثوابٍ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7816] ((الهداية)) للمرغيناني (1/91). ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 217). وعند الحنفية تُكَفَّنُ المرأةُ في خمسةِ أثوابٍ: درعٌ وإزارٌ وخمارٌ ولفافةٌ وخرقةٌ تُرْبَطُ فوقَ ثَدْيَيها. ، والمالِكيَّة [7817] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/272)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/31)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/225)، وعندهم تكفَّنُ المرأةُ في مِئْزَرٍ وثوبينِ ودِرعٍ وخمارٍ، ولا بأس بالزِّيادة فيها إلى السَّبع، وفي بعض كُتُبِ المالكيَّةِ أنَّ الأفضلَ سبعةٌ للمرأة. ينظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (1/417). ، والشَّافعيَّة [7818] ((المجموع)) للنووي (5/205)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). وعند الشافعيَّة الأصحُّ أنَّ الخمسةَ هي: إزارٌ، وخِمار، ودِرع، وهو القَميصُ، ولِفافتان. ، والحَنابِلَة [7819] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/108). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/350). وعندهم الأثواب الخمسة: إزارٌ، ودِرعٌ، وخِمارٌ، ولفافتان. ، وهو قولُ بعضِ السَّلَفِ [7820] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/356). ، وقولُ ابنِ حَزْمٍ [7821] ((المحلى)) لابن حزم (5/117). .وذلك للآتي: أولًا: لأنَّ المرأةَ تزيدُ في حالِ حَياتِها على الرَّجُلِ في السَّتْرِ؛ لزيادةِ عَورَتِها على عَوْرَتِه، فكذلك بعد الموتِ [7822] ((المغني)) لابن قدامة (2/350). .ثانيًا: لأنَّها لَمَّا كانت تَلْبَسُ المَخِيطَ في إحرامِها، وهو أكمَلُ أحوالِ الحياةِ؛ استُحِبَّ إلباسُها إيَّاه بعد مَوتِها، والرَّجُلُ بخلافِ ذلك [7823] ((المغني)) لابن قدامة (2/350). .المسألة الثالثة: التكفينُ في الأبيضِ يُستحَبُّ أن يكون الكَفَنُ أبيضَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7824] ((الهداية)) للمرغيناني (1/91)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 217). ، والمالِكيَّة [7825] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/224). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125). ، والشَّافعيَّة [7826] ((المجموع)) للنووي (5/196، 197)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، والحَنابِلَة [7827] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/105). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/346). .الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ يَمانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ [7828] السَّحُولِيَّةُ: بفتح السِّينِ وضَمِّها، والفتح أشهَرُ، وهو روايةُ الأكثرين. قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثيابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ لا تكون إلَّا من القُطْنِ، وقال ابن قتيبة: ثيابٌ بِيضٌ ولم يَخُصَّها بالقُطن. وقال آخرون: هي منسوبةٌ إلى سَحولٍ: قريةٍ باليَمَنِ تُعْمَل فيها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/7). من كُرْسُفٍ [7829] الكُرْسُف: القُطْن. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/163). ، ليس فيهِنَّ قميصٌ ولا عمامةٌ)) [7830] أخرجه البخاري (1264) واللفظ له، ومسلم (941). .2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((البَسُوا مِن ثيابِكم البَياضَ؛ فإنَّها مِن خَيْرِ ثِيابِكم، وكَفِّنوا فيها مَوْتاكم..)) [7831] أخرجه أبو داود (3878)، والترمذي (994)، وابن ماجه (1472)، وأحمد (2219). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه النووي في ((المجموع)) (7/215)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/315): إسناده على شرط مسلم، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/671)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/48)، وقال ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (347): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3878). . المسألة الرابعة: تحسينُ الكفَنِيُستحَبُّ تحسينُ الكَفَنِ [7832] قال النووي: (المرادُ بتَحسينِه: بياضُه ونظافَتُه وسَوغُه وكثافَتُه، لا كونُه ثمينًا). ((المجموع)) (5/197). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7833] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/189)، ((حاشية الطحطاوي)) (1/379). ، والمالِكيَّة [7834] ((منح الجليل)) لعليش (1/495). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125، 126). ، والشَّافعيَّة [7835] ((المجموع)) للنووي (5/197). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/306). ، والحَنابِلَة [7836] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/356). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/387)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/359). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [7837] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/334). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن جابِرِ بنِ عبدِ الله، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خَطَبَ يومًا، فذكَرَ رجلًا من أصحابه قُبِضَ فكُفِّنَ في كفَنٍ غيرِ طائلٍ، وقُبِرَ ليلًا، فزَجَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُقبَرَ الرجلُ باللَّيلِ حتى يُصَلَّى عليه، إلَّا أنْ يُضْطَرَّ إنسانٌ إلى ذلك، وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إذا كَفَّنَ أحدُكم أخاه، فلْيُحْسِنْ كَفَنَه)) [7838] أخرجه مسلم (943). .المسألة الخامسة: التَّكفينُ في الثِّيابِ الملبوسَةِيجوزُ التكفينُ في الثِّيابِ الملبوسةِ.الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ((أنَّ رجُلًا كانَ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَوَقَصَتْهُ ناقتُهُ وهوَ محْرِمٌ فماتَ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوهُ بماءٍ وسدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيهِ، ولا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ، ولا تُخَمِّرُوا رأْسَهُ؛ فإنَّهُ يُبْعَثُ يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا)) [7839] أخرجه البخاري (1851) ومسلم (1206). .ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [7840] قال النوويُّ: (التَّكفينُ في الثِّيابِ الملبوسةِ جائزٌ، وهو مُجمَعٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (8/129). ، وابنُ المُلَقِّن [7841] قال ابن الملقِّن: (جوازُ التكفينِ في الثِّياب الملبوسةِ، وهو إجماعٌ). ((الإعلام)) (4/455). .الفرع الثالث: ما يُكْرَه مِنَ الكَفَن المسألة الأولى: التكفينُ في الحريرِ1- كفَنُ الحريرِ للرِّجالِيَحْرُم التكفينُ في الحَريرِ للرِّجالِ [7842] قال ابن المنذر: (لبسُ الحريرِ للرِّجالِ مكروهٌ، وأكرَهُ أن يكفَّنَ فيها الموتى إلا حينَ لا يوجدُ غيرُها، وممن كرهِ ذلك الحسنُ البصريُّ، وابنُ المباركِ، ومالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ، ولا نحفَظُ مِن غيرهم خلافَهم). ((الإشراف)) (2/334). ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [7843] ((المجموع)) للنووي (5/197)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/109). ، والحَنابِلَة [7844] ((الإقناع)) للحجاوي (1/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عمومُ قَوْلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ)) [7845] رواه البخاري (5426)، ومسلم (2067) من حديث حذيفة رَضِيَ اللهُ عنه. .2- عن البَراءِ بن عازبٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسبعٍ، ونَهانا عن سبعٍ: أمَرَنا بعيادَةِ المَريضِ، واتِّباعِ الجِنازة، وتَشْميتِ العاطِسِ، وإجابَةِ الدَّاعي، ورَدِّ السَّلامِ، ونَصْرِ المَظْلومِ، وإبْرارِ المُقْسِمِ، ونَهانا عن سبعٍ: عن خاتَمِ الذَّهَبِ، أو قال: حَلقَةِ الذَّهَبِ، وعَن لُبْسِ الحَريرِ، والدِّيباجِ، والسُّنْدُسِ، والمَياثِرِ [7846] المياثِر: جمع مِئْثرَة- بكسر الميم، هي وِطاءٌ كانت النِّساءُ يَضَعْنَه لأزواجِهِنَّ على السُّروجِ، وكان مِن مَراكِبِ العَجَم، ويكون مِنَ الحريرِ، ويكون مِنَ الصُّوف وغيرِه، وقيل: هي أغشِيَةٌ للسُّروجِ تُتَّخَذُ من الحريرِ، وقيل: هي سروجٌ مِنَ الدِّيباجِ، وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/33). ) [7847] رواه البخاري (6222)، ومسلم (2066). . ثانيًا: أنَّه لَمَّا حَرُمَ لُبْسُه في الحياةِ، حَرُمَ التَّكفينُ فيه [7848] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/131). . 2- كَفَنُ الحريرِ للنِّساءِاختلف العُلَماءُ في تكفينِ النِّساءِ بالحريرِ على أقوالٍ؛ أقواها قولان: القولُ الأوَّل: يُكرَهُ تكفينُ النِّساءِ في الحريرِ، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة [7849] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240). ويُنظر: ((المنتقى)) للباجي (2/7). ، والشَّافعيَّة [7850] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/131). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/306). ، وروايةٌ عن أحمدَ [7851] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/356). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف [7852] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/334). ، وعامَّة العُلَماء [7853] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/393)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/8). ، واختاره ابنُ المُنذِر [7854] ((الإشراف)) لابن المنذر (2/334). . وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه إنما أُبيحَ للنِّساءِ حالةَ الحياةِ للتجمُّلِ، وقد ذَهَبَ [7855] ((الذخيرة)) للقرافي (2/454). .ثانيًا: لأنَّه سَرَفٌ غيرُ لائقٍ بالحالِ [7856] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/131). .القول الثاني: يجوز أن يُكَفَّنَ النِّساءُ في الحريرِ، وهذا مذهَبُ الحَنفيَّة [7857] ((حاشية ابن عابدين)) (2/205). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصفكي (2/205)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/105). ، وابنُ حبيبٍ من المالِكيَّة [7858] ((الذخيرة)) للقرافي (2/454). ، وقولٌ عند الحَنابِلَة [7859] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/356). ، واختاره ابنُ حَزْمٍ [7860] ((المحلى)) لابن حزم (3/345). ؛ وذلك لأنَّ ما جاز لُبْسُه في حالِ الحياةِ، جاز التكفينُ فيه [7861] ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/105). .المسألة الثانية: الزِّيادةُ المكروهة في الكَفَنِتُكْرَه الزيادةُ على ثلاثةِ أثوابٍ للرَّجُل، وهو مَذْهَب الحَنابِلَة [7862] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/105). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/348). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ يَمانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ [7863] السَّحُولِيَّةُ: بفتح السِّينِ وضَمِّها، والفتح أشهَرُ، وهو روايةُ الأكثرين. قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثيابٌ بِيضٌ نَقِيَّةٌ لا تكون إلَّا من القُطْنِ، وقال ابن قتيبة: ثيابٌ بِيضٌ ولم يَخُصَّها بالقُطن. وقال آخرون: هي منسوبةٌ إلى سَحولٍ: قريةٍ باليَمَنِ تُعْمَل فيها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/7). من كُرْسُفٍ [7864] الكُرْسُف: القُطْن. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/163). ، ليس فيهنَّ قميصٌ ولا عِمامةٌ)) [7865] أخرجه البخاري (1264) واللفظ له، ومسلم (941). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ الزيادةَ على ثلاثٍ خلافُ ما كُفِّنَ فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم [7866] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/135). .ثانيًا: لِمَا فيه من إضاعةِ المالِ المَنْهيِّ عنها [7867] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/105). .المسألة الثالثة: المُغالاةُ في الكَفَنتُكْرَه المغالاةُ في الكَفَن، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7868] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 379)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/202). ، والمالِكيَّة [7869]  ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/56). ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (2/288)، ((المنتقى)) للباجي (2/7). ، والشَّافعيَّة [7870] ((المجموع)) للنووي (5/197)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/359). ، والحَنابِلَة [7871] ((الفروع)) لابن مفلح (3/313). .الأدلة: أولًا: من الآثارعن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: (نَظَرَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه إلى ثوبٍ كان يُمَرَّضُ فيه، فقال: اغسِلُوا هذا وزِيدُوا عليه ثَوبينِ وكَفِّنوني فيها، قلتُ: إنَّ هذا خَلَقٌ، قال: الحيُّ أحَقُّ بالجديدِ مِنَ المَيِّتِ؛ إنَّما هو للمُهْلَةِ [7872] المهْلَة: (بضَمِّ الميم وكسرها وفتحها): هي دَمُ المَيِّت وصديدُه، ونحوه. ((المجموع)) للنووي (5/197). [7873] أخرجه البخاري (1387). . ثانيًا: لأنَّه مِن بابِ المُباهاةِ، وهو ممنوعٌ في الكَفَنِ [7874] ((المنتقى)) للباجي (2/7). . المسألة الرابعة: الكَفَن المُعَصْفَر والمُزَعْفَريُكْرَهُ التَّكفينُ في المُعَصْفَر [7875] المُعصفَر: هو الثَّوبُ المَصبوغُ بالعُصفُر، و(العُصفُر) نَبَاتٌ صَيْفِي يُستخرَج مِنْهُ صبغٌ أَحْمَر يُصْبَغ بِهِ الْحَرِير وَنَحوه. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/414)، ((المعجم الوسيط)) لمجموعة مؤلفين (2/605). والمُزَعْفَر [7876] المُزَعْفر: هو الثَّوبُ المصبوغُ بالزَّعفران. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/253). ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [7877] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/238). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/307).  الأحنافُ قالوا: يُكرَهُ للرِّجالِ، ولا يُكرَهُ للنِّساءِ. ينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/267). ، والشَّافعيَّة [7878] ((المجموع)) للنووي (5/197)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/358). ، والحَنابِلَة [7879] ((الإقناع)) للحجاوي (1/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ؛ وذلك لِما في التكفينِ فيهما مِنَ الزِّينة [7880] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/47). ، وهو غيرُ لائقٍ بحالِ الميِّتِ [7881] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2 /104). . المسألة الخامسة: التكفينُ في الشَّعْر والصُّوفيُكْرَه التكفينُ في شَعْرٍ وصوفٍ، مع القُدرةِ على غَيرِه، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة [7882] ((حاشية ابن عابدين)) (2/205)، قال ابن عابدين: (وفي جامع الفتاوى: ويجوزُ أن يُكَفَّن الرَّجُل مِنَ الكتَّانِ والصُّوف، لكِنِ الأَوْلى القُطْنُ. وفي التاجية: ويُكْرَه الصُّوفُ والشَّعْر والجِلْد). ، والحَنابِلَة [7883] ((الإقناع)) للحجاوي (1/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). ؛ وذلك لأنَّه خلافُ فِعْلِ السَّلَفِ [7884] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/104). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تكفينِ الميِّت. المطلب الثاني: من يجِبُ عليه تكفينُ المَيِّت. المطلب الرابعُ: حُكمُ تَجميرِ الكَفَن وتطييبِ المَيِّت. المطلب الخامسُ: صفةُ التَّكفينِ.

الفرع الأول: تجميرُ الكَفَنيُستَحَبُّ تجميرُ الكَفَن [7885] التجمير: هو التبخيرُ بالطِّيبِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/293). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7886] ((الهداية)) للمرغيناني(1/91)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 217). ، والمالِكيَّة [7887] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/224). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/125). ، والشَّافعيَّة [7888] ((المجموع)) للنووي (5/197)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/339). ، والحَنابِلَة [7889] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/358)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أَجْمَرْتُم المَيِّتَ، فأجْمِرُوه ثلاثًا)) [7890] أخرجه أحمد (14580)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11232). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (5/196)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/75)، ، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (278).  .ثانيًا: مِنَ الآثارِعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّها قالت لأهلِها: (أَجْمِروا ثيابي إذا أنا مِتُّ، ثم كفِّنوني) [7891] أخرجه مالك في ((الموطأ)) (1/226)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (6152)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6704)  صحح إسناده الزيلعي في ((نصب الراية)) (2/264). .ثالثًا: لأنَّ هذا عادةُ الحَيِّ [7892] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). .الفرع الثاني: الحَنُوطُ  يُستَحَبُّ الحَنُوطُ [7893] الحَنوطُ: طِيبٌ يُخلَطُ للمَيِّت خاصَّةً، وكلُّ ما يطيَّبُ به الميتُ مِن مسكٍ وعَنبرٍ وكافورٍ وغيرِ ذلك مِمَّا يُذرُّ عليه؛ تطييبًا له، وتجفيفًا لِرُطوبَتِه- فهو حَنُوطٌ. يُنظر: ((الزاهر)) للأزهري (1/91)، ((لسان العرب)) لابن منظور (7/278)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/154). للمَيِّتِ؛ رجلًا كان أو امرأةً، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7894] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 214). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/308). ، والمالِكيَّة [7895] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/225). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127). ، والشَّافعيَّة [7896] ((المجموع)) للنووي (5/202)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/359). ، والحَنابِلَة [7897] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/349). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن ابنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ الله عنهما، قال: ((بينا رَجُلٌ واقفٌ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَرَفَةَ، إذ وَقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه- أو قال فأَوْقَصَتْه- فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنوه في ثَوبينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه، ولا تُحَنِّطوه؛ فإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا)) [7898] أخرجه البخاري (1850) واللفظ له، ومسلم (1206). .وَجهُ الدَّلالةِ:  قوله: ((ولا تُحَنِّطوه)) ثم عَلَّل ذلك بأنَّه يُبعَثُ مُلَبِّيًا؛ فدلَّ على أنَّ سبَبَ النَّهيِ أنَّه كان مُحْرِمًا، فإذا انتَفَتِ العِلَّةُ انتفى النَّهيُ، وكأنَّ الحَنوطَ للمَيِّتِ كان مُقَرَّرًا عندهم [7899] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/136). . ثانيًا: من الآثارِعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، أنَّها قالت لأهلِها: (أَجْمِروا ثيابي إذا أنا مِتُّ، ثم كفِّنُوني، ثم حَنِّطوني) [7900] أخرجه مالك في ((الموطأ)) (1/226)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (6152). صحح إسناده الزيلعي في ((نصب الراية)) (2/264). .الفرع الثالث: الطِّيبُ للمَيِّت المُحْرِمإذا مات الْمُحْرِم حَرُمَ تطييبُه، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [7901] ((المجموع)) للنووي (5/210)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/336). ، والحَنابِلَة [7902] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/98). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/400). ، وهو قولُ بعضِ السَّلَف [7903] ((المجموع)) للنووي (5/210)، وينظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (5/367). ، واختاره ابنُ عُثيمين [7904] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/138)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/315). ، والألبانيُّ [7905] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/49). . الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((بَيْنا رَجُلٌ واقفٌ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَرَفَةَ، إذ وَقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه- أو قال فأَوْقَصَتْه- فقال النبيُّ  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنوه في ثوبينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه، ولا تُحَنِّطوه؛ فإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا)) [7906] أخرجه البخاري (1850) واللفظ له، ومسلم (1206). .الفرع الرابع: الطِّيبُ للمُعْتَدَّة المُحِدَّةِ إذا ماتتلا يَحْرُم تطييبُ المُعتَدَّةِ المُحِدَّةِ [7907] وقد اتَّفق الفُقَهاءُ على وجوبِ الإحدادِ على المُعْتَدَّة في عِدَّةِ الوفاةِ مِن نكاحٍ صحيحٍ، حتى ولو لم يدخُلْ بها الزَّوْجُ المُتَوفَّى، وفي إحدادِ المعتدَّةِ مِن طلاقٍ بائنٍ بينونةً صغرى أو كبرى خلافٌ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/104) (29/353). إذا ماتت، وهو مذهَبُ المالِكيَّة [7908] ((منح الجليل)) لعليش (1/497). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/675). ، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة [7909] ((المجموع)) للنووي (5/209)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/336). ، والحَنابِلَة [7910] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/498)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/98). ؛ وذلك لأنَّ مَنْعَها منه حالَ الحياةِ لأنَّه يدعو إلى نكاحِها، وقد فات ذلك بِموْتِها [7911] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/98). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تكفينِ الميِّت. المطلب الثاني: من يجِبُ عليه تكفينُ المَيِّت. المطلب الثالثُ: ما يجِبُ وما يُستحَبُّ وما يُكرَه في الكَفَن. المطلب الخامسُ: صفةُ التَّكفينِ.

1-  يُستَحَبُّ أن تُبْسَطَ أحسَنُ الأكفانِ وأَوْسَعُها، ثم تُبْسَطَ الثَّانِيَةُ عليها، ثمَّ الثالثة [7912] ويضع بينها الحنوطَ- وهو أخلاطٌ من طِيبٍ- كلَّما بَسَطَ لفافةً جَعَل فوقها حَنوطًا. ينظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (3/32)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127)، ((المجموع)) للنووي (5/199)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/339)، ((المغني)) لابن قدامة (2/347)، ((الفروع)) لابن مفلح (3/320). ، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالِكيَّة [7913] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/31)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/225). ذكر المالكيَّة هذه الصِّفَةَ ولم ينصُّوا على حُكْمها. ، والشَّافعيَّة [7914] ((المجموع)) للنووي (5/199)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/338). ، والحَنابِلَة [7915] ((الإقناع)) للحجاوي (1/221). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347). . وذلك اعتبارًا بالحيِّ؛ فإنَّه يَجعَلُ أحسَنَ ثيابِه وأوسَعَها فوقَ الثِّيابِ [7916] ((المجموع)) للنووي (5/200)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). .2- يُحمَل المَيِّتُ إلى الأكفانِ مستورًا، ويُترَك على الكَفَن مُستلقِيًا على ظَهْرِه، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [7917] ((المجموع)) للنووي (5/200)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). والحَنابِلَة [7918] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 127). ؛ لأنَّه أَمْكَنُ في إدراجِه فيها [7919] ((المغني)) لابن قدامة (2/347). . 3- يؤخَذُ قُطْنٌ، فيُجْعَل فيه الحَنوطُ والكافورُ، ويُجْعَل بين أَلْيَتَيْه، ويُشَدُّ عليه [7920] يُشَدُّ فوقَه خِرقةٌ مشقوقة الطَّرَف كالتبَّانِ، وهو السراويلُ بلا أكمامٍ. يُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/340). ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7921] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/237)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 571). ، والمالِكيَّة [7922] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/32). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127). ، والشَّافعيَّة [7923] ((المجموع)) للنووي (5/200)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7924] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347). .وذلك للآتي: أولًا: لِيَرُدَّ ما يَخْرُج عند تحريكِه [7925] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). .ثانيًا: ليُخْفِي ما يَظْهَر مِنَ الرَّوائِح [7926] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). .ثالثًا: ويُشَدُّ عليه؛ ليَجْمَع ألْيَتيْه ومثانَتَه، ويَرُدَّ ما يَخْرُج [7927] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر:  ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/340). .4- يؤخَذُ القُطنُ ويُجعَل عليه الحَنُوطُ والكافورُ، ويُتْرَك على الفَمِ والمِنْخَرين والعَينينِ والأُذُنينِ ومنافِذِ البَدَنِ، وهذا باتَّفاقِ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7928] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/237)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 571). ، والمالِكيَّة [7929] ((التاج والإكليل)) للمواق (3/32). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127). ، والشَّافعيَّة [7930] ((المجموع)) للنووي (5/201)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7931]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347). ؛ وذلك لئلَّا يَحْدُث فيها حادِثٌ، ودفعًا للهَوامِّ [7932] ((المغني)) لابن قدامة (2/347)، ((المجموع)) للنووي (5/201). .5- يوضَعُ حنوطٌ على مواضِعِ السُّجودِ [7933] نصَّ الشافعيَّةُ والحنابلة على أن يكونَ الحنوطُ في قُطنٍ، ثم يوضَعَ على مواضِعِ السُّجود، بينما لم ينُصَّ الحنفيةُ ولا المالكيَّةُ على جَعلِه في قُطنٍ. مِنَ المَيِّت، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7934] ((الهداية)) للمرغيناني (1/89)، و((حاشية الطحطاوي)) (ص:571). خصَّصَ الحنفيَّةُ الكافورَ بالوَضْعِ على مواضِعِ السُّجود. ، والمالِكيَّة [7935] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/418). ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/525). ، والشَّافعيَّة [7936] ((المجموع)) للنووي (5/201-202)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7937]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/349). ؛ وذلك لأنَّ هذه المواضِعَ شُرِّفَت بالسُّجودِ، فخُصَّتْ بالطِّيبِ [7938] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/340). .6- يُطَيَّبُ جميعُ بَدَنِ المَيِّتِ، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة [7939] (( ((التاج والإكليل)) للمواق (3/32). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127). ، والشَّافعيَّة [7940] ((المجموع)) للنووي (5/201-202)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7941] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/349). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف [7942] ((الزهد)) للإمام أحمد (1788)، ((مصنف عبد الرزاق)) (6140). .وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّ ذلك يُقَوِّي البَدَنَ ويَشُدُّه [7943] ((المجموع)) للنووي (5/202). .ثانيًا: لأنَّه يكونُ أطيَبَ للمَيِّت [7944] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/309). .7- يُستَحَبُّ أن يُطَيَّبَ رأسُه ولِحْيَتُه، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7945] ((الهداية)) للمرغيناني (1/89)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 570). ، والمالِكيَّة [7946] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/226). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/127). ، والشَّافعيَّة [7947] ((المجموع)) للنووي (5/202)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7948]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/106). ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/340). ؛ وذلك لأنَّ الحَيَّ يتطَيَّبُ هكذا [7949] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/340). .8- يُرَدُّ طَرَفُ اللفافةِ العُليا من الجانِبِ الأيسَرِ على شِقِّ المَيِّت الأيمَنِ، ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُها الأيمنُ على شِقِّه الأيسرِ، ثم يُفعَلُ باللفافةِ الثَّانيةِ والثَّالثة كما فُعِلَ بالأولى، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7950] ((الهداية)) للمرغيناني (1/91)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 216). ، والمالِكيَّة [7951] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/31)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/225). ، والأصَحُّ عند الشَّافعيَّة [7952] ((المجموع)) للنووي (5/204)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/17). ، والحَنابِلَة [7953] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/107). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347). .وذلك للآتي: أولًا: لئلَّا يَسْقُطَ عنه الطَّرَفُ الأيمنُ إذا وُضِعَ على يمينِه في القَبرِ [7954] ((المغني)) لابن قدامة (2/347)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/107). .ثانيًا: لأنَّه عادةُ لُبْسِ الحَيِّ في قباءٍ ورِداءٍ ونحوهِما [7955] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/107). .9- يُوضَعُ المَيِّت على الأكفانِ بحيث يكونُ أكثَرُ ما يفْضُلُ من الكَفَن من قِبَل رَأْسِه، ويُلْقَى الفاضِلُ على رَأْسِه ورِجْلَيْه؛ نصَّ على هذا الشَّافعيَّةُ [7956] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/139). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/310). ، والحَنابِلَةُ [7957] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2 /340). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن خبَّابِ بنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((هاجَرْنا معَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نريدُ وَجْهَ الله، فوَقَعَ أجرُنا على الله؛ فمِنَّا من مضى لم يأخُذْ مِن أَجْرِه شيئًا، منهم مصعَبُ بنُ عميرٍ؛ قُتِلَ يومَ أُحُدٍ وتَرَكَ نَمِرَةً، فإذا غَطَّيْنا رَأْسَه بَدَتْ رِجْلَاه، وإذا غَطَّيْنا رِجْلَيْه بَدَا رأسُه، فأَمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نُغَطِّيَ رَأْسَه، ونجعَلَ على رِجْلَيْه من الإِذْخِر، ومنَّا من أينَعَتْ له ثَمرَتُه فهو يَهْدِبها)) [7958] رواه البخاري (3914) ومسلم (940). .ثانيًا: لأنَّ الرأسَ أحَقُّ بالسَّترِ مِن رِجْلَيهِ؛ لشَرَفِه، فالاحتياطُ لسَتْره بتكثيرِ ما عِنْده أَوْلى [7959] ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2 /340). .ثالثًا: ليصيرَ الكَفَنُ كالكيسِ، فلا يَنْتَشِر [7960] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/107). .10- تُعقَدُ اللَّفائِفُ بعد تكفينِ المَيِّت فيها، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7961] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/238). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/308). وقَيَّدَه الحنفيَّةُ بما إذا خِيفَ انتشارُه. ، والمالِكيَّة [7962] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/34). ويُنظر: ((المدخل)) لابن الحاج (3/246). ، والشَّافعيَّة [7963] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/139). ، والحَنابِلَة [7964] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/107). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/347). وقَيَّدوا عَقْدَها إذا ما خُشِيَ انتشارُها. .وذلك للآتي: أولًا: صيانةً للمَيِّت عن الكَشْف [7965] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/238). .ثانيًا: للخَوفِ مِنِ انتشارِ الأكفانِ عِند الحَمْلِ [7966] ((فتح العزيز)) للرافعي (5/139)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/464). . انظر أيضا: المطلب الأول: حُكمُ تكفينِ الميِّت. المطلب الثاني: من يجِبُ عليه تكفينُ المَيِّت. المطلب الثالثُ: ما يجِبُ وما يُستحَبُّ وما يُكرَه في الكَفَن. المطلب الرابعُ: حُكمُ تَجميرِ الكَفَن وتطييبِ المَيِّت.