الفرع الأوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوتِ  يُستحَبُّ الإكثارُ مِن ذِكْر الموتِ؛ باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنفيَّة [7272] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 365) ، والمالِكيَّة [7273] ((حاشية العدوي)) (8/64). ويُنظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/680). والشَّافعيَّة [7274] ((المجموع)) للنووي (5/105)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/3). ، والحَنابِلَة [7275] ((الفروع)) لابن مفلح (3/251)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/77). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ: أكثِروا مِن ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذَّاتِ [7276] هاذم اللذات: ضُبِطَ بالذال المعجمة من الهَذْم: القَطْع، أي قاطِعُ اللَّذَّات، وضُبِطَ بالمهملَةِ مِنْ هَدَمَ البناءَ: إذا نقضه، وهما صحيحانِ في حَقِّ الموت. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (3/53). ) [7277] أخرجه الترمذي (2307)، والنسائي (1824)، وابن ماجه (4258)، وأحمد (7912). قال الترمذي: حسن غريب، وحسَّن إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/195)، وصحَّح إسنادَه على شرط البخاري ومسلم النوويُّ في ((المجموع)) (5/105)، وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/181)، وحسَّنه ابنُ حجرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/52)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/49)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2307): حسن صحيح. .ثانيًا: لأنَّ ذلك أزجَرُ عن المعصيَةِ، وأدعَى إلى الطَّاعةِ [7278] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/3). ؛ فالإنسانُ إذا تفَكَّرَ في الموت قَصُر أملُه، وكَثُرَ عَمَلُه [7279] ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/680). .الفرع الثاني: الاستعدادُ للموتِيُستحَبُّ الاستعدادُ للمَوتِ؛ بأن يبادِرَ بالتَّوبةِ ورَدِّ المَظالِم إلى أهلِها، والإقبالِ على الطَّاعاتِ.الأدلَّة: أوَّلًا: مِنَ الكتاب1- قولُ الله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف: 110].2- قول اللهِ تعالى: وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].ثانيًا: من السُّنَّةعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((أخَذَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فقال: كنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ. وكان ابنُ عمَرَ يقولُ: إذا أمسيْتَ فَلا تنتظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصبحْتَ فلا تنتظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِك لِمَرَضِك، ومن حياتِك لِمَوْتِك)) [7280] أخرجه البخاري (6416). .ثالثًا: لِئَلَّا يَفْجَأَه الموتُ الْمُفَوِّتُ للتَّوبة، ورَدِّ المظالِمِ، وعَمَلِ الصَّالحاتِ [7281] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/329). . انظر أيضا: المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ. المطلب الخامس: ما يُسَنُّ عَمَلُه لِمَن مات.

الفرع الأوَّلُ: توجيهُ المحتَضَر إلى القِبْلَةلا يُسَنُّ توجيهُ المُحتَضَرِ إلى القِبلةِ، وهو قولُ مالكٍ [7284] قال ابن الحاج: (وكذلك اختلفا في توجيهِه إلى القِبلَة، فقال مالك رحمه الله: لم يكن مِن عَمَلِ النَّاس، وكره أن يُعْمَلَ ذلك استنانًا). ((المدخل)) (3/229). ، وبعضِ السَّلَف [7285] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/243). ، واختاره الألبانيُّ [7286] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/243). ؛ وذلك لأنَّه لا دليلَ عليه [7287] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/243). ، ولم يكن مِن عَمَل النَّاسِ [7288] ((المدخل)) لابن الحاج (3/229). .الفرع الثاني: سَقْيُه الماءَ استحبَّ الحَنفيَّة [7289] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369). ، والشَّافعيَّة [7290] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/94). وفيه (وَيُجَرَّعُ الْمَاءَ نَدْبًا، بل وجوبًا فيما يظهَرُ إن ظهرت أمارةٌ تدلُّ على احتياجِهِ له؛ كأنْ يَهَشَّ إذا فُعِلَ به ذلك؛ لأنَّ العَطَشَ يغلِبُ حينئذ لشِدَّةِ النَّزْعِ). ، والحَنابِلَة [7291] ((الإقناع)) للحجاوي (1/211)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/82). أن يُسْقَى المحتَضَرُ الماءَ؛ وذلك لأنَّه يُطْفِئُ ما نزل به من الشِّدَّة، ويُسَهِّل عليه النُّطْقَ بالشَّهادة [7292] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/82). ؛ لأنَّ العَطَشَ يَغْلِب حينئذٍ لشِدَّة النَّزْعِ [7293] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/94). .الفرع الثالث: تلقينُ المُحتَضَر يُسَنُّ تلقينُ المحتَضَرِ الشَّهادةَ [7294] قال النوويُّ: (والأمرُ بهذا التلقين أمرُ ندبٍ، وأجمع العلماءُ على هذا التلقين). ((شرح النووي على مسلم)) (6/219). ؛ وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحَنفيَّة [7295] ((الفتاوى الهندية)) (1/157). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (2/190). ، والمالِكيَّة [7296] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/22). ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير(1/561). ، والشَّافعيَّة [7297] ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/92)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7298] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/341). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/335). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [7299] جاء في ((الفتاوى الهندية)) (1/157) (وهذا التلقينُ مستحبٌّ بالإجماع). وقال ابن عابدين: (في القنية وكذا في النهاية عن شَرْحِ الطحاويِّ: الواجِبُ على إخوانه وأصدقائِه أن يُلَقِّنوه. اهـ. قال في النهر: لكنَّه تجَوُّز؛ لِمَا في الدرايةِ من أنَّه مُستَحَبٌّ بالإجماعِ. اهـ. فتَنَبَّهْ). ((حاشية ابن عابدين)) (2/190). لكن قال في ((الدر المختار)) (2/190): ("ويلقن" ندبا. وقيل: وجوبا) . الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَقِّنُوا موتاكم لا إلَهَ إلَّا اللهُ)) [7300] أخرجه مسلم (917)، وأخرجه أيضًا من حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه (916). .2- عن معاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن كان آخِرَ كلامِه لا إلهَ إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ)) [7301] أخرجه أبو داود (3116)، وأحمد (22180)، والبزار (2626)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/ 112) (221)  صحَّحه ابن العربيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (2/369)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/188)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3116)، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (10/227): ثابت، وحسَّن إسناده النوويُّ في ((المجموع)) (5/110).  . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ. المطلب الخامس: ما يُسَنُّ عَمَلُه لِمَن مات.

الفرع الأول: علامات الموتِمن العلاماتِ الدالَّةِ على الموتِ [7302] خلاصةُ ما ذَكَره الأطباءُ من علامات الموت: توقُّف القلب والدورةِ الدَّموية، توقُّفُ التنفُّسِ وعلاماتِه، توقُّفُ سيطرة الجهازِ العصبيِّ على الجسم؛ ومن علاماته: الارتخاءُ الأَوَّلي للعضلات، وثباتُ حَدَقة العين وعدمُ تأثُّرها بالضَّوْءِ الشَّديد. التغيُّرات التي تَحْدُث بالجثَّة؛ ومنها: انطفاءُ لَمَعانِ العينينِ غالبًا بعد الوفاة، وبُهتانُ لونِ الجُثَّةِ، وبرودةُ الجِسْم. يُنظر: (أحكام موت الدماغ) من ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1646). : استرخاءُ القَدَمينِ، ومَيْلُ الأنفِ، وانخسافُ الصُّدْغينِ، وغيبوبةُ سوادِ العَينينِ، وغيرُ ذلك [7303] ((حاشية ابن عابدين)) (2/189)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122)، ((المجموع)) للنووي (5/125)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/84). .الفرع الثاني: الموتُ الدِّماغيُّالمسألة الأولى: تعريفُ الموتِ الدماغيِّهو تلفٌ دائِمٌ في الدِّماغِ، يؤدِّي إلى توقُّفٍ دائمٍ لجميعِ وظائِفِه؛ بِما في ذلك جِذْعُ الدِّماغِ [7304] (أحكام موت الدماغ) من ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1649). .المسألة الثانية: حُكمُ الموتِ الدِّماغيِّلا يُعدُّ موتُ الدماغ ِموتًا شرعيًّا [7305] إلَّا إذا توقَّفَ التنفسُ والقلبُ، توقُّفًا تامًّا بعد رَفْعِ أجهزةِ الإنعاشِ منه، وتحقَّقَ موتُه على وجهٍ لا شَكَّ فيه، وهذه الحالةُ لا خلافَ فيها بين الفقهاءِ والأطبَّاءِ. يُنظر: ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1651). تترتَّبُ عليه أحكامُ الموتِ، وهو قولُ ابنُ بازٍ [7306] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/366، 377). ، وبه صدَرَ قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ [7307] جاء في القرار: (فإنَّ مجلِسَ الَمْجَمع الفقهيِّ الإسلاميِّ، في دورته العاشرة، المنعقِدَة بمكَّة المكرمة في الفترة من يوم السبت 24 صَفَر 1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987م إلى يوم الأربعاء الموافق 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م... انتهى المجلس إلى القرارِ التالي: المريضُ الذي رُكِّبَت على جِسْمِه أجهزةُ الإنعاش؛ يجوزُ رفعُها إذا تعطَّلَت جميعُ وظائف دماغِه تعطُّلًا نهائيًّا، وقرَّرتْ لجنة من ثلاثة أطباءَ اختصاصِيِّينَ خُبَراءَ؛ أنَّ التعطُّل لا رجعة فيه، وإن كان القلبُ والتنفُّسُ لا يزالان يعملان آليًّا، بفِعْلِ الأجهزة المركبَّة. لكن لا يُحكَم بموته شرعًا، إلا إذا توقَّفَ التنفُّسُ والقلب، توقُّفًا تامًّا بعد رفع هذه الأجهزة). ((قرار رقم: 49 (2/10) تقرير حصول الوفاة، ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان)). ، وهو قرارُ هيئةِ كبارِ العلماءِ بالمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ [7308] جاء من ضِمْنِ قرارات هيئة كبارِ العُلماء بالمملكة العربية السعودية: (قرَّرَ المجلِسُ أنَّه لا يجوز شرعًا الحكمُ بموت الإنسان، الموتَ الذي تُرَتَّبُ عليه أحكامُه الشرعيَّة بمجرَّد تقريرِ الأطباء أنَّه مات دماغيًّا، حتى يُعْلَمَ أنَّه مات موتًا لا شُبهةَ فيه؛ تتوقَّفُ معه حركةُ القَلْب والنَّفَس، مع ظهور الأماراتِ الأخرى الدالَّة على موته يقينًا؛ لأنَّ الأصلَ حياتُه فلا يُعدَل عنه إلَّا بيقينٍ). ((مجلة البحوث الإسلامية)) (58/379). .وذلك للآتي:  أولًا: أنَّ الأصلَ حياتُه؛ فلا يُعدَل عنه إلَّا بيقينٍ [7309] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (58/379). .ثانيًا: أنَّ الإنسانَ لا يُعدُّ مَيِّتًا لتوقُّفِ الحياة عن بعضِ أجزاءِ جِسْمِه، بل يُعدُّ مَيِّتًا إذا تحقَّقَ مَوْتُه كليًّا [7310] ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1660). .ثالثًا: أنَّ جِسْمَ مَيِّتِ الدِّماغِ- حال كونِه تحتَ الإنعاشِ- يقبَلُ الغِذاءَ والدَّواءَ، ويظهَرُ عليه آثارُ النمُوِّ، وهذا مِن صفاتِ الجَسَدِ الحَيِّ [7311] ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1660). . رابعًا: أنَّ مَيِّتَ الدِّماغِ لا يزالُ قلبُه يَضْرِبُ، ونَفَسُه يتردَّدُ آليًّا، ولو كان بفِعلِ الأجهزةِ فقط لاستمَرَّ هذا الفعْلُ، لكِنَّ المُشاهَدَ أنَّ القَلْبَ والتنفُّسَ يتوقَّفانِ بعد فترةٍ، وهذا دليلٌ على بقاءِ شيءٍ مِنَ الحياةِ [7312] ((موسوعة الفقه الطبي)) (4/1660). .الفرع الثَّالث: إيقافُ أجهزةِ الإنعاشِإذا كان المريضُ تحت أجهزةِ الإنعاشِ [7313] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (أولًا: إذا وصل المريضُ إلى المستشفى وهو متوفًّى؛ فلا حاجَةَ لاستعمالِ جهازِ الإنعاش. ثانيًا: إذا كانت حالةُ المريضِ غيرَ صالحة للإنعاشِ بتقرير ثلاثةٍ من الأطبَّاء المختصِّين الثِّقات؛ فلا حاجة أيضًا لاستعمالِ جهاز الإنعاشِ. ثالثًا: إذا كان مَرَضُ المريضِ مُستعصيًا غيرَ قابلٍ للعلاج، والموتُ محقَّقًا بشهادةِ ثلاثةٍ من الأطباء المختصِّين الثِّقات؛ فلا حاجة أيضًا لاستعمالِ جهازِ الإنعاش. رابعًا: إذا كان المريضُ في حالة عَجزٍ، أو في حالةِ خُمولٍ ذهنيٍّ مع مَرَضٍ مُزمنٍ، أو مَرَض السرطان في مرحلةٍ متقدِّمة، أو مرض القلب والرِّئتين المزمن، مع تكرارِ توقُّف القلب والرئتين، وقرَّرَ ثلاثة من الأطباء المختصِّين الثِّقات ذلك؛ فلا حاجة لاستعمال جهاز الإنعاش. خامسًا: إذا وُجِدَ لدى المريض دليلٌ على الإصابة بتَلَفٍ في الدماغ مستعْصٍ على العلاجِ بتقريرِ ثلاثةٍ من الأطباء المختصِّينَ الثِّقات؛ فلا حاجة أيضًا لاستعمال جهاز الإنعاش؛ لعدم الفائدة في ذلك. سادسًا: إذا كان إنعاشُ القلب والرئتين غيرَ مُجْدٍ، وغيرَ ملائمٍ لِوَضْعٍ مُعَيَّنٍ حَسَبَ رأيِ ثلاثةٍ من الأطبَّاء المختصِّين الثِّقات؛ فلا حاجةَ لاستعمالِ آلاتِ الإنعاشِ، ولا يُلْتَفَت إلى رأيِ أولياءِ المريضِ في وَضْعِ آلاتِ الإنعاشِ أو رَفْعِها؛ لكون ذلك ليس من اختصاصِهم). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (25/80). ، وتعطَّلَت جميعُ وظائِفِ دماغِه تعطُّلًا نهائيًّا، وأصبَحَ تنفُّسُه آليًّا، ونبضاتُ قلبِه صناعيَّةً وليست حقيقيَّةً؛ فإنَّه يجوز رَفْعُ أجهزةِ الإنعاشِ عنه، وعلى ذلك فتوى اللَّجنة الدَّائمة برئاسَةِ ابنِ باز [7314] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (25/80) ، وبه صدَرَ قرارُ المَجْمَع الفقهيِّ الإسلاميِّ [7315] ((قرار رقم: 49 (2/10) تقريرُ حصولِ الوفاة، ورفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان)). .وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّ بقاءَ الأجهزةِ على المَريضِ لا حاجةَ إليه؛ لأنَّ هذه الأجهزةَ أصبحَتْ هي التي تعمَلُ بالبَدَنِ [7316] ((السجل العلميُّ لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني- قضايا طبيَّة معاصرة)) (4/4041). .ثانيًا: أنَّ هذه الآلاتِ تُطيلُ عليه ما يُؤْلِمُه من حالةِ النَّزْعِ والاحتضارِ، وهو نوعٌ مِن أنواعِ التَّعذيبِ، وإبقاؤُه ما بين الحياةِ والمَوْت مِمَّا لا يتَّفِقُ وكرامةَ الإنسانِ [7317] ((السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني- قضايا طبية معاصرة)) (4/4041)، ((موسوعة الفقه الطبي- الأحكام الفقهية الطبية المتعلقة بالإنعاش الاصطناعي القلبي والرئوي)) (4/1714). .ثالثًا: يُسبِّبُ بقاءُ الأجهزةِ على المريض أمَلًا لأقارِبِه وذَوِيه؛ فتجِدُهم يتألَّمون لِحالِه، ويَحْزَنونَ لِمَا صار إليه [7318] ((السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني- قضايا طبية معاصرة)) (4/4041)، ((موسوعة الفقه الطبي- الأحكام الفقهية الطبية المتعلقة بالإنعاش الاصطناعي القلبي والرئوي)) (4/1714). .رابعًا: أنَّ هذه الأجهزةَ، وهذه الغُرفةُ المجهَّزة؛ وراءها تكاليفُ باهظةٌ، ولا طائِلَ تحتها، فتجِدُ أنَّها لا تكونُ إلَّا لأناسٍ مُحَدَّدينَ، فلو أُتِيَ بشخصٍ آخَرَ لِتُستنقَذَ حياتُه، مكانَ هذا الشَّخْصِ الذي مهما طالَ به الزَّمَنُ فإنَّه لا فائدةَ من بقاءِ هذه الأجهزَةِ عليه- لكانَ أَوْلَى [7319] ((السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني- قضايا طبية معاصرة)) (4/4041)، ((موسوعة الفقه الطبي- الأحكام الفقهية الطبية المتعلقة بالإنعاش الاصطناعي القلبي والرئوي)) (4/1714). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الخامس: ما يُسَنُّ عَمَلُه لِمَن مات.

الفرع الأول: إغماضُ عينِ الميِّت يُستحَبُّ إغماضُ عَيْنِ الميِّت [7320] قال القرطبي: (وإغماضُ الميِّت: شَدُّ أجفانِه بعد مَوْتِه، وهو سُنَّةٌ عَمِلَ بها المسلمونَ كافَّةً). ((المُفْهِم)) (2/572). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أمِّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((دخَلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على أبي سَلَمَةَ وقد شَقَّ بَصَرُه [7321] شَقَّ بَصَرُه: أي شَخَص، يقال: شَقَّ الميِّتُ بَصَرَه: إذا حَضَره الموتُ، وصار ينظُرُ إلى الشَّيءِ لا يرتدُّ عنه طَرْفُه. ((شرح النووي على مسلم)) (6/222)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/91). ، فأغمَضَه، ثم قال: إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَه البَصَرُ)) [7322] أخرجه مسلم (920). .ثانيًا: من الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [7323] قال النوويُّ: (قولها: (فأغْمَضَه) دليلٌ على استحبابِ إغماضِ الميِّت، وأجمع المسلمونَ على ذلك). ((شرح النووي على مسلم)) (6/223). وقال أيضًا: (ويتضمَّنُ الحديثُ الحضورَ عند المحتَضَر؛ لتذكيرِه وتأنيسِه، وإغماضِ عينيه، والقيامِ بحقوقِه، وهذا مُجمَعٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (6/219). ، والصنعانيُّ [7324] قال الصنعاني: (وفي إغماضِه صلَّى الله عليه وسلَّم طَرْفَه؛ دليلٌ على استحبابِ ذلك، وقد أجمعَ عليه المسلمونَ). ((سبل السلام)) (2/91). .الفرع الثاني: شَدُّ لَحْيَيْهِ بعِصابَةٍيُستحَبُّ أن يُشَدَّ لَحْيَا [7325] اللَّحْيُ: العَظْمُ الذي تَنبُتُ عليه اللِّحيَةُ من الإنسانِ وغيرِه. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/240)، ((الصحاح)) للجوهري (6/2480) الميِّتِ بعِصابةٍ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [7326] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369) ، والمالِكيَّةِ [7327] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّةِ [7328] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7329] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/336). .وذلك للآتي: أوَّلًا: لئلَّا يبقى فمُه مفتوحًا؛ فيدخُلَ فيه الهوامُّ، أو الماءُ أثناء غُسْلِه [7330] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). .ثانيًا: حتى لا يكونَ مَنظَرُه قبيحًا [7331] ((المجموع)) للنووي (5/120). لأنَّه إذا تُرِكَ يَسترخي لَحْيُه الأسفلُ فينفتِحُ فوه فلا ينطَبِقُ. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/3). .الفرع الثالثُ: تليينُ مفاصِلِهيُستحَبُّ أن تُلَيَّنَ مفاصِلُ الميِّتِ [7332] المرادُ مفاصِلُ اليدينِ والرِّجلينِ، وذلك بأن يُرَدَّ الذراعُ إلى العَضُد، ثم العَضُد إلى الجنب، ثم يردُّهما، وكذلك مفاصِلُ الرِّجْلين: بأن يَرُدَّ السَّاقَ إلى الفَخِذ، ثم الفَخِذَ إلى البَطْن، ثم يردُّهما. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي(3/3)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/254)، ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7333] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 212)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/193). ، والمالِكيَّة [7334] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7335] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7336] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/340). ؛ وذلك ليَسْهُل غُسلُه [7337] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331) وذلك قبل أن يَبْرُد جَسَدُه؛ لأنَّ في البَدَنِ بعد مفارقة الروح بقيَّةُ حرارةٍ، فإذا لُيِّنَتِ المفاصلُ حينئذ لانت، فإذا برد بَقِيَ على ما هو عليه وصعُبَ تغسيلُه. ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/254). .الفرع الرابع: تغطيةُ الميِّتتُستحبُّ تغطيةُ الميِّتِ بعد مَوتِه [7338] لكنْ إذا مات وهو مُحرِمٌ، فإنَّه لا يُغطَّى رأسُه؛ لحديث ابنِ عباسٍ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المُحْرِم الذي وَقَصَتْه دابَّتُه فمات قال: ((لا تُخَمِّروا رَأْسَه)). [رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206)]. وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/232). .الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ، قالت: ((سُجِّيَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين مات بثَوْبٍ حِبَرَةٍ [7339] حِبَرَة: ثوبٌ أبيضُ في أعلامٍ حُمْر من نسيجِ اليَمَن. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/418). ) [7340] أخرجه البخاري (5814)، ومسلم (942) واللفظ له. .2- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((جيءَ بأبي يومَ أُحُدٍ قد مُثِّلَ به، حتى وُضِعَ بين يَدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد سُجِّيَ ثوبًا، فذهبْتُ أريدُ أنْ أكشِفَ عنه، فنهاني قومي، ثمَّ ذهبْتُ أكشِفُ عنه، فنهاني قومي، فأمَرَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرُفِعَ، فسَمِعَ صوتَ صائحةٍ، فقال: مَن هذه؟ فقالوا: ابنةُ عمرٍو- أو أختُ عمرٍو- قال: فَلِمَ تَبكِي؟ أو لا تبكي؛ فما زالَتْ الملائكةُ تُظِلُّه بأجنِحَتِها حتى رُفِعَ)) [7341] أخرجه البخاري (1293) واللفظ له، ومسلم (2471). .ثانيًا: من الإجماعنَقَلَ الإجماعَ على ذلك النوويُّ [7342] قال النوويُّ: (قولها: «سُجِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين مات بثوب حِبَرَةٍ» معناه غُطِّي جميعُ بَدَنِه... وفيه: استحبابُ تَسجِيَة الميِّت، وهو مُجمَعٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/10). .الفرع الخامس: وَضْعُ الميِّتِ على سريرٍ ونحوِهيُستَحَبُّ وضْعُ الميِّتِ على سريرٍ ونحوِه، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7343] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 372)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/194). ، والمالِكيَّة [7344] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7345] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7346] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/337). .وذلك للآتي: أوَّلًا: لئَلَّا يُصيبَه نداوةُ الأرضِ؛ فيتغَيَّرَ بنداوَتِها [7347] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). .ثانيًا: ليبعُدَ عن الهوامِّ [7348] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). .الفرع السادس: نَزْعُ ثيابِ الميتِيُستحَبُّ نزْعُ ثيابِ الميِّتِ عقبَ موتِه؛ نص عليه الشَّافعيَّة [7349] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربني (1/331)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/441). ، والحَنابِلَة [7350] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/337). . وذلك للآتي: أوَّلًا: لئلَّا يَحْمَى جَسَدُه فيَسْرُعَ فسادُه ويتغَيَّر [7351] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربني (2/7)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). .ثانيًا: لأنَّه ربَّما خَرَجَت منه نجاسةٌ فلوَّثَتْ ثيابَه، ويتلوَّثُ بها [7352] ((المغني)) لابن قدامة (2/337)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). .الفرع السابع: وَضْعُ شيءٍ ثقيلٍ على بَطْنِهاتَّفَق الحَنفيَّة [7353] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع ((حاشية الشلبي)) (1/235)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369). ، والمالِكيَّة [7354] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7355] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7356] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/336). على استحبابِ وَضْع شيءٍ ثقيلٍ أو حديدةٍ على بَطْنِ الميِّتِ [7357] قال ابن عثيمين: (وفي عَصْرِنا الآن نستغني عن هذا، وهو أن يُوضَع في ثلاجةٍ إذا احتيجَ إلى تأخيرِ دَفْنِه، وإذا وُضِعَ في الثلاجة فإنَّه لا ينتفِخُ، لأنَّه يبقى باردًا، فلا يحصُلُ الانتفاخُ في بطنه). ((الشرح الممتع)) (5/256). ؛ وذلك لئلَّا ينتفِخَ فيقبُحَ مَنْظَرُه [7358] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.

الفرع الأول: ما يُشْرَعُ فِعْلُه وقَوْلُه عند نزولِ مُصيبةِ الموتالمسألة الأولى: الصَّبْرالصَّبْرُ المانِعُ من المُحَرَّمِ واجِبٌ.الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتابِقال الله تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].ثانيًا: من الإجماعنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميةَ [7364] قال ابن تيميةَ: (أنَّ الإنسانَ إذا ابتُلِيَ فعليه أن يصبِرَ ويَثْبُتَ ولا يتَّكِلَ؛ حتى يكونَ من الرجالِ المُوقنينَ القائمينَ بالواجبات. ولا بدَّ في جميع ذلك من الصَّبر؛ ولهذا كان الصبرُ واجبًا باتِّفاق المسلمين على أداء الواجباتِ وتَرْكِ المحظورات. ويدخُلُ في ذلك الصبرُ على المصائِبِ عن أن يَجْزَعَ فيها). ((مجموع الفتاوى)) (10/39). ، وابنُ القَيِّم [7365] قال ابن القيِّم: (ومِن منازِلِ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ منزلةُ الصَّبرِ. قال الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى: الصبرُ في القرآن في نحوِ تسعينَ مَوْضِعًا. وهو واجبٌ بإجماعِ الأمَّةِ). ((مدارج السالكين)) (2/151). .المسألة الثانية: ما يقوله من مات له ميِّتيُسنُّ الاسترجاع [7366]  الاسترجاع هو أن يقول: )إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ( كما في حديثِ أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها. عند وفاة أحدٍ من أهله أو أقاربه أو غيرهم.قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155- 157].عن أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، زَوْجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ما مِن عبدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيقولُ: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعونَ، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصِيبتِي، وأَخْلِفْ لي خيرًا منها، إلَّا أَجَرَه اللهُ في مُصِيبته، وأَخْلَفَ له خيرًا منها)) [7367] أخرجه مسلم (918). .وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا ماتَ ولَدُ العبدُ قال اللهُ تعالى لملائِكَتِه: قَبَضْتُم وَلَدَ عبدي؟ فيقولون: نَعَمْ، فيقولُ: قَبَضْتُم ثَمرَةَ فُؤادِه؟ فيقولونَ: نعم، فيقولُ: فماذا قال عبدي؟ فيقولونَ: حَمِدَك واسْتَرْجَعَ، فيقولُ اللهُ تعالى: ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ، وسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ)) [7368] أخرجه الترمذي (1021)، وأحمد (19740)، وابن حبان (2948)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7146)  قال الترمذي حسن غريب، وحسنه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/285)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1021). .الفرع الثاني: ما يُباحُ لأقارِبِ المَيِّتِ وغَيرِهمالمسألة الأولى: البكاءيجوزُ البكاءُ على الميِّتِ من غيرِ ندْبٍ ولا نِياحَةٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [7369] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 371). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/310). ، والمالِكيَّة [7370] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/235). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/133). ، والشَّافعيَّة [7371] ((المجموع)) للنووي (5/307)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/355). ، والحَنابِلَة [7372] ((الفروع)) لابن مفلح (3/400)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/162). ، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ [7373] ((المحلى)) لابن حزم (3/371). .الأدلة من السُّنَّة: 1- عن أسامةَ بنِ زيدٍ، قال: ((كنَّا عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ جاءه رسولُ إحدى بناتِه يدعوه إلى ابنِها في الموتِ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ارجِعْ، فأخْبِرْها أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ وله ما أعطى، وكُلُّ شيءٍ عنده بأجَلٍ مُسَمًّى، فمُرْها فَلْتَصبِرْ ولْتَحْتَسِبْ، فأعادتِ الرَّسولَ أنَّها أقسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّها، فقام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقام معه سعدُ بنُ عُبادةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، فدُفِعَ الصبيُّ إليه ونَفْسُه تَقَعْقَعُ [7374] أَيْ: تَضْطَرب وَتَتَحَرَّكُ. أَراد: كُلَّمَا صار إلى حالٍ لم يَلْبَث أَنْ يَنتَقِل إلى أُخرَى تُقَرِّبه مِنَ المَوت. يُنظر: ((النهاية )) لابن الأثير (4/88). ؛ كأنَّها في شَنٍّ [7375] الشن: القِربة الخلقةُ اليابسةُ، شبَّه البدنَ بالجلد اليابس الخَلَق وحركة الرُّوح فيه بما يُطرح في الجلدِ مِن حصاةٍ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/157). ، ففاضَتْ عيناه، فقال له سعدٌ: يا رسولَ اللهِ! قال: هذه رحمةٌ جَعَلَها اللهُ في قلوبِ عِبادِهِ، وإنَّما يَرحَمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحَماءَ)) [7376] أخرجه البخاري (7377) واللفظ له، ومسلم (923). .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((زارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَبرَ أمِّه، فبَكَى وأبَكْىَ مَن حَوْلَه)) [7377] أخرجه مسلم (976).  . المسألة الثانية: الرِّثَاءُيَجوزُ الرِّثَاءُ [7378] رَثَيْتُ الميِّت: إذا بَكَيْتَه وعَدَّدْتَ محاسِنَه، وكذلك إذا نظمْتَ فيه شِعْرًا. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/2352). ؛ إذا لم يتضمَّنْ غُلُوًّا، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [7379] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 371). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (2/239). ، والشَّافعيَّة [7380] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/356)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/17). الشافعية قالوا: يُكرَهُ فيما إذا أَظهَرَ فيه تبرُّمًا أو فَعَلَه مع الاجتماع له، أو الإكثار منه، أو أدَّى إلى تجديد الحزن. قال الشربيني: (ويُكرَهُ إرثاءُ الميِّت بذِكْرِ أيَّامِه وفضائِلِه؛ للنَّهيِ عن المراثي. والأَوْلى الاستغفارُ له، والأَوْجَهُ حَمْلُ النهيِ عن ذلك على ما يَظْهَرُ فيه تبرُّمٌ، أو على فِعْلِه مع الاجتماعِ له، أو على الإكثار منه، أو على ما يُجَدِّدُ الحُزْنَ دون ما عدا ذلك؛ فما زال كثيرٌ من الصحابة وغيرِهم من العلماء يفعلونَه). ((مغني المحتاج)) (1/356). ، وقولُ ابنِ باز [7381] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/410). ، وابن عثيمينَ [7382] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/411). ، وذلك لأنَّه فعلُ كثيرٍ من الصَّحابة ِوالعُلَماءِ [7383] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/356). .الفرع الثالِثُ: ما يَحْرُم على أقارِبِ الميِّت وغَيرِهميَحرُمُ على أقارِبِ الميِّتِ وغيرِهم: النَّدْبُ والنِّياحَةُ والصُّراخُ، وشقُّ الثَّوبِ ولَطْمُ الخَدِّ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7384] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/195)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 224). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/310)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/108). ، والمالِكيَّة [7385] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/410). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/133)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/666). ، والشَّافعيَّة [7386] ((المجموع)) للنووي (5/307). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/67، 68)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/312). ، والحَنابِلَة [7387] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/399، 398)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/163). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [7388] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأجمَعَ العلماءُ على أنَّ النِّياحَةَ لا تجوزُ للرِّجالِ ولا للنِّساءِ). ((الاستذكار)) (3/68). وقال النوويُّ: (أمَّا الندبُ والنياحةُ، ولَطْمُ الخدِّ وشَقُّ الجيبِ، وخَمْشُ الوَجْه ونَشْرُ الشَّعرِ، والدُّعاء بالوَيْلِ والثُّبورِ؛ فكلُّها محرَّمةٌ باتِّفاقِ الأصحابِ، وصَرَّحَ الجمهورُ بالتحريمِ، وقد نقل جماعةٌ الإجماعَ في ذلك). ((المجموع)) (5/307). وقال ابنُ القيِّم: (ونهانا عن النِّياحَةِ فقَبَضَتْ منَّا امرأةٌ يَدَها، فقالت: فلانةُ أَسْعَدَتْنى فأنا أُريدُ أن أَجْزِيَها... قال الْمُحَرِّمون: لا تُعارَضُ سنَّةُ رَسولِ اللهِ بأحدٍ من الناس كائنًا من كان، ولا نضْرِبُ سُنَنَه بعضَها ببعضٍ، وما ذَكَرْنا من النُّصوصِ صحيحةٌ صريحةٌ لا تحتمِلُ تأويلًا، وقد انعقد عليها الإجماعُ). ((عدة الصابرين)) (ص: 105). وقال العيني: (النَّوح حرامٌ بالإجماعِ؛ لأنَّه جاهليٌّ). ((عمدة القاري)) (8/84). وقال الحدادي: (وأجمعَتِ الأمَّةُ على تحريمِ النَّوحِ، والدُّعاءِ بالوَيْل والثُّبورِ، ولَطْمِ الخُدودِ وشَقِّ الجيوبِ وخَمْشِ الوجوهِ؛ لأنَّ هذا فِعْلُ الجاهليَّةِ). ((الجوهرة النيرة)) (1/108). لكنْ هناك روايةٌ عن أحمد بكراهةِ النَّدبِ والنِّياحةِ، وروايةٌ أخرى بالإباحة، قال المرداوي: (وعنه يُكرَه النَّدبُ والنَّوحُ الذي ليس فيه إلَّا تَعدادُ المحاسنِ بصِدقٍ. جزَمَ به في الهداية والمستوعِب والخلاصة، وقدَّمه في الرعايتين والكافي. قال الآمدي: يُكرَه في الصحيحِ من المذهَبِ، قال: واختاره ابنُ حامد وابن بطة، وأبو حفص العكبري، والقاضي أبو يعلى والخرقي. انتهى. نقله عنه في مجمع البحرين، وقال: اختاره كثيرٌ من أصحابِنا، وأطلَقَهما في الفائق. وذكر المصنِّفُ عن الإمام أحمد ما يدُلُّ على إباحَتِهما وأنَّه اختيارُ الخَلَّال وصاحِبِه، قاله في الفروع. قلتُ: قد نقله الآمدي عن الخَلَّال وصاحِبِه قبل المصنِّفِ. ذكَرَه في مجمع البحرين) ((الإنصاف)) (2/399). وقال ابنُ قُدامة: (وأمَّا النَّدبُ فهو تَعدادُ محاسنِ الميت، وما يُلقون بفَقدِه بلفظِ النداء؛ إلَّا أنه يكون بالواو مكان الياء، وربَّما زيدت فيه الألف والهاء، مثل قولهم: وارَجُلاه واجَبَلاه، وانقطاعَ ظَهْراه. وأشباه هذا. والنِّياحَة، وخَمشُ الوجوه، وشق الجيوب، وضرب الخدود، والدعاء بالويل والثُّبور، فقال بعض أصحابنا: هو مكروهٌ. ونقل حرب عن أحمد كلامًا فيه احتمالُ إباحةِ النَّوحِ والنَّدبِ. واختاره الخَلَّال وصاحِبُه) ((المغني)) (2/407). . الأدلة من السُّنَّة: 1- عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أربعٌ في أمَّتِي مِن أَمْرِ الجاهليَّةِ، لا يتركونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحسابِ، والطَّعْنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحةُ)) [7389]    رواه مسلم (934). . وقال: ((النَّائحةُ إذا لم تَتُبْ قبل مَوْتِها تُقامُ يومَ القيامَةِ، وعليها سربالٌ مِن قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ [7390] دِرْعٌ مِن جَرَب: الدِّرْعُ: قميصُ النِّساءِ؛ أي: يصير جِلْدُها أجرَبَ حتى كأنَّه قميصٌ لها، وهذا تشويهٌ لها بين الخلائقِ، ونوعٌ من العذابِ قبل دخولِها النَّارَ. (التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/518). ) [7391] أخرجه مسلم (934). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس مِنَّا مَن لَطَمَ الخُدودَ، وشَقَّ الجُيوبَ، ودَعا بدعْوى الجاهليَّةِ)) [7392] أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103). .3- عن أبي بُردَةَ بنِ أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((وَجِعَ أبو موسى وجَعًا شديدًا، فغُشِيَ عليه ورَأْسُه في حِجْرِ امرأةٍ مِن أهلِه، فلم يَسْتَطِعْ أن يَرُدَّ عليها شيئًا، فلما أفاقَ، قال: أنا بريءٌ مِمَّن بَرِئَ منه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بَرِئَ من الصَّالِقَةِ [7393] الصالقة: هي التي ترفعُ صوتَها عندَ المصيبةِ، والصَّلْق: الصوتُ الشَّديد. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/48)، ((شرح النووي على مسلم)) (2/110). والحالِقَةِ والشَّاقَّةِ)) [7394] أخرجه البخاري (1296)، ومسلم (104). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.

الفرع الأوَّلُ: حُكمُ نَعْيِ الميِّتيُكْرَه نعيُ الميِّتِ [7395] النَّعْيُ: هو إذاعةُ موتِ الميت، والإخبارُ به، ونَدْبُه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/85)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/447) قال الزيلعيُّ: (كانوا يَبعثونَ إلى القبائِلِ يَنعَوْنَ مع ضجيجٍ وبكاءٍ وعويلٍ وتعديدٍ، وهو مكروهٌ بالإجماع). ((تبيين الحقائق)) (1/240). ولا بأسَ بالنعيِ في الصُّحُف والجرائد ونحوهما قبل أن يُصَلَّى على الميِّتِ، إذا كان من أَجْلِ الصَّلاةِ عليه، كما نعى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النجاشيَّ حين مَوْتِه، وأمَرَ الصَّحابة أن يخرجوا للمُصَلَّى، فصلَّى بهم. وأمَّا بعد موتِه والصَّلاةِ عليه؛ فلا حاجة إلى ذلك، خاصَّةً وأنَّ مِن أهل العِلْمِ مَن عَدَّه في هذه الحالة مِنَ النَّعي ِالمنهِيِّ عنه. يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/344). وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7396] وقيَّدَ الحنفيَّةُ الكراهة بما إذا كان مع تنويهٍ بذِكْرِه وتفخيمٍ له؛ قال ابن عابدين: (وكره بعضهم أن ينادى عليه في الأزقة والأسواق لأنه يشبه نعي الجاهلية والأصح أنه لا يكره إذا لم يكن معه تنويه بذكره وتفخيم) ((حاشية ابن عابدين)) (2/239)، وينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 240)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهُمام (2/127). ، والمالِكيَّة [7397] قيَّد المالكيَّةُ الكراهةَ بالنداءِ في المساجدِ وأبوابها، أمَّا ما كان إعلامًا بموت الميِّت من غير نداءٍ؛ فذلك جائزٌ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (2/241)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/139)، ((الشرح الصغير)) للدردير (1/570). ، والشَّافعيَّة [7398] وقيَّده الشافعيَّة بما إذا كان نداءً بذِكْر مفاخِرِ ومآثِرِ الميِّتِ. قال الشربيني: («بخلافِ نَعْيِ الجاهليَّة» وهو بسكون العينِ، وبكسْرِها مع تشديدِ الياءِ: مصدرُ نعاه؛ ومعناه- كما في المجموع-: النداءُ بذِكْرِ مفاخِرِ المَيِّت ومآثِرِه؛ فإنَّه يُكرَه للنهيِ عنه؛ كما صحَّحه الترمذيُّ، والمراد نعيُ الجاهلية لا مجرَّد الإعلامِ بالموت؛ فإن قُصِدَ الإعلامُ بموتِه لِمَن لم يَعْلَمْ لم يُكْرَه، وإن قَصَد به الإخبارَ لكثرةِ المصلِّينَ عليه فهو مستحَبٌّ). ((مغني المحتاج)) (1/357). وقال النووي: (ويُكرهَ نعيُه بنعيِ الجاهلية ولا بأس بالإعلامِ بموته للصَّلاة عليه وغيرها). ((روضة الطالبين)) (2/98). ، والحَنابِلَة [7399] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/329)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/343). لكن قالوا: لا بأسَ أن يُعْلِمَ به أقاربَه وإخوانَه من غير نداءٍ. ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/85). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن حُذيفةَ بنِ اليمانِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((إذا مِتُّ فلا تُؤذِنوا بي؛ إنِّي أخافُ أن يكون نَعْيًا؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَنْهَى عن النَّعْيِ)) [7400] أخرجه الترمذي (986)، وابن ماجه (1476)، وأحمد (23502). قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/373)، وحَسَّنَ إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (3/140)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (986). .الفرع الثاني: الإعلامُ بموتِ الميِّتِ من غيرِ نداءٍلا يُكرَه الإعلامُ بموتِ الميِّتِ من غيرِ نداءٍ [7401] قال ابن حجرٍ: (النَّعي ليس ممنوعًا كلُّه، وإنَّما نهى عما كان أهلُ الجاهلية يصنعونه؛ فكانوا يرسلون من يُعْلِنُ بخبر موت المَيِّت على أبوابِ الدُّور والأسواقِ، وقال ابن المرابط: مرادُه أنَّ النعيَ الذي هو إعلامُ النَّاسِ بموتِ قَريبِهم مباحٌ، وإن كان فيه إدخالُ الكَرْبِ والمصائِبِ على أهله، لكنْ في تلك المفسدةِ مصالِحُ جمَّة؛ لِمَا يترتَّبُ على معرفةِ ذلك مِنَ المبادرَةِ لشهودِ جنازته، وتهيئةِ أمْرِه، والصلاةِ عليه، والدُّعاءِ له والاستغفارِ، وتنفيذِ وصاياه، وما يترتَّب على ذلك مِنَ الأحكام). ((فتح الباري)) (3/117). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7402] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/240). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/127). ، والمالِكيَّة [7403] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/241). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/139)، ((الشرح الصغير)) للدردير (1/570). ، والشَّافعيَّة [7404] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/98)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/357). ، والحَنابِلَة [7405] وقيَّدَ الحنابلةُ جوازَ الإعلامِ بأقارِبِ المَيِّتِ وإخوانِه. ((الإقناع)) للحجاوي (1/212)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/85). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [7406] قال ابن رشد الجد: (وأمَّا الإِذْنُ بها، والإعلامُ من غير نداءٍ، فذلك جائزٌ بإجماعٍ). ((البيان والتحصيل)) (2/218). وقال ابنُ الحاج: (وأمَّا الإيذانُ بها والإعلامُ مِن غَيرِ نداءٍ، فذلك جائزٌ بإجماع) ((المدخل)) (2/221). وقال الموَّاق: (وأمَّا الأذانُ والإعلامُ مِن غير نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع). ((التاج والإكليل)) (2/241). وقال الخرشي: (الإعلامُ بها-أي بالميتِ- من غيرِ نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع) ((شرح مختصر خليل)) (2/139). لكن قال ابن عبد البَرِّ: (رُوِيَ عن ابن مسعودٍ أنه قال: لا تُؤذِنوا بي أحدًا؛ فإني أخشى أن يكونَ كنَعْيِ الجاهليَّةِ. وعن سعيد بن المسيب أنَّه قال: إذا أنا مِتُّ فلا تقولوا للنَّاس مات سعيدٌ، حَسْبي من يُبلِّغُني إلى ربي. وروي ذلك عن ابن مسعود، قال: حسبي من يبلِّغُني إلى حُفرتي، وعن علقمةَ أنَّه قال: لا تؤذِنوا بي أحدًا؛ فإن ذلك من النَّعيِ، والنَّعيُ من أمرِ الجاهليَّةِ، ورُوِيَ عن طائفةٍ مِن السلفِ مثلُ ذلك، قد ذكرتهم والأخبارَ عنهم في التمهيد، ورُوِيَ عن ابن عونٍ قال: قلت لإبراهيم: أكان النعيُ يُكرَهُ؟ قال: نعم، قال: وكان النعيُ أنَّ الرَّجلُ يركَبُ الدابَّةَ، فيطوفُ ويقولُ: أنعِي فُلانًا. قال ابن عون: وذَكَرْنا عند ابن سيرينَ أنَّ شُريحًا قال: لا تُؤذِنوا لجِنازتي أحدًا، فقال: إنَّ شَريحًا كان يكتفي بذِكْرِه) ((الاستذكار)) (3/26). وقال القرطبي: (وإعلامُ إخوانِه الصُّلَحاءِ بِمَوتِه. وكَرِهَه قومٌ وقالوا: هو مِن النَّعيِ) ((تفسير القرطبي)) (4/298). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نعى النَّجاشيَّ في اليومِ الذي مات فيه؛ خَرَجَ إلى المُصلَّى، فصَفَّ بهم، وكَبَّرَ أربعًا)) [7407] أخرجه البخاري (1245) واللفظ له، ومسلم (951). .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رجلًا أسودَ- أو امرأةً سوداءَ- كان يقمُّ [7408] يقُمُّ: أي: يجمعُ القُمامَةَ، وهي الكُناسَة. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/553). المسجِدَ فمات، فسألَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه، فقالوا: مات، قال: أفلا كُنْتُم آذنْتُموني به، دُلُّوني على قبره- أو قال قبرِها- فأتى قبْرَها فصلَّى عليها)) [7409] أخرجه البخاري (458) واللفظ له، ومسلم (956). .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ الجَد [7410] قال ابن رشد الجد: (وأمَّا الإِذْنُ بها، والإعلامُ من غير نداءٍ، فذلك جائزٌ بإجماعٍ). ((البيان والتحصيل)) (2/218). ، والموَّاق [7411] قال المواق: (وأمَّا الأذانُ والإعلامُ مِن غير نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع). ((التاج والإكليل)) (2/241). ، والخرشي [7412] قال الخرشي: (الإعلامُ بها-أي بالميتِ- من غيرِ نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع) ((شرح مختصر خليل)) (2/139). .لِمَا يترتَّبُ على معرفة ذلك مِنَ المبادرةِ لشهودِ جِنازَتِه، وتهيئةِ أمرِه، والصَّلاةِ عليه، والدُّعاءِ له والاستغفارِ، وتنفيذِ وصاياه [7413] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/117). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.

تُستحَبُّ المبادرةُ بتجهيزِ الميِّتِ عند تيقُّنِ مَوْتِه [7414] ولا بأسَ أن ينتظِرَ به من يحْضُره إن كان قريبًا، ولم يُخْشَ عليه أو يَشُقَّ على الحاضرينَ؛ لِمَا يُرجَى له بكثرةِ الجَمْعِ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (2/328). ، فإنْ شُكَّ في مَوْتِه أُخِّرَ وجوبًا [7415] قال الدردير: (ومن مات فجأةً أو تحت هدمٍ أو بمرضِ السَّكتةِ؛ فلا يُندَب الإسراعُ، بل يجِبُ تأخيرُهم حتى يتحقَّقَ مَوْتُهم، ولو يومين أو ثلاثةً؛ لاحتمالِ حياتِهم) ((الشرح الكبير)) (1/415). وقال النوويُّ: (فإن مات فجأةً لم يُبادَرْ بتجهيزه؛ لئلَّا تكونَ به سكتةٌ ولم يمُت، بل يُتْرَك حتى يتحقَّق موتُه... قال الشيخ أبو حامد: هذا الذي قاله الشافعي صحيحٌ؛ فإذا مات من هذه الأسبابِ أو أمثالِها يجوزُ أن يُبادَرَ به، ويجبُ تَرْكُه والتأني به اليومَ واليومينِ والثلاثةَ؛ لئلَّا يكون مُغمًى عليه، أو غيره ممَّا قاله الشافعي، ولا يجوز دفْنُه حتى يتحقَّقَ موته). ((المجموع)) (5/125). وقال ابن عثيمين: (فإن مات فجأةً؛ فإنَّه لا يُسَنُّ الإسراعُ بتجهيزِه؛ لاحتمالِ أن تكون غشيةً لا موتًا، والمسألةُ خطيرة؛ لأنَّه لو كانت غشيةً ثم جهَّزناه ودفنَّاه، ولم تكن موتًا، صار في ذلك قتلٌ لنفسٍ، فالواجِبُ إن مات فجأةً أن ننتظِرَ به). ((الشرح الممتع)) (5/258). ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحَنفيَّة [7416] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 400) ((حاشية ابن عابدين)) (2/232). ، والمالِكيَّة [7417] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/26). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/123). ، والشَّافعيَّة [7418] ((المجموع)) للنووي (5/124)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/332). ، والحَنابِلَة [7419] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/84). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/336). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أَسْرِعوا بالجِنازة)) [7420] أخرجه البخاري (1315) واللفظ له، ومسلم (944). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّه إذا كان الإسراعُ في التَّشييعِ مطلوبًا مع ما فيه مِنَ المشَقَّة على المُشَيِّعينَ، فالإسراعُ في التَّجهيزِ من بابِ أَوْلى [7421] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/257). قال ابن حجر: (قوله بالجِنازَة؛ أي: بِحَمْلِها إلى قَبرِها، وقيل: المعنى بتجهيزِها؛ فهو أعمُّ مِنَ الأوَّلِ). ((فتح الباري)) (3/184). ثانيًا: أنَّه أصوَنُ له وأحفَظُ من التغيُّرِ [7422] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/84). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.

الفرع الأوَّل: المبادرةُ بقضاءِ دَيْنِهيُستحَبُّ أن يُبادَرَ بقضاءِ دَيْنِ الميِّتِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [7423] ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/102)، ((اللباب)) للميداني (1/126). ، والشَّافعيَّة [7424] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/357)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/18). الشَّافعية قالوا: تجِبُ المبادرةُ بِقَضاءِ الدَّينِ عند طَلَبِ المستحِقِّ حَقَّه. .الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((نَفْسُ المؤمِنِ مُعلَّقةٌ بِدَيْنِه؛ حتى يُقْضَى عنه)) [7425] أخرجه الترمذي (1079)، وابن ماجه (2413)، وأحمد (10607).  صحَّحه ابنُ مَعينٍ كما في ((تاريخ دمشق)) (45/73)، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (4/101)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/120)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1972).  وحسَّنه الترمذي، وقال النووي في ((المجموع)) (5/121): إسنادُه صحيح أو حسَن، وجوَّدَ إسنادَه ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (344)، .2- عن أبي قتادَةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّه سَمِعَه، يُحَدِّثُ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ((أنَّه قام فيهم، فذَكَرَ لهم أنَّ الجهادَ في سبيلِ الله والإيمانَ بالله أفضلُ الأعمالِ، فقام رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله، أرأَيْتَ إن قُتِلْتُ في سبيلِ الله، تُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: نعم، إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ الله، وأنت صابِرٌ مُحتَسِبٌ، مُقبِلٌ غيرُ مُدبِرٍ، ثم قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: كيف قُلْتَ؟ قال: أرأَيْتَ إن قُتِلْتُ في سبيل اللهِ، أَتُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: نعم، وأنت صابِرٌ محتَسِبٌ، مُقبِلٌ غيرُ مُدبِرٍ، إلَّا الدَّيْنَ؛ فإنَّ جبريلَ عليه السلامُ قال لي ذلك)) [7426] أخرجه مسلم (1885). .3- عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، كان يُؤتَى بالرَّجُلِ الميِّتِ عليه الدَّيْنُ، فيَسْأَل: هل تَرَكَ لِدَينِه مِن قضاءٍ؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّه تَرَك وفاءً صَلَّى عليه، وإلَّا قال: صَلُّوا على صاحِبِكم)) [7427] أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619) واللفظ له. .وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ: أنَّ فيها بيانَ خَطَرِ الدَّيْنِ وما يترتَّبُ عليه؛ ففيها الحثُّ للوَرَثةِ على قضاءِ دَيْن الميِّتِ [7428] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/53). .الفرع الثاني: المبادرةُ بإنفاذِ وَصِيَّتِهيُستَحَبُّ أن يُبادَرَ بإنفاذِ وَصِيَّةِ الميِّتِ؛ نصَّ عليه الشَّافعيَّة [7429] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/357)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/18). الشافعيَّة قالوا: تجبُ عند طَلَبِ الموصَى له المعَيَّنِ، وكذا عند المَكِنَةِ في الوصيَّةِ للفُقراءِ ونحوِهم مِن ذَوي الحاجاتِ، أو إذا كان قد أوصى بتعجيلِها. ، والحَنابِلَة [7430] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/84). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/337). ؛ وذلك مسارعةً لوصولِ الثَّوابِ إليه، والبِرِّ للمُوصَى له [7431] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/357). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.

الفرع الأوَّل: حُكمُ نقلِ الأعضاءِ من المَيِّتيجوزُ نَقْلُ عضوٍ أو جُزْئِه من إنسانٍ مَيِّتٍ إلى مسلمٍ؛ إذا اضطُرَّ إلى ذلك [7432] ويُشترطُ إذنُه أو إذنُ ورثتِه؛ لأنَّ رعايةَ كرامتِه حقٌّ مقررٌ له في الشَّرعِ، لا يُنتهَكُ إلَّا بإذنِه؛ فهو حقٌّ موروثٌ، كالحالِ في المطالبةِ مِن الوارثِ في حدِّ قاذفِه. يُنظر: ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/45)، ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص: 158). ، وبه صدَرَ قرارُ هيئةِ كبارِ العلماءِ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ [7433] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (84/53). صَدرَ القرارُ بأغلبيةِ أعضاءِ الهيئةِ وتوقَّفَ ابنُ بازٍ. وقرارُ مجمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ [7434] وذلك في الدورة الثامنة المنعقدة بمكَّة المكرمة في الفترة من 28 ربيع الآخر إلى 7 جمادى الأولى عام 1405هـ الموافق 19- 28 يناير1985م واشترطوا للجواز شروطًا: منها أن يتعيَّنَ النقلُ لعلاجِ المَرَضِ، وأن يَغْلِبَ الظَّنُّ أو يتحقَّق بنجاحِ الجراحةِ. ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة)) (ص: 158). ، وبه أفتت لجنةُ الفتوَى بمصرَ [7435] ((مجلة الأزهر)) (20/742) لسنة (1368هـ)، لجنة الفتوَى بالأزهر، فتوى رقم (491)، دار الإفتاء المصرية، مسجل (88) مسلسل (212) (ص: 93). ، ولجنةُ الفتوَى بالكويتِ [7436] فتوَى صادرةٌ عن مكتبِ الإفتاءِ بوزارةِ الأوقافِ والشُّؤون الإسلاميَّة بدولةِ الكويت، وذلك برقم (97) ع/84 في (22) ربيع الآخر عام (1405هـ). .الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتابِقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173].قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119].وَجهُ الدَّلالةِ من الآيتينِ: أنَّه تُستثنَى حالةُ الضَّرورةِ مِنَ التَّحريمِ، ومَنِ احتاجَ إلى نقْلِ العُضوِ إليه فسيكونُ في حُكْمِ المُضطَرِّ [7437] ((موسوعة الفقه الطبي)) (2/952). .ثانيًا: أنَّ مَصْلحةَ الحيِّ برعايةِ إنقاذِ حياتِه أعظمُ مِن مصلحةِ الميِّت بانتهاكِ حُرمةِ بدنِه، وقد فارقَتْه الرُّوحُ، والقاعدةُ: أنَّ الضَّررَ يُزالُ، وأنَّ الضَّروراتِ تُبيحُ المحظوراتِ [7438] ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/45). . ثالثًا: أنَّ إحياءَ النَّفْسِ وإنقاذَها واجِبٌ شرعيٌّ؛ كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [7439] ((موسوعة الفقه الطبي)) (2/952). [المائدة: 32].الفرع الثاني: حُكمُ تشريحِ المَيِّتالمسألة الأولى: التشريحُ لأجل التَّعليماختلف العلماءُ في حُكمِ التَّشريحِ لأجل التَّعليمِ على أقوال؛ أهمُّها قولان: القول الأول: يجوزُ تشريحُ جُثَثِ الموتى بغَرَضِ تعليم الطِّبِّ وتعلُّمِه [7440] لكن ينبغي مراعاةُ القيودِ الآتية: - إذا كانت الجثَّة لشخْصٍ معلومٍ يُشترطُ أن يكون قد أَذِنَ هو قبل مَوْتِه بتشريحِ جُثَّتِه، أو يأذن وَرَثَتُه بذلك بعد موته، ولا ينبغي تشريحُ جثَّة معصومِ الدَّمِ إلَّا عند الضرورة. - يجب أن يُقتَصَرَ في التشريحِ على قَدْرِ الضرورة؛ كيلا يُعْبَثَ بجُثَث الموتى. - جثث النِّساءِ لا يتولَّى تشريحَها غيرُ الطَّبيباتِ إلَّا إذا لم يُوجَدْنَ. - تُدفَنُ في جميعِ الأحوالِ جميعُ أجزاءِ الجُثَثِ المُشَرَّحة. يُنظَر: ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 212). ، وبه صدر قرارُ مَجْمَع الفِقهِ الإسلامي بمكَّةَ [7441] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 211) الدورة العاشرة - صفر 1408 هـ. ، وبه أفتت لجنةُ الفتوَى بالأزهرِ [7442] فتوى رقم (490) بتاريخ 29/2/1971 من لجنة الفتوى بالأزهر، ونُشِرَت بمجلة الأزهر عدد نوفمبر 1962م. ؛ وذلك لأنَّ الضَّرورةَ دعتْ إلى التَّشريحِ لدراسةِ الطِّبِّ وتعلُّمِه لِمُداواةِ النَّاسِ، والتي يصيرُ بها التَّشريحُ مصلحةً تربو على مَفسَدةِ انتهاكِ كرامةِ الإنسانِ الميِّت، فقواعدُ الدِّين الإسلاميِّ مبنيَّةٌ على رعايةِ المصالحِ الرَّاجحةِ، وتحمُّلِ الضَّررِ الأخفِّ لجلبِ مصلحةٍ تفويتُها أشدُّ مِن هذا الضَّررِ [7443] يُنظر: ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص:211)، ((الفتاوى الإسلامية)) من دار الإفتاء المصرية (ص 1333). . القول الثاني: إذا كان الميتُ معصومًا في حياتِه، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا؛ فإنَّه لا يجوز تشريحُه؛ أمَّا إذا كان غيرَ معصومٍ؛ كالمرتَدِّ والحربيِّ، فلا حَرَجَ في تشريحِه، وهو قولُ ابنِ بازٍ [7444] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/366). ، وقرارُ هيئةِ كبارِ العُلَماءِ [7445] قرار رقم (48) بتاريخ 20/8/1396 ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/83). ؛ وذلك لِمَا في تشريحِ الميِّتِ المعصومِ في حياتِه مِنَ الإساءَةِ إليه؛ وانتهاكِ حُرْمَتِه، أمَّا غيرُ المعصومِ؛ كالمرتَدِّ والحربيِّ، فيجوزُ تشريحُه للمَصلحةِ الطبِّيَّة [7446] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/366). .المسألة الثانية: التَّشريحُ لأجل التَّحقيقِ الجنائيِّيجوز [7447] لكنْ هذا الجوازُ له شروطٌ؛ منها: وجودُ متَّهمٍ بالقتلِ والاعتداءِ على هذا الشَّخْص، ومنها: ضَعْفُ الأدلَّة الجنائيَّة، ووجودُ ضرورةٍ للتَّشريحِ، ومنها: إذنُ القاضي، ومنها: ألَّا يُسْقِطَ الوَرَثَةُ حَقَّهُم في المطالبة بِدَمِ الجاني. ينظر: ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/47). التَّشريحُ لأجلِ التَّحقيقِ الجنائيِّ، وهو قولُ ابنِ بازٍ [7448] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/367). ، وابنِ عُثيمينَ [7449] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/47). ، وبه صَدَرَ قرارُ مجمَعِ الفقهِ الإسلاميِّ [7450] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 211) الدورة العاشرة - صفر 1408 هـ القرار الأوَّل بشأن موضوعِ تشريح جُثَث الموتى. ، وهيئةِ كبِار ِالعلماء [7451] قرار رقم (47) بتاريخ 20/8/1396 ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84). ، وأفتت به اللَّجنةُ الدائمة [7452] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/294). ؛ وذلك لِمَا يترتَّبُ عليه من مصالِحَ عظيمةٍ في مجالِ الأمنِ والعَدْلِ [7453] من المصالح المترتِّبة على ذلك صيانةُ حكم القاضي من الخَطَأِ، وصيانةُ حقِّ المتَّهم، وتحقيقُ الأمن في المجتمع. تُقَدَّمُ على مصلحةِ عَدَمِ التَّشريحِ.المسألة الثالثة: التَّشريحُ لمعرفةِ سَبَبِ الوفاةِ (التَّشريحُ المَرَضِيُّ)يجوز التشريحُ لِمَعرفةِ سَبَبِ الوفاةِ، والتحقُّقِ مِنَ الأمراض الوبائيَّةِ التي تستدعي التَّشريحَ، وبه صدر قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ [7454] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص: 211) في الدورة المنعقدة في مكة من 24 صفر 1408هـ إلى 28 صفر 1408هـ القرار الأول بشأن موضوع تشريح جثث الموتى. ، وقرارُ هيئةِ كبارِ العلماءِ [7455] قرار رقم (47) بتاريخ 20/8/1396هـ ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84). ؛ وذلك لِمَا يترتَّبُ عليه مِن مصالحَ كثيرةٍ؛ كوقاية المجتمَعِ من الأمراضِ الوبائيَّة، وأمَّا مفسدةُ انتهاكِ كرامَةِ الجثَّةِ المُشَرَّحة فمغمورةٌ في جَنْبِ المصالِحِ الكثيرةِ والعامَّةِ المتحَقِّقةِ بسببِ ذلك [7456] ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84). .المسألة الرابعة: من ماتت وفي بَطْنِها جنينٌ يتحرَّكُمن ماتَتْ وفي بَطْنِها جنينٌ يتحرَّك يُشَقُّ بَطْنُها، إن رُجِيَ حياةُ الجنينِ [7457] قال الماوردي: (إذا ماتت امرأةٌ وفي جَوفِها ولدٌ حَيٌّ؛ فليس للشافعيِّ فيه نصٌّ، لكن قال أبو العباس بن سريج، وهو قول أبي حنيفة وأكثَرِ الفُقَهاء، يُخرَج جوفُها ويُخرَجُ وَلَدُها؛ لأنَّ حرمةَ الحيِّ أوكدُ من حرمةِ المَيِّت). ((الحاوي الكبير)) (3/62). ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [7458] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/203)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 222). ويُنظر: ((تحفة الملوك)) للرازي (ص: 239). ، والشَّافعيَّة [7459] ((المجموع)) للنووي (5/302)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/367). ، وقولٌ للمالكيَّةِ [7460] ((الذخيرة)) للقرافي (2/479)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/145). ، وقولٌ للحنابِلَةِ [7461] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/390). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/173). ، وهو قولُ ابنِ حَزمٍ [7462] ((المحلى)) لابن حزم (3/395). ، وابنِ عُثيمين [7463] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/333). . وذلك للآتي: أولًا: لأنَّه استِبقاءُ حيٍّ بإتلافِ جزءٍ مِنَ المَيِّتِ، فأشبَهَ إذا اضطُرَّ إلى أكلِ جُزءٍ مِنَ المَيِّتِ [7464] ((المجموع)) للنووي (5/301). .ثانيًا: لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ أعظمُ مِن حُرمة المَيِّت [7465] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/334). .ثالثًا: لأنَّ الحَمْل إنسانٌ معصومٌ؛ فوجب إنقاذُه [7466] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/334). . انظر أيضا: المطلب الأَوَّلُ: الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوْتِ، والاستعدادُ له. المطلب الثاني: حُسْنُ الظَّنِّ بالله . المطلب الثالث: ما يُسَنُّ عَمَلُه للمحتَضَر إذا نزل به المَوْتُ وما لا يُسنُّ . المطلب الرابع: علاماتُ المَوْتِ، وحكمُ الموتِ الدِّماغِيِّ، وإيقافِ أجهزةِ الإِنعاشِ.