اختلف أهلُ العِلْمِ في حكمِ التَّداوي [7151] جاء في قرارِ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ أنَّ الأصلَ في حكمِ التَّداوي أنَّه مشروعٌ، لكن تختلفُ أحكامُ التَّداوي باختلافِ الأحوالِ والأشخاصِ: فيكونُ واجبًا على الشخصِ إذا كان تركُه يُفضي إلى تلفِ نفسِه، أو أحدِ أعضائِه أو عجْزِه، أو كان المرضُ ينتقلُ ضررُه إلى غيرِه كالأمراضِ المُعْديةِ، ويكونُ مندوبًا إذا كان تركُه يؤدِّي إلى ضعفِ البدنِ، ولا يترتَّبُ عليه ما سبَق في الحالةِ الأُولى، ويكونُ مباحًا إذا لم يندرجْ في الحالتينِ السَّابقتينِ، ويكونُ مكروهًا إذا كان بفعلٍ يُخافُ منه حدوثُ مُضاعفاتٍ أشدَّ مِن العلَّةِ المُرادِ إزالتُها .ينظر: ((مجلة المجمع)) (عدد: 7) (3/563). على قولينِ: القَوْلُ الأوَّلُ: يُباحُ التَّداوي [7152] قال المرغيناني: (ولا بَأْسَ بالحقنة يريدُ به التداوي؛ لأنَّ التَّداويَ مباحٌ بالإجماعِ). ((الهداية)) (4/381). وقال البهوتي: («ولا يجب» التداوي «ولو ظُنَّ نَفْعُه» لكنْ يجوزُ اتفاقًا). ((كشاف القناع)) (2/76). وقال الصنعاني: (وفيه جوازُ التَّداوي بإخراجِ الدَّمِ وغيرِه، وهو إجماع). ((سبل السلام)) (3/80). وحكى ابن تيميَّةَ والشربينيُّ الإجماعَ على عدم الوجوبِ: قال ابن تيميَّةَ: (ولستُ أعلمُ سالفًا أوجَبَ التداويَ، وإنَّما كان كثيرٌ من أهلِ الفَضْلِ والمعرفة يُفَضِّلُ تَرْكَه تفضُّلًا واختيارًا). ((مجموع الفتاوى)) (21/564).      وقال الشربيني: (ونقَلَ القاضي عياضٌ الإجماعَ على عَدَمِ وُجوبِه). ((مغني المحتاج)) (1/357). ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ [7153] قال ابن عبد البر: (وعلى إباحَةِ التَّداوي والاسترقاءِ جمهورُ العُلماءِ). ((التمهيد)) (5/279). وقال ابن الحاجِّ: (هذا مذهَبُ الجمهورِ من العلماء والأئمَّة مِنَ الفقهاءِ في إباحَةِ الدَّواءِ والاسترقاءِ وشُرْبِ الدَّواء). ((المدخل)) (4/120). : الحَنفيَّة [7154] ((الهداية)) للمرغيناني (4/381)، (((البناية)) للعيني (12/267). والمالِكيَّة [7155] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/490). ويُنظر: ((المعونة على مَذهَب عالم المدينة)) للقاضي عبد الوهاب (1/1731)، ((الشرح الصغير)) للدردير، مع ((حاشية الصاوي)) (4/770). ، والحَنابِلَة [7156] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/194)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/76). .الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((ما أنزلَ اللهُ داءً إلَّا أنزلَ له شِفاءً)) [7157] أخرجه البخاري (5678). .2- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرِئَ بإذن ِاللهِ عزَّ وجلَّ)) [7158] أخرجه مسلم (2204). .3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((في الحَبَّةِ السوداءِ شِفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ)). قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوتُ، والحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشُّونِيزُ [7159] أخرجه البخاري (5688) واللفظ له، ومسلم (2215). .4- عن ابنِ بُحَينةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((احتجَمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ [7160] لَحْيُ جَمَل: مَوضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وقِيل: عَقَبَة. وَقِيلَ: مَاءٌ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/243). في وَسَطِ رَأْسِه)) [7161] أخرجه البخاري (1836) واللفظ له، ومسلم (1203). . 5- عن سعيدِ بن زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((الكَمأَةُ [7162] الكمْأة: واحدها الكَمْء، نبتٌ لا ورقَ له ولا ساق. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (7/322). مِنَ المَنِّ [7163] من المنِّ: أي: هي ممَّا منَّ الله به على عباده، أو أنَّها تشبِهُ المَنَّ الذي ينزِلُ من السَّماءِ؛ لأنَّه يُجمَعُ من غير تعبٍ ولا كُلفةٍ، لا ببذْرٍ ولا سَقْيٍ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/4)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/190)، ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (7/323). ، وماؤُها شفاءٌ للْعَيْنِ)) [7164] أخرجه البخاري (4478)، ومسلم (2049). .6- عن عائشةَ رضِيَ الله عنها، سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((التَّلْبينةُ [7165] التَّلبينة: هي حساءٌ يُتَّخذُ من دقيقٍ ونخالةٍ، وربما جُعلَ بعسلٍ أو لبنٍ. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (5/126). مَجَمَّةٌ [7166] مَجَمَّة: أي مُريحةٌ، من الإجمامِ، وهي الراحةُ، أي: أنَّها تريحُ فؤادَ المريضِ، وتنشِّطُه، وتُقَوِّيه، وتُسكِّنُه. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (5/127). لفؤادِ المريضِ، تُذْهِبُ بعضَ الحُزْنِ)) [7167] أخرجه البخاري (5417)، ومسلم (2216). .وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ: أنَّ فيها إثباتَ الطِّبِّ والعلاجِ، وإباحةَ التَّداوي [7168] ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (6/159) .7- عن عَوفِ بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كنَّا نَرْقي في الجاهليَّة، فقلنا: يا رسولَ الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بَأسَ بالرُّقى ما لم يكُنْ فيه شِركٌ)) [7169] أخرجه مسلم (2200). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قَولَه: ((لا بَأْسَ)) يقتضي الإباحةَ [7170] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/470). .القول الثاني: يُستَحَبُّ التَّداوي، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [7171] ((المجموع)) للنووي (5/106)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/357). وجمهورِ السَّلَفِ، وعامَّة الخَلَفِ [7172] ((شرح النووي على مسلم)) (14/191)، ((طرح التثريب)) للعراقي (8/177)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/564). ، وهو قولُ ابنِ بازٍ [7173] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (4/23) (21/437). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((قالَتِ الأعرابُ: يا رسولَ الله، ألَا نتداوَى؟ قال: نَعمْ، يا عبادَ اللهِ تداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَعَ له شفاءً، أو قال: دواءً إلَّا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول اللهِ، وما هو؟ قال: الهَرَمُ)) [7174] أخرجه أبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18454)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (291)، وابن حبان (486) بألفاظ متقاربه. قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (5/281)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (95)،  والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2038)، وصحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (2/921)، والعيني في ((نخب الأفكار)) (14/165).  .2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي مِنَ العَقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ)) [7175] أخرجه مسلم (2199). .3- عن أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أخي اسْتُطْلِقَ بَطنُه، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اسْقِه عَسَلًا. فسقاه، ثم جاءه، فقال: إنِّي سَقَيتُه عسَلًا، فلم يَزِدْه إلَّا استِطلاقًا، فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم جاء الرابعةَ، فقال: اسْقِهِ عَسَلًا. فقال: لقد سقيْتُه فلم يَزِدْه إلَّا استطلاقًا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: صدَقَ اللهُ، وكَذَب بَطْنُ أخيك. فسَقاه فبَرَأ)) [7176] أخرجه البخاري (5716)، ومسلم (2217) واللفظ له. .4- عن ابنِ شهابٍ، قال: أخبَرَني أبو سَلَمةَ، وسعيدُ بن المُسَيِّب أنَّ أبا هريرةَ رَضِيَ الله عنه أخبَرَهما أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((في الحبَّةِ السَّوْداءِ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ)). قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوْتُ، والحبَّة السَّوداءُ: الشُّونِيزُ [7177] أخرجه البخاري (5688) واللفظ له، ومسلم (2215). .5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، يقول: ((احتجمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحْرِمٌ)) [7178] أخرجه البخاري (5695)، ومسلم (1202). .وَجهُ الدَّلالةِ من هذه الأحاديث:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ بذلك وأرَشَدَ إليه وفَعَلَه، كما في النُّصوصِ السابِقَة؛ مِمَّا دلَّ على استحبابِه [7179] ((المجموع)) للنووي (5/106)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/233). قال شمس الدين ابن قدامة: (أدنى أحوالِ الأمرِ الاستحبابُ). ((الشرح الكبير)) (6/271). .ثانيًا: أنَّ المريضَ يكون ضَيِّقَ النَّفْسِ، لا يقومُ بما ينبغي أن يقومَ به من الطَّاعاتِ، وإذا عافاه اللهُ انشرَحَ صَدْرُه وانبسَطَت نفْسُه، وقام بما ينبغي أن يقومَ به مِنَ العباداتِ، فيكونُ الدَّواءُ إذًا مُرادًا لغَيرِه، فَيُسَنُّ [7180] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/233). .ثالثًا: أنَّ في التداوي استمساكًا لِما خَلَقه اللهُ مِنَ الأسبابِ النَّافِعَة، وجَعَلَه من سُنَّتِه في عبادِه [7181] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/564)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/233). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: حُكمُ الرُّقْيَةِ والاسترقاءِ. المطلب الثَّالث: حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت . المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ. المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ.

الرُّقيَةُ [7182] يباحُ طلبُ الرُّقية، وإن كان تركُه، والاستغناءُ عن النَّاسِ، وقيامُ المسلمِ بها لنفسِه؛ أفضلَ. يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (24/ 261). جائزةٌ [7183] تجوز الرُّقي عندَ اجتماعِ ثلاثةِ شروطٍ: أن يكونَ بكلامِ اللهِ تعالى أو بأسمائِه وصفاتِه، وباللسانِ العربيِّ، أو بما يُعرفُ معناه مِن غيرِه، وأن يعتقدَ أنَّ الرقيَةَ لا تؤثِّرُ بذاتِها بل باللهِ تعالى. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/195). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة [7184] ((البناية)) للعيني (10/281)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/57). ويُنظر: ((اللباب في الجمع بين السنة والكتاب)) للمنبجي (2/534). ، والمالِكيَّة [7185] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/490). ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (18/426)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/340). ، والشافعيَّة [7186]  ((المجموع)) للنووي (9/64). ويُنظر: ((الأم)) للشافعي (7/241). ، والحَنابِلَة [7187] ((الإقناع)) للحجاوي (4/308)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [7188] قال ابن حجر: (وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى)  ((فتح الباري)) (10/195). وقال الشَّوكاني: (وقد نقلوا الإجماعَ على جوازِ الرُّقى بالآياتِ وأَذكارِ اللهِ تبارك وتعالى). ((نيلُ الأوطارِ)) (8/231) . الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ الله عنه، في الرُّقَى قال: ((رُخِّصَ في الحُمَةِ [7189] الحُمَة: بضَمِّ الحاء المهملَة وتخفيفِ الميمِ: سُمُّ العقربِ وشِبْهِها، وقيل: هي حِدَّة السُّم وحرارتُه، والمراد أو ذي حُمَة كالعقرب وشِبْهِها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/446)، ((شرح النووي على مسلم)) (3/93). ، والنَّمْلة، والعَيْن)) [7190] أخرجه مسلم (2196). .2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي من العقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ)) [7191] أخرجه مسلم (2199). .3- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أيضًا قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، فجاء آلُ عمرِو بنِ حَزْمٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّه كانت عندنا رُقيةٌ يُرقَى بها من العَقْربِ، وإنَّك نهيْتَ عن الرُّقَى. قال: فعَرَضُوها عليه، فقال: ما أرى بأسًا؛ منِ استطاعَ مِنْكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَنْفَعْه)) [7192] أخرجه مسلم (2199). .4- عن عَوفِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كنَّا نرقِي في الجاهليَّةِ، فقُلنا: يا رسولَ الله، ما تقولُ في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بأسَ بالرُّقى ما لم يكنْ فيه شِرْكٌ)) [7193] أخرجه مسلم (2200). .5- عن عبد العزيزِ، قال: ((دخلْتُ أنا وثابتٌ على أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه، فقال ثابتٌ: يا أبا حمزةَ، اشتَكَيْتُ، فقال أنسٌ: ألَا أَرْقيكَ بِرُقيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللَّهُمَّ، رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنتَ الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا)) [7194] أخرجه البخاري (5742). . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي. المطلب الثَّالث: حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت . المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ. المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ.

الفرع الأول: حُكمُ الأنينِلا يُكْرَه الأنينُ للمريضِ؛ نصَّ عليه الشَّافعيَّة [7195] ((المجموع)) للنووي (5/128)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/329). ، وهو روايةٌ عن أحمَدَ [7196] ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص 271). ، واختاره ابنُ باز [7197] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (13/428). . الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ، قال: قالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((وا رأساهُ! فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ذاكِ لو كان وأنا حَيٌّ؛ فأستغْفِرَ لكِ وأدْعُوَ لَكِ. فقالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: واثُكْلِيَاه [7198] وَاثُكْلِيَاه: بعد الألف هاء للنُّدْبة، وأصل الثُّكْل فَقْدُ الولد، أو مَن يَعِزُّ على الفاقِدِ، وليست حقيقتُه هنا مرادةً، بل هو كلامٌ كان يجري على ألسِنَتِهم عند حُصولِ المصيبةِ أو توقُّعِها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/125). ! واللهِ إنِّي لأظُنُّكَ تُحِبُّ موتي، ولو كان ذاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَومِكَ مُعَرِّسًا [7199] مُعَرِّسًا: يقال أعرَسَ وعَرَّسَ: إذا بنى على زوجَتِه، ثم استُعْمِلَ في كلِّ جماعٍ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/125). ببعضِ أزواجِك، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بلْ أنا وا رَأساهُ! لقَدْ هَمَمْتُ- أو أردْتُ- أن أُرْسِلَ إلى أبي بكْرٍ وابنِهِ، وأعهَدَ؛ أن يقولَ القائِلونَ- أو يتمنَّى المُتَمَنُّون- ثم قُلْتُ: يأبى اللهُ ويدفَعُ المؤمنونَ، أو يدفَعُ اللهُ ويأبى المؤمنونَ)) [7200] أخرجه البخاري (5666) واللفظ له، ومسلم (2387). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم شكا وَجَعَه وأَلَمَه [7201] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/385). .ثانيًا: لأنَّه لم يَثْبُت فيه نهيٌ مقصودٌ [7202] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/295). .ثالثًا: أنَّ الأنينَ مِن ألَم العِلَّةِ والتأوُّه قد يَغْلبانِ الإنسانَ، ولا يُطيقُ كَفَّهُما عنه، واللهُ تعالى لا يكلِّفُ نفسًا إلَّا وُسْعَها، وليس فى وُسْعِ ابنِ آدَمَ تَرْكُ الاستراحةِ إلى الأنينِ عند الوَجَعِ يشتدُّ به، والألمِ يَنْزِلُ به [7203] ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (9/385). . الفرع الثَّاني: حُكمُ تمنِّي الموتيُكرَه تمنِّي الموتِ لِضُرٍّ نَزَلَ به، أمَّا إذا كان لِخَوْفِ فتنةٍ في الدِّينِ فلا يُكْرَه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة [7204] ((حاشية ابن عابدين)) (6/419)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 415). ، والمالِكيَّة [7205] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/166). ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (18/39)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/445). والشَّافعيَّة [7206] ((المجموع)) للنووي (5/106)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/357). ، والحَنابِلَة [7207] ((الفروع)) لابن مفلح (3/243)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/80). .الأدلَّة: أولًا: من الكتابِقولُ مريم: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 23]. وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ مريمَ عليها السلامُ تمنَّتِ الموتَ من جهةِ الدِّينِ؛ لوجهين: الأوَّل: أنَّها خافَتْ أن يُظَنَّ بها الشرُّ في دِينِها وتُعيَّرَ؛ فيفتِنَها ذلك.الثَّاني: لئلَّا يَقَعَ قَوْمٌ بِسَبَبِها في البُهتانِ، والنِّسبَةِ إلى الزِّنَا [7208] ((تفسير القرطبي)) (11/92). .ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يتمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ مِنْ ضُرٍّ أصابَه، فإن كان لا بُدَّ فاعِلًا، فليقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي ما كانَتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا كانت الوَفاةُ خيرًا لي)) [7209] أخرجه البخاري (5671) واللفظ له، ومسلم (2680). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قولَه: ((لا يتمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ مِنْ ضُرٍّ أصابَه)) فيه النهيُ عن تمنِّي الموتِ للضَّرَرِ النَّازِل.وقوله: ((وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي)) فيه إباحةُ تمنِّي الموتِ؛ خوفًا من أن يُفْتَنَ في دِينِه [7210] (شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/111)، ((شرح النووي على مسلم)) (17/7). .2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لن يُدخِلَ أحدًا عَمَلُه الجَنَّةَ، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغَمَّدَنيَ اللهُ بفضلٍ ورحمةٍ، فسَدِّدوا وقارِبُوا، ولا يتمنَيَنَّ أحدُكم الموتَ: إمَّا مُحسِنًا؛ فلعلَّه أن يزدادَ خيرًا، وإمَّا مُسيئًا؛ فلعَلَّه أن يَسْتَعْتِبَ)) [7211] أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816). .3- عنِ معاذِ بن جبل رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتاني الليلةَ رَبِّي تبارك وتعالى في أحسَنِ صورةٍ.... وقال: يا محمَّدُ إذا صَلَّيْتَ فَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ فِعْلَ الخيراتِ، وتَرْكَ المُنْكَراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تَغْفِرَ لي وترحَمَني، وإذا أردْتَ فتنةً في قومٍ فتَوَفَّني غيرَ مَفتونٍ)) [7212] أخرجه الترمذي (3235)، والبزار (2668)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/541)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/109) (216) . قال البخاري، والترمذي ((سنن الترمذي)) (3235): حسن صحيح، وصححه ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/73)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (3235). لكن قال ابن خزيمة ((التوحيد)) (2/543): ليس يثبت، وقال ابن رجب ((اختيار الأولى)) (33): في إسناده اختلاف وله طرق متعددة. . وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قولَه: ((وإذا أردْتَ فتنةً في قومٍ فتَوَفَّني غيرَ مَفتونٍ)) فيه أنَّه إذا خَشِيَ أن يُصابَ فى دِينِه فله أن يدعوَ بالمَوْتِ قبل أن يُصابَ بذلِكَ [7213] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/389). .ثالثًا: من الآثارعن سعيدِ بنِ المُسَيِّب، قال: (لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه مِن مِنًى، أناخَ بالأَبْطَحِ، ثم كوَّمَ كَوْمَةً بَطحاءَ [7214] كوَّمَ كَومَةً بَطْحَاء: (كوَّم) أي: جَمع، (كَوْمةً) بفتح الكاف وضَمِّها: أي قِطْعَة (بَطْحَاء) أي صغار الحَصَى؛ أي: جَمَعَها وجعَلَ لها رَأْسًا. يُنظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/231). ، ثم طَرَحَ عليها رداءَه واستلقى، ثم مدَّ يَدَه إلى السَّماءِ، فقال: اللَّهُمَّ كَبِرَت سِنِّي، وضَعُفَتْ قُوَّتِي، وانتشَرَتْ رَعِيَّتي، فاقبِضْني إليك غيرَ مُضيِّعٍ ولا مُفرِّطٍ... قال مالِكٌ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: قال سعيدُ بنُ المسيِّب: فما انسَلَخَ ذو الحِجَّةِ حتى قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه) [7215] أخرجه مالك (2/824)، وابن سعد في ((الطبقات)) (3/255)، والفاكهي في ((أخبار مكة)) (1831)، وابن أبي الدنيا في ((مجابو الدَّعوة)) (24) صحَّحه ابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (23/92)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (4/250 ): إسناده رجالُه رجال الصحيح. . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي. المطلب الثَّاني: حُكمُ الرُّقْيَةِ والاسترقاءِ. المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ. المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ.

الفرع الأوَّل: عيادةُ المريضِ المُسْلِمتُستَحَبُّ عيادةُ المريضِ المُسْلِمِ [7216] وقد اتَّفَقَ العُلماءُ على مشروعيَّةِ عيادَةِ المريضِ وفَضْلِها. قال ابْنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ عيادةَ المريض فَضْلٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 157). وقال النوويُّ: (اتَّفق العُلماءُ على فضلِ عيادةِ المريض). ((شرح النووي على مسلم)) (16/124). وقال الشوكانيُّ: (عيادَةِ المريضِ... مشروعةٌ بالإجماعِ). ((نيل الأوطار)) (4/22) ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7217] ((البناية)) للعيني (9/23). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (8/19). ، والمالِكيَّة [7218] ((حاشية العدوي)) (2/624). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (13/310). ، والشَّافعيَّة [7219] ((المجموع)) للنووي (5/111). ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/10). ، والحَنابِلَة [7220] ((الفروع)) لابن مفلح (3/251). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [7221] قال ابْنُ عبد البَرِّ: (وعيادةُ المريضِ سُنَّةٌ مسنونةٌ، فعَلَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَرَ بها ونَدَبَ إليها، وأخبَرَ عن فَضْلها بضروبٍ من القولِ... فثبتت سُنَّةً ماضيةً لا خلافَ فيها). ((التمهيد)) (19/203). وقال النوويُّ: (أمَّا عيادةُ المريض فسُنَّةٌ بالإجماعِ، وسواءٌ فيه من يَعْرِفه ومَن لا يعرِفُه، والقريبُ والأجنبيُّ). ((شرح النووي على مسلم)) (14/31). . الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسَبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتِّباعِ الجنائِزِ، وعيادَةِ المريضِ...)) [7222] أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066). .2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسْلمِ خَمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضِ...)) [7223] أخرجه البخاري (1240) واللفظ له، ومسلم (2612). .3- عن أبي مُوسى الأشعريِّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أطْعِموا الجائِعَ، وعُودُوا المريضَ، وفُكُّوا العانيَ)) [7224] أخرجه البخاري (5373). .4- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((مَرِضْتُ مرَضًا، فأتاني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُني...)) [7225] أخرجه البخاري (5651) واللفظ له، ومسلم (1616). .5- عن عُرْوةَ؛ أنَّ أسامةَ بنَ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أخبَرَه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَكِبَ على حمارٍ، على إكافٍ [7226] إكاف: الإِكافُ للحمارِ كالسَّرْج للفَرَس، والرَّحْلِ للنَّاقة. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (4/17). على قطيفةٍ فَدَكِيَّةٍ [7227] الفَدَكِيَّة: منسوبةٌ إلى فَدَك، وهي قريةٌ بِنَاحِيَة الحِجاز. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (4/17)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/73). ، وأردَفَ أسامةَ وراءَه، يعود سَعْدَ بنَ عبادَةَ قبلَ وَقْعةِ بَدْرٍ..)) [7228] أخرجه البخاري (5663) واللفظ له، ومسلم (1798). 6- عن ثَوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، مولى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((من عادَ مريضًا لم يَزَلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ، قيل: يا رسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجنَّة؟ قال: جَناها [7229] قال ابْنُ حجر: (وخرفة بضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء: هي الثمرة إذا نَضِجَت؛ شَبَّه ما يحوزه عائِدُ المريض من الثوابِ بما يحوزه الذي يجتني الثَّمَر، وقيل: المرادُ بها هنا الطريقُ، والمعنى أنَّ العائِدَ يمشي في طريق تؤدِّيه إلى الجنَّة، والتفسيرُ الأَوَّلُ أولى). ((فتح الباري)) (10/113)، وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/124). ). قال ابْنُ عثيمين: (يعني أنه يجني من ثمارِ الجنَّة مدَّةَ دوامِه جالسًا عند هذا المَريضِ). ((شرح رياض الصالحين)) (4/470). ) [7230] أخرجه مسلم (2568). . 7- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القِيامةِ: يا ابنَ آدمَ، مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يا رَبِّ، كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمينَ؟! قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عبدي فُلانًا مَرِض فلم تَعُدْه، أمَا عَلِمْتَ أنَّك لو عُدْتَه لوَجَدْتَني عِندَه؟...)) [7231] أخرجه مسلم (2569). .الفرع الثَّاني: عيادةُ المريضِ الذِّمِّيتجوزُ عيادةُ المريضِ الذمِّيِّ، خاصَّةً إذا كان يُرجَى إسلامُه، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة [7232] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 367). ويُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (3/344). ، والشَّافعيَّة [7233] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/329، 330). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [7234] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/131)، وينظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/427). ، وهو قَوْلُ ابنِ حَزْمٍ [7235] ((المُحَلَّى) (3/403). ، وابنِ عبدِ البَرِّ [7236] ((التمهيد)) (24/276). وابنِ تَيْميةَ [7237] ((الفتاوى الكبرى)) (5/545). والشَّوكانيِّ [7238] ((نيل الأوطار)) (8/77). ، وابنِ عُثَيمينَ [7239] ((فتاوى نور على الدرب)) (21/5). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [7240] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/138). .الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّةعن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان غلامٌ يهوديٌّ يخْدُمُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُه، فقعد عند رأْسِه، فقال له: أَسْلِمْ، فنظَرَ إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأسْلَمَ، فخرج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول: الحَمْدُ للهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ)) [7241] أخرجه البخاري (1356). .ثانيًا: لأنَّ هذا من المعامَلَةِ الحَسَنةِ التي يُقْصَدُ بها تأليفُهم، ودَعْوتُهم إلى الإسلامِ، وترغيبُهم فيه [7242] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/138). . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي. المطلب الثَّاني: حُكمُ الرُّقْيَةِ والاسترقاءِ. المطلب الثَّالث: حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت . المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ.

الفرع الأَوَّلُ: الدُّعاءُ للمَريضِ [7243] قال ابنُ حَجَرٍ: (آدابُ العيادةِ عَشَرةُ أشياءَ، ومنها ما لا يختصُّ بالعيادَةِ: ألَّا يُقابِلَ البابَ عند الاستئذانِ، وأن يَدُقَّ البابَ بِرِفْقٍ، وألَّا يُبهِمَ نَفْسَه؛ كأن يقولَ: أنا، وألَّا يَحْضُرَ في وقتٍ يكونُ غيرَ لائقٍ بالعيادَةِ؛ كوَقْتِ شُرْبِ المريضِ الدَّواءَ، وأن يُخَفِّفَ الجلوسَ، وأن يَغُضَّ البَصَرَ ويُقَلِّلَ السُّؤالَ، وأن يُظْهِرَ الرِّقَّةَ، وأن يُخْلِصَ الدُّعاءَ، وأن يُوَسِّعَ للمريضِ في الأَمَلِ، ويشير عليه بالصَّبْر؛ لِمَا فيه من جزيلِ الأَجْرِ، ويُحَذِّره من الجَزَع لِمَا فيه من الوزر). ((فتح الباري)) (10/126). يُستحبُّ لِمَن عاد مريضًا أن يدعُوَ له؛ نصَّ على ذلك المالِكيَّةُ [7244] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/427). ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير (4/763)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/77). ، والشَّافعيَّةُ [7245] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَةُ [7246] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/195)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). . الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل على مَن يعودُه قال: لا بأسَ؛ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ)) [7247] أخرجه البخاري (3616). .2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّه قال لثابتٍ: ألَا أرقِيكَ برُقْيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللهُمَّ، ربَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِر سَقَمًا)) [7248] أخرجه البخاري (5742). .3- عن سعد بن أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ على سعدٍ يَعودُه بمكَّةَ، فبكى، قال: ما يُبكِيكَ؟ فقال: قد خَشيتُ أن أموتَ بالأرضِ التي هاجَرتُ منها، كما مات سعدُ بنُ خَوْلةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، ثَلَاثَ مِرَارٍ)) [7249] أخرجه البخاري (5659)، ومسلم (1628) واللفظ له. .4- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ جبريلَ أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ: يا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ؟ قال: نَعَم. قال: باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ، مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤذيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عينِ حاسِدٍ اللهُ يَشْفيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ)) [7250] أخرجه مسلم (2186). .الفرع الثَّاني: تخفيفُ المُكْثِ عِندَهيُخَفِّفُ العائدُ المُكْثَ عند المريضِ، ولا يُطيلُ الجُلوسَ عنده [7251] إلَّا أَنْ يطلُبَ منه الجلوسَ. يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/327). ؛ نصَّ عليه المالِكيَّةُ [7252] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/427). ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/327). ، والشَّافعيَّة [7253] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7254] ((الفروع)) لابن مفلح (3/253)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/78). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [7255] قال ابنُ عبد البرِّ: (ولا خلافَ بين العُلماءِ والحُكماءِ أنَّ السنَّةَ في العيادةِ التَّخفيفُ إلَّا أن يكونَ المريضُ يدعو الصَّديقَ إلى الأُنْسِ به). ((التمهيد)) (1/197). ؛ وذلك لِمَا في الإطالَةِ من إضْجارِه والتَّضييقِ عليه، ومَنْعِه من بعضِ تَصَرُّفاتِه [7256] ((المجموع)) للنووي (5/112). .الفرع الثَّالِثُ: ترغيبُه في التَّوبَةِيُسْتَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في التَّوبَةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [7257] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 366). والشَّافعيَّة [7258] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/96)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7259] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). ؛ وذلك لأنَّ التَّوبةَ واجبةٌ على كلِّ حالٍ، وهو أحْوَجُ إليها من غيرِه [7260] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). .الفرع الرابع: ترغيبُه في الوصيَّةِيُستَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في الوصِيَّةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّةُ [7261] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369). ، والشَّافعيَّة [7262] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/96)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7263] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/81). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/334). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه، يَبيتُ ليلَتَينِ إلَّا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه)) [7264] أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627). .الفرع الخامِسُ: حثُّه على تحسينِ الظَّنِّ باللهِيُستحَبُّ للعائِدِ أن يَحُثَّ المريضَ على تحسينِ ظنِّه بربِّه سبحانه وتعالى؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة [7265] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي، مع ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 563). ، والشَّافعيَّة [7266] ((المجموع)) للنووي (5/109)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). .الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ الله عنهما، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قبلَ موتِه بثلاثَةِ أيَّامٍ، يقولُ: ((لا يَموتَنَّ أحدُكم إلَّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ)) [7267] أخرجه مسلم (2877). . الفرع السَّادِسُ: عدمُ مُواصلةِ العيادةِ كلَّ يومٍينبغي ألَّا يُواصِلَ العيادةَ كلَّ يومٍ [7268] قال النوويُّ: (قلْتُ: هذا لآحادِ النَّاسِ، أمَّا أقارِبُ المريضِ وأصدقاؤه ونحوُهم ممَّن يأتَنِسُ بهم... أو يشُقُّ عليهم إذا لم يَرَوْه كلَّ يومٍ فَلْيُواصلوها ما لم ينْهَ، أو يُعلَمْ كراهةُ المريضِ لذلك). ((المجموع)) (5/112). وقال ابن مفلح: (ويتوجَّهُ اختلافُه باختلافِ النَّاسِ، والعملُ بالقرائِنِ وظاهِرِ الحالِ). ((الفروع)) (3/254). ؛ نصَّ على ذلك الشَّافعيَّةُ [7269] ((المجموع)) للنووي (5/112)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/330). ، والحَنابِلَة [7270] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/325)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/79). ؛ وذلك حتَّى لا يُثْقِلَ عليه [7271] ((فيض القدير)) للمناوي (2/15). . انظر أيضا: المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي. المطلب الثَّاني: حُكمُ الرُّقْيَةِ والاسترقاءِ. المطلب الثَّالث: حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت . المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ.