وقتُ صَلاةِ الكُسوفِ يَبدأُ من وقتِ ظُهورِ الكُسوفِ لا يترتَّب على إخبارِ الفلكيين بوقتِ حدوثِ الكُسوف أو الخسوف حكمٌ شرعيُّ، ولا تُصلَّى هذه الصلاةُ حتى يُرى الكسوف أو الخسوف.  قال ابنُ تيميةَ: (والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنًا، لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالمًا بذلك، وقد لا يكون، وقد يكون ثقةً في خبره، وقد لا يكون. وخبرُ المجهول الذي لا يُوثق بعلمه وصِدقه، ولا يُعرف كذبه موقوف. ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة وهو مجهولٌ- لم يُقبل خبره، ولكن إذا تواطأ خبرُ أهل الحسابِ على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتَّب على خبرهم علمٌ شرعيٌّ؛ فإنَّ صلاةَ الكسوف والخسوف لا تُصلَّى إلا إذا شاهدنا ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (24/258). وقال ابن باز: (لا يُشرع لأهل بلدٍ لم يقعْ عندهم الكسوف أن يصلوا؛ لأن الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّق الأمر بالصلاة، وما ذكر معها برؤية الكسوف، لا بالخبرِ مِن أهل الحساب بأنَّه سيقع، ولا بوقوعه في بلد آخر، وقد قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/31). وقال ابن عثيمين: (صار النَّاس في هذا الزمن يدرون متى يبتدئُ الكسوف، ومتى ينجلي، لكن مع ذلك لا يُعمل به إذا لم يره، أمَّا إذا رآه وكان قد علم أنَّه سيبقى ساعة أو ساعتين؛ فلا حرج من العمل بذلك؛ لأنَّه أمر أصبح يقينًا يُدرك بالحساب، لكنَّه لو فُرض أن غيَّمت السماء في ذلك اليوم، ولم يروا الكسوف؛ فإنَّهم لا يصلُّون صلاة الكسوف اعتمادًا على ما قيل؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّقه بالرؤية) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/323). وجاء في فتوى اللجنةِ الدَّائمة: (قد يُعرف وقتُ خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب، ويُعرف به كذلك كون ذلك كليًّا أو جزئيًّا، ولا غرابةَ في ذلك؛ لأنَّه ليس من الأمورِ الغيبية بالنسبة لكلِّ أحدٍ، بل غيبيٌّ بالنسبة لمَن لا يَعرف علمَ حساب سير الكواكب، وليس بغيبيٍّ بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم؛ لكونه يستطيعُ أن يعرِفَه بسبب عاديٍّ، وهو هذا العلم، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى، التي يخوِّف بها عباده؛ ليرجعوا إلى ربِّهم، ويستقيموا على طاعته، لكن لا يجوزُ تصديقُهم ولا العملُ بقولِهم؛ لأنَّهم قد يخطئون، وإنَّما العمدةُ على رؤيةِ الكُسوف). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (8/322). ، ويَنتهي بزَوالِه، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/153)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/281). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/319)، وينظر: ((التنبيه في الفقه الشافعي)) للشيرازي (ص: 46). ، الحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/61)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/316). ، ورِواية عند المالِكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/403). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإذا رأيتُموهما فادْعُوا الله وصَلُّوا، حتى يَنجليَ)) رواه البخاري (1060)، ومسلم (915). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَلَ صلاةَ الكُسوفِ من رُؤيةِ الكسوفِ إلى انجلائِه ((المغني)) لابن قدامة (2/316). .ثانيًا: أنَّ صلاةَ الكُسوفِ شُرِعتْ رغبةً إلى اللهِ في ردِّ نِعمةِ الضَّوءِ، وذلك إَّنما يكونُ في وقتِ الكُسوفِ ((المغني)) لابن قدامة (2/316). . انظر أيضا: المطلب الثاني: صلاةُ الكُسوفِ في أوقاتِ النَّهي. المطلب الثالث: انتهاءُ الكُسوفِ أو الخُسوفِ أثناءَ الصَّلاةِ .

اختَلفَ أهلُ العِلمِ في صلاةِ الكُسوفِ في أوقاتِ النَّهيِ عن الصَّلاة على قولينِ:القول الأوّل: تُشرَعُ صلاةُ الكسوفِ في كلِّ وقتٍ، ولو في أوقاتِ النهي عن الصَّلاة، وهذا مذهب الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/170)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/442). ، وقول للمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/403)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/202)، وينظر: ((المنتقى))‏ للباجي (1/329). ، ورواية عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (2/318). ، واختاره ابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (الرِّواية الثانية: جوازُ جميع ذوات الأسباب، وهي اختيار أبي الخطاب، وهذا مذهبُ الشافعي، وهو الرَّاجح) ((مجموع الفتاوى)) (23/191). ، وابن باز قال ابنُ باز: (في المسألتين خلافٌ بين أهل العلم، والصَّواب جوازُ ذلك، بل شرعيَّته؛ لأنَّ صلاة الكسوف وتحيَّة المسجد من ذوات الأسباب، والصواب: شرعيتُها في وقتِ النهي بعد العصر وبعد الصُّبح، كبقية الأوقات؛ لعموم قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشمس والقمر آيتانِ من آياتِ الله لا يَنخسفانِ لموت أحدٍ ولا لحياتِه؛ فإذا رأيتُم ذلك فصلُّوا، وادْعُوا، حتى ينكشفَ ما بكم)) متفق على صحته. ولقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَل أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتى يُصلِّي ركعتين)) متفق على صحَّته) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/42). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (القولُ الراجح في هذه المسألة: أنَّ كلَّ صلاة لها سببٌ تُصلَّى حيث وُجِد سببُها، ولو في أوقات النَّهي) ((الشرح الممتع)) (5/192). ، وذلك لأنَّ صلاةَ الكسوفِ تفوتُ ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/442). ، وللأدلَّة الواردة في جوازِ صلاةِ ذواتِ الأسبابِ في أوقاتِ النَّهي تُنظر الأدلَّة في موضعها من باب صلاة التطوع. . القول الثاني: لا تُصلَّى صلاةُ الكُسوفِ في وقتِ النَّهي، وهذا مذهبُ الجمهورِ قال ابنُ قدامة: (وإذا كان الكسوفُ في غيرِ وقت الصَّلاة، جَعَل مكان الصلاة تسبيحًا، هذا ظاهر المذهب؛ لأنَّ النافلة لا تُفعل في أوقات النَّهي، سواء كان لها سببٌ أو لم يكُن، رُوي ذلك عن الحسن، وعطاء، وعِكرمة بن خالد، وابن أبي مُلَيكة، وعمرو بن شُعيب، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ومالك، وأبي حنيفة، خلافًا للشَّافعي. وقد مضَى الكلامُ في هذا، ونصَّ عليه أحمد) ((المغني)) (2/317). : الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/153)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/282). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/202)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/213). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/64)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/317). .الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن صَلاتينِ: نَهَى عن الصَّلاةِ بَعدَ الفجرِ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، وبعدَ العصرِ حتى تَغرُبَ الشَّمسُ)) رواه البخاري (584)، ومسلم (825) .2- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا صَلاةَ بَعدَ صلاةِ العَصرِ حتَّى تَغرُبَ الشَّمسُ، ولا صلاةَ بَعدَ صلاةِ الفَجرِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ)) رواه البخاري (586)، ومسلم (827). .3- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانَا أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أنْ نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلُعُ الشَّمسُ بازغةً حتى تَرتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرة حتى تَميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تَغرُبَ)) رواه مسلم (831) .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ أحاديثَ النَّهي عامَّةٌ، تشمل حتَّى صلاةَ الكسوفِ ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/64). . انظر أيضا: المطلَبُ الأَوَّلُ: وقتُ صَلاةِ الكُسوفِ. المطلب الثالث: انتهاءُ الكُسوفِ أو الخُسوفِ أثناءَ الصَّلاةِ .

إذا انتَهى الكسوفُ أو الخسوفُ أثناءَ الصَّلاة، فإنَّه يُتمُّها خفيفةً على صِفتها، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/54)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/279)، ((البيان)) للعمراني (2/668). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/63)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدامة (2/316). ، وبه قال أصبغُ من المالِكيَّة قال الصاوي: (أمَّا إذا انجلت بعد إتمام ركعةٍ، فعندهم في تلك الحالة قولان: قال سحنون: كالنوافل بقِيام وركوع فقط بلا تطويل. وقال أصبغُ: أُتمَّت على سُنَّتها بلا تطويل) ((حاشية الصاوي)) (1/535). ، واختارَه ابنُ عثيمين سُئل فضيلة الشَّيخ رحمه الله تعالى: ما الذي يُشرَع للمصلِّين إذا أُخبروا بانجلاء الكسوف؛ هل يقطعون الصلاة؟  فأجاب فضيلتُه بقوله: يُتمُّون صلاةَ الكسوف، أو الخسوف خفيفةً. ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/324). .الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ اللهَ تعالى نَهَى عن إبطالِ الأعمالِ، وقَطْع صلاة الكسوف يُبطِلُها؛ فدلَّ على أنَّ المشروعَ لهم هو إتمامُها ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/63). .ثانيًا: من السُّنَّةقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فصَلُّوا وادْعُوا، حتى ينكشفَ ما بكم)) رواه البخاري (1040) من حديث أبي بَكرةَ رضي الله عنه. ورواه البخاري (1041)، ومسلم (911) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه. .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ المقصودَ التجلِّي والانكِشاف، وقد حصَلَ ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/63). .ثالثًا: أنَّه شُرِعَ تخفيفُها؛ لزوالِ السَّبب ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/63). . انظر أيضا: المطلَبُ الأَوَّلُ: وقتُ صَلاةِ الكُسوفِ. المطلب الثاني: صلاةُ الكُسوفِ في أوقاتِ النَّهي.