الفرع الأوَّل: تعريفُ المَيتةالمَيتة لُغةً: ما فارَقَتْه الرُّوحُ بِغَيرِ ذَبحٍ انظر: ((تهذيب الأسماء واللغات)) (4/146). .المَيتة شرعًا: ما مات بغيرِ ذَكاةٍ ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (1/132)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/583)، ((تفسير البقرة للعثيمين)) (2/250). . الفرع الثَّاني: أقسامُ المَيتة- تنقَسِمُ الميتةُ باعتبارِ طَهارَتِها أو نجاسَتِها إلى:1- ميتةٌ طاهرةٌ.2- ميتة نجِسةٌ.- وتنقَسِمُ باعتبارِ كيفيَّةِ مَوتِها إلى قِسمينِ: القسم الأوَّل: ما يموتُ حتْفَ أنفِه مِن غَيرِ سببٍ لآدميٍّ فيه.القسم الثَّاني: ما يموتُ بِسَبَبِ فِعل الآدميِّ، إذا لم يكُنْ فِعلُه فيه على وجهِ الذَّكاةِ المُبيحةِ له.ومِن صُوَرِ هذين القِسمينِ ما ورد في قَولِه تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ انظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/14). [المائدة: 3]:(المُنخَنقةُ: وهي التي تَموتُ خَنقًا.الموقوذةُ: وهي التي تُضرَبُ حتى تموتَ.المتردِّيةُ: هي التي تقَعُ من جبلٍ، أو تتردَّى في بئرٍ، أو تسقُطُ مِن شاهقٍ، فتموت. النَّطيحةُ: هي المنطوحةُ التي ماتت بسببِ نطْحِ غَيرِها لها) ((تفسير ابن كثير)) (3/18، 22). . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: المَيتة النَّجسة. المطلب الثَّالث: الميتة الطاهرة.

الفرع الأوَّل: لحمُ المَيتةِ لحمُ المَيتةِ المرادُ بالمَيتةِ هاهنا: الحيوان البَريُّ الذي له نفسٌ سائلةٌ، إذا مات حتْفَ أنفِه بغيرِ ذَكاة، أو بذكاةٍ غير مُعتَبرةٍ شرعًا.  قال الخرشي: ("وميِّت غيرُ ما ذُكِر"، وهو بَريٌّ له نفْسٌ سائلة، مات حتْفَ أنفِه، أو بذَكاةٍ غيرِ شرعيَّة) ((شرح خليل)) (1/398). نَجِسٌ في الجملةِ. الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه [الأنعام: 145]. وجه الدَّلالة: أنَّه نصَّ على أنَّ المَيتةَ رِجسٌ، والرِّجسُ بمعنى النَّجِسِ، فتكونُ المَيتةُ نجِسةً، ومن ذلك لَحمُها ((تفسير السعدي)) (1/277)، ((تفسير سورة البقرة)) لابن عثيمين (1/198). .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ لحمَ المَيتةِ وشَحمَها ووَدَكَها وغُضروفَها ومخَّها، وأنَّ لحمَ الخِنزيرِ وشحمَه وودَكَه وغُضروفَه ومخَّه وعصَبَه؛ حرامٌ كلُّه، وكلُّ ذلك نَجِسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 23). ، وابنُ رُشدٍ قال ابن رشد: (وأمَّا أنواعُ النَّجاسات، فإنَّ العلماءَ اتَّفقوا مِن أعيانِها على أربعةٍ: ميتةِ الحيوانِ ذِي الدَّمِ الذي ليس بمائي...). ((بداية المجتهد)) (1/76). ، وابنُ قدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (لا يختلفُ المذهَبُ في نجاسةِ المَيتة قَبلَ الدَّبغِ، ولا نعلم أحدًا خالف فيه). ((المغني)) (1/49). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أمَّا باقي المَيتاتِ- أي: ما سوى ميتةِ الآدميِّ والسَّمَكِ والجَرادِ- فنَجِسةٌ، ودليلُها الإجماعُ). ((المجموع)) (2/562). .ثالثًا: إذا مات الحيوان حتْفَ أنفِه، احتبَسَ الدَّمُ في عروقِه وتعفَّنَ وفَسَد، وحصَل من أكلِه مضارُّ عظيمةٌ ((الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة)) (39/383). .رابعًا: أنَّ الله سبحانه حرَّم علينا الخبائِثَ، والخَبَث الموجِبُ للتحريمِ قد يَظهَرُ لنا وقد يَخفَى، فما كان ظاهرًا لم يَنصِب عليه الشَّارِعُ علامةً غير وَصفِه، وما كان خفيًّا نصَب عليه علامةً تدلُّ على خُبثِه، فاحتقانُ الدَّمِ في المَيتةِ سَببٌ ظاهِرٌ، وأمَّا ذبيحةُ المجوسيِّ والمرتدِّ وتاركِ التسميَّةِ، ومَن أهَلَّ بذبيحَتِه لغير الله، فنَفْسُ ذبيحةِ هؤلاء أكسَبَت المذبوحَ خُبثًا أوجَبَ تحريمَه، ولا يُنكِرُ أن يكونَ اسمُ الأوثانِ والكواكِبِ والجنِّ على الذبيحةِ يُكسِبُها خبثًا، وذِكرُ اسْمِ الله وَحْدَه يُكسِبُها طيبًا، إلَّا مَن قلَّ نصيبُه مِن حقائِقِ العِلمِ والإيمانِ وذَوقِ الشَّريعةِ ((أعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين)) (2/173). .الفرع الثَّاني: جِلدُ المَيتةِالمسألة الأولى: جِلدُ الميتةِ قَبلَ دَبغِه جِلدُ المَيتةِ نَجِسٌ قَبل دَبْغِه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/88)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص 65). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/51)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/89)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/27). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/27)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/62). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/72،324)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/49). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن قدامة: (لا يختلِفُ المذهَبُ في نجاسةِ المَيتةِ قبل الدَّبغ، ولا نَعلَمُ أحدًا خالَفَ فيه). ((المغني)) (1/49). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (وبطل بالدَّليلِ منه قَولُ مَن قال إنَّ جلدَ المَيتةِ- وإن لم يُدبَغ- يُستمتَعُ به ويُنتَفَع، وهو قول ابن شهاب، ورُويَ عن الليث بن سعد مثلُه، وذكره مَعمَر بإثر حديثِه المُسنَد المذكور، قال مَعمَر: وكان الزهريُّ يُنكِرُ الدِّباغ ويقول: يُستمتَعُ به- يعني الجِلدَ- على كلِّ حالٍ، قال أبو عبد الله محمَّد بن نصر المروزيُّ: وما علمتُ أحدًا قال ذلك قبل الزهريِّ، وروى الليث عن يونس عن ابنِ شِهابٍ الحديثَ المذكور، ثم قال بإثرِه: فلذلك لا نرى بالسِّقاءِ فيها بأسًا ولا بِبَيعِ جِلدِها وابتياعِه وعَمَلِ الفِرَاءِ منها). ((الاستذكار)) (5/301) الدليلُ من الكِتاب: قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: 145].وجه الدَّلالة: أنَّ تحريمَ المَيتةِ والحُكمَ بأنَّها رِجسٌ؛ يعمُّ جميعَ أجزائِها. المسألة الثانية: حُكم ُجِلدِ الميتةِ إذا دُبِغ اختَلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ جِلدِ المَيتةِ بعدَ الدِّباغِ، على عدَّة أقوالِ؛ أقواها قولان:القول الأوّل: تطهُرُ قال ابنُ رُشدٍ: (الرَّابع: أنَّه [أي الدِّباغ] يُطهِّر جميعَ الجلودِ، كان ممَّا يُؤكَلُ وتَعمَلُ فيه الذَّكاة، أو ممَّا لا يُؤكَلُ ولا تَعمَلُ فيه الذَّكاةُ، حاشا جِلد الخِنزير، وهذا قول جُلِّ أهلِ العِلم؛ منهم الشافعيُّ وأبو حنيفة، وهو مذهب ابنِ وهب من أصحاب مالك) ((البيان والتحصيل)) (3/357). جلودُ مَيتاتِ جَميعِ الحَيواناتِ يُستثنى من ذلك جلودُ السِّباع؛ لنهيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها. إلَّا الكَلبَ والخِنزيرَ، وهذا مذهب الشَّافعيَّةِ قال النوويُّ: (والثالث: يَطهُرُ به كلُّ جلودِ المَيتةِ إلَّا الكَلبَ والخِنزير والمتولِّدَ من أحدهما، وهو مذهَبُنا، وحَكَوه عن عليِّ بن أبي طالب وابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهما) ((المجموع)) (1/217)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/22). ، ووافَقَهم الحنفيَّة في غيرِ الكَلبِ ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصَّاص (1/293-297)، وقال ابن الهمام: (قوله: "وكلُّ إهابٍ دُبِغَ فقد طهُرَ" يتناول كلَّ جلدٍ يَحتمِلُ الدِّباغةَ، لا ما لا يحتَمِلُه؛ فلا يطهُرُ جِلدُ الحيَّةِ والفأرة به) ((فتح القدير)) (1/92). ، وهو قول طائفة من السلف قال النوويُّ: (ورُوي هذا المذهَبُ عن عليِّ بن أبي طالبٍ وعبد الله بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهما) ((شرح النووي على مسلم)) (4/54). .الأدلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهُر)) رواه مسلم (366). .ثانيًا: استُثني الخِنزيرُ والكَلبُ؛ لنجاسَتِهما في حالِ حَياتِهما ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/85-86). .القول الثاني: لا يَطهُرُ جِلدُ مَيتةٍ بالدِّباغِ إلَّا ميتةَ مأكولِ اللَّحمِ، وهو روايةٌ عن مالكٍ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (رَوى أشهبُ عن مالكٍ في المستخرَجة: أنَّ ما لا يُؤكَلُ لَحمُه فلا يَطهُرُ جِلدُه بالدِّباغ. قال: وسُئل مالك: أترى ما دُبِغَ من جلود الدوابِّ طاهرًا؟ فقال: إنما يُقالُ هذا في جلودِ الأنعامِ، فأمَّا جلودُ ما لا يُؤكَل لحمه؛ فكيف يكون جِلدُه طاهرًا إذا دُبِغَ وهو ممَّا لا ذَكاةَ فيه، ولا يُؤكل لحمه؟! قال أبو عمر: لا أعلَمُ أحدًا من الفُقهاء قال بما رواه أشهبُ عن مالكٍ في جِلد ما لا يُؤكَلُ لحمه: أنَّه لا يَطهُرُ بالدِّباغِ، إلَّا أبا ثور إبراهيمَ بن خالد) ((الاستذكار)) (5/294). ، وروايةٌ عن أحمدَ اختارها بعض الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/72)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/55). ، وذهب إليه بعضُ السَّلَفِ قال النوويُّ: (المذهب الثاني: يطهُرُ بالدِّباغ جلدُ مأكولِ اللَّحمِ دون غيره، وهو مذهَبُ الأوزاعيِّ وابنِ المبارك، وأبي داود وإسحاق ابن راهويه) ((المجموع)) (1/217). ، وبه قالت طائفةٌ مِن فُقَهاءِ الحديثِ ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (4/182)، ((المجموع)) للنووي (1/217)، ((المغني)) لابن قدامة (1/52)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/476). ، واختاره ابنُ العربيِّ المالكيُّ قال ابن العربيِّ: (العمومُ إنَّما يتناوَلُ الجلودَ التي كانت مباحةً ثم طرأ عليها التَّحريمُ، فيردُّها الدِّباغُ إلى حال التحليلِ، هذا مقتضى اللَّفظِ، وقد قال أبو عيسى عن النَّضر بن شُميل: إنَّه إنما يقال: إهابٌ في العربية لِما يُؤكَلُ لحمُه، وهو نصٌّ في مسألَتِنا، والله أعلم) ((عارضة الأحوذي)) (7/235). ، وابنُ قُدامةَ الحنبليُّ قال ابن قدامة: (ثم نقول: إنَّ الدَّبغَ إنما يؤثِّرُ في مأكولِ اللَّحم) ((المغني)) (1/52). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ومأخذ التردُّدِ: أنَّ الدِّباغَ هل هو كالحياة؛ فيُطهِّرُ ما كان طاهرًا في الحياة؟ أو هو كالذَّكاةِ؛ فيُطهِّر ما طهُر بالذَّكاةِ؟ والثاني أرجحُ... وفي هذا القَولِ جمعٌ بين الأحاديثِ كلِّها) ((مجموع الفتاوى)) (21/95). وقال أيضًا: (السُّنَّة تدلُّ على أنَّ الدِّباغ كالذَّكاةِ) ((مجموع الفتاوى)) (21/518). وقال أيضًا: (الجِلدُ جزءٌ من المَيتةِ فيه الدَّمُ كما في سائر أجزائِه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَل ذكاتَه دِباغَه؛ لأنَّ الدَّبغ يُنَشِّف رُطوباتِه؛ فدلَّ على أنَّ سبَبَ التَّنجيسِ هو الرُّطوباتُ) ((الفتاوى الكبرى)) (1/270). هذا هو المشهورُ في كتُبِ ابنِ تيميَّة، وهو أنِّ الدِّباغَ يُطهِّرُ مِن جلدِ الميتة ما تُحِلُّه الذَّكاةُ، وإنْ كان المرداويُّ في ((الإنصاف)) قد حكَى عنه قولين، هذا أحدهما، والثَّاني: أنَّ الدِّباغَ يُطهِّرُ ما كان طاهرًا حالَ الحياة. ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/95)، ((الإنصاف)) (1/72). ، وابنُ باز قال ابن باز: (ما دُبغ من جلود الميتة التي تَحِلُّ بالذَّكاةِ، كالإبل والبقر والغنم، طهورٌ يَجوزُ استعمالُه في كلِّ شيءٍ، في أصحِّ أقوالِ أهل العلم)، وقال أيضًا: (النصُّ في جِلدِ الميتةِ المأكولةِ، وليس في غيره) ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد آل حامد (1/78). وقال أيضًا: (الذي ينبغي: ألَّا يُقتَنى وألَّا يُستعمَل- يعني: جلودَ السِّباع وجلودَ الثَّعلب والذِّئب والنمر-؛ لأنَّه جاءت أحاديثُ تدلُّ على النهي عن جلودِ السِّباع، وعن افتراشِها، وعن رُكوبها، وسمَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدِّباغَ طهارةً وذَكاة، فدلَّ ذلك على أنَّ الدِّباغَ إنَّما يكون لِمَا يطهُرُ بالذَّكاة، كمأكولِ اللَّحم مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ، ونحو ذلك، فهذه جلودها طيِّبة، ولو كانت جلودَ مَيتةٍ إذا دُبِغَت، أمَّا السِّباع فهي نجِسةٌ ولو ذُبِحَت، فلا يؤثِّرُ فيها الدِّباغ، فينبغي للمؤمِنِ ألَّا يستعمِلَ جُلودَ السِّباع، لا الثَّعلبَ ولا غيره، وهذا هو أرجحُ الأقوالِ لأهل العلم، وهو أحوَطُها للمؤمِنِ) ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/13). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (وعلى القول الثالث: يطْهُرُ إذا كانت الميتةُ ممَّا تُحِلُّه الذَّكاةُ. والرَّاجح: القولُ الثَّالث؛ بدليل أنَّه جاء في بعض ألفاظ الحديث: ((دِباغُها ذَكاتُها)). ((الشرح الممتع)) (1/91). وسُئل ابن عثيمين: بالنسبةِ لجلودِ السِّباعِ من النُّمور وغيرها من الحيوانات؛ هل يجوز الجلوسُ عليها، أو وَضعُها في السيَّارة على مقعدةِ السيَّارةِ، أو على طبلونها أمام السَّائِقِ؟ فأجاب: (أمَّا إذا كان على وجه لا يتعدَّى فلا بأسَ، مثل طبلون السيَّارة لا يتعدَّى، أمَّا الجلوسُ فلا؛ لأنَّ الجلوسَ لا يخلو الإنسانُ من عَرَق أو ماءٍ أو ما أشبه ذلك، والقولُ الراجح: أنَّه لا يطهُرُ بالدبغ إلَّا جلدُ ما كان مأكولًا في الحياة، هذا يطهُر بالدَّبغِ، فلو ماتت شاةٌ وأخَذْنا جلدَها ودبَغْناه وجعلناه قِربةً، فهو طاهِرٌ لا يؤثِّرُ على الماء، وكذلك لو دبغناه وجعلناه في مكانٍ يجلسونَ عليه، لا بأس، لكن ما يحرُمُ أكلُه لا يطهُرُ جِلدُه بالدَّبغِ، هذا هو القولُ الرَّاجِحُ، والمسألةُ فيها خلاف طويل عريض) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 143). وسُئلت اللجنة الدائمة: إذا دُبِغَ جِلدُ الثَّعلب؛ فهل يطهُرُ؟ وهل يحلُّ استعمالُه بالملابِسِ وغيرها، وهل يجوزُ بَيعُه وشراؤه والمتاجرةُ به؟ فأجابت: (جلد الثَّعلب كلَحمِه، نَجِسٌ؛ لأنَّه سَبُعٌ لدخولِه في عُمومِ النَّهي) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/29). .الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:1- عن عبد الله بن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((تُصُدِّقَ على مَولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ، فماتتْ، فمرَّ بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: هلَّا أخذتُم إهابَها، فدَبَغتُموه، فانتفعتُم به؟ فقالوا: إنَّها مَيتةٌ، فقال: إنَّما حَرُم أكْلُها)) رواه البخاري (1492)، ومسلم (363) واللفظ له. .2- عن العاليةِ بنتِ سُبَيع أنَّها قالت: ((كان لي غَنمٌ بأُحُدٍ، فوقَع فيها الموتُ، فدخلتُ على ميمونةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكرتُ ذلك لها: فقالتْ لي ميمونةُ: لو أخذتِ جُلودَها فانتفعتِ بها؟ فقالت: أوَ يحِلُّ ذلك؟ قالت: نعم؛ مرَّ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رِجالٌ من قريش يجرُّون شاةً لهم مِثلَ الحِمارِ، فقال لهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أخَذتُم إهابَها، قالوا: إنَّها مَيتةٌ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يُطهِّرُها الماءُ والقَرَظُ قال ابن منظور: (القرَظ: شجَرٌ يُدبَغ به، وقيل: هو وَرَق السَّلَم يُدبَغُ به الأدَمُ، ومنه أديمٌ مقروظٌ) ((لسان العرب)) (7/454). )) رواه أبو داود (4126)، والنَّسائي (4248)، وأحمد (6/333) (26876). صحح إسناده ابن جرير الطبري في ((مسند ابن عباس)) (2/815)، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/471)، وحسَّنه النووي في ((الخلاصة)) (1/76)، وحسَّن إسنادَه ابن الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/220)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4126). .وجه الدَّلالة من الحَديثينِ: أنَّ رخصة الدِّباغ إنَّما جاءت في الشَّاة الميِّتةِ ونَحوها ممَّا تُحِلُّ الذَّكاةُ أكلَه ((المغني)) لابن قدامة (1/51). . الفرع الثَّالث: عِظامُ الميتة وقُرونُها وحوافِرُها عِظامُ المَيتةِ وقُرونُها وحوافِرُها، نَجِسةٌ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/89)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (9/52). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/236)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/23). ، والحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (1/92)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/54). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وجهُ الدَّلالة:أنَّ نجاسةَ المَيتةِ عامٌّ للعَظمِ وغَيرِه (ولَنَا قَولُ اللهِ تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: 3] والعَظمُ مِن جُملَتِها) ((المغني)) لابن قدامة (1/54) ((المجموع)) للنووي (1/236). كالقُرونِ والحوافِرِ. 2- قولُه تعالى: قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: 78].وجه الدَّلالة: فيها دليلٌ على أنَّ في العَظمِ حياةً، وأنَّه ينجُسُ بالموتِ؛ لأنَّ كلَّ مَحَلٍّ تحُلُّ الحياةُ به فيَخلُفُها الموتُ، ينجُسُ ويَحرُمُ، بقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ [المائدة: 3] انظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/28). .الفرع الرَّابع: شَعرُ مَيتةِ الحيوانِ الطَّاهِر في حياتِه ووبَرُه وصوفُه ما جُزَّ بخلاف ما إذا قُلِعَ ونُتِفَ أو انفصل بنَفسِه، فهذا فيه تفصيلاتٌ أخرى. وقد قيل: إنَّه إذا قُلِعَ؛ فإنَّ أصولَه محتقِنٌ فيها شيءٌ من المَيتةِ، فهو منغرِسٌ في الجلدِ، وفيه شيءٌ مباشِرٌ للنَّجاسة، والله أعلم. ينظر: ((البحر الرائق)) (1/113)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/125)، ((الشرح الممتع)) (1/95). من شَعْرٍ أو وَبَرٍ أو صُوفِ لميتةِ حيوانٍ طاهرٍ في حياتِه، ولو كان غيرَ مأكولٍ؛ فهو طاهرٌ ومن باب أوْلى لو كان الحيوانُ الطَّاهِرُ حيًّا. ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/26)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/96). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/125)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/89). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/76)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/57). قال المرداويُّ: (قوله: "وسِباعُ البهائِمِ، والطَّيرُ، والبَغلُ، والحمارُ الأهليُّ؛ نجِسةٌ"، هذا المذهَبُ في الجميع...، وعنه أنَّها طاهرةٌ غيرَ الكَلبِ والخنزيرِ، واختارها الآجُريُّ) ((الإنصاف)) (1/245). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ قال ابن قدامة: (رُوِيَ ذلك عن الحسَن وابنِ سيرين وأصحابِ عبد الله؛ قالوا: إذا غُسِلَ، وبه قال مالك، والليث بن سعد، والأوزاعيُّ، وإسحاق، وابن المُنذِر، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (1/59). . الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قولُه تعالى: وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [النحل: 5].وجه الدَّلالة:أنَّ الدِّفءَ ما يُتدفَّأُ به مِن شَعْرِها ووبَرِها وصُوفِها؛ وعمومُ ذلك يقتضي إباحةَ الجَميعِ مِن غَيرِ فصْلٍ بين المذكَّى منها وبين المَيتةِ ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (1/149، 150). . 2- قوله تعالى: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [النحل: 80].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ سِيقَت للامتنانِ، والمنَّةُ لا تقَعُ بالنَّجِسِ الذي لا يحِلُّ الانتفاعُ به، والظَّاهِرُ شُمولُها لحالتَيِ الحياةِ والمَوتِ ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/57). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((وجَد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شاةً ميتةً، أُعطِيَتْها مولاةٌ لميمونةَ من الصَّدقةِ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هلَّا انتفعتُم بجِلدِها؟ قالوا: إنَّها مَيتةٌ. قال: إنَّما حَرُمَ أكْلُها)) رواه البخاريُّ (1492) واللفظ له، ومسلم (363). .وجه الدَّلالة: أنَّ الحديثَ يدلُّ على جوازِ الانتفاعِ مِنَ الميتةِ بما سِوَى الأكلِ قال الجصَّاص: (أبان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مُرادِ الله تعالى بتحريمِ المَيتةِ، فلمَّا لم يكُن الشَّعْرُ والصُّوفُ والعَظمُ ونحوها ممَّا ذَكَرْنا من المأكولِ، لم يتناوَلْها التَّحريمُ). ((أحكام القرآن)) (1/150). .ثالثًا: أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحةُ والطَّهارةُ؛ ولا دليلَ على النَّجاسةِ؛ فإنَّ هذه الأعيانَ هي من الطيِّباتِ، وليست مِن الخبائِثِ، فتدخُلُ في آيةِ التَّحليلِ؛ وذلك لأنَّها لم تدخُلْ فيما حرَّمَه اللهُ من الخبائِثِ لا لفظًا، ولا معنًى ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/264، 267). .رابعًا: أنَّ المَيتةَ المحرَّمةَ هي ما كان فيها الحِسُّ والحَرَكةُ الإراديَّةُ، وأمَّا الشَّعْرُ ونحوُه، فإنَّه ليس فيه حسٌّ ولا يتحرَّك بإرادةٍ، ولا تُحِلُّه الحياةُ الحيوانيَّة حتى يموتَ بِمُفارَقَتِها، وإنَّما هو كالزَّرعِ يَنمو ويغتذي، وإذا يَبِسَ الزَّرعُ، أو ماتت الأرضُ، فإنَّ ذلك لا يُوجِبُ نَجاسَتَها باتِّفاقِ المُسلمين ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/267، 268). .خامسًا: أنَّ الموجِبَ للنَّجاسةِ هو الرُّطوباتُ، وهي إنَّما تكون فيما يجري فيه الدَّمُ؛ ولهذا حُكِم بطهارةِ ما لا نفْسَ له سائلة، فما لا رُطوبةَ فيه من الأجزاءِ بمنزلةِ ما لا نفْسَ له سائلة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/20). سادسًا: أنَّ الشَّعرَ لو كان جزءًا من الحيوانِ، لَمَا أُبيحَ أخْذُه في حالِ الحياة، فلمَّا اتَّفَقَ العُلَماء على أنَّ الشَّعرَ والصُّوفَ إذا جُزَّ من الحيوانِ حالَ حياتِه، كان حلالًا طاهرًا، عُلِم أنَّه ليس مثل اللَّحمِ انظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/268). . الفرع الخامس: ما أُبِينَ مِن الحَيوانِ الحيِّ المسألة الأولى: ما أُبِينَ مِن حيٍّ وفيه دَمٌ ما أُبينَ من حيٍّ وفيه دَمٌ، كاليَدِ والأذُنِ والأنفِ ونحوها، فهو نَجِسٌ. الدَّليلُ من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابنُ المُنذِر: (وأجمَعوا على أنَّ الشاة والبعير والبقر، إذا قُطِع منها عضوٌ وهو حيٌّ، أنَّ المقطوعَ منه نجسٌ). ((الإجماع)) (ص: 37). والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (إنْ كان الْمُبانُ- أي: من الحيِّ- جزءًا فيه دمٌ، كاليَدِ والأذن والأنف ونحوها، فهو نجِس بالإجماع). ((بدائع الصنائع)) (1/63). ، وابنُ رشد قال ابن رشد: (الجميعُ قد اتَّفقوا على أنَّ ما قُطِع من البهيمةِ وهي حيَّةٌ؛ أنَّه مَيتةٌ)). ((بداية المجتهد)) (1/78). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (العضوُ المُنفصِل من حيوانٍ حيٍّ؛ كأَلْيةِ الشَّاة، وسَنامِ البَعيرِ، وذَنَبِ البَقَرة، والأُذن واليد، وغير ذلك؛ نجسٌ بالإجماعِ). ((المجموع)) (2/562). وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (سُئل- يعني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عن قوم يحبُّونَ أسنِمةَ الإبِلِ وأَلْياتِ الغَنَم، فقال ((ما أُبِينَ مِن البَهيمة وهي حيَّةٌ، فهو ميِّت)). رواه أبو داود، وغيرُه، وهذا متَّفقٌ عليه بين العلماء). ((الفتاوى الكبرى)) (1/267-268). . المسألة الثانية: ما انفصَلَ مِن حيٍّ مأكولِ اللَّحمِ ولا دَمَ فيه ما انفصل من حيٍّ مأكولِ اللَّحمِ، وليس فيه دَمٌ كالشَّعرِ والوَبَر والصُّوفِ والرِّيش؛ فهو طاهِرٌ.الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قولُ الله تعالى: وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [النحل: 5].وجه الدَّلالة: أنَّ الدِّفءَ ما يُتدفَّأُ به مِن شَعرِها ووبَرِها وصُوفِها؛ وعمومُ ذلك يقتضي إباحةَ الجَميعِ مِن الميتةِ والحيِّ ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/149، 150). . 2- قوله تعالى: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [النحل: 80]. وجه الدَّلالة: أنَّ الآية سِيقت للامتنانِ؛ فالظَّاهِرُ شُمولُها لحالتَي الحياةِ والموت، والرِّيشُ مَقِيسٌ على هذه الثَّلاثة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/57). .ثانيًا: من الإجماعنقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أجمعوا على أنَّ الانتفاعَ بأشعارِها وأوبارِها وأصوافِها، جائزٌ؛ إذا أُخِذ منها ذلك وهي أحياءٌ) ((الأوسط)) (2/273). ، وابنُ رُشد قال ابن رشد: (اتَّفقوا على أنَّ الشَّعر إذا قُطِعَ مِنَ الحيِّ: أنَّه طاهر) ((بداية المجتهد)) (1/78). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (إذا جَزَّ شعرًا أو صوفًا أو وَبَرًا من مأكول اللَّحم؛ فهو طاهِرٌ بنصِّ القرآنِ، وإجماع الأمَّة) ((المجموع)) (1/300). وقال أيضًا: (الأصل: أنَّ ما انفصَلَ من حيٍّ فهو نَجِسٌ، ويُستثنى الشَّعرُ المجزوزُ من مأكولِ اللَّحم في الحياةِ، والصُّوف والوبر والرِّيش، فكلُّها طاهرةٌ بالإجماع) ((روضة الطالبين)) (1/15). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (اتَّفَق العلماءُ على أنَّ الشَّعرَ والصُّوفَ إذا جُزَّ من الحيوانِ، كان طاهرًا حلالًا) ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/98). ، وابنُ حَجَر الهيتميُّ قال ابن حجر الهيتميُّ: (... إلَّا شَعرَ المأكولِ، فطاهِرٌ إجماعًا، وكذا الصُّوفُ والوَبَر والرِّيش) ((تحفة المحتاج)) (1/300). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: تعريف المَيتة وأقسامُها. المطلب الثَّالث: الميتة الطاهرة.

الفرع الأوَّل: مَيتةُ الآدميِّمَيتةُ الآدميِّ طاهرةٌ، سواء كان مُسلمًا أم كافرًا؛ وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة في الأظهَرِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/141)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/99). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/563)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/78). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/193)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/34). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِه تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70].وجه الدَّلالة:أنَّ تكريمَ عُمومِ بَني آدَمَ يقتضي بألَّا يُحكَمَ عليه بالنَّجاسةِ، سواءٌ في حالِ الحياةِ أو حالِ الموتِ، وسواء كان مسلمًا أم كافرًا قال الماورديُّ: (فلمَّا طهُروا أحياءً لأجْل الكرامةِ، وجَب أن يُخَصُّوا بها أمواتًا لأجْلِ الكرامةِ) ((الحاوي الكبير)) (3/8). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لقِيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا جُنُب، فأخذَ بيدي، فمشيتُ معه حتى قعَدَ فانسلَلْتُ، فأتيتُ الرَّحْلَ فاغتسَلْتُ، ثم جئتُ وهو قاعِدٌ، فقال: أين كنتَ يا أبا هِرٍّ؟ فقلتُ له، فقال: سبحانَ اللهِ! يا أبا هِرٍّ، إنَّ المُؤمِنَ لا يَنجُسُ)) رواه البخاري (285) واللفظ له، ومسلم (371). .وجهُ الدَّلالة:أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((إنَّ المؤمِنَ لا يَنجُسُ)) مُطلقٌ يشمَلُ حالَ الحياةِ وحالَ المَوتِ قال النوويُّ: (هذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ في طهارةِ المُسلم حيًّا وميِّتًا، فأمَّا الحيُّ فطاهِرٌ بإجماعِ المُسلمين، حتى الجنينُ إذا ألقَتْه أمُّه وعليه رُطوبةُ فَرْجِها؛ قال بعض أصحابنا: هو طاهِرٌ بإجماعِ المُسلمين ... وأمَّا الميِّتُ ففيه خلاف للعلماء) ((شرح مسلم)) (4/66).  يُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/561). . ثالثًا: من الآثارعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المسلمُ لا يَنجُسُ حيًّا ولا ميِّتًا) رواه البخاريُّ معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1253) واللفظ له، ورواه موصولًا ابنُ أبي شَيبة في ((المصنَّف)) (11246) موقوفًا على ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما. قال البيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (1/306): معروف، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (2/460) وقال: وهو موقوف, وقد رُوي من هذا الوجه مرفوعًا.  يُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/561). .رابعًا: أنَّ المؤمِنَ الميِّتَ يُشرَعُ غُسلُه، ولو كان نَجِسًا لم يكُن في تغسيلِه فائدةٌ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/8). ((المجموع)) للنووي (2/560). .خامسًا: دلَّ الدَّليلُ على طهارةِ المُشرِك الحيِّ عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خيلًا قِبَل نَجدٍ، فجاءتْ برجُلٍ مِن بني حنيفة يُقال له: ثُمامة بن أثال، فرَبطوه بساريةٍ مِن سواري المسجِدِ)) رواه البخاري (469) واللفظ له، ومسلم (1764). ، وليس هناك دليلٌ على نجاسَتِه ميِّتًا.الفرع الثَّاني: مَيتةُ السَّمَك مَيتةُ السَّمَك طاهرةٌ.الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96].وجه الدَّلالة: أنَّ طعامَ البَحرِ المذكورَ في الآية هو ما مات فيه، ومِن ذلك السَّمَك؛ وإباحةُ الله تعالى أكْلَه، دليلٌ على طهارَتِه ((جامع البيان)) للطبري (11/61)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سأل رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ الله، إنَّا نرَكَب البحرَ، ونحمِلُ معنا القليلَ مِن الماءِ؛ فإنْ توضَّأْنا به عطِشْنا، أفنتوضَّأُ بماءِ البَحرِ؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه)) رواه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنَّسائي (59)، وابن ماجه (386)، وأحمد (8720). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان في ((المجروحين)) (2/316)، والنووي في ((المجموع)) (1/82)، وقال ابن البر في ((التمهيد)) (16/217): لا يحتج أهل الحديث بإسناده لكنه صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/24): (في إسناد هذا الحديث اختلافٌ، لكن قال البخاري والترمذي: هو حديثٌ صحيح)، وصححه ابن العراقي في ((طرح التثريب)) (6/11)، وصححه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (1/221)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (386). . وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الحِلُّ مَيتتُه)) يشمَلُ جَميعَ مَيتاتِ البَحرِ قال الشنقيطيُّ: (لا طعام له غير صَيده إلَّا ميتته، كما قاله جمهور العلماء، وهو الحقُّ،ويؤيِّده قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في البحر: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه))، وقد قدَّمنا ثبوت هذا الحديث، وفيه التَّصريح من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ ميتة البحر حلال، وهو فصل في محلِّ النِّزاع. وقد تقرَّر في الأصول: أنَّ المفرد إذا أضيف إلى معرفة كان من صِيغ العموم). ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (1/51). ، سواءٌ كان سمكًا أو غيره، وما كان حلالَ الأكْلِ، فهو طاهِرٌ. ثالثًا: من الإجماع الإجماعاتُ الواردةُ هنا في حِلِّ مَيتةِ السَّمَك، وما دام قد ثبَت حِلُّ أكلِ مَيتَتِه، فهي طاهرةٌ. نقل الإجماعَ على حِلِّ مَيتةِ السَّمَك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (السَّمك لم يُختلف في أكْله، واختُلف في أكلِ الدوابِّ منه). ((التمهيد)) (23/12). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فالسَّمك والجرادُ إذا ماتَا، طاهرانِ بالنَّصوصِ، والإجماعِ). ((المجموع)) (2/561). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (قد أجمع سلف الأمَّة وأئمَّتُها على حِلِّ السَّمَك كلِّه). ((منهاج السنة النبوية)) (8/137). ، وابنُ حجر قال ابن حجر: (لا خلافَ بين العُلَماءِ في حِلِّ السَّمك على اختلافِ أنواعه، وإنَّما اختُلف فيما كان على صورة حيوان البرِّ كالآدميِّ والكَلب والخِنزيرِ والثُّعبان). ((فتح الباري)) (9/619). ، والشِّربيني قال الشربينيُّ: (وأمَّا مَيتةُ السَّمك والجراد، فللإجماعِ على طهارتِهما). ((مغني المحتاج)) (1/232). والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (وبالجملة فلا خلافَ في أنَّ مَيتةَ السَّمك حلالٌ طاهرة). ((السيل الجرار)) (ص: 28). . الفرع الثَّالث: مَيتةُ البَحرِمَيتةُ البَحرِ طاهرةٌ، سواءٌ كان الموتُ بسبَبِ آدميٍّ، أو طفا على الماءِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/160)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/76). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/275)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/63). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (10/388)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/34). ، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة قال ابن حزم: (أمَّا ما يسكُن جوفَ الماء، ولا يعيش إلَّا فيه فهو حلالٌ كلُّه كيفما وُجِدَ, سواء أُخِذ حيًّا ثم مات، أو مات في الماء؛ طفَا أو لم يطْفُ, أو قتَلَه حيوان بحريٌّ أو بريٌّ، هو كلُّه حلالٌ أكْلُه. وسواءٌ خنزيرُ الماء, أو إنسانُ الماءِ, أو كلبُ الماء، وغير ذلك، كلُّ ذلك حلالٌ أكلُه: قتَل كلَّ ذلك وثنيٌّ أو مُسلِمٌ أو كتابيٌّ، أو لم يقتُلْه أحدٌ... وبأكْل الطافي من السَّمكِ يقول ابنُ أبي ليلى والأوزاعيُّ وسفيان الثوريُّ ومالك والليث والشافعيُّ وأبو سليمان). ((المحلى)) (6/60). .الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96].وجهُ الدَّلالة: أنَّ طعامَ البَحرِ المذكورَ في الآيةِ هو ما مات فيه؛ وإباحةُ اللهِ تعالى أكلَه، دليلٌ على طهارَتِه ((جامع البيان)) للطبري (11/61)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سأل رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ الله، إنَّا نرَكَب البحرَ، ونحمِل معنا القليلَ مِنَ الماء؛ فإنْ توضَّأْنا به عَطِشنا، أفنتوضَّأ بماءِ البَحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه)) رواه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنَّسائي (59)، وابن ماجه (386)، وأحمد (8720). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان في ((المجروحين)) (2/316)، والنووي في ((المجموع)) (1/82)، وقال ابن البر في ((التمهيد)) (16/217): لا يحتج أهل الحديث بإسناده لكنه صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/24): (في إسناد هذا الحديث اختلافٌ، لكن قال البخاري والترمذي: هو حديثٌ صحيح)، وصححه ابن العراقي في ((طرح التثريب)) (6/11)، وصححه أحمد شاكر في تحقيق ((المحلى)) (1/221)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (386).   . وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الحِلُّ مَيتتُه)) يشمَلُ جَميعَ مَيتاتِ البَحرِ قال الشنقيطيُّ: (لا طعامَ له غيرُ صَيدِه إلَّا مَيتَتَه، كما قاله جمهورُ العلماء، وهو الحقُّ،ويؤيِّده قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في البحر: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه))، وقد قدَّمنا ثبوتَ هذا الحديث، وفيه التَّصريحُ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ مَيتةَ البَحرِ حلال، وهو فصل في محلِّ النِّزاعِ. وقد تقرَّر في الأصول: أنَّ المفردَ إذا أضيف إلى معرفةٍ كان من صِيغ العُمومِ). ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (1/51). ، سواء ٌكان سمكًا أو غيره، وما كان حلالَ الأكْلِ، فهو طاهِرٌ.2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غزَوْنا جيشَ الخَبَط وأُمِّرَ أبو عُبَيدة، فجُعْنا جُوعًا شديدًا، فألْقى البحرُ حوتًا مَيِّتًا، لم نَرَ مِثلَه، يُقالُ له: العنبرُ، فأكَلْنا منه نِصفَ شَهرٍ، فأخَذ أبو عبيدةَ عَظمًا من عِظامِه، فمرَّ الرَّاكِبُ تحتَه، فأخبرني أبو الزُّبَيرِ، أنَّه سمع جابرًا يقول: قال أبو عُبَيدةَ: كلوا، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ ذكَرْنا ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلوا رِزقًا أخرَجَه اللهُ، أطعِمونا إنْ كان معكم، فأتاه بعضُهم بعضوٍ فأكَلَه)) رواه البخاري (4362) واللفظ له، ومسلم (1935). .وجه الدَّلالة:أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكَل منه، وأمَرَهم بالأكلِ منه، وهذا صريحٌ في إباحةِ مَيتةِ ما ألقاه البَحرُ قال ابن حجر: (يُستفادُ منه إباحةُ مَيتةِ البَحرِ، سواء مات بنفسِه أو مات بالاصطيادِ، وهو قَولُ الجُمهورِ، وعن الحنفيَّةِ يُكرَه، وفرَّقوا بين ما لَفَظَه فمات، وبين ما مات فيه من غيرِ آفة). ((فتح الباري)) (9/618). ؛ وما أُبيحَ أكلُه، فهو طاهِرٌ.ثالثًا: من الآثارجاء عن طائفةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم إباحةُ مَيتةِ البَحرِ مطلقًا بلا مخالفٍ لهم منهم قال ابن حزم: (قال الله تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ **الصافات: 142**، فسمَّى ما يلتقِمُ الإنسانَ في بلعةٍ واحدةٍ حوتًا، وليس هذا من الصِّفة التي أحلَّ أبو حنيفة, وقد قال أبو بكر وعُمر بإباحَتِه، ولا يُعلَمُ لهما في ذلك مخالفٌ من الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم.... وعن الحسن قال: أدركتُ سبعين رجلًا من أصحابِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأكلونَ صَيدَ المجُوسِ مِن الحِيتان، لا يختلِجُ منه شيءٌ في صُدورِهم، ولم يكونوا يرَونَ صَيده ذَكاتَه). ((المحلى)) (6/64)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/615). ، ومن ذلك ما يلي:1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (أَشهَدُ على أبي بكرٍ أنَّه قال: السَّمكةُ الطَّافيةُ حلالٌ) رواه البخاريُّ معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5493) بلفظ: ((الطَّافي حلال))، ورواه موصولًا عبد الرزَّاق في ((المصنَّف)) (8654)، وابن أبي شيبة في ((المصنَّف)) (20115)، والطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (10/210)، والدارقطنيُّ (4/269) (14)، والبيهقيُّ (9/253) (19446). صحَّح إسناده النوويُّ في ((المجموع)) (9/34)، وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (4/507): له طرق كثيرة. . 2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لَمَّا قَدِمتُ البحرين سألني أهلُها عمَّا قذَفَ البحرُ، فأمَرتُهم أن يأكلوه، فلمَّا قَدِمتُ على عُمَرَ فذكر قصَّةً، قال فقال عمر: قال الله عزَّ وجلَّ في كتابِه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة: 96]، فصَيدُه ما صِيدَ، وطعامُه ما قذَفَ به) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5493) بلفظ: ((صَيدُه ما اصطِيدَ، وطعامُه ما رَمَى به))، ورواه موصولًا البخاري في ((التاريخ)) كما في ((تغليق التعليق)) لابن حجر (4/506)، وعبد بن حميد في ((تفسيره)) كما في ((تغليق التعليق)) لابن حجر (4/506)، والطبري في ((التفسير)) (11/61)، والبيهقي (9/254) (19454). . وجهُ الدَّلالةِ مِن الأثرين:أنَّ أكلَ مَيتةِ البَحرِ حَلالٌ، وما كان حلالَ الأكلِ، فهو طاهِرٌ ((جامع البيان)) للطبري (11/61)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244). .الفرع الرَّابع: مَيتةُ الجَرادِ   مَيتةُ الجَرادِ طاهِرةٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/526)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/79). ، والمشهور مِن مَذهَبِ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/122)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/81). ، والشَّافعية ((المجموع)) للنووي (2/560)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/56). ، والحنابلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/138)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/232). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال النوويُّ: (فالسَّمك والجرادُ إذا ماتا، طاهرانِ بالنَّصوصِ والإجماع) ((المجموع)) (2/561). وقال الشربينيُّ: (وأمَّا مَيتةُ السَّمَكِ والجراد، فللإجماعِ على طهارَتِهما) ((مغني المحتاج)) (1/232). قال ابن العربي: (ومنعَ مِن أكلِ الجرادِ إلَّا بذكاةٍ؛ قاله مالك وغيره؛ وذلك لأنَّ عمومَ الآية يجري على حاله حتى يخصِّصَه الحديثُ الصحيح... وهو مِن صَيدِ البَرِّ فلا بدَّ فيه من ذكاةٍ) ((أحكام القرآن)) (1/79) وقال ابنُ رشد: (واختلفوا في الجَرادِ، فقال مالك: لا يُؤكَلُ من غيرِ ذكاةٍ، وذكاتُه عنده هو أن يُقتَلَ إما بقَطعِ رأسِه أو بغيرِ ذلك. وقال عامَّةُ الفقهاء: يجوز أكلُ مَيتَتِه، وبه قال مُطَرِّف، وذكاة ما ليس بذي دَمٍ عند مالك كذكاةِ الجَراد. وسببُ اختلافِهم في مَيتةِ الجَرادِ هو هل يتناوَلُه اسمُ المَيتةِ أم لا، في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ((بداية المجتهد)) (1/443). وقال الحطَّاب: (أن الطَّاهِرَ أنواع: منها مَيتةُ الحيوانِ البَرِّي الذي لا دَمَ فيه، وهو الذي يقال فيه: ليس له نَفسٌ سائلة كما تقَدَّمَ بيانُ ذلك، ولو كانت فيه رطوبةٌ؛ كالعنكبوت والجداجد، والعقرب والزُّنبور، والصرصار والخنافس، وبنات وردان، والجراد والنحل، والدود والسوس، وفي مَيتةِ ما لا نفسَ له سائلة طريقتان في المذهب؛ الأولى: أنَّها طاهرةٌ باتِّفاقِ وهذه طريقة ابن بشير؛ قال في العتبية: وأما البَرِّي مما لا نفْسَ له سائلة لا ينجُسُ بالموتِ، بلا خلاف. انتهى. والطريقة الثانية: أنَّ فيها قَولينِ المشهورُ أنَّها طاهرةٌ، قال في التوضيح: نقل سند عن سحنون أنَّها نَجِسةٌ، لكنها لا تُنَجِّسُ غيرها. انتهى. وقال ابن عرفة: مَيتةُ بَرِّي ذي نفسٍ سائلة غير إنسانٍ، كالوزغ؛ نَجِسٌ، ونقيضها طاهِرٌ) ((مواهب الجليل)) (1/122). . الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:1- عن عبدِ اللهِ بنِ أبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غزَوْنا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبعَ غزَواتٍ أو سِتًّا، كُنَّا نأكُلُ معَه الجَرادَ)) رواه البخاري (5495) واللفظ له، ومسلم (1952). .2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيتتانِ ودَمَانِ: الجرادُ والحِيتانُ، والكَبِدُ وَالطِّحالُ)) أخرجه البيهقي (1241) موقوفا على ابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. قال الدارقطني في ((علله)) (13/157): الموقوف عن ابن عمر أصح، وقال البيهقي: الموقوف هو الصحيح، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/84): روي موقوفًا على ابن عمر، وهو أصح [يعني من المرفوع]، وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (1/42): صح أنه موقوف، وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/739): ثبت موقوفا بأسانيد صحاح، وصححه موقوفا ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (62)، وصحح إسناده موقوفا الألباني في ((منزلة السنة)) (8) وقال: وهو في منزلة المرفوع، وصحَّحه ابن عثيمين في ((شرح بلوغ المرام)) (6/10)، وقال الوادعي في ((الفتاوى الحديثية)) (1/220): الصحيح وقفه على ابن عمر، وله حُكم الرَّفع. .الفرع الخامس: ميتةُ ما لا نفْسَ (أي دم) له سائلةميتةُ ما لا نَفْسَ له سائلةٌ قال ابن القيِّم: (أوَّلُ مَن حُفِظَ عنه في الإسلامِ أنَّه تكلَّم بهذه اللَّفظةِ، فقال: ما لا نفْسَ له سائلة؛ إبراهيم النَّخَعي، وعنه تلقَّاها الفقهاء، والنَّفْس في اللُّغة: يُعبَّرُ بها عن الدَّم، ومنه نَفِسَت المرأة- بفَتح النون- إذا حاضت، ونُفِسَت- بضمها- إذا وَلدت). ((زاد المعاد)) (4/112). كالذُّباب والعقرب والخُنفساءِ؛ طاهرةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (1/51)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/62). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/122)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/86). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/377)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/305). ، وقولٌ للشَّافعيَّة ((الأم)) للشافعي (1/18)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/321). قال النوويُّ: (الصَّحيحُ منهما: أنَّه لا ينجِّسُ الماءَ، هكذا صحَّحَه الجُمهور، وقطَع به أبو الفتح سليم بن أيوب الرازيُّ في كتابه الكفاية، وصاحِبُه أبو الفتح نصر المقدسيُّ في كتابه الكافي، وغيرهما، وشذَّ المحامليُّ في المقنع، والرُّويانيُّ في البحر، ورجَّحَا النَّجاسة، وهذا ليس بشيءٍ، والصَّواب الطَّهارةُ، وهو قول جمهور العُلَماءِ، بل نَسَب جماعةٌ الشافعيَّ إلى خرْقِ الإجماع في قوله الآخَر بالنَّجاسة). ((المجموع)) (1/129) ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، وعامَّةِ العلماءِ قال ابن المُنذِر: (وقال عوامُّ أهلِ العِلمِ: إنَّ الماءَ لا يَفسُد بموتِ الذُّبابِ والخُنفساء، وما أشبَهَ ذلك فيه، هذا قول مالك بن أنس، وأحمد، وإسحاق، وأبي عُبَيد، وأبي ثور، ورُوي معنى هذا القول عن النَّخَعي، والحسن، وعكرمة، وعطاء... ولا أعلم أحدًا قال غيرَ ما ذكرْتُ إلَّا الشافعيَّ؛ فإنَّ الرَّبيع أخبرني أنَّه قال: فيها قولان، هذا الذي حكيتُه عن جُمَلِ النَّاس أحدُهما، والثاني: أنَّه يُنجِّسُ الماءَ بموته فيه... والقول الذي يوافق السُّنةَ وقولَ سائِرِ أهلِ العلمِ، أَوْلى به). ((الإشراف)) (1/144-145). وقال البغويُّ: (وهذا قولُ عامَّةِ الفُقَهاءِ). ((شرح السنة)) (11/260). .الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب1- قَولُ الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام: 145].وجه الدَّلالة:أنَّ الله عزَّ وجلَّ إنَّما حرَّمَ الدَّمَ المسفوحَ، وإذا كان عُفِيَ عَن الدَّمِ غيرِ المَسفوحِ، مع أنَّه مِن جِنسِ الدَّمِ؛ عُلِمَ أنَّ ما لا دَم فيه أَولى بالعَفوِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/100). .2- قولُه تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: 69].وجه الدَّلالة: أنَّ ذلك فيه بيانُ طَهارةِ العَسَلِ، ومعلومٌ أنَّه لا يخلو مِنَ النَّحلِ الميِّتِ وفراخِه فيه، وحَكَم اللهُ تعالى مع ذلك بطَهارَتِه، فأَخبَرَ عمَّا فيه من الشِّفاءِ للنَّاسِ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ ما لا دَمَ له، لا يَفسُدُ بالموتِ ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (5/5). . ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا وقع الذُّبابُ في شَرابِ أحدِكم فلْيَغمِسْه، ثمَّ لْيَنزِعْه؛ فإنَّ في إحدى جَناحَيه داءً، والأخرى شِفاءً قال الخطَّابي: (قد تكلَّم على هذا الحديثِ بَعضُ مَن لا خَلاقَ له، وقال: كيف يجتَمِعُ الدَّاءُ والشِّفاءُ في جناحَيِ الذبابة؟! وكيف تَعلَم حتَّى تقدِّمَ جَناحَ الداءِ، وتؤخِّرَ جَناحَ الشِّفاء؟! قال: وهذا سؤالُ جاهلٍ، أو متجاهلٍ؛ فإنَّ الذي يَجِدُ نَفسَه ونفوسَ عامَّةِ الحَيوانِ قد جُمِعَ فيها بين الحرارة والبرودة، والرُّطوبة واليبوسة، وهي أشياءُ متضادَّة إذا تلاقَت تفاسَدَت، ثم يرى أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد ألَّفَ بينها، وجعل منها قُوى الحيوانِ التي بها بقاؤها- لجديرٌ ألَّا يُنكِرَ اجتماعَ الدواء والداءِ في جُزأينِ من حيوانٍ واحدٍ، وإنَّ الذي ألهم النَّحلةَ أن تتَّخِذَ البيتَ العجيبَ الصَّنعةِ، وتَعسِلُ فيه، وألهم الذرَّة أن تكتَسِبَ قُوْتَها، تدَّخِرُه لأوانِ حاجَتِها إليه، هو الذي خلَق الذُّبابةَ، وجعل لها الهدايةَ إلى أن تُقَدِّمَ جَناحًا، وتؤخِّرَ جَناحًا، لِمَا أراد مِنَ الابتلاءِ الذي هو مدرجةُ التعبُّدِ والامتحان، الذي هو مِضمارُ التَّكليف، وفي كلِّ شيء حِكمةٌ وعِبرة، وما يذَّكَّر إلَّا أولو الألبابِ). ((شرح السنة)) للبغوي (11/261). وقال ابن القيِّم: (اعلَمْ أنَّ في الذُّبابِ عندهم قوةً سُمِّية يدلُّ عليها الوَرم، والحكَّة العارضة عن لَسعِه، وهي بمنزلة السِّلاحِ، فإذا سقط فيما يؤذيه، اتَّقاه بسلاحِه، فأمر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يقابِلَ تلك السُّميَّة بما أودَعَه الله سبحانه في جَناحِه الآخَرِ مِنَ الشِّفاء، فيُغمَسُ كُلُّه في الماء والطعام، فيقابل المادَّة السُّمية المادَّة النافعة، فيزول ضَرَرُها، وهذا طبٌّ لا يَهتدي إليه كبارُ الأطباءِ وأئمَّتُهم، بل هو خارج من مشكاةِ النبوَّة، ومع هذا فالطَّبيبُ العالم العارف الموفَّق يَخضَع لهذا العلاجِ، ويقرُّ لِمَن جاء به بأنَّه أكملُ الخَلقِ على الإطلاق، وأنَّه مُؤيَّدٌ بِوَحي إلهي خارِجٍ عن القُوَى البشريَّة، وقد ذكر غيرُ واحدٍ مِن الأطبَّاءِ أنَّ لسعَ الزُّنبور والعقرب إذا دُلِكَ موضعه بالذُّبابِ نفَع منه نفعًا بيِّنًا، وسكَّنَه، وما ذاك إلَّا للمادَّة التي فيه). ((زاد المعاد)) (4/112). )) رواه البخاري (3320). .وجه الدَّلالة: أنَّ الذُّبابَ لا نفْسَ له سائلةٌ، ولو كان نجِسًا لَمَا أُمِرَ بغَمسِه في الشَّرابِ الذي وقَعَ فيه، ومعلومٌ أنَّه يموتُ من ذلك، لا سيَّما إذا كان الطَّعامُ حارًّا، فلو كان ينجِّسُه لكان أمرًا بإفسادِ الطَّعامِ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما أمَر بإصلاحِه، ثم عُدِّي هذا الحُكمُ إلى كلِّ ما لا نفْسَ له سائلةٌ، كالنَّحلة والزُّنبور، والعنكبوتِ، وأشباه ذلك؛ إذ الحُكمُ يعُمُّ بعمومِ عِلَّته، ويَنتفي لانتفاءِ سَبَبِه ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/111)، ((سبل السلام)) للصَّنعاني (1/28). .ثالثًا: أنَّه لَمَّا كان سببُ تنجيسِ المَيتةِ هو الدَّمَ المحتَقَن في الحيوانِ بِمَوتِه، وكان ذلك مفقودًا فيما لا دَم له سائِلٌ؛ انتفى الحُكمُ بالتَّنجيسِ لانتفاءِ عِلَّته ((مجموع فتاوى)) لابن تيميَّة (21/100)، (زاد المعاد)) لابن القيِّم (3/393)، ((سبل السلام)) للصَّنعاني (1/28). . انظر أيضا: المطلب الأوَّل: تعريف المَيتة وأقسامُها. المطلب الثَّاني: المَيتة النَّجسة.