مَن لم يستطعِ القيامَ- كالمريضِ ونحوِه- فله أن يُصلِّيَ جالسًا وله أن يُصَلِّيَ على كرسيٍّ إن كان أرفَقَ به، ويركع ويسجد في الهواء، ويجعل السُّجودَ أخفَضَ من الركوع إذا كان لا يستطيع السُّجودَ على الأرض. قال ابن باز: (الواجِبُ على من صلى جالسًا على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجودَه أخفَضَ من ركوعِه، والسُّنَّة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حالِ الرُّكوع، أما في حال السجودِ فالواجب أن يجعلهما على الأرضِ إن استطاع، فإن لم يستطع جعَلَهما على ركبتيه؛ لِمَا ثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: «أُمِرْتُ أن أسجُدَ على سبعةِ أعظُمٍ:الجبهةِ- وأشار إلى أنفِه، واليدين، والرُّكبتينِ، وأطراف القَدَمين». ومن عَجَزَ عن ذلك وصلَّى على الكرسي فلا حَرَجَ في ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/246). وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: (العاجِزُ عن القيام يصلِّي قاعدًا على الأرض أو على كرسي إن كان أرفَقَ به، ويركع ويسجد في الهواء، ويجعل السجودَ أخفَضَ من الركوع إذا كان لا يستطيعُ السُّجودَ على الأرض، ولا يُشرَع له اتخاذ ماصة ووِسادَة يُسجَد عليها) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/360). ، ولا إعادةَ عليه.الأدلَّة:أولًا: مِن الكتابِ1- قال اللهُ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].2- وقال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].3- الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191].وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه قيل في معنى الآيةِ: الَّذين يُصلُّون قيامًا مع القدرةِ عليه، وقعودًا مع العجزِ عن القيامِ، وعلى جنوبِهم مع العجزِ عن القعودِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/196). .ثانيًا: من السُّنَّة عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كانت بي بواسيرُ، فسألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةٍ، فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِعْ فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ فعلى جَنبٍ)) رواه البخاري (1117). . ثالثا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ قال ابنُ المنذِر: (وأجمع أهلُ العلم على أنَّ فرض مَن لا يُطيق القيام أن يصلِّي جالسًا). ((الإشراف)) (2/212). ، وابن رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأجمَع العلماء على أنَّ المريض مخاطَب بأداء الصَّلاة، وأنه يسقط عنه فرضُ القيام إذا لم يستطعْه، ويُصلِّي جالسًا). ((بداية المجتهد)) (1/178). ، والنَّوويُّ قال النَّوويُّ: (أجمعتِ الأمَّةُ على أن من عجز عن القيامِ في الفريضة صلَّاها قاعدًا، ولا إعادةَ عليه) ((المجموع)) (4/310). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (وقد اتَّفَق المسلمونَ على أن المصليَ إذا عجز عن بعض واجباتِها- كالقيام، أو القراءة، أو الركوع، أو السجود، أو سَتر العورةِ، أو استقبال القبلة، أو غير ذلك- سقَط عنه ما عجز عنه، وإنما يجب عليه ما إذا أراد فِعْلَه إرادةً جازمةً أمكَنَه فِعْلُه) ((مجموع الفتاوى)) (8/438). . انظر أيضا: المبحثُ الثَّاني: كيفيَّةُ الجُلوسِ في الصَّلاةِ عامَّةً، وفي التشهُّدِ خاصَّةً. المبحث الثالث: الاضْطِجاعُ. المبحث الرابع: المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ . المبحث الخامس: حُكْمُ الجماعةِ للمَريضِ.

يجوز للمريض أن يصلي مضطجعًا إذا عجز عن القعودِ، وهذا باتِّفاق المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/123)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/106). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/347)، ويُنظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 43). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 236)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/197)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/147). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/70)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/107). .الدَّليلُ مِنَ السنة:عن عِمرانَ بن حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان بي الناصورُ، فسألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنبٍ)) [5329] رواه البخاري (1117). . انظر أيضا: المبحثُ الأَوَّلُ: حُكْمُ قيام المريضِ العاجِزِ عن القيامِ . المبحثُ الثَّاني: كيفيَّةُ الجُلوسِ في الصَّلاةِ عامَّةً، وفي التشهُّدِ خاصَّةً. المبحث الرابع: المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ . المبحث الخامس: حُكْمُ الجماعةِ للمَريضِ.

المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسجودِ يُومِئُ [5330] قال ابن الأثير: (الإيماء: الإشارةُ بالأعضاءِ؛ كالرأس، واليد، والعين، والحاجب، وإنَّما يريد به هاهنا الرأسُ). ((النهاية)) (1/81). بهما، ويكونُ السُّجودُ أخفَضَ مِن الرُّكوعِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 6)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/6)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/228). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/346)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/166). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (4/317، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/155). ، والحَنابِلَةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/499)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/383)، ويُنظر: ((الروض المربع)) للبهوتي، مع ((حاشية ابن قاسم)) (2/369). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابن عبد البرِّ: (عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ أنَّه كان يقول: إذا لم يستطِعِ المريضُ السجودَ، أومَأَ برَأْسِه إيماءً، ولم يَرْفَع إلى جبهته شيئًا، فعلى قولِ ابن عمر هذا أكثرُ أهل العِلم من السَّلف والخَلَفِ، وقد رُوِيَ عن أمِّ سَلَمَةَ أنَّها كانت تسجد على مِرفقةٍ؛ من رمدٍ كان بها، وعن ابنِ عبَّاسٍ أنه أجاز ذلك، وعن عروةَ بن الزبير أنَّه فَعَلَه، وليس العملُ إلَّا ما رُوي فيه عن ابنِ عُمَرَ). ((الاستذكار)) (2/335). .الأدلَّة:أولًا: مِن الكتابِ1- قال اللهُ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه أتَى بما استطاعَ، وهو الإيماءُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/337). .2- وقال عزَّ وجلَّ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]. ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتُوا منه ما استطعْتُم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه)) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) واللفظ له. . وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قولَه: ((فأْتُوا مِنه ما استطعتُم)) دلَّ على أنَّ مَن عجزَ عن فِعل المأمورِ به، فإنَّه يأتي بما أمكنَه منه ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/256). .2- عن عِمرانَ بن حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان بي الناصورُ، فسألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنبٍ)) [5339] رواه البخاري (1117). وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنه رتَّب الأمرَ على حسَبِ الاستطاعةِ، فيَركَعُ ويسجُدُ بقدْرِ ما يَستطيعُ، فإنْ عجَزَ أَوْمأَ برأسِه ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (2/305). .ثالثًا: مِن الآثار1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صلِّ على الأرضِ إن استطعتَ، وإلَّا فأَوْمِ إيماءً، واجعَلْ سجودَك أخفَضَ مِن ركوعِكَ)) رواه أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) (7/98)، البيهقي (2/306) (3819) صحَّح وقْفَه أبو حاتم الرازيُّ كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (126)، وقال ابن القيِّم في ((بدائع الفوائد)) (3/197): الظاهر أنَّ الحديث موقوف. وقوَّى إسنادَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (97) وقال: ولكن صحَّح أبو حاتم وقْفَه. .2- عن نافعٍ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ كان يقولُ: (إذا لم يستطِعِ المريضُ السُّجودَ أومَأَ برأسِه إيماءً، ولم يرفَعْ إلى جَبهتِه شيئًا) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/234) (581)، والبيهقي (2/306) (3821). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (1/418): رواه بعضهم فرفعه، وفيه ضعف، وصححه النَّووي في ((الخلاصة)) (1/340)، وقال ابن القيم في ((بدائع الفوائد)) (3/198): الصواب وقفُه. .رابعًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على سقوطِ الرُّكوعِ والسُّجودِ على مَن لم يستطِعْهما: ابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (أجمع العلماء على أن المريض مخاطَبٌ بأداءِ الصلاة، وأنَّه يسقط عنه فرضُ القيام إذا لم يستطعه، ويصلي جالسًا، وكذلك يسقط عنه فرضُ الركوعِ والسجود إذا لم يستَطِعْهما أو أحدَهما، ويومئُ مكانَهما). ((بداية المجتهد)) (1/178). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (وقد اتَّفق المسلمون على أنَّ المصليَ إذا عجز عن بعض واجباتها- كالقيام، أو القراءة، أو الركوع، أو السجود، أو ستر العورة، أو استقبال القبلة، أو غير ذلك- سقط عنه ما عجز عنه) ((مجموع الفتاوى)) (8/438). .خامسًا: أنَّ الإيماءَ هو أكثرُ ما يستطيعُه ((المنتقى))‏ للباجي (1/299). .سادسًا: أنَّ نفْسَ السُّجودِ أخفضُ مِن الرُّكوعِ، فكذلك الإيماءُ بالسُّجودِ أخفضُ مِن الإيماءِ بالرُّكوعِ ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/228). . انظر أيضا: المبحثُ الأَوَّلُ: حُكْمُ قيام المريضِ العاجِزِ عن القيامِ . المبحثُ الثَّاني: كيفيَّةُ الجُلوسِ في الصَّلاةِ عامَّةً، وفي التشهُّدِ خاصَّةً. المبحث الثالث: الاضْطِجاعُ. المبحث الخامس: حُكْمُ الجماعةِ للمَريضِ.

للمريضِ أن يتخلَّفَ عن الجماعاتِ من أجْلِ المَرَضِ.الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب1- قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].2- قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].ثانيًا: من السُّنَّة1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((دَعُوني ما تركتُكم، إنَّما هلَك مَن كان قبلكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجْتَنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطَعْتُم)) رواه البخاريُّ (7288)، واللفظ له، ومسلم (1337). .2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِه وهو شاكٍ جالسًا، وصلَّى وراءَه قومٌ قِيامًا، فأشار إليهم أَنِ اجلِسوا، فلمَّا انصرَف قال: إنَّما جُعِل الإمامُ ليؤتَمَّ به، فإذا ركَع فاركَعوا، وإذا رفَع فارفَعوا)) رواه البخاري (1236) ومسلم (412). .3- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: مرِضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتدَّ مرضُه، فقال: ((مُروا أبا بكرٍ فلْيُصلِّ بالناسِ)) رواه البخاري (678)، ومسلم (420). .ثالثًا: مِنَ الِإِجْماعِنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ قال ابنُ المنذر: (ولا أعلم اختلافًا بين أهل العِلم على أنَّ للمريض أن يتخلَّفَ عن الجماعاتِ من أجْلِ المرض) ((الإشراف)) (2/126). ، وابنُ حزم قال ابنُ حزم: (فأمَّا المرض والخوف؛ فلا خِلافَ في ذلك؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا **البقرة: 286**، وقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ **الأنعام: 119**) ((المحلى)) (3/118). ، وحكاه ابنُ قُدامةَ عن عامَّةِ أهلِ العِلم قال ابنُ قُدامة: (يُعذَر في تركهما المريضُ في قول عامَّة أهل العلم). ((المغني)) (1/451). .فرعٌ: حَدُّ المَرَضِ المُسْقِطِ للجماعةِ المرضُ المسقِطُ للجماعةِ هو الذي يشُقُّ معه الإتيانُ إلى الجماعةِ [5353] قال النوويُّ: (فإنْ كان مرض يسير لا يشقُّ معه القصد كوجع ضَرْس، وصُداع يسير، وحمَّى خفيفة، فليس بعُذر، وضبطوه بأنْ تلحقه مشقَّةٌ كمشقَّة المشي في المطر). ((المجموع)) (4/205)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/91). . انظر أيضا: المبحثُ الأَوَّلُ: حُكْمُ قيام المريضِ العاجِزِ عن القيامِ . المبحثُ الثَّاني: كيفيَّةُ الجُلوسِ في الصَّلاةِ عامَّةً، وفي التشهُّدِ خاصَّةً. المبحث الثالث: الاضْطِجاعُ. المبحث الرابع: المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ .

يَجوزُ الجمعُ بين الصَّلاتينِ لعُذرِ المرضِ وحدُّ المرض عند المالكيَّة هو الخوفُ من الإغماء، أو الحمى، أو غيرهما، وأمَّا عند بعض الشافعية فضابطُه: كلُّ ما يشقُّ معه فِعلُ كلِّ فرض في وقته، كمشقَّة المشي في المطر، بحيث تبتلُّ ثيابه، وقيل: لا بدَّ من مشقَّة ظاهرة زيادةً على ذلك، بحيث تُبيح الجلوس في الفرض. وأمَّا عند الحنابلة، فالمرض المبيح للجمْع هو ما يَلحَقُه به بتأديةِ كلِّ صلاة في وقتها مشقَّةٌ وضعفٌ. ينظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/333) ((المغني)) لابن قدامة (2/205)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/404). ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/511)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/154). ويرى المالكيَّة أنَّ الجمع الجائز بسبب المرض هو جمْع التقديم فقط؛ قال الصاوي: (وأشار للجمع بسبب الإغماء ونحوه بقوله: (ومَن خافَ إغماءً أو) حمَّى (نافِضًا أو مَيْدًا) بفتح الميم: أي دَوخة، بفتح الدال المهملة (عند دخول وقت) الصلاة (الثانية) العصر أو العشاء، (قدَّمها) أي: الثانية عندَ الأولى جوازًا على الرَّاجِح) ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/333)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/204)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/69)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/174)، فإذا سلِم ممَّا كان يخاف منه من المرض أعادَ الثانيةَ في الوقت. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/512)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/154). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/235)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/5)، ويُنظر: ((المغني)) (2/205). ، وقولُ طائفةٍ من الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/404). قال في ((كفاية الأخيار)) (ص: 140): (قَالَ الأسنائيُّ: وما اختارَ النوويُّ نصَّ عليه الشافعيُّ في مختصَر المزنيِّ، ويُؤيِّده المعنى أيضًا، فإنَّ المرضَ يجوز الفطر كالسَّفرِ، فالجمْع أَوْلى). ، واختاره النوويُّ قال النوويُّ: (القول بجواز الجَمْع بالمرَض ظاهرٌ مختار) ((روضة الطالبين)) (1/401). وقال أيضًا: (قال الرَّافعي: قال مالك، وأحمد، يجوزُ الجمْع بعُذر المرض والوحل، وبه قال بعض أصحابنا، منهم أبو سليمان الخطابي، والقاضي حسين، واستحسنه الروياني في الحِلية. قلت: وهذا الوجهُ قويٌّ جدًّا) ((المجموع)) (4/383). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيمية: (الصواب أنَّ الجمع لا يختصُّ بالسفر الطويل، بل يُجمع للمطر، ويُجمع للمرض، كما جاءت بذلك السُّنَّة في جمْع المستحاضة، فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرها بالجمْع في حديثين) ((مجموع الفتاوى)) (24/26). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (فالمراد بالجمْع الجائز للعذر هو جمْع المسافر، والمريض، وفي المطر كما وردتْ بذلك الأدلَّة الصَّحيحة) ((الدراري المضية)) (1/74). ، وابنُ باز قال ابن باز: (لا يجوزُ الجمع إلَّا مِن عِلَّة، كالمطر على الصَّحيح، وكالمرض، وكالسفر، فإذا كان هناك عِلَّةٌ شرعيَّة، فلا بأسَ بالجمع) ((فتاوى نور على الدرب)) (7/25). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (ولهذا يجوزُ الجمْعُ في المطر وأنت في البلد، ويجوزُ الجمْعُ للمرض وأنت في البلد) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 129). .الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جمَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهرِ والعَصرِ، والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ، من غيرِ خوفٍ ولا مَطرٍ)) رواه مسلم (705). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لا عُذرَ بعدَ ذلك إلَّا المرضُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/384). .2- عن حَمنةَ بنتِ جَحشٍ حين استفتت النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في استحاضتِها، فقال لها عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((إنْ قويتِ على أن تُؤخِّري الظهرَ وتُعجِّلي العصرَ، ثم تَغتسلِينَ حتى تطهُرين، وتُصلِّين الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثم تُؤخِّرينَ المغربَ وتُعجِّلِينَ العِشاءَ، ثم تَغتسلِينَ وتَجْمَعِينَ بين الصَّلاتينِ، فافْعَلِي)) رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (6/439) (27514). قال الإمام أحمدُ والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسنٌ صحيحٌ. وقال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري، وقال الدارقطني: تفرَّد به ابنُ عَقيل وليس بقويٍّ، ووهَّنه أبو حاتم. وقال ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (1/475): هذا الحديث مدارُه على ابن عَقيل، وهو عبد الله بن محمَّد بن عَقيل؛ ثقة صدوق لم يُتكلَّم فيه بجرح أصلًا، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزُّبير الحُميديُّ، وإسحاق بن راهويه يحتجُّون بحديثه. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (128). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه قد ثبَت فيه جوازُ الجمْع للمستحاضةِ، وهي نوعُ مرضٍ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6). .ثانيًا: قياسًا على الجَمْعِ في السَّفرِ بجامعِ المشقَّة، بل المرضُ أَوْلى؛ لأنَّ المشقَّةَ على المريضِ في إفرادِ الصَّلواتِ أشدُّ منها على المسافِرِ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/174)، ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/369). .ثالثًا: أنَّ حاجةَ المريضِ آكدُ مِن الممطورِ ((المجموع)) للنووي (4/384). . انظر أيضا: المبحثُ الأَوَّلُ: حُكْمُ قيام المريضِ العاجِزِ عن القيامِ . المبحثُ الثَّاني: كيفيَّةُ الجُلوسِ في الصَّلاةِ عامَّةً، وفي التشهُّدِ خاصَّةً. المبحث الثالث: الاضْطِجاعُ. المبحث الرابع: المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ .