النَّجاسة لُغةً: القذارةُ ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/393)، ((لسان العرب)) لابن منظور (6/226). .النَّجاسةُ اصطلاحًا: هي عينٌ مُستقذَرةٌ شَرعًا ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/232). ، وقيل: هي كلُّ عينٍ يحرُمُ تناولُها؛ لا لحُرمَتِها؛ ولا لاستقذارِها؛ ولا لضَرَرِها ببدنٍ أو عَقلٍ قال الشربينيُّ: (عرَّفها بعضُهم بكلِّ عينٍ حَرُم تناولها مطلقًا في حالةِ الاختيار، مع سُهولةِ تَمييزِها وإمكانِ تناوُلِها لا لحُرمَتِها ولا لاستقذارِها ولا لضَرَرِها في بدنٍ أو عَقلٍ، فاحتُرز بـ (مطلقًا) عمَّا يُباح قليلُه، كبعض النَّباتات السُّميَّة، وبـ (حالة الاختيار) عن حالة الضَّرورة، فيُباح فيها تناوُلُ النَّجاسة، وبـ (سهولة تمييزها) عن دودِ الفاكِهةِ ونحوها، فيُباحُ تناوُلُه معها، وهذان القَيدانِ للإدخال لا للإخراج، وبـ (إمكان تناولها) عن الأشياءِ الصُّلبة كالحَجَر، وبالبقيَّةِ عن الآدمي وعن المُخاط ونحوه، وعن الحشيشةِ المُسكِرة والسُّمِّ الذي يضرُّ قليلُه وكثيرُه، والتُّراب؛ فإنَّه لم يحرُمْ تناولُها لنجاسَتِها، بل حُرمة الآدمي، واستقذار المخاط ونحوه، وضرر البقيَّة). ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/77)، ويُنظر: ((المجموع)) للنووي (2/546)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/26)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/26). ، وقيل: هي صفةٌ حُكميَّة توجِبُ لموصوفِها منعَ استباحةِ الصَّلاةِ به أو فيه ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/232)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/77)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/31). . انظر أيضا: المبحث الثَّاني: حُكم إزالة النَّجاسة. المبحث الثَّالث: حُكم اشتراط النِّيَّة لإزالة النَّجاسات  . المبحث الرَّابع: الشَّكُّ في وجود النَّجاسة. المبحث الخامس: الانتفاع بالنَّجاسات.

تجِبُ إزالةُ النَّجاسةِ وتتعيَّن عند إرادة الصَّلاة، ونحو ذلك ممَّا تُشترط له الطَّهارةُ من الخَبَث. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/69)، وينظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (1/195)، ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/599)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/17). ، والحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (2/48). ، وقولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/188)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/64). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (واختلفوا: هل غَسلُ النَّجاسات على ما وصَفْنا فرضٌ أو سنَّةٌ؟...) ((الاستذكار)) (1/331). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن حزم: (غَسلُ النَّجاسة واجتنابُ المحرَّمات؛ فرضٌ بلا خلافٍ). ((المحلى)) (3/70). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (أجمعوا أنَّ مِن شَرْطِ الصلاة طهارةَ الثِّياب والماءِ والبدنِ). ((التمهيد)) (22/242). وقال أيضًا: (احتجُّوا بإجماعِ الجُمهورِ الذين هم الحُجَّة على مَن شذَّ عنهم ولا يُعدُّ خلافُهم خلافًا عليهم: أنَّ من صلَّى عامدًا بالنَّجاسةِ يعلَمُها في بَدَنِه أو ثوبِه أو على الأرضِ التي صلَّى عليها، وهو قادرٌ على إزاحَتِها واجتنابِها وغسْلها ولم يفعلْ، وكانت كثيرةً- أنَّ صلاته باطلةٌ... فدلَّ هذا على ما وصَفْنا مِن أمرِ رَسولِ الله بغَسْلِ النَّجاسات، وغسْلِها له مِن ثَوبه، على أنَّ غَسلَ النَّجاسة فرضٌ واجبٌ). ((الاستذكار)) (1/332). وقال أيضًا: (قال بعض مَن يرى غَسلَ النَّجاسة فرضًا: لَمَّا أجمعوا على أنَّ الكثيرَ مِن النَّجاسة واجبٌ غسْلُه من الثَّوبِ والبدن، وجَبَ أن يكون القليلُ منها في حُكمِ الكَثيرِ كالحَدَث قياسًا، ونظرًا لإجماعِهم على أنَّ قليل الحدَث مِثلُ كثيرِه في نقْض الطَّهارةِ وإيجابِ الوضوءِ فيما عدا النَّومَ، وكذلك دمُ البرغوث... وهذا كلُّه أصلٌ وإجماعٌ.. قالوا: ولَمَّا أجمعوا- إلَّا مَن شذَّ ممَّن لا يُعدُّ خلافًا على الجميع لخروجه عنهم- على أنَّ مَن تعمَّد الصَّلاة بالثَّوب النَّجِس تفْسُدُ صلاتُه ويصلِّيها أبدًا متى ما ذكَرها؛ كان مَن سهَا عن غَسلِ النَّجاسة ونَسِيَها في حُكمِ مَن تعمَّدَها). ((التمهيد)) (22/233). وقال ابن رشد: (أمَّا المَحالُّ التي تُزالُ عنها النَّجاسات فثلاثة، ولا خلاف في ذلك: أحدها: الأبدانُ، ثم الثِّيابُ، ثم المساجدُ ومواضِعُ الصَّلاة، وإنَّما اتَّفق العُلَماءُ على هذه الثَّلاثة; لأنَّها منطوقٌ بها في الكتابِ والسُّنة). ((بداية المجتهد)) (1/89). . الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِه تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال الطبريُّ: (عن محمَّد بن سِيرين: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، قال: اغسلْها بالماءِ... قال ابن زيد في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال: كان المشركونَ لا يتطهَّرون، فأمَرَه أن يتطهَّر، ويطهِّر ثيابَه. وهذا القولُ الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهرُ معانيه). ((جامع البيان)) (23/12). وقال القرطبيُّ: (والمعنى الثاني: غسْلها من النَّجاسة، وهو ظاهرٌ منها، صحيح فيها... قال ابن سِيرين وابن زيد: لا تُصلِّ إلَّا في ثوبٍ طاهر، واحتجَّ بها الشافعيُّ على وجوب طهارة الثَّوب). ((تفسير القرطبي)) (19/66). وقال الشَّوكانيُّ: (المراد بها: الثِّياب الملبوسة على ما هو المعنى اللُّغوي؛ أمَرَه الله سبحانه بتطهير ثيابه، وحِفظها عن النَّجاسات، وإزالة ما وقَع فيها منها). ((فتح القدير)) (5/324). وقال السَّعديُّ: (يدخُلُ في ذلك تطهيرُ الثِّيابِ مِن النَّجاسة؛ فإنَّ ذلك من تمامِ التَّطهيرِ للأعمال، خصوصًا في الصَّلاة، التي قال كثيرٌ من العلماء: إنَّ إزالةَ النَّجاسة عنها شرطٌ مِن شُروط الصَّلاة. ويحتمل أنَّ المرادَ بِثيابِه، الثِّياب المعروفة، وأنَّه مأمورٌ بتطهيرِها عن جميع النَّجاساتِ، في جميع الأوقاتِ، خصوصًا في الدُّخول في الصَّلواتِ، وإذا كان مأمورًا بتطهير الظَّاهر، فإنَّ طهارة الظَّاهِرِ من تمام طهارةِ الباطِنِ). ((تفسير السعدي)) (1/895)، وانظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/223). [المدثر: 4]. ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن عبد الله بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((مرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَبرينِ، فقال: أمَا إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ، أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنَّميمةِ، وأمَّا الآخَرُ فكان لا يَستَتِرُ من بولِه، قال: فدَعا بعَسيبٍ رَطْبٍ فشَقَّه باثنينِ، ثمَّ غرَس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، ثمَّ قال: لعلَّه أنْ يُخفَّفَ عنهما ما لم يَيبسَا أخرجه البخاري (6052)، ومسلم (292) واللفظ له. . وفي روايةٍ بهذا الإسنادِ، غير أنَّه قال: وكان الآخَرَ لا يستنزِهُ عنِ البَولِ، أو مِنَ البولِ)) رواه مسلم (292). .وجه الدَّلالة:أنَّ الإنسانَ لا يُعذَّبُ إلَّا على ترْك واجبٍ، فدلَّ على وجوبِ التطهُّر من النَّجاسةِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/326)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/368). .2- عن أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: جاءتِ امرأةٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: ((أرأيتَ إحدانا تحيضُ في الثَّوبِ؛ كيف تصنَعُ؟ قال: تَحُتُّه، ثم تَقْرُصُه بالماءِ، وتَنضَحُه، وتُصلِّي فيه)) رواه البخاري (227) واللفظ له، ومسلم (291). .وجه الدَّلالة: أنَّ الموجِبَ للأمرِ بتطهير الثَّوبِ مِن دمِ الحَيضِ كونُه نجِسًا، ولا خصوصيَّةَ له بذلك، فيُلحَقُ به كلُّ ما كان نجسًا؛ فإنَّه يجِبُ تطهيرُه ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/192). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف النَّجاسة. المبحث الثَّالث: حُكم اشتراط النِّيَّة لإزالة النَّجاسات  . المبحث الرَّابع: الشَّكُّ في وجود النَّجاسة. المبحث الخامس: الانتفاع بالنَّجاسات.

لا تُشترَط النيَّةُ لإزالةِ النَّجاساتِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((العناية)) للبابرتي (1/32)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/244). ، والمالكيَّة لكنَّ المعتمَدَ عندهم وجوبُ النيَّةِ في الاستنجاءِ مِنَ المَذيِ. ((حاشية الدسوقي)) (1/78، 112)، ((حاشية العدوي)) (1/218). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/311)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/87). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/110)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/181). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الماورديُّ: (فأمَّا طهارة النَّجس فلا تفتقر إلى نيةٍ إجماعًا) ((الحاوي الكبير)) (1/87). وقال البغويُّ: (واتَّفقوا على أنَّ إزالة النَّجاسةِ لا تفتقِرُ إلى النيَّة) ((شرح السنة)) (1/403). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (ومِن حُجَّتهم أيضًا: الإجماعُ على إزالةِ النَّجاسات من الأبدانِ والثِّياب بغير نيَّة) ((التمهيد)) (22/101). وقال ابنُ تيميَّة: (ومَن قال من أصحابِ الشافعيِّ وأحمد: إنَّه يُعتبَرُ فيها النيَّة، فهو قول شاذٌّ مخالِفٌ للإجماع السَّابق، مع مخالفته لأئمَّة المذاهب). ((مجموع الفتاوى)) (21/477). وقال الحطَّاب: (إزالةُ النَّجاسةِ لا يُشتَرَطُ فيها النيَّة؛ هذا هو المعروف، وحكَى القرافيُّ قولًا بأنَّها تفتقِرُ للنيَّة، وهو ضعيف، بل حكَى ابنُ بشيرٍ وابن عبد السَّلام الاتِّفاقَ على عَدَمِ افتقارها للنيَّة، وحكَى ابنُ القصَّار وابنُ الصَّلاح من الشافعيَّة الإجماعَ على ذلك). ((مواهب الجليل)) (1/230). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ إزالةَ النَّجاسةِ طهارةٌ من الخبَث، فهي من بابِ التُّروكِ؛ وليسَت فِعلًا، ولكنَّها تَخَلٍّ عن شيءٍ يُطلَب إزالَتُه؛ فلهذا لم تكن عبادةً مستقلَّة؛ وعليه فلا تُشترَطُ فيها النيَّة ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/197). .ثانيًا: أنَّ الخبَثَ معنًى متى ما زال، زالَ حُكمه؛ فلا معنى لاشتراطِ النيَّة. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف النَّجاسة. المبحث الثَّاني: حُكم إزالة النَّجاسة. المبحث الرَّابع: الشَّكُّ في وجود النَّجاسة. المبحث الخامس: الانتفاع بالنَّجاسات.

مَن شكَّ في طهارةِ شيءٍ، أو نجاسَتِه، بنَى على الأصلِ؛ فإنْ كان في الأصلِ طاهرًا، بقِي على طهارَتِه، وإنْ كان في الأصلِ نَجِسًا، بقِي على نجاسَتِه قال ابن عثيمين: (قوله: "وإنْ شكَّ في نجاسةِ ماءٍ، أو غيرِه، أو طهارَتِه..."؛ أي: في نجاسَتِه إذا كان أصلُه طاهرًا، وفي طهارَتِه إذا كان أصلُه نَجِسًا. مثال: الشكُّ في النَّجاسةِ: لو كان عندك ماءٌ طاهرٌ لا تعلَمُ أنَّه تنجَّسَ؛ ثم وجَدْت فيه روثةً لا تدري أروثَةُ بعيرٍ، أم روثةُ حِمارٍ، والماء متغيِّرٌ من هذه الرَّوثةِ؛ فحصَل شكٌّ هل هو نَجِسٌ أم طاهِرٌ؟ فيقال: ابنِ على اليَقين، واليقينُ أنَّه طَهورٌ، فتطهَّرْ به ولا حَرَجَ. وكذا إذا حصل شكٌّ في نجاسةِ غَيرِ الماء. مثاله: رجلٌ عنده ثوبٌ فشكَّ في نجاسَتِه، فالأصلُ الطَّهارة حتى يعلم النَّجاسةَ). ((الشرح الممتع)) (1/58-59). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/83)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/82)، لكن قد يُقدِّم الحنفيَّة الظاهر لقرينة؛ انظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/83). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/29)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/24). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/93)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/45). ؛ وذلك لأنَّ الثَّابِتَ باليقينِ لا يزول بالشَّكِّ. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف النَّجاسة. المبحث الثَّاني: حُكم إزالة النَّجاسة. المبحث الثَّالث: حُكم اشتراط النِّيَّة لإزالة النَّجاسات  . المبحث الخامس: الانتفاع بالنَّجاسات.

يجوز الانتفاعُ بالنَّجاساتِ في غيرِ الأكلِ والشُّربِ واللُّبسِ، ونحوِ ذلك، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/446)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/309). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/172). ، وأومأ إليه الإمامُ أحمَدُ في روايةٍ عنه ((الإنصاف)) للمرداوي (4/204). ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6). ، واختاره الطبريُّ ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (يجوز الانتفاعُ بالنَّجاسات). ((الفتاوى الكبرى)) (5/313). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الانتفاعُ بالشيءِ النَّجِسِ إذا كان على وجهٍ لا يتعدَّى، لا بأسَ به، مثاله: أن يتَّخِذَ «زِنبِيلًا» نجسًا يحمل به التُّرابَ ونحوه، على وجهٍ لا يتعدَّى) ((الشرح الممتع)) (1/71). . الأدلَّة مِن السُّنَّةِ: 1- عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سمِعَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ عام الفَتحِ وهو بمكَّة: إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بَيعَ الخَمرِ والمَيتةِ والخِنزيرِ والأصنامِ، فقيل: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ شُحومَ المَيتةِ؛ فإنَّها يُطلَى بها السُّفُنُ، ويُدهَنُ بها الجُلودُ، ويَستصبِحُ بها النَّاسُ، فقال: لا، هو حرامٌ)) رواه البخاري (2236) واللفظ له، ومسلم (1581). .وجه الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أقرَّهم على الانتفاعِ بالنَّجاسةِ في طلْي السُّفُنِ، ودَهنِ الجُلودِ، والاستصباحِ بها، وإنَّما نهاهم عن بيعِها؛ وذلك لأنَّ جوازَ الانتفاعِ بها لا يَستلزمُ جوازَ البَيعِ، وبهذا يكون الضميرُ في قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((هو حرامٌ)) يعود إلى البَيعِ، لا إلى الانتفاعِ، ويبقَى الانتفاعُ على أصلِ الإباحةِ قال ابن القيِّم: (مَن تأمَّل سياقَ حديثَ جابرٍ، عَلِم أنَّ السؤالَ إنَّما كان منهم عن البَيعِ، وأنَّهم طَلَبوا منه أن يرخِّصَ لهم في بيع الشُّحومِ؛ لِمَا فيها من المنافِعِ، فأبى عليهم وقال: ((هو حرام))، فإنَّهم لو سألوه عن حُكمِ هذه الأفعال، لقالوا: أرأيتَ شحومَ الميتةِ؛ هل يجوز أن يَستصبِحَ بها الناس، وتُدهَن بها الجلود؟ ولم يقولوا: فإنَّه يُفعَلُ بها كذا وكذا، فإنَّ هذا إخبارٌ منهم، لا سؤال، وهم لم يُخبِروه بذلك عقيبَ تحريمِ هذه الأفعالِ عليهم؛ ليكون قوله: ((لا، هو حرام)) صريحًا في تحريمها، وإنَّما أخبروه به عقيبَ تحريمِ بَيعِ المَيتةِ، فكأنَّهم طَلَبوا منه أن يُرخِّصَ لهم في بيعِ الشُّحومِ لهذه المنافِعِ التي ذكروها، فلم يفعَلْ. ونهاية الأمر: أنَّ الحديثَ يَحتمِلُ الأمرين، فلا يُحرَّمُ ما لم يُعلَمْ أنَّ اللهَ ورسولَه حرَّمه). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (5/750، 751)، وينظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/6). .2- عن عبد اللهِ بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تُصُدِّقَ على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ، فماتَتْ، فمرَّ بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: هلَّا أخَذتُم إهابَها، فدبَغتُموه، فانتفَعتُم به؟ فقالوا: إنَّها مَيتةٌ. فقال: إنَّما حرُمَ أكْلُها)) رواه البخاري (1492)، ومسلم (363). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريف النَّجاسة. المبحث الثَّاني: حُكم إزالة النَّجاسة. المبحث الثَّالث: حُكم اشتراط النِّيَّة لإزالة النَّجاسات  . المبحث الرَّابع: الشَّكُّ في وجود النَّجاسة.