يُستحبُّ سجودُ الشُّكرِ عندَ تجدُّدِ النِّعمِ أو زوالِ النِّقم، وهو مذهبُ الشافعيَّة [3215] ((المجموع)) للنووي (4/67)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/298). ، والحنابلة [3216] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/33)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/142). ، وبعضِ الحنفيَّة [3217] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 191)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/119). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلفِ [3218] قال ابنُ المنذر: (وممَّن استحبَّ ذلك الشافعيُّ، وقال أحمدُ: لا بأسَ بسجدة الشكر، وقال إسحاق: سُنَّة، وكذلك قال أبو ثور، وقال: قد فعَل ذلك غيرُ واحد... قال أبو بكر: وبالقول الأوّل أقول؛ لأنَّ ذلك قد رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن أبي بكر، وعليٍّ، وكعب بن مالك ((الأوسط)) (5/295، 296). ، واختاره ابنُ المنذرِ [3219] قال ابن المنذر: (وممَّن استحبَّ ذلك الشافعيُّ، وقال أحمدُ: لا بأسَ بسجدة الشكر، وقال إسحاق: سُنَّة، وكذلك قال أبو ثور، وقال: قد فعَل ذلك غيرُ واحد... قال أبو بكر: وبالقول الأوّل أقول؛ لأنَّ ذلك قد رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن أبي بكر، وعليٍّ، وكعب بن مالك؛ فليس لكراهيةِ مَن كرِه ذلك معنًى) ((الأوسط)) (5/295، 296). ، وهو قولُ ابنِ حبيبٍ من المالكيَّة [3220] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/160). ، والقُرطبيِّ [3221] قال القرطبيُّ: (جاء عن ابن عبَّاس أنه قال: سجدَها داودُ شكرًا، وسجدها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اتباعًا؛ فثبَتَ أنَّ السجود للشكر سُنَّةٌ متواترة عن الأنبياءِ صلوات الله عليهم) ((تفسير القرطبي)) (15/178). ، وابنِ تَيميَّة [3222] قال ابنُ تَيميَّة: (وممَّا يُبيِّن هذا أنَّ السجود يُشرع منفردًا عن الصلاة، كسجود التلاوة، وسجود الشكر، وكالسجود عند الآيات) ((مجموع الفتاوى)) (21/283). ، وابن القَيِّم [3223] قال ابن القيِّم: (فلو لم تأتِ النصوص بالسجود عند تجدُّد النِّعم، لكان هو محضَ القياس ومقتضى عبوديَّة الرغبة، كما أنَّ السجود عند الآيات مقتضى عبودية الرَّهْبة) ((إعلام الموقعين)) (2/410). ، والصَّنعانيِّ [3224] قال الصنعانيُّ: (وعن أبي بَكرة رضي الله عنه: «أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا جاءَه أمرٌ يَسُرُّه خرَّ ساجدًا لله»... وهو دليلٌ على شرعية سجود الشكر) (سبل السلام)) (1/211). ، والشَّوكانيِّ [3225] قال الشوكانيُّ: (قد وردتْ أحاديثُ كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها فيه ضعف، ومجموعها ممَّا تقوم به الحجة: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سجَدَ سجود شكر في مواضعَ، ولم يردْ في ذلك غير فِعله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم يكن واجبًا، ولم يرد في الأحاديثِ غيرُ فِعله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للسجود، ولم يرِدْ أنه كبَّر ولا أنه سلَّم؛ فالمشروعية تتمُّ بمجرَّد فِعل السجود) ((السيل الجرار)) (1/175). ، وابنِ باز [3226] قال ابن باز: (الشكرُ له سجودٌ مشروع إذا بُشِّر بشيء يسره؛ بولد، أو فتح للمسلمين، أو بانتصار المسلمين على عدوِّهم، أو بغير هذا مما يَسُرُّه، فإنه يسجد لله شكرًا مثل سجود الصلاة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/424). ، وابنِ عُثَيمين [3227] قال ابن عثيمين: (فسجودُ الشكر إنْ فَعلتَه أُثِبْتَ، وإن تركتَه لم تأثَمْ) ((الشرح الممتع)) (4/104). وقال أيضًا: (يكون سجودُ الشكر عن مصيبةٍ اندفعت، أو لنعمةٍ تهيَّأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرَى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرَى التكبيرة الأولى فقط، ثم يخرُّ ساجدًا، ويدعو بعد قوله: "سبحان ربي الأعلى") ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/320). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عنِ البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((بعَثَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالدَ بنَ الوليدِ إلى اليمنِ يَدعوهم إلى الإسلامِ، فذَكَر الحديثَ في بعثِه عليًّا، وإقفاله خالدًا، ثم في إسلامِ هَمْدان، قال: فكتَب عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإسلامِهم، فلمَّا قرأَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكتابَ خرَّ ساجدًا، ثم رفَع رأسَه، فقال: السَّلامُ على هَمْدان، السَّلامُ على هَمْدان)) [3228] رواه الروياني في ((المسند)) (304)، والطبري في ((تاريخ الرسل والملوك)) (3/132)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4102) قال البيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (4102): أخرج البخاريُّ صدرَ هذا الحديث، فلم يَسُقْه بتمامه، وسجودُ الشكر في تمام الحديث صحيحٌ على شرطه. وصحَّحه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/628)، والذهبي في ((المهذب)) (2/690)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم على شرط البخاري في ((زاد المعاد)) (3/544) و(1/349). .2- قال كعبُ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وهو يَحكي قِصَّة توبتِه: ((... فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذَكَر اللهُ؛ قد ضاقتْ عليَّ نفْسي، وضاقتْ عليَّ الأرضُ بما رَحُبتْ، سمعتُ صوتَ صارخٍ، أَوْفَى على جبلِ سَلْعٍ بأَعْلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أَبْشِر، قال: فخررتُ ساجدًا، وعرفتُ أنْ قد جاء فرَجٌ، وآذنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتوبةِ اللهِ علينا حين صَلَّى صلاةَ الفجرِ، فذَهَبَ الناسُ يُبشِّرونَنا)) [3229] رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769). . وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: (فخررتُ ساجدًا)، فيه مشروعيَّةُ سجودِ الشُّكر؛ لأنَّه فعلَه في زمنِ نزولِ الوحيِ، ومِثل هذا لا يَخفَى على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [3230] ((شرح النووي على مسلم)) (17/95)، ((فتح الباري)) لابن حجر (8/124) (9/306). .ثانيًا: مِن الآثارِعن أبي موسى الهَمَذانيِّ، قال: (كنتُ مع عليٍّ يومَ النَّهْروان، فقال: الْتَمِسوا ذا الثُّديَّة، فالْتَمَسوه فجَعَلوا لا يَجِدونه، فجَعَل يَعرَقُ جبينُ عليٍّ، ويقول: واللهِ ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، فالْتَمِسوه، قال: فوَجدْناه في ساقيةٍ - أو جدولٍ - تحتَ قتْلَى، فأُتِيَ به عليٌّ، فخرَّ ساجدًا) [3231] رواه عبد الرزَّاق (5962)، وابنُ أبي شيبة (32852)، وأحمد (848)، والبزار (564). قال ابنُ كثير في ((البداية والنهاية)) (7/305): له طرقٌ متواتِرة عن عليٍّ، وأصل القصَّة صحيح. . انظر أيضا: المبحثُ الثَّاني: الطَّهارةُ لسُجودِ الشُّكرِ .

لا يُشتَرَطُ [3232] قال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا سُجودُ التِّلاوةِ والشُّكرِ: فلم يَنقُلْ أحَدٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أصحابِه؛ أنَّ فيه تسليمًا، ولا أنَّهم كانوا يُسَلِّمونَ منه؛ ولهذا كان أحمَدُ بنُ حَنبلٍ وغَيرُه مِنَ العُلَماء لا يَعرفونَ فيه التَّسليمَ. وأحمَدُ في إحدى الرِّوايتينِ عنه لا يُسَلِّمُ فيه؛ لعَدِمِ وُرودِ الأثَرِ بذلك. وفي الروايةِ الأخرى يُسَلِّمُ واحدةً أو اثنتينِ، ولم يثبُتْ ذلك بنَصٍّ بل بالقياسِ، وكذلك مَن رأى فيه تسليمًا مِنَ الفُقهاءِ، ليس معه نصٌّ) ((مجموع الفتاوى)) (21/277). وقال: (فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ ذلك صلاةً، ولم يَشرَعْ لها الاصطفافَ وتَقَدُّمَ الإمامِ، كما يُشرَعُ في صلاةِ الجِنازةِ وسَجدَتَي السَّهوِ بعد السَّلامِ، وسائِرِ الصَّلَوات) ((مجموع الفتاوى)) (21/277). وقال ابنُ قدامة: (ولا يَسجُدُ للشُّكرِ وهو في الصَّلاةِ؛ لأنَّ سَبَبَ السَّجدةِ ليس منها؛ فإن فعَلَ بطَلَت صلاتُه، إلَّا أن يكونَ ناسيًا أو جاهلًا بتحريمِ ذلك) ((المغني)) (1/449). لسُجودِ الشُّكرِ الطَّهارةُ، وهو قَولُ بَعضِ المالكيَّةِ [3233] قال الحطَّابُ: (ويقومُ مِن كَلامِ الشَّيخِ أنَّ سُجودَ الشُّكرِ على القَولِ به؛ يفتَقِرُ إلى طهارةٍ, وهو كذلك على ظاهِرِ المذهَبِ, واختار بعضُ مَن لَقِيناه مِنَ القُرويِّينَ عَدَمَ افتقارِه إليها؛ لِمَا أنَّه إذا ترَكَه حتى يتوضَّأَ أو يتطهَّرَ أو يتيمَّمَ، زال سِرُّ المعنى الذي أتى بسجُودِه له) ((مواهب الجليل)) (2/362). ، وابنِ تيميَّةَ [3234] قال ابنُ تيميَّةَ: (ومعلومٌ أنَّ جِنسَ العبادةِ لا تُشتَرَطُ له الطهارةُ، بل إنَّما تُشتَرَطُ للصَّلاة؛ فكذلك جِنسُ السُّجودِ يُشتَرَطُ لبعضِه، وهو السُّجودُ الذي لله- كسُجُودِ الصَّلاةِ، وسَجْدَتَي السَّهوِ-؛ بخلافِ سُجودِ التلاوةِ وسُجودِ الشُّكرِ وسُجودِ الآياتِ) ((مجموع الفتاوى)) (23/166). وقال: (سَجْدَتا السَّهوِ مِن جِنسِ سَجدَتَي الصَّلاةِ، لا مِن جِنسِ سُجودِ التِّلاوةِ والشُّكرِ؛ ولهذا يُفعَلانِ إلى الكعبةِ، وهذا عَمَلُ المُسلمينَ مِن عَهدِ نَبِيِّهم، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ أنَّه فَعَلَها إلى غيرِ القِبلةِ، ولا بِغَيرِ وُضوءٍ) ((مجموع الفتاوى)) (21/293). وابنِ القَيِّم [3235] قال ابنُ القيم: (وكذلك سُجودُ الشُّكرِ مُستحَبٌّ عند تجدُّدِ النِّعَمِ المُنتظرةَ، وقد تظاهرَتِ السنَّةُ عَن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بفِعلِه في مواضِعَ مُتعَدِّدةٍ, وكذلك أصحابُه, مع ورودِ الخَبَرِ السَّارِّ عليهم بغتةً, وكانوا يسجُدُونَ عَقِبَه, ولم يُؤمَرُوا بوضوءٍ, ولم يُخبِرُوا أنَّه لا يُفعَلُ إلَّا بوضوءٍ) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/69). ، والشَّوكانيِّ [3236] قال الشَّوكاني: (وليس في أحاديثِ البابِ ما يَدُلُّ على اشتراطِ الوُضوءِ وطَهارةِ الثِّيابِ والمَكانِ) ((نيل الأوطار)) (3/127). والصَّنعانيِّ [3237] قال الصنعاني: (واعلَمْ أنَّه قد اختُلِفَ: هل يُشتَرَطُ لها الطهارةُ أم لا؛ فقيل: يُشتَرَطُ قياسًا على الصلاةِ، وقيل: لا يُشتَرَط، لأنَّها ليسَتْ بصلاةٍ، وهو الأقرَبُ) ((سبل السلام)) (1/211). ، وابنِ باز [3238] قال ابن باز: (اختلف العُلَماءُ في سجودِ التِّلاوةِ والشُّكرِ: هل يُشتَرَطُ لهما الطَّهارةُ مِنَ الحَدَثينِ؛ على قولين: أصحُّهما: لا يُشتَرَطُ؛ لِعَدَمِ الدَّليلِ على ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). وقال: (لا تجِبُ الطَّهارةُ في سُجودِ التِّلاوةِ وسُجودِ الشُّكرِ، فلو سَجَدَتِ المرأةُ ورأسُها مكشوفٌ أو وهي على غَيرِ وُضوءٍ، فالسُّجودُ صَحيحٌ، ولا حَرَجَ في ذلك؛ كالرَّجلِ، في أصَحِّ قَولَيِ العُلَماءِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). ، وابنِ عُثيمين [3239] قال ابنُ عُثيمين: (حُكمُ هذه المسألةِ يَنبني على الخِلافِ في سجدَتَيِ التِّلاوةِ والشُّكر؛ هل هما صلاة أم لا؟ فإن قُلْنَا: هما صلاةٌ، وجبَتْ لهما الطَّهارةُ، وإن قلنا: إنَّهما غيرُ صلاةٍ، لم تجِبْ لهما الطَّهارةُ، والمتأمِّلُ للسنَّةِ يُدرِكُ أنهما ليستا صلاةً؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يسجُدُ للتِّلاوة، ولم يُنقَلْ عنه أنَّه كان يُكَبِّرُ إذا سجَدَ، ولا إذا رَفَع، ولا يُسَلِّم، إلَّا في حديثٍ رواه أبو داودَ في التَّكبيرِ للسُّجودِ دونَ الرَّفعِ منه ودونَ التَّسليم، فمن تأمَّلَ سُجودَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للتِّلاوة أو الشُّكر؛ تبيَّنَ له أنَّه لا ينطَبِقُ عليه تعريفُ الصَّلاةِ، وعليه؛ فلا تكونُ سَجدةُ التِّلاوةِ وسَجدةُ الشُّكرِ، مِنَ الصلاةِ، وحينئذ لا يَحرُمُ على من كان مُحدِثًا أن يسجُدَ للتِّلاوةِ أو الشُّكرِ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/215). .وذلك للآتي:أولًا: أنَّ اشتراطَ الطَّهارةِ لِسُجودِ الشُّكرِ؛ ليس عليه دليلٌ [3240] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). .ثانيًا: أنَّ السُّجودَ وَحده ليس صلاةً ولا في حُكمِ الصَّلاةِ، فلم تُشتَرَطْ له الطَّهارةُ، كأنواعِ الذِّكرِ؛ غَيرَ القُرآنِ [3241] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). .ثالثًا: أنَّه لم يأمُرِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه بالطَّهارةِ له، ولا رُوِيَ عنه في ذلك حَرفٌ واحِدٌ [3242] ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/69). .رابعًا: أنَّ في تأخيرِ سُجودِ الشُّكرِ لِلطَّهارةِ زوالًا لسِرِّ المعنى الذي شُرِعَ السُّجُودُ مِن أجلِه [3243] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/362). . انظر أيضا: المبحثُ الأوَّل: حكمُ سجودِ الشُّكر.