مَن سَها عن رُكنٍ من الأركانِ - كالرُّكوع والسُّجود - يَلزمُه أنْ يأتيَ به، ولا يَجبُره سجودُ السَّهوِ.الدَّليل من الإجماع:نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأجمَع العلماءُ على أنَّ الركوع، والسُّجود، والقيام، والجِلسة الأخيرة في الصَّلاة، فرضٌ كلُّه، وأنَّ مَن سها عن شيءٍ منه وذَكَره، رجع إليه فأتمَّه، وبنَي عليه ولم يتمادَّ وهو ذاكرٌ له؛ لأنَّه لا يَجبُره سجودُ السَّهو). ((التمهيد)) (10/189). .مطلب: ترْك الرُّكنِ سهوًا مَن ترَك ركنًا من أركان الصَّلاةِ سهوًا غير تكبيرة الإحرام، فإنَّه يجِبُ عليه أن يأتيَ به وبما بعده إلا إذا فات محله [2990] واختلفوا في المحلِّ الذي إذا وصل إليه المصلى فات تدارُكُ الركُن المتروك، فعند المالكية: (وإنْ سها عن ركن من غير الأخيرةِ تَدارَكَه إن لم يعقد تارِكُه ركوعًا من ركعة أصليَّة تلي ركعة النقص، فإن عقده فات تداركه، فإن كان الترك من الأولى بَطَلَت ونابت عنها المعقودةُ فترجع الثانيةُ أولى، وخرج بأصليَّة عقد ركعة زائدة كخامسةٍ في رباعية، ورابعة في ثلاثية، وثالثة في ثنائية). ((منح الجليل)) لابن عليش (1/315). وعند الشافعية: إن تذَكَّرَ السَّهْو قبل فِعْلِ مثلِ المتروك اشتغل عند التذكُّر بالمتروك، وإن تذكَّر بعد فِعْل مثله في ركعة أخرى تمت الركعةُ السابقة به ولغا ما بينهما. ((روضة الطالبين)) للنووي (1/300). وقال الحنابلةُ يفوتُ إذا شرع في قراءةِ الرَّكعةِ التي بعدها. قال المرداوي: (فمتى ترك ركنًا فذَكَرَه بعد شروعه في قراءةِ ركعة أخرى بَطَلَت التي تركه منها، وهذا المذهب مطلقًا). ((الإنصاف)) للمرداوي (2/100). ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة قال الدسوقي: (المصلِّي إذا ترَك ركنًا من الصلاة سهوًا وطال، فإنَّها تبطُل، والطول إمَّا بالعُرف أو بالخروجِ من المسجد...قوله: (وتداركه) أي: إنْ كان ممكنَ التدارك بأن كان ترْكُه بعد تحقُّق ماهية الصلاة وانعقادها، كالركوع والسجود، وأمَّا ما لا يمكن تداركُه كالنيَّة وتكبيرة الإحرام، فلا؛ لأنَّه غير مصلٍّ) ((حاشية الدسوقي)) (1/294)، ينظر: (شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/335). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/77، 91، 118)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/300). ، والحنابلة ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/ 249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/100)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/3)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/162). .الدليل من السُّنَّة:عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ المسجدَ فدَخَل رجلٌ فصلَّى، ثمَّ جاء فسلَّم على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّكَ لم تصلِّ، فرجَعَ فصلَّى كما صلَّى، ثمَّ جاء فسلَّمَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ارجعْ فصلِّ؛ فإنَّكَ لم تصلِّ - ثلاثًا -، فقال: والذي بعثَك بالحقِّ لا أُحسِنُ غيرَه فعَلِّمْني, فقال: إذا قمتَ إلى الصَّلاةِ فَكبِّرْ، ثم اقرأْ ما تيسَّرَ معك من القرآنِ، ثم اركعْ حتَّى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائمًا، ثمَّ اسجُدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئنَّ جالسًا، وافعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها)) رواه البخاري (793)، ومسلم (397). .وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه جعَل وجودَ صلاتِه مَعَ تَرْكِ بعضِ أركانِها كعدِمها، ولو كانتْ تسقُطُ الأركانُ بالسَّهوِ، لسقطَتْ عن الأعرابيِّ؛ لكونِه جاهلًا بها، والجاهلُ كالنَّاسي ((المغني)) لابن قدامة (2/3). . انظر أيضا: المَبحثُ الثَّاني: حُكمُ سُجودِ السَّهوِ لمَن تَرَك واجبًا. المَبحَثُ الثَّالِث: حُكمُ سُجودِ السَّهوِ لِمَنْ تَرَكَ السُّنَنَ .

يجبُ سجودُ السَّهوِ على مَنْ ترَكَ فِعلَ واجبٍ من واجباتِ الصَّلاة سهوًا [2996] على خلافٍ بين أصحاب هذا القولِ في تحديد واجبات الصَّلاة. ، وهو مذهبُ الحنفيَّة [2997] ((الهداية)) للمرغيناني (1/74)، وينظر: ((اللباب في شرح الكتاب)) لعبد الغني الميداني (1/95). ، والحنابلة [2998] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/104)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/5). ، وهو قولُ ابنِ باز قال ابن باز: (سجودُ السهو واجبٌ؛ لأنَّ الرسول أمر بذلك، وإذا كان عن ترْك واجب، أو فِعل محظور سهوًا وجَبَ، كما لو ترك التشهُّد الأول، أو جلس في الرابعة فنُبِّهَ وقام ليكمل، أو زاد ثالثةً في الفجر، أو رابعةً في المغرب، أو خامسةً في العشاء ونحوها، فإنه يسجد للسهو وجوبًا) ((فتاوى نور على الدرب)) (9/365). , وابنِ عُثيمين [3000] - قال ابنُ عثيمين: (والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنًا، أو ينقص واجبًا من واجبات الصلاة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/15). .الدليل من السُّنَّة: عن عبدِ اللهِ بن بُحينةَ، أنَّه قال: ((صلَّى لنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم قامَ فلمْ يَجلِسْ، فقام الناسُ معه، فلمَّا قضَى صلاتَه وانتظَرْنا التسليمَ كبَّر، فسَجَد سَجدتينِ وهو جالسٌ قبل التَّسليمِ، ثمَّ سَلَّم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [3001] رواه البخاري (829)، ومسلم (570). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: حُكمُ سُجودِ السَّهْو لِمَنْ ترَكَ رُكنًا. المَبحَثُ الثَّالِث: حُكمُ سُجودِ السَّهوِ لِمَنْ تَرَكَ السُّنَنَ .

يُشرَعُ سجودُ السَّهوِ لِمَن ترَك سُننَ الصَّلاةِ، ولكن لا يجِبُ عليه، وهو مذهبُ الحنابلة [3002] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/88)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/393). ، واختاره ابنِ باز [3003] قال ابن باز: ("السنن" ليس عليك حَرَجٌ، ولا يجب عليك سجودُ السهو؛ لأنَّ قراءة سورة بعد الفاتحة أو ما تيسَّر من الآيات ليستْ واجبةً، وإنما الواجِبُ قراءةُ الفاتحة، ويُستحَبُّ قراءةُ سورةٍ بعدها في الأُولى والثانية من كلِّ صلاة، وإنْ سجدتَ للسَّهْوِ فلا بأسَ، وصلاتُك صحيحة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/272). ، وابنِ عُثيمين [3004] - قال ابن عثيمين: (أمَّا لو ترك القراءةَ في الصَّلاة الجهريَّة سهوًا، فإنَّه يسجد للسهو، ولكن لا على سبيلِ الوجوب؛ لأنَّه لا يُبطل الصلاةَ عمدُه، وكل قول أو فِعل لا يُبطِلُ الصلاةَ عمدُه - لا تركًا ولا فِعلًا - فإنَّه لا يُوجِبُ سجودَ السهو) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/74). وقال أيضًا: (وعندي في ذلك تفصيل، وهو: أنَّ الإنسان إذا ترك شيئًا من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسيانًا، وكان من عادته أن يفعلَه، فإنَّه يُشرع أن يسجد؛ جبرًا لهذا النقص الذي هو نقصُ كمالٍ، لا نقص واجبٍ؛ لعمومِ قوله في الحديث: «لكلِّ سهوٍ سجدتانِ»، وفي (صحيح مسلم)): «إذا نسِيَ أحدُكم، فليسجدْ سجدتينِ»؛ فإنَّ هذا عامٌّ، أما إذا ترك سُنَّة ليس من عادته أن يفعَلَها، فهذا لا يُسنُّ له السجودُ؛ لأنَّه لم يطرأ على باله أن يفعلَها) ((الشرح الممتع)) (3/334). .الأَدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةعمومُ ما رواه ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا نسِي أحدُكم فليسجُدْ سجدَتين)) رواه مسلم (570). . ثانيًا: لأنَّه ترْكٌ لا تَبطُل به الصلاةُ؛ فلا يجبُ به السُّجودُ ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين)). .ثالثًا:لأنَّ سجودَ السَّهوِ شُرِع للجَبْرِ, فإذا لم يكُنِ الأصلُ المجبور واجبًا، فجَبْرُه ليس واجبًا من باب أَوْلى ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين)). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّل: حُكمُ سُجودِ السَّهْو لِمَنْ ترَكَ رُكنًا. المَبحثُ الثَّاني: حُكمُ سُجودِ السَّهوِ لمَن تَرَك واجبًا.