الطُّمأنينةُ رُكنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ؛ وهذا مذهبُ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/410). ، والحنابلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (2/246)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/387). ، وقولُ أبي يوسفَ مِن الحنفيَّةِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/300)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/464). ، وقولٌ عند المالكيَّةِ ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/274)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/316). ، وقولُ داودَ قال النَّوويُّ: (وتجب الطُّمأنينة في الركوع، والسجود، والاعتدال من الركوع، والجلوس بين السحدتين، وبهذا كلِّه قال مالكٌ وأحمدُ وداود) ((المجموع)) (3/410). ، واختارَه ابنُ الهُمامِ قال الكمالُ ابنُ الهُمام: (وعند أبي يوسف هذه الفرائض للمواظبة الواقعة بيانًا، وأنت علمتَ حال الطُّمأنينة، وينبغي أن تكون القومةُ والجلسة واجبتين للمواظبة، ولِمَا روى أصحاب السُّنن الأربعة والدارقطني والبيهقي، من حديثِ ابن مسعود عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تُجزئ صلاةٌ لا يُقيم الرجلُ فيها ظهرَه في الركوع والسجود»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ولعلَّه كذلك عندهما، ويدلُّ عليه إيجابُ سجود السهو فيه فيما ذكر في فتاوى قاضي خان في فصل ما يوجب السهو؛ قال: المصلِّي إذا ركع ولم يرفع رأسه من الركوع حتى خرَّ ساجدًا ساهيًا تجوز صلاتُه في قول أبي حنيفة ومحمَّد رحمهما الله، وعليه سجود السهو، ويُحمل قولُ أبي يوسف - رحمه الله -: إنَّها فرائض، على الفرائض العمليَّة، وهي الواجبة، فيرتفع الخلاف. ثم وجه تخريج الجرجاني كون الزائد على مسمَّى الركن لا يتناوله الأمرُ فيُكتفى فيه بالاستنان. ووجه تفصيل الكرخي إظهار التفاوت بين مكمّل الركن المقصود لنفسه ومكمّل ما هو مقصود لغيره، أعني: الانتقال، وذلك بوجوب الأول، واستنان الثاني، وأنت علمتَ أنَّ مقتضى الدليل في كل من الطُّمأنينة والقومة والجلسة الوجوبُ) ((فتح القدير)) (1/302). وقال ابنُ عابدين: (قال في البحر: ومقتضى الدليل وجوبُ الطُّمأنينة في الأربعة، أي: في الركوع والسجود، وفي القومة والجلسة، ووجوب نفْس الرَّفْع من الركوع والجلوس بين السجدتين؛ للمواظبة على ذلك كلِّه، وللأمر في حديث المسيء صلاتَه، ولِمَا ذكره قاضي خان من لزوم سجود السهو بترْك الرفع من الركوع ساهيًا، وكذا في المحيط، فيكون حُكم الجلسة بين السجدتين كذلك؛ لأنَّ الكلام فيهما واحد، والقول بوجوب الكل هو مختار المحقِّق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير الحاج، حتى قال: إنَّه الصواب، والله الموفِّق للصواب) ((حاشية ابن عابدين)) (1/464). ، وابنُ عبدِ البرِّ قال ابن عبد البرِّ: (وفرائض الصلاة التي لا بدَّ منها بعد كمال الطهارة: النية لها بعينها، والتوجه إلى القِبلة، وتكبيرة الإحرام، وقِراءة أم القرآن، والركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه، والاعتدال والطُّمأنينة في ذلك كلِّه، والجلسة الأخيرة، والسلام. وقد قيل: إنَّ الاعتدال والطُّمأنينة في الرفع من الركوع والسجود ليستَا بواجب، والصحيح ما قدَّمتُ لك) ((الكافي)) (1/227). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (الطُّمأنينة في الصلاة واجبة، وتاركها مسيء باتِّفاق الأئمَّة، بل جمهور أئمة الإسلام، كمالكٍ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة. وأبو حنيفة ومحمد لا يخالفون في أنَّ تارك ذلك مسيءٌ غير محسِن، بل هو آثمٌ عاصٍ تارك للواجب) ((مجموع الفتاوى)) (22/601). ، وابنُ بازٍ قال ابن باز: (وهذا الحديث الصحيح يدلُّ على أنَّ الطُّمأنينة ركنٌ في الصلاة، وفرض عظيم فيها، لا تصحُّ بدونها؛ فمَن نقر صلاته فلا صلاةَ له) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/163). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (رابعًا: الطُّمأنينة: ومن إقامة الصَّلاة أن يأتي بها الإنسان مطمئنًّا في القيام، والقعود والركوع والسجود. ومعنى الطُّمأنينة: التأنِّي بحيث يستقرُّ كلُّ فقار في مفصله، فإنْ أسرع في الصلاة على وجه لا طُمأنينة فيها، فإنَّ صلاته باطلة) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (12/493). وقال أيضًا: (والطُّمأنينة في الأركان ركنٌ لا بدَّ منه؛ فمَن لم يطمئن في صلاته فإنَّ صلاته باطلة). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/159). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ تَيميَّة: (وهذا إجماع الصَّحابة رضي الله عنهم، فإنَّهم كانوا لا يصلُّون إلَّا مطمئنِّين، وإذا رأى بعضُهم مَن لا يطمئنُّ أنكر عليه ونهاه، ولا ينكر واحدٌ منهم على المنكِر لذلك، وهذا إجماعٌ منهم على وجوب السكون والطُّمأنينة في الصلاة قولًا وفعلًا) ((مجموع الفتاوى)) (22/569). وقال أيضًا: (الطُّمأنينة في الصلاة واجبة، وتاركها مسيءٌ باتِّفاق الأئمَّة) ((مجموع الفتاوى)) (22/601). .الأدلة مِن السُّنَّة:1- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّ رجلًا دخَل المسجدَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى ثم جاء فسلَّمَ عليه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك السَّلامُ، ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ، فرجَعَ فصلَّى ثم جاء فسلَّمَ، فقال: وعليك السَّلامُ، فارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ، فقال في الثَّانيةِ، أو في التي بعدَها: علِّمْني يا رسولَ اللهِ، فقال: إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسبِغِ الوضوءَ، ثم استقبِلِ القِبلةَ فكبِّرْ، ثم اقرَأْ بما تيسَّرَ معك مِن القُرآنِ، ثم اركَعْ حتَّى تطمئِنَّ راكعًا، ثم ارفَعْ حتَّى تستويَ قائمًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم افعَلْ ذلك في صلاتِك كلِّها)) رواه البخاري (6251)، ومسلم (397). .2- عن زيدِ بنِ وهبٍ الجُهَنيِّ قال: ((رأى حُذَيفةُ رضيَ اللهُ عنه رجلًا لا يُتمُّ الرُّكوعَ والسُّجودَ، قال: ما صلَّيْتَ، ولو مِتَّ مِتَّ على غيرِ الفِطرةِ التي فطَرَ اللهُ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليها)) رواه البخاري (791). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ قولَه: ((ما صلَّيْتَ)) يدُلُّ على وجوبِ الطُّمأنينةِ في الرُّكوعِ، والسُّجودِ، وعلى أنَّ الإخلالَ بها يُبطِلُ الصَّلاةَ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/310). . 3- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُجزئُ صلاةٌ لا يُقيمُ الرَّجُلُ فيها صُلْبَه في الرُّكوعِ والسُّجودِ أخرجه أبو داود (855) بلفظ: ((صلاةُ الرجلِ حتى يُقيمَ ظهرَه)) بدلًا من: ((لا يُقيم الرجلُ فيها صُلبَه))، والترمذي (265)، والنسائي (1027)، وابن ماجه (870) قال الترمذيُّ: حسن صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (3/257)، وصحَّحه ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (1/643)، وصحَّح إسناده الشَّوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/280)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (717). . انظر أيضا: المبحث الثاني: الخشوعُ في الصَّلاةِ.

الخشوعُ في الصَّلاةِ سنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (2/15)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 231). ، والمالكيَّةِ ((الذخيرة)) للقرافي (2/235)، ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/576). قال القرافي: (وقد بقي من المندوبات آدابُ القلوب، فمنها الخشوع، وهو اتِّصاف القلب بالذلَّة والاستكانة والرهب بين يدي الربِّ، وهو تنبيهٌ لهم على الخشوع في الصلاة؛ لأنَّه قال لهم لَمَّا رآهم يلتفتون وهو منافٍ لكمال الصلاة، فيكون مستحبًّا لا واجبًا؛ لأنَّه لم يأمرْهم بالإعادة). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/314)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/547). ، والحنابلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (2/251)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/392). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال النَّوويُّ: (فأجمَع العلماء على استحباب الخشوع والخضوع في الصَّلاة، وغض البصر عمَّا يُلهي، وكراهة الالتفات في الصَّلاة) ((المجموع)) (3/314). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِن الكتابِقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2].ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ تجاوَزَ عن أمَّتي ما حدَّثَتْ به أنفُسَها ما لم تعمَلْ أو تتكلَّمْ)) رواه البخاري (5269)، ومسلم (127). .وَجْهُ الدَّلالَةِ:حديثُ النَّفسِ يُنافي الخشوعَ، ومع ذلك لا يُبطِلُ الصَّلاةَ، ولكنَّه ينقُصُها [2567] ((الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين)). . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: الطُّمأنينةُ في الصَّلاةِ.