دُعاءُ الاستفتاحِ مِن سُنَنِ الصَّلاةِ فيستفتح لكلِّ صلاة فريضةً كانت أو نافلةً، ومن ذلك الاستفتاحُ في قيامِ اللَّيلِ في بداية كلِّ ركعتينِ. قال ابن باز: (السنَّة: الاستفتاحُ في كل الصلوات بـ: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك» في جميع الصلوات؛ التراويح وغير التراويح، هذا مستحَبٌّ، ولو ترك فلا بأس، لكنَّه مُسْتحب، إذا كبَّر تكبيرةَ الإحرامِ في كلِّ تسليمةٍ أن يقول: سبحانك اللهمَّ وبحمدك؛ لأنَّه مختصَرٌ، هذا استفتاحٌ مختصَرٌ، وإن استفتح بغيره من الاستفتاحات الصحيحة الثابتة عن رسول الله، فلا بأس) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/15). وقال ابن عُثَيمين: (دعاء الاستفتاح مشروعٌ عند كلِّ تكبيرة إحرام، فإذا كبَّرْتَ للإحرامِ في فريضةٍ أو نفلٍ فاستفتِحْ) ((الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العُثَيمين)). وقالت اللَّجنة الدَّائمة: (لا يكفي الاستفتاحُ في صلاة التراويحِ في الركعة الأولى لجميعِ التراويحِ، بل يُشْرَع الاستفتاح في أوَّلِ كل ركعتن، كالفريضة؛ لأنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يستفتِحُ في صلاةِ اللَّيلِ وهي نافلة، ولأنَّ الأصل مساواةُ النَّافلة بالفريضة إلَّا ما خَصَّه الدليل؛ لعموم قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»، ويلحَقُ بالتراويح جميعُ أنواعِ صلاة النَّافلة؛ كالرَّواتب، وصلاة الضُّحى، وغيرها) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الثانية)) (5/313). ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّةِ ((البناية)) للعيني (2/184)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/288). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/318)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/148). ، والحنابلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/220)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/341). ، وقولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ قال النَّوويُّ: (أمَّا الاستفتاحُ فقال باستحبابِه جمهورُ العلماءِ من الصحابة والتابعين فمَن بعدَهم، ولا يعرف مَن خالف فيه إلا مالكًا رحمه الله، فقال: لا يأتي بدعاءِ الاستفتاحِ ولا بشيءٍ بين القراءةِ والتَّكبيرِ أصلًا، بل يقول: الله أكبر، الحمدُ لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة) ((المجموع)) (3/321).  وقال ابنُ قُدامة: (وجملته: أنَّ الاستفتاح مِن سُنَنِ الصَّلاةِ في قول أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ، وكان مالكٌ لا يراه، بل يكبِّرُ ويقرأ؛ لِما روى أنس، قال: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر يفتتحونَ الصلاةَ بـ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»). ((المغني)) (1/341). .الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن جابرٍ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا افتَتَح الصَّلاةَ قال: سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، وتبارَك اسمُك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غيرُك، وجَّهتُ وجهيَ للذي فطَر السمواتِ والأرضَ حنيفًا وما أنا من المُشرِكين، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالَمينَ)) رواه الطبراني في ((الدعاء)) (499)، البيهقي (2/35) (2446). قال الذهبي في ((المهذب)) (1/487): على غرابتِه سندُه جيِّد، وقوَّى إسنادَه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/409). .2- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسكُتُ بين التَّكبيرِ والقراءةِ، فقلتُ: بأبي وأمِّي يا رسولَ اللهَ، في إسكاتِك بين التَّكبيرِ والقراءةِ ما تقولُ؟ قال: أقولُ: اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خطايايَ كما باعَدْتَ بين المشرِقِ والمغرِبِ، اللهمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ، اللهمَّ اغسِلْ خطايايَ بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ)) رواه البخاري (744) واللفظ له، ومسلم (598). . 3- عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رجلًا جاء فدخَل الصَّفَّ وقد حفَزه النَّفَسُ، فقال: الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاتَه، قال: أيُّكم المتكلِّمُ بالكلماتِ؟ فأرَمَّ القومُ، فقال: أيُّكم المتكلِّمُ بها؟ فإنَّه لم يقُلْ بأسًا، فقال رجلٌ: جئتُ وقد حفَزني النَّفَسُ فقُلتُها، فقال: رأيتُ اثنَيْ عشَرَ ملكًا يبتدِرونها أيُّهم يرفَعُها)) رواه مسلم (600). .4- عن ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما قال: ((بينما نحنُ نصلِّي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ قال رجلٌ في القومِ: اللهُ أكبَرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن القائلُ كذا وكذا؟ قال رجلٌ مِن القومِ: أنا يا رسولَ الله، قال: عجِبْتُ لها، كلمةٌ فُتِحَتْ لها أبوابُ السَّماءِ، قال ابنُ عُمَرَ: فما تركتُهنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ ذلك)) رواه مسلم (601). .ثانيًا: مِن الآثارِعن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنه أنَّه حين افتَتَح الصَّلاةَ قال: (سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، وتبارَكَ اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك) رواه مسلم (399). . انظر أيضا: المبحث الثاني: الصِّيغةُ المختارَةُ للاستفتاحِ.

الأفضلُ أنْ يتتبَّعَ المرءُ الاستفتاحاتِ قال ابنُ المنذِر: (والذي ذكرناه هو مِن الاختلاف المباح الذي مَن عمِل منه بشيء أجزأه، ولو ترك ذلك كلَّه، ما كانتْ عليه إعادةٌ، ولا سجودُ سهوٍ، وأصحُّ ذلك إسنادًا حديثُ عليٍّ) ((الأوسط)) (3/231). الواردةَ والثابتةَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيأتيَ بهذا مرَّةً، وهذه مرَّةً، اختار هذا ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (والأفضلُ أن يأتيَ في العبادات الواردة على وجوه متنوعة بكلِّ نوعٍ منها؛ كالاستفتاحات، وأنواع صلاة الخوف، وغير ذلك) ((الفتاوى الكبرى)) (5/332). وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/242). ،والسِّعديُّ قال السعديُّ: (الاستفتاحُ يجوزُ بكلِّ ما صحَّ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الفرض والنَّفْلِ، وإذا كان الإنسان يحفظ عدة استفتاحات، فالأَولى أنه ينوِّعُ فيها، تارة بنوع منها، وتارة بالنوع الآخر) ((الفتاوى السعدية)) (ص: 144). ، وابنُ بازٍ قال ابن باز: (يسنُّ أن يقرأ دعاء الاستفتاح، وهو: «اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهمَّ نقِّني من خطايايَ كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهمَّ اغسِلْني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد»....، وإنْ شاء قال بدلًا من ذلك: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرك»، وإن أتى بغيرهما مِن الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلا بأسَ، والأفضلُ أن يفعلَ هذا تارة، وهذا تارة؛ لأن ذلك أكملُ في الاتباعِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/9). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (ثم كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستفتح القراءةَ بأدعية كثيرة متنوعة، يحمَدُ اللهَ تعالى فيها، ويمجِّدُه، ويُثني عليه، وقد أمر بذلك (المسيء صلاته)، فقال له: (لا تتمُّ صلاةٌ لأحد من الناس حتى يكبِّرَ ويحمَدَ الله جل وعز ويُثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن...)، وكان يقرأ تارة بهذا، وتارة بهذا، فكان يقول:...) ((صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 91). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (وكلٌّ مِن النوعين جائزٌ وسُنَّةٌ، وينبغي للإِنسان أن يستفتحَ بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة؛ ليأتي بالسُّنَنِ كلِّها، وليكون ذلك إحياءً للسُّنَّة، ولأنه أحضرُ للقلب؛ لأن الإِنسان إذا التزم شيئًا معيَّنًا صار عادةً له، حتى إنه لو كَبَّر تكبيرةَ الإِحرام وغَفَلَ ومِن عادته أن يستفتح ب- «سُبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِك» يجدُ نفسَه قد شَرَعَ فيه بدون قصد) ((الشرح الممتع)) (3/48). . وذلك للآتي:أوَّلًا: ليأتيَ بالسُّنَنِ كلِّها، وليكون ذلك إحياءً للسُّنَّةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيمين (3/48). .ثانيًا: ولأنَّه أحضرُ للقلبِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا التزَم شيئًا معيَّنًا صار عادةً له ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيمين (3/48). . انظر أيضا: المبحث الأوَّلُ: حُكمُ دعاءِ الاستفتاحِ.