يَجوزُ للمُوصِي أن يرجِعَ في وَصِيَّتِه [749] يَجوزُ الرُّجوعُ في الوَصيَّةِ بالإجماعِ، إلَّا في العِتقِ؛ ففيه خِلافٌ. يُنظر: ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 77)، ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 112)، ((التمهيد)) لابن عبد البَرِّ (14/309). .الأدِلَّةُ:أولًا: مِن الآثارِعن عبدِ اللهِ بنِ الحارِثِ بنِ أبي رَبيعةَ -أو الحارِثِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ-، قالَ: (قُلتُ لعُمرَ: شَيءٌ يَصنَعُه أهلُ اليَمنِ، يُوصِي الرَّجلُ ثمَّ يُغيِّرُ وَصِيَّتَه؟ قالَ: ليُغيِّرْ ما شاءَ مِن وَصِيَّتِه) [750] أخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ (31449). .ثانيًا: مِن الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذرِ [751] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ للرجُلِ أنْ يَرجِعَ في كلِّ ما يوصِي به، إلَّا العِتقَ). ((الإجماع)) (ص: 77). ، وابنُ حزمٍ [752] قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ الرُّجوعَ في الوصايا جائزٌ، ما لم يكُنْ عِتقًا)، ((مراتب الإجماع)) (ص: 112). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [753] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا يَختلِفُ العُلماءُ أنَّ للإنسانِ أن يُغيِّرَ وصيَّتَه ويَرجِعَ فيما شاء منها، إلَّا أنَّهمُ اختَلَفوا مِن ذلك في المُدَبَّرِ). ((التمهيد)) (14/309). ، وابنُ قُدامةَ [754] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ للمُوصِي أن يرجِعَ في جميعِ ما أَوْصى به، وفي بعضِه، إلَّا الوَصيَّةَ بالإعتاقِ). ((المغني)) (6/188). ، وابنُ تَيميَّةَ [755] قال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا الوَصيَّةُ بما يُفعلُ بعْدَ مَوتِه فله أن يَرجِعَ فيها ويُغيِّرَها باتِّفاقِ المُسلِمينَ؛ ولو كان قد أشهَدَ بها وأثبتَها، سواءٌ كانت وَصيَّةً بوَقفٍ أو عِتقٍ أو غيرِ ذلك). ((الفتاوى الكبرى)) (4/355). . ثالثًا: لأنَّها عطيَّةُ تُنجَّزُ بالمَوتِ، فجاز له الرُّجوعُ عنها قبْلَ تَنجيزِها؛ قِياسًا على هِبةِ ما يَفتقِرُ إلى القَبضِ قبْلَ قَبضِه [756] ((المغني)) لابن قُدامة (6/188). .رابعًا: لأنَّ قَبولَ الوَصيَّةِ بعدَ المَوتِ، فجازَ الرُّجوعُ عنها قبْلَ القَبولِ، كما في سائِرِ العُقودِ، كالبَيعِ وغَيرِه [757] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (6/186). . انظر أيضا: المَبحثُ الثَّاني: هل بِناءُ الأرضِ المُوصَى بها أو غَرسُها يُعتبَرُ رُجوعًا؟.

إذا أوصَى المُوصي بأرضٍ ثمَّ بَناهَا أو غَرَسَها، فهلْ يُعتبَرُ رجوعًا في الوَصيَّةِ؟ اختَلَف العُلماءُ فيه على قَولَينِ: القَولُ الأوَّلُ: إذا أوصَى المُوصِي بأرضٍ ثمَّ بَناها أو غَرَسَها يُعتبَرُ رُجوعًا في الوَصيَّةِ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّةِ [758] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (6/186)، ((الفتاوى الهندية)) (6/93). ، والشَّافعيَّةِ [759] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/72). ، والحَنابِلةِ -في أصحِّ الوَجهَينِ- [760] ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/350)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/462). ، وهو قَولُ أشهَبَ مِن المالِكيَّةِ [761] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/429). .وذلك للآتي:أولًا: لأنَّ بِناءَ الأرضِ وغَرْسَها يُرادُ للدَّوامِ؛ فيُشعِرُ بالصَّرفِ عنِ الوَصيَّةِ والإعراضِ عنها [762] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/462). .ثانيًا: لزَوالِ الاسمِ قبْلَ استِحقاقِ المُوصَى له؛ فكانَ كالتَّلفِ [763] ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/72). .القَولُ الثَّاني: إذا أوصَى المُوصِي بأرضٍ ثمَّ بَناهَا أو غَرَسَها فلا يُعتبَرُ رُجوعًا في الوَصيَّةِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [764] ((الشرح الكبير)) للدَّرْدِير (4/429)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/520). ، ووَجهٌ للحَنابِلةِ [765] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/161). ؛ وذلك لأنَّه يُمكِنُ الاشتِراكُ فيها قِياسًا على الوَصيَّةِ لزَيدٍ بدارٍ مَثلًا، ثمَّ يُوصِي بها لعَمرٍو؛ فلا يَبطُلُ إيصاؤُه بها لزَيدٍ، ويَشترِكانِ بالنِّصفِ فيها [766] ((منح الجليل)) لعُلَيْش (9/521). . انظر أيضا: المَبحثُ الأوَّلُ: رُجوعُ المُوصِي عنِ الوَصيَّةِ.