يصِحُّ وقْفُ المُشاعِ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ [621] عندَ المالكيَّةِ: يصِحُّ إذا قَبِل القِسمةَ، أمَّا إذا لم يَقبَلِ القِسمةَ فإنَّه يصِحُّ عندَ ابنِ حبيبٍ وابنِ الماجِشُونِ. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/627)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/264). ، والشافعيَّةِ [622] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/377)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/362). ، والحنابلةِ [623] ((المبدِع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/237)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/8). ، وهو قولُ أبي يوسفَ مِن الحنفيَّةِ [624] يصِحُّ مطلقًا عندَ أبي يوسفَ. وعندَ محمَّدِ بنِ الحسَنِ: يصِحُّ فيما لا يَحتمِلُ القِسمةَ. ((البناية)) للعيني (7/432، 433)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/218، 219). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن السُّنةعن كعبِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلْتُ: يا رسولَ الله، إنَّ مِن تَوْبَتي أنْ أنخلِعَ مِن مالي صَدَقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: أمسِكْ عليك بعضَ مالِكَ؛ فهو خيرٌ لك. قلْتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهمي الذي بخَيبرَ)) [625] أخرجه البخاري (2757) واللفظ له، ومسلم (2769) مطوَّلًا. .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَه بإخراجِ بعضِ مالِه وإمساكِ بعضِ مالِه، مِن غيرِ تَفصيلٍ بيْنَ أنْ يكونَ مقسومًا أو مُشاعًا [626] ((فتح الباري)) لابن حجر (5/386). .عن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببِناء المسجدِ، فقال: يا بني النَّجَّارِ، ثامِنوني بحائطِكم هذا، قالوا: لا واللهِ لا نَطلُبُ ثَمنَه إلَّا إلى اللهِ)) [627] أخرجه البخاري (2771) واللفظ له، ومسلم (524) مطوَّلًا. .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُنكِرْ عليهم قولَهم في التبرُّعِ بالأرضِ ووقْفِها للهِ، مع أنَّ نصيبَ كلِّ واحدٍ منهم مُشاعٌ غيرُ مُحدَّدٍ [628] ((فتح الباري)) لابن حجر (5/399). .عنِ ابنِ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قال عُمَرُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ المئةَ سهمٍ التي لي بخَيبرَ لم أُصِبْ مالًا قطُّ أعجَبَ إلَيَّ منها، قد أردتُ أنْ أتصدَّقَ بها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: احبِسْ أصْلَها، وسبِّلْ ثَمرتَها)) [629] أخرجه النسائي (3603)، وابن ماجه (2397). وثَّق رجالَ إسنادِه الشوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (6/132)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2397). .وَجهُ الدَّلالةِ:في قولِه: ((إنَّ المئةَ سهْمٍ التي لي بخَيبرَ)) دليلٌ على صِحَّةِ وقْفِ المُشاعِ؛ لأنَّ عمَرَ وَقَفَها ولم تكُنْ مَقسومةً [630] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/32). ويُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/362). . ثانيًا: لأنَّه عقْدٌ يجوزُ على بعضِ الجُملةِ مُفرزًا؛ فجاز عليه مُشاعًا، كالبيعِ [631] ((المبدِع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/237). .ثالثًا: لأنَّ الوقْفَ إسقاطُ الملْكِ، كالإعتاقِ، والشُّيوعُ لا يَمنَعُ العتاقَ، فلا يَمنَعُ الوقْفَ أيضًا [632] ((البناية)) للعيني (7/432). . انظر أيضا: المَبحَثُ الثاني: وقْفُ السِّقايةِ . المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ الكُتبِ.

يجوزُ وقْفُ السِّقايةِ [633] السِّقاية: هو الموضعُ الذي يُتَّخَذُ فيه الشرابُ في المواسمِ وغيرِها. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (14/392)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/245). . الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن السُّنةعن عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((هل تَعلَمون أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَن يَبتاعُ بِئرَ رُومةَ غفَرَ اللهُ له، فأتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلْتُ: قدِ ابتَعْتُ بِئرَ رُومةَ، قال: فاجْعَلْها سِقايةً للمسلمين، وأجْرُها لك)) [634]أخرجه مطولًا النسائيُّ (3606) واللفظُ له، وأحمد (511). صحَّحه ابنُ حبَّانَ في ((صحيحه)) (6920)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3606)، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/248)، وصحَّحه لغيره شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (511). .ثانيًا: مِن الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: النَّوويُّ [635] قال النووي: (إجماعُ المسلمينَ على صِحَّةِ وقفِ المساجدِ والسِّقاياتِ). ((شرح مسلم)) (11/86). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ المُشاعِ [620] المالُ المشاعُ هو: المالُ المختلِطُ بيْن شريكَينِ، ووقْفُ المشاعِ: أن يَقِفَ أحدُ الشَّريكَينِ نصيبَه مِن هذا المالِ. . المَبحَثُ الثالثُ: وقْفُ الكُتبِ.

يجوزُ وقْفُ كُتبِ العِلمِ، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [636] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/643)، ((الشرح الكبير)) للدَّرْدِير (4/85). ، والشافعيَّةِ [637] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/319)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/380). ، والحنابلةِ [638] ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/282). ، وعليه الفتوى عندَ الحنفيَّةِ [639]((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/218)، ((الفتاوى الهندية)) (2/361)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/366). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن السُّنةعن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُمرَ على الصَّدقةِ، فقيل: منَعَ ابنُ جَميلٍ، وخالدُ بنُ الوليدِ، والعبَّاسُ عمُّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يَنقِمُ ابنُ جَميلٍ إلَّا أنَّه كان فقيرًا فأغناهُ اللهُ، وأمَّا خالدٌ فإنَّكم تَظلِمون خالدًا؛ قد احتَبَسَ أدراعَه وأعتادَه في سبيلِ اللهِ، وأمَّا العبَّاسُ فهي علَيَّ، ومِثلُها معها، ثم قال: يا عمَرُ، أمَّا شعَرْتَ أنَّ عمَّ الرجُلِ صِنْوُ أبيهِ؟!)) [640] أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983) واللفظ له. .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ وقْفَ كُتبِ العلمِ مَقيسٌ على السِّلاحُ؛ وذلك لأنَّ فيه نفْعًا مُباحًا مقصودًا، فجازَ وقْفُه كوقْفِ السِّلاحِ [641] ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/243). .ثانيًا: مِن الآثارِعن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: (فما رأَى المسلِمون حَسنًا فهو عندَ اللهِ حسَنٌ، وما رَأَوا سيِّئًا فهو عندَ اللهِ سيِّئٌ) [642] أخرجه من طُرقٍ: أحمدُ (3600) واللفظُ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3602)،والحاكم (4465). صحَّح إسنادَه الحاكمُ، وقال: (وله شاهدٌ أصَحُّ منه، إلَّا أنَّ فيه إرسالًا)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/211)، وقال ابنُ تيميَّةَ في ((منهاج السنة)) (2/77): (إسنادُه معروفٌ)، وذكَر ثُبوتَه ابنُ القيِّمِ في ((الفروسية)) (299)، ووثَّق رجالَه الهَيْثَميُّ في ((مجمع الزوائد)) (1/182)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (65)، والسَّخاويُّ في ((المقاصد الحسنة)) (431)، والألبانيُّ في ((شرح الطحاوية)) (469)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (856)، وحسَّن إسنادَه شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3600). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ وقْفَ الكتُبِ أصبحَ ممَّا يَتعامَلُ عليه النَّاسُ، ويَتعارَفونه بيْنهم، ويَرَونه حَسنًا [643] يُنظر: ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (6/220). .ثالثًا: لأنَّها جِهةٌ مِن جِهاتِ البِرِّ التي يكونُ فيها قُربةٌ [644] يُنظر: ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/281، 282). .رابعًا: إلحاقًا لها بالمصحَفِ؛ لأنَّ كلًّا منهما يُمسَكُ للدِّينِ تَعليمًا وتعلُّمًا وقراءةً [645] ((لسان الحكام)) لابن الشحنة (ص: 294). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ المُشاعِ [620] المالُ المشاعُ هو: المالُ المختلِطُ بيْن شريكَينِ، ووقْفُ المشاعِ: أن يَقِفَ أحدُ الشَّريكَينِ نصيبَه مِن هذا المالِ. . المَبحَثُ الثاني: وقْفُ السِّقايةِ .