يَجوزُ الوقْفُ على جِهةٍ مِن جهاتِ البِرِّ [137] وهو ما يُسمَّى بالوقفِ الخَيريِّ في العصرِ الحاضرِ؛ كالوقفِ على الفُقراءِ والمَساكينِ، والعلماءِ، وطلبةِ العِلمِ، والمساجِدِ، والمدارِسِ. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ [138] يَشترِطُ الحنفيَّةُ أن يكونَ الوقفُ على شَيءٍ فيه معنَى البِرِّ. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/204، 205، 207)، ((الفتاوى الهندية)) (2/357)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/409). ويُنظر: ((منحة الخالق)) لابن عابدين (5/207). ، والمالكيَّةِ [139] ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/135، 136). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/103، 104). ، والشافعيَّةِ [140] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 168)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/247). ، والحنابلةِ [141] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/424)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/252). . وذلك للآتي:أولًا: لعُمومِ أدلَّةِ الوقْفِ [142] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/247). .ثانيًا: لأنَّ الوقْفَ لا يَختصُّ بالمعيَّنِ، بل يصِحُّ الوقْفُ على ذَوي صِفةٍ إلى الأبَدِ [143] ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/252). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: الوقْفُ الذُّرِّيُّ (الأهليُّ) . المَبحَثُ الثالثُ: الوقْفُ المُطلَقُ. المَبحَثُ الرابعُ: الوقْفُ الجماعيُّ [150] الوقفُ الجماعيُّ هو: اشتِراكُ أكثرَ مِن شخصٍ أو جِهةٍ في وقفِ مالٍ على جِهةٍ مِن جِهاتِ البِرِّ؛ مُحدَّدةٍ أو مطْلقةٍ. ومِن صُوَرِ الوقفِ الجماعيِّ: الاشتِراكُ في بناء المساجدِ، والمدارسِ، والأربطةِ، والصُّكوكِ الوَقفيَّةِ، والأسهُمِ الوقفيَّةِ، والصَّناديقِ الوقفيَّةِ. يُنظر: ((قرارات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث المعقود في المدة 11-13 ربيع الثاني 1428هـ بالكويت)) (ص: 403). .

يصِحُّ الوقْفُ المطلَقُ الذي لم يُعيِّنِ الواقفُ له مَصرِفًا؛ كأن يقولَ: هذا البَيتُ وقفٌ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الحنفيَّةِ [144] فصَّل الحنفيَّةُ في الألفاظِ؛ فإذا قال: «صدقةٌ موقوفةٌ» فيَصِحُّ بلا خِلافٍ بيْنهم، أمَّا إذا قال: «موقوفة» فيَصحُّ عندَ أبي يوسفَ، وهو المُفْتى به، وصحَّحه ابنُ نُجَيمٍ وابنُ عابدين. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/205)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/350، 349، 340). ، والمالكيَّةِ [145] ((مختصر خليل)) (212، 213)، ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/32). ، والحنابلةِ [146] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/28)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/295). ، وطائفةٍ مِن الشافعيَّةِ [147] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 169)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/375). .وذلك للآتي:أولًا: لأنَّ الإطلاقَ إذا كان له عُرفٌ صحَّ وصُرِفَ إليه، وعُرْفُ المصرفِ هنا أَولى الجِهاتِ به [148] ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/253). . ثانيًا: لأنَّه إزالةُ مَلْكٍ على وَجْهِ القُربةِ؛ فوجَبَ أنْ يصِحَّ مُطلَقُه، كالوصيَّةِ والأضحيَّةِ [149] ((المغني)) لابن قُدامة (6/23). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: الوقْفُ الذُّرِّيُّ (الأهليُّ) . المَبحَثُ الثاني: الوقْفُ على جِهةٍ مِن جِهاتِ البِرِّ. المَبحَثُ الرابعُ: الوقْفُ الجماعيُّ [150] الوقفُ الجماعيُّ هو: اشتِراكُ أكثرَ مِن شخصٍ أو جِهةٍ في وقفِ مالٍ على جِهةٍ مِن جِهاتِ البِرِّ؛ مُحدَّدةٍ أو مطْلقةٍ. ومِن صُوَرِ الوقفِ الجماعيِّ: الاشتِراكُ في بناء المساجدِ، والمدارسِ، والأربطةِ، والصُّكوكِ الوَقفيَّةِ، والأسهُمِ الوقفيَّةِ، والصَّناديقِ الوقفيَّةِ. يُنظر: ((قرارات منتدى قضايا الوقف الفقهية الثالث المعقود في المدة 11-13 ربيع الثاني 1428هـ بالكويت)) (ص: 403). .

يَجوزُ الوقْفُ الجَماعيُّ.الأدِلَّةُ:أولًا: مِن الكتابِعمومُ قولِ اللهِ تَعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة: 2].ثانيًا: مِن السُّنةعن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببناءِ المسجدِ، فقال: يا بني النَّجَّارِ، ثامِنُوني بحائطِكم هذا. قالوا: لا واللهِ لا نَطلُبُ ثَمنَه إلَّا إلى اللهِ)) [151] أخرجه البخاري (2771) واللفظُ له، ومسلم (524). .وَجهُ الدَّلالةِ:قولُهم: ((والله لا نَطلُبُ ثمنَه إلَّا إلى اللهِ)) يُفهَمُ منه جوازُ الوقْفِ الجماعيِّ؛ وذلك أنَّهم كلَّهم تَصدَّقوا بالأرضِ [152] هذا الحديثُ بوَّب له الإمامُ البخاريُّ بقولِه: (بابٌ إذا أوقَفَ جماعةٌ أرضًا مُشاعًا فهو جائزٌ). ((صحيح البخاري)) (4/11). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/399). .عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن بنى مَسجدًا للهِ كمَفحَصِ قَطاةٍ [153] القَطَاةُ: نوعٌ مِن أنواعِ الطُّيورِ، ومَفحَصُ القَطاةِ: مَقعَدُها ومَوضِعُها الذي تَضَعُ فيه بَيضَها وتَرقُدُ عليه، كأنَّها تَفحَصُ عنه التُّرابَ، أي: تَكشِفُه. والمعنى: أن يَزيدَ في مسجدٍ قدْرًا يحتاجُ إليه، وتكونَ تلك الزِّيادةُ قدْرَ مَفحَصِ القَطاةِ، وهو للمُبالَغةِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/415)، ((لسان العرب)) لابن منظور (15/189)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/545)، ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (1/443). ، أو أصغَرَ؛ بَنى اللهُ له بَيتًا في الجَنَّةِ)) [154] أخرجه ابن ماجه (738) واللفظُ له، وابنُ خُزَيمةَ (1292) مطوَّلًا، والطَّحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (1557) باختلافٍ يسيرٍ، من حديث جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما. صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (1/303)، والعراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (1/206)، والبُوصِيريُّ في ((مصباح الزجاجة)) (1/160)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (1557). وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (738)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (234). .وَجهُ الدَّلالةِ:قولُه: ((كمَفحَصِ قَطاةٍ)) بمعنى أنْ يَشترِكَ جماعةٌ في بناءِ مسجدٍ، فتَقَعَ حِصَّةُ كلِّ واحدٍ منهم ذلك القَدْرَ [155] ((فتح الباري)) لابن حجر (5/399). ، وهذا هو الوقْفُ الجماعيُّ.ثالثًا: مِن الآثارِعن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه، قال: (كانت بَجِيلةُ رُبْعَ النَّاسِ يومَ القادِسِيَّة، فجَعَل لهم عمرُ رضي الله عنه رُبْعَ السَّوادِ [156] السَّوادُ: مِن قُرَى العراقِ ومَزارعِها التى افْتَتحها المسلمونَ على عهدِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضِي الله عنه؛ سُمِّيَت سَوادًا لكَثرةِ خُضْرَتِها، والعربُ تقولُ لكُلِّ أخضَرَ: أسوَدُ. ((معجم البلدان)) للحموي (3/272)، ((مراصد الاطلاع)) لابن شمائل البغدادي (2/750). ، فَأَخَذَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فوَفَدَ عَمَّارٌ إلى عُمَرَ وتبِعه جريرٌ، فقال عمرُ لجريرٍ: لولا أنِّي قاسمٌ مَسؤولٌ لتَركْتُكُم على ما جُعِل لكم، وإنَّ النَّاسَ قد كثُروا فأرى أن تَرُدُّوا عليهم، ففَعل جريرٌ فأجَازه عُمرُ بثَمَانِين دِينارًا) [157] أخرجه الشافعي في ((الأم)) (5/686)، وفي ((المسند)) (ص: 353)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (18839)، وفي ((معرفة السنن والآثار)) (13/328، 331) واللفظ له. قال الشافعيُّ: (أثبَتُ حديثٍ عندَهم فيه). وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((مسند الفاروق)) (2/500). . وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنه بعدَ أنِ استطابَ نُفوسَ الغانمينَ -وهو حقٌّ لهم- جعَلَه وقْفًا للمُسلِمينَ [158] ((الأم)) للشافعي (4/298)، ((المحلَّى)) لابن حزم (5/412). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأولُ: الوقْفُ الذُّرِّيُّ (الأهليُّ) . المَبحَثُ الثاني: الوقْفُ على جِهةٍ مِن جِهاتِ البِرِّ. المَبحَثُ الثالثُ: الوقْفُ المُطلَقُ.