يجِبُ العَدلُ بينَ الأبناءِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ [1438]   وحُكِيَ الإجماعُ على استحبابِ العَدلِ بين الأولادِ في العطيَّةِ. قال ابنُ قدامة: (لا خلافَ بين أهلِ العِلمِ في استحبابِ التَّسويةِ، وكراهةِ التَّفضيلِ). ((المغني)) (6/53). ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [1439]   ((الفروع)) لابن مفلح (7/412)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/105). ، وبَعضِ الحَنَفيَّةِ [1440]   وهو قَولُ أبي يوسف، وأعيانِ المجتهدين عند الحَنَفيَّة. ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين). (4/444). ، وقَولٌ عندَ المالِكيَّةِ [1441]   ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/261، 262)، ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 555). ، وبعضِ الشَّافِعيَّةِ [1442]   ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/307)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/415). ، وهو مَذهَبُ الظَّاهريَّةِ [1443]   قال ابنُ حزم: (لا يحِلُّ لأحدٍ أن يَهَبَ، ولا أن يتصَدَّقَ على أحدٍ مِن وَلَدِه، حتى يعطِيَ أو يتصَدَّقَ على كلِّ واحدٍ منهم بمثلِ ذلك). ((المحلى)) (8/95،97). ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [1444]   قال ابنُ حزمٍ: (هؤلاء أبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعُثمانُ، وقيسُ بنُ سعدٍ، وعائشةُ أمُّ المؤمنين، بحَضرةِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم: لا يُعرَفُ لهم منهم مُخالِفٌ، ثمَّ مُجاهِدٌ، وطاوسٌ، وعطاءٌ، وعُروةُ، وابنُ جُريجٍ، وهو قولُ النخَعيِّ، والشَّعبيِّ، وشُرَيحٍ، وعبدِ اللهِ بنِ شدَّادِ بن الهاد، وابنِ شبرمةَ، وسفيانَ الثوري، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وإسحاقَ بنِ راهَوَيه، وأبي سُليمان، وجميعِ أصحابِنا). ((المحلى)) (8/97). وقال ابن قدامة: (به قال ابنُ المبارك، ورُوِيَ معناه عن مجاهدٍ، وعُروةَ. وكان الحَسَنُ يكرَهُه، ويُجيزُه في القَضاءِ). ((المغني)) (6/52). ، واختاره العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ [1445]   قال العز بن عبد السلام: (يجِبُ التسويةُ بينهم في الهبة، فإن كان بعضُ الأولاد فقيرًا مَضرورًا، وبعضُهم غنيًّا مجبورًا؛ ففي تقديمِ الفقيرِ المضرورِ على الغنيِّ المجبورِ نَظَرٌ واحتمالٌ؛ لأنَّ دَفعَ ضَرَرِ المضرورِ أفضَلُ من تكثيرِ مالِ المجبورِ). ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) (2/140). ،  وابنُ تيميَّةَ [1446]   قال ابن تيمية: (لو فعل ذلك في صِحَّتِه لم يجُزْ ذلك في أصَحِّ قَولَيِ العلماء، بل عليه أن يرُدَّه كما أمر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أن يَرُدَّه حَيًّا ومَيِّتًا، ويَرُدُّه المخَصصُ بعد موتِه). ((مجموع الفتاوى)) (3/294). ، وابنُ القَيِّمِ [1447]   قال ابن القيم: (في لفظٍ: «أشهِدْ على هذا غيري» متفَقٌ عليه، وهذا أمرُ تهديدٍ قَطعًا، لا أمرُ إباحة؛ لأنَّه سمَّاه جَورًا وخلافَ العَدلِ، وأخبر أنَّه لا يَصلُحُ، وأمَرَه برَدِّه، ومحالٌ مع هذا أن يأذَنَ الله له في الإشهادِ على ما هذا شأنُه). ((إعلام الموقعين)) (4/255). ، وابنُ باز [1448]   قال ابن باز: (لا يجوزُ تفضيلُ بَعضِ الأولادِ على بعضٍ في العطايا، أو تخصيصُ بَعضِهم بها؛ فكُلُّهم ولَدُه، وكلُّهم يُرجى بِرُّه، فلا يجوزُ أن يخُصَّ بعضَهم بالعطيةِ دونَ بَعضٍ، واختلف العلماءُ رحمة الله عليهم: هل يُسَوَّى بينهم، ويكونُ الذكرُ كالأنثى، أم يُفَضَّلُ الذكَرُ على الأنثى كالميراثِ؛ على قولينِ لأهلِ العِلمِ، والأرجَحُ أن تكونَ العطيَّةُ كالميراثِ، وأنَّ التسويةَ تكونُ بجَعلِ الذكَرِ كالأُنثَيينِ؛ فإن هذا هو الذي جعله اللهُ لهم في الميراثِ، وهو سبحانَه الحَكَمُ العَدلُ، فيكون المؤمِنُ في عطيَّتِه لأولادِه كذلك، كما لو خَلَّفَه لهم بعد موتِه؛ للذكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيين). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/377). ، وابنُ عُثيمين [1449]   قال ابن عثيمين: (إذا كانت الهِبةُ بين الأولادِ الذُّكورِ أو الإناثِ، فإنَّه يجِبُ التسويةُ بينهم، ولا يجوزُ للإنسانِ أن يفَضِّلَ أحدًا على أحدٍ، أو يعطيَ أحدًا دون أحدٍ). ((الدروس الفقهية من المحاضرات الجامعية)) (3/52). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [1450]   جاء في فتاوى اللَّجنةِ الَّدائِمةِ: (جاءت الشريعةُ الإسلاميةُ السَّمْحةُ بوجوبِ العَدلِ بين الأولادِ؛ ذكورًا وإناثًا؛ ففي الصَّحيحينِ عن النُّعمانِ بنِ بشير رضِيَ الله عنهما: أنَّ أباه وهَبَه غُلامًا، ثم أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيُشهِدَه على ذلك، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أكُلَّ وَلَدِك أعطيتَه مِثلَ هذا؟ قال: لا. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم» وفي روايةٍ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إني لا أشهَدُ على جَورٍ». فيلزم والِدَك إن أراد قسمةَ مالِه أو بعضِ مالِه بين أولادِه أن يَقسِمَه على الذُّكورِ والإناثِ وَفقَ المواريثِ الشَّرعيَّةِ: للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيينِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/197). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ الله عنهما قال: ((سألتْ أمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لي مِن مالِه، ثمَّ بدا له فوَهَبَها لي، فقالت: لا أرضى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخَذَ بيدِي وأنا غُلامٌ، فأتى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أمَّهُ بنتَ رواحَةَ سألَتْني بعضَ المَوهِبةِ لهذا، قال: ألكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعم، قال: فأُراهُ قال: لا تُشهِدْني شَهادةَ جَورٍ)) [1451]   أخرجه البخاري (2650). .وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمَّاه جَورًا، وأمَرَ برَدِّه، وامتنَعَ مِنَ الشَّهادةِ عليه، والجَورُ حَرامٌ [1452]   ((المغني)) لابن قدامة (6/52). .ثانيًا: لأنَّ تَفضيلَ بَعضِهم يُورِثُ بينهم العَداوةَ والبَغضاءَ وقَطيعةَ الرَّحِمِ؛ فمُنِعَ منه [1453]   ((المغني)) لابن قدامة (6/52). . انظر أيضا: المَبحَثُ الثَّاني: كيفيَّةُ العَدلِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تَفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لِمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ لبِرِّه ورعايتِه له. المَبحَثُ الخامِسُ: إعطاءُ بَعضِ الوَرَثةِ هِبةً دونَ بَعضٍ.

الهِبةُ والعَطيَّةُ بينَ الأولادِ تكونُ بقَدرِ أنصِبَتِهم في الميراثِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [1454]   ((المبدع)) لابن مفلح (5/285)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/103). ، وقولٌ للمالكيَّةِ [1455]   ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (13/371)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/262). ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [1456]   ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/309)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/416). ، وبه قال محمَّدُ بنُ الحَسَنِ مِنَ الحَنَفيَّةِ [1457]   ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/25). ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [1458]   قال ابنُ حزم: (قال شريح، وأحمد، وإسحاق: العَدلُ أن يعطِيَ الذَّكَرَ حَظَّينِ، والأنثى حَظًّا). ((المحلى)) (8/97). وقال ابن مفلح: (قال عطاءٌ: ما كانوا يقتَسِمونَ إلا على كتابِ الله تعالى. وقاله عطاء، وشريح، وإسحاق). ((المبدع)) (5/285). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ [1459]   قال ابن تيمية: (يجِبُ التعديلُ في عطيَّةِ أولادِه على حَسَبِ ميراثِهم، وهو مذهبُ أحمدَ، مُسلِمًا كان الولدُ أو ذمِّيًّا). ((الفتاوى الكبرى)) (5/435). ، وابنُ باز [1460]   قال ابن باز: (اختلف العلماءُ رحمة الله عليهم: هل يُسَوَّى بينهم، ويكونُ الذكرُ كالأنثى، أم يُفَضَّلُ الذكَرُ على الأنثى كالميراثِ؛ على قولينِ لأهلِ العِلمِ، والأرجَحُ أن تكونَ العطيَّةُ كالميراثِ، وأنَّ التسويةَ تكونُ بجَعلِ الذكَرِ كالأُنثَيينِ؛ فإن هذا هو الذي جعله اللهُ لهم في الميراثِ، وهو سبحانَه الحَكَمُ العَدلُ، فيكون المؤمِنُ في عطيَّتِه لأولادِه كذلك، كما لو خَلَّفَه لهم بعد موتِه؛ للذكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيين). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/377). ، وابنُ عُثيمين [1461]   قال ابنُ عثيمين: (القَولُ الرَّاجِحُ: أنَّ الأولادَ يُعطَونَ على حَسَبِ ما ذكَرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ في كتابِه في إرثِهم). ((الشرح الممتع)) (11/79، 80). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [1462]   ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/197). ؛ وذلك اقتداءً بقِسمةِ اللهِ تعالى للميراثِ، وقياسًا لحالِ الحياةِ على حالِ الموتِ، وهو تعجيلٌ لِما يَصِلُ إليهم بعد الموتِ، فأشبَهَ الميراثَ [1463]   ((المبدع)) لابن مفلح (5/285)، ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (4/25)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 316). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّلُ: العَدلُ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تَفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لِمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ لبِرِّه ورعايتِه له. المَبحَثُ الخامِسُ: إعطاءُ بَعضِ الوَرَثةِ هِبةً دونَ بَعضٍ.

يجوزُ تَفضيلُ بَعضِ الأولادِ في الهِبةِ إذا كان لِمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ [1464]   من المسَوِّغاتِ الشَّرعيَّةِ التي ذكرها العُلَماءُ في تفضيلِ بَعضِ الأولادِ في الهبةِ: حاجةُ الابنِ وفَقرُه دون إخوانِه، أو مَرَضُه، أو ضَعفُه وعَدَمُ اعتمادِه على نفسِه، أو اشتغالُه بطَلَبِ العلمِ، أو أن يمنعَ الأبُ بعضَ أولادِه لفِسقِه أو لبِدعتِه؛ لكونِه يستعينُ بما يأخُذُه على معصيةِ اللهِ. ، وهو قَولٌ للحَنابِلةِ [1465]   قال المرداوي: (قيل: إن أعطاه لمعنًى فيه؛ من حاجةٍ، أو زَمَانةٍ، أو عَمًى، أو كثرةِ عائلةٍ، أو لاشتغالِه بالعِلمِ، ونَحوِه، أو مَنَع بَعضَ وَلَدِه لفِسقِه أو بِدعتِه، أو لِكَونِه يعصي اللهَ بما يأخُذُه، ونحوِه: جاز التَّخصيصُ ... وقد رُوِيَ عن الإمامِ أحمد رحمه الله ما يدُلُّ على ذلك؛ فإنَّه قال في تخصيصِ بَعضِهم بالوَقفِ: لا بأسَ إذا كان لحاجةٍ، وأكرَهُه إذا كان على سبيلِ الأَثَرةِ. والعَطيَّةُ في معنى الوَقفِ). ((الإنصاف)) (7/105). اختاره ابنُ قُدامةَ [1466]   قال البهوتي: (قيل: إن أعطاه لمعنًى فيه؛ من حاجةٍ، أو زَمَانةٍ، أو عَمًى، أو كثرةِ عائلةٍ، أو لاشتغالِه بالعِلمِ، ونَحوِه، «كصَلاحِه»، أو مَنَع بَعضَ وَلَدِه لفِسقِه أو بِدعتِه، أو لِكَونِه يعصي اللهَ بما يأخُذُه، ونحوِه: جاز التَّخصيصُ «والتَّفضيلُ بالأَولى». اختاره الموفَّقُ وغَيرُه). ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/311). ، وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ [1467]   قال ابنُ حزم: (لكِنْ يُنفِقُ على كلِّ امرئٍ منهم بحَسَبِ حاجتِه، ويُنفِقُ على الفقيرِ منهم دونَ الغنيِّ). ((المحلى)) (8/95). ، والعِزِّ بنِ عبدِ السَّلامِ [1468]   قال العزُّ بن عبد السلام: (يجِبُ التَّسويةُ بينهم في الهبةِ، فإن كان بعضُ الأولادِ فقيرًا مضرورًا، وبعضُهم غنيًّا مجبورًا؛ ففي تقديمِ الفقيرِ المضرورِ على الغنيِّ المجبورِ نَظَرٌ واحتمالٌ؛ لأنَّ دَفعَ ضَرَرِ المضرورِ أفضَلُ مِن تكثيرِ مالِ المجبورِ). ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) (2/140). ، وابنِ تَيميَّةَ [1469]   قال ابنُ تيمية: (على الرجُلِ أن يعدِلَ بين أولادِه، كما أمر اللهُ ورَسولُه؛ فقد ثبت في الصحيحينِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لبشيرِ بن سعد لَمَّا نحَلَ ابنَه النعمانُ نَحْلًا، وأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُشهِدَه على ذلك، فقال له: «اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم، وقال: لا تُشهِدْني على هذا؛ فإني لا أشهَدُ على جَورٍ، وقال له: اردُدْه» فردَّه بشير. وقال له على سبيل التهديدِ: «لا، أشهِدْ على هذا غيري». لكن إذا خَصَّ أحدَهما بسَبَبٍ شَرعيٍّ، مِثلُ: أن يكونَ محتاجًا مُطيعًا لله، والآخَرُ غنيٌّ عاصٍ يستعينُ بالمالِ على المعصيةِ، فإذا أعطى مَن أمَرَ اللهُ بإعطائِه، ومنع مَن أمَرَ اللهُ بمَنعِه؛ فقد أحسَنَ). ((مجموع الفتاوى)) (31/295). ، وابنِ باز [1470]   قال ابن باز: (قال: «أشهِدْ على هذا غيري؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَورٍ»، فدَلَّ ذلك على أنَّ تخصيصَ بَعضِ الأولادِ دونَ بَعضٍ: مِنَ الجَورِ، ولا يجوزُ، بل إمَّا أن يؤتيَهم كُلَّهم، وإمَّا أن يَدَعَهم كُلَّهم، إلَّا إذا كان التَّخصيصُ لأجلِ الفَقرِ: هذا فقيرٌ، وهذا غنيٌّ، ينفِقُ على الفقيرِ قَدْرَ حاجتِه، أو هذا صغيرٌ ما له شَيءٌ، وهذا كبيرٌ له أسبابٌ). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 577). ، وابنِ عُثيمين [1471]   قال ابن عثيمين: (لا يحِلُّ لأحدٍ أن يُحابيَ بَعضَ أولادِه دونَ بَعضٍ، بل عليه أن يسوِّيَ بينهم في العطيَّةِ بما قد سَوَّى الله بينهم، وذلك أن يعطيَ الذَّكَرَ مِثلَ حَظِّ الأُنثَيينِ، هذا في العطيةِ المحضِ، أي: التبرُّعِ المحضِ، أمَّا ما كان لدَفعِ الحاجةِ؛ فإنَّ العَدلَ بينهم أن يُعطيَ كُلَّ واحدٍ منهم ما يحتاجُ إليه، سواءٌ كان بقَدرِ ما أعطى الآخَرَ، أو أكثَرَ، أو دونَه؛ فمثلًا: إذا كان الابنُ الكبيرُ يحتاجُ إلى كتبٍ للدراسةِ، وإلى أعمالٍ أخرى للدِّراسةِ، وأعطاه ما يشتري به الكُتُبَ والأعمالَ الأُخرى، ولم يُعطِ الآخَرينَ الذين لا يحتاجونَ مِثلَه؛ فليس ذلك من التفضيلِ، بل هذا من العَدلِ، فإذا بلغ هؤلاء مِثلَ ما بلغ الأوَّلُ واحتاجوا مِثلَ ما احتاج، أعطاهم مثلَ ما أعطى الأوَّلَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/298). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1472]   جاء في فتاوى اللَّجنةِ الَّدائِمةِ: (المشروعُ في عطيَّةِ الأولادِ هو التَّسويةُ بينهم في العَطاءِ على السَّواءِ، ولا يجوزُ التَّفضيلُ إلَّا لمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ؛ لِكَونِ أحدِهم مُقعدًا، أو صاحِبَ عائلةٍ كبيرةٍ، أو لاشتغالِه بالعِلمِ؛ أو صَرْفِ عَطيَّةٍ عن بعضِ وَلَدِه؛ لفِسقِه أو بِدعتِه، أو لِكَونِه يعصي اللهَ فيما يأخُذُه). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/193). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الآثارِعن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها أنَّها قالت: (إنَّ أبا بكرٍ كان نحَلَها جَذاذَ عِشرينَ وَسْقًا مِن مالِه بالعاليةِ، فلمَّا حضَرَتْه الوفاةُ، قال: واللهِ يا بُنَيَّةُ، ما مِنَ النَّاسِ أحَبُّ إليَّ غِنًى بعدي مِنكِ، ولا أعزُّ عليَّ فَقرًا منكِ، وإنِّي كنتُ نحَلْتُكِ مِن مالي جَذاذَ عِشرينَ وَسْقًا، فلو كُنتِ جَذَذْتيه واحتَزتِيه كان لكِ، فإنَّما هو اليومَ مالُ وارثٍ، وإنَّما هو أخوك وأختاك، فاقسِموه على كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، قالت: يا أبتِ، واللهِ لو كان كذا وكذا لترَكْتُه، إنَّما هي أسماءُ، فمَن الأُخرى؟ قال: ذو بطنِ بِنتِ خارِجةَ، أُراها جاريةً، فوَلَدَت جاريةً) [1473]   أخرجه مالك في ((الموطأ)) برواية محمد بن الحسن الشيباني (808) واللفظ له، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (5844)، والبيهقي (12298). صحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/144)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1619). .وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ أبا بكرٍ خَصَّ عائِشةَ دونَ أبنائِه بهِبةٍ؛ لِمَعنًى في ذلك [1474]   ((المغني)) لابن قدامة (6/52)، ((كشاف القناع)) للبهوتي ((4/311). .ثانيًا: لأنَّه مِن بابِ دَفعِ الضَّرَرِ عن المحتاجِ، وهو أفضَلُ مِن تكثيرِ مالِ الغَنيِّ [1475]   ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) للعز بن عبد السلام (2/140). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّلُ: العَدلُ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّاني: كيفيَّةُ العَدلِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ لبِرِّه ورعايتِه له. المَبحَثُ الخامِسُ: إعطاءُ بَعضِ الوَرَثةِ هِبةً دونَ بَعضٍ.

لا يجوزُ تَفضيلُ أحَدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ؛ مِن أجلِ بِرِّه بوالِدَيه، أمَّا إذا كان يعمَلُ معه في عَمَلِه دونَ غَيرِه من الأبناءِ، فيَجعَلُ له الأبُ أُجرةً بقَدرِ ما يُعطاه العامِلُ، نصَّ عليه ابنُ باز [1476]   قال ابنُ باز: (لا بُدَّ مِن التَّسويةِ والعَدلِ في العطيَّةِ بين الرِّجالِ والنِّساءِ؛ للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيينِ، كالإرثِ، ولا يُوصى لهم أيضًا، لا بدَّ أن يكونوا سواءً في العطيَّةِ، لا يخصُّ أحدًا دون أحدٍ، ولو كان بعضُهم أبَرَّ به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/57). وقال: (ليس للوالِدِ أن يخُصَّ بعضَ أولادِه بشَيءٍ مِن المالِ على سبيلِ التَّخصيصِ والإيثارِ؛ لقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم» رواه البخاري ومسلم، لكِنْ إذا كان بعضُ الأولادِ في حاجةِ أبيه، وبعضُهم قد يخرُجُ عنه؛ فإنَّه يجوزُ للوالدِ أن يجعَلَ لابنِه المطيعِ القائِمِ بأعمالِه راتِبًا شَهريًّا أو سنويًّا بقَدرِ عَمَلِه، كالعامِلِ الأجنبيِّ أو أقَلَّ، مع مراعاةِ نفَقتِه إذا كان يُنفِقُ عليه، وليس في هذا ظُلمٌ لبقيَّةِ الأولاد؛ لكَونِهم هم الذين تباعَدوا عن والِدِهم ولم يقوموا بحَقِّه، هذا هو الذي يظهَرُ لي مِنَ الشَّرعِ المطَهَّرِ الذي جاء بتحصيلِ المصالحِ وتكميلِها، وتعطيلِ المفاسِدِ وتقليلِها، والذي جاء بشرعيَّةِ مجازاةِ المحسِنِ على إحسانِه، والمسيءِ بإساءتِه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/53). ، وابنُ عُثيمين [1477]   ورَدَ على ابن عثيمين سؤالٌ جاء فيه: أنَّ لها ثلاثةً مِن الولَدِ، يقومُ الأكبَرُ برعايتها، بينما الآخرانِ يَصرِفان عليها، هل لها أن تعطيَ الأكبَرَ أكثَرَ؟ فأجاب (أمَّا مَيلُها إلى الكبيرِ؛ لِكَونِه يحسِنُ إليها فهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ فإنَّ النفوسَ ميالةٌ إلى من يحسِنُ إليها، وأما تفضيلُه بدراهِمَ، فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ بِرَّه ثوابُه عندَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، فلا يحِلُّ لها أن تخُصَّه بشيءٍ مِن المالِ؛ مِن أجلِ بِرِّه بها، بل تدعو له بالخيرِ والتوفيقِ والنَّجاحِ في الدُّنيا والآخرةِ، وفي هذا كفايةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). وورد عليه سؤالٌ يقولُ فيه السَّائِلُ: هل يجوزُ أن أخُصَّ ولدي بشيءٍ مِن أراضٍ لي مقابِلَ خِدمتِه لي دونَ إخوتِه الذين لا يسألونَ عني؟ فأجاب: (إذا كان يعمَلُ معك فإن كان متبَرِّعًا يريدُ بذلك ثوابَ البِرِّ، فلا تُعْطِه شيئًا، وأمَّا إذا كان يتشَوَّفُ إلى أن تجعَلَ له شيئًا، فهنا لا حرجَ أن تجعَلَ له أُجرةً بقَدرِ ما يُعطاه غيرُه؛ فمثلًا: لو قُدِّرَ أنَّ هذا الولَدَ أجنبيٌّ ليس ولدًا لك، وأجرتُه في الشَّهرِ خَمسُمئةُ ريال، فأعطِه خمسَمئة ريال، ولا حرج ما دام يعمَلُ عندك، أو أعطِه سَهمًا مِن الرِّبحِ بقَدرِ ما يعمَلُ به من المالِ، كمُضارِبِ أجنبيٍّ، أما الآخرانِ اللذان ذَكَر عنهما ما ذَكَر، فإني أنصَحُهما أن يتوبَا إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأن يبَرَّا بوالِدِهما، أخشى عليهما من العقوبةِ في الدُّنيا قبل الآخرةِ، ومَن بَرَّ بأبيه بَرَّ به أبناؤه). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/316). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1478]   جاء في فتاوى اللَّجنةِ الَّدائِمةِ: (لا يجوزُ للوالِدَينِ التَّفضيلُ في العَطيَّةِ بينَ أولادِهما؛ لِقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بين أولادِكم»، ولأنَّ ذلك يُسَبِّبُ الحسَدَ والحِقدَ، والبَغضاءَ والشَّحناءَ والقَطيعةَ بين الإخوةِ، وكلُّ ذلك يتنافى مع مقاصِدِ الشَّريعةِ المطَهَّرةِ التي جاءت بالحَثِّ على التآلُفِ والترابُطِ والتوادِّ، والتعاطُفِ بين الأقارِبِ والأرحامِ. والواجِبُ على الوالِدَينِ استِصلاحُ أولادِهما العاقِّينَ بطُرُقٍ لا تشتَمِلُ على مفاسِدَ في العاجِلِ والآجِلِ في حياةِ الأسرةِ، مع كثرةِ الدُّعاءِ لهم بالاستِقامةِ والصَّلاحِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/225). وجاء فيها أيضًا: (يلزمُ الوالِدَ العَدلُ بين أولادِه فيما يعطيهم مِن مالِه: للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثيَينِ؛ لِقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعدِلوا بينَ أولادِكم». والذين يَشتَغِلونَ معه إذا طلبوا مقابِلًا عن عَمَلِهم، فإنَّه يُعطيهم مِثلَ ما يُعطي غيرَهم مِنَ الأُجراءِ أجرةً عن عمَلِهم، والذين دفعوا له مالًا بنيَّةِ المشاركةِ يكونون شُرَكاءَ له بقَدْرِ ما دفَعوا له مِن مالٍ، وأما ما يعطيهم مِن مالِه فإنَّه يجِبُ عليه العدلُ بينهم؛ من كان عنده ومَن كان خارجًا عنه، من يشتَغِلُ معه ومن لا يشتَغِلُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالعَدلِ بينهم في العَطيَّةِ، وسَمَّى عطيةَ بَعضِهم دونَ بعضٍ جَورًا؛ فيجِبُ على الأبِ أن يتَّقيَ اللهَ في ذلك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/223). ؛ وذلك لأنَّ بِرَّه بوالِدَيه أجرُه مِنَ اللهِ، وهو واجِبٌ عليه؛ فلا يتميَّزُ في العَطاءِ بسَبَبِه [1479]   ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (9/313). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّلُ: العَدلُ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّاني: كيفيَّةُ العَدلِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تَفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لِمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المَبحَثُ الخامِسُ: إعطاءُ بَعضِ الوَرَثةِ هِبةً دونَ بَعضٍ.

يجوزُ أن يُعطِيَ الشَّخصُ مِن مالِه ما شاء لبَعضِ الوَرَثةِ، إذا كان في صِحَّتِه وغيرَ مَريضٍ مَرَضَ الموتِ، على ألَّا يُفَضِّلَ أحَدَ أولادِه على أحدٍ، نَصَّ عليه ابنُ باز [1480]   قال ابن باز: (إذا كان أوصى بالمالِ لبناتِه أو لبَعضِ ورَثتِه، فالوصيَّةُ باطلةٌ؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وَصيَّةَ لوارِثٍ»... أمَّا إن كان قد أعطاهم في الصِّحَّةِ، قد أعطى بناتِه في صِحَّتِه وسلامتِه، وليس له أولادٌ آخَرونَ، بل بناتٌ فقط، أو أعطى أولادَه جميعًا وسَوَّى بينهم في صِحَّتِه، قَسَم بينهم: فإنَّ هذا نافِذٌ، وليس لأحدٍ الاعتراضُ عليه ما دام في الصِّحَّةِ، ما هو في المَرَضِ، وليس وصيَّةً، إذا كان مثلًا في صِحَّتِه عِندَه بِنتانِ وولَدٌ، فأعطاهم أراضيَ، أعطاهم بيوتًا أو نقودًا قسَّمَها بينهم؛ فلا بأسَ، وعَدَلَ بينهم، لا حَرَجَ، للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيينِ، أو له زوجةٌ وأعطاها في صِحَّتِه بَيتًا، أو أعطاها أرضًا، أو سيارةً؛ لا بأس، أو أعطى بعضَ أقارِبِه الوارثينَ، أعطى إخوتَه الوَرَثةَ في صِحَّتِه؛ فلا بأسَ). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/424). وورد إليه أيضًا سؤالٌ جاء فيه: أنا متزوِّجٌ امرأةً صالحةً، ولم يرزُقْني اللهُ منها بولَدٍ، وقد أكَّد الأطبَّاءُ على عدَمِ قُدرتِها على الإنجابِ، ولا أملِكُ غيرَ البيتِ الذي نسكُنُ فيه، فهل يمكِنُني أن أُسَجِّلَ البيتَ الذي نسكُنُ فيه باسمِها حتى يكونَ عَونًا لها في حياتِها، أم أنَّ هذا محرَّمٌ؟ عِلمًا بأنَّها زوجتي الوحيدةُ، ولا أنوي الزواجَ مرَّةً أخرى، ولي سِتَّةٌ مِن الإخوةِ والأخواتِ. فأجاب: (لا حرجَ في ذلك إذا أعطيتَها بَيتَك، سجَّلْتَه باسمِها في صِحَّتِك، فلا بأس، أمَّا في حالةِ المرَضِ فلا). ((فتاوى نور على الدرب)) (19/378). ، وابنُ عُثيمين [1481]   قال ابن عثيمين: (إذا أوصى شخصٌ لأحَدِ ورثتِه بزائدٍ على ميراثِه، فقد تعدَّى حدودَ اللهِ، أمَّا إذا كَتَبَت المنزِلَ لأولادِها في حياتِها؛ بأن وهبَتْه لهم في حياتِها دون زوجِها، فإنَّ هذا لا بأسَ به إذا كانت حينَ الهبةِ صَحيحةً غيرَ مريضةٍ مَرَضَ الموتِ المَخُوفِ؛ فإنَّ هِبتَها لأولادِها مَنزِلَها دونَ زَوجِها: هِبةٌ صَحيحةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). وقال في جوابٍ عن سؤال آخرَ: (هذه المرأةُ -كما قال السَّائِلُ- وَرِثَت من أبيها ثمَّ أعطَت أخاها جميعَ ما وَرِثَته من أبيها، وأحَدُ أبنائِها يسألُ: هل هذه العطيَّةُ جائزةٌ، فنقولُ: إذا كانت هذه العطيَّةُ في حالِ صِحَّتِها فإنَّها جائزةٌ؛ فلها أن تتصَرَّفَ في مالِها بما شاءت غيرَ أنَّها لا تفَضِّلُ أحدًا من أولادِها على أحدٍ، أمَّا أن تعطِيَ أخاها أو أحدًا من أقاربِها سِوى أولادِها، فلها الحَقُّ في ذلك، ولا أحَدَ يمنَعُها منه ... أمَّا إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراثَ التي ورِثَتْه من أبيها، في مَرَضِ مَوتِها المَخُوفِ أو ما في حُكمِه، فلا؛ فإنَّه ليس لها أن تتصَرَّفَ فيما زاد على الثُّلُثِ، فإن كان إرثُها من أبيها أكثَرَ مِن ثُلُثِ مالِها، فإنَّه يتوقَّفُ على إجازةِ الوَرَثةِ، وأمَّا إذا كان أقَلَّ مِن ثُلُثِ مالِها عند موتِها، فإنَّ عَطيَّتَها تامةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). ،  وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1482]   ورد على اللَّجنةِ الدَّائمةِ السُّؤالُ التالي: أريدُ أن أهَبَ الثُّلُثَ ممَّا أملِكُ لزوجتي مقابِلَ تفانيها والسَّهرِ على خِدمتي، فهل يجوزُ لي ذلك؟ فأجابت اللَّجنةُ: (يجوزُ لك أن تهَبَ لزَوجتِك ما ذكَرْتَ هِبةً مُنجَزةً في حياتِك؛ لِقاءَ إحسانِها إليك وخِدمتِها لك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/187). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ إباحةُ تصَرُّفِ الإنسانِ في مالِه كيف شاء، وإنَّما وَجَبَت التَّسويةُ بين الأولادِ بالحَديثِ، وليس غيرُهم في معناهم [1483]   ((المغني)) لابن قدامة (6/54). ويُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (9/313). . انظر أيضا: المَبحَثُ الأوَّلُ: العَدلُ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّاني: كيفيَّةُ العَدلِ في الهِبةِ والعَطيَّةِ بينَ الأولادِ. المَبحَثُ الثَّالِثُ: تَفضيلُ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ لِمُسَوِّغٍ شَرعيٍّ. المَبحَثُ الرَّابِعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ لبِرِّه ورعايتِه له.